صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
فائدة جليلة اذا أصبح العبد وأمسي وليس همه الا الله وحده تحمل
الله
سبحانه حوائجه كلها وحمل عنه كل ما أهمه وفرغ قلبه لمحبته ولسانه لذكره
وجوارحه لطاعته وان أصبح وأمسي والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها
وأنكادها ووكله الى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق ولسانه عن ذكره
بذكرهم وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم فهو يكدح كدح الوحش في خدمة
غيره كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره لكل من أعرض عن عبودية
اللله وطاعته ومحبته بلى بعبودية لمخلوق ومحبته وخدمته قال تعالى ومن يعش
عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين قال سفيان بن عيينة لا تأتون
بمثل مشهور للعرب الا جئتكم به من القرآن فقال له قائل فأين في القرآن اعط
أخاك تمرة فان لم يقبل فاعطه جمرة فقال في قوله
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا الآية
فائدة العلم نقل صورة المعلوم من الخارج واثباتها في النفس
ولعمل نقل
صورة علمية من النفس واثباتها في الخارج فان كان الثابت في النفس مطابقا
للحقيقة في نفسها فهو علم صحيح وكثيرا ما يثبت ويترا أي في النفس صور ليس
لها وجود حقيقى فيضنها الذي قد أثبتها في نفسه علما وانما هي مقدرة لا
حقيقية لها واكثر علوم الناس من هذا الباب وما كان منها مطابقا للحقيقة في
الخارج فهو نوعان نوع تكمل النفس بادراكه والعلم به وهو العلم بالله
وأسمائه وصفاته وأفعاله وكتبه وأمره ونهيه ونوع لا يحصل به للنفس كمال وهو
كل علم لا يضر الجهل به فانه لا ينفع العلم به وكان النبي يستعيذ بالله من
علم لا ينفع وهذا حال أكثر لعلوم الصحيحة المطابقة التي لا يضر الجهل بها
شيئا كالعلم بالفلك
ودقائقه ودرجاته وعدد الكواكب ومقاديرها والعلم بعدد الجبال
والوانها ومساحتها ونحو ذلك فشرف العلم بحسب شرف معلومه وشدة الحاجة اليه
وليس ذلك الا العلم بالله وتوابع ذلك واما العلم فآفته عدم مطابقته لمراد
الله الدينى الذي يحبه الله ويرضاه وذلك يكون من فساد العلم تارة ومن فساد
الارادة تارة ففساد من جهة العلم ان يعتقد ان هذا مشروع محبوب لله وليس
كذلك او يعتقد انه يقر به الي الله وان لم يكن مشروعا فيظن انه يتقرب الي
الله بهذا العمل وان لم يعلم انه مشروع وأما فساده من جهة القصد فان لا
يقصد به وجه الله والدار الآخرة بل يقصد به الدنيا والخلق وهاتان الآفتان
في العلم والعمل لا سبيل الى السلامة منهما الا بمعرفة ما جاء به الرسول
في باب العلم والمعرفة وارادة وجه الله والدار الآخرة في باب القصد
والرادة فمتى خلا من هذه المعرف وهذه الارادة فسد علمه وعمله والأيمان
واليقين يورثان صحة المعرفة وصحة الارادة يورثان الايمان ويمدانه ومن هنا
يتبين انحراف اكثر الناس عن الأيمان ولانحرافهم عن صحة المعرفة وصحة
الارادة ولا يتم الايمان الا بتلقي المعرفة من مشكاة النبوة وتجريد
الارادة عن شوائب الهوى وارادة الخلق فيكون علمه مقتبسا من مشكاة الوحى
وارادته لله والدار الآخرة فهذا أصح الناس علما وعملا وهو من الأئمة الذين
يهدون بامر الله ومن خلفاء رسوله في أمته
قاعدة الايمان له ظاهر وباطن وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح
وباطنه
تصديق القلب وانقياده ومحبته فلا ينفع ظاهر لا باطن له وان حقن به الدماء
وعصم به المال والذرية ولا يجزىء باطن لا ظاهر له الا اذا تعذر بعجز أو
إكراه وخوف هلاك فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل علي فساد الباطن
وخلوه من الايمان ونقصه دليل نقصه وقوته دليل قوته فالايمان قلب الاسلام
ولبه
واليقين قلب الايمان ولبه وكل علم وعمل لا يزيد الايمان واليقين
قوة فمدخول وكل ايمان لا يبعث على العمل فمدخول
قاعدة التوكل على الله نوعان احدهما توكل عليه في جلب حوائج
العبد
وحظوظه الدنيوية او دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية والثاني التوكل عليه في
حصول ما يحبه هو ويرضاه من الايمان واليقين والجهاد والدعوة اليه وبين
النوعين من الفضل ما لا يحصيه الا الله فمتى توكل عليه العبد في النوع
الثاني حق توكله كفاه النوع الأول تمام الكفاية ومتي توكل عليه في النوع
الأول دون الثاني كفاه أيضا لكن لا يكون له عاقبة المتوكل عليه فيما يحبه
ويرضاه فاعظم التوكل عليه التوكل في الهداية وتجريد التوحيد ومتابعة
الرسول وجهاد أهل الباطل فهذا توكل الرسل وخاصة اتباعهم
التوكل تارة يكون توكل اضطرار والجاء بحيث لا يجد العبد ملجأ ولا وزرا الا
التوكل كما اذا ضاقت عليه الأسباب وضاقت عليه نفسه وظن ان لا ملجأ من الله
الا اليه وهذا لا يتخلف عنه الفرج والتيسير البتة وتارة يكون توكل اختيار
وذلك التوكل مع وجود السبب المفضي الى المراد فان كان السبب مأمورا به ذم
على تركه وان قام السبب وترك التوكل ذم على تركه أيضا فانه واجب باتفاق
الأمة ونص القرآن والواجب القيام بهما والجمع بينهما وان كان السبب محرما
حرم عليه مباشرته وتوحد السبب في حقه في التوكل فلم يبق سبب سواه فان
التوكل من أقوى الأسباب في حصول المراد ودفع المكروه بل هو أقوى الأسباب
على الاطلاق وان كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل أو لا
يضعفه فان أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت همك فتركه اولى وان لم يضعفه
فمباشرته أولى لأن حكمه أحكم الحاكمين اقتضت ربط المسبب به فلا تعطل حكمته
مهما أمكنك القيام بها ولا سيما اذا فعلته عبودية فتكون قد أتيت
بعبودية القلب بالتوكل وعبودية الجوارح بالسبب المنوى به القربة والذي
يحقق لتوكل القيام بالأسباب المأمور بها فمن عطلها لم يصح توكله كما أن
القيام بالأسباب المفضية الي حصول الخير يحقق رجاءه فمن لم يقم بها كان
رجاؤه تمنيا كما أن من عطلها يكون توكله عجزا وعجزه توكلا
وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب علي الله وحده فلا يضره مباشرة
الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون اليها كما لا ينفعه قوله
توكلت علي الله مع اعتماده على غيره وركونه اليه وثقته به فتوكل اللسان
شيء وتوكل القلب شيء كما أن توبة اللسان مع اصرار القلب شيء وتوبة القلب
وان لم ينطق اللسان شيء فقول العبد توكلت على الله مع اعتماد قلبه على
غيره مثل قوله تبت الي الله وهو مصر على معصيته مرتكب لها
فائدة الجاهل يشكو الله الي الناس وهذا غاية الجهل بالمشكو
والمشكو
اليه فانه لو عرف ربه لما شكاه ولو عرف الناس لما شكا اليهم ورأى بعض
السلف رجلا يشكو الي رجل فاقته وضرورته فقال يا هذا والله ما زدت على ان
شكوت من يرحمك وفي ذلك قيل
اذا شكوت الي ابن آدم انما ... تشكو الرحيم الى الذي لا يرحم
والعارف انما يشكو الى الله وحده وأعرف العارفين من جعل شكواه الي الله من
نفسه لا من الناس فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه فهو ناظر الى قوله
تعالى وما أصابكم من مصيبة فما كسبت أيديكم وقوله وما أصابك من سيئة فمن
نفسك وقوله أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا
قل هو من عند أنفسكم فالمراتب ثلاثة أخسها أن تشكو الله الى
خلقه وأعلاها أن تشكو نفسك اليه وأوسطها أن تشكو خلقه اليه
قاعدة جليلة قال الله تعالى
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول اذا دعاكم لما يحيكم واعلموا أن
الله يحول بين المرء وقلبه وأنه واليه تحشرون فتضمنت هذه الآية أمورا
أحدها ان الحياة النافعة انما تحصل بالاستجابة لله ورسوله فمن لم تحصل له
هذه الاستجابة فلا حياة له وان كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل
الحيوانات فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا
وباطنا فهؤلاء هم الأحياء وان ماتوا وغيرهم أموات وان كانوا احياء الأبدان
ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول فان كان ما دعا
اليه ففيه الحياة فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة وفيه من الحياة
بحسب ما استجاب للرسول قال مجاهد لما يحيكم يعني للحق وقال قتادة هو هذا
القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة وقال السدى
هو الاسلام أحياهم به بعد موتهم بالكفر وقال ابن اسحق وعروة بن الزبير
واللفظ له لما يحيكم يعنى للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل وقواكم بعد
الضعف ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم وهذه كل عبارات عن حقيقة
واحدة وهى القيام بما جاء به الرسول ظاهرا وباطنا قال الواحدى والأكثرون
على ان معنى قوله لما يحيكم هو الجهاد وهو قول ابن اسحق واختيار أكثر أهل
المعاني قال الفراء اذا دعاكم الي احياء أمركم بجهاد عدوكم يريد ان أمرهم
انما يقوى بالحرب والجهاد فلو تركوا لجهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم
قلت الجهاد من أعظم ما يحيهم به فى الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة أما في
الدنيا فان قوتهم وقهرهم لعدوهم بالجهاد وأما في البرزخ فقد قال تعالى ولا
تحسبن
الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وأما
في الآخرة فان حظ المجاهدين والشهداء من حياتها ونعيمها أعظم من حظ غيرهم
ولهذا قال ابن قتيبة لما يحيكم يعني الشهادة وقال بعض المفسرين لما يحيكم
يعني الجنة فانها دار الحيوان وفيها الحياة الدائمة الطيبة حكاة أبو علي
الجرجاني والآية تتناول هذا كله فان الايمان والاسلام والقرآن والجهاد يحي
القلوب الحياة الطيبة وكمال الحياة في الجنة والرسول داع الي الايمان والى
الجنة فهو داع الى الحياة في الدنيا والآخرة والانسان مضطر الى نوعين من
الحياة حياة بدنه التي بها يدرك النافع والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضره
ومتي نقصت فيه هذه الحياة ناله من الألم والضعف بحسب ذلك ولذلك كانت حياة
المريض والمحزون وصاحب الهم والغم والخوف والفقر والذل دون حياة من هو
معافى من ذلك وحياة قلبه وروحه التي بها يميز بين الحق والباطل والغى
والرشاد والهوى والضلال فيختار الحق علي ضده فتفيده هذه الحياة قوة التميز
بين النافع والضار في العلوم والارادات والأعمال وتفيده قوة الايمان
والارادة والحب للحق وقوة البغض والكراهة للباطل فشعوره وتمييزه وحبه
ونفرته بحسب نصيبه من هذه الحياة كما ان البدن الحى يكون شعوره واحساسه
بالنافع والمؤلم أتم ويكون ميله الي النافع ونفرته عن المؤلم أعظم فهذا
بحسب حياة البدن وذاك بحساب حياة القلب فاذا بطلت حياته بطل تمييزه وان
كان له نوع تمييز لم يكن فيه قوة يؤثر بها النافع علي الضار كما ان
الانسان لا حياة له حتي ينفخ فيه الملك الذي هو رسول الله من روحه فيصير
حيا بذلك النفخ وان كان قبل ذلك من جملة الأموات فكذلك لا حياة لروحه
وقلبه حتى ينفخ فيه الرسول من الروح الذي ألقى اليه قال تعالى
ينزل الملائكة بالروح من أمره علي من يشاء من عباده وقال يلقى الروح من
أمره على من يشاء من عباده وقال وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت
تدري ما الكتاب ولا لايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا
فاخبر أن وحيه روح ونور فالحياة والاستنارة موقوفة على نفخ الرسول
الملكي فمن أصابه نفخ الرسول الملكي ونفخ الرسول البشري حصلت له
الحياتان ومن حصل له نفخ الملك دون نفخ الرسول حصلت له احدى الحياتين
وفاتته الأخرى الأخرى قال تعالى أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا
يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها فجمع له بين النور
والحياة كما جمع لمن أعرض عن كتابة بين الموت والظلمة قال ابن عباس وجميع
المفسرين كان كافرا ضالا فهديناه
وقوله وجعلنا له نورا يمشي به في الناس يتضمن امورا احدها انه يمشي في
الناس بالنور وهم في الظلمة فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم الليل فضلوا
ولم يهتدوا للطريق وآخر معه نور يمشي به في الطريق ويراها ويرى ما يحذره
فيها وثانيها انه يمشي فيهم بنوره فهم يقتبسون منه لحاجتهم الى النور
وثالثها انه يمشي بنوره يوم القيامة على الصراط اذا بقى اهل الشرك والنفاق
في ظلمات شركهم ونفاقهم
وقوله
واعلموا ان الله يحؤل بين المرء وقلبه المشهور في الآية انه يحول بين
المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين الايمان ويحول بين اهل طاعته وبين
معصيته وبين اهل معصيته وبين طاعته وهذا قول ابن عباس وجمهور المفسرين وفي
الآية قول آخر ان المعنى انه سبحانه قريب من قلبه لا تخفى عليه خافيه فهو
بينه وبين قلبه ذكره الواحدي عن قتادة وكان هذا انسب بالسياق لأن
الاستجابة اصلها بالقلب فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب فان الله
سبحانه بين العبد وبين قلبه فيعلم هل استجاب له قلبه وهل أضمر ذلك أو أضمر
خلافه وعلي القول الأول فوجه المناسبة انكم ان تثاقلتم عن الاستجابة و
أبطأتم عنها فلا تأمنوا أن الله يحول بينكم وبين قلوبكم فلا يمكنكم بعد
ذلك من الاستجابة عقوبة لكم على تركها بعد وضوح الحق واستبانة فيكون كقوله
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة وقوله فلما زاغوا أزاغ
الله قلوبهم وقوله
فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ففي الآية تحذير عن ترك
الاستجابة بالقلب وان استجاب بالجوارح وفي الآية سر آخر وهو أنه جمع لهم
بين الشرع والأمر به وهو الاستجابة وبين القدر والايمان به فهي كقوله لمن
شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤن الا أن يشاء الله رب العالمين وقوله فمن شاء
ذكره وما يذكرون الا أن يشاء الله والله أعلم
فائدة جليلة اذا أصبح العبد وأمسي وليس همه الا الله وحده تحمل
الله
سبحانه حوائجه كلها وحمل عنه كل ما أهمه وفرغ قلبه لمحبته ولسانه لذكره
وجوارحه لطاعته وان أصبح وأمسي والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها
وأنكادها ووكله الى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق ولسانه عن ذكره
بذكرهم وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم فهو يكدح كدح الوحش في خدمة
غيره كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره لكل من أعرض عن عبودية
اللله وطاعته ومحبته بلى بعبودية لمخلوق ومحبته وخدمته قال تعالى ومن يعش
عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين قال سفيان بن عيينة لا تأتون
بمثل مشهور للعرب الا جئتكم به من القرآن فقال له قائل فأين في القرآن اعط
أخاك تمرة فان لم يقبل فاعطه جمرة فقال في قوله
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا الآية
ولعمل نقل
صورة علمية من النفس واثباتها في الخارج فان كان الثابت في النفس مطابقا
للحقيقة في نفسها فهو علم صحيح وكثيرا ما يثبت ويترا أي في النفس صور ليس
لها وجود حقيقى فيضنها الذي قد أثبتها في نفسه علما وانما هي مقدرة لا
حقيقية لها واكثر علوم الناس من هذا الباب وما كان منها مطابقا للحقيقة في
الخارج فهو نوعان نوع تكمل النفس بادراكه والعلم به وهو العلم بالله
وأسمائه وصفاته وأفعاله وكتبه وأمره ونهيه ونوع لا يحصل به للنفس كمال وهو
كل علم لا يضر الجهل به فانه لا ينفع العلم به وكان النبي يستعيذ بالله من
علم لا ينفع وهذا حال أكثر لعلوم الصحيحة المطابقة التي لا يضر الجهل بها
شيئا كالعلم بالفلك
ودقائقه ودرجاته وعدد الكواكب ومقاديرها والعلم بعدد الجبال
والوانها ومساحتها ونحو ذلك فشرف العلم بحسب شرف معلومه وشدة الحاجة اليه
وليس ذلك الا العلم بالله وتوابع ذلك واما العلم فآفته عدم مطابقته لمراد
الله الدينى الذي يحبه الله ويرضاه وذلك يكون من فساد العلم تارة ومن فساد
الارادة تارة ففساد من جهة العلم ان يعتقد ان هذا مشروع محبوب لله وليس
كذلك او يعتقد انه يقر به الي الله وان لم يكن مشروعا فيظن انه يتقرب الي
الله بهذا العمل وان لم يعلم انه مشروع وأما فساده من جهة القصد فان لا
يقصد به وجه الله والدار الآخرة بل يقصد به الدنيا والخلق وهاتان الآفتان
في العلم والعمل لا سبيل الى السلامة منهما الا بمعرفة ما جاء به الرسول
في باب العلم والمعرفة وارادة وجه الله والدار الآخرة في باب القصد
والرادة فمتى خلا من هذه المعرف وهذه الارادة فسد علمه وعمله والأيمان
واليقين يورثان صحة المعرفة وصحة الارادة يورثان الايمان ويمدانه ومن هنا
يتبين انحراف اكثر الناس عن الأيمان ولانحرافهم عن صحة المعرفة وصحة
الارادة ولا يتم الايمان الا بتلقي المعرفة من مشكاة النبوة وتجريد
الارادة عن شوائب الهوى وارادة الخلق فيكون علمه مقتبسا من مشكاة الوحى
وارادته لله والدار الآخرة فهذا أصح الناس علما وعملا وهو من الأئمة الذين
يهدون بامر الله ومن خلفاء رسوله في أمته
قاعدة الايمان له ظاهر وباطن وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح
وباطنه
تصديق القلب وانقياده ومحبته فلا ينفع ظاهر لا باطن له وان حقن به الدماء
وعصم به المال والذرية ولا يجزىء باطن لا ظاهر له الا اذا تعذر بعجز أو
إكراه وخوف هلاك فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل علي فساد الباطن
وخلوه من الايمان ونقصه دليل نقصه وقوته دليل قوته فالايمان قلب الاسلام
ولبه
واليقين قلب الايمان ولبه وكل علم وعمل لا يزيد الايمان واليقين
قوة فمدخول وكل ايمان لا يبعث على العمل فمدخول
قاعدة التوكل على الله نوعان احدهما توكل عليه في جلب حوائج
العبد
وحظوظه الدنيوية او دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية والثاني التوكل عليه في
حصول ما يحبه هو ويرضاه من الايمان واليقين والجهاد والدعوة اليه وبين
النوعين من الفضل ما لا يحصيه الا الله فمتى توكل عليه العبد في النوع
الثاني حق توكله كفاه النوع الأول تمام الكفاية ومتي توكل عليه في النوع
الأول دون الثاني كفاه أيضا لكن لا يكون له عاقبة المتوكل عليه فيما يحبه
ويرضاه فاعظم التوكل عليه التوكل في الهداية وتجريد التوحيد ومتابعة
الرسول وجهاد أهل الباطل فهذا توكل الرسل وخاصة اتباعهم
التوكل تارة يكون توكل اضطرار والجاء بحيث لا يجد العبد ملجأ ولا وزرا الا
التوكل كما اذا ضاقت عليه الأسباب وضاقت عليه نفسه وظن ان لا ملجأ من الله
الا اليه وهذا لا يتخلف عنه الفرج والتيسير البتة وتارة يكون توكل اختيار
وذلك التوكل مع وجود السبب المفضي الى المراد فان كان السبب مأمورا به ذم
على تركه وان قام السبب وترك التوكل ذم على تركه أيضا فانه واجب باتفاق
الأمة ونص القرآن والواجب القيام بهما والجمع بينهما وان كان السبب محرما
حرم عليه مباشرته وتوحد السبب في حقه في التوكل فلم يبق سبب سواه فان
التوكل من أقوى الأسباب في حصول المراد ودفع المكروه بل هو أقوى الأسباب
على الاطلاق وان كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل أو لا
يضعفه فان أضعفه وفرق عليك قلبك وشتت همك فتركه اولى وان لم يضعفه
فمباشرته أولى لأن حكمه أحكم الحاكمين اقتضت ربط المسبب به فلا تعطل حكمته
مهما أمكنك القيام بها ولا سيما اذا فعلته عبودية فتكون قد أتيت
بعبودية القلب بالتوكل وعبودية الجوارح بالسبب المنوى به القربة والذي
يحقق لتوكل القيام بالأسباب المأمور بها فمن عطلها لم يصح توكله كما أن
القيام بالأسباب المفضية الي حصول الخير يحقق رجاءه فمن لم يقم بها كان
رجاؤه تمنيا كما أن من عطلها يكون توكله عجزا وعجزه توكلا
وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب علي الله وحده فلا يضره مباشرة
الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون اليها كما لا ينفعه قوله
توكلت علي الله مع اعتماده على غيره وركونه اليه وثقته به فتوكل اللسان
شيء وتوكل القلب شيء كما أن توبة اللسان مع اصرار القلب شيء وتوبة القلب
وان لم ينطق اللسان شيء فقول العبد توكلت على الله مع اعتماد قلبه على
غيره مثل قوله تبت الي الله وهو مصر على معصيته مرتكب لها
فائدة الجاهل يشكو الله الي الناس وهذا غاية الجهل بالمشكو
والمشكو
اليه فانه لو عرف ربه لما شكاه ولو عرف الناس لما شكا اليهم ورأى بعض
السلف رجلا يشكو الي رجل فاقته وضرورته فقال يا هذا والله ما زدت على ان
شكوت من يرحمك وفي ذلك قيل
اذا شكوت الي ابن آدم انما ... تشكو الرحيم الى الذي لا يرحم
والعارف انما يشكو الى الله وحده وأعرف العارفين من جعل شكواه الي الله من
نفسه لا من الناس فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه فهو ناظر الى قوله
تعالى وما أصابكم من مصيبة فما كسبت أيديكم وقوله وما أصابك من سيئة فمن
نفسك وقوله أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا
قل هو من عند أنفسكم فالمراتب ثلاثة أخسها أن تشكو الله الى
خلقه وأعلاها أن تشكو نفسك اليه وأوسطها أن تشكو خلقه اليه
قاعدة جليلة قال الله تعالى
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول اذا دعاكم لما يحيكم واعلموا أن
الله يحول بين المرء وقلبه وأنه واليه تحشرون فتضمنت هذه الآية أمورا
أحدها ان الحياة النافعة انما تحصل بالاستجابة لله ورسوله فمن لم تحصل له
هذه الاستجابة فلا حياة له وان كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل
الحيوانات فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا
وباطنا فهؤلاء هم الأحياء وان ماتوا وغيرهم أموات وان كانوا احياء الأبدان
ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول فان كان ما دعا
اليه ففيه الحياة فمن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة وفيه من الحياة
بحسب ما استجاب للرسول قال مجاهد لما يحيكم يعني للحق وقال قتادة هو هذا
القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة وقال السدى
هو الاسلام أحياهم به بعد موتهم بالكفر وقال ابن اسحق وعروة بن الزبير
واللفظ له لما يحيكم يعنى للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل وقواكم بعد
الضعف ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم وهذه كل عبارات عن حقيقة
واحدة وهى القيام بما جاء به الرسول ظاهرا وباطنا قال الواحدى والأكثرون
على ان معنى قوله لما يحيكم هو الجهاد وهو قول ابن اسحق واختيار أكثر أهل
المعاني قال الفراء اذا دعاكم الي احياء أمركم بجهاد عدوكم يريد ان أمرهم
انما يقوى بالحرب والجهاد فلو تركوا لجهاد ضعف أمرهم واجترأ عليهم عدوهم
قلت الجهاد من أعظم ما يحيهم به فى الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة أما في
الدنيا فان قوتهم وقهرهم لعدوهم بالجهاد وأما في البرزخ فقد قال تعالى ولا
تحسبن
الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وأما
في الآخرة فان حظ المجاهدين والشهداء من حياتها ونعيمها أعظم من حظ غيرهم
ولهذا قال ابن قتيبة لما يحيكم يعني الشهادة وقال بعض المفسرين لما يحيكم
يعني الجنة فانها دار الحيوان وفيها الحياة الدائمة الطيبة حكاة أبو علي
الجرجاني والآية تتناول هذا كله فان الايمان والاسلام والقرآن والجهاد يحي
القلوب الحياة الطيبة وكمال الحياة في الجنة والرسول داع الي الايمان والى
الجنة فهو داع الى الحياة في الدنيا والآخرة والانسان مضطر الى نوعين من
الحياة حياة بدنه التي بها يدرك النافع والضار ويؤثر ما ينفعه على ما يضره
ومتي نقصت فيه هذه الحياة ناله من الألم والضعف بحسب ذلك ولذلك كانت حياة
المريض والمحزون وصاحب الهم والغم والخوف والفقر والذل دون حياة من هو
معافى من ذلك وحياة قلبه وروحه التي بها يميز بين الحق والباطل والغى
والرشاد والهوى والضلال فيختار الحق علي ضده فتفيده هذه الحياة قوة التميز
بين النافع والضار في العلوم والارادات والأعمال وتفيده قوة الايمان
والارادة والحب للحق وقوة البغض والكراهة للباطل فشعوره وتمييزه وحبه
ونفرته بحسب نصيبه من هذه الحياة كما ان البدن الحى يكون شعوره واحساسه
بالنافع والمؤلم أتم ويكون ميله الي النافع ونفرته عن المؤلم أعظم فهذا
بحسب حياة البدن وذاك بحساب حياة القلب فاذا بطلت حياته بطل تمييزه وان
كان له نوع تمييز لم يكن فيه قوة يؤثر بها النافع علي الضار كما ان
الانسان لا حياة له حتي ينفخ فيه الملك الذي هو رسول الله من روحه فيصير
حيا بذلك النفخ وان كان قبل ذلك من جملة الأموات فكذلك لا حياة لروحه
وقلبه حتى ينفخ فيه الرسول من الروح الذي ألقى اليه قال تعالى
ينزل الملائكة بالروح من أمره علي من يشاء من عباده وقال يلقى الروح من
أمره على من يشاء من عباده وقال وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت
تدري ما الكتاب ولا لايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا
فاخبر أن وحيه روح ونور فالحياة والاستنارة موقوفة على نفخ الرسول
الملكي فمن أصابه نفخ الرسول الملكي ونفخ الرسول البشري حصلت له
الحياتان ومن حصل له نفخ الملك دون نفخ الرسول حصلت له احدى الحياتين
وفاتته الأخرى الأخرى قال تعالى أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا
يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها فجمع له بين النور
والحياة كما جمع لمن أعرض عن كتابة بين الموت والظلمة قال ابن عباس وجميع
المفسرين كان كافرا ضالا فهديناه
وقوله وجعلنا له نورا يمشي به في الناس يتضمن امورا احدها انه يمشي في
الناس بالنور وهم في الظلمة فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم الليل فضلوا
ولم يهتدوا للطريق وآخر معه نور يمشي به في الطريق ويراها ويرى ما يحذره
فيها وثانيها انه يمشي فيهم بنوره فهم يقتبسون منه لحاجتهم الى النور
وثالثها انه يمشي بنوره يوم القيامة على الصراط اذا بقى اهل الشرك والنفاق
في ظلمات شركهم ونفاقهم
وقوله
واعلموا ان الله يحؤل بين المرء وقلبه المشهور في الآية انه يحول بين
المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين الايمان ويحول بين اهل طاعته وبين
معصيته وبين اهل معصيته وبين طاعته وهذا قول ابن عباس وجمهور المفسرين وفي
الآية قول آخر ان المعنى انه سبحانه قريب من قلبه لا تخفى عليه خافيه فهو
بينه وبين قلبه ذكره الواحدي عن قتادة وكان هذا انسب بالسياق لأن
الاستجابة اصلها بالقلب فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب فان الله
سبحانه بين العبد وبين قلبه فيعلم هل استجاب له قلبه وهل أضمر ذلك أو أضمر
خلافه وعلي القول الأول فوجه المناسبة انكم ان تثاقلتم عن الاستجابة و
أبطأتم عنها فلا تأمنوا أن الله يحول بينكم وبين قلوبكم فلا يمكنكم بعد
ذلك من الاستجابة عقوبة لكم على تركها بعد وضوح الحق واستبانة فيكون كقوله
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة وقوله فلما زاغوا أزاغ
الله قلوبهم وقوله
فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ففي الآية تحذير عن ترك
الاستجابة بالقلب وان استجاب بالجوارح وفي الآية سر آخر وهو أنه جمع لهم
بين الشرع والأمر به وهو الاستجابة وبين القدر والايمان به فهي كقوله لمن
شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤن الا أن يشاء الله رب العالمين وقوله فمن شاء
ذكره وما يذكرون الا أن يشاء الله والله أعلم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها علم لا يعمل به وعمل لا
اخلاص فيه ولا اقتداء ومال لا ينفق منه فلا يستمتع به جامعة في الدنيا ولا
يقدمه
امامه الى الآخرة وقلب فارغ من محبة الله والشوق اليه والأنس به
وبدن معطل من طاعته وخدمته ومحبة لا تتقيد برضاء المحبوب وامتثال أوامره
ووقت معطل عن استدراك فارطه أو اغتنام بر وقربه وفكر يجول فيما لا ينفع
وخدمة من لا تقربك خدمته الى الله ولا تعود عليك بصلاح دنياك وخوفك ورجاؤك
لمن ناصيته بيد الله وهو أسبر فى قبضته ولا يملك لنفسه حذرا ولا نفعا ولا
موتا ولا حياة ولا نشورا
وأعظم هذه الاضاعات اضاعتان هما أصل كل اضاعة اضاعة القلب واضاعة الوقت
فاضاعة القلب من ايثار الدنيا على الآخرة واضاعة الوقت من طول الأمل
فاجتمع الفساد كله فى اتباع الهوى وطول الأمل والصلاح كله فى اتباع لهدى
والاستعداد للقاء والله المستعان
العجب ممن تعرض له حاجة فيصرف رغبته وهمته فيها الي الله ليقضيها له ولا
يتصدى للسؤال لحياة قلبه من موت الجهل والاعراض وشفائه من داء الشهوات
والشبهات ولكن اذا مات القلب لم يشعر بمعصيته
فصل لله سبحانه على عبده أمر أمره به وقضاء يقضيه عليه ونعمة
ينعم
بها عليه فلا ينفك من هذه الثلاثة والقضاء نوعان اما مصائب واما معائب وله
عليه عبودية فى هذه المراتب كلها فأحب الخلق اليه من عرف عبوديته فى هذه
المراتب ووفاها حقها فهذا اقرب الخلق اليه وأبعدهم منه من جهل عبوديته فى
هذه المراتب فعطلها علما وعملا فعبوديته فى الأمر وامتثاله اخلاصا
واقتداءا برسول الله وفى النهى اجتنابه خوفا منه واجلالا ومحبة وعبوديته
فى قضاء المصائب الصبر عليها ثم الرضا بها وهو أعلى منه ثم الشكر عليها
وهو أعلى من الرضا وهذا إنما يأتى منه اذا تمكن حبه من قلبه وعلم حسن
اختياره له وبره به ولطفه به
وإحسانه اليه بالمصيبة وان كره المصيبة وعبوديته فى قضاء
المعائب المبادرة الى التوبة منها والتنصل والوقوف في مقام الاعتذار
والانكسار عالما بانه لا يرفعها عنه الا هو ولا يقيه شرها سواه وأنها ان
استمرت أبعدته من ربه وطردته من بابه فيراها من الضر الذي لا يكشفه غيره
حتى انه ليراها أعظم من ضر البدن فه عائذ برضاه من سخطه وبعفوه من عقوبته
وبه منه مستجير وملتجىء منه اليه بعلم أنه ان تخلى عنه وخلى بينه وبين
نفسه فعده أمثالها وشر منها وانه لا سبيل له الى الاقلاع والتوبة الا
بتوفيقه وإعانته وأن ذلك بيده سبحانه لا بيد العبد فهو أعجز وأضعف وأقل من
أن يوفق نفسه أو يأتي بمرضاة سيده بدون إذنه ومشيئته وإعانته فهو ملتجىء
اليه متضرع ذليل مسكين ملق نفسه بين يديه طريح بابه مستخذله أذل شيء
واكسره له وأفقره وأحوجه اليه وأرغبه فيه واحبه له بدنه متصرف فى اشغاله
وقلبه ساجد بين يديه يعلم يقينا انه لا خبر فيه ولا له ولا به ولا منه وان
الخير كله لله وفى يديه وبه ومنه فهو ولي نعمته ومبتدئه بها من غير
استحقاق ومجريها عليه مع تمقته اليه باعراضه وغفلته ومعصيته فحظه سبحانه
الحمد والشكر والثناء وحظ العبد الذم والنقص والعيب قد استأثر بالمحامد
والمدح والثناء وولى العبد الملامة والنقائص ولعيوب فالحمد كله له والخير
كله في يديه والفضل كله له والثناء كله له والمنة كلها له فمنه الاحسان
ومن العبد الاساءة ومنه التودد الي العبد بنعمه ومن العبد التبغض اليه
بمعاصيه ومنه النصح لعبده ومن العبد الغش له فى معاملته
وأما عبودية النعم فمعرقتها والاعتراف بها أولا ثم العياذ به ان يقع فى
قلبه نسبتها وإضافتها الي سواه وان كان سببا من الأسباب فهو مسببه ومقيمه
فالنعمة منه وحده بكل وجه واعتبار ثم الثناء بها عليه ومحبته عليها وشكره
بأن يستعملها فى طاعته ومن لطائف التعبد بالنعم أن يكثر قليلها عليه
ويستقل كثير شكره عليها وبعلم انها وصلت اليه من سيده من غير ثمن بذله
فيها ولا وسيلة منه توسل
بها اليه ولا استحقاق منه لها وانها لله فى الحقيقة لا للعبد
فلا تزيده النعم الا انكسارا وذلا وتواضعا ومحبة للمنعم وكلما جدد له نعمه
أحدث لها عبودية ومحبة وخضوعا وذلا وكلما أحدث له قبضا احدث له رضي وكلما
أحدث ذنبا أحدث له توبة وانكسارا واعتذارا فهذا هو العبد الكيس والعاجز
بمعزل عن ذلك وبالله التوفيق
فصل من ترك الاختيار والتدبير فى رجاء زيادة او خوف نقصان أو طلب
صحة او فرار من سقم وعلم ان الله على كل شيء قدير وأنه المتفرد بالاختيار
والتدبير وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه وانه أعلم بمصلحته من
العبد وأقدر على جلبها وتحصيلها منه وانصح للعبد منه لنفسه وأرحم منه
بنفسه وأبر به منه بنفسه وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي
تدبيره خطوة واحدة ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة فلا متقدم له بين
يدي قضائه وقدره ولا يتأخر فألقى نفسه بين يديه وسلم الأمر كله اليه
وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعف بين يدي ملك عزيز قاهر له التصرف في
عبده بكل ما يشاء وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه فاستراح حينئذ من
الهموم والغموم والأنكاد والحسرات وحمل كله حوائجه ومصالحه من لا يبالي
بحملها ولا يثقله ولا يكترث بها فتولاها دونه وأراه لطفه وبره ورحمته
واحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ولا اهتمام منه لانه قد صرف
اهتمامه كله اليه وجعله وحده همه فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه
وفرغ قلبه منها فما أطيب عيشه وما انعم قلبه وأعظم سروره وفرحه وإن أبي
الا تدبيره لنفسه واختياره لها واهتمامه بحظه دون حق ربه خلاه وما اختاره
وولاه ما تولي فحضره الهم والغم والحزن والنكد الخوف والتعب وكسف البال
وسوء الحال فلا قلب
يصفو ولا عمل يزكو ولا أمل يحصل ولا راحة يفوز بها ولا لذة
بينها بها بل بل قد حيل بينه وبين مسرته وفرحه وقره عينه فهو يكدح فى
الدنيا كدح الوحش ولا يظفر منه بأمل ولا يتزود منها لمعاد والله سبحانه
أمر العبد بأمر وضمن له ضمانا فان قام بأمره بالنصح والصدق والاخلاص
والاجتهاد قام الله سبحانه له بما ضمنه له من الرزق والكفاية والنصر وقضاء
الحوائج فانه سبحانه ضمن الرزق لمن عبده والنصر لمن توكل عليه واستنصر به
والكفاية لمن كان هو همه ومراده والمغفرة لمن استغفره وقضاء الحوائج لمن
صدقه فى طلبها ووثق به وقوى رجاؤه وطمعه فى فضله وجوده فالفطن الكيس انما
يهتم بأمره وإقامته وتوفيته لا بضمانه فأنه الوفي الصادق ومن أوفى بعهده
من الله فمن علامات السعادة صرف اهتمامه الى أمر الله دون ضمانه ومن
علامات الحرمان فراغ قلبه من الاهتمام بأمره وحبه وخشيته والاهتمام بضمانه
والله المستعان
قال بشر بن الحارث اهل الآخرة ثلاثة عابد وزاهد وصديق فالعابد يعبد الله
مع العلائق والزاهد يعبده على ترك العلائق والصديق يعبده على الرضا
والموافقة أن أراه أخذ الدنيا أخذها وان أراه تركها تركها إذا كان الله
ورسوله في جانب فاحذر ان تكون في الجانب الآخر فأن ذلك يفضي الى المشاقة
والمحادة وهذا أصلها ومنه اشتقاقها فان المشاقة إن يكون فى شق ومن يخالفه
في شق والمحادة ان يكون حد وهو فى حد ولا تستسهل هذا فان مبادئه تجر الى
غايته وقليله يدعو الى كثيره وكن فى الجانب الذي يكون فيه الله ورسوله وان
كان الناس كلهم فى الجانب الآخر فان لذلك عواقب هى أحمد العواقب وأفضلها
وليس للعبد انفع من ذلك فى دنياه قبل آخرته واكثر الخلق انما يكونون من
الجانب الآخر ولاسيما اذا قويت الرغبة والرهبة فهناك لا تكاد تجد أحدا فى
الجانب الذى فيه الله ورسوله بل يعده الناس ناقص العقل سيء الاختيار لنفسه
وربما نسبوه الي الجنون وذلك من مواريث أعداء الرسل فأنهم نسبوهم غلى
الجنون لما كانوا في شق
وجانب والناس فى شق وجانب آخر ولكن من وطن نفسه على ذلك فانه
يحتاج الى علم راسخ بما جاء به الرسول يكون يقينا له لا ريب عنده فيه والي
صبر تام علي معاداة من عاداه ولومه من لامه ولا يتم له ذلك الا برغبة قوية
فى الله والدار والآخرة بحيث تكون الآخرة احب اليه من الدنيا وآثر عنده
منها ويكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما وليس شيء أصعب علي الانسان من
ذلك فى مبادىء الأمر فان نفسه وهواه وطبعه وشيطانه وإخوانه ومعاشيره من
ذلك الجانب يدعنه الى العاجل فاذا خالفوهم تصدوا الحربة فان صبر وثبت جاءه
العون من الله وصار ذلك الصعب سهلا وذلك الألم لذة فان الرب شكور فلا بد
أن يذيقه لذة تحيزه الي الله والى رسوله ويريه كرامة ذلك فيشتد به سروره
وغبطته ويبتهج به قلبه ويظفر بقوته وفرحه وسروره ويبقى من كان محاربا له
على ذلك بين هائب له مسالم له ومساعد وتارك ويقوى جنده ويضعف جند العدو
ولا تستصعب مخالفة الناس والتحيز الى الله ورسوله ولو كنت وحدك فان الله
معك وأنت بعينه وكلاءته وحفظه لك وانما امتحن يقينك وصبرك اعظم الأعوان لك
على بعد عون الله هذا بعون اله التجرد من الطمع والفزع فمتى تجردت منهما
هان عليك التحيز الى الله ورسوله وكنت دائما فى الجانب الذى فيه الله
ورسوله ومتي قام بك الطمع فلا تطمع فى هذا الأمر ولا تحدث نفسك به فان قلت
فبأي شيء أستعين على التجرد من الطمع ومن الفزع قلت بالتوحيد والتوكل
والثقة بالله وعلمك بأنه لا يأتي بالحسنات الاهو ولا يذهب بالسيآت الا هو
وأن الأمر كله لله ليس لاحد مع الله شيء نصيحة
هلم الي الدخول على الله ومجاورته فى دار السلام بلا نصيب ولا تعب ولا
عناء بل من أقرب الطرق وأسهلها وذلك انك فى وقت بين وقتين وهو فى الحقيقة
عمرك وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل فالذى مضي تصلحه
بالتوبة والندم والاستغفار وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة
عمل شاق انما هو عمل قلب وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب وامتناعك ترك وراحة
ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته وانما هو عزم ونية جازمه تريح بدنك
وقلبك وسرك فما مضى تصلحه بالتوبة وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم
والنية وليس للجوارح فى هذين نصب ولا تعب ولكن الشأن فى عمرك وهو وقتك
الذي بين الوقتين فأن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك وان حفظته مع إصلاح
الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكرت نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم
وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده فان حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى
بها وانفع لها وأعظم تحصيلا لسعادتها وفى هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت فهى
والله أيامك الخالية التى تجمع فيها الزاد لمعادك إما إلى الجنة إما الى
النار فان اتخذت إليها سبيلا الى ربك بلغت السعادة العظمى والفوز الأكبر
فى هذه المدة اليسيرة التى لا نسبة لها الى الأبد وان آثرت الشهوات
والراحات واللهو واللعب انقضت عنك بسرعة واعقبتك الألم العظيم الدائم الذي
مقاساته ومعاناته اشق وأصعب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله والصبر
على طاعته ومخالفة الهوى لأجله
اخلاص فيه ولا اقتداء ومال لا ينفق منه فلا يستمتع به جامعة في الدنيا ولا
يقدمه
امامه الى الآخرة وقلب فارغ من محبة الله والشوق اليه والأنس به
وبدن معطل من طاعته وخدمته ومحبة لا تتقيد برضاء المحبوب وامتثال أوامره
ووقت معطل عن استدراك فارطه أو اغتنام بر وقربه وفكر يجول فيما لا ينفع
وخدمة من لا تقربك خدمته الى الله ولا تعود عليك بصلاح دنياك وخوفك ورجاؤك
لمن ناصيته بيد الله وهو أسبر فى قبضته ولا يملك لنفسه حذرا ولا نفعا ولا
موتا ولا حياة ولا نشورا
وأعظم هذه الاضاعات اضاعتان هما أصل كل اضاعة اضاعة القلب واضاعة الوقت
فاضاعة القلب من ايثار الدنيا على الآخرة واضاعة الوقت من طول الأمل
فاجتمع الفساد كله فى اتباع الهوى وطول الأمل والصلاح كله فى اتباع لهدى
والاستعداد للقاء والله المستعان
العجب ممن تعرض له حاجة فيصرف رغبته وهمته فيها الي الله ليقضيها له ولا
يتصدى للسؤال لحياة قلبه من موت الجهل والاعراض وشفائه من داء الشهوات
والشبهات ولكن اذا مات القلب لم يشعر بمعصيته
فصل لله سبحانه على عبده أمر أمره به وقضاء يقضيه عليه ونعمة
ينعم
بها عليه فلا ينفك من هذه الثلاثة والقضاء نوعان اما مصائب واما معائب وله
عليه عبودية فى هذه المراتب كلها فأحب الخلق اليه من عرف عبوديته فى هذه
المراتب ووفاها حقها فهذا اقرب الخلق اليه وأبعدهم منه من جهل عبوديته فى
هذه المراتب فعطلها علما وعملا فعبوديته فى الأمر وامتثاله اخلاصا
واقتداءا برسول الله وفى النهى اجتنابه خوفا منه واجلالا ومحبة وعبوديته
فى قضاء المصائب الصبر عليها ثم الرضا بها وهو أعلى منه ثم الشكر عليها
وهو أعلى من الرضا وهذا إنما يأتى منه اذا تمكن حبه من قلبه وعلم حسن
اختياره له وبره به ولطفه به
وإحسانه اليه بالمصيبة وان كره المصيبة وعبوديته فى قضاء
المعائب المبادرة الى التوبة منها والتنصل والوقوف في مقام الاعتذار
والانكسار عالما بانه لا يرفعها عنه الا هو ولا يقيه شرها سواه وأنها ان
استمرت أبعدته من ربه وطردته من بابه فيراها من الضر الذي لا يكشفه غيره
حتى انه ليراها أعظم من ضر البدن فه عائذ برضاه من سخطه وبعفوه من عقوبته
وبه منه مستجير وملتجىء منه اليه بعلم أنه ان تخلى عنه وخلى بينه وبين
نفسه فعده أمثالها وشر منها وانه لا سبيل له الى الاقلاع والتوبة الا
بتوفيقه وإعانته وأن ذلك بيده سبحانه لا بيد العبد فهو أعجز وأضعف وأقل من
أن يوفق نفسه أو يأتي بمرضاة سيده بدون إذنه ومشيئته وإعانته فهو ملتجىء
اليه متضرع ذليل مسكين ملق نفسه بين يديه طريح بابه مستخذله أذل شيء
واكسره له وأفقره وأحوجه اليه وأرغبه فيه واحبه له بدنه متصرف فى اشغاله
وقلبه ساجد بين يديه يعلم يقينا انه لا خبر فيه ولا له ولا به ولا منه وان
الخير كله لله وفى يديه وبه ومنه فهو ولي نعمته ومبتدئه بها من غير
استحقاق ومجريها عليه مع تمقته اليه باعراضه وغفلته ومعصيته فحظه سبحانه
الحمد والشكر والثناء وحظ العبد الذم والنقص والعيب قد استأثر بالمحامد
والمدح والثناء وولى العبد الملامة والنقائص ولعيوب فالحمد كله له والخير
كله في يديه والفضل كله له والثناء كله له والمنة كلها له فمنه الاحسان
ومن العبد الاساءة ومنه التودد الي العبد بنعمه ومن العبد التبغض اليه
بمعاصيه ومنه النصح لعبده ومن العبد الغش له فى معاملته
وأما عبودية النعم فمعرقتها والاعتراف بها أولا ثم العياذ به ان يقع فى
قلبه نسبتها وإضافتها الي سواه وان كان سببا من الأسباب فهو مسببه ومقيمه
فالنعمة منه وحده بكل وجه واعتبار ثم الثناء بها عليه ومحبته عليها وشكره
بأن يستعملها فى طاعته ومن لطائف التعبد بالنعم أن يكثر قليلها عليه
ويستقل كثير شكره عليها وبعلم انها وصلت اليه من سيده من غير ثمن بذله
فيها ولا وسيلة منه توسل
بها اليه ولا استحقاق منه لها وانها لله فى الحقيقة لا للعبد
فلا تزيده النعم الا انكسارا وذلا وتواضعا ومحبة للمنعم وكلما جدد له نعمه
أحدث لها عبودية ومحبة وخضوعا وذلا وكلما أحدث له قبضا احدث له رضي وكلما
أحدث ذنبا أحدث له توبة وانكسارا واعتذارا فهذا هو العبد الكيس والعاجز
بمعزل عن ذلك وبالله التوفيق
فصل من ترك الاختيار والتدبير فى رجاء زيادة او خوف نقصان أو طلب
صحة او فرار من سقم وعلم ان الله على كل شيء قدير وأنه المتفرد بالاختيار
والتدبير وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه وانه أعلم بمصلحته من
العبد وأقدر على جلبها وتحصيلها منه وانصح للعبد منه لنفسه وأرحم منه
بنفسه وأبر به منه بنفسه وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي
تدبيره خطوة واحدة ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة فلا متقدم له بين
يدي قضائه وقدره ولا يتأخر فألقى نفسه بين يديه وسلم الأمر كله اليه
وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعف بين يدي ملك عزيز قاهر له التصرف في
عبده بكل ما يشاء وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه فاستراح حينئذ من
الهموم والغموم والأنكاد والحسرات وحمل كله حوائجه ومصالحه من لا يبالي
بحملها ولا يثقله ولا يكترث بها فتولاها دونه وأراه لطفه وبره ورحمته
واحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ولا اهتمام منه لانه قد صرف
اهتمامه كله اليه وجعله وحده همه فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه
وفرغ قلبه منها فما أطيب عيشه وما انعم قلبه وأعظم سروره وفرحه وإن أبي
الا تدبيره لنفسه واختياره لها واهتمامه بحظه دون حق ربه خلاه وما اختاره
وولاه ما تولي فحضره الهم والغم والحزن والنكد الخوف والتعب وكسف البال
وسوء الحال فلا قلب
يصفو ولا عمل يزكو ولا أمل يحصل ولا راحة يفوز بها ولا لذة
بينها بها بل بل قد حيل بينه وبين مسرته وفرحه وقره عينه فهو يكدح فى
الدنيا كدح الوحش ولا يظفر منه بأمل ولا يتزود منها لمعاد والله سبحانه
أمر العبد بأمر وضمن له ضمانا فان قام بأمره بالنصح والصدق والاخلاص
والاجتهاد قام الله سبحانه له بما ضمنه له من الرزق والكفاية والنصر وقضاء
الحوائج فانه سبحانه ضمن الرزق لمن عبده والنصر لمن توكل عليه واستنصر به
والكفاية لمن كان هو همه ومراده والمغفرة لمن استغفره وقضاء الحوائج لمن
صدقه فى طلبها ووثق به وقوى رجاؤه وطمعه فى فضله وجوده فالفطن الكيس انما
يهتم بأمره وإقامته وتوفيته لا بضمانه فأنه الوفي الصادق ومن أوفى بعهده
من الله فمن علامات السعادة صرف اهتمامه الى أمر الله دون ضمانه ومن
علامات الحرمان فراغ قلبه من الاهتمام بأمره وحبه وخشيته والاهتمام بضمانه
والله المستعان
قال بشر بن الحارث اهل الآخرة ثلاثة عابد وزاهد وصديق فالعابد يعبد الله
مع العلائق والزاهد يعبده على ترك العلائق والصديق يعبده على الرضا
والموافقة أن أراه أخذ الدنيا أخذها وان أراه تركها تركها إذا كان الله
ورسوله في جانب فاحذر ان تكون في الجانب الآخر فأن ذلك يفضي الى المشاقة
والمحادة وهذا أصلها ومنه اشتقاقها فان المشاقة إن يكون فى شق ومن يخالفه
في شق والمحادة ان يكون حد وهو فى حد ولا تستسهل هذا فان مبادئه تجر الى
غايته وقليله يدعو الى كثيره وكن فى الجانب الذي يكون فيه الله ورسوله وان
كان الناس كلهم فى الجانب الآخر فان لذلك عواقب هى أحمد العواقب وأفضلها
وليس للعبد انفع من ذلك فى دنياه قبل آخرته واكثر الخلق انما يكونون من
الجانب الآخر ولاسيما اذا قويت الرغبة والرهبة فهناك لا تكاد تجد أحدا فى
الجانب الذى فيه الله ورسوله بل يعده الناس ناقص العقل سيء الاختيار لنفسه
وربما نسبوه الي الجنون وذلك من مواريث أعداء الرسل فأنهم نسبوهم غلى
الجنون لما كانوا في شق
وجانب والناس فى شق وجانب آخر ولكن من وطن نفسه على ذلك فانه
يحتاج الى علم راسخ بما جاء به الرسول يكون يقينا له لا ريب عنده فيه والي
صبر تام علي معاداة من عاداه ولومه من لامه ولا يتم له ذلك الا برغبة قوية
فى الله والدار والآخرة بحيث تكون الآخرة احب اليه من الدنيا وآثر عنده
منها ويكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما وليس شيء أصعب علي الانسان من
ذلك فى مبادىء الأمر فان نفسه وهواه وطبعه وشيطانه وإخوانه ومعاشيره من
ذلك الجانب يدعنه الى العاجل فاذا خالفوهم تصدوا الحربة فان صبر وثبت جاءه
العون من الله وصار ذلك الصعب سهلا وذلك الألم لذة فان الرب شكور فلا بد
أن يذيقه لذة تحيزه الي الله والى رسوله ويريه كرامة ذلك فيشتد به سروره
وغبطته ويبتهج به قلبه ويظفر بقوته وفرحه وسروره ويبقى من كان محاربا له
على ذلك بين هائب له مسالم له ومساعد وتارك ويقوى جنده ويضعف جند العدو
ولا تستصعب مخالفة الناس والتحيز الى الله ورسوله ولو كنت وحدك فان الله
معك وأنت بعينه وكلاءته وحفظه لك وانما امتحن يقينك وصبرك اعظم الأعوان لك
على بعد عون الله هذا بعون اله التجرد من الطمع والفزع فمتى تجردت منهما
هان عليك التحيز الى الله ورسوله وكنت دائما فى الجانب الذى فيه الله
ورسوله ومتي قام بك الطمع فلا تطمع فى هذا الأمر ولا تحدث نفسك به فان قلت
فبأي شيء أستعين على التجرد من الطمع ومن الفزع قلت بالتوحيد والتوكل
والثقة بالله وعلمك بأنه لا يأتي بالحسنات الاهو ولا يذهب بالسيآت الا هو
وأن الأمر كله لله ليس لاحد مع الله شيء نصيحة
هلم الي الدخول على الله ومجاورته فى دار السلام بلا نصيب ولا تعب ولا
عناء بل من أقرب الطرق وأسهلها وذلك انك فى وقت بين وقتين وهو فى الحقيقة
عمرك وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل فالذى مضي تصلحه
بالتوبة والندم والاستغفار وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة
عمل شاق انما هو عمل قلب وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب وامتناعك ترك وراحة
ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته وانما هو عزم ونية جازمه تريح بدنك
وقلبك وسرك فما مضى تصلحه بالتوبة وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم
والنية وليس للجوارح فى هذين نصب ولا تعب ولكن الشأن فى عمرك وهو وقتك
الذي بين الوقتين فأن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك وان حفظته مع إصلاح
الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكرت نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم
وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده فان حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى
بها وانفع لها وأعظم تحصيلا لسعادتها وفى هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت فهى
والله أيامك الخالية التى تجمع فيها الزاد لمعادك إما إلى الجنة إما الى
النار فان اتخذت إليها سبيلا الى ربك بلغت السعادة العظمى والفوز الأكبر
فى هذه المدة اليسيرة التى لا نسبة لها الى الأبد وان آثرت الشهوات
والراحات واللهو واللعب انقضت عنك بسرعة واعقبتك الألم العظيم الدائم الذي
مقاساته ومعاناته اشق وأصعب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله والصبر
على طاعته ومخالفة الهوى لأجله
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل علامة صحة الارادة أن يكون هم المريد رضا ربه واستعداده
للقائه
وحزنه على وقت مر فى غير مرضاته وأسفه على قربه والأنس به وجماع ذلك أن
يصبح ويمسي وليس له هم غيره
فصل اذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله واذا فرحوا
بالدنيا
فافرح أنت بالله واذا انسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله واذا تعرفوا الى
ملوكهم وكبرائهم وتقربوا اليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت الي
الله وتودد اليه تنل بذلك غاية العز والرفعة قال بعض الزهاد ما علمت أن
أحدا سمع بالجنة والنار تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها بذكرا وصلاة أو
قراة أو احسان فقال له رجل اني أكثر البكاء فقال انك ان تضحك وأنت مقر
بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك وان المدل لا يصعد عمله فوق رأسه
فقال أوصني فقال دع الدنيا لأهلها كما تركوهم الآخره لأهلها وكن فى الدنيا
كالنحلة ان أكلت أكلت طيبا وأن أطعمت أطعمت طيبا وان سقطت على شيء لم
تكسره ولم تخدشه
فصل الزهد أقسام زهد في الحرام وهو فرض عين وزهد في الشبهات وهو
بحسب مراتب الشبهة فان قويت التحقت بالواجب وان ضعفت كان مستحبا وزهد فى
الفضول وزهد فيما لا يعنى من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره وزهد فى
الناس وزهد فى النفس بحيث تهون عليه نفسه فى الله وزهد جامع لذلك كله وهو
الزهد فيما سوى الله وفى كل ما شغلك عنه وافضل الزهد إخفاء الزهد وأصعبه
الزهد فى الحظوظ والفرق بينه وبين الورع أن الزهد ترك مالا ينفع فى الآخرة
والورع ترك ما يخشى ضررة في الآخرة والقلب المعلق بالشهوات لا يصح له زهد
ولا ورع
قال يحيى بن معاذ عجبت من ثلاث رجل يرائي بعمله مخلوقا مثله
ويترك أن يعمله الله ورجل يبخل بماله وربه يستقرضه منه فلا يقرضه منه شيئا
ورجل يرغب فى صحبة المخلوقين ومودتهم والله يدعوه الى صحبته ومودته
فائدة جليلة قال سهل بن عبد الله ترك الأمر عند الله أعظم من
ارتكاب النهى لأن آدم نهى عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه وابليس أمر
أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه قلت هذه مسالة عظيمة لها شان وهى أن
ترك الأوامر أعظم عند الله من أرتكاب المناهى وذلك من وجوه عديدة أحدها ما
ذكره سهل من شأن آدم وعدو الله ابليس الثاني أن ذنب ارتكاب النهى مصدره فى
الغالب الشهوة والحاجة وذنب ترك الأمر مصدره فى الغالب الكبر والعزة ولا
يدخل الجنة من فى قلبه مثقال ذرة من كبر ويدخلها من مات علي التوحيد وان
زنى وسرق الثالث أن فعل المأمور أحب الى الله من ترك المنهى كما دل على
ذلك النصوص كقوله أحب الاعمال الي الله الصلاة على وقتها وقوله ألا أنبئكم
بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها فى درجاتكم وخير لكم من أن تلقوا
عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلي يا رسول الله قال ذكر
الله وقوله اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة وغير ذلك من النصوص وترك المناهى
عمل فانه كف النفس عن الفعل ولهذا علق سبحانه المحبة بفعل الأوامر كقوله
ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا والله يحب المحسنين وقوله واقسطوا
ان الله يحب المقسطين والله يحب الصابرين وأما فى جانب المناهى فأكثر ما
جاء النفي للمحبة وقوله والله لا يحب الفساد وقوله والله لا يحب كل مختال
فخور وقوله ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين وقوله لا يحب الله الجهر
بالسوء من القول الا من ظلم وقوله ان الله لا يحب من
كان مختالا فخورا ونظائره وأخبر فى موضع آخر أنه يكرهها ويسخطها
كقوله كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها وقوله ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط
الله
اذا عرف هذا ففعل ما يحبه سبحانه مقصود بالذات ولهذا يقدر ما يكرهه ويسخطه
لافضائه الى ما يحب كما قدر المعاصى والكفر والفسوق لما ترتب علي تقديرها
مما يحبه من لوازمها من الجهاد واتخاذ الشهداء وحصول التوبة من العبد
والتضرع اليه والاستكانة واظهار عدله وعفوه وانتقامه وعزه وحصول المولاة
والمعاداة لأجله وغير ذلك من الآثار التى وجودها بسبب تقديره ما يكره أحب
اليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابها وهو سبحانه لا يقدر ما يحب لافضائه الى
حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لافضائه الى ما يحبه فعلم أن فعل
ما يحبه احب اليه مما يكرهه يوضحه الوجه الرابع أن فعل المأمور مقصود
لذاته وترك المنهى مقصود لتكميل فعل المأمور فهو منهى عنه لاجل كونه يخل
بفعل المأمور أو يضعفه وينقصه كما نبه سبحانه على ذلك فى النهى عن الخمر
والميسر بكونهما يصدان عن ذكر الله وعن الصلاة فالمنهيات قواطع وموانع
صادة عن فعل المأمورات أو عن كمالها فالنهى عنها من باب المقصود لغيره
والامر بالواجبات من باب المقصود لنفسه يوضحه الوجه الخامس أن فعل
المأمورات من باب حفظ قوة الايمان وبقائها وترك المنهيات من باب الحمية
عما يشوش قوة الايمان ويخرجها عن الاعتدال وحفظ القوة مقدم على الحمية فان
القوة كلما قويت دفعت المواد الفاسدة وإذا ضعفت غلبت المواد الفاسدة
فالحمية مراد لغيرها وهو حفظ القوة وزيادتها وبقاؤها ولهذا كلما قويت قوة
الايمان دفعت المواد الرديئة ومنعت من غلبتها وكثرتها بحسب القوة وضعفها
واذا ضعفت غلبت المواد الفاسدة فتأمل هذا الوجه الوجه السادس أن فعل
المأمورات حياة القلب وغذاؤه وزينته وسروره وقرة عينه ولذته ونعيمه وترك
المنهيات بدون ذلك لا يحصل له شيئا من ذلك فانه لو ترك جميع المنهيات ولم
يأت بالايمان والأعمال المأمور بها لم ينفعه ذلك الترك شيئا
وكان خالدا فى النار وهذا يتبين بالوجه السابع أن من فعل المأمورات
والمنهيات فهو اما ناج مطلقا ان غلبت حسناته سيئاته وإما ناج بعد أن يؤخذ
منه الحق ويعاقب على سيئاته فمآله الى النجاة وذلك بفعل المأمور ومن ترك
المأمورات والمنهيات فهو هالك غير ناج ولا ينجو إلا بفعل المأمور وهو
التوحيد
فان قيل فهو انما هلك بارتكاب المحظور وهو الشرك قيل يكفي فى الهلاك ترك
نفس التوحيد المامور به وان لم يأت بضد وجودى من الشرك بل متي خلا قلبه من
التوحيد رأسا فلم يوحد الله فهو هالك وان لم يعبد معه غيره فاذا انضاف
اليه عبادة غيره عذب على ترك التوحيد المأمور به وفعل الشرك المنهى عنه
يوضحه الوجه الثامن ان المدعو الي الايمان إذا قال لا أصدق ولا أكذب ولا
أحب ولا أبغض ولا أعبده ولا أعبد غيره كان كافرا بمجرد الترك والاعراض
بخلاف ما اذا قال أنا أصدق الرسول وأحبه وأؤمن به وأفعل ما أمرني ولكن
شهوتي وارادتي وطبعى حاكمة على لا تدعني أترك ما نهاني عنه وانا أعلم أنه
قد نهاني وكره لى فعل المنهى ولكن لا صبر لى عنه فهذا لا يعد كافرا بذلك
ولا حكمه حكم الأول فان هذا مطيع من وجه وتارك المأمور جملة لا يعد مطيعا
بوجه يوضحه الوجه التاسع ان الطاعة والمعصية انما تتعلق بالأمر أصلا
وبالنهى تبعا فالمطيع ممتثل المأمور والعاصي تارك المأمور قال تعالى لا
يعصون الله ما أمرهم وقال موسى لأخيه ما منعك اذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعني
أفعصيت أمرى وقال عمرو بن العاص عند موته أنا الذى أمرتني فعصيت ولكن لا
آله الا أنت وقال الشاعر أمرتك أمرا جازما فعصيتني
والمقصود من إرسال الرسل طاعة المرسل ولا تحصل الا بامتثال أوامره واجتناب
المناهي من تمام امتثال الأوامر ولوازمه ولهذا لو اجتنب المناهى ولم يفعل
ما أمر به لم يكن مطيعا وكان عاصيا بخلاف ما لو أتي بالمأمورات وارتكب
المناهى فانه وان عد عاصيا مذنبا فانه مطيع بامتثال الأمر عاص
بارتكاب النهى بخلاف تارك الامر فانه لا يعد مطيعا باجتناب المنهيات خاصة
الوجه العاشر ان امتثال الامر عبودية وتقرب وخدمة وتلك العبادة التى خلق
لاجلها الخلق كما قال تعالى وما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون فاخبر
سبحانه أنه انما خلقهم للعبادة وكذلك انما أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم
كتبه ليعبدوه فالعبادة هي الغاية التي خلقوا لها ولم يخلقوا لمجرد الترك
فانه أمر عدمى لا كمال فيه من حيث هو عدم بخلاف امتثال المأمور فانه أمر
وجودي مطلوب الحصول وهذا يتبين بالوجه الحادي عشر وهو أن المطلوب بالنهى
عدم الفعل وهو أمر عدمى والمطلوب بالأمر ايجاد فعل وهو أمر وجودى فمتعلق
الامر الايجاد ومتعلق النهى الاعدام أو العدم وهو أمر لا كمال فيه الا اذا
تضمن أمرا وجوديا فان العدم من حيث هو عدم لا كمال فيه ولا مصلحة الا اذا
تضمن أمرا وجوديا مطلقا وذلك الامر الوجودى مطلوب مأمور به فعادت حقيقة
النهى الي الامر وان المطلوب به ما فى ضمن النهى من الامر الوجودى المطلوب
به وهذا يتضح بالوجه الثاني عشر وهو ان الناس اختلفوا فى المطلوب بالنهى
علي أقوال احدها أن المطلوب به كف النفس عن الفعل وحبسها عنه وهو أمر
وجودى قالوا لان التكليف انما يتعلق بالمقدور والعدم المحض غير مقدور وهذا
قول الجمهور وقال أبو هاشم وغيره بل المطلوب عدم الفعل ولهذا يحصل المقصود
من بقائه على العدم وان لم يخطر بباله الفعل فضلا ان يقصد الكف عنه ولو
كان المطلوب الكف لكان عاصيا اذا لم يات به ولان الناس يمدحون بعدم فعل
القبيح من لم يخطر بباله فعله والكف عنه وهذا أحد قولى القاضي ابي بكر
ولاجله التزم أن عدم الفعل مقدور للعبد وداخل تحت الكسب قال والمقصود
بالنهى الابقاء على العدم الأصلى وهو مقدور وقالت طائفة المطلوب بالنهى
فعل الضد فانه هو المقدور وهو المقصود للناهى فانه انما نهاه عن الفاحشة
طلبا
للعفة وهى المأمور بها ونهاه عن الظلم طلبا للعدل المأمور به
وعن الكذب طلبا للصدق المامور به وهكذا جميع المنهيات فعند هؤلاء ان حقيقة
النهى الطلب لضد لمنهى عنه فعاد الأمر الى ان الطلب انما تعلق بفعل
المأمور
والتحقيق ان المطلوب نوعان مطلوب لنفسه وهو المأمور به ومطلوب اعدامه
لمضادته المأمور به وهو المنهى عنه لما فيه من المفسدة المضادة للمأمور به
فاذا لم يخطر ببال المكلف ولا دعته نفسه اليه بل استمر على العدم الأصلي
لم يثب على تركه وان خطر بباله وكف نفسه عنه لله وتركه اختيار أثيب عل كف
نفسه وامتناعه فانه فعل وجودى والثواب انما يقع علي الأمر الوجودي دون
العدم المحض وان تركه مع عزمه الجازم على فعله لكن تركه عجزا فهذا وان لم
يعاقب عقوبة الفاعل لكن يعاقب على عزمه وارادته الجازمة التى انما تخلف
مرادها عجزا وقد دلت على ذلك النصوص الكثيرة فلا يلتفت الي ما خالفها
كقوله تعالى وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن
يشاء ويعذب من يشاء وقوله فى كاتم الشهادة فانه آثم قلبه وقوله ولكن
يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وقوله يوم تبلى السرائر وقوله إذا تواجه المسلمان
بسيفهما فالقاتل والمقتول فى النار قالوا هذا القاتل فما بال المقتول قال
انه أراد قتل صاحبه وقوله فى الحديث الآخر ورجل قال لو أن لي مالا لعملت
بعمل فلان فهو بنيته وهما فى الوزر سواء وقول من قال ان المطلوب بالنهى
فعل الضد ليس كذلك فان المقصود عدم الفعل والتلبس بالضدين فان مالا يتم
الواجب الا به فهو غير مقصود بالقصد الأول وأن كان المقصود بالقصد الأول
المامور الذي نهى عما يمنعه ويضعفه فالمنهى عنه مطلوب اعدامه طلب الوسائل
والذرائع والمأمور به مطلوب ايجاده طلب المقاصد والغايات وقول أبي هاشم ان
تارك القبائح يحمد وان لم يخطر بباله كف النفس فان أراد
بحمده انه لا يذم فصحيح وان أراد انه يثني عليه بذلك ويحب عليه
ويستحق الثواب فغير صحيح فان الناس لا يحمدون المحبوب على ترك الزنا ولا
الأخرس على عدم الغيبة والسب وانما يحمدون القادر الممتنع عن قدرة وداع
الي الفعل وقول القاضي الابقاء علي العدم الأصلى مقدور فان أراد به كف
النفس ومنعها فصحيح وان أراد مجرد العدم فليس كذلك وهذا يتبين بالوجه
الثالث عشر وهو أن الأمر بالشيء نهى عن ضده من طريق اللزوم العقلي لا
القصد الطلبى فان الأمر انما مقصود فعل المأمور فاذا كان من لوازمه ترك
الضد صار تركه مقصودا لغيره وهذا هو الصواب فى مسالة الأمر بالشيء هل هو
نهى عن ضده أم لا فهو نهى عنه من جهة اللزوم لا من جهة القصد والطلب وكذلك
النهى عن الشيء مقصود الناهى بالقصد الأول الانتهاء عن المنهى عنه وكونه
مشتغلا بضده جاء من جهة اللزوم العقلى لكن انما نهى عما يضاد ما أمر به
كما تقدم فكان المأمور به هو المقصود بالقصد الاول فى الموضعين
وحرف المسألة ان طلب الشيء طلب له بالذات ولما هو من ضرورته باللزوم
والنهي عن الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل ما هو من ضرورة الترك باللزوم
والمطلوب فى الموضعين فعل وكف وكلاهما أمر وجودي الوجه الرابع عشر ان
الأمر والنهى فى باب الطلب نظير النفي والاثبات فى باب الخبر والمدح
والثناء لا يحصلان بالنفى المحض ان لم يتضمن ثبوتا فان النفى كاسمه عدم لا
كمال فيه ولا مدح فاذا تضمن ثبوتا صح المدح به كنفى النسيان المستلزم
لكمال العلم وبيانه ونفى اللغوب والاعياء والتعب المستلزم لكمال القوة
والقدرة ونفى السنة والنوم المستلزم لكمال الحياة والقومية ونفى الولد
والصاحبة المستلزم لكمال الغنى والملك والربوبية ونفى الشريك والولى
والشفيع بدون الاذن المستلزم لكمال التوحيد والتفرد بالكمال والآلهية
والملك ونفى الظلم المتضمن لكمال العدل ونفى ادراك الابصار له المتضمن
لعظمته وأنه أجل من أن يدرك وان رأته
الأبصار والا فليس فى كونه لا يرى مدح بوجه من الوجوه فان العدم
المحض كذلك
واذا عرف هذا فالمنهى عنه ان لم يتضمن أمرا وجوديا ثبوتيا لم يمدح بتركه
ولم يستحق الثواب والثناء بمجرد الترك الايستحق المدح والثناء بمجرد الوصف
العدمى الوجه الخامس عشر ان الله سبحانه جعل جزاء المامورات عشرة أمثال
نعلها وجزاء المنهيات مثل واحد وهذا يدل على أن فعل ما أمر به احب اليه من
ترك ما نهى عنه ولو كان الأمر بالعكس لكانت السيئة بعشرة والحسنة بواحدة
او تساويا الوجه السادس عشر ان المنهى عنه المقصود اعدامه وأن لا يدخل في
الوجود سواء نوى ذلك أو لم ينوه وسواء خطر بباله أو لم يخطر فالمقصود أن
لا يكون وأما المأمور به فالمقصود كونه ايجاد والتقرب به نية وفعلا
وسر المسألة أن وجود ما طلب ايجاده أحب اليه من عدم ما طلب اعدامه وعدم ما
أحبه أكره اليه من وجود ما يبغضه فمحبته لفعل ما أمر به أعظم من كراهته
لفعل ما نهى عنه يوضحه الوجه السابع عشر ان فعل ما يحبه والاعانة عليه
وجزاؤه وما يترتب عليه من المدح والثناء من رحمته وفعل مايكره وجزاؤهما
يترتب عليه من الذم والألم والعقاب من غضبه ورحمته سابقة على غضبه غالبة
له وكل ما كان من صفة الرحمة فهو غالب لما كان من صفة الغضب فانه سبحانه
لا يكون إلا رحيما ورحمته من لوازم ذاته كعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره
وإحسانه فيستحيل أن يكون على خلاف ذلك وليس كذلك غضبه فانه ليس من لوازم
ذاته ولا يكون غضبانا دائما غضبا لا يتصور انفكاكه بل يقول رسله وأعلم
الخلق به يوم القيامة إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن
يغضب بعده مثله ورحمته وسعت كل شيء وغضبه لم يسع كل شيء وهو سبحانه كتب
علي نفسه الرحمة ولم يكتب على نفسه الغضب ووسع كل شيء رحمة وعلما ولم يسع
كل شيء غضبا وانتقاما فالرحمة وما كان بها ولوازمها وآثارها غالبة على
الغضب
وما كان منه وآثاره فوجود ما كان بالرحمة أحب اليه من وجود ما
كان من لوازم الغضب ولهذا كانت الرحمة احب اليه من العذاب والعفو أحب اليه
من الانتقام فوجود محبوبه أحب اليه من فوات مكروهه ولا سيما اذا كان فى
فوات مكروهه فوات ما يحبه من لوازمه فانه يكره فوات تلك اللوازم المحبوبة
كما يكره وجود ذلك الملزوم المكروه الوجه الثامن عشر ان أثار ما يكرهه وهو
المنهيات أسرع زوالا بما يحبه من زوال آثار ما يحبه بما يكرهه فآثار
كراهته سريعة الزوال وقد يزيلها سبحانه بالعفو والتجاوز وتزول لتوبة
والاستغفار والأعمال الصالحة والمصائب الكفرة والشفاعة والحسنات يذهبن
والسيئات ولو بلغت ذنوب العبد عنان السماء ثم استغفره غفر له ولو لقيه
بقراب الأرض خطايا ثم لقيه لا يشرك به شيئا لأتاه بقرابها مغفرة وهو
سبحانه يغفر الذنوب وان تعاظمت ولا يبالى فيبطلها ويبطل آثارها بأدنى سعى
من العبد وتوبة نصوح وندم علي ما فعل وما ذاك الا لوجود ما يحبه من توبة
العبد وطاعته وتوحيده فدل علي أن وجود ذلك أحب اليه وأرضي له يوضحه الوجه
التاسع عشر وهو انه سبحانه قدر ما يبغضه ويكرهه من المنهيات لما يترتب
عليها مما يحبه ويفرح به من المأمورات فأنه سبحانه أفرح بتوبة عبده من
الفاقد الواجد والعقيم الوالد والظمآن الوارد وقد ضرب رسول الله لفرحه
بتوبة العبد مثلا ليس فى المفروح به أبلغ منه وهذا الفرح إنما كان بفعل
المأمور به وهو التوبة فقدر الذنب لما يترتب عليه من هذا الفرح العظيم
الذى وجوده أحب اليه من فواته ووجوده بدون لازمه ممتنع فدل على أن وجود ما
يحب أحب اليه من فوات ما يكره وليس المراد بذلك أن كل فرد من أفراد ما يحب
أحب اليه من فوات كل فرد مما يكره حتى تكون ركعتا الضحى أحب اليه من فوات
قتل المسلم وانما المراد أن جنس فعل المأمورات افضل من جنس ترك المحظورات
كما اذا فضل الذكر علي الأنثى والانسى على الملك فالمراد الجنس لا عموم
الأعيان
والمقصود أن هذا الفرح الذى لا فرح يشبهه فعل مأمور التوبة يدل
على أن هذا المأمور أحب اليه من فوات المحظور الذى تفوت به التوبة وأثرها
ومقتضاها فان قيل انما فرح بالتوبة لانها ترك للمنهى فكان الفرح بالترك
قيل ليس كذلك فان الترك المحض لا يوجب هذا الفرح بل ولا الثواب ولا المدح
وليست التوبة تركا وان كان الترك من لوازمها وانما هى فعل وجودى يتضمن
اقبال التائب على ربه وإنابته اليه والتزام طاعته ومن لوازم ذلك ترك ما
نهى عنه ولهذا قال تعالى وأن استغفروا ربكم ثم توبوا اليه فالتوبة رجوع
مما يكره الى ما يحب وليست مجرد الترك فان من ترك الذنب تركا مجردا ولم
يرجع منه الى ما يحبه الرب تعالى لم يكن تائبا فالتوبة رجوع واقبال وانابة
لا ترك محض الوجه العشرون ان المأمور به اذا فات فاتت الحياة المطلوبة
للعبد وهى التي قال تعالى فيها
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم وقال أو
من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به فى الناس كمن مثله فى
الظلمات وقال فى حق الكفار أموات غير أحياء وقال انك لا تسمع الموتى وأما
المنهى عنه فغايته أن يوجد المرض وحياة مع السقم خير من موت فان قيل ومن
المنهى عنه ما يوجب الهلاك وهو الشرك قيل الهلك انما حصل بعدم التوحيد
المأمور به الحياة فلما فقد حصل الهلاك فما هلك إلا من عدم اتيانه
بالمأمور به وهو وهذا وجه حاد وعشرون فى المسألة وهو أن فى المأمورات ما
يجب فواته الهلاك والشقاء الدائم وليس فى المنهيات ما يقتضي ذلك الوجه
الثاني والعشرون ان فعل المأمور يتضى ترك المنهى عنه اذا فعل علي وجهه من
الاخلاص والمتابعة والنصح لله فيه قال تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر ومجرد ترك المنهى لا يقتضي فعل المأمور ولا يستلزمه الوجه الثالث
والعشرون ان ما يحبه من المأمورات فهو متعلق بصفاته وما يكرهه من المنهيات
فمتعلق بمفعولاته وهذا وجه دقيق يحتاج الى بيان فنقول
المنهيات شرور وتفضي الي شرور والمأمورات خير وتفضي الي الخيرات
والخير بيديه سبحانه والشر ليس اليه فان الشر لا يدخل فى صفاته ولا فى
أفعاله ولا فى أسمائه وانما هو من المفعولات مع أنه شر بالاضافة والنسبة
الي العبد والا من حيث إضافته ونسبته الي الخالق سبحانه فليس بشر من هذه
الجهة فغاية ارتكاب النهى ان يوجب شرا بالاضافة الي العبد مع انه فى نفسه
ليس بشر وأما فوات المأمور فيفوت به والخير الذى بفواته يحصل ضده من الشر
وكلما كان المأمور أحب الى الله سبحانه كان الشر الحاصل بفواته أعظم
كالتوحيد والايمان وسر هذه الوجوه أن المأمور محبوبه والمنهى مكروهه ووقوع
محبوبه أحب اليه من فوات مكروهه وفوات محبوبه أكره اليه من وقوع مكروهه
والله أعلم
للقائه
وحزنه على وقت مر فى غير مرضاته وأسفه على قربه والأنس به وجماع ذلك أن
يصبح ويمسي وليس له هم غيره
بالدنيا
فافرح أنت بالله واذا انسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله واذا تعرفوا الى
ملوكهم وكبرائهم وتقربوا اليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت الي
الله وتودد اليه تنل بذلك غاية العز والرفعة قال بعض الزهاد ما علمت أن
أحدا سمع بالجنة والنار تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها بذكرا وصلاة أو
قراة أو احسان فقال له رجل اني أكثر البكاء فقال انك ان تضحك وأنت مقر
بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك وان المدل لا يصعد عمله فوق رأسه
فقال أوصني فقال دع الدنيا لأهلها كما تركوهم الآخره لأهلها وكن فى الدنيا
كالنحلة ان أكلت أكلت طيبا وأن أطعمت أطعمت طيبا وان سقطت على شيء لم
تكسره ولم تخدشه
بحسب مراتب الشبهة فان قويت التحقت بالواجب وان ضعفت كان مستحبا وزهد فى
الفضول وزهد فيما لا يعنى من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره وزهد فى
الناس وزهد فى النفس بحيث تهون عليه نفسه فى الله وزهد جامع لذلك كله وهو
الزهد فيما سوى الله وفى كل ما شغلك عنه وافضل الزهد إخفاء الزهد وأصعبه
الزهد فى الحظوظ والفرق بينه وبين الورع أن الزهد ترك مالا ينفع فى الآخرة
والورع ترك ما يخشى ضررة في الآخرة والقلب المعلق بالشهوات لا يصح له زهد
ولا ورع
قال يحيى بن معاذ عجبت من ثلاث رجل يرائي بعمله مخلوقا مثله
ويترك أن يعمله الله ورجل يبخل بماله وربه يستقرضه منه فلا يقرضه منه شيئا
ورجل يرغب فى صحبة المخلوقين ومودتهم والله يدعوه الى صحبته ومودته
فائدة جليلة قال سهل بن عبد الله ترك الأمر عند الله أعظم من
ارتكاب النهى لأن آدم نهى عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه وابليس أمر
أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه قلت هذه مسالة عظيمة لها شان وهى أن
ترك الأوامر أعظم عند الله من أرتكاب المناهى وذلك من وجوه عديدة أحدها ما
ذكره سهل من شأن آدم وعدو الله ابليس الثاني أن ذنب ارتكاب النهى مصدره فى
الغالب الشهوة والحاجة وذنب ترك الأمر مصدره فى الغالب الكبر والعزة ولا
يدخل الجنة من فى قلبه مثقال ذرة من كبر ويدخلها من مات علي التوحيد وان
زنى وسرق الثالث أن فعل المأمور أحب الى الله من ترك المنهى كما دل على
ذلك النصوص كقوله أحب الاعمال الي الله الصلاة على وقتها وقوله ألا أنبئكم
بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها فى درجاتكم وخير لكم من أن تلقوا
عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلي يا رسول الله قال ذكر
الله وقوله اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة وغير ذلك من النصوص وترك المناهى
عمل فانه كف النفس عن الفعل ولهذا علق سبحانه المحبة بفعل الأوامر كقوله
ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا والله يحب المحسنين وقوله واقسطوا
ان الله يحب المقسطين والله يحب الصابرين وأما فى جانب المناهى فأكثر ما
جاء النفي للمحبة وقوله والله لا يحب الفساد وقوله والله لا يحب كل مختال
فخور وقوله ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين وقوله لا يحب الله الجهر
بالسوء من القول الا من ظلم وقوله ان الله لا يحب من
كان مختالا فخورا ونظائره وأخبر فى موضع آخر أنه يكرهها ويسخطها
كقوله كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها وقوله ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط
الله
اذا عرف هذا ففعل ما يحبه سبحانه مقصود بالذات ولهذا يقدر ما يكرهه ويسخطه
لافضائه الى ما يحب كما قدر المعاصى والكفر والفسوق لما ترتب علي تقديرها
مما يحبه من لوازمها من الجهاد واتخاذ الشهداء وحصول التوبة من العبد
والتضرع اليه والاستكانة واظهار عدله وعفوه وانتقامه وعزه وحصول المولاة
والمعاداة لأجله وغير ذلك من الآثار التى وجودها بسبب تقديره ما يكره أحب
اليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابها وهو سبحانه لا يقدر ما يحب لافضائه الى
حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لافضائه الى ما يحبه فعلم أن فعل
ما يحبه احب اليه مما يكرهه يوضحه الوجه الرابع أن فعل المأمور مقصود
لذاته وترك المنهى مقصود لتكميل فعل المأمور فهو منهى عنه لاجل كونه يخل
بفعل المأمور أو يضعفه وينقصه كما نبه سبحانه على ذلك فى النهى عن الخمر
والميسر بكونهما يصدان عن ذكر الله وعن الصلاة فالمنهيات قواطع وموانع
صادة عن فعل المأمورات أو عن كمالها فالنهى عنها من باب المقصود لغيره
والامر بالواجبات من باب المقصود لنفسه يوضحه الوجه الخامس أن فعل
المأمورات من باب حفظ قوة الايمان وبقائها وترك المنهيات من باب الحمية
عما يشوش قوة الايمان ويخرجها عن الاعتدال وحفظ القوة مقدم على الحمية فان
القوة كلما قويت دفعت المواد الفاسدة وإذا ضعفت غلبت المواد الفاسدة
فالحمية مراد لغيرها وهو حفظ القوة وزيادتها وبقاؤها ولهذا كلما قويت قوة
الايمان دفعت المواد الرديئة ومنعت من غلبتها وكثرتها بحسب القوة وضعفها
واذا ضعفت غلبت المواد الفاسدة فتأمل هذا الوجه الوجه السادس أن فعل
المأمورات حياة القلب وغذاؤه وزينته وسروره وقرة عينه ولذته ونعيمه وترك
المنهيات بدون ذلك لا يحصل له شيئا من ذلك فانه لو ترك جميع المنهيات ولم
يأت بالايمان والأعمال المأمور بها لم ينفعه ذلك الترك شيئا
وكان خالدا فى النار وهذا يتبين بالوجه السابع أن من فعل المأمورات
والمنهيات فهو اما ناج مطلقا ان غلبت حسناته سيئاته وإما ناج بعد أن يؤخذ
منه الحق ويعاقب على سيئاته فمآله الى النجاة وذلك بفعل المأمور ومن ترك
المأمورات والمنهيات فهو هالك غير ناج ولا ينجو إلا بفعل المأمور وهو
التوحيد
فان قيل فهو انما هلك بارتكاب المحظور وهو الشرك قيل يكفي فى الهلاك ترك
نفس التوحيد المامور به وان لم يأت بضد وجودى من الشرك بل متي خلا قلبه من
التوحيد رأسا فلم يوحد الله فهو هالك وان لم يعبد معه غيره فاذا انضاف
اليه عبادة غيره عذب على ترك التوحيد المأمور به وفعل الشرك المنهى عنه
يوضحه الوجه الثامن ان المدعو الي الايمان إذا قال لا أصدق ولا أكذب ولا
أحب ولا أبغض ولا أعبده ولا أعبد غيره كان كافرا بمجرد الترك والاعراض
بخلاف ما اذا قال أنا أصدق الرسول وأحبه وأؤمن به وأفعل ما أمرني ولكن
شهوتي وارادتي وطبعى حاكمة على لا تدعني أترك ما نهاني عنه وانا أعلم أنه
قد نهاني وكره لى فعل المنهى ولكن لا صبر لى عنه فهذا لا يعد كافرا بذلك
ولا حكمه حكم الأول فان هذا مطيع من وجه وتارك المأمور جملة لا يعد مطيعا
بوجه يوضحه الوجه التاسع ان الطاعة والمعصية انما تتعلق بالأمر أصلا
وبالنهى تبعا فالمطيع ممتثل المأمور والعاصي تارك المأمور قال تعالى لا
يعصون الله ما أمرهم وقال موسى لأخيه ما منعك اذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعني
أفعصيت أمرى وقال عمرو بن العاص عند موته أنا الذى أمرتني فعصيت ولكن لا
آله الا أنت وقال الشاعر أمرتك أمرا جازما فعصيتني
والمقصود من إرسال الرسل طاعة المرسل ولا تحصل الا بامتثال أوامره واجتناب
المناهي من تمام امتثال الأوامر ولوازمه ولهذا لو اجتنب المناهى ولم يفعل
ما أمر به لم يكن مطيعا وكان عاصيا بخلاف ما لو أتي بالمأمورات وارتكب
المناهى فانه وان عد عاصيا مذنبا فانه مطيع بامتثال الأمر عاص
بارتكاب النهى بخلاف تارك الامر فانه لا يعد مطيعا باجتناب المنهيات خاصة
الوجه العاشر ان امتثال الامر عبودية وتقرب وخدمة وتلك العبادة التى خلق
لاجلها الخلق كما قال تعالى وما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون فاخبر
سبحانه أنه انما خلقهم للعبادة وكذلك انما أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم
كتبه ليعبدوه فالعبادة هي الغاية التي خلقوا لها ولم يخلقوا لمجرد الترك
فانه أمر عدمى لا كمال فيه من حيث هو عدم بخلاف امتثال المأمور فانه أمر
وجودي مطلوب الحصول وهذا يتبين بالوجه الحادي عشر وهو أن المطلوب بالنهى
عدم الفعل وهو أمر عدمى والمطلوب بالأمر ايجاد فعل وهو أمر وجودى فمتعلق
الامر الايجاد ومتعلق النهى الاعدام أو العدم وهو أمر لا كمال فيه الا اذا
تضمن أمرا وجوديا فان العدم من حيث هو عدم لا كمال فيه ولا مصلحة الا اذا
تضمن أمرا وجوديا مطلقا وذلك الامر الوجودى مطلوب مأمور به فعادت حقيقة
النهى الي الامر وان المطلوب به ما فى ضمن النهى من الامر الوجودى المطلوب
به وهذا يتضح بالوجه الثاني عشر وهو ان الناس اختلفوا فى المطلوب بالنهى
علي أقوال احدها أن المطلوب به كف النفس عن الفعل وحبسها عنه وهو أمر
وجودى قالوا لان التكليف انما يتعلق بالمقدور والعدم المحض غير مقدور وهذا
قول الجمهور وقال أبو هاشم وغيره بل المطلوب عدم الفعل ولهذا يحصل المقصود
من بقائه على العدم وان لم يخطر بباله الفعل فضلا ان يقصد الكف عنه ولو
كان المطلوب الكف لكان عاصيا اذا لم يات به ولان الناس يمدحون بعدم فعل
القبيح من لم يخطر بباله فعله والكف عنه وهذا أحد قولى القاضي ابي بكر
ولاجله التزم أن عدم الفعل مقدور للعبد وداخل تحت الكسب قال والمقصود
بالنهى الابقاء على العدم الأصلى وهو مقدور وقالت طائفة المطلوب بالنهى
فعل الضد فانه هو المقدور وهو المقصود للناهى فانه انما نهاه عن الفاحشة
طلبا
للعفة وهى المأمور بها ونهاه عن الظلم طلبا للعدل المأمور به
وعن الكذب طلبا للصدق المامور به وهكذا جميع المنهيات فعند هؤلاء ان حقيقة
النهى الطلب لضد لمنهى عنه فعاد الأمر الى ان الطلب انما تعلق بفعل
المأمور
والتحقيق ان المطلوب نوعان مطلوب لنفسه وهو المأمور به ومطلوب اعدامه
لمضادته المأمور به وهو المنهى عنه لما فيه من المفسدة المضادة للمأمور به
فاذا لم يخطر ببال المكلف ولا دعته نفسه اليه بل استمر على العدم الأصلي
لم يثب على تركه وان خطر بباله وكف نفسه عنه لله وتركه اختيار أثيب عل كف
نفسه وامتناعه فانه فعل وجودى والثواب انما يقع علي الأمر الوجودي دون
العدم المحض وان تركه مع عزمه الجازم على فعله لكن تركه عجزا فهذا وان لم
يعاقب عقوبة الفاعل لكن يعاقب على عزمه وارادته الجازمة التى انما تخلف
مرادها عجزا وقد دلت على ذلك النصوص الكثيرة فلا يلتفت الي ما خالفها
كقوله تعالى وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن
يشاء ويعذب من يشاء وقوله فى كاتم الشهادة فانه آثم قلبه وقوله ولكن
يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وقوله يوم تبلى السرائر وقوله إذا تواجه المسلمان
بسيفهما فالقاتل والمقتول فى النار قالوا هذا القاتل فما بال المقتول قال
انه أراد قتل صاحبه وقوله فى الحديث الآخر ورجل قال لو أن لي مالا لعملت
بعمل فلان فهو بنيته وهما فى الوزر سواء وقول من قال ان المطلوب بالنهى
فعل الضد ليس كذلك فان المقصود عدم الفعل والتلبس بالضدين فان مالا يتم
الواجب الا به فهو غير مقصود بالقصد الأول وأن كان المقصود بالقصد الأول
المامور الذي نهى عما يمنعه ويضعفه فالمنهى عنه مطلوب اعدامه طلب الوسائل
والذرائع والمأمور به مطلوب ايجاده طلب المقاصد والغايات وقول أبي هاشم ان
تارك القبائح يحمد وان لم يخطر بباله كف النفس فان أراد
بحمده انه لا يذم فصحيح وان أراد انه يثني عليه بذلك ويحب عليه
ويستحق الثواب فغير صحيح فان الناس لا يحمدون المحبوب على ترك الزنا ولا
الأخرس على عدم الغيبة والسب وانما يحمدون القادر الممتنع عن قدرة وداع
الي الفعل وقول القاضي الابقاء علي العدم الأصلى مقدور فان أراد به كف
النفس ومنعها فصحيح وان أراد مجرد العدم فليس كذلك وهذا يتبين بالوجه
الثالث عشر وهو أن الأمر بالشيء نهى عن ضده من طريق اللزوم العقلي لا
القصد الطلبى فان الأمر انما مقصود فعل المأمور فاذا كان من لوازمه ترك
الضد صار تركه مقصودا لغيره وهذا هو الصواب فى مسالة الأمر بالشيء هل هو
نهى عن ضده أم لا فهو نهى عنه من جهة اللزوم لا من جهة القصد والطلب وكذلك
النهى عن الشيء مقصود الناهى بالقصد الأول الانتهاء عن المنهى عنه وكونه
مشتغلا بضده جاء من جهة اللزوم العقلى لكن انما نهى عما يضاد ما أمر به
كما تقدم فكان المأمور به هو المقصود بالقصد الاول فى الموضعين
وحرف المسألة ان طلب الشيء طلب له بالذات ولما هو من ضرورته باللزوم
والنهي عن الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل ما هو من ضرورة الترك باللزوم
والمطلوب فى الموضعين فعل وكف وكلاهما أمر وجودي الوجه الرابع عشر ان
الأمر والنهى فى باب الطلب نظير النفي والاثبات فى باب الخبر والمدح
والثناء لا يحصلان بالنفى المحض ان لم يتضمن ثبوتا فان النفى كاسمه عدم لا
كمال فيه ولا مدح فاذا تضمن ثبوتا صح المدح به كنفى النسيان المستلزم
لكمال العلم وبيانه ونفى اللغوب والاعياء والتعب المستلزم لكمال القوة
والقدرة ونفى السنة والنوم المستلزم لكمال الحياة والقومية ونفى الولد
والصاحبة المستلزم لكمال الغنى والملك والربوبية ونفى الشريك والولى
والشفيع بدون الاذن المستلزم لكمال التوحيد والتفرد بالكمال والآلهية
والملك ونفى الظلم المتضمن لكمال العدل ونفى ادراك الابصار له المتضمن
لعظمته وأنه أجل من أن يدرك وان رأته
الأبصار والا فليس فى كونه لا يرى مدح بوجه من الوجوه فان العدم
المحض كذلك
واذا عرف هذا فالمنهى عنه ان لم يتضمن أمرا وجوديا ثبوتيا لم يمدح بتركه
ولم يستحق الثواب والثناء بمجرد الترك الايستحق المدح والثناء بمجرد الوصف
العدمى الوجه الخامس عشر ان الله سبحانه جعل جزاء المامورات عشرة أمثال
نعلها وجزاء المنهيات مثل واحد وهذا يدل على أن فعل ما أمر به احب اليه من
ترك ما نهى عنه ولو كان الأمر بالعكس لكانت السيئة بعشرة والحسنة بواحدة
او تساويا الوجه السادس عشر ان المنهى عنه المقصود اعدامه وأن لا يدخل في
الوجود سواء نوى ذلك أو لم ينوه وسواء خطر بباله أو لم يخطر فالمقصود أن
لا يكون وأما المأمور به فالمقصود كونه ايجاد والتقرب به نية وفعلا
وسر المسألة أن وجود ما طلب ايجاده أحب اليه من عدم ما طلب اعدامه وعدم ما
أحبه أكره اليه من وجود ما يبغضه فمحبته لفعل ما أمر به أعظم من كراهته
لفعل ما نهى عنه يوضحه الوجه السابع عشر ان فعل ما يحبه والاعانة عليه
وجزاؤه وما يترتب عليه من المدح والثناء من رحمته وفعل مايكره وجزاؤهما
يترتب عليه من الذم والألم والعقاب من غضبه ورحمته سابقة على غضبه غالبة
له وكل ما كان من صفة الرحمة فهو غالب لما كان من صفة الغضب فانه سبحانه
لا يكون إلا رحيما ورحمته من لوازم ذاته كعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره
وإحسانه فيستحيل أن يكون على خلاف ذلك وليس كذلك غضبه فانه ليس من لوازم
ذاته ولا يكون غضبانا دائما غضبا لا يتصور انفكاكه بل يقول رسله وأعلم
الخلق به يوم القيامة إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن
يغضب بعده مثله ورحمته وسعت كل شيء وغضبه لم يسع كل شيء وهو سبحانه كتب
علي نفسه الرحمة ولم يكتب على نفسه الغضب ووسع كل شيء رحمة وعلما ولم يسع
كل شيء غضبا وانتقاما فالرحمة وما كان بها ولوازمها وآثارها غالبة على
الغضب
وما كان منه وآثاره فوجود ما كان بالرحمة أحب اليه من وجود ما
كان من لوازم الغضب ولهذا كانت الرحمة احب اليه من العذاب والعفو أحب اليه
من الانتقام فوجود محبوبه أحب اليه من فوات مكروهه ولا سيما اذا كان فى
فوات مكروهه فوات ما يحبه من لوازمه فانه يكره فوات تلك اللوازم المحبوبة
كما يكره وجود ذلك الملزوم المكروه الوجه الثامن عشر ان أثار ما يكرهه وهو
المنهيات أسرع زوالا بما يحبه من زوال آثار ما يحبه بما يكرهه فآثار
كراهته سريعة الزوال وقد يزيلها سبحانه بالعفو والتجاوز وتزول لتوبة
والاستغفار والأعمال الصالحة والمصائب الكفرة والشفاعة والحسنات يذهبن
والسيئات ولو بلغت ذنوب العبد عنان السماء ثم استغفره غفر له ولو لقيه
بقراب الأرض خطايا ثم لقيه لا يشرك به شيئا لأتاه بقرابها مغفرة وهو
سبحانه يغفر الذنوب وان تعاظمت ولا يبالى فيبطلها ويبطل آثارها بأدنى سعى
من العبد وتوبة نصوح وندم علي ما فعل وما ذاك الا لوجود ما يحبه من توبة
العبد وطاعته وتوحيده فدل علي أن وجود ذلك أحب اليه وأرضي له يوضحه الوجه
التاسع عشر وهو انه سبحانه قدر ما يبغضه ويكرهه من المنهيات لما يترتب
عليها مما يحبه ويفرح به من المأمورات فأنه سبحانه أفرح بتوبة عبده من
الفاقد الواجد والعقيم الوالد والظمآن الوارد وقد ضرب رسول الله لفرحه
بتوبة العبد مثلا ليس فى المفروح به أبلغ منه وهذا الفرح إنما كان بفعل
المأمور به وهو التوبة فقدر الذنب لما يترتب عليه من هذا الفرح العظيم
الذى وجوده أحب اليه من فواته ووجوده بدون لازمه ممتنع فدل على أن وجود ما
يحب أحب اليه من فوات ما يكره وليس المراد بذلك أن كل فرد من أفراد ما يحب
أحب اليه من فوات كل فرد مما يكره حتى تكون ركعتا الضحى أحب اليه من فوات
قتل المسلم وانما المراد أن جنس فعل المأمورات افضل من جنس ترك المحظورات
كما اذا فضل الذكر علي الأنثى والانسى على الملك فالمراد الجنس لا عموم
الأعيان
والمقصود أن هذا الفرح الذى لا فرح يشبهه فعل مأمور التوبة يدل
على أن هذا المأمور أحب اليه من فوات المحظور الذى تفوت به التوبة وأثرها
ومقتضاها فان قيل انما فرح بالتوبة لانها ترك للمنهى فكان الفرح بالترك
قيل ليس كذلك فان الترك المحض لا يوجب هذا الفرح بل ولا الثواب ولا المدح
وليست التوبة تركا وان كان الترك من لوازمها وانما هى فعل وجودى يتضمن
اقبال التائب على ربه وإنابته اليه والتزام طاعته ومن لوازم ذلك ترك ما
نهى عنه ولهذا قال تعالى وأن استغفروا ربكم ثم توبوا اليه فالتوبة رجوع
مما يكره الى ما يحب وليست مجرد الترك فان من ترك الذنب تركا مجردا ولم
يرجع منه الى ما يحبه الرب تعالى لم يكن تائبا فالتوبة رجوع واقبال وانابة
لا ترك محض الوجه العشرون ان المأمور به اذا فات فاتت الحياة المطلوبة
للعبد وهى التي قال تعالى فيها
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم وقال أو
من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به فى الناس كمن مثله فى
الظلمات وقال فى حق الكفار أموات غير أحياء وقال انك لا تسمع الموتى وأما
المنهى عنه فغايته أن يوجد المرض وحياة مع السقم خير من موت فان قيل ومن
المنهى عنه ما يوجب الهلاك وهو الشرك قيل الهلك انما حصل بعدم التوحيد
المأمور به الحياة فلما فقد حصل الهلاك فما هلك إلا من عدم اتيانه
بالمأمور به وهو وهذا وجه حاد وعشرون فى المسألة وهو أن فى المأمورات ما
يجب فواته الهلاك والشقاء الدائم وليس فى المنهيات ما يقتضي ذلك الوجه
الثاني والعشرون ان فعل المأمور يتضى ترك المنهى عنه اذا فعل علي وجهه من
الاخلاص والمتابعة والنصح لله فيه قال تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر ومجرد ترك المنهى لا يقتضي فعل المأمور ولا يستلزمه الوجه الثالث
والعشرون ان ما يحبه من المأمورات فهو متعلق بصفاته وما يكرهه من المنهيات
فمتعلق بمفعولاته وهذا وجه دقيق يحتاج الى بيان فنقول
المنهيات شرور وتفضي الي شرور والمأمورات خير وتفضي الي الخيرات
والخير بيديه سبحانه والشر ليس اليه فان الشر لا يدخل فى صفاته ولا فى
أفعاله ولا فى أسمائه وانما هو من المفعولات مع أنه شر بالاضافة والنسبة
الي العبد والا من حيث إضافته ونسبته الي الخالق سبحانه فليس بشر من هذه
الجهة فغاية ارتكاب النهى ان يوجب شرا بالاضافة الي العبد مع انه فى نفسه
ليس بشر وأما فوات المأمور فيفوت به والخير الذى بفواته يحصل ضده من الشر
وكلما كان المأمور أحب الى الله سبحانه كان الشر الحاصل بفواته أعظم
كالتوحيد والايمان وسر هذه الوجوه أن المأمور محبوبه والمنهى مكروهه ووقوع
محبوبه أحب اليه من فوات مكروهه وفوات محبوبه أكره اليه من وقوع مكروهه
والله أعلم
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى