رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ولعك أيضا ممن يرفع قبر وليه ويزخرفه ويشيده ويشتغل بظاهره ويغفل عن باطنه
ولا يدري هل أبيض على من فيه أو أسود وهل انفرج له أو انسد وما ساكنه اشقي
أم سعيد غوي أو رشيد وأحسن عنده أن يتصدق بتلك النفقة عنه ليزداد بها حسنة
أو يحط عنه بها سيئة
وأنشدوا
( ليت شعري ساكن القبر المشيد ... هل وجدت اليوم فيه من مزيد )
( وهل الباطن فيه مثل ما ... هو في الظاهر تزويقا وشيد )
( وهل الأركان منه بالتقى ... نيرات أو بأعمالك سود )
( وهل المضجع فيه لين ... أو سعير ما لها فيه خمود )
( ليت شعري ساكن القبر المشيد ... أشقي أنت فيه أم سعيد )
( أقريب أنت من رحمة من ... وسع العالم إحسانا وجود )
( أم بعيد أنت منها فلقد ... طرقت دارك بالويل البعيد )
ولا يدري هل أبيض على من فيه أو أسود وهل انفرج له أو انسد وما ساكنه اشقي
أم سعيد غوي أو رشيد وأحسن عنده أن يتصدق بتلك النفقة عنه ليزداد بها حسنة
أو يحط عنه بها سيئة
وأنشدوا
( ليت شعري ساكن القبر المشيد ... هل وجدت اليوم فيه من مزيد )
( وهل الباطن فيه مثل ما ... هو في الظاهر تزويقا وشيد )
( وهل الأركان منه بالتقى ... نيرات أو بأعمالك سود )
( وهل المضجع فيه لين ... أو سعير ما لها فيه خمود )
( ليت شعري ساكن القبر المشيد ... أشقي أنت فيه أم سعيد )
( أقريب أنت من رحمة من ... وسع العالم إحسانا وجود )
( أم بعيد أنت منها فلقد ... طرقت دارك بالويل البعيد )
( ولقد حل بأرجائك ما ... ضاق عنه كل ما في ذا الوجود )
( أيها الغافل مثلي وإلى ... كم تعامى وتلوى وتحيد )
( ادن فاقرأ فوق رأسي أحرفا ... خرجت ويحك من قلب عميد )
( صرعته فكرة صادقة ... وهموم كلما تمضي تعود )
( وندامات لأيام مضت ... هو منها في قيام وقعود )
( وغدا ترجع مثلي فاتعظ ... بي وإلا فامض واعمل ما تريد )
( قد نصحناك فإن لم تره ... سيراه بصر منك حديد )
واعلم رحمك الله أن الشيء الممكن وجوده لا يعرف مقداره على الحقيقة إلا
إذا عدم وفقد وطلب فلم يوجد كما قال القائل
( مر الشباب ولم أقدر أراجعه ... ولم أحييه إلا بعدما انصرفا )
( والمرء يجهل قدر الشيء يمكنه ... حتى إذا فاته إمكانه عرفا )
ألا ترى رحمك الله أن الصحة لا يعرف مقدارها على الحقيقة إلا المرضى
والعافية لا يعرف مقدارها إلا المبتلى فكذلك الحياة لا يعرف مقدارها إلا
الموتى لأنهم قد ظهرت لهم الأمور وانكشفت لهم الحقائق وتبدت لهم المنازل
وعلموا مقدار الأعمال الصالحة إذ ليس ينفق هناك إلا عمل صالح زكي ولا
يرتفع هناك إلا عبد تقي وكلما ازداد هنا عملا صالحا كان هناك أرفع درجة
واشرف رتبة وأكثر وجاهة وكلما ازداد في الدنيا فضيلة كان أقرب إلى الله
وسيلة
فلما استبان لهم ذلك وعلموا مقدار ما ضيعوا وقيمة ما فيه
فرطوا ندموا وأسفوا وودوا لو أنهم إلى الدنيا رجعوا وإلى حالتهم الاولى
ردوا وكل على حاله فالذي عمل صالحا يود أن لو رجع إلى الدنيا فازداد من
عمله الصالح وأكثر من متجره الرابح
والمقصر يود لو رد فاستدرك ما فات ونظر فيما فرط فيه
فالمفرط المهمل بالجملة يكون تمنيه الرجوع أكثر وحرصه على الإقالة أشد كل
يتكلم عن حاله ويخبر عما هو فيه حتى قال الشهيد الذي قتل في
سبيل
الله لما قيل له ما تشتهي قال أريد أن أرجع إلى الدنيا فأقاتل فأقتل مرة
أخرى وذلك لما يرى من فضل الشهادة وازدحام الحور العين عليه حال قتله
وقال غيره رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت وقالوا يا ليتنا نرد فنعمل
غير الذي كنا نعمل
وقال صلى الله عليه و سلم ما من أحد يموت إلا ندم قالوا وما ندامته يا
رسول الله قال إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم أن لا
يكون نزع أخرجه الترمذي
ويروى أن رجلا جاء إلى القبور وصلى ركعتين
ثم اضطجع على شقه فنام فرأى صاحب القبر في المنام فقال له يا هذا إنكم
تعملون ولا تعلمون ونحن نعلم ولا نعمل ولأن تكون ركعتاك في صحيفتي أحب إلي
من الدنيا وما فيها
وقال بعض الصالحين مات أخ لي في الله فرأيته في
النوم فقلت له يا فلان ما فعل الله بك عشت الحمد لله رب العالمين قال لي
لأن أقدر يعني علي أن أقول الحمد لله رب العالمين أحب إلي من الدنيا وما
فيها ثم قال ألم تر حيث كانوا يدفنونني فإن فلانا جاء فصلى ركعتين لأن
أكون أقدر على أن أصليهما أحب إلي من الدنيا وما فيها
ألا ترى رحمك
الله إلى ندمهم على تفريطهم وتأسفهم على تضييعهم ندموا والله حيث لا ينفع
الندم وطلبوا مالا يمكن وسألوا فيما لا يجوز فتركوا على حالهم ولم يسعفوا
في سؤالهم وبقي كل واحد منهم فيما هو فيه
ولما أشرف بعضهم على
الآخرة وأخذ في الانحدار إلى أوديتها والتدلي في مهاويها وأراد التمسك فلم
يمكنه ذلك وأراد التثبيت فلم يقدر عليه والرجوع فلم يجد إليه سبيلا أمر أن
يكتب على قبره كذا ويرسم عليه كذا ليكون تذكرة لمن رآه وموعظة لمن مر به
كما قال القائل
( أيها الماشي بين القبور ... غافلا عن حقيقة المقبور )
( أنا ميت كما تراني طريح ... بين أطباق رضمة وصخور )
( ادن مني أنبيك عني ... ولا ينبيك عني مثل خبير )
( أنا في بيت غربة وانفراد ... مع قربي من جيرتي وعشيرتي )
( ليس لي فيه مؤنس غير سعي ... من صلاح سعيته أو فجور )
( وكذا أنت فاتعظ بي وإلا ... فعذيري منك الغداة عذير )
فمن رأى قبرا فإنما رأى واعظا يعظه ومذكرا يذكره فإن كان القبر ساكتا فإنه
ناطق بلسان الحال ومفصح بما يكون منك في المآل فكأنه إنما يخاطبك إنسان
ويبين لك عاقبتك ويقول لك يا هذا كنت حيا مثلك وقد مت وكذلك أنت تموت
فضيعت أمر ربي وندمت وكذلك إن ضيعت أمر ربك ستندم كما قال القائل
( ألا قل لماش على قبرنا ... غفول عن أشياء حلت بنا )
( سيندم يوما لتفريطه ... كما قد ندمنا لتفريطنا )
( فويحك كف خطام الهوى ... وقدم جميلا تفز بالمنى )
والسعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه وإنما هي ساعة واحدة وإن طال
المدى وامتد العمر واتصلت الأيام كما قال القائل
( وإنما عمرك المرجى ... هذا الذي نلته كساعة )
( وقال الأصمعي أصيب حصير حول الحيرة أجرد فيه رجل عليه خلقان وعند رأسه
لوح مكتوب فيه أنا عبد المسيح بن حيان بن نفيلة
( حلبت الدهر أشطره حياتي ... ونلت من المنى فوق المزيد )
( وكافحت الأمور وكافحتني ... فلم أخضع لمعضلة كؤود )
( وكدت أنال بالشرف الثريا ... ولكن لا سبيل إلى الخلود )
وحدثني أبو الطاهر السلفي نزيل الإسكندرية فيما أذن لي أن أحدث
به عنه
بإسناده إلى وهب بن منبه قال أصيب على قبر إبراهيم الخليل مكتوبا خلفه على
حجر
( ألهى جهولا أمله ... يموت من جاء أجله )
( وكيف يبقى آخر ... قد مات عنه أوله )
( ومن دنا من حتفه ... لم تغن عنه حيله )
ووقع في كتاب المجالسة لأبي بكر أحمد بن مروان المالكي الدينوري ووجد على
قبره مكتوبا
( يا أيها الناس كان لي أمل ... قصر بي عن بلوغه الأجل )
( فليتق الله ربه رجل ... أمكنه في حياته العمل )
( ما أنا وحدي نقلت حيث تروا ... كل إلى مثله سينتقل )
وعلى آخر مكتوبا
( تناجيك أجداث وهن سكوت ... وسكانها تحت التراب خفوت )
( أيا جامع الدنيا لغير بلاغه ... لمن تجمع الدنيا وأنت تموت )
ووجد على آخر مكتوب
( وقفت على الأحبة حين صفت ... قبورهم كأفراس الرهان )
( فلما أن بكيت وفاض دمعي ... رأت عيناي بينهم مكان )
ومما يذكر أنه وجد شعر قديم بالشام مكتوبا على قبر وقيل إنه على قصر من
قصور اليمن
( ماتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فلم تمنعهم القلل )
( واستنزلوا بعد عز من معاقلهم ... وأنزلوا حفرة يا بئس ما نزلوا )
( ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا ... أين الأسرة والتيجان والحلل )
( أين الوجوه التي كانت منعمة ... من دونها تضرب الأستار والكلل )
( فأفصح القبر عنهم حين ساء لهم ... تلك الوجوه عليها الدود
يقتتل )
( لطال ما أكلوا دهرا وما نعموا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا )
( قال أبو القاسم محمد بن سعد رأيت قبرا في بستان كثير النخل والرمان
وأصناف الشجر وعليه مكتوب
( كم ساكن في حفرة ... يبلى جديد جماله )
( ترك الأحبة بعده ... يتلذذون بماله )
وقال جعفر بن محمد المستملي عن أبيه قرأت على قبر
( ما حال من سكن الثرى ما حاله ... أمسى وقد صرمت هناك حباله )
( أمسى ولا روح الحياة يصيبه ... يوما ولا لطف الحبيب يناله )
( أضحى وحيدا موحشا متفردا ... متشتتا بعد الجميع عياله )
( أمسى وقد درست محاسن وجهه ... وتفرقت في قبره أوصاله )
( واستبدلت منه المجالس غيره ... وتقسمت من بعده أمواله )
( هل من قبيل تعلمون مكانه ... سلمت على حدث الزمان رجاله )
قال وقرأت على قبر أيضا
( يا باكي الميت على قبره ... امض ودعه سوف تسلاه )
( من عاين الموت فذاك الذي ... لم تر مثل الموت عيناه )
( كم من شقيق لم يجد غير أن ... أغمض من يهوى وسجاه )
( وكم محب لحبيب إذا ... سوى عليه اللحد خلاه )
ووجد على قبر مكتوبا
( الموت أخرجني من بيت مملكتي ... والترب مضطجعي من بعد تشريف )
( لله عبد رآى قبري فأعبره ... وخاف من دهره ريب التصاريف )
( هذا مصير بني الدنيا وإن نعموا ... فيها وغرهم طول التساويف )
( استغفر الله من جرمي ومن زللي ... وأسأل الله فوزا يوم توقيف )
ووجد على آخر مكتوبا
( قف واعتبر فكأن قد ... حللت هذا المحلا )
( هذا مكان يساوي ... فيه الأعز الأذلا )
( ما كان لي من صديق ... إلا جفاني وملا )
( وما جفاني ولكن ... طال المدى فتسلى )
وعلى قبر أبي عامر بن شهيد مكتوب وهو مدفون بإزاء صاحبه أبي مروان الرجال
وكأنه إنما يخاطبه وقد دفنا في بستان كانا كثيرا ما يجتمعان فيه
( يا صاحبي قم فقد أطلنا ... أنحن طول المدى هجود )
( فقال لي لن نقوم منها ... ما دام من فوقنا الصعيد )
( تذكر كم ليلة نعمنا ... في ظلها إذ الزمان عيد )
( وكم سرور همى علينا ... سحابه ثرة يجود )
( كل كأن لم يكن تقضى ... وشؤمه حاضر عتيد )
( حصله كاتب حفيظ ... وضمه صادق شهيد )
( يا حسرتا إن نكبتنا ... رحمة من بطشه شديد )
( يا رب عفوا فأنت مولى ... قصر في حقه العبيد )
ورأيت على قبر أحد بني حبيب بإشبيلية مكتوبا في لوح رخام
( عمرت خمسين واثنتين ... في حالة لم تقر عيني )
( أطيع دنيا دفعت عنها ... إلى التي آذنت بحيني )
( تركت في الحي أصفيائي ... وحيل ما بينهم وبيني )
( قد بنت عنهم أخرى الليالي ... ليس كبين الحياة بيني )
( وسوف ينسونني وشيكا ... من بعد خمسين واثنتين )
( إن كان دين الحياة ديني ... فسرني أن قضيت ديني )
ومما وجد على قبر مكتوبا
( إن الحبيب من الأحباب مختلس ... لا يمنع الموت حجاب ولا حرس )
( وكيف تفرح بالدنيا ولذتها ... يا من عليه يعد اللفظ والنفس )
( أصبحت يا غافلا في النقص منغمسا ... وأنت دهرك في اللذات تنغمس )
( لا يرحم الموت ذا جهل لغرته ... ولا الذي كان منه العلم يقتبس )
( كم أخرس الموت من قبر وقفت به ... عن الجواب لسانا ما به خرس )
( قد كان قصرك معمورا له شرف ... فقبرك اليوم في الأجداث مندرس )
وأمر أبو العلاء بن زهير وكان طبيب عصره أن يكتب على قبره
( ترحم بفضلك يا واقفا ... وأبصر مكانا دفعنا إليه )
( تراب الضريح على صفحتي ... كأني لم أمشي يوما عليه )
( أداوي الأنام حذار المنون ... فها أنا قد صرت رهنا لديه )
ووجد على قبر مكتوبا
( أنا مشغول بذنبي ... عن ذنوب العالمينا )
( وخطايا موبقات ... تركت قلبي حزينا )
( ولقد كنت جليلا ... في عيون الناظرينا )
( صرت في ظلمة قبري ... خاليا فيه رهينا )
( في ثرى الأرض وحيدا ... في جوار الهالكينا )
( وتركت الأهل والما ... ل لعمري والبنينا )
ذ 209
( ولقد عمرت دهرا ... بعد أحقاب سنينا )
( في نعيم وسرور ... فوق وصف الواصفينا )
( وملكت الشرق والغر ... ب وكان الملك فينا )
( وفتحت المدن قهرا ... وغلبت الغالبينا )
( فأتى الموت علينا ... بعد هذا ففنينا )
( أيها المغرور بادر ... لثواب الصالحينا )
( كل حي سوف يفنى ... غير محيي الميتينا )
ووجد على قبر مكتوبا
( هذي منازل أقوام عهدتهم ... في ظل عيش عجيب ما له خطر )
( صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا ... إلى القبور فلا عين ولا أثر )
ومما يذكر أنه وجد على قبر بطليلطلة إذ كانت للمسلمين مكتوبا
( كأنك قد رحلت عن المباني ... ووارتك الجنادل والصعيد )
( وناداك الحبيب فلم تجبه ... وقربك منه في الدنيا بعيد )
( وأصبح مالك المجموع نهبا ... وعطل بعدك القصر المشيد )
( وصار بنوك أيتاما صغارا ... وعانق عرسك البعل الجديد )
( وأكبر منه أنك لست تدري ... شقي أنت ويحك أم سعيد )
ووجد على باب مقبرة مكتوبا
( سلام على أهل القبور الدوارس ... كأنهم لم يجلسوا في المجالس )
( ولم يشربوا من بارد الماء شربة ... ولم يطعموا من كل رطب يابس )
( ولم يك منهم في الحياة منافس ... طويل المنى فيها كثير الوساوس )
( ألا ليت شعري أين قبر خليلكم ... وقبر العزيز الشامخ المتشارس )
( لقد صرت في غاية الترب واحدا ... فهاهم بها ما بين راج ويائس
)
( ولو عقل المرء المنافس في الذي ... تركتم من الدنيا له لم ينافس )
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ولعك أيضا ممن يرفع قبر وليه ويزخرفه ويشيده ويشتغل بظاهره ويغفل عن باطنه
ولا يدري هل أبيض على من فيه أو أسود وهل انفرج له أو انسد وما ساكنه اشقي
أم سعيد غوي أو رشيد وأحسن عنده أن يتصدق بتلك النفقة عنه ليزداد بها حسنة
أو يحط عنه بها سيئة
وأنشدوا
( ليت شعري ساكن القبر المشيد ... هل وجدت اليوم فيه من مزيد )
( وهل الباطن فيه مثل ما ... هو في الظاهر تزويقا وشيد )
( وهل الأركان منه بالتقى ... نيرات أو بأعمالك سود )
( وهل المضجع فيه لين ... أو سعير ما لها فيه خمود )
( ليت شعري ساكن القبر المشيد ... أشقي أنت فيه أم سعيد )
( أقريب أنت من رحمة من ... وسع العالم إحسانا وجود )
( أم بعيد أنت منها فلقد ... طرقت دارك بالويل البعيد )
ولا يدري هل أبيض على من فيه أو أسود وهل انفرج له أو انسد وما ساكنه اشقي
أم سعيد غوي أو رشيد وأحسن عنده أن يتصدق بتلك النفقة عنه ليزداد بها حسنة
أو يحط عنه بها سيئة
وأنشدوا
( ليت شعري ساكن القبر المشيد ... هل وجدت اليوم فيه من مزيد )
( وهل الباطن فيه مثل ما ... هو في الظاهر تزويقا وشيد )
( وهل الأركان منه بالتقى ... نيرات أو بأعمالك سود )
( وهل المضجع فيه لين ... أو سعير ما لها فيه خمود )
( ليت شعري ساكن القبر المشيد ... أشقي أنت فيه أم سعيد )
( أقريب أنت من رحمة من ... وسع العالم إحسانا وجود )
( أم بعيد أنت منها فلقد ... طرقت دارك بالويل البعيد )
( ولقد حل بأرجائك ما ... ضاق عنه كل ما في ذا الوجود )
( أيها الغافل مثلي وإلى ... كم تعامى وتلوى وتحيد )
( ادن فاقرأ فوق رأسي أحرفا ... خرجت ويحك من قلب عميد )
( صرعته فكرة صادقة ... وهموم كلما تمضي تعود )
( وندامات لأيام مضت ... هو منها في قيام وقعود )
( وغدا ترجع مثلي فاتعظ ... بي وإلا فامض واعمل ما تريد )
( قد نصحناك فإن لم تره ... سيراه بصر منك حديد )
واعلم رحمك الله أن الشيء الممكن وجوده لا يعرف مقداره على الحقيقة إلا
إذا عدم وفقد وطلب فلم يوجد كما قال القائل
( مر الشباب ولم أقدر أراجعه ... ولم أحييه إلا بعدما انصرفا )
( والمرء يجهل قدر الشيء يمكنه ... حتى إذا فاته إمكانه عرفا )
ألا ترى رحمك الله أن الصحة لا يعرف مقدارها على الحقيقة إلا المرضى
والعافية لا يعرف مقدارها إلا المبتلى فكذلك الحياة لا يعرف مقدارها إلا
الموتى لأنهم قد ظهرت لهم الأمور وانكشفت لهم الحقائق وتبدت لهم المنازل
وعلموا مقدار الأعمال الصالحة إذ ليس ينفق هناك إلا عمل صالح زكي ولا
يرتفع هناك إلا عبد تقي وكلما ازداد هنا عملا صالحا كان هناك أرفع درجة
واشرف رتبة وأكثر وجاهة وكلما ازداد في الدنيا فضيلة كان أقرب إلى الله
وسيلة
فلما استبان لهم ذلك وعلموا مقدار ما ضيعوا وقيمة ما فيه
فرطوا ندموا وأسفوا وودوا لو أنهم إلى الدنيا رجعوا وإلى حالتهم الاولى
ردوا وكل على حاله فالذي عمل صالحا يود أن لو رجع إلى الدنيا فازداد من
عمله الصالح وأكثر من متجره الرابح
والمقصر يود لو رد فاستدرك ما فات ونظر فيما فرط فيه
فالمفرط المهمل بالجملة يكون تمنيه الرجوع أكثر وحرصه على الإقالة أشد كل
يتكلم عن حاله ويخبر عما هو فيه حتى قال الشهيد الذي قتل في
سبيل
الله لما قيل له ما تشتهي قال أريد أن أرجع إلى الدنيا فأقاتل فأقتل مرة
أخرى وذلك لما يرى من فضل الشهادة وازدحام الحور العين عليه حال قتله
وقال غيره رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت وقالوا يا ليتنا نرد فنعمل
غير الذي كنا نعمل
وقال صلى الله عليه و سلم ما من أحد يموت إلا ندم قالوا وما ندامته يا
رسول الله قال إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم أن لا
يكون نزع أخرجه الترمذي
ويروى أن رجلا جاء إلى القبور وصلى ركعتين
ثم اضطجع على شقه فنام فرأى صاحب القبر في المنام فقال له يا هذا إنكم
تعملون ولا تعلمون ونحن نعلم ولا نعمل ولأن تكون ركعتاك في صحيفتي أحب إلي
من الدنيا وما فيها
وقال بعض الصالحين مات أخ لي في الله فرأيته في
النوم فقلت له يا فلان ما فعل الله بك عشت الحمد لله رب العالمين قال لي
لأن أقدر يعني علي أن أقول الحمد لله رب العالمين أحب إلي من الدنيا وما
فيها ثم قال ألم تر حيث كانوا يدفنونني فإن فلانا جاء فصلى ركعتين لأن
أكون أقدر على أن أصليهما أحب إلي من الدنيا وما فيها
ألا ترى رحمك
الله إلى ندمهم على تفريطهم وتأسفهم على تضييعهم ندموا والله حيث لا ينفع
الندم وطلبوا مالا يمكن وسألوا فيما لا يجوز فتركوا على حالهم ولم يسعفوا
في سؤالهم وبقي كل واحد منهم فيما هو فيه
ولما أشرف بعضهم على
الآخرة وأخذ في الانحدار إلى أوديتها والتدلي في مهاويها وأراد التمسك فلم
يمكنه ذلك وأراد التثبيت فلم يقدر عليه والرجوع فلم يجد إليه سبيلا أمر أن
يكتب على قبره كذا ويرسم عليه كذا ليكون تذكرة لمن رآه وموعظة لمن مر به
كما قال القائل
( أيها الماشي بين القبور ... غافلا عن حقيقة المقبور )
( أنا ميت كما تراني طريح ... بين أطباق رضمة وصخور )
( ادن مني أنبيك عني ... ولا ينبيك عني مثل خبير )
( أنا في بيت غربة وانفراد ... مع قربي من جيرتي وعشيرتي )
( ليس لي فيه مؤنس غير سعي ... من صلاح سعيته أو فجور )
( وكذا أنت فاتعظ بي وإلا ... فعذيري منك الغداة عذير )
فمن رأى قبرا فإنما رأى واعظا يعظه ومذكرا يذكره فإن كان القبر ساكتا فإنه
ناطق بلسان الحال ومفصح بما يكون منك في المآل فكأنه إنما يخاطبك إنسان
ويبين لك عاقبتك ويقول لك يا هذا كنت حيا مثلك وقد مت وكذلك أنت تموت
فضيعت أمر ربي وندمت وكذلك إن ضيعت أمر ربك ستندم كما قال القائل
( ألا قل لماش على قبرنا ... غفول عن أشياء حلت بنا )
( سيندم يوما لتفريطه ... كما قد ندمنا لتفريطنا )
( فويحك كف خطام الهوى ... وقدم جميلا تفز بالمنى )
والسعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه وإنما هي ساعة واحدة وإن طال
المدى وامتد العمر واتصلت الأيام كما قال القائل
( وإنما عمرك المرجى ... هذا الذي نلته كساعة )
( وقال الأصمعي أصيب حصير حول الحيرة أجرد فيه رجل عليه خلقان وعند رأسه
لوح مكتوب فيه أنا عبد المسيح بن حيان بن نفيلة
( حلبت الدهر أشطره حياتي ... ونلت من المنى فوق المزيد )
( وكافحت الأمور وكافحتني ... فلم أخضع لمعضلة كؤود )
( وكدت أنال بالشرف الثريا ... ولكن لا سبيل إلى الخلود )
وحدثني أبو الطاهر السلفي نزيل الإسكندرية فيما أذن لي أن أحدث
به عنه
بإسناده إلى وهب بن منبه قال أصيب على قبر إبراهيم الخليل مكتوبا خلفه على
حجر
( ألهى جهولا أمله ... يموت من جاء أجله )
( وكيف يبقى آخر ... قد مات عنه أوله )
( ومن دنا من حتفه ... لم تغن عنه حيله )
ووقع في كتاب المجالسة لأبي بكر أحمد بن مروان المالكي الدينوري ووجد على
قبره مكتوبا
( يا أيها الناس كان لي أمل ... قصر بي عن بلوغه الأجل )
( فليتق الله ربه رجل ... أمكنه في حياته العمل )
( ما أنا وحدي نقلت حيث تروا ... كل إلى مثله سينتقل )
وعلى آخر مكتوبا
( تناجيك أجداث وهن سكوت ... وسكانها تحت التراب خفوت )
( أيا جامع الدنيا لغير بلاغه ... لمن تجمع الدنيا وأنت تموت )
ووجد على آخر مكتوب
( وقفت على الأحبة حين صفت ... قبورهم كأفراس الرهان )
( فلما أن بكيت وفاض دمعي ... رأت عيناي بينهم مكان )
ومما يذكر أنه وجد شعر قديم بالشام مكتوبا على قبر وقيل إنه على قصر من
قصور اليمن
( ماتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فلم تمنعهم القلل )
( واستنزلوا بعد عز من معاقلهم ... وأنزلوا حفرة يا بئس ما نزلوا )
( ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا ... أين الأسرة والتيجان والحلل )
( أين الوجوه التي كانت منعمة ... من دونها تضرب الأستار والكلل )
( فأفصح القبر عنهم حين ساء لهم ... تلك الوجوه عليها الدود
يقتتل )
( لطال ما أكلوا دهرا وما نعموا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا )
( قال أبو القاسم محمد بن سعد رأيت قبرا في بستان كثير النخل والرمان
وأصناف الشجر وعليه مكتوب
( كم ساكن في حفرة ... يبلى جديد جماله )
( ترك الأحبة بعده ... يتلذذون بماله )
وقال جعفر بن محمد المستملي عن أبيه قرأت على قبر
( ما حال من سكن الثرى ما حاله ... أمسى وقد صرمت هناك حباله )
( أمسى ولا روح الحياة يصيبه ... يوما ولا لطف الحبيب يناله )
( أضحى وحيدا موحشا متفردا ... متشتتا بعد الجميع عياله )
( أمسى وقد درست محاسن وجهه ... وتفرقت في قبره أوصاله )
( واستبدلت منه المجالس غيره ... وتقسمت من بعده أمواله )
( هل من قبيل تعلمون مكانه ... سلمت على حدث الزمان رجاله )
قال وقرأت على قبر أيضا
( يا باكي الميت على قبره ... امض ودعه سوف تسلاه )
( من عاين الموت فذاك الذي ... لم تر مثل الموت عيناه )
( كم من شقيق لم يجد غير أن ... أغمض من يهوى وسجاه )
( وكم محب لحبيب إذا ... سوى عليه اللحد خلاه )
ووجد على قبر مكتوبا
( الموت أخرجني من بيت مملكتي ... والترب مضطجعي من بعد تشريف )
( لله عبد رآى قبري فأعبره ... وخاف من دهره ريب التصاريف )
( هذا مصير بني الدنيا وإن نعموا ... فيها وغرهم طول التساويف )
( استغفر الله من جرمي ومن زللي ... وأسأل الله فوزا يوم توقيف )
ووجد على آخر مكتوبا
( قف واعتبر فكأن قد ... حللت هذا المحلا )
( هذا مكان يساوي ... فيه الأعز الأذلا )
( ما كان لي من صديق ... إلا جفاني وملا )
( وما جفاني ولكن ... طال المدى فتسلى )
وعلى قبر أبي عامر بن شهيد مكتوب وهو مدفون بإزاء صاحبه أبي مروان الرجال
وكأنه إنما يخاطبه وقد دفنا في بستان كانا كثيرا ما يجتمعان فيه
( يا صاحبي قم فقد أطلنا ... أنحن طول المدى هجود )
( فقال لي لن نقوم منها ... ما دام من فوقنا الصعيد )
( تذكر كم ليلة نعمنا ... في ظلها إذ الزمان عيد )
( وكم سرور همى علينا ... سحابه ثرة يجود )
( كل كأن لم يكن تقضى ... وشؤمه حاضر عتيد )
( حصله كاتب حفيظ ... وضمه صادق شهيد )
( يا حسرتا إن نكبتنا ... رحمة من بطشه شديد )
( يا رب عفوا فأنت مولى ... قصر في حقه العبيد )
ورأيت على قبر أحد بني حبيب بإشبيلية مكتوبا في لوح رخام
( عمرت خمسين واثنتين ... في حالة لم تقر عيني )
( أطيع دنيا دفعت عنها ... إلى التي آذنت بحيني )
( تركت في الحي أصفيائي ... وحيل ما بينهم وبيني )
( قد بنت عنهم أخرى الليالي ... ليس كبين الحياة بيني )
( وسوف ينسونني وشيكا ... من بعد خمسين واثنتين )
( إن كان دين الحياة ديني ... فسرني أن قضيت ديني )
ومما وجد على قبر مكتوبا
( إن الحبيب من الأحباب مختلس ... لا يمنع الموت حجاب ولا حرس )
( وكيف تفرح بالدنيا ولذتها ... يا من عليه يعد اللفظ والنفس )
( أصبحت يا غافلا في النقص منغمسا ... وأنت دهرك في اللذات تنغمس )
( لا يرحم الموت ذا جهل لغرته ... ولا الذي كان منه العلم يقتبس )
( كم أخرس الموت من قبر وقفت به ... عن الجواب لسانا ما به خرس )
( قد كان قصرك معمورا له شرف ... فقبرك اليوم في الأجداث مندرس )
وأمر أبو العلاء بن زهير وكان طبيب عصره أن يكتب على قبره
( ترحم بفضلك يا واقفا ... وأبصر مكانا دفعنا إليه )
( تراب الضريح على صفحتي ... كأني لم أمشي يوما عليه )
( أداوي الأنام حذار المنون ... فها أنا قد صرت رهنا لديه )
ووجد على قبر مكتوبا
( أنا مشغول بذنبي ... عن ذنوب العالمينا )
( وخطايا موبقات ... تركت قلبي حزينا )
( ولقد كنت جليلا ... في عيون الناظرينا )
( صرت في ظلمة قبري ... خاليا فيه رهينا )
( في ثرى الأرض وحيدا ... في جوار الهالكينا )
( وتركت الأهل والما ... ل لعمري والبنينا )
ذ 209
( ولقد عمرت دهرا ... بعد أحقاب سنينا )
( في نعيم وسرور ... فوق وصف الواصفينا )
( وملكت الشرق والغر ... ب وكان الملك فينا )
( وفتحت المدن قهرا ... وغلبت الغالبينا )
( فأتى الموت علينا ... بعد هذا ففنينا )
( أيها المغرور بادر ... لثواب الصالحينا )
( كل حي سوف يفنى ... غير محيي الميتينا )
ووجد على قبر مكتوبا
( هذي منازل أقوام عهدتهم ... في ظل عيش عجيب ما له خطر )
( صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا ... إلى القبور فلا عين ولا أثر )
ومما يذكر أنه وجد على قبر بطليلطلة إذ كانت للمسلمين مكتوبا
( كأنك قد رحلت عن المباني ... ووارتك الجنادل والصعيد )
( وناداك الحبيب فلم تجبه ... وقربك منه في الدنيا بعيد )
( وأصبح مالك المجموع نهبا ... وعطل بعدك القصر المشيد )
( وصار بنوك أيتاما صغارا ... وعانق عرسك البعل الجديد )
( وأكبر منه أنك لست تدري ... شقي أنت ويحك أم سعيد )
ووجد على باب مقبرة مكتوبا
( سلام على أهل القبور الدوارس ... كأنهم لم يجلسوا في المجالس )
( ولم يشربوا من بارد الماء شربة ... ولم يطعموا من كل رطب يابس )
( ولم يك منهم في الحياة منافس ... طويل المنى فيها كثير الوساوس )
( ألا ليت شعري أين قبر خليلكم ... وقبر العزيز الشامخ المتشارس )
( لقد صرت في غاية الترب واحدا ... فهاهم بها ما بين راج ويائس
)
( ولو عقل المرء المنافس في الذي ... تركتم من الدنيا له لم ينافس )
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الباب العاشر
ذكر منامات رئيت لبعض الصالحين تدل على ما هم فيه من الخير وحسن
العاقبة
قال صلى الله عليه و سلم إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا
نبي قال فشق ذلك على الناس فقال لكن المبشرات قالوا يا رسول الله وما
المبشرات قال رؤيا المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة
وقد فسر قوله تبارك وتعالى ( لهم البشرى في الحياة الدنيا ) أنها الرؤيا
الصالحة يراها المسلم أو ترى له
ذكر الحديثين الترمذي
وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم
أنه قال الرؤيا الصالحة بشرى من الله
ومن حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الرؤيا الصالحة
جزء من سبعين جزءا من النبوة ذكر هذا الحديث مسلم وغيره
وقال صلى الله عليه و سلم رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
وإذا ثبت صلاح العبد صدقت رؤياه وإلا فهي تسر ولا تضر والله أعلم بمن يثبت
صلاحه وبمن يصدق كل ما يراه وليس هذا موضع الكلام وسأذكر لك جملا من هذه
الأخبار
وذكر البخاري من حديث أم العلاء وكانت ممن بايع رسول الله
صلى الله عليه و سلم قالت طار لنا عثمان بن مظعون في السكنى حين أقرعت
الأنصار على سكنى المهاجرين فاشتكى فمرضناه حتى توفي ثم جعلناه في أثوابه
فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت رحمة الله عليك أبا السائب
شهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال وما يدريك أن الله أكرمه قلت لا أدري
والله قال أما هو فقد جاءه اليقين إني لأرجو له الخير من الله والله ما
أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم قالت فوالله لا أزكي أحدا بعده
قالت وأحزنني ذلك فنمت فرأيت لعثمان بن مظعون في النوم عينا تجري فجئت
رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال ذلك عمله يجري له
ويروى عن عبد الرحمن بن غنم أنه قال رأيت معاذ بن جبل بعد وفاته بثلاث على
فرس أبلق وخلفه كرجال أهل منى رجال بيض وعليهم ثياب خضر على خيل بلق وهو
قدامهم وهو يقول يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ثم
التفت يمينه وشماله يقول يا ابن رواحة يا ابن مظعون الحمد لله الذي صدقنا
وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين قال ثم
صافحني وسلم علي
معاذ بن جبل وعثمان بن مظعون وعبد الله بن رواحة
رضي الله عنهم تشهد لهم صحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم بما هم فيه من
الخير وبما صاروا إليه من الكرامة ولا يحتاج لهم إلى رؤيا ولكن أردت ألا
أخلي هذا الباب من ذكر بعض الصحابة رضي الله عنهم
قال صالح بن بشير
المري رأيت عطاء السلمي في النوم بعد موته فقلت له يرحمك الله لقد كنت
طويل الحزن في الدنيا فقال أما والله لقد أعقبني ذلك فرحا طويلا وسرورا
دائما فقلت في أي الدرجات أنت قال مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين
ولما مات سفيان الثوري رئي في المنام
فقيل له ما فعل الله بك قال وضعت أول قدم على الصراط والثاني في الجنة
وقال إبراهيم بن إياس رأيت سفيان الثوري في النوم فقلت له ما فعل الله بك
قال أنا مع السفرة
قلت وما السفرة قال الكرام البررة
وقال عبد الله بن المبارك رأيت الثوري في المنام فقلت له ما فعل الله بك
قال لقيت محمدا وحزبه
وقال صخر بن راشد رأيت عبد الله بن المبارك في النوم بعد موته فقلت له
أليس قد مت قال بلى قلت فما صنع الله بك قال غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب
قلت فسفيان الثوري قال بخ بخ ذلك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
وعن قبيصة بن سفيان قال رأيت سفيان الثوري في النوم بعد موته فقلت له ما
فعل الله بك فقال
( نظرت إلى ربي عيانا فقال لي ... هينئا رضائي عنك يا ابن سعيد )
( لقد كنت قواما إذا لليل قد دجا ... بعبرة محزون وقلب عميد )
( فدونك فاختر أي قصر تريده ... وزرني فإني منك عير بعيد )
وعن سفيان بن عيينة قال رأيت سفيان الثوري في النوم وقد مات كأنه يطير في
الجنة من شجرة إلى نخلة ومن نخلة إلى شجرة وهو يقول لمثل هذا فليعمل
العاملون فقيل له بم دخلت الجنة قال بالورع فقيل له فما فعل علي بن عاصم
قال ما نراه إلا مثل الكوكب
وكان شعبة بن الحجاج ومسعر بن كدام
رحمهما الله رجلين فاضلين جليلين وكانا من ثقات المحدثين وحفاظهم وكان
شعبة أكبر وأجل فماتا قال أبو أحمد اليزيدي فرأيتهما في النوم وكنت إلى
شعبة أميل مني إلى مسعر فقلت له يا أبا بسطام ما فعل الله بك قال وفقك
الله يا بني لحفظ ما أقول ثم أنشد
( حباني إلهي في الجنان بقبة ... لها ألف باب من لجين مجوهرا )
( وقال لي الجبار يا شعبة الذي ... تبحر في جمع العلوم فأكثرا )
( تنعم بقربي إنني عنك ذو رضا ... وعن عبدي القوام في الليل مسعرا )
( كفى مسعرا عزا بأن سيزورني ... وأكشف عن وجهي ويدنو لينظرا )
( فهذي فعالي بالذي تنسكوا ... ولم يألفوا في سالف الدهر منكرا )
وذكر أبو الحسن بن جهضم عن أبي بكر أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثني رجل
من أهل طرسوس قال دعوت الله عز و جل أن يريني أهل القبور حتى أسألهم عن
أحمد بن حنبل ما فعل الله به فرأيت بعد عشر سنين فيما يرى النائم كأن أهل
القبور قد قاموا على قبورهم فبادروني بالكلام وقالوا يا هذا كم تدعو الله
أن يريك إيانا
تسألنا عن رجل لم يزل منذ فارقكم تحفه الملائكة تحت شجرة طوبى
وهذا الكلام من أهل القبور إنما هو عبارة عن علو درجة أحمد بن حنبل
وارتفاع مكانته وعظم منزلته فلم يقدروا أن يعبروا عن صفة حاله وعما هو فيه
إلا بهذا أو بما هو في معناه
وقال محمد بن أحمد الكندي رأيت أحمد بن
حنبل في النوم فقلت له يا أبا عبد الله ما فعل الله بك فقال غفر لي ثم قال
لي يا أحمد ضربت في ستين سوطا قلت نعم يا رب قال هذا وجهي قد أبحتك فانظر
إليه
ويروى عن عبدة العابدة قالت لما حضرت الوفاة رابعة العدوية
قالت لي يا عبدة لا تؤذني بموتي أحدا وكفنيني في جبتي هذه وهي جبة من شعر
كانت تصلي بالليل فيها قالت فكفناها في تلك الجبة وفي خمار من صوف
كانت تلبسه قالت عبدة فرأيتها في منامي بعد دفنها وعليها حلة
استبرق خضراء
وخمار من سندس أخضر لم أر قط شيئا أحسن منهما قالت فقلت لها يا رابعة ما
فعلت تلك الجبة التي كنا كفناك فيها والخمار الصوف قالت إنما والله نزعا
مني واستبدلت بهما هذا الذي ترين علي وطويا وختم عليهما ورفعا في عليين
ليكمل ثوابهما إلى يوم القيامة قلت لها فما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب قالت
هيهات هيهات سبقتنا والله إلى الدرجات العلى قلت لها وبم وقد كنت أنت عند
الناس أكبر منها قالت إنها لم تكن تبالي على أي حال أصبحت من الدنيا ولا
أمست قلت فما فعل ضيغم بن مالك قالت يزور الله عز و جل متى شاء قلت فما
فعل بشر بن منصور قالت بخ بخ أعطي والله فوق ما كان يأمل
قالت فقلت لها فيم تأمرينني أن أتقرب إلى الله عز و جل فقالت عليك بذكر
الله فيوشك أن تغتبطي بذلك في قبرك
وقال بعض الصالحين رأيت بشر بن منصور في النوم بعد موته فقلت له ما فعل
الله بك فأعرض عني فقلت له فضيغم بن مالك قال ركب إلى الله الساعة
وقال ابن ثعلبة العابد رأيت ضيغم بن مالك في النوم بعد وفاته فقال لي يا
ابن ثعلبة أما صليت علي فذكرت له شيئا منعني فقال أما أنك لو صليت علي
لربحت رأسك يقول لنجوت وغفر لك
وقال أبو جعفر السقاء صاحب بشر بن
الحارث رأيت بشر بن الحارث ومعروفا الكرخي رحمة الله عليهما وهما جائيان
وكأنهما في قبة أو كما قال فقلت من أين قالا من جنة الفردوس زرنا كليم
الله موسى عليه السلام
ولما احتضر حجاج الزاهد قيل له ما تشتهي قال
الله ثم خرجت نفسه فرآه بعض إخوانه في النوم يمشي على حائط قال فرفعت رأسي
إليه وأنا أمشي بالأرض فقلت له أبا يوسف كيف حالك وكيف أنت وعلام
قدمت قال فضحك وقال ما الأمر إلا سهل ما رأيت شيئا مما كنت
أخافه والحمد لله رب العالمين
وعن سعيد بن أسد أن رجلا كان من دعائه اللهم سهل علي الموت ويسر علي
الحساب وبارك لي في اللقاء وأعذني من جهد البلاء فمات فرئي في النوم فقيل
له ما فعلت فقال لقيت خيرا وكل شيء سألت الله أن يعطينيه أعطانيه
وقال بعض الصالحين رأيت بشر بن الحارث في النوم وما كنت رأيته في اليقظة
ولا كلمته قط فرأيت كأني واقف بين يدي الله عز و جل أسمع كلاما ولا أرى
أحدا وهو يقول يا بشر قد قبلناك وقبلنا ما كان منك فسمعت بشرا يقول ومن
تبعني يا رب قال قد غفرت لهم
وقال عاصم الجزري رأيت في النوم كأني
لقيت بشر بن الحارث فقلت من أين يا أبا نصر فقال من عليين قال فقلت له ما
فعل أحمد بن حنبل قال تركته الساعة مع عبد الوهاب الوراق بين يدي الله
تعالى يأكلان ويشربان قلت له فأنت قال علم الله قلة رغبتي في الطعام
فأباحني النظر إليه
وقال أبو جعفر السقاء رأيت بشر بن الحارث في
النوم بعد موته فقلت له يا أبا نصر ما فعل الله بك فقال ألطفني ورحمني
وقال لي يا بشر لو سجدت لي في الدنيا على الجمر ما أديت شكر ما حشوت قلوب
عبادي منك وأباح لي نصف الجنة فأسرح فيها حيث شئت ووعدني أن يغفر لمن تبع
جنازتي فقلت له ما فعل أبو نصر التمار قال ذاك فوق الناس لصبره على بلائه
وفقره لعله أراد بقوله أباح لي نصف الجنة نصف نعيم الجنة لأن نعيم الجنة
نصفان نصف روحاني ونصف جسماني فيتنعمون أولا بالروحاني ثم إذا ردت الأرواح
إلى الأجساد أضيف لهم النعيم الجسماني إلى النعيم الروحاني والله أعلم بما
أراد
وذكر بعض الصالحين قال رئي بشر بن الحارث في النوم وهو يهرول
ويقول الساعة انطلقنا من السجن
وقال أبو الحسن المالكي صحبت خيرا النساج سنين كثيرة فقال لي قبل موته
بثمانية أيام أنا أموت يوم الخميس قبل المغرب وأدفن يوم الجمعة قبل الصلاة
وستنسى هذا فلا تنس قال فنسيته إلى يوم الجمعة فلقيت من أخبرني بموته
فخرجت لأحضر جنازته فوحدت الناس قد أخرجوا جنازته قبل الصلاة كما قال
فسألت من حضر وفاته فقال إنه غشي عليه ثم أفاق فالتفت إلى ناحية البيت
وقال قف عافاك الله فإنما أنت عبد مأمور وأنا عبد مأمور والذي أمرت به أنت
لا يفوتك والذي أمرت به أنا يفوتني ثم دعا بماء فجدد الوضوء ثم صلى ثم
تمدد وغمض عينيه ومات رحمه الله فرئي في المنام فقيل له كيف حالك فقال لا
تسأل ولكني تخلصت من دنياكم الوضرة
وكان من دعاء بعض الصالحين اللهم
يا سيدي حبست من شئت عن خدمتك وأطلقت لها من أحببت من خلقك غير ظالم ولا
مسئول عن فعلك وقد تقدمت لي فيك آمال فلا تجمع علي المنع من الطاعة وخيبة
الأمل فيك يا كريم فكان هذا خاتمة دعائه فلما مات رئي في المنام في الجنة
فقيل له بم نلت هذا قال بذلك التضرع والاستغاثة في الأسحار قيل ورئي عليه
حلة قال الرائي فما رأيت شبها لها وعليها مكتوب بالذهب انعم فقد نلت الأمل
فقلت له ما هذا الكتاب على ثيابك قال هذا خاتمة تضرعي وأملي الذي كنت
أؤمله من سيدي
وقال بعض الصالحين رأيت أبا بكر الشبلي رحمه الله في
المنام وكأني قاعد في مجلس الرصافة بالموضع الذي كان يقعد فيه وإذا به قد
أقبل وعليه ثياب حسان قال فقمت إليه وسلمت عليه وجلست بين يديه فقلت له يا
سيدي من أقرب أصحابك إليك فقال مسرعا ألهجهم بذكر الله وأقومهم بحق الله
وأسرعهم مبادرة في مرضاة الله
وقال أبو عبد الرحمن الساحلي رأيت
ميسرة بن سلم في المنام بعد موته فقلت له أصلحك الله طالت غيبتك فقال
السفر طويل قلت فما الذي قدمت عليه فقال رخص لنا لأننا كنا نفتي بالرخص
فقلت له فما تأمرني به فقال اتباع الآثار وصحبة الأخيار ينجيان من النار
ويقربان من الجبار
وروي عن شعيب بن حرب قال كانت بمكة امرأة من
الصالحات من أهل القرآن فرأت فيما يرى النائم حول الكعبة وصائف بأيديهن
الرياحين وعليهن المعصفرات فقالت سبحان الله أحول الكعبة يكون هذا فقيل
لها أما علمت أن عبد العزيز بن أبي رواد تزوج الليلة قالت فاستيقظت فإذا
عبد العزيز بن أبي رواد قد مات في تلك الليلة
قال بعض الصالحين رأيت
في النوم كأني في السماء ولأهل السماء ضجيج وحركة وهم يقولون جاء المحسن
جعفر بن الزبير فانتبهت فمشيت إلى منزله فوجدته قد مات
ويروى عن أبي جعفر الضرير أنه قال رأيت عيسى بن زادان في النوم بعد موته
فقلت له ما فعل الله بك فأنشأ يقول
( لو رأيت الحسان في الخلد حولي ... وأكاويبها بصافي الشراب )
( يترنمن بالقرآن جميعا ... يتمشين مسبلات الثياب )
وقال عبود المعلم وكان يعرف بوجه الجنة رأيت أبا عبد الله الفزاري المعلم
في النوم بعد موته فقلت له كيف وجدت الأمر قال أسهل مما تذكرون وأصعب مما
تصفون فقلت له صاحبك سهل الوراق أمعك هو قال يدي في يده ويده في يدي يعني
في الجنة ولكنه أطول مني قامة
وقوله أطول مني قامة يريد أرفع مني مرتبة وكان قد رآه بعد موته
ويروى عن معوذ بن داود الباكرتي وكان من الصالحين أنه قال رأيت أبا حفص
عمر بن عبادل الرعيني الزاهد بعد موته فقلت له ما فعل الله بك
فقال لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وهذا يدل على أنه فعل
معه خير فأراد الزيادة منه
وعن يعلي بن عبيد قال جاء رجل إلى سفيان الثوري فقال له يا أبا عبد الله
رأيت في المنام كأن ملكا نزل من السماء إلى الشام فاقتلع ريحانة ثم صعد
بها إلى السماء فقال له سفيان إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي فحفظ ذلك
اليوم فجاء نعيه أنه مات فيه
ويروى عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان
عن حفصة قالت كان مروان المحلمي لنا جارا وكان عابدا مجتهدا فمات فحزنت
عليه حزنا شديدا فرأيته في النوم فقلت له يا أبا عبد الله ما صنع بك ربك
قال أدخلني الجنة قلت ثم ماذا قال رفعت إلى أصحاب اليمين قلت ثم ماذا قال
ثم رفعت إلى المقربين قلت فمن رأيت ثم من أصحابك قال رأيت الحسن البصري
ومحمد بن سيرين وميمون بن سياه قال حماد قال هشام فحدثتني أم عبد الله
وكانت من خيار نساء أهل البصرة قالت رأيت فيما يرى النائم كأني دخلت
بستانا فذكرت من حسنه ما شاء الله أن تذكر فإذا أنا برجل متكيء على سرير
من ذهب وحوله الوصائف بأيديهن الأكاويب قالت فأنا متعجبة من حسن ما أرى إذ
أتى ذلك الرجل فقيل له هذا مروان المحلمي قد أقبل فوثب فاستوى جالسا على
سريره قالت فاستيقظت من منامي فإذا بجنازة مروان المحلمي قد مر بها على
بابي تلك الساعة
ويروى عن عبد الواحد بن زيد وكان من الصالحين قال
رأيت في المنام ليلة مات الحسن البصري كأن أبواب السماء قد فتحت وكأن
الملائكة صفوف فقلت ما هذا إلا لأمر عظيم فسمعت مناديا ينادي ألا إن الحسن
بن أبي الحسن قدم على الله وهو عنه راض
ويروى أن امرأة قالت لابن سيرين وهو يأكل رأيت كأن شجرة ياسمين قلعت من
الأرض ورفعت إلى السماء وكأن الثريا سقطت من السماء
في دارك قال فرفع ابن سيرين يده من الطعام وقال أعظم الله أجري
في نفسي وإن كثر البقاء فإلى سبع فكان كذلك
ويروى عن عمرو بن عمر بن صفوان عن بعض مشيخته قال رأيت في النوم كأني جئت
إلى هذه المقبرة التي بمكة فرأيت على عامتها سرادقات ورأيت منها قبرا عليه
سرادق وفسطاط وسدرة فجئت حتى دخلت وإذا مسلم بن خالد الزنجي فسلمت عليه
وقلت يا أبا خالد ما بال هذه القبور عليها سرادق وقبرك عليه سرادق وفسطاط
وفيه سدرة فقال إني كنت كثير الصيام فقلت له يا أبا خالد أين قبر ابن جريج
دلني عليه فقد كنت أجالسه وأنا أحب أن أسلم عليه فقال هكذا بيده هيهات
وأدار أصبعه السبابة وقال وأين قبر ابن جريج رفعت صحيفته في عليين
ويروى عن بعض الصالحين قال رأيت بعض جيراني في النوم فقلت له ما حالك فذكر
شيئا قلت فما حال عبد الله بن المبارك قال ذلك مشهور في الجنة
ورئي
حماد بن سلمة في النوم فقيل له ما فعل الله بك فقال أوقفني بين يديه وقال
لي طال ما كددت نفسك في الدنيا فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعبين
وعن أسلم بن زرعة العباداني قال كان عندنا بالساحل رجل له فضل بارع كان
يعذب له الماء المالح قال قال لي يوما رأيت البارحة فيما يرى النائم كأن
رجلا يقول لي قد فرغنا من بناء دارك ولو رأيتها لقرت عيناك وقد أمرنا أن
ننجزها لك والفراغ منها إلى سبعة أيام واسمها السرور فأبشر بخير قال فلما
كان في اليوم السابع بكر للوضوء ونزل للنهر وقد هدأ فزلق فغرق فمات
فأخرجناه فدفناه قال فأريته بعد ثالثة وهو يكبر وعليه حلل خضر فقال لي يا
أبا الرضى أنزلني الكريم دار السرور وماذا أعد لي فيها فقلت صف لي هذا
فقال هيهات يعجز الواصفون أن تنطق ألسنتهم بما فيها فيا ليت عيالي
يعلمون أنه قد هيء لهم منازل معي فيها كل ما اشتهت أنفسهم ولذت
أعينهم نعم وإخواني وأنت معهم إن شاء الله قال ثم انتبهت
وقال أبو محمد اللباد الفقيه رحمه الله رأيت ربيعا العطار في المنام فقلت
له ما فعل الله بك فقال في الجنة فقلت وكيف حالكم فيها قال تارة تزخرف لنا
الجنان وتارة تشرف علينا الحور العين وتارة تصطك لنا الحجب قال فقلت له
فمن أعلى منزلة أنت أم فلان وسمي له رجلا معروفا عندهم قال فتبسم وقال
كلنا جمعنا في حديقة واحدة يعني في جنة واحدة
ورأى بعض من يوثق به
رجلا كان يعرف بالخير والعفاف بعد موته وعليه عمامة خز فأنكرها عليه وكأنه
قال له أتلبسها ولباس الخز مكروه فقال له هو عندنا في هذه الدار مباح
ورئي غيره شابا وكان في الدنيا أشيب فقيل له نراك دون شيب فقال لا يشيب
أحد في هذه الدار
وقال بعض الصالحين كان لي ولد فاستشهد فرأيته في النوم ليلة مات عمر بن
عبد العزيز فقلت له يا بني ألست ميتا قال لا ولكني حي أرزق فقلت فما جاء
بك قال نودي في أهل السماء لا يبقى نبي ولا صديق ولا شهيد إلا ويحضر
الصلاة على عمر بن عبدالعزيز فحضرت ثم جئت لأسلم عليكم وأراكم
والأخبار في هذا الباب لا تحصى
ذكر منامات رئيت لبعض الصالحين تدل على ما هم فيه من الخير وحسن
العاقبة
قال صلى الله عليه و سلم إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا
نبي قال فشق ذلك على الناس فقال لكن المبشرات قالوا يا رسول الله وما
المبشرات قال رؤيا المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة
وقد فسر قوله تبارك وتعالى ( لهم البشرى في الحياة الدنيا ) أنها الرؤيا
الصالحة يراها المسلم أو ترى له
ذكر الحديثين الترمذي
وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم
أنه قال الرؤيا الصالحة بشرى من الله
ومن حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الرؤيا الصالحة
جزء من سبعين جزءا من النبوة ذكر هذا الحديث مسلم وغيره
وقال صلى الله عليه و سلم رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
وإذا ثبت صلاح العبد صدقت رؤياه وإلا فهي تسر ولا تضر والله أعلم بمن يثبت
صلاحه وبمن يصدق كل ما يراه وليس هذا موضع الكلام وسأذكر لك جملا من هذه
الأخبار
وذكر البخاري من حديث أم العلاء وكانت ممن بايع رسول الله
صلى الله عليه و سلم قالت طار لنا عثمان بن مظعون في السكنى حين أقرعت
الأنصار على سكنى المهاجرين فاشتكى فمرضناه حتى توفي ثم جعلناه في أثوابه
فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت رحمة الله عليك أبا السائب
شهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال وما يدريك أن الله أكرمه قلت لا أدري
والله قال أما هو فقد جاءه اليقين إني لأرجو له الخير من الله والله ما
أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم قالت فوالله لا أزكي أحدا بعده
قالت وأحزنني ذلك فنمت فرأيت لعثمان بن مظعون في النوم عينا تجري فجئت
رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له فقال ذلك عمله يجري له
ويروى عن عبد الرحمن بن غنم أنه قال رأيت معاذ بن جبل بعد وفاته بثلاث على
فرس أبلق وخلفه كرجال أهل منى رجال بيض وعليهم ثياب خضر على خيل بلق وهو
قدامهم وهو يقول يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ثم
التفت يمينه وشماله يقول يا ابن رواحة يا ابن مظعون الحمد لله الذي صدقنا
وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين قال ثم
صافحني وسلم علي
معاذ بن جبل وعثمان بن مظعون وعبد الله بن رواحة
رضي الله عنهم تشهد لهم صحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم بما هم فيه من
الخير وبما صاروا إليه من الكرامة ولا يحتاج لهم إلى رؤيا ولكن أردت ألا
أخلي هذا الباب من ذكر بعض الصحابة رضي الله عنهم
قال صالح بن بشير
المري رأيت عطاء السلمي في النوم بعد موته فقلت له يرحمك الله لقد كنت
طويل الحزن في الدنيا فقال أما والله لقد أعقبني ذلك فرحا طويلا وسرورا
دائما فقلت في أي الدرجات أنت قال مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين
ولما مات سفيان الثوري رئي في المنام
فقيل له ما فعل الله بك قال وضعت أول قدم على الصراط والثاني في الجنة
وقال إبراهيم بن إياس رأيت سفيان الثوري في النوم فقلت له ما فعل الله بك
قال أنا مع السفرة
قلت وما السفرة قال الكرام البررة
وقال عبد الله بن المبارك رأيت الثوري في المنام فقلت له ما فعل الله بك
قال لقيت محمدا وحزبه
وقال صخر بن راشد رأيت عبد الله بن المبارك في النوم بعد موته فقلت له
أليس قد مت قال بلى قلت فما صنع الله بك قال غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب
قلت فسفيان الثوري قال بخ بخ ذلك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
وعن قبيصة بن سفيان قال رأيت سفيان الثوري في النوم بعد موته فقلت له ما
فعل الله بك فقال
( نظرت إلى ربي عيانا فقال لي ... هينئا رضائي عنك يا ابن سعيد )
( لقد كنت قواما إذا لليل قد دجا ... بعبرة محزون وقلب عميد )
( فدونك فاختر أي قصر تريده ... وزرني فإني منك عير بعيد )
وعن سفيان بن عيينة قال رأيت سفيان الثوري في النوم وقد مات كأنه يطير في
الجنة من شجرة إلى نخلة ومن نخلة إلى شجرة وهو يقول لمثل هذا فليعمل
العاملون فقيل له بم دخلت الجنة قال بالورع فقيل له فما فعل علي بن عاصم
قال ما نراه إلا مثل الكوكب
وكان شعبة بن الحجاج ومسعر بن كدام
رحمهما الله رجلين فاضلين جليلين وكانا من ثقات المحدثين وحفاظهم وكان
شعبة أكبر وأجل فماتا قال أبو أحمد اليزيدي فرأيتهما في النوم وكنت إلى
شعبة أميل مني إلى مسعر فقلت له يا أبا بسطام ما فعل الله بك قال وفقك
الله يا بني لحفظ ما أقول ثم أنشد
( حباني إلهي في الجنان بقبة ... لها ألف باب من لجين مجوهرا )
( وقال لي الجبار يا شعبة الذي ... تبحر في جمع العلوم فأكثرا )
( تنعم بقربي إنني عنك ذو رضا ... وعن عبدي القوام في الليل مسعرا )
( كفى مسعرا عزا بأن سيزورني ... وأكشف عن وجهي ويدنو لينظرا )
( فهذي فعالي بالذي تنسكوا ... ولم يألفوا في سالف الدهر منكرا )
وذكر أبو الحسن بن جهضم عن أبي بكر أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثني رجل
من أهل طرسوس قال دعوت الله عز و جل أن يريني أهل القبور حتى أسألهم عن
أحمد بن حنبل ما فعل الله به فرأيت بعد عشر سنين فيما يرى النائم كأن أهل
القبور قد قاموا على قبورهم فبادروني بالكلام وقالوا يا هذا كم تدعو الله
أن يريك إيانا
تسألنا عن رجل لم يزل منذ فارقكم تحفه الملائكة تحت شجرة طوبى
وهذا الكلام من أهل القبور إنما هو عبارة عن علو درجة أحمد بن حنبل
وارتفاع مكانته وعظم منزلته فلم يقدروا أن يعبروا عن صفة حاله وعما هو فيه
إلا بهذا أو بما هو في معناه
وقال محمد بن أحمد الكندي رأيت أحمد بن
حنبل في النوم فقلت له يا أبا عبد الله ما فعل الله بك فقال غفر لي ثم قال
لي يا أحمد ضربت في ستين سوطا قلت نعم يا رب قال هذا وجهي قد أبحتك فانظر
إليه
ويروى عن عبدة العابدة قالت لما حضرت الوفاة رابعة العدوية
قالت لي يا عبدة لا تؤذني بموتي أحدا وكفنيني في جبتي هذه وهي جبة من شعر
كانت تصلي بالليل فيها قالت فكفناها في تلك الجبة وفي خمار من صوف
كانت تلبسه قالت عبدة فرأيتها في منامي بعد دفنها وعليها حلة
استبرق خضراء
وخمار من سندس أخضر لم أر قط شيئا أحسن منهما قالت فقلت لها يا رابعة ما
فعلت تلك الجبة التي كنا كفناك فيها والخمار الصوف قالت إنما والله نزعا
مني واستبدلت بهما هذا الذي ترين علي وطويا وختم عليهما ورفعا في عليين
ليكمل ثوابهما إلى يوم القيامة قلت لها فما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب قالت
هيهات هيهات سبقتنا والله إلى الدرجات العلى قلت لها وبم وقد كنت أنت عند
الناس أكبر منها قالت إنها لم تكن تبالي على أي حال أصبحت من الدنيا ولا
أمست قلت فما فعل ضيغم بن مالك قالت يزور الله عز و جل متى شاء قلت فما
فعل بشر بن منصور قالت بخ بخ أعطي والله فوق ما كان يأمل
قالت فقلت لها فيم تأمرينني أن أتقرب إلى الله عز و جل فقالت عليك بذكر
الله فيوشك أن تغتبطي بذلك في قبرك
وقال بعض الصالحين رأيت بشر بن منصور في النوم بعد موته فقلت له ما فعل
الله بك فأعرض عني فقلت له فضيغم بن مالك قال ركب إلى الله الساعة
وقال ابن ثعلبة العابد رأيت ضيغم بن مالك في النوم بعد وفاته فقال لي يا
ابن ثعلبة أما صليت علي فذكرت له شيئا منعني فقال أما أنك لو صليت علي
لربحت رأسك يقول لنجوت وغفر لك
وقال أبو جعفر السقاء صاحب بشر بن
الحارث رأيت بشر بن الحارث ومعروفا الكرخي رحمة الله عليهما وهما جائيان
وكأنهما في قبة أو كما قال فقلت من أين قالا من جنة الفردوس زرنا كليم
الله موسى عليه السلام
ولما احتضر حجاج الزاهد قيل له ما تشتهي قال
الله ثم خرجت نفسه فرآه بعض إخوانه في النوم يمشي على حائط قال فرفعت رأسي
إليه وأنا أمشي بالأرض فقلت له أبا يوسف كيف حالك وكيف أنت وعلام
قدمت قال فضحك وقال ما الأمر إلا سهل ما رأيت شيئا مما كنت
أخافه والحمد لله رب العالمين
وعن سعيد بن أسد أن رجلا كان من دعائه اللهم سهل علي الموت ويسر علي
الحساب وبارك لي في اللقاء وأعذني من جهد البلاء فمات فرئي في النوم فقيل
له ما فعلت فقال لقيت خيرا وكل شيء سألت الله أن يعطينيه أعطانيه
وقال بعض الصالحين رأيت بشر بن الحارث في النوم وما كنت رأيته في اليقظة
ولا كلمته قط فرأيت كأني واقف بين يدي الله عز و جل أسمع كلاما ولا أرى
أحدا وهو يقول يا بشر قد قبلناك وقبلنا ما كان منك فسمعت بشرا يقول ومن
تبعني يا رب قال قد غفرت لهم
وقال عاصم الجزري رأيت في النوم كأني
لقيت بشر بن الحارث فقلت من أين يا أبا نصر فقال من عليين قال فقلت له ما
فعل أحمد بن حنبل قال تركته الساعة مع عبد الوهاب الوراق بين يدي الله
تعالى يأكلان ويشربان قلت له فأنت قال علم الله قلة رغبتي في الطعام
فأباحني النظر إليه
وقال أبو جعفر السقاء رأيت بشر بن الحارث في
النوم بعد موته فقلت له يا أبا نصر ما فعل الله بك فقال ألطفني ورحمني
وقال لي يا بشر لو سجدت لي في الدنيا على الجمر ما أديت شكر ما حشوت قلوب
عبادي منك وأباح لي نصف الجنة فأسرح فيها حيث شئت ووعدني أن يغفر لمن تبع
جنازتي فقلت له ما فعل أبو نصر التمار قال ذاك فوق الناس لصبره على بلائه
وفقره لعله أراد بقوله أباح لي نصف الجنة نصف نعيم الجنة لأن نعيم الجنة
نصفان نصف روحاني ونصف جسماني فيتنعمون أولا بالروحاني ثم إذا ردت الأرواح
إلى الأجساد أضيف لهم النعيم الجسماني إلى النعيم الروحاني والله أعلم بما
أراد
وذكر بعض الصالحين قال رئي بشر بن الحارث في النوم وهو يهرول
ويقول الساعة انطلقنا من السجن
وقال أبو الحسن المالكي صحبت خيرا النساج سنين كثيرة فقال لي قبل موته
بثمانية أيام أنا أموت يوم الخميس قبل المغرب وأدفن يوم الجمعة قبل الصلاة
وستنسى هذا فلا تنس قال فنسيته إلى يوم الجمعة فلقيت من أخبرني بموته
فخرجت لأحضر جنازته فوحدت الناس قد أخرجوا جنازته قبل الصلاة كما قال
فسألت من حضر وفاته فقال إنه غشي عليه ثم أفاق فالتفت إلى ناحية البيت
وقال قف عافاك الله فإنما أنت عبد مأمور وأنا عبد مأمور والذي أمرت به أنت
لا يفوتك والذي أمرت به أنا يفوتني ثم دعا بماء فجدد الوضوء ثم صلى ثم
تمدد وغمض عينيه ومات رحمه الله فرئي في المنام فقيل له كيف حالك فقال لا
تسأل ولكني تخلصت من دنياكم الوضرة
وكان من دعاء بعض الصالحين اللهم
يا سيدي حبست من شئت عن خدمتك وأطلقت لها من أحببت من خلقك غير ظالم ولا
مسئول عن فعلك وقد تقدمت لي فيك آمال فلا تجمع علي المنع من الطاعة وخيبة
الأمل فيك يا كريم فكان هذا خاتمة دعائه فلما مات رئي في المنام في الجنة
فقيل له بم نلت هذا قال بذلك التضرع والاستغاثة في الأسحار قيل ورئي عليه
حلة قال الرائي فما رأيت شبها لها وعليها مكتوب بالذهب انعم فقد نلت الأمل
فقلت له ما هذا الكتاب على ثيابك قال هذا خاتمة تضرعي وأملي الذي كنت
أؤمله من سيدي
وقال بعض الصالحين رأيت أبا بكر الشبلي رحمه الله في
المنام وكأني قاعد في مجلس الرصافة بالموضع الذي كان يقعد فيه وإذا به قد
أقبل وعليه ثياب حسان قال فقمت إليه وسلمت عليه وجلست بين يديه فقلت له يا
سيدي من أقرب أصحابك إليك فقال مسرعا ألهجهم بذكر الله وأقومهم بحق الله
وأسرعهم مبادرة في مرضاة الله
وقال أبو عبد الرحمن الساحلي رأيت
ميسرة بن سلم في المنام بعد موته فقلت له أصلحك الله طالت غيبتك فقال
السفر طويل قلت فما الذي قدمت عليه فقال رخص لنا لأننا كنا نفتي بالرخص
فقلت له فما تأمرني به فقال اتباع الآثار وصحبة الأخيار ينجيان من النار
ويقربان من الجبار
وروي عن شعيب بن حرب قال كانت بمكة امرأة من
الصالحات من أهل القرآن فرأت فيما يرى النائم حول الكعبة وصائف بأيديهن
الرياحين وعليهن المعصفرات فقالت سبحان الله أحول الكعبة يكون هذا فقيل
لها أما علمت أن عبد العزيز بن أبي رواد تزوج الليلة قالت فاستيقظت فإذا
عبد العزيز بن أبي رواد قد مات في تلك الليلة
قال بعض الصالحين رأيت
في النوم كأني في السماء ولأهل السماء ضجيج وحركة وهم يقولون جاء المحسن
جعفر بن الزبير فانتبهت فمشيت إلى منزله فوجدته قد مات
ويروى عن أبي جعفر الضرير أنه قال رأيت عيسى بن زادان في النوم بعد موته
فقلت له ما فعل الله بك فأنشأ يقول
( لو رأيت الحسان في الخلد حولي ... وأكاويبها بصافي الشراب )
( يترنمن بالقرآن جميعا ... يتمشين مسبلات الثياب )
وقال عبود المعلم وكان يعرف بوجه الجنة رأيت أبا عبد الله الفزاري المعلم
في النوم بعد موته فقلت له كيف وجدت الأمر قال أسهل مما تذكرون وأصعب مما
تصفون فقلت له صاحبك سهل الوراق أمعك هو قال يدي في يده ويده في يدي يعني
في الجنة ولكنه أطول مني قامة
وقوله أطول مني قامة يريد أرفع مني مرتبة وكان قد رآه بعد موته
ويروى عن معوذ بن داود الباكرتي وكان من الصالحين أنه قال رأيت أبا حفص
عمر بن عبادل الرعيني الزاهد بعد موته فقلت له ما فعل الله بك
فقال لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وهذا يدل على أنه فعل
معه خير فأراد الزيادة منه
وعن يعلي بن عبيد قال جاء رجل إلى سفيان الثوري فقال له يا أبا عبد الله
رأيت في المنام كأن ملكا نزل من السماء إلى الشام فاقتلع ريحانة ثم صعد
بها إلى السماء فقال له سفيان إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي فحفظ ذلك
اليوم فجاء نعيه أنه مات فيه
ويروى عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان
عن حفصة قالت كان مروان المحلمي لنا جارا وكان عابدا مجتهدا فمات فحزنت
عليه حزنا شديدا فرأيته في النوم فقلت له يا أبا عبد الله ما صنع بك ربك
قال أدخلني الجنة قلت ثم ماذا قال رفعت إلى أصحاب اليمين قلت ثم ماذا قال
ثم رفعت إلى المقربين قلت فمن رأيت ثم من أصحابك قال رأيت الحسن البصري
ومحمد بن سيرين وميمون بن سياه قال حماد قال هشام فحدثتني أم عبد الله
وكانت من خيار نساء أهل البصرة قالت رأيت فيما يرى النائم كأني دخلت
بستانا فذكرت من حسنه ما شاء الله أن تذكر فإذا أنا برجل متكيء على سرير
من ذهب وحوله الوصائف بأيديهن الأكاويب قالت فأنا متعجبة من حسن ما أرى إذ
أتى ذلك الرجل فقيل له هذا مروان المحلمي قد أقبل فوثب فاستوى جالسا على
سريره قالت فاستيقظت من منامي فإذا بجنازة مروان المحلمي قد مر بها على
بابي تلك الساعة
ويروى عن عبد الواحد بن زيد وكان من الصالحين قال
رأيت في المنام ليلة مات الحسن البصري كأن أبواب السماء قد فتحت وكأن
الملائكة صفوف فقلت ما هذا إلا لأمر عظيم فسمعت مناديا ينادي ألا إن الحسن
بن أبي الحسن قدم على الله وهو عنه راض
ويروى أن امرأة قالت لابن سيرين وهو يأكل رأيت كأن شجرة ياسمين قلعت من
الأرض ورفعت إلى السماء وكأن الثريا سقطت من السماء
في دارك قال فرفع ابن سيرين يده من الطعام وقال أعظم الله أجري
في نفسي وإن كثر البقاء فإلى سبع فكان كذلك
ويروى عن عمرو بن عمر بن صفوان عن بعض مشيخته قال رأيت في النوم كأني جئت
إلى هذه المقبرة التي بمكة فرأيت على عامتها سرادقات ورأيت منها قبرا عليه
سرادق وفسطاط وسدرة فجئت حتى دخلت وإذا مسلم بن خالد الزنجي فسلمت عليه
وقلت يا أبا خالد ما بال هذه القبور عليها سرادق وقبرك عليه سرادق وفسطاط
وفيه سدرة فقال إني كنت كثير الصيام فقلت له يا أبا خالد أين قبر ابن جريج
دلني عليه فقد كنت أجالسه وأنا أحب أن أسلم عليه فقال هكذا بيده هيهات
وأدار أصبعه السبابة وقال وأين قبر ابن جريج رفعت صحيفته في عليين
ويروى عن بعض الصالحين قال رأيت بعض جيراني في النوم فقلت له ما حالك فذكر
شيئا قلت فما حال عبد الله بن المبارك قال ذلك مشهور في الجنة
ورئي
حماد بن سلمة في النوم فقيل له ما فعل الله بك فقال أوقفني بين يديه وقال
لي طال ما كددت نفسك في الدنيا فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعبين
وعن أسلم بن زرعة العباداني قال كان عندنا بالساحل رجل له فضل بارع كان
يعذب له الماء المالح قال قال لي يوما رأيت البارحة فيما يرى النائم كأن
رجلا يقول لي قد فرغنا من بناء دارك ولو رأيتها لقرت عيناك وقد أمرنا أن
ننجزها لك والفراغ منها إلى سبعة أيام واسمها السرور فأبشر بخير قال فلما
كان في اليوم السابع بكر للوضوء ونزل للنهر وقد هدأ فزلق فغرق فمات
فأخرجناه فدفناه قال فأريته بعد ثالثة وهو يكبر وعليه حلل خضر فقال لي يا
أبا الرضى أنزلني الكريم دار السرور وماذا أعد لي فيها فقلت صف لي هذا
فقال هيهات يعجز الواصفون أن تنطق ألسنتهم بما فيها فيا ليت عيالي
يعلمون أنه قد هيء لهم منازل معي فيها كل ما اشتهت أنفسهم ولذت
أعينهم نعم وإخواني وأنت معهم إن شاء الله قال ثم انتبهت
وقال أبو محمد اللباد الفقيه رحمه الله رأيت ربيعا العطار في المنام فقلت
له ما فعل الله بك فقال في الجنة فقلت وكيف حالكم فيها قال تارة تزخرف لنا
الجنان وتارة تشرف علينا الحور العين وتارة تصطك لنا الحجب قال فقلت له
فمن أعلى منزلة أنت أم فلان وسمي له رجلا معروفا عندهم قال فتبسم وقال
كلنا جمعنا في حديقة واحدة يعني في جنة واحدة
ورأى بعض من يوثق به
رجلا كان يعرف بالخير والعفاف بعد موته وعليه عمامة خز فأنكرها عليه وكأنه
قال له أتلبسها ولباس الخز مكروه فقال له هو عندنا في هذه الدار مباح
ورئي غيره شابا وكان في الدنيا أشيب فقيل له نراك دون شيب فقال لا يشيب
أحد في هذه الدار
وقال بعض الصالحين كان لي ولد فاستشهد فرأيته في النوم ليلة مات عمر بن
عبد العزيز فقلت له يا بني ألست ميتا قال لا ولكني حي أرزق فقلت فما جاء
بك قال نودي في أهل السماء لا يبقى نبي ولا صديق ولا شهيد إلا ويحضر
الصلاة على عمر بن عبدالعزيز فحضرت ثم جئت لأسلم عليكم وأراكم
والأخبار في هذا الباب لا تحصى
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الباب الحادي عشر
ذكر منامات رئيت لرجال تدل على ما هم فيه من سوء الحال
روى عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال كنت مؤاخيا لأبي لهب فلما
مات أخبر الله عنه بما أخبر وحزنت عليه وأهمني أمره فسألت الله حولا كاملا
أن يرينيه في المنام قال فرأيته يلتهب نارا فسألته عن حاله فقال صرت إلى
النار والعذاب لا يخفف عني ولا يروح إلا ليلة الاثنين في كل الليالي
والأيام قلت وكيف ذلك قال ولد في تلك الليلة محمد صلى الله عليه و سلم
فجاءتني أميمة فبشرتني بولادة أمه إياه ففرحت وأعتقت وليدة فرحا به
فأثابني الله بذلك أن يرفع عني العذاب في كل ليلة الاثنين
ويروى
أيضا أن أبا لهب كان قد أعتق أمة له يقال لها ثويبة وكانت ثويبة قد أرضعت
رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله في منامه
بشر خيبة أي بشر حال فقال له ماذا لقيت فقال لم ألق بعدكم خيرا غير أني
سقيت في هذه لعتاقتي ثويبة
ومعنى سقيت في هذه يريد النقرة التي بين الإبهام والسبابة ذكر هذه الحكاية
البخاري
أبو لهب كان عم النبي صلى الله عليه و سلم وكان كثير الإذاية للرسول بعدما
جاءته النبوة شديد العداوة له
ويروى عن طارق بن عبد الله المحاربي قال رأيت بسوق عكاظ رجلا شابا جميل
الوجه يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ووراءه رجل أعور قبيح
يقول أيها الناس لا تصدقوه فإنه كذاب وقد رمى كعبيه
وعرقوبيه
بالحجارة حتى أدماه فقلت من هذا الشاب قالوا هو محمد بن عبد الله بن عبد
المطلب يزعم أن الله أرسله قلت ومن هذا الآخر وراءه قالوا عمه أبو لهب
وسوء حال أبي لهب أوضح من أن يحتاج فيه إلى شاهد ولكني أردت إلا أخلي هذا
الباب من ذكره أو ذكر مثله
وليعلم أيضا أن الكافر لا يغني عنه من الله شيء وأنه ليس له من دون الله
ولي ولا نصير وهذا التخفيف الذي ذكر إن كان فإنما هو في البرزخ وأما في
الآخرة فلا تخفيف ولا تفتير ولا راحة نعوذ بالله من عذابه
يروى عن
بعض الصالحين من أهل القيروان قال كان لي جار يذكر أنه ليس بمسلم فمات
فرأيت في النوم حجرا ململما يتدحرج حتى وصل إلى باب ذلك الرجل فدنوت منه
فإذا بالحجر قد انفرج فخرج منه رجل هو ذلك الرجل فقلت له ما هذا فقال هكذا
نحن نعذب وذكر سوء حاله فقلت لعل الله أن يغفر لك قال وكيف يغفر لي وأنا
قد مت على غير الإسلام
ويروى عن هشام بن حسان قال قال مات ابن لي
شاب فرأيته في النوم وهو أشيب فقلت له يا بني ما هذا الشيب قال قدم فلان
فزفرت جهنم لقدومه زفرة لم يبق منا أحد إلا شاب
ويروى أن رجلا رئي في المنام شاحب اللون متغير الوجه وقد غلت يداه إلى
عنقه فقيل له ما فعل الله بك فأنشأ يقول
( تولى زمان لعبنا به ... وهذا زمان بنا يلعب )
ويروى أن دلف بن أبي دلف العجلي رأى أباه في النوم وكأنه في بيت مظلم
حيطانه وسقفه مسودة من الدخان وهو جالس في صدر البيت فقال له يا أبت كيف
حالك فقال يا بني الأمر صعب والحساب دقيق ثم أنشأ يقول
( ولو أنا إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي )
( ولكنا إلذا متنا بعثنا ... ونسأل بعده عن كل شي )
وفي رؤيا عمر بن عبد العزيز فذكر القيامة والبعث وجمع الناس لفصل القضاء
وكيف نودي الخلفاء واحدا بعد واحد وحسابهم وكل واحد منهم على منزلته ثم
نادى المنادي أين عمر بن عبد العزيز قال فتصببت عرقا ثم أخذت الملائكة
بيدي فأوقفتني بين يدي الله تعالى فسألني عن الفتيل والنقير والقطمير وعن
كل قضية قضيتها حتى ظننت أني لست بناج ثم إنه تفضل علي برحمة منه فغفر لي
وأمر بي ذات اليمين إلى الجنة فمررت بجيفة ملقاة فقلت للملائكة من هذا
قالوا كلمه يكلمك فوكزته برجلي فرفع رأسه وفتح عينيه فإذا برجل أفطس أثرم
شديد الأدمة وحش المنظر فقال لي من أنت فقلت عمر بن عبد العزيز فقال ما
فعل الله بك فقلت تفضل علي برحمته فغفر لي وأمر بي ذات اليمين إلى الجنة
قال فما فعل أصحابك الخلفاء الذين معك قلت أما الأربعة فغفر الله لهم وأمر
بهم ذات اليمين إلى الجنة وأما الباقون فلا أدري ما فعل الله بهم قال
وأخذني البكاء ثم قال هنأك الله بما صرت إليه قلت من تكون قال أنا الحجاج
بن يوسف قدمت على ربي فوجدته شديد العقاب قتلني بكل قتيل قتلته قتلة وها
أنذا موقوف بين يديه أنتظر ما ينتظر الموجودون
والأخبار في هذا الباب كثيرة أيضا
الباب الثاني عشر
ذكر الأرواح أين يذهب بها وما جاء في عذاب القبر والسؤال فيه
ذكر أبو بكر البزار في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه و سلم قال إن المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك
وضبائر ريحان فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين ويقال أيتها النفس
المطمئنة اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وكرامته فإذا خرج روحه وضع
على ذلك المسك والريحان وطويت عليه الحريرة وذهب به إلى عليين
وإن
الكافر إذا احتضر أتته الملائكة بمسح فيه جمرة فتنزع روحه انتزاعا شديدا
ويقال أيتها النفس الخبيثة اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى هوان الله وعذابه
فإذا خرجت روحه وضع على تلك الجمرة ويطوى عليه المسح ويذهب بها إلى سجين
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن المؤمن
إذا حضر أتته الملائكة بحريرة بيضاء فيقولون اخرجي راضية مرضيا عنك إلى
روح الله وريحان ورب غير غضبان فتخرج كأطيب ريح مسك حتى أنه ليناوله بعضهم
بعضا يشمونه حتى يأتوا به باب السماء فيقولون ما أطيب هذه الريح التي
جاءتكم من الأرض فكلما أتوا سماء قالوا لهم مثل ذلك حتى يأتوا به أرواح
المؤمنين فلهم أفرح به من أحدكم بغائبه إذا قدم فيقولون ما فعل فلان
فيقولون دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدينا فإذا أصبح واستراح قال لهم
أما أتاكم فإنه قد مات فيقولون ذهب به إلى أمه الهاوية
وأما الكافر
فإن ملائكة العذاب تأتيه بمسح من شعر فيقولون اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى
عذاب الله وسخطه فتخرج كأنتن ريح جيفة فينطلقون به إلى باب الأرض فيقولون
ما أنتن هذه الريح كلما أتوا على أرض قالوا ذلك حتى يأتوا به أرواح الكفار
ذكره قاسم بن أصبغ وغيره من حديث أبي هريرة أيضا
وذكر مالك في
الموطأ من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده
يوم يبعثه
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
و سلم قال رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أخابني كعب وهو يجر قصبه في
النار
القصب الأمعاء
وذكر مسلم أيضا من حديث أبي سعيد الخدري
عن زيد بن ثابت قال قال أبو سعيد ولم أشهده من رسول الله صلى الله عليه و
سلم ولكن حدثنيه زيد بن ثابت قال بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم في
حائط لبني النجار على بغلة ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة
أو خمسة أو أربعة فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر فقال رجل أنا قال فمتى
مات هؤلاء قال ماتوا في الإشراك فقال إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا
أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه
ثم
أقبل علينا بوجهه فقال تعوذوا بالله من عذاب النار فقالوا نعوذ بالله من
عذاب النار قال تعوذوا بالله من عذاب القبر فقالوا نعوذ بالله من عذاب
القبر قال تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قالوا نعوذ بالله من
الفتن ما ظهر منها وما بطن قال تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا نعوذ
بالله من فتنة الدجال
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور
قريبا أو مثل فتنة المسيح الدجال لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيؤتى أحدكم
فيقال له ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن الموقن لا أدري أي ذلك قالت
أسماء فيقول هو محمد هو رسول الله صلى الله عليه و سلم جاءنا بالبينات
والهدى فأجبنا وأطعنا ثلاث مرات فيقال له نم قد كنا نعلم أنك لمؤمن به فنم
صالحا
وأما المنافق أو المرتاب لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيقول لا أدري سمعت
الناس يقولون شيئا فقلت
وذكر النسائي عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن العبد إذا وضع
في قبره وتولي عنه أصحابه إنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه
فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد
الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من
الجنة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيراهما جميعا وأما الكافر أو
المنافق فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول كما
يقول الناس فيقال له لا دريت ولا تليت ثم يضرب ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة
يسمعها من يليه غير الثقلين
ذكره البخاري وقال ويضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح وذكر باقي
الحديث
وذكر الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما
المنكر وللآخر النكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول
هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون
ذراعا في
سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان
نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله تعالى من
مضجعه ذلك وإن كان منافقا قال سمعت الناس يقولون شيئا فقلت مثله لا أدري
فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه
فتختلف فيها أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله عز و جل من مضجعه
ذلك
وذكر عبد بن حميد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت جاءت يهودية
فاستطعمت على بابي فقالت أطعموني أعاذكم الله من فتنة عذاب القبر ومن فتنة
الدجال فلم أزل أحبسها حتى جاء الرسول صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول
الله ما تقول هذه اليهودية فقال وما تقول قلت تقول أعاذكم الله من فتنة
عذاب القبر ومن فتنة الدجال قالت عائشة فقام رسول الله صلى الله عليه و
سلم فرفع يده مدا يستعيذ بالله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر قالت
ثم قال أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا وقد حذر أمته وسأحذركموه
تحذيرا لم يحذره نبي أمته إنه أعور وإن الله ليس بأعور بين عينيه مكتوب
كافر يقرؤه كل مؤمن وأما فتنة القبر ففي تفتنون وعني تسألون فإذا كان
الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ولا مشعوف فيقال له فيم كنت فيقول في
الإسلام فيقال له ما هذا الرجل الذي كان فيكم فيقول محمد رسول الله جاءنا
بالبينات من عند الله ربنا فآمنا به وصدقناه قال فيقال له هل رأيت الله
فيقول ما ينبغي لأحد أن يرى الله فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها
يحطم بعضها بعضا فيقال له انظر إلى ما وقاك الله ثم يفرج له فرجة أخرى قبل
الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له هذا مقعدك منها ويقال له على
اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله وإذا كان الرجل السوء أجلس في
قبره فزعا مشعوفا فيقال له فيم كنت فيقول لا أدري فيقال
له ما
هذا الرجل الذي كان فيكم فيقول سمعت الناس يقولون قولا فقلت كما قالوا
فيفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له انظر إلى ما
صرف الله عنك ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا
فيقال له هذا مقعدك على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ثم يعذب
وقال عبد بن حميد أيضا عن ابن أبي ذئب قال محمد بن عمرو فحدثني سعيد
بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم إن الميت تحضره
الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها الروح الطيبة كانت في
الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال
لها ذلك حتى تخرج ويعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا فيقال
فلان فيقولون مرحبا بالروح الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري
بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى
السماء التي فيها عليون
وإذا كان الرجل السوء قيل اخرجي أيتها النفس
الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من
شكله أزواج فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ويعرج بها إلى السماء فيقال من
هذا فيقال فلان فيقال لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ارجعي
ذميمة فإنك لا تفتح لك أبواب السماء فيرسل من السماء ثم يصير إلى القبر
فيجلس الرجل الصالح فيقال له فيرد بما في حديث عائشة سواء وقد تقدم ويجلس
الرجل السوء فيقال له فيرد بما في حديث عائشة سواء
قال عبد وأخبرني
عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زادان أبي
عمر عن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في
جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى
الله عليه و سلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير قال فجعل النبي صلى
الله عليه و سلم يرفع
بصره إلى السماء وينكت في الأرض ويحدث نفسه
ثم قال تعوذوا بالله من عذاب القبر ثلاثا ثم قال إن الرجل إذا كان في قبل
من الآخرة وانقطاع من الدنيا أتاه ملك الموت فجلس عند رأسه فإن كان مسلما
قال اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج نفسه
تسيل كما تسيل قطرة السقاء وتنزل الملائكة من السماء بيض الوجوه كأن
وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة فيجلسون منه
مد البصر فإذا أخذها قاموا إليه فلم يتركوها في يده طرفة عين فذلك قوله عز
و جل ( حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ) قال فتخرج
منه مثل أطيب ريح وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون به فلا يمرون على جند من
الملائكة فيما بين السماء والأرض إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة فيقولون
هذا فلان بأحسن أسمائه قال فتفتح له أبواب السماء ويشيعه من كل سماء
مقربوها حتى ينتهوا به إلى السماء السابعة قال فيقال اكتبوا كتابه في
عليين ( وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون ) وأرجعوه إلى
الأرض فإني وعدتهم منها خلقناهم وفيها نعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال
فيرجع روحه إلى جسده قال ويبعث إليه ملكان شديدا الانتهار فيجلسانه
وينتهرانه ويقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان ما هذا الرجل الذي
بعث فيكم فيقول رسول الله فيقولان له وما يدريك فيقول قرأت كتاب الله
فآمنت به وصدقت به فذلك قوله عز و جل ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) وينادي مناد من السماء أن قد صدق
فألبسوه من الجنة وافرشوا له من الجنة وأروه منزله من الجنة قال فيلبس من
الجنة ويفرش له من
الجنة ويرى منزله من الجنة ويفسح له في قبره
مد بصره قال ويمثل له رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح قال فيقول له
أبشر بما أعد الله لك من الكرامة هذا يومك الذي كنت توعد قال فيقول له من
أنت رحمك الله فوالله لوجهك الوجه الذي جاءنا بالخير قال فيقول أنا عملك
الصالح والله ما علمت أن كنت حريصا على طاعة الله بطيئا عن معصية الله
فجزاك الله عني خيرا قال فيقول رب أقم الساعة لكي أرجع إلى أهلي ومالي
وقال الأعمش وهو سليمان بن مهران وحدثني أبو صالح قال حدثني بعض أصحاب
النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يقال له نم فينام ألذ نومة نامها نائم
قط حتى توقظه الساعة
ثم رجع إلى حديث البراء بن عازب قال وإن كان
فاجرا إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة جاءه ملك الموت فجلس
عند رأسه فيقول اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى غضب وسخط من الله قال
فيتفرق روحه في جسده قال فيستخرجها يقطع معها العروق كما يستخرج الصوف
المبلول بالسفود قال وينزل ملائكة من السماء سود الوجوه معهم المسوح
فيجلسون منه مد البصر فإذا وقعت في يد ملك الموت قامت إليه الملائكة فلم
يتركوها في يده طرفة عين قال ويخرج منه مثل أنتن ريح جيفة وجدت على وجه
الأرض فيصعدون به فلا يمرون على جند من الملائكة فيما بين السماء والأرض
إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون هذا فلان بأسوأ أسمائه قال فإذا
انتهي به إلى السماء الدنيا أغلقت دونه ولم يفتح له وينادي مناد أن اكتبوا
كتابه في سجين وأرجعوه إلى الأرض فإني وعدتهم أن منها خلقتهم وفيها أعيدهم
ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فيرمى به من السماء فذلك قوله تعالى ( ومن
يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان
سحيق )
قال فيعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان شديدا الانتهار
فيجلسانه وينتهرانه فيقولان له من ربك فيقول لا أدري فيقولان له ما هذا
النبي الذي بعث فيكم فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون ذلك لا أدري قال
فيقولان له لا دريت قال فذلك قوله تعالى ( ويضل الله الظالمين ويفعل الله
ما يشاء ) قال وينادي مناد من السماء إن قد كذب فالبسوه من النار وافرشوا
له من النار وأروه منزله من النار قال فيكسى من النار ويفرش له من النار
ويرى منها منزله قال ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه قال ويمثل له رجل
قبيح الوجه قبيح المنظر قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك
أبشر بغضب من الله وسخط هذا يومك الذي كنت توعد هذا يومك الذي كنت تكذب به
قال فيقول له ويلك فمن أنت فوالله لوجهك وجه جاء بالشر قال فيقول أنا عملك
الخبيث والله ما علمت أن كنت لبطيئا عن طاعة الله حريصا على معصية الله
فجزاك الله عني شر الجزاء فيقول يا رب لا تقم الساعة مما يرى مما أعد الله
له
وذكر أبو بكر البزار في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال شهدنا مع
رسول الله صلى الله عليه و سلم جنازة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
يا أيها الناس إن هذه الأمة تسأل في قبورها فإذا الإنسان دفن وتفرق عنه
أصحابه جاءه ملك بيده مطراق فأقعده فقال ما تقول في هذا الرجل يعني محمدا
صلى الله عليه و سلم فإن كان مؤمنا قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
عبده ورسوله قال فيقول صدقت ويفتح له باب إلى النار فيقول هذا كان منزلك
لو كفرت بربك فأما إذا آمنت به فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد
أن ينهض إليه فيقول له اسكن ويفسح له في قبره
وإن كان كافرا أو منافقا يقول له ما تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري
سمعت الناس يقولون شيئا فقلت فيقول له الملك لا دريت ولا تليت
ولا اهتديت
ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول هذا منزلك لو آمنت بربك فأما إذ كفرت فإن
الله قد أبدلك به هذا ويفتح له باب إلى النار ثم يقمعه قمعة بالمطراق
يسمعها خلق الله كلهم إلا الثقلين فقال رجل من القوم يا رسول الله ما من
أحد يقوم عليه ملك في يده مطرقة إلا تهبل عند ذلك فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء )
وذكر أبو بكر بن
أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة
ولو أن تنينا منها نفخ في الأرض لما أنبتت خضرا
وذكر البخاري عن ابن
عباس قال مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على قبرين فقال إنهما ليعذبان
وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا
يستنثر من بوله قال فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدا وعلى
هذا واحدا ثم قال لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا
وذكر النسائي عن
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال هذا الذي تحرك له العرش
وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج
عنه وهذا الذي تحرك له العرش هو سعد بن معاذ الأنصاري رمي بسهم في غزوة
الخندق ثم مات منه بعد ذلك ويعني بالضم ضمة القبر
ومن حديث شعبة بن الحجاج بإسناده إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله
عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن للقبر ضغطة لو
نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ
وذكر مسلم من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن
أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك
الله يوم القيامة
ويروى عرض على مقعده
وهذا ضرب من العذاب كبير
وعندنا المثال في الدنيا بمن يعرض عليه السيف للقتل أو غيره من آلات
العذاب أو بما يهدد به من غير أن يرى الآلة ونعوذ بالله من عذابه وعقابه
بكرمه ورحمته
وقد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم في
عذاب القبر على الجملة ولا مطعن فيها ولا معارض لها وإنما اختلف الناس هل
تعذب الروح في القبر قبل أن ترد إلى الجسد أو تعذب فيه بعدما ترد إليه لأن
الرواية في رد الروح إلى الجسد في القبر لم تصح صحة عذاب القبر من غير ذكر
رد الروح وحديث رد الروح إلى الجسد في القبر ذكره أبو داود أيضا وكيفما
كان فالعذاب محسوس والألم موجود والأمر شديد
وقد ضرب بعض العلماء
لتعذيب الروح مثلا بالنائم فإن روحه تتنعم أو تتعذب والجسد لا يحس بشيء من
ذلك فتفكر أيها الإنسان في نفسك وتخيل حالك عند حلول رمسك وهل يكون أول
سعدك أو يكون أول نحسك
وقد جاء في الخبر أن القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه صاحبه
فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه
وفي الخبر أيضا أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر
النار وقد تقدم الحديثان 2
وأنت أعلم بحالك وبما قدمت من أعمالك فتخيل بين عينيك وثوب منكر ونكير
عليك وفي اسميهما ما يدل على وصفيهما وقولهما وفعلهما وقد بدا لك بعض ما
يعذبان به ذلك الممتحن وما يسومان به ذلك البائس المرتهن
واعلم أن
عذاب القبر ليس مختصا بالكافرين ولا موقوفا على المنافقين بل يشاركهم فيه
طائفة من المؤمنين وكل على حاله من عمله وما استوجبه بخطيئته وزلله وإن
كانت تلك النصوص المتقدمة في عذاب القبر إنما جاءت في الكافر والمنافق ومن
أين لك بالأمان من تلك الصفة المذمومة والأعمال المشئومة وإنما الأعمال
بالخواتيم وما ختم لك به فهو الواجب عليك واللازم والطوق في عنقك المقيم
الدائم وعذاب المؤمن لا يكون كعذاب الكافر والحمد لله
قد يكون عذاب
المؤمن في ضمة القبر أو ضيقه أو صعوبة منظره أو بما يصيبه من الروعات عند
مشاهدة تلك الزلات وبالحسرات على ما سلف له من الجهالات وبالندامات على ما
مضى من الساعات أو بما شاء الله تعالى فيكون من ذلك ما شاء الله أن يكون
ويدوم ذلك ما شاء الله أن يدوم فإن أمنت ذلك العذاب الأكبر فما الذي أمنك
من هذا الذي هو بالإضافة إليه عذاب أصغر فتفكر ما دام ينفعك التفكر وتخيل
ما دمت ترجو ثمرة هذا التخيل إذا طرحت في حفرة من الأرض قصيرة الطول ضيقة
العرض فاشتدت بها وحشتك واستبانت غربتك وانضمت عليك ضمة كسرت أنفك وشدخت
رأسك ورضت عظامك وسدت وراءك وأمامك وتحتك وفوقك وملأت ظلمة أرضك وأفقك
فيالك من قلب قد نكس وبدن قد هرس ونفس قد قصر وحبس فأردت أن تفر فلم تترك
وأردت أن تستغيث فلم تملك ولا تدري ما يدوم ولا متى تدرك أن تقعد أو تقوم
أتراك كنت مفتديا من هذا المقام بما كنت جمعت من حطام بل بما
جمعه جميع
الأنام من حلال وحرام بل بما لا يحصر من أضعاف ذلك ولا يحد ولا يجمع ولا
يعد
ولعلك يا هذا قد كنت في الدنيا لا ترضى بمنزلك المتسع ولا بشملك
المجتمع ولا تقنع برزق ربك المتدفق عليك المندفع فانظر رحمك الله لنفسك
فادفع عنك جوانب هذه الحفرة ونفس عنك من هذه الضمة وآنس من هذه الوحشة
واعمل ما وجدت سبيلا للعمل وما دمت في فسحة ومهل ومهد المضجع ووطيء لذلك
المصرع وارغب وتوسل واضرع وتذلل فلعل الإله المعبود الذي عم جوده الوجود
وكرمه لا محصور ولا معدود وفيض نعمه لا مقطوع ولا محدود سيرسل منه قطرة
تغمر العرش والذرة فيصيبك منه بنصيب ويبلك منه بذنوب ويعمك منه بشؤبوب وقد
انقطع الرجاء إلا منه وسدت الأبواب إلا عنه جل وعلا وتبارك وتعالى
حدثني الفقيه أبو الحكم بن برجان وكان من أهل العلم والعمل رحمه الله أنهم
دفنوا ميتا بقريتهم من شرق إشبيلية فلما فرغوا من دفنه قعدوا ناحية
يتحدثون ودابة ترعى قريبا منهم وإذا بالدابة قد أقبلت مسرعة إلى القبر
فجعلت أذنها عليه كأنها تسمع ثم ولت فارة ثم عادت إلى القبر فجعلت أذنيها
عليه كأنها تسمع ثم ولت كذلك ثم أعادت ذلك مرة بعد أخرى قال أبو الحكم
رحمه الله فذكرت عذاب القبر وقول النبي صلى الله عليه و سلم إنهم ليعذبون
عذابا تسمعه البهائم والله عز و جل أعلم بما كان من أمر ذلك الميت ذكر هذه
الحكاية لما قرأ القاريء هذا الحديث في عذاب القبر ونحن إذ ذاك نسمع عليه
كتاب مسلم بن الحجاج رضي الله عنه
وروي أن بعض النباشين نبش ذات ليلة قبرا فلما كشف عن الميت إذا بنار تحرق
الميت فأهوت إليه منها شرارة فهرب وتاب إلى الله عز و جل
وروى عن أبي بكر بن أبي الدنيا عن بعض أصحابه أنه قال لنباش بعد
توبته ما
سبب توبتك ورجوعك إلى الله قال نبشت إنسانا فوجدته قد سمر بمسامير في جميع
جسده ومسمار كبير في رأسه وآخر في رجليه
وقيل لآخر ما سبب توبتك قال
رأيت جمجمة إنسان قد صب فيها الرصاص وقد روي في الحديث من استمع إلى حديث
قوم وهم له كارهون أو يسرونه عنه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ذكره
البخاري ولعل هذا كان ممن يفعل ذلك والله أعلم بما كان عليه
ذكر منامات رئيت لرجال تدل على ما هم فيه من سوء الحال
روى عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال كنت مؤاخيا لأبي لهب فلما
مات أخبر الله عنه بما أخبر وحزنت عليه وأهمني أمره فسألت الله حولا كاملا
أن يرينيه في المنام قال فرأيته يلتهب نارا فسألته عن حاله فقال صرت إلى
النار والعذاب لا يخفف عني ولا يروح إلا ليلة الاثنين في كل الليالي
والأيام قلت وكيف ذلك قال ولد في تلك الليلة محمد صلى الله عليه و سلم
فجاءتني أميمة فبشرتني بولادة أمه إياه ففرحت وأعتقت وليدة فرحا به
فأثابني الله بذلك أن يرفع عني العذاب في كل ليلة الاثنين
ويروى
أيضا أن أبا لهب كان قد أعتق أمة له يقال لها ثويبة وكانت ثويبة قد أرضعت
رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله في منامه
بشر خيبة أي بشر حال فقال له ماذا لقيت فقال لم ألق بعدكم خيرا غير أني
سقيت في هذه لعتاقتي ثويبة
ومعنى سقيت في هذه يريد النقرة التي بين الإبهام والسبابة ذكر هذه الحكاية
البخاري
أبو لهب كان عم النبي صلى الله عليه و سلم وكان كثير الإذاية للرسول بعدما
جاءته النبوة شديد العداوة له
ويروى عن طارق بن عبد الله المحاربي قال رأيت بسوق عكاظ رجلا شابا جميل
الوجه يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ووراءه رجل أعور قبيح
يقول أيها الناس لا تصدقوه فإنه كذاب وقد رمى كعبيه
وعرقوبيه
بالحجارة حتى أدماه فقلت من هذا الشاب قالوا هو محمد بن عبد الله بن عبد
المطلب يزعم أن الله أرسله قلت ومن هذا الآخر وراءه قالوا عمه أبو لهب
وسوء حال أبي لهب أوضح من أن يحتاج فيه إلى شاهد ولكني أردت إلا أخلي هذا
الباب من ذكره أو ذكر مثله
وليعلم أيضا أن الكافر لا يغني عنه من الله شيء وأنه ليس له من دون الله
ولي ولا نصير وهذا التخفيف الذي ذكر إن كان فإنما هو في البرزخ وأما في
الآخرة فلا تخفيف ولا تفتير ولا راحة نعوذ بالله من عذابه
يروى عن
بعض الصالحين من أهل القيروان قال كان لي جار يذكر أنه ليس بمسلم فمات
فرأيت في النوم حجرا ململما يتدحرج حتى وصل إلى باب ذلك الرجل فدنوت منه
فإذا بالحجر قد انفرج فخرج منه رجل هو ذلك الرجل فقلت له ما هذا فقال هكذا
نحن نعذب وذكر سوء حاله فقلت لعل الله أن يغفر لك قال وكيف يغفر لي وأنا
قد مت على غير الإسلام
ويروى عن هشام بن حسان قال قال مات ابن لي
شاب فرأيته في النوم وهو أشيب فقلت له يا بني ما هذا الشيب قال قدم فلان
فزفرت جهنم لقدومه زفرة لم يبق منا أحد إلا شاب
ويروى أن رجلا رئي في المنام شاحب اللون متغير الوجه وقد غلت يداه إلى
عنقه فقيل له ما فعل الله بك فأنشأ يقول
( تولى زمان لعبنا به ... وهذا زمان بنا يلعب )
ويروى أن دلف بن أبي دلف العجلي رأى أباه في النوم وكأنه في بيت مظلم
حيطانه وسقفه مسودة من الدخان وهو جالس في صدر البيت فقال له يا أبت كيف
حالك فقال يا بني الأمر صعب والحساب دقيق ثم أنشأ يقول
( ولو أنا إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حي )
( ولكنا إلذا متنا بعثنا ... ونسأل بعده عن كل شي )
وفي رؤيا عمر بن عبد العزيز فذكر القيامة والبعث وجمع الناس لفصل القضاء
وكيف نودي الخلفاء واحدا بعد واحد وحسابهم وكل واحد منهم على منزلته ثم
نادى المنادي أين عمر بن عبد العزيز قال فتصببت عرقا ثم أخذت الملائكة
بيدي فأوقفتني بين يدي الله تعالى فسألني عن الفتيل والنقير والقطمير وعن
كل قضية قضيتها حتى ظننت أني لست بناج ثم إنه تفضل علي برحمة منه فغفر لي
وأمر بي ذات اليمين إلى الجنة فمررت بجيفة ملقاة فقلت للملائكة من هذا
قالوا كلمه يكلمك فوكزته برجلي فرفع رأسه وفتح عينيه فإذا برجل أفطس أثرم
شديد الأدمة وحش المنظر فقال لي من أنت فقلت عمر بن عبد العزيز فقال ما
فعل الله بك فقلت تفضل علي برحمته فغفر لي وأمر بي ذات اليمين إلى الجنة
قال فما فعل أصحابك الخلفاء الذين معك قلت أما الأربعة فغفر الله لهم وأمر
بهم ذات اليمين إلى الجنة وأما الباقون فلا أدري ما فعل الله بهم قال
وأخذني البكاء ثم قال هنأك الله بما صرت إليه قلت من تكون قال أنا الحجاج
بن يوسف قدمت على ربي فوجدته شديد العقاب قتلني بكل قتيل قتلته قتلة وها
أنذا موقوف بين يديه أنتظر ما ينتظر الموجودون
والأخبار في هذا الباب كثيرة أيضا
الباب الثاني عشر
ذكر الأرواح أين يذهب بها وما جاء في عذاب القبر والسؤال فيه
ذكر أبو بكر البزار في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه و سلم قال إن المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك
وضبائر ريحان فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين ويقال أيتها النفس
المطمئنة اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وكرامته فإذا خرج روحه وضع
على ذلك المسك والريحان وطويت عليه الحريرة وذهب به إلى عليين
وإن
الكافر إذا احتضر أتته الملائكة بمسح فيه جمرة فتنزع روحه انتزاعا شديدا
ويقال أيتها النفس الخبيثة اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى هوان الله وعذابه
فإذا خرجت روحه وضع على تلك الجمرة ويطوى عليه المسح ويذهب بها إلى سجين
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن المؤمن
إذا حضر أتته الملائكة بحريرة بيضاء فيقولون اخرجي راضية مرضيا عنك إلى
روح الله وريحان ورب غير غضبان فتخرج كأطيب ريح مسك حتى أنه ليناوله بعضهم
بعضا يشمونه حتى يأتوا به باب السماء فيقولون ما أطيب هذه الريح التي
جاءتكم من الأرض فكلما أتوا سماء قالوا لهم مثل ذلك حتى يأتوا به أرواح
المؤمنين فلهم أفرح به من أحدكم بغائبه إذا قدم فيقولون ما فعل فلان
فيقولون دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدينا فإذا أصبح واستراح قال لهم
أما أتاكم فإنه قد مات فيقولون ذهب به إلى أمه الهاوية
وأما الكافر
فإن ملائكة العذاب تأتيه بمسح من شعر فيقولون اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى
عذاب الله وسخطه فتخرج كأنتن ريح جيفة فينطلقون به إلى باب الأرض فيقولون
ما أنتن هذه الريح كلما أتوا على أرض قالوا ذلك حتى يأتوا به أرواح الكفار
ذكره قاسم بن أصبغ وغيره من حديث أبي هريرة أيضا
وذكر مالك في
الموطأ من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده
يوم يبعثه
وذكر مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
و سلم قال رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أخابني كعب وهو يجر قصبه في
النار
القصب الأمعاء
وذكر مسلم أيضا من حديث أبي سعيد الخدري
عن زيد بن ثابت قال قال أبو سعيد ولم أشهده من رسول الله صلى الله عليه و
سلم ولكن حدثنيه زيد بن ثابت قال بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم في
حائط لبني النجار على بغلة ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة
أو خمسة أو أربعة فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر فقال رجل أنا قال فمتى
مات هؤلاء قال ماتوا في الإشراك فقال إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا
أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه
ثم
أقبل علينا بوجهه فقال تعوذوا بالله من عذاب النار فقالوا نعوذ بالله من
عذاب النار قال تعوذوا بالله من عذاب القبر فقالوا نعوذ بالله من عذاب
القبر قال تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قالوا نعوذ بالله من
الفتن ما ظهر منها وما بطن قال تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا نعوذ
بالله من فتنة الدجال
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور
قريبا أو مثل فتنة المسيح الدجال لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيؤتى أحدكم
فيقال له ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن الموقن لا أدري أي ذلك قالت
أسماء فيقول هو محمد هو رسول الله صلى الله عليه و سلم جاءنا بالبينات
والهدى فأجبنا وأطعنا ثلاث مرات فيقال له نم قد كنا نعلم أنك لمؤمن به فنم
صالحا
وأما المنافق أو المرتاب لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيقول لا أدري سمعت
الناس يقولون شيئا فقلت
وذكر النسائي عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن العبد إذا وضع
في قبره وتولي عنه أصحابه إنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه
فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد
الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من
الجنة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيراهما جميعا وأما الكافر أو
المنافق فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول كما
يقول الناس فيقال له لا دريت ولا تليت ثم يضرب ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة
يسمعها من يليه غير الثقلين
ذكره البخاري وقال ويضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح وذكر باقي
الحديث
وذكر الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما
المنكر وللآخر النكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول
هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا ثم يفسح له في قبره سبعون
ذراعا في
سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال له نم فيقول أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان
نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله تعالى من
مضجعه ذلك وإن كان منافقا قال سمعت الناس يقولون شيئا فقلت مثله لا أدري
فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه
فتختلف فيها أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله عز و جل من مضجعه
ذلك
وذكر عبد بن حميد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت جاءت يهودية
فاستطعمت على بابي فقالت أطعموني أعاذكم الله من فتنة عذاب القبر ومن فتنة
الدجال فلم أزل أحبسها حتى جاء الرسول صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول
الله ما تقول هذه اليهودية فقال وما تقول قلت تقول أعاذكم الله من فتنة
عذاب القبر ومن فتنة الدجال قالت عائشة فقام رسول الله صلى الله عليه و
سلم فرفع يده مدا يستعيذ بالله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر قالت
ثم قال أما فتنة الدجال فإنه لم يكن نبي إلا وقد حذر أمته وسأحذركموه
تحذيرا لم يحذره نبي أمته إنه أعور وإن الله ليس بأعور بين عينيه مكتوب
كافر يقرؤه كل مؤمن وأما فتنة القبر ففي تفتنون وعني تسألون فإذا كان
الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ولا مشعوف فيقال له فيم كنت فيقول في
الإسلام فيقال له ما هذا الرجل الذي كان فيكم فيقول محمد رسول الله جاءنا
بالبينات من عند الله ربنا فآمنا به وصدقناه قال فيقال له هل رأيت الله
فيقول ما ينبغي لأحد أن يرى الله فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها
يحطم بعضها بعضا فيقال له انظر إلى ما وقاك الله ثم يفرج له فرجة أخرى قبل
الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له هذا مقعدك منها ويقال له على
اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله وإذا كان الرجل السوء أجلس في
قبره فزعا مشعوفا فيقال له فيم كنت فيقول لا أدري فيقال
له ما
هذا الرجل الذي كان فيكم فيقول سمعت الناس يقولون قولا فقلت كما قالوا
فيفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له انظر إلى ما
صرف الله عنك ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا
فيقال له هذا مقعدك على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ثم يعذب
وقال عبد بن حميد أيضا عن ابن أبي ذئب قال محمد بن عمرو فحدثني سعيد
بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم إن الميت تحضره
الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها الروح الطيبة كانت في
الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال
لها ذلك حتى تخرج ويعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا فيقال
فلان فيقولون مرحبا بالروح الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري
بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى
السماء التي فيها عليون
وإذا كان الرجل السوء قيل اخرجي أيتها النفس
الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من
شكله أزواج فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ويعرج بها إلى السماء فيقال من
هذا فيقال فلان فيقال لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ارجعي
ذميمة فإنك لا تفتح لك أبواب السماء فيرسل من السماء ثم يصير إلى القبر
فيجلس الرجل الصالح فيقال له فيرد بما في حديث عائشة سواء وقد تقدم ويجلس
الرجل السوء فيقال له فيرد بما في حديث عائشة سواء
قال عبد وأخبرني
عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زادان أبي
عمر عن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في
جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى
الله عليه و سلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير قال فجعل النبي صلى
الله عليه و سلم يرفع
بصره إلى السماء وينكت في الأرض ويحدث نفسه
ثم قال تعوذوا بالله من عذاب القبر ثلاثا ثم قال إن الرجل إذا كان في قبل
من الآخرة وانقطاع من الدنيا أتاه ملك الموت فجلس عند رأسه فإن كان مسلما
قال اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج نفسه
تسيل كما تسيل قطرة السقاء وتنزل الملائكة من السماء بيض الوجوه كأن
وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة فيجلسون منه
مد البصر فإذا أخذها قاموا إليه فلم يتركوها في يده طرفة عين فذلك قوله عز
و جل ( حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ) قال فتخرج
منه مثل أطيب ريح وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون به فلا يمرون على جند من
الملائكة فيما بين السماء والأرض إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة فيقولون
هذا فلان بأحسن أسمائه قال فتفتح له أبواب السماء ويشيعه من كل سماء
مقربوها حتى ينتهوا به إلى السماء السابعة قال فيقال اكتبوا كتابه في
عليين ( وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون ) وأرجعوه إلى
الأرض فإني وعدتهم منها خلقناهم وفيها نعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال
فيرجع روحه إلى جسده قال ويبعث إليه ملكان شديدا الانتهار فيجلسانه
وينتهرانه ويقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان ما هذا الرجل الذي
بعث فيكم فيقول رسول الله فيقولان له وما يدريك فيقول قرأت كتاب الله
فآمنت به وصدقت به فذلك قوله عز و جل ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) وينادي مناد من السماء أن قد صدق
فألبسوه من الجنة وافرشوا له من الجنة وأروه منزله من الجنة قال فيلبس من
الجنة ويفرش له من
الجنة ويرى منزله من الجنة ويفسح له في قبره
مد بصره قال ويمثل له رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح قال فيقول له
أبشر بما أعد الله لك من الكرامة هذا يومك الذي كنت توعد قال فيقول له من
أنت رحمك الله فوالله لوجهك الوجه الذي جاءنا بالخير قال فيقول أنا عملك
الصالح والله ما علمت أن كنت حريصا على طاعة الله بطيئا عن معصية الله
فجزاك الله عني خيرا قال فيقول رب أقم الساعة لكي أرجع إلى أهلي ومالي
وقال الأعمش وهو سليمان بن مهران وحدثني أبو صالح قال حدثني بعض أصحاب
النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يقال له نم فينام ألذ نومة نامها نائم
قط حتى توقظه الساعة
ثم رجع إلى حديث البراء بن عازب قال وإن كان
فاجرا إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة جاءه ملك الموت فجلس
عند رأسه فيقول اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى غضب وسخط من الله قال
فيتفرق روحه في جسده قال فيستخرجها يقطع معها العروق كما يستخرج الصوف
المبلول بالسفود قال وينزل ملائكة من السماء سود الوجوه معهم المسوح
فيجلسون منه مد البصر فإذا وقعت في يد ملك الموت قامت إليه الملائكة فلم
يتركوها في يده طرفة عين قال ويخرج منه مثل أنتن ريح جيفة وجدت على وجه
الأرض فيصعدون به فلا يمرون على جند من الملائكة فيما بين السماء والأرض
إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون هذا فلان بأسوأ أسمائه قال فإذا
انتهي به إلى السماء الدنيا أغلقت دونه ولم يفتح له وينادي مناد أن اكتبوا
كتابه في سجين وأرجعوه إلى الأرض فإني وعدتهم أن منها خلقتهم وفيها أعيدهم
ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فيرمى به من السماء فذلك قوله تعالى ( ومن
يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان
سحيق )
قال فيعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان شديدا الانتهار
فيجلسانه وينتهرانه فيقولان له من ربك فيقول لا أدري فيقولان له ما هذا
النبي الذي بعث فيكم فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون ذلك لا أدري قال
فيقولان له لا دريت قال فذلك قوله تعالى ( ويضل الله الظالمين ويفعل الله
ما يشاء ) قال وينادي مناد من السماء إن قد كذب فالبسوه من النار وافرشوا
له من النار وأروه منزله من النار قال فيكسى من النار ويفرش له من النار
ويرى منها منزله قال ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه قال ويمثل له رجل
قبيح الوجه قبيح المنظر قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك
أبشر بغضب من الله وسخط هذا يومك الذي كنت توعد هذا يومك الذي كنت تكذب به
قال فيقول له ويلك فمن أنت فوالله لوجهك وجه جاء بالشر قال فيقول أنا عملك
الخبيث والله ما علمت أن كنت لبطيئا عن طاعة الله حريصا على معصية الله
فجزاك الله عني شر الجزاء فيقول يا رب لا تقم الساعة مما يرى مما أعد الله
له
وذكر أبو بكر البزار في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال شهدنا مع
رسول الله صلى الله عليه و سلم جنازة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
يا أيها الناس إن هذه الأمة تسأل في قبورها فإذا الإنسان دفن وتفرق عنه
أصحابه جاءه ملك بيده مطراق فأقعده فقال ما تقول في هذا الرجل يعني محمدا
صلى الله عليه و سلم فإن كان مؤمنا قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
عبده ورسوله قال فيقول صدقت ويفتح له باب إلى النار فيقول هذا كان منزلك
لو كفرت بربك فأما إذا آمنت به فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد
أن ينهض إليه فيقول له اسكن ويفسح له في قبره
وإن كان كافرا أو منافقا يقول له ما تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري
سمعت الناس يقولون شيئا فقلت فيقول له الملك لا دريت ولا تليت
ولا اهتديت
ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول هذا منزلك لو آمنت بربك فأما إذ كفرت فإن
الله قد أبدلك به هذا ويفتح له باب إلى النار ثم يقمعه قمعة بالمطراق
يسمعها خلق الله كلهم إلا الثقلين فقال رجل من القوم يا رسول الله ما من
أحد يقوم عليه ملك في يده مطرقة إلا تهبل عند ذلك فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي
الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء )
وذكر أبو بكر بن
أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة
ولو أن تنينا منها نفخ في الأرض لما أنبتت خضرا
وذكر البخاري عن ابن
عباس قال مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على قبرين فقال إنهما ليعذبان
وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا
يستنثر من بوله قال فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدا وعلى
هذا واحدا ثم قال لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا
وذكر النسائي عن
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال هذا الذي تحرك له العرش
وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج
عنه وهذا الذي تحرك له العرش هو سعد بن معاذ الأنصاري رمي بسهم في غزوة
الخندق ثم مات منه بعد ذلك ويعني بالضم ضمة القبر
ومن حديث شعبة بن الحجاج بإسناده إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله
عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن للقبر ضغطة لو
نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ
وذكر مسلم من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن
أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك
الله يوم القيامة
ويروى عرض على مقعده
وهذا ضرب من العذاب كبير
وعندنا المثال في الدنيا بمن يعرض عليه السيف للقتل أو غيره من آلات
العذاب أو بما يهدد به من غير أن يرى الآلة ونعوذ بالله من عذابه وعقابه
بكرمه ورحمته
وقد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم في
عذاب القبر على الجملة ولا مطعن فيها ولا معارض لها وإنما اختلف الناس هل
تعذب الروح في القبر قبل أن ترد إلى الجسد أو تعذب فيه بعدما ترد إليه لأن
الرواية في رد الروح إلى الجسد في القبر لم تصح صحة عذاب القبر من غير ذكر
رد الروح وحديث رد الروح إلى الجسد في القبر ذكره أبو داود أيضا وكيفما
كان فالعذاب محسوس والألم موجود والأمر شديد
وقد ضرب بعض العلماء
لتعذيب الروح مثلا بالنائم فإن روحه تتنعم أو تتعذب والجسد لا يحس بشيء من
ذلك فتفكر أيها الإنسان في نفسك وتخيل حالك عند حلول رمسك وهل يكون أول
سعدك أو يكون أول نحسك
وقد جاء في الخبر أن القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه صاحبه
فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه
وفي الخبر أيضا أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر
النار وقد تقدم الحديثان 2
وأنت أعلم بحالك وبما قدمت من أعمالك فتخيل بين عينيك وثوب منكر ونكير
عليك وفي اسميهما ما يدل على وصفيهما وقولهما وفعلهما وقد بدا لك بعض ما
يعذبان به ذلك الممتحن وما يسومان به ذلك البائس المرتهن
واعلم أن
عذاب القبر ليس مختصا بالكافرين ولا موقوفا على المنافقين بل يشاركهم فيه
طائفة من المؤمنين وكل على حاله من عمله وما استوجبه بخطيئته وزلله وإن
كانت تلك النصوص المتقدمة في عذاب القبر إنما جاءت في الكافر والمنافق ومن
أين لك بالأمان من تلك الصفة المذمومة والأعمال المشئومة وإنما الأعمال
بالخواتيم وما ختم لك به فهو الواجب عليك واللازم والطوق في عنقك المقيم
الدائم وعذاب المؤمن لا يكون كعذاب الكافر والحمد لله
قد يكون عذاب
المؤمن في ضمة القبر أو ضيقه أو صعوبة منظره أو بما يصيبه من الروعات عند
مشاهدة تلك الزلات وبالحسرات على ما سلف له من الجهالات وبالندامات على ما
مضى من الساعات أو بما شاء الله تعالى فيكون من ذلك ما شاء الله أن يكون
ويدوم ذلك ما شاء الله أن يدوم فإن أمنت ذلك العذاب الأكبر فما الذي أمنك
من هذا الذي هو بالإضافة إليه عذاب أصغر فتفكر ما دام ينفعك التفكر وتخيل
ما دمت ترجو ثمرة هذا التخيل إذا طرحت في حفرة من الأرض قصيرة الطول ضيقة
العرض فاشتدت بها وحشتك واستبانت غربتك وانضمت عليك ضمة كسرت أنفك وشدخت
رأسك ورضت عظامك وسدت وراءك وأمامك وتحتك وفوقك وملأت ظلمة أرضك وأفقك
فيالك من قلب قد نكس وبدن قد هرس ونفس قد قصر وحبس فأردت أن تفر فلم تترك
وأردت أن تستغيث فلم تملك ولا تدري ما يدوم ولا متى تدرك أن تقعد أو تقوم
أتراك كنت مفتديا من هذا المقام بما كنت جمعت من حطام بل بما
جمعه جميع
الأنام من حلال وحرام بل بما لا يحصر من أضعاف ذلك ولا يحد ولا يجمع ولا
يعد
ولعلك يا هذا قد كنت في الدنيا لا ترضى بمنزلك المتسع ولا بشملك
المجتمع ولا تقنع برزق ربك المتدفق عليك المندفع فانظر رحمك الله لنفسك
فادفع عنك جوانب هذه الحفرة ونفس عنك من هذه الضمة وآنس من هذه الوحشة
واعمل ما وجدت سبيلا للعمل وما دمت في فسحة ومهل ومهد المضجع ووطيء لذلك
المصرع وارغب وتوسل واضرع وتذلل فلعل الإله المعبود الذي عم جوده الوجود
وكرمه لا محصور ولا معدود وفيض نعمه لا مقطوع ولا محدود سيرسل منه قطرة
تغمر العرش والذرة فيصيبك منه بنصيب ويبلك منه بذنوب ويعمك منه بشؤبوب وقد
انقطع الرجاء إلا منه وسدت الأبواب إلا عنه جل وعلا وتبارك وتعالى
حدثني الفقيه أبو الحكم بن برجان وكان من أهل العلم والعمل رحمه الله أنهم
دفنوا ميتا بقريتهم من شرق إشبيلية فلما فرغوا من دفنه قعدوا ناحية
يتحدثون ودابة ترعى قريبا منهم وإذا بالدابة قد أقبلت مسرعة إلى القبر
فجعلت أذنها عليه كأنها تسمع ثم ولت فارة ثم عادت إلى القبر فجعلت أذنيها
عليه كأنها تسمع ثم ولت كذلك ثم أعادت ذلك مرة بعد أخرى قال أبو الحكم
رحمه الله فذكرت عذاب القبر وقول النبي صلى الله عليه و سلم إنهم ليعذبون
عذابا تسمعه البهائم والله عز و جل أعلم بما كان من أمر ذلك الميت ذكر هذه
الحكاية لما قرأ القاريء هذا الحديث في عذاب القبر ونحن إذ ذاك نسمع عليه
كتاب مسلم بن الحجاج رضي الله عنه
وروي أن بعض النباشين نبش ذات ليلة قبرا فلما كشف عن الميت إذا بنار تحرق
الميت فأهوت إليه منها شرارة فهرب وتاب إلى الله عز و جل
وروى عن أبي بكر بن أبي الدنيا عن بعض أصحابه أنه قال لنباش بعد
توبته ما
سبب توبتك ورجوعك إلى الله قال نبشت إنسانا فوجدته قد سمر بمسامير في جميع
جسده ومسمار كبير في رأسه وآخر في رجليه
وقيل لآخر ما سبب توبتك قال
رأيت جمجمة إنسان قد صب فيها الرصاص وقد روي في الحديث من استمع إلى حديث
قوم وهم له كارهون أو يسرونه عنه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة ذكره
البخاري ولعل هذا كان ممن يفعل ذلك والله أعلم بما كان عليه
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى