صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
فصل مبنى الدين على قاعدتين الذكر والشكر قال تعالى
فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون وقال النبي لمعاذ والله اني لأحبك
فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وليس
المراد بالذكر مجرد الذكر اللسان بل الذكر القلبى واللسانى وذكره يتضمن
ذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه وذلك يستلزم معرفته
والايمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليه بأنواع المدح وذلك لا
يتم الا بتوحيده فذكره الحقيقى يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر نعمه وآلائه
وإحسانه الي خلقه
وأما الشكر فهو القيام بطاعته والتقرب اليه بأنواع محابه ظاهرا وباطنا
وهذان الأمران هما جماع الدين فذكره مستلزم لمعرفته وشكره متضمن لطاعته
وهذان هما الغاية التي خلق لأجلها الجن والانس والسموات والارض ووضع
لاجلها الثواب والعقاب وأنزل الكتب وارسل الرسل وهى الحق الذي به خلقت
السماوات والأرض وما بينهما وضدها هو الباطل والعبث الذي يتعالى
ويتقدس عنه وهو ظن أعدائه به قال تعالى وما خلقنا السماوات والأرض وما
بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا وقال وما خلقنا السموات والأرض وما
بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق وقال وما خلقنا السموات والأرض وما
بينهما إلا بالحق وان الساعة لآتية وقال بعد ذكر آياته في أول سورة يونس
ما خلق الله ذلك إلا بالحق وقال أيحسب الإنسان إن يترك سدى وقال أفحسبتم
أنما خلقناكم عبثا وإنكم إلينا لا ترجعون وقال وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن
لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وقال جعل
الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك
لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم
فثبت بما ذكر أن غاية الخلق والأمر أن يذكر وأن يشكر يذكر فلا ينسى ويشكر
فلا يكفر وهو سبحانه ذاكر لمن ذكره شاكر لمن شكره فذكره سبب لذكره وشكره
سبب لزيادته من فضله فالذكر للقلب واللسان والشكر للقلب محبة وإنابة
وللسان ثناد وحمد وللجوارح طاعة وخدمة
فصل تكرر في القرآن جعل الأعمال القائمة بالقلب والجوارح سبب
الهداية
والإضلال فيقوم بالقلب والجوارح أعمال تقتضي الهدى اقتضاء السبب لمسببه
والمؤثر لأثره وكذلك الضلال فأعمال البر تثمر الهدى وكلما ازداد منها
ازداد هدى وأعمال الفجور بالضد وذلك أن الله سبحانه يحب أعمال البر فيجازى
عليها بالهدى والفلاح ويبغض أعمال الفجور ويجازي عليها بالضلال والشقاء
وأيضا فانه البر ويحب أهل البر فيقرب قلوبهم منه بحسب ما قاموا به من البر
ويبغض الفجور وأهله فيبعد قلوبهم منه بحسب ما اتصفوا به من
الفجور فمن الأصل الأول قوله تعالى الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
وهذا يتضمن أمرين أحدهما انه يهدي به من اتقى ما خطه قبل نزول الكتاب فان
الناس على اختلاف مللهم ونحلهم قد استقر عندهم أن الله سبحانه يكره الظلم
والفواحش والفساد في الأرض ويمقت فاعل ذلك ويحب العدل والإحسان والجود
والصدق والإصلاح في الأرض ويحب فاعل ذلك فلما نزل الكتاب أثاب سبحانه أهل
البر بأن وفقهم للإيمان به جزاء لهم على برهم وطاعتهم وخذل أهل الفجور
والفحش والظلم بأن حال بينهم وبين الاهتداء به والأمر الثاني أن العبد إذا
آمن بالكتاب واهتدى به مجملا وقبل أوامره وصدق بأخباره كان ذلك سببا
لهداية أخرى تحصل له على التفصيل فان الهداية لا نهاية لها ولو بلغ العبد
فيها ما بلغ ففوق هدايته هداية أخرى وفوق تلك الهداية هداية أخرى إلى غير
غاية فكلما اتقى العبد ربه ارتقى إلى هداية أخرى فهو في مزيد هداية ما دام
في مزيد من التقوى وكلما فوت خطا من التقوى فاته حظ من الهداية بحسبه
فكلما اتقى زاد هداه وكلما اهتدى زادت تقواه قال تعالى قد جاءكم من الله
نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من
الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم وقال تعالى الله يجتبي
إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وقال سيذكر من يخشى وقال وما يتذكر إلا
من ينيب وقال إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم فهداهم
أولا للإيمان فلما آمنوا هداهم للإيمان هداية بعد هداية ونظير هذا قوله
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى وقوله تعالى يا أيها الذين أمنوا إن تتقوا
الله يجعل لكم فرقانا ومن الفرقان ما يعطيهم من لنور الذي يفرقون به بين
الحق والباطل والنصر والعز الذي يتمكنون به من إقامة الحق وكسر الباطل فسر
الفرقان بهذا وبهذا وقال تعالى إن في ذلك لآية لكل عبد منيب وقال
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور في سورة لقمان وسورة إبراهيم
وسبأ والشورى فأخبر عن آياته المشهودة العيانية أنها إنما ينتفع بها أهل
الصبر والشكر كما أخبر عن آياته الإيمانية القرآنية أنها إنما ينتفع بها
أهل التقوى والخشية والإنابة ومن كان قصده اتباع رضوانه وأنها يتذكر بها
من يخشاه سبحانه كما قال طه أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى
وقال في لساعة إنما أنت منذر من يخشاها وأما من لا يؤمن بها ولا يرجوها
ولا يخشاها فلا تنفعه الآيات العيانية ولا القرآنية ولهذا لما ذكر سبحانه
في سورة هود عقوبات الأمم المكذبين للرسل وما حل بهم في الدنيا من الخزي
قال بعد ذلك إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة فأخبر أن عقوباته
للمكذبين عبرة لمن خاف عذاب الآخرة وأما من لا يؤمن بها ولا يخاف عذابها
فلا يكون ذلك عبرة وآية في حقه اذا سمع ذلك قال لم يزل في الدهر الخير
والشر والنعيم والبؤس والسعادة والشقاوة وربما أحال ذلك على أسباب فلكية
وقوى نفسانية وإنما كان الصبر والشكر سببا لانتفاع صاحبهما بالآيات ينبني
على الصبر والشكر فنصفه صبر ونصفه شكر فعلى حسب صبر العبد وشكره تكون قوة
إيمانه وآيات الله إنما ينتفع بها من آمن بالله ولا يتم له الإيمان إلا
بالصبر والشكر فإن رأس الشكر التوحيد ورأس الصبر ترك إجابة داعي الهوى
فإذا كان مشركا متبعا هواه لم يكن صابرا ولا شكورا فلا تكون الآيات نافعة
له ولا مؤثرة فيه إيمانا
فصل وأما الأصل الثاني وهو اقتضاء الفجور والكبر والكذب للضلال
فكثير
أيضا في القرآن كقوله تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا
الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر
الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون وقال تعالى يثبت الله
الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله
الظالمين ويفعل الله ما يشاء وقال تعالى فما لكم في المنافقين فئتين والله
أركسهم بما كسبوا وقال تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم
فقليلا ما يؤمنون وقال تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول
مرة فأخبر أنه عاقبهم على تخلفهم عن الإيمان لما جاءهم وعرفوه وأعرضوا عنه
بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم وحال بينهم وبين الإيمان كما قال تعالى يا أيها
الذين آمنوا أستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلم أن الله
يحول بين المرء وقلبه فأمرهم بالأستجابة له ولرسوله حين يدعوهم الى ما فيه
حياتهم ثم حذرهم من التخلف والتأخر عن الأستجابة الذي يكون سببا لأن يحول
بينهم وبين قلوبهم قال تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي
القوم الفاسقين وقال تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فأخبر
سبحانه أن كسبهم غطى على قلوبهم وحال بينها وبين الايمان بآياته فقالوا
أساطير الأولين وقال تعالى في المنافقين نسوا الله فنسيهم فجازاهم على
نسيانهم له أن نسيهم فلم يذكرهم بالهدى والرحمة وأخبر أنه أنساهم أنفسهم
فلم يطلبوا كمالها بالعلم النافع والعمل الصالح وهما الهدى ودين الحق
فأنساهم طلب ذلك ومحبته ومعرفته والحرص عليه عقوبة لنسيانهم له وقال تعالى
في حقهم أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم والذين اهتدوا
زادهم هدى وآتاهم تقواهم فجمع لهم بين اتباع الهوى والضلال الذي هو ثمرته
وموجبه كما جمع للمهتدين بين التقوى والهدى
فصل مبنى الدين على قاعدتين الذكر والشكر قال تعالى
فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون وقال النبي لمعاذ والله اني لأحبك
فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وليس
المراد بالذكر مجرد الذكر اللسان بل الذكر القلبى واللسانى وذكره يتضمن
ذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه وذلك يستلزم معرفته
والايمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليه بأنواع المدح وذلك لا
يتم الا بتوحيده فذكره الحقيقى يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر نعمه وآلائه
وإحسانه الي خلقه
وأما الشكر فهو القيام بطاعته والتقرب اليه بأنواع محابه ظاهرا وباطنا
وهذان الأمران هما جماع الدين فذكره مستلزم لمعرفته وشكره متضمن لطاعته
وهذان هما الغاية التي خلق لأجلها الجن والانس والسموات والارض ووضع
لاجلها الثواب والعقاب وأنزل الكتب وارسل الرسل وهى الحق الذي به خلقت
السماوات والأرض وما بينهما وضدها هو الباطل والعبث الذي يتعالى
ويتقدس عنه وهو ظن أعدائه به قال تعالى وما خلقنا السماوات والأرض وما
بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا وقال وما خلقنا السموات والأرض وما
بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق وقال وما خلقنا السموات والأرض وما
بينهما إلا بالحق وان الساعة لآتية وقال بعد ذكر آياته في أول سورة يونس
ما خلق الله ذلك إلا بالحق وقال أيحسب الإنسان إن يترك سدى وقال أفحسبتم
أنما خلقناكم عبثا وإنكم إلينا لا ترجعون وقال وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن
لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما وقال جعل
الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك
لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم
فثبت بما ذكر أن غاية الخلق والأمر أن يذكر وأن يشكر يذكر فلا ينسى ويشكر
فلا يكفر وهو سبحانه ذاكر لمن ذكره شاكر لمن شكره فذكره سبب لذكره وشكره
سبب لزيادته من فضله فالذكر للقلب واللسان والشكر للقلب محبة وإنابة
وللسان ثناد وحمد وللجوارح طاعة وخدمة
فصل تكرر في القرآن جعل الأعمال القائمة بالقلب والجوارح سبب
الهداية
والإضلال فيقوم بالقلب والجوارح أعمال تقتضي الهدى اقتضاء السبب لمسببه
والمؤثر لأثره وكذلك الضلال فأعمال البر تثمر الهدى وكلما ازداد منها
ازداد هدى وأعمال الفجور بالضد وذلك أن الله سبحانه يحب أعمال البر فيجازى
عليها بالهدى والفلاح ويبغض أعمال الفجور ويجازي عليها بالضلال والشقاء
وأيضا فانه البر ويحب أهل البر فيقرب قلوبهم منه بحسب ما قاموا به من البر
ويبغض الفجور وأهله فيبعد قلوبهم منه بحسب ما اتصفوا به من
الفجور فمن الأصل الأول قوله تعالى الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين
وهذا يتضمن أمرين أحدهما انه يهدي به من اتقى ما خطه قبل نزول الكتاب فان
الناس على اختلاف مللهم ونحلهم قد استقر عندهم أن الله سبحانه يكره الظلم
والفواحش والفساد في الأرض ويمقت فاعل ذلك ويحب العدل والإحسان والجود
والصدق والإصلاح في الأرض ويحب فاعل ذلك فلما نزل الكتاب أثاب سبحانه أهل
البر بأن وفقهم للإيمان به جزاء لهم على برهم وطاعتهم وخذل أهل الفجور
والفحش والظلم بأن حال بينهم وبين الاهتداء به والأمر الثاني أن العبد إذا
آمن بالكتاب واهتدى به مجملا وقبل أوامره وصدق بأخباره كان ذلك سببا
لهداية أخرى تحصل له على التفصيل فان الهداية لا نهاية لها ولو بلغ العبد
فيها ما بلغ ففوق هدايته هداية أخرى وفوق تلك الهداية هداية أخرى إلى غير
غاية فكلما اتقى العبد ربه ارتقى إلى هداية أخرى فهو في مزيد هداية ما دام
في مزيد من التقوى وكلما فوت خطا من التقوى فاته حظ من الهداية بحسبه
فكلما اتقى زاد هداه وكلما اهتدى زادت تقواه قال تعالى قد جاءكم من الله
نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من
الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم وقال تعالى الله يجتبي
إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وقال سيذكر من يخشى وقال وما يتذكر إلا
من ينيب وقال إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم فهداهم
أولا للإيمان فلما آمنوا هداهم للإيمان هداية بعد هداية ونظير هذا قوله
ويزيد الله الذين اهتدوا هدى وقوله تعالى يا أيها الذين أمنوا إن تتقوا
الله يجعل لكم فرقانا ومن الفرقان ما يعطيهم من لنور الذي يفرقون به بين
الحق والباطل والنصر والعز الذي يتمكنون به من إقامة الحق وكسر الباطل فسر
الفرقان بهذا وبهذا وقال تعالى إن في ذلك لآية لكل عبد منيب وقال
إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور في سورة لقمان وسورة إبراهيم
وسبأ والشورى فأخبر عن آياته المشهودة العيانية أنها إنما ينتفع بها أهل
الصبر والشكر كما أخبر عن آياته الإيمانية القرآنية أنها إنما ينتفع بها
أهل التقوى والخشية والإنابة ومن كان قصده اتباع رضوانه وأنها يتذكر بها
من يخشاه سبحانه كما قال طه أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى
وقال في لساعة إنما أنت منذر من يخشاها وأما من لا يؤمن بها ولا يرجوها
ولا يخشاها فلا تنفعه الآيات العيانية ولا القرآنية ولهذا لما ذكر سبحانه
في سورة هود عقوبات الأمم المكذبين للرسل وما حل بهم في الدنيا من الخزي
قال بعد ذلك إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة فأخبر أن عقوباته
للمكذبين عبرة لمن خاف عذاب الآخرة وأما من لا يؤمن بها ولا يخاف عذابها
فلا يكون ذلك عبرة وآية في حقه اذا سمع ذلك قال لم يزل في الدهر الخير
والشر والنعيم والبؤس والسعادة والشقاوة وربما أحال ذلك على أسباب فلكية
وقوى نفسانية وإنما كان الصبر والشكر سببا لانتفاع صاحبهما بالآيات ينبني
على الصبر والشكر فنصفه صبر ونصفه شكر فعلى حسب صبر العبد وشكره تكون قوة
إيمانه وآيات الله إنما ينتفع بها من آمن بالله ولا يتم له الإيمان إلا
بالصبر والشكر فإن رأس الشكر التوحيد ورأس الصبر ترك إجابة داعي الهوى
فإذا كان مشركا متبعا هواه لم يكن صابرا ولا شكورا فلا تكون الآيات نافعة
له ولا مؤثرة فيه إيمانا
فصل وأما الأصل الثاني وهو اقتضاء الفجور والكبر والكذب للضلال
فكثير
أيضا في القرآن كقوله تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا
الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر
الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون وقال تعالى يثبت الله
الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله
الظالمين ويفعل الله ما يشاء وقال تعالى فما لكم في المنافقين فئتين والله
أركسهم بما كسبوا وقال تعالى وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم
فقليلا ما يؤمنون وقال تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول
مرة فأخبر أنه عاقبهم على تخلفهم عن الإيمان لما جاءهم وعرفوه وأعرضوا عنه
بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم وحال بينهم وبين الإيمان كما قال تعالى يا أيها
الذين آمنوا أستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلم أن الله
يحول بين المرء وقلبه فأمرهم بالأستجابة له ولرسوله حين يدعوهم الى ما فيه
حياتهم ثم حذرهم من التخلف والتأخر عن الأستجابة الذي يكون سببا لأن يحول
بينهم وبين قلوبهم قال تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي
القوم الفاسقين وقال تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فأخبر
سبحانه أن كسبهم غطى على قلوبهم وحال بينها وبين الايمان بآياته فقالوا
أساطير الأولين وقال تعالى في المنافقين نسوا الله فنسيهم فجازاهم على
نسيانهم له أن نسيهم فلم يذكرهم بالهدى والرحمة وأخبر أنه أنساهم أنفسهم
فلم يطلبوا كمالها بالعلم النافع والعمل الصالح وهما الهدى ودين الحق
فأنساهم طلب ذلك ومحبته ومعرفته والحرص عليه عقوبة لنسيانهم له وقال تعالى
في حقهم أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم والذين اهتدوا
زادهم هدى وآتاهم تقواهم فجمع لهم بين اتباع الهوى والضلال الذي هو ثمرته
وموجبه كما جمع للمهتدين بين التقوى والهدى
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زيد في علمه زيد في
تواضعه ورحمته وكلما زيد في خوفه وحذره وكلما زيد في عمره نقص من حرصه
وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في
قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم
وعلامات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه زيد في كبره وتيهه وكلما زيد في
عمله زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه وكلما زيد في عمره زيد قي
حرصه وكلما زيد في ماله زيد في بخله وإمساكه وكلما زيد في قدره وجاهه زيد
في كبره وتيهه وهذه الأمور ابتلاء من الله وامتحان يبتلي بها عباده فيسعد
بها أقوام ويشفى بها أقوام وكذلك الكرامات امتحان وابتلاء كالملك والسلطان
والمال قال تعالى عن نبيه سليمان لما رأى عرش بلقيس عنده هذا من فضل ربي
ليبلوني أأشكر أم أكفر فالنعم ابتلاء من الله وامتحان يظهر بها شكر الشكور
وكفر الكفور كما أن المحن بلوى منه سبحانه فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي
بالمصائب قال تعالى فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول
ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا أي ليس
كل من وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك إكراما مني له ولا كل من ضيقت
عليه رزقه وابتليته يكون ذلك إهانة مني له
فصل من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدة
الاعتناء به
فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه فالأعمال والدرجات بنيان
وأساسها الإيمان ومتى كان الأساس وثيقا حمل البنيان واعتلى عليه وإذا تهدم
شيء من
البنيان سهل تداركه وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البنيان
ولم يثبت وإذا تهدم شيء من الأساس سقط البنيان أو كاد فالعارف همته تصحيح
الأساس وإحكامه والجاهل يرفع في البناء عن غير أساس فلا يلبث بنيانه أن
يسقط قال تعالى أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس
بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم فالأساس لبناء الأعمال
كالقوة لبدن الإنسان فإذا كانت القوة قوية حملت البدن ودفعت عنه كثيرا من
الآفات وإذا كانت القوة ضعيفة ضعف حملها للبدن وكانت الآفات إليه أسرع شيء
فاحمل بنيانك على قوة أساس الإيمان فإذا تشعث شيء من أعالي البناء وسطحه
كان تداركه أسهل عليك من خراب الأساس وهذا الأساس أمران صحة المعرفة بالله
وأمره وأسمائه وصفاته والثاني تجريد الانقياد له ولرسوله دون ما سواه فهذا
أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه وبحسبه يعتلى البناء ما شاء فأحكم الأساس
واحفظ القوة ودم على الحمية واستفرغ إذا زاد بك الخلط والقصد القصد وقد
بلغت المراد وإلا فما دامت القوة ضعيفة والمادة الفاسدة موجودة والاستفراغ
معدوما
فاقر السلام على الحياة فإنها ... قد آذنتك بسرعة التوديع
فإذا كمل البناء فبيضه بحسن الخلق والإحسان إلى الناس ثم حظه بسور من
الحذر لا يقتحمه عدو ولا تبدو منه العورة ثم أرخ الستور على أبوابه ثم
اقفل الباب الأعظم بالسكوت عما تخشى عاقبته ثم ركب له مفتاحا من ذكر الله
به تفتحه وتغلقه فإن فتحت فتحت بالمفتاح وإن أغلقت الباب أغلقته به فتكون
حينئذ قد بنيت حصنا تحصنت فيه من أعدائك إذا طاف به العدو لم يجد منه
مدخلا فييأس منك ثم تعاهد بناء الحصن كل وقت فإن العدو إذا لم يطمع في
الدخول من الباب نقب عليك النقوب من بعيد بمعاول الذنوب فإن أهملت أمره
وصل إليك النقب فإذا العدو معك في داخل الحصن فيصعب عليك إخراجه وتكون معه
على
ثلاث خلال إما أن يغلبك على الحصن ويستولي عليه وإما أن يساكنك
فيه وإما أن يشغلك بمقابلته عن تمام مصلحتك وتعود إلى سد النقب ولم شعث
الحصن وإذا دخل نقبه إليك نالك منه ثلاث آفات إفساد الحصن والإغارة على
حواصله وذخائره ودلالة السراق من بني جنسه على عورته فلا يزال يبلي منه
بغارة حتى يضعفوا قواه ويوهنوا عزمه فيتخلى عن الحصن ويخلي بينهم وبينه
وهذه حال أكثر النفوس مع هذا العدو ولهذا تراهم يسخطون ربهم برضا أنفسهم
بل برضا مخلوق مثلهم لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ويضيعون كسب الدين بكسب
الأموال ويهلكون أنفسهم بما لا يبقى لهم ويحرصون على الدنيا وقد أدبرت
عنهم ويزهدون في الآخرة وقد هجمت عليهم ويخالفون ربهم باتباع أهوائهم
ويتكلون على الحياة ولا يذكرون الموت ويذكرون شهواتهم وحظوظهم وينسون ما
عهد الله إليهم ويهتمون بما ضمنه الله ولا يهتمون بما أمرهم به ويفرحون
بالدنيا ويحزنون على فوات حظهم منها ولا يحزنون على فوات الجنة وما فيها
ولا يفرحون بالإيمان فرحهم بالدرهم والدينار ويفسدون حقهم وهداهم بضلالهم
ومعروفهم بمنكرهم ويلبسوا إيمانهم بظنونهم ويخلطون حلالهم بحرامهم
ويترددون في حيرة آرائهم وأفكارهم ويتركون هدى الله الذي أهداه إليهم ومن
العجب أن هذا العدو يستعمل صاحب الحصن في هدم حصنه بيديه
فصل أركان الكفر أربعة الكبر والحسد والغضب والشهوة فالكبر يمنعه
الانقياد والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلها والغضب يمنعه العدل والشهوة
تمنعه التفرغ للعبادة فإذا انهدم ركن الكبر سهل عليه الانقياد وإذا انهدم
ركن الحسد سهل عليه قبول النصح وبذله وإذا انهدم ركن الغضب سهل عليه العدل
والتواضع وإذا انهدم ركن الشهوة سهل عليه الصبر والعفاف والعبادة وزوال
الجبال عن أماكنها
أيسر من زوال هذه الأربعة عمن بلى بها ولا سيما إذا صارت هيئات
راسخه وملكات وصفات ثابتة فإنه لا يستقيم له معها عمل البتة ولا تزكو نفسه
مع قيامها بها وكلما اجتهد في العمل أفسدته عليه هذه الأربعة وكل الآفات
متولدة منها وإذا استحكمت في القلب أرته الباطل في صورة الحق والحق في
صورة الباطل والمعروف في صورة المنكر والمنكر في صورة المعروف وقربت منه
الدنيا وبعدت منه الآخرة وإذا تأملت كفر الأمم رأيته ناشئا منها وعليها
يقع العذاب وتكون خفته وشدته بحسب خفتها وشدتها فمن فتحها على نفسه فتح
عليه أبواب الشرور كلها عاجلا وآجلا ومن أغلقها على نفسه أغلق عنه أبوب
الشرورفاتها تمنع الانقياد والإخلاص والتوبة والإنابة وقبول الحق ونصيحة
المسلمين والتواضع لله ولخلقه
ومنشأ هذه الأربعة من جهله بربه وجهله بنفسه فإنه لو عرف ربه بصفات الكمال
ونعوت الجلال وعرف نفسه بالنقائص والآفات لم يتكبر ولم يغضب لها ولم يحسد
أحدا على ما أتاه الله فإن الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله فإنه يكره
نعمة الله على عبده وقد أحبها الله وأحب زوالها عنه والله يكره ذلك فهو
مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته ولذلك كان إبليس عدوه حقيقة لأن
ذنبه كان عن كبر وحسد فقلع هاتين الصفتين بمعرفة الله وتوحيده والرضا به
وعنه والإنابة إليه وقلع الغضب بمعرفة النفس وأنها لا تستحق أن يغضب لها
وينتقم لها فإن ذلك إيثار لها بالرضا والغضب على خالقها وفاطرها وأعظم ما
تدفع به هذه الآفة أن يعودها أن تغضب له سبحانه وترضي له فكلما دخلها شيء
من الغضب والرضا له خرج منها مقابله من الغضب والرضا لها وكذا بالعكس
وأما الشهوة فدواؤها صحة العلم والمعرفة بأن إعطاءها شهواتها أعظم أسباب
حرمانها إياها ومنعها منها وحميتها أعظم أسباب اتصالها إليها فكلما فتحت
عليها باب الشهوات كنت ساعيا في حرمانها إياها وكلما أغلقت عنها ذلك الباب
كنت ساعيا في إيصالها إليها على أكمل الوجوه
فالغضب مثل السبع إذا أفلته صاحبه بدأ بأكله والشهوة مثل النار
إذا أضرمها صاحبها بدأت بإحراقه والكبر بمنزلة منازعة الملك ملكه فإن لم
يهلكك طردك عنه والحسد بمنزلة معاداة من هو أقدر منك والذي يغلب شهوته
وغضبه يفرق الشيطان من ظله ومن تغلبه شهوته وغضبه يفرق من خياله
فصل عظيم النفع
الجهال بالله وأسمائه وصفاته المعطلون لحقائقها يبغضون الله إلى خلقه
ويقطعون عليهم طريق محبته والتودد إليه بطاعته من حيث لا يعلمون ونحن نذكر
من ذلك أمثلة تحتذي عليها فمنها أنهم يقررون في نفوس الضعفاء أن الله
سبحانه لا تنفع معه طاعة وان طال زمانها وبالغ العبد وأتى بها ظاهره
وباطنه وأن العبد ليس على ثقة ولا أمن من مكره بل شأنه سبحانه أن يأخذ
المطيع المتقي من المحراب إلى الماخور ومن التوحيد والمسبحة إلى الشرك
والمزمار ويقلب قلبه من الإيمان الخالص إلى الكفر ويروون في ذلك آثار
صحيحة لم يفهموها وباطلة لم يقلها المعصوم ويزعمون أن هذا حقيقة التوحيد
ويتلون على ذلك قوله تعالى لا يسأل عما يفعل وقوله أفأمنوا مكر الله فلا
يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وقوله واعلموا أن الله يحول بين المرء
وقلبه ويقيمون إبليس حجة لهم على هذه المعرفة وأنه كان طاووس الملائكة
وأنه لم يترك في السماء رقعة ولا في الأرض بقعة إلا وله فيها سجدة أو ركعة
لكن جنى عليه جاني القدر وسطا عليه الحكم فقلب عينه الطيبة وجعلها أخبث
شيء حتى قال بعض عارفيهم إنك ينبغي أن تخاف الله كما تخاف الأسد الذي يثب
عليك بغير جرم منك ولا ذنب أتيته إليه ويحتجون بقول النبي إن أحدكم ليعمل
بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل
بعمل أهل النار فيدخلها ويروون عن بعض السلف أكبر الكبائر لا الله من مكر
الله والقنوط من رحمة
وذكر الإمام أحمد عن عون بن عبد الله أو غيره أنه سمع رجلا يدعو
الهم لا تؤمني مكرك فأنكر ذلك وقال قل اللهم لا تجعلني ممن يأمن مكرك
وبنوا ذلك على أصلهم الباطل وهو إنكار الحكمة والتعليل والأسباب وأن الله
لا يفعل لحكمة ولا سبب وإنما يفعل بمشيئة مجردة من الحكم والتعليل والسبب
فلا يفعل لشيء ولا بشيء وأنه لا يجوز عليه أن يعذب أهل طاعته أشد العذاب
وينعم أعداءه وأهل معصيته بجزيل الثواب وأن الأمرين بالنسبة إليه سواء ولا
يعلم امتناع ذلك إلا بخبر من الصادق أنه لا يفعله فحينئذ يعلم امتناعه
لوقوع الخبر بأنه لا يكون لا لأنه في نفسه باطل وظلم فإن الظلم في نفسه
مستحيل فإنه غير ممكن بل هو بمنزلة جعل الجسم الواحد في مكانين في آن واحد
والجمع بين الليل والنهار في ساعة واحدة وجعل الشيء موجودا ومعدوما معا في
آن واحد فهذا حقيقة الظلم عندهم فإذا رجع العامل إلى نفسه قال من لا يستقر
له أمر ولا يؤمن له مكر كيف يوثق بالتقرب إليه وكيف يعول على طاعنه واتباع
أوامره وليس لنا سوى هذه المدة اليسيرة فإذا هجرنا فيها اللذات وتركنا
الشهوات وتكلفتا أثقال العبادات وكنا مع ذلك على غير ثقة منه أن يقلب
علينا الإيمان كفرا والتوحيد شركا والطاعة معصية والبر فجورا ويديم علينا
العقوبات كنا خاسرين في الدنيا والآخرة فإذا استحكم هذا الاعتقاد في
قلوبهم وتخمر في نفوسهم صاروا إذا أمروا بالطاعات وهجر اللذات بمنزلة
إنسان جعل يقول لولده معلمك إن كتبت وأحسنت وتأدبت ولم تعصه ربما أقام لك
حجة وعاقبك وإن كسلت وبطلت وتعطلت وتركت ما أمرك به ربما قربك وأكرمك
فيودع بهذا القول قلب الصبي ما لا يثق بعده إلى وعيد المعلم على الإساءة
ولا وعده على الإحسان وان كبر الصبي وصلح للمعاملات والمناصب قال له هذا
سلطان بلدنا يأخذ اللص من الحبس فيجعله وزيرا أميرا ويأخذ الكيس المحسن
لشغله فيخلده الحبس ويقتله ويصلبه فإذا قال له ذلك أو حشه سلطانه وجعله
على غير ثقة من وعده ووعيده وأزال محبته من قلبه وجعله يخافه مخافة الظالم
الذي يأخذ المحسن بالعقوبة
والبريء بالعذاب فأفلس هذا المسكين من اعتقاد كون الأعمال نافعة
أو ضارة فلا بفعل الخير يستأنس ولا بفعل الشر يستوحش وهل في التنفير عن
الله وتبغيضه إلى عبادة أكثر من هذا ولو اجتهد الملاحدة على تبغيض الدين
والتنفير عن الله لما أتوا بأكثر من هذا وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر
التوحيد والقدر ويرد على أهل البدع وينصر الدين ولعمر الله العدو العاقل
أقل ضررا من الصديق الجاهل وكتب الله المنزلة كلها ورسله كلهم شهادة بضد
ذلك ولا سيما القرآن فلو سلك الدعاة المسلك الذي دعا الله ورسوله به الناس
إليه لصلح العالم صلاحا لا فساد معه فالله سبحانه أخبر وهو الصادق الوفي
أنه إنما يعامل الناس بكسبهم ويجازيهم بأعمالهم ولا يخاف المحسن ليده ظلما
ولا هضما ولا يخاف بخسا ولا رهقا ولا يضيع عمل محسن أبدا ولا يضيع على
العبد مثقال ذرة لا يظلمها وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما
وإن كان مثقال حبة من خردل جازاه بها ولا يضيعها عليه وأنه يجزي بالسيئة
مثلها ويحبطها بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات والمصائب ويجزي بالحسنة
عشر أمثالها ويضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وهو الذي أصلح
الفاسدين وأقبل بقلوب المعرضين وتاب على المذنبين وهدى الضالين وأنقذ
الهالكين وعلم الجاهلين وبصر المتحيزين وذكر الغافلين وآوى الشاردين وإذا
أوقع عقابا أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه ودعوة العبد إلى الرجوع إلى
إليه والإقرار بربوبيته وحقه مرة بعد مرة حتى إذا يأس من استجابته
والإقرار بربوبيته ووحدانيته أخذه ببعض كفره وعتوه وتمرده بحيث يعذر العبد
من نفسه ويعترف بأنه سبحانه لم يظلمه وأنه هو الظالم لنفسه كما قال تعالى
عن أهل النار فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير وقال عمن أهلكهم في
الدنيا أنهم لما رأوا آياته وأحسوا حصيدا بعذابه قالوا يا ويلنا إنا كنا
ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين وقال أصحاب الجنة
التي أفسدها عليهم لما رأوها
تواضعه ورحمته وكلما زيد في خوفه وحذره وكلما زيد في عمره نقص من حرصه
وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في
قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم
وعلامات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه زيد في كبره وتيهه وكلما زيد في
عمله زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه وكلما زيد في عمره زيد قي
حرصه وكلما زيد في ماله زيد في بخله وإمساكه وكلما زيد في قدره وجاهه زيد
في كبره وتيهه وهذه الأمور ابتلاء من الله وامتحان يبتلي بها عباده فيسعد
بها أقوام ويشفى بها أقوام وكذلك الكرامات امتحان وابتلاء كالملك والسلطان
والمال قال تعالى عن نبيه سليمان لما رأى عرش بلقيس عنده هذا من فضل ربي
ليبلوني أأشكر أم أكفر فالنعم ابتلاء من الله وامتحان يظهر بها شكر الشكور
وكفر الكفور كما أن المحن بلوى منه سبحانه فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي
بالمصائب قال تعالى فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول
ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا أي ليس
كل من وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك إكراما مني له ولا كل من ضيقت
عليه رزقه وابتليته يكون ذلك إهانة مني له
الاعتناء به
فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه فالأعمال والدرجات بنيان
وأساسها الإيمان ومتى كان الأساس وثيقا حمل البنيان واعتلى عليه وإذا تهدم
شيء من
البنيان سهل تداركه وإذا كان الأساس غير وثيق لم يرتفع البنيان
ولم يثبت وإذا تهدم شيء من الأساس سقط البنيان أو كاد فالعارف همته تصحيح
الأساس وإحكامه والجاهل يرفع في البناء عن غير أساس فلا يلبث بنيانه أن
يسقط قال تعالى أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس
بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم فالأساس لبناء الأعمال
كالقوة لبدن الإنسان فإذا كانت القوة قوية حملت البدن ودفعت عنه كثيرا من
الآفات وإذا كانت القوة ضعيفة ضعف حملها للبدن وكانت الآفات إليه أسرع شيء
فاحمل بنيانك على قوة أساس الإيمان فإذا تشعث شيء من أعالي البناء وسطحه
كان تداركه أسهل عليك من خراب الأساس وهذا الأساس أمران صحة المعرفة بالله
وأمره وأسمائه وصفاته والثاني تجريد الانقياد له ولرسوله دون ما سواه فهذا
أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه وبحسبه يعتلى البناء ما شاء فأحكم الأساس
واحفظ القوة ودم على الحمية واستفرغ إذا زاد بك الخلط والقصد القصد وقد
بلغت المراد وإلا فما دامت القوة ضعيفة والمادة الفاسدة موجودة والاستفراغ
معدوما
فاقر السلام على الحياة فإنها ... قد آذنتك بسرعة التوديع
فإذا كمل البناء فبيضه بحسن الخلق والإحسان إلى الناس ثم حظه بسور من
الحذر لا يقتحمه عدو ولا تبدو منه العورة ثم أرخ الستور على أبوابه ثم
اقفل الباب الأعظم بالسكوت عما تخشى عاقبته ثم ركب له مفتاحا من ذكر الله
به تفتحه وتغلقه فإن فتحت فتحت بالمفتاح وإن أغلقت الباب أغلقته به فتكون
حينئذ قد بنيت حصنا تحصنت فيه من أعدائك إذا طاف به العدو لم يجد منه
مدخلا فييأس منك ثم تعاهد بناء الحصن كل وقت فإن العدو إذا لم يطمع في
الدخول من الباب نقب عليك النقوب من بعيد بمعاول الذنوب فإن أهملت أمره
وصل إليك النقب فإذا العدو معك في داخل الحصن فيصعب عليك إخراجه وتكون معه
على
ثلاث خلال إما أن يغلبك على الحصن ويستولي عليه وإما أن يساكنك
فيه وإما أن يشغلك بمقابلته عن تمام مصلحتك وتعود إلى سد النقب ولم شعث
الحصن وإذا دخل نقبه إليك نالك منه ثلاث آفات إفساد الحصن والإغارة على
حواصله وذخائره ودلالة السراق من بني جنسه على عورته فلا يزال يبلي منه
بغارة حتى يضعفوا قواه ويوهنوا عزمه فيتخلى عن الحصن ويخلي بينهم وبينه
وهذه حال أكثر النفوس مع هذا العدو ولهذا تراهم يسخطون ربهم برضا أنفسهم
بل برضا مخلوق مثلهم لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ويضيعون كسب الدين بكسب
الأموال ويهلكون أنفسهم بما لا يبقى لهم ويحرصون على الدنيا وقد أدبرت
عنهم ويزهدون في الآخرة وقد هجمت عليهم ويخالفون ربهم باتباع أهوائهم
ويتكلون على الحياة ولا يذكرون الموت ويذكرون شهواتهم وحظوظهم وينسون ما
عهد الله إليهم ويهتمون بما ضمنه الله ولا يهتمون بما أمرهم به ويفرحون
بالدنيا ويحزنون على فوات حظهم منها ولا يحزنون على فوات الجنة وما فيها
ولا يفرحون بالإيمان فرحهم بالدرهم والدينار ويفسدون حقهم وهداهم بضلالهم
ومعروفهم بمنكرهم ويلبسوا إيمانهم بظنونهم ويخلطون حلالهم بحرامهم
ويترددون في حيرة آرائهم وأفكارهم ويتركون هدى الله الذي أهداه إليهم ومن
العجب أن هذا العدو يستعمل صاحب الحصن في هدم حصنه بيديه
فصل أركان الكفر أربعة الكبر والحسد والغضب والشهوة فالكبر يمنعه
الانقياد والحسد يمنعه قبول النصيحة وبذلها والغضب يمنعه العدل والشهوة
تمنعه التفرغ للعبادة فإذا انهدم ركن الكبر سهل عليه الانقياد وإذا انهدم
ركن الحسد سهل عليه قبول النصح وبذله وإذا انهدم ركن الغضب سهل عليه العدل
والتواضع وإذا انهدم ركن الشهوة سهل عليه الصبر والعفاف والعبادة وزوال
الجبال عن أماكنها
أيسر من زوال هذه الأربعة عمن بلى بها ولا سيما إذا صارت هيئات
راسخه وملكات وصفات ثابتة فإنه لا يستقيم له معها عمل البتة ولا تزكو نفسه
مع قيامها بها وكلما اجتهد في العمل أفسدته عليه هذه الأربعة وكل الآفات
متولدة منها وإذا استحكمت في القلب أرته الباطل في صورة الحق والحق في
صورة الباطل والمعروف في صورة المنكر والمنكر في صورة المعروف وقربت منه
الدنيا وبعدت منه الآخرة وإذا تأملت كفر الأمم رأيته ناشئا منها وعليها
يقع العذاب وتكون خفته وشدته بحسب خفتها وشدتها فمن فتحها على نفسه فتح
عليه أبواب الشرور كلها عاجلا وآجلا ومن أغلقها على نفسه أغلق عنه أبوب
الشرورفاتها تمنع الانقياد والإخلاص والتوبة والإنابة وقبول الحق ونصيحة
المسلمين والتواضع لله ولخلقه
ومنشأ هذه الأربعة من جهله بربه وجهله بنفسه فإنه لو عرف ربه بصفات الكمال
ونعوت الجلال وعرف نفسه بالنقائص والآفات لم يتكبر ولم يغضب لها ولم يحسد
أحدا على ما أتاه الله فإن الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله فإنه يكره
نعمة الله على عبده وقد أحبها الله وأحب زوالها عنه والله يكره ذلك فهو
مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته ولذلك كان إبليس عدوه حقيقة لأن
ذنبه كان عن كبر وحسد فقلع هاتين الصفتين بمعرفة الله وتوحيده والرضا به
وعنه والإنابة إليه وقلع الغضب بمعرفة النفس وأنها لا تستحق أن يغضب لها
وينتقم لها فإن ذلك إيثار لها بالرضا والغضب على خالقها وفاطرها وأعظم ما
تدفع به هذه الآفة أن يعودها أن تغضب له سبحانه وترضي له فكلما دخلها شيء
من الغضب والرضا له خرج منها مقابله من الغضب والرضا لها وكذا بالعكس
وأما الشهوة فدواؤها صحة العلم والمعرفة بأن إعطاءها شهواتها أعظم أسباب
حرمانها إياها ومنعها منها وحميتها أعظم أسباب اتصالها إليها فكلما فتحت
عليها باب الشهوات كنت ساعيا في حرمانها إياها وكلما أغلقت عنها ذلك الباب
كنت ساعيا في إيصالها إليها على أكمل الوجوه
فالغضب مثل السبع إذا أفلته صاحبه بدأ بأكله والشهوة مثل النار
إذا أضرمها صاحبها بدأت بإحراقه والكبر بمنزلة منازعة الملك ملكه فإن لم
يهلكك طردك عنه والحسد بمنزلة معاداة من هو أقدر منك والذي يغلب شهوته
وغضبه يفرق الشيطان من ظله ومن تغلبه شهوته وغضبه يفرق من خياله
فصل عظيم النفع
الجهال بالله وأسمائه وصفاته المعطلون لحقائقها يبغضون الله إلى خلقه
ويقطعون عليهم طريق محبته والتودد إليه بطاعته من حيث لا يعلمون ونحن نذكر
من ذلك أمثلة تحتذي عليها فمنها أنهم يقررون في نفوس الضعفاء أن الله
سبحانه لا تنفع معه طاعة وان طال زمانها وبالغ العبد وأتى بها ظاهره
وباطنه وأن العبد ليس على ثقة ولا أمن من مكره بل شأنه سبحانه أن يأخذ
المطيع المتقي من المحراب إلى الماخور ومن التوحيد والمسبحة إلى الشرك
والمزمار ويقلب قلبه من الإيمان الخالص إلى الكفر ويروون في ذلك آثار
صحيحة لم يفهموها وباطلة لم يقلها المعصوم ويزعمون أن هذا حقيقة التوحيد
ويتلون على ذلك قوله تعالى لا يسأل عما يفعل وقوله أفأمنوا مكر الله فلا
يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وقوله واعلموا أن الله يحول بين المرء
وقلبه ويقيمون إبليس حجة لهم على هذه المعرفة وأنه كان طاووس الملائكة
وأنه لم يترك في السماء رقعة ولا في الأرض بقعة إلا وله فيها سجدة أو ركعة
لكن جنى عليه جاني القدر وسطا عليه الحكم فقلب عينه الطيبة وجعلها أخبث
شيء حتى قال بعض عارفيهم إنك ينبغي أن تخاف الله كما تخاف الأسد الذي يثب
عليك بغير جرم منك ولا ذنب أتيته إليه ويحتجون بقول النبي إن أحدكم ليعمل
بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل
بعمل أهل النار فيدخلها ويروون عن بعض السلف أكبر الكبائر لا الله من مكر
الله والقنوط من رحمة
وذكر الإمام أحمد عن عون بن عبد الله أو غيره أنه سمع رجلا يدعو
الهم لا تؤمني مكرك فأنكر ذلك وقال قل اللهم لا تجعلني ممن يأمن مكرك
وبنوا ذلك على أصلهم الباطل وهو إنكار الحكمة والتعليل والأسباب وأن الله
لا يفعل لحكمة ولا سبب وإنما يفعل بمشيئة مجردة من الحكم والتعليل والسبب
فلا يفعل لشيء ولا بشيء وأنه لا يجوز عليه أن يعذب أهل طاعته أشد العذاب
وينعم أعداءه وأهل معصيته بجزيل الثواب وأن الأمرين بالنسبة إليه سواء ولا
يعلم امتناع ذلك إلا بخبر من الصادق أنه لا يفعله فحينئذ يعلم امتناعه
لوقوع الخبر بأنه لا يكون لا لأنه في نفسه باطل وظلم فإن الظلم في نفسه
مستحيل فإنه غير ممكن بل هو بمنزلة جعل الجسم الواحد في مكانين في آن واحد
والجمع بين الليل والنهار في ساعة واحدة وجعل الشيء موجودا ومعدوما معا في
آن واحد فهذا حقيقة الظلم عندهم فإذا رجع العامل إلى نفسه قال من لا يستقر
له أمر ولا يؤمن له مكر كيف يوثق بالتقرب إليه وكيف يعول على طاعنه واتباع
أوامره وليس لنا سوى هذه المدة اليسيرة فإذا هجرنا فيها اللذات وتركنا
الشهوات وتكلفتا أثقال العبادات وكنا مع ذلك على غير ثقة منه أن يقلب
علينا الإيمان كفرا والتوحيد شركا والطاعة معصية والبر فجورا ويديم علينا
العقوبات كنا خاسرين في الدنيا والآخرة فإذا استحكم هذا الاعتقاد في
قلوبهم وتخمر في نفوسهم صاروا إذا أمروا بالطاعات وهجر اللذات بمنزلة
إنسان جعل يقول لولده معلمك إن كتبت وأحسنت وتأدبت ولم تعصه ربما أقام لك
حجة وعاقبك وإن كسلت وبطلت وتعطلت وتركت ما أمرك به ربما قربك وأكرمك
فيودع بهذا القول قلب الصبي ما لا يثق بعده إلى وعيد المعلم على الإساءة
ولا وعده على الإحسان وان كبر الصبي وصلح للمعاملات والمناصب قال له هذا
سلطان بلدنا يأخذ اللص من الحبس فيجعله وزيرا أميرا ويأخذ الكيس المحسن
لشغله فيخلده الحبس ويقتله ويصلبه فإذا قال له ذلك أو حشه سلطانه وجعله
على غير ثقة من وعده ووعيده وأزال محبته من قلبه وجعله يخافه مخافة الظالم
الذي يأخذ المحسن بالعقوبة
والبريء بالعذاب فأفلس هذا المسكين من اعتقاد كون الأعمال نافعة
أو ضارة فلا بفعل الخير يستأنس ولا بفعل الشر يستوحش وهل في التنفير عن
الله وتبغيضه إلى عبادة أكثر من هذا ولو اجتهد الملاحدة على تبغيض الدين
والتنفير عن الله لما أتوا بأكثر من هذا وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر
التوحيد والقدر ويرد على أهل البدع وينصر الدين ولعمر الله العدو العاقل
أقل ضررا من الصديق الجاهل وكتب الله المنزلة كلها ورسله كلهم شهادة بضد
ذلك ولا سيما القرآن فلو سلك الدعاة المسلك الذي دعا الله ورسوله به الناس
إليه لصلح العالم صلاحا لا فساد معه فالله سبحانه أخبر وهو الصادق الوفي
أنه إنما يعامل الناس بكسبهم ويجازيهم بأعمالهم ولا يخاف المحسن ليده ظلما
ولا هضما ولا يخاف بخسا ولا رهقا ولا يضيع عمل محسن أبدا ولا يضيع على
العبد مثقال ذرة لا يظلمها وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما
وإن كان مثقال حبة من خردل جازاه بها ولا يضيعها عليه وأنه يجزي بالسيئة
مثلها ويحبطها بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات والمصائب ويجزي بالحسنة
عشر أمثالها ويضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وهو الذي أصلح
الفاسدين وأقبل بقلوب المعرضين وتاب على المذنبين وهدى الضالين وأنقذ
الهالكين وعلم الجاهلين وبصر المتحيزين وذكر الغافلين وآوى الشاردين وإذا
أوقع عقابا أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه ودعوة العبد إلى الرجوع إلى
إليه والإقرار بربوبيته وحقه مرة بعد مرة حتى إذا يأس من استجابته
والإقرار بربوبيته ووحدانيته أخذه ببعض كفره وعتوه وتمرده بحيث يعذر العبد
من نفسه ويعترف بأنه سبحانه لم يظلمه وأنه هو الظالم لنفسه كما قال تعالى
عن أهل النار فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير وقال عمن أهلكهم في
الدنيا أنهم لما رأوا آياته وأحسوا حصيدا بعذابه قالوا يا ويلنا إنا كنا
ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين وقال أصحاب الجنة
التي أفسدها عليهم لما رأوها
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين قال الحسن لقد دخلوا النار وأن
حمده لفي قلوبهم ما وجدوا عليه حجة ولا سبيلا ولهذا قال تعالى نقطع دابر
القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين فهذه الجملة في موضع الحال أي
قطع دابرهم حال كونه سبحانه محمودا على ذلك فقطع دابرهم قطعا مصاحبا لحمده
فهو قطع وإهلاك يحمد عليه الرب تعالى لكما حكمته وعدله ووضعه العقوبة في
موضعها الذي لا يليق به غيرها فوضعها في الموضع الذي يقول من علم الحال لا
تليق العقوبة إلا بهذا المحل ولا يليق به إلا العقوبة ولهذا قال عقيب
إخباره عن الحكم بين عباده ومصير أهل السعادة إلى الجنة وأهل الشقاء إلى
النار وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين فحذف فاعل القول
إشعارا بالعموم وأن الكون كله قال الحمد لله رب العالمين لما شاهدوا من
حكمه الحق وعدله وفضله ولهذا قال في حق أهل النار قيل ادخلوا أبواب جهنم
كأن الكون كله يقول ذلك حتى تقوله أعضاؤهم وأرواحهم وأرضهم وسماؤهم وهو
سبحانه بخبر أنه إذا هلك أعداءه أنجى أولياءه ولا يعمهم بالهلاك بمحض
المشيئة ولما سأله نوح نجاة ابنه أخبر أنه يغرقه بسوء عمله وكفره ولم يقل
إني أغرقه بمحض مشيئتي وإرادتي بلا سبب ولا ذنب وقد ضمن سبحانه زيادة
الهداية للمجاهدين في سبله ولم يخبر أنه يضلهم ويبطل سعيهم وكذلك ضمن
زيادة الهداية للمتقين الذين يتبعون رضوانه وأخبر أنه لا يضل إلا الفاسقين
الذين ينقضون عهده من بعد ميثاقه وأنه إنما يضل من آثر الضلال واختاره على
الهدى فيطبع حينئذ على سمعه وقلبه وأنه يقلب قلب من لم يرض بهداه إذا جاءه
ولم يؤمن به ودفعه ورده فيقلب فؤاده وبصره عقوبة له على رده ودفعه لما
تحققه وعرفه وأنه سبحانه لو علم في تلك المحال التي حكم عليها بالضلال
والشقاء خيرا لأفهمها وهداها ولكنها لا تصلح لنعمته ولا تليق بها كرامته
وقد أزاح سبحانه العلل وأقام الحجج ومكن من أسباب الهداية وأنه لا يضل إلا
الفاسقين والظالمين ولا يطبع
إلا على قلوب المعتدين ولا يركس في الفتنة إلا المنافقين بكسبهم
وأن الرين الذي غطى به قلوب الكفار وهو عين كسبهم وأعمالهم كما قال كلا بل
ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقال عن أعدائه من اليهود وقالوا قلوبنا
غلف بل طبع الله عليها بكفرهم وأخبر أنه لا يضل من هداه حتى يبن له ما
يتقي فيختار لشقوته وسوء طبيعته الضلال على الهدى والغي على الرشاد ويكون
مع نفسه وشيطانه وعدو ربه عليه
وأما المكر الذي وصف به نفسه فهو مجازاته للماكرين بأوليائه ورسله فيقابل
مكرهم السيء بمكره الحسن فيكون المكر منهم أقبح شيء ومنه أحسن شيءلأنه عدل
ومجازاة وكذلك المخادعة منه جزاء على مخادعة رسله أوليائه فلا أحسن من تلك
المخادعة والمكر وأما كون الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه
وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فإن هذا عمل أهل الجنة فيما يظهر للناس
ولو كان عملا صالحا مقبولا للجنة قد أحبه الله ورضيه لم يبطله عليه وقوله
لم يبق بينه وبينها إلا ذراع يشكل على هذا التأويل فيقال لما كان العمل
بآخره وخاتمته لم يصبر هذا العامل على عمله حتى يتم له بل كان فيه آفة
كامنة ونكتة خذل بها في آخر عمره فخانته تلك الآفة والداهية والباطنة في
وقت الحاجة فرجع إلى موجبها وعملت عملها ولو لم يكن هناك غش وآفة لم يقلب
الله إيمانه لقد أورده مع صدقه فيه وإخلاصه بغير سبب منه يقتضي إفساده
عليه والله يعلم من سائر العباد ما لا يعلمه بعضهم من بعض
وأما شأن إبليس فإن الله سبحانه قال للملائكة إني أعلم مالا تعلمون فالرب
تعالى كان يعلم ما في قلب إبليس من الكفر والكبر والحسد مالا يعلمه
الملائكة فلما أمروا بالسجود ظهر ما في قلوبهم من الطاعة والمحبة والخشية
والانقياد فبادروا إلى الامتثال وظهر ما في قلب عدوه من الكبر والغش
والحسد فأبى واستكبر وكان من الكافرين
وأما خوف أوليائه من مكره فحق فإنهم يخافون أن يخذلهم بذنوبهم
وخطاياهم فيصيرون إلى الشقاء فخوفهم من ذنوبهم ورجاؤهم لرحمته وقوله
أفأمنوا مكر الله إنما هو في حق الفجار والكفار ومعنى الآية فلا يعصي
ويأمن مقابلة الله له على مكر السيئات بمكره به إلا القوم الخاسرون والذي
يخافه العارفون بالله من مكره أن يؤخر عنهم عذاب الأفعال فيحصل منهم نوع
اغترار فيأنسوا بالذنوب فيجيئهم العذاب على غرة وفترة وأمر آخر وهو أن
يغفلوا عنه وينسوا ذكره فيتخلى عنهم إذا تخلوا عن ذكره وطاعته فيسرع إليهم
البلاء والفتنة فيكون مكره بهم تخليه عنهم وأمر آخر أن يعلم من ذنوبهم
وعيوبهم ما لا يعلمونه من نفوسهم فيأتيهم المكر من حيث لا يشعرون وأمر آخر
أن يمتحنهم ويبتليهم بما لا صبر لهم عليه فيفتنون به وذلك مكر
فصل السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها
والأنفاس ثمرها فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة ومن كانت في
معصية فثمرته حنظل وإنما يكون الجداد يوم المعاد فعند الجداد يتبين حلو
الثمار من مرها والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب فروعها الأعمال وثمرها
طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة وكما أن ثمار الجنة لا
مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك والشرك والكذب
والرياء شجرة في القلب ثمرها في لدنيا والخوف والهم والغم وضيق الصدر
وظلمة القلب وثمرها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم وقد ذكر الله هاتين
الشجرتين في سورة إبراهيم
أخذ
عهده بقوة وقبول
وعزم على تنفيذ ما فيه صلح للمراتب والمناصب التي يصلح لها
الموفون بعهودهم فإذا هز نفسه عند أخذ العهد وانتحاها وقال قد أهلت لعهد
ربي فمن أولى بقبوله وفهمه وتنفيذه مني فحرص أولا على فهم عهده وتدبره
وتعرفه وصايا سيده له ثم وطن نفسه على امتثال ما في عهده والعمل به
وتنفيذه حسبما تضمنه عهده فأبصر بقلبه حقيقة العهد وما تضمنه فاستحدث همة
أخرى وعزيمة غير العزيمة التي كان فيها وقت الصبا قبل وصول العهد فاستقال
من ظلمة غرة الصبا والانقياد للعادة والمنشأ وصبر على شرف الهمة وهتك ستر
الظلمة إلى نور اليقين فأدرك بقدر صبره وصدق اجتهاده ما وهبه الله له من
فضله فأول مراتب سعادته أن تكون له أذن واعية وقلب يعقل ما تعيه الأذن
فإذا سمع وعقل واستبانت له الجادة ورأى عليها تلك الأعلام ورأى أكثر الناس
منحرفين عنها يمينا وشمالا فلزمها ولم ينحرف مع المنحرفين الذين كان سبب
انحرافهم عدم قبول العهد أو قبلوه بكره ولم يأخذوه بقوة ولا عزيمة ولا
حدثوا أنفسهم بفهمه وتدبره والعمل بما فيه وتنفيذ وصاياه بل عرض غيهم
العهد ومعهم ضراوة الصبا ودين العادة وما ألفوا عليه الآباء والأمهات
فتلقوا العهد تلقي من هو مكتف بما وجد عليه آباءه وسلفه وعادتهم لا تكفي
من يجمع همه وقلبه على فهم العهد والعمل به حتى كأن ذلك العهد أتاه وحده
وقيل له تأمل ما فيه ثم اعمل بموجبه فإذا لم يتلق عهده هذا التلقي اخلد
إلى سير القرابة وما استمرت عليه عادة أهله وأصحابه وجيرانه وأهل بلده فإن
علت همته أخلد إلى ما عليه سلفه ومن تقدمه من غير التفات إلى تدبر العهد
وفهمه فرضى لنفسه أن يكون دينه دين العادة فإذا شامة الشيطان ورأى هذا
مبلغ همته وعزيمته رماه بالعصبية والحمية للآباء وسلفه وزين له أن هذا هو
الحق وما خالفه باطل ومثل له الهدى في صورة الضلال والضلال في صورة الهدى
بتلك العصبية والحمية التي أسست على غير علم فرضاه أن يكون مع عشيرته
وقومه له ما لهم وعليه ما عليهم فخذل عن الهدى وولاه الله ما تولى فلو
جاءه كل هدى يخالف قومه وعشيرته لم يره
إلا ضلالة وإذا كانت همته أعلى من ذلك ونفسه أشرف وقدره أعلى
أقبل على حفظ عهده وفهمه وتدبره وعلم أن لصاحب العهد شأنا ليس كشأن غيره
فأخذ نفسه بمعرفته من نفس العهد فوجده قد تعرف إليه وعرفه نفسه وصفاته
وأسماءه وأفعاله وأحكامه فعرف من ذلك العهد قيوما بنفسه مقيما لغيره غنيا
عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه مستو على عرشه فوق جميع خلقه يرى
ويسمع ويرضي ويغضب ويحب ويبغض ويدبر أمر مملكته وهو فوق عرشه متكلم آمر
ناه يرسل رسله إلى أقطار مملكته بكلامه الذي يسمعه من يشاء من خلقه وأنه
قائم بالقسط مجاز بالإحسان والإساءة وأنه حليم غفور شكور جواد محسن موصوف
بكل كمال منزه عن كل عيب ونقص وأنه لا مثل له ويشهد حكمته في تدبير مملكته
وكيف يقدر مقاديره بمشيئة غير مضادة لعدله وحكمته وتظاهر عنده العقل
والشرع والفطرة فصدق كل منهما صاحبيه وفهم عن الله سبحانه ما وصف به نفسه
في كتابه من حقائق أسمائه التي بها نزل الكتاب وبها نطق ولها أثبت وحقق
وبها تعرف إلا عبادة حتى أقرت به العقول وشهدت به الفطر فإذا عرف بقلبه
وتيقن صفات صاحب العهد وأشرقت أنوارها على قلبه فصارت له كالمعاينة فرأى
حينئذ تعلقها بالخلق والأمر وارتباطهما بها وسريان آثارهما في العالم
الحسي والعالم الروحي ورأى تصرفها في الخلائق كيف عمت وخصت وقربت وأبعدت
وأعطت ومنعت فشاهد بقلبه مواقع عدله سبحانه وقسطه وفضله ورحمته واجتمع له
الإيمان بلزوم حجته مع نفوذ أقضيته وكمال قدرته مع كمال عدله وحكمته
ونهاية علوه على جميع خلقه مع إحاطته ومعيته وعظمته وجلاله وكبريائه وبطشه
وانتقامه مع رحمته وبره ولطفه وجوده وعفوه وحلمه ورأى لزوم الحجة مع قهر
المقادير التي لا خروج لمخلوق عنها وكيف اصطحاب الصفات وتوافقها وشهادة
بعضها لبعض وانعطاف الحكمة التي هي نهاية وغاية على المقادير التي هي أول
وبداية ورجوع فروعها إلى أصولها ومبادئها إلى
غاياتها حتى كأنه مشاهد مباديء الحكمة وتأسيس القضايا على وفق
الحكمة والعدل والمصلحة والرحمة والإحسان لا تخرج قضية عن ذلك إلى انقضاء
الأكوان وانفصال الأحكام يوم الفصل بين العباد وظهور عدله وحكمته وصدق
رسله وما أخبرت به عنه لجميع الخليقة إنسها وجنها مؤمنها وكافرها وحينئذ
يتبين من صفات جلاله ونعوت كماله للخلق ما لم يكونوا يعرفونه قبل ذلك حتى
أن أعرف خلقه به في الدنيا يثني عليه يومئذ من صفات كماله ونعوت جلاله ما
لم يكن يحسنه في الدنيا وكما يظهر ذلك لخلقه تظهر لهم الأسباب التي بها
زاغ الزائغون وضل الضالون وانقطع المنقطعون فيكون الفرق بين العلم يومئذ
بحقائق الأسماء والصفات العلم بها في الدنيا كالفرق بين العلم بالجنة
والنار ومشاهدتهما وأعظم من ذلك وكذلك يفهم من العبد كيف اقتضت أسماؤه
وصفاته لوجود النبوة والشرائع وأن لا يترك خلقه سدى وكيف اقتضت ما تضمنته
من الأوامر والنواهي وكيف اقتضت وقوع الثواب والعقاب والمعاد وأن ذلك من
موجبات أسمائه وصفاته بحيث ينزه عما زعم أعداؤه من إنكار ذلك ويرى شمول
القدرة وإحاطتها بجميع الكائنات حتى لا يشذ عنها مثقال ذرة ويرى أنه لو
كان معه إله آخر لفسد هذا العالم فكانت تفسد السماوات والأرض ومن فيهن
وأنه سبحانه لو جاز عليه النوم أو الموت لتدكدك هذا العالم بأسره ولم يثبت
طرفة عين ويرى ذلك الإسلام والإيمان اللذين تعبد الله بهما جميع عباده كيف
انبعاثهما من الصفات المقدسة وكيف اقتضيا الثواب والعقاب عاجلا وآجلا ويرى
مع ذلك أنه لا يستقيم قبول هذا العهد والتزامه لمن جحد صفاته وأنكر علوه
على خلقه وتكلمه بكتبه وعهوده كما لا يستقيم قبوله لمن أنكر حقيقة سمعه
وبصره وحياته وإرادته وقوته وأن هؤلاء هم الذين ردوا عهده وأبوا قبوله وأن
من قبلهم منهم لم يقبله بجميع ما فيه وبالله التوفيق
فصل خلق بدن ابن آدم من الأرض وروحه من ملكوت السماء وقرن بينهما
فإذا أجاع بدنه وأسهره وأقامه في الخدمة وجدت روحه خفة وراحة فتاقت إلى
الموضع الذي خلقت منه واشتاقت إلى عالمها العلوي وإذا أشبعه ونعمه ونومه
واشتغل بخدمته وراحته أخلد البدن إلى الموضع الذي خلق منه فانجذبت الروح
معه فصارت في السجن فلولا أنها ألفت السجن لاستغاثت من ألم وفارقتها
وانقطاعها عن عالمها الذي خلقت منه كما يستغيث المعذب
وبالجملة فكما خف البدن لطفت الروح وخفت وطلبت عالمها العلوي وكلما ثقل
وأخلد إلى الشهوات والراحة ثقلت الروح وهبطت من عالمها وصارت أرضية سفلية
فترى الرجل روحه في الرفيق الأعلى وبدنه عندك فيكون نائما على فراشه وروحه
عند سدرة المنتهى تجول حول العرش وآخر واقف في الخدمة ببدنه وروحه في
السفل تجول حول السفليات فإذا فارقت الروح البدن التحقت برفيقها الأعلى أو
الأدنى فعند الرفيق الأعلى كل قرة عين وكل نعيم وسرور وبهجة ولذة وحياة
طيبة وعند الرفيق الأسفل كل هم وغم وضيق وحزن وحياة نكدة ومعيشة ضنك قال
تعالى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا فذكره كلامه الذي أنزله على
رسوله والإعراض عنه ترك تدبره والعمل به والمعيشة الضنك فأكثر ما جاء في
التفسير أنها عذاب القبر قاله ابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وابن
عباس وفيه حديث مرفوع وأصل الضنك في اللغة الضيق والشدة وكل ما ضاق فهو
ضنك يقال منزل ضنك وعيش الضنك فهذه المعيشة الضنك في مقابلة التوسيع على
النفس والبدن بالشهوات واللذات والراحة فإن النفس كلما وسعت عليها ضيقت
على القلب حتى تصير معيشة ضنكا وكلما ضيقت عليها وسعت على القلب حتى ينشرح
وينفسخ فضنك المعيشة في
الدنيا بموجب التقوى سعتها في البرزخ والآخرة وسعة المعيشة في
الدنيا بحكم الهوى ضنكها في البرزخ والآخرة فآثر أحسن المعيشتين وأطيبهما
وأدومهما وأشق البدن بنعيم الروح ولا تشق الروح بنعيم البدن فإن نعيم
الروح وشقاءها أعظم وأدوم ونعيم البدن وشقاؤه أقصر وأهون والله المستعان
العارف لا يأمر الناس بترك الدنيا فإنهم لا يقدرون على تركها ولكن يأمرهم
بترك الذنوب مع إقامتهم على دنياهم فترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة
فكيف يؤمر بالفضيلة من لم يقم الفريضة فإن صعب عليهم ترك الذنوب فاجتهد أن
تحبب الله إليهم بذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وصفات كماله ونعوت جلاله فإن
القلوب مفطورة على محبته فإذا تعلقت بحبه هان عليها ترك الذنوب والاستقلال
منها والإصرار عليها وقد قال يحيى بن معاذ طلب العاقل للدنيا خير من ترك
الجاهل لها العارف يدعو الناس إلى الله من دنياهم فتسهل عليهم الإجابة
والزاهد يدعوهم إلى الله بترك الدنيا فتشق عليهم الإجابة فإن الفطام عن
الثدي الذي ما عقل الإنسان نفسه إلا وهو يرتضع منه شديد ولكن بخير من
المرضعات أزكاهن وأفضلهن فإن للبن تأثيرا في طبيعة المرتضع ورضاع المرأة
الحمقى يعود بحمق الولد وأنفع الرضاعة ما كان من المجاعة فإن قويت على
مرارة الفطام وإلا فارتضع بقدر فإن من البشم ما يقتل
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل بين رعاية الحقوق مع الضر ورعايتها مع العافية بون بعيد أن
عبدي
كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة
فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ليس العجب من صحيح فارغ واقف مع
الخدمة إنما العجب من ضعيف سقيم تعتوره الأشغال وتختلف عليه الأحوال وقلبه
واقف في الخدمة غير متخلف بما يقدر عليه
فصل معرفة الله سبحانه نوعان معرفة إقرار وهي التي اشترك فيها
الناس
البر والفاجر والمطيع والعاصي والثاني معرفة توجب الحياء منه والمحبة له
وتعلق القلب به والشوق إلى لقائه وخشيته والإنابة إليه والأنس به والفرار
من الخلق إليه وهذه هي المعرفة الخالصة الجارية على لسن القوم وتفاوتهم
فيهالا يحصيه إلا الذي عرفهم بنفسه وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن
سواهم وكل أشار إلى هذه المعرفة بحسب مقامه وما كشف له منها وقد قال اعرف
الخلق به لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وأخبر أنه سبحانه يفتح
عليه يوم القيامة من محامدة بما لا يحسنه الآن
ولهذه المعرفة بابان واسعان باب التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها
والفهم الخاص عن الله ورسوله والباب الثاني التفكر في آياته المشهودة
وتأمل حكمته فيها وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامه بالقسط على خلقه
وجماع ذلك الفقه في معاني أسمائه الحسنى وجلالها وكمالها وتفرده بذلك
وتعلقها بالخلق والأمر فيكون فقيها في أوامره ونواهيه فقيها في قضائه
وقدره فقيها في أسمائه وصفاته فقيها في الحكم الديني الشرعي والحكم الكوني
القدري وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
فصل الدراهم أربعة دراهم اكتسب بطاعة الله وأخرج في حق الله
فذاك خير
الدراهم ودرهم اكتسب بمعصية الله وأخرج في معصية الله فذاك شر الدراهم
ودرهم اكتسب بأذى مسلم وأخرج في أذى مسلم فهو كذلك ودرهم اكتسب بمباح
وأنفق في شهوة مباحة فذاك لا له ولا عليه هذه أصول الدراهم ويتفرع
عليها داهم أخر منها درهم اكتسب بحق وأنفق في باطل ودرهم اكتسب
بباطل وأنفق في حق فإنفاقه كفارته ودرهم اكتسب من شبهة فكفارته أن ينفق في
طاعة وكما يتعلق الثواب والعقاب والمدح والذم بإخراج الدرهم فكذلك يتعلق
باكتسابه وكذلك يسأل عنه مستخرجه ومصروفه من أين اكتسبه وفيما أنفقه
فصل المواساة للمؤمن أنواع مواساة بالمال ومواساة الجاه ومواساة
بالبدن والخدمة ومواساة بالنصيحة والإرشاد ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم
ومواساة بالتوجع لهم على قدر الإيمان تكون هذه المواساة فكلما ضعف الإيمان
ضعفت المواساة وكلما قوي قويت وكان رسول الله أعظم الناس مواساة لأصحابه
بذلك كله فلأتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له ودخلوا على بشر الحافي في
يوم شديد البرد وقد تجرد وهو ينتفض فقالوا ما هذا يا أبا نصر فقال ذكرت
الفقراء وبردهم وليس لي ما أواسيهم به فأحببت أن أواسيهم في بردهم
فصل الجهل بالطريق وآفاتها والمقصود يوجب التعب الكثير مع
الفائدة
القليلة فإن صاحبه إما أن يجتهد في نافلة مع إضاعة الفرض أو في عمل
بالجوارح لم يواطئه عمل القلب أو عمل بالباطن والظاهر لم يتقيد بالإقتداء
أو همة إلى عمل لم ترق بصاحبها إلى ملاحظة المقصود أو عمل لم يتحرز من
آفاته المفسدة له حال العمل وبعده أو عمل غفل فيه عن مشاهدة المنة فلم
يتجرد عن مشاركة النفس فيه أو عمل لم يشهد تقصيره فيه فيقوم بعده في مقام
الاعتذار منه أو عمل لم يوفه حقه من النصح والإحسان وهو يظن أنه وفاه فهذا
كله مما ينقص الثمرة مع كثرة التعب والله الموفق
فصل إذا عزم العبد على السفر إلى الله تعالى وإرادته عرضت له
الخوادع
والقواطع فينخدع أولا بالشهوات والرياسات والملاذ والمناكح والملابس فإن
وقف معها انقطع وإن رفضها ولم يقف معها وصدق في طلبه ابتلي بوطء عقبه
وتقبيل يده والتوسعة له في المجلس والإشارة إليه بالدعاء ورجاء بركته ونحو
ذلك فإن وقف معه وانقطع به عن الله وكان حظه منه وإن قطعه ولم يقف معه
ابتلى بالكرامات والكشوفات فإن وقف معها انقطع بها عن الله وكانت حظه إن
لم يقف معها ابتلى بالتجريد والتخلي ولذة الجمعية وعزة الوحدة والفراغ من
الدنيا فإن وقف مع ذلك انقطع المقصود وإن لم يقف معه وسار ناظرا إلى مراد
الله منه وما يحبه منه بحيث يكون عبده الموقوف على محابه ومراضيه أين كانت
وكيف كانت تعب بها أو استراح تنعم أو تألم أخرجته إلى الناس أو عزلته عنهم
لا يختار لنفسه غير ما يختاره له وليه وسيده واقف مع أمره ينفذه بحسب
الإمكان ونفسه عنده أهون عليه أن يقدم راحتها ولذتها على مرضاة سيده وأمره
فهذا هو العبد الذي قد وصل ونفذ ولم يقطعه عن سيده شيء وبالله التوفيق
فصل النعم ثلاثة نعمة حاصلة يعلم بها العبد ونعمة منتظرة يرجوها
ونعمة
وهو فيها لا يشعر بها فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرفة نعمته
الحاضرة وأعطاه من شكره قيدا به حتى لا تشرد فإنها تشرد بالمعصية وتقيد
بالشكر ورفقة لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة وبصره بالطرق التي تسدها
وتقطع طريقها ورفقة لاجتنابها وإذا بها قد وافت إليه على أتم الوجوه وعرفه
النعم التي
هو فيها فلا يشعر بها ويحكي أن أعرابيا دخل على الرشيد فقال
أمير المؤمنين ثبت الله عليك النعم التي أنت فيها بإدامة شكرها وحقق لك
النعم التي ترجوها بحسن الظن به ودوام طاعته وعرفك النعم التي أنت فيها
ولا تعرفها لتشكرها فأعجبه ذلك منه وقال ما أحسن تقسيمه
قاعدة جليلة مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار
فإنها
توجب التصورات والتصورات تدعو إلى الإيرادات والإيرادات تقتضي وقوع الفعل
وكثرة تكراره تعطي العدة فصلح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار وفسادها
بفسادها فصلاح الخواطر بأن تكون مراقبة لوليها وألهها صاعدة إليه دائرة
على مرضاته ومحابه فإنه سبحانه به كل صلاح ومن عنده كل هدى ومن توفيقه كل
رشد ومن توليه لعبده كل حفظ ومن توليه وإعراضه عنه كل ضلال وشقاء فيضفر
العبد بكل خير وهدى ورشد بقدر إثبات عين فكرته في آلائه ونعمه وتوحيده
وطرق معرفته وطرق عبوديته وإنزاله إياه حاضرا معه مشاهدا له ناظرا إليه
رقيبا عليه مطلعا على خواطره وإرادته وهمه فحينئذ يستحي منه ويجله أن
يطلعه منه على عورة يكره أن يطلع عليها مخلوق مثله أو يرى نفسه خاطرا
يمقته عليه
فمتى أنزل ربه هذه المنزلة منه رفعه وقربه منه وأكرمه واجتباه وولاه وبقدر
ذلك يبعد عن الأوساخ والدناآت والخواطر الرديئة والأفكار الدنيئة كما أنه
بعد منه واعرض عنه وقرب من الأوساخ والدناآت والأقذار ويقطع عن جميع
الكمالات ويتصل بجميع النقائص فالإنسان خير المخلوقات إذا تقرب من بارئه
والتزم أوامره ونواهيه وعمل بمرضاته وآثره على هواه
وشر المخلوقات إذا تباعد عنه ولم يتحرك قلبه لقربه وطاعته
وابتغاء مرضاته فمتى اختار التقرب إليه وآثره على نفسه وهواه فقد حكم قلبه
عقله وإيمانه على نفسه وشيطانه وحكم رشده على غيه وهداه على هواه ومتى
اختار التباعد منه فقد حكم نفسه وهواه وشيطانه على عقله وقلبه ورشده
وأعلم أن الخاطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها إلى الفكر فيأخذها الفكر
فيؤديها إلى التذكر فيأخذها الذكر فيؤديها إلى الإرادة فتأخذها الإرادة
فتؤديها إلى الجوارح والعمل فتستحكم فتصير عادة فردها من مبادئها أسهل من
قطعها بعد قوتها وتمامها ومعلوم أنه لم يعط الإنسان إماتة الخواطر ولا
القوة على قطعها فإنها تهجم عليه هجوم النفس إلا أن قوة الإيمان والعقل
تعينه على قبول أحسنها ورضاه به ومساكنته له وعلى رفع أقبحها وكراهته له
نفرته منه كما قال الصحابة يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه ما لأن
يحترق حتى يصير حممة أحب إليه من أن يتكلم به فقال أو قد وجدتموه قالوا
نعم قال ذاك صريح الإيمان وفي لفظ الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة
وفيه قولان أحدهما أن رده وكراهيته صريح الإيمان والثاني أن وجوده وإلقاء
الشيطان له في النفس صريح الإيمان فإنه إنما ألقاه في النفس طلبا لمعارضة
الإيمان و إزالته به وقد خلق الله سبحانه النفس شبيهة بالرحا الدائرة التي
لا تسكن ولا بد لها من شيء تطحنه فإن وضع فيها حب طحنته وإن وضع فيها تراب
أو حصا طحنته فلأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي
يوضع في الرحا ولا تبقى تلك الرحا معطلة قط بل لا بد لها من شيء يوضع فيها
فمن الناس من تطحن رحاه حبا يخرج دقيقا ينفع به نفسه وغيره وأكثرهم يطحن
رملا وحصا وتبنا ونحو ذلك فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه
عبدي
كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة
فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ليس العجب من صحيح فارغ واقف مع
الخدمة إنما العجب من ضعيف سقيم تعتوره الأشغال وتختلف عليه الأحوال وقلبه
واقف في الخدمة غير متخلف بما يقدر عليه
الناس
البر والفاجر والمطيع والعاصي والثاني معرفة توجب الحياء منه والمحبة له
وتعلق القلب به والشوق إلى لقائه وخشيته والإنابة إليه والأنس به والفرار
من الخلق إليه وهذه هي المعرفة الخالصة الجارية على لسن القوم وتفاوتهم
فيهالا يحصيه إلا الذي عرفهم بنفسه وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن
سواهم وكل أشار إلى هذه المعرفة بحسب مقامه وما كشف له منها وقد قال اعرف
الخلق به لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وأخبر أنه سبحانه يفتح
عليه يوم القيامة من محامدة بما لا يحسنه الآن
ولهذه المعرفة بابان واسعان باب التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها
والفهم الخاص عن الله ورسوله والباب الثاني التفكر في آياته المشهودة
وتأمل حكمته فيها وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامه بالقسط على خلقه
وجماع ذلك الفقه في معاني أسمائه الحسنى وجلالها وكمالها وتفرده بذلك
وتعلقها بالخلق والأمر فيكون فقيها في أوامره ونواهيه فقيها في قضائه
وقدره فقيها في أسمائه وصفاته فقيها في الحكم الديني الشرعي والحكم الكوني
القدري وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
فذاك خير
الدراهم ودرهم اكتسب بمعصية الله وأخرج في معصية الله فذاك شر الدراهم
ودرهم اكتسب بأذى مسلم وأخرج في أذى مسلم فهو كذلك ودرهم اكتسب بمباح
وأنفق في شهوة مباحة فذاك لا له ولا عليه هذه أصول الدراهم ويتفرع
عليها داهم أخر منها درهم اكتسب بحق وأنفق في باطل ودرهم اكتسب
بباطل وأنفق في حق فإنفاقه كفارته ودرهم اكتسب من شبهة فكفارته أن ينفق في
طاعة وكما يتعلق الثواب والعقاب والمدح والذم بإخراج الدرهم فكذلك يتعلق
باكتسابه وكذلك يسأل عنه مستخرجه ومصروفه من أين اكتسبه وفيما أنفقه
فصل المواساة للمؤمن أنواع مواساة بالمال ومواساة الجاه ومواساة
بالبدن والخدمة ومواساة بالنصيحة والإرشاد ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم
ومواساة بالتوجع لهم على قدر الإيمان تكون هذه المواساة فكلما ضعف الإيمان
ضعفت المواساة وكلما قوي قويت وكان رسول الله أعظم الناس مواساة لأصحابه
بذلك كله فلأتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له ودخلوا على بشر الحافي في
يوم شديد البرد وقد تجرد وهو ينتفض فقالوا ما هذا يا أبا نصر فقال ذكرت
الفقراء وبردهم وليس لي ما أواسيهم به فأحببت أن أواسيهم في بردهم
الفائدة
القليلة فإن صاحبه إما أن يجتهد في نافلة مع إضاعة الفرض أو في عمل
بالجوارح لم يواطئه عمل القلب أو عمل بالباطن والظاهر لم يتقيد بالإقتداء
أو همة إلى عمل لم ترق بصاحبها إلى ملاحظة المقصود أو عمل لم يتحرز من
آفاته المفسدة له حال العمل وبعده أو عمل غفل فيه عن مشاهدة المنة فلم
يتجرد عن مشاركة النفس فيه أو عمل لم يشهد تقصيره فيه فيقوم بعده في مقام
الاعتذار منه أو عمل لم يوفه حقه من النصح والإحسان وهو يظن أنه وفاه فهذا
كله مما ينقص الثمرة مع كثرة التعب والله الموفق
الخوادع
والقواطع فينخدع أولا بالشهوات والرياسات والملاذ والمناكح والملابس فإن
وقف معها انقطع وإن رفضها ولم يقف معها وصدق في طلبه ابتلي بوطء عقبه
وتقبيل يده والتوسعة له في المجلس والإشارة إليه بالدعاء ورجاء بركته ونحو
ذلك فإن وقف معه وانقطع به عن الله وكان حظه منه وإن قطعه ولم يقف معه
ابتلى بالكرامات والكشوفات فإن وقف معها انقطع بها عن الله وكانت حظه إن
لم يقف معها ابتلى بالتجريد والتخلي ولذة الجمعية وعزة الوحدة والفراغ من
الدنيا فإن وقف مع ذلك انقطع المقصود وإن لم يقف معه وسار ناظرا إلى مراد
الله منه وما يحبه منه بحيث يكون عبده الموقوف على محابه ومراضيه أين كانت
وكيف كانت تعب بها أو استراح تنعم أو تألم أخرجته إلى الناس أو عزلته عنهم
لا يختار لنفسه غير ما يختاره له وليه وسيده واقف مع أمره ينفذه بحسب
الإمكان ونفسه عنده أهون عليه أن يقدم راحتها ولذتها على مرضاة سيده وأمره
فهذا هو العبد الذي قد وصل ونفذ ولم يقطعه عن سيده شيء وبالله التوفيق
ونعمة
وهو فيها لا يشعر بها فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرفة نعمته
الحاضرة وأعطاه من شكره قيدا به حتى لا تشرد فإنها تشرد بالمعصية وتقيد
بالشكر ورفقة لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة وبصره بالطرق التي تسدها
وتقطع طريقها ورفقة لاجتنابها وإذا بها قد وافت إليه على أتم الوجوه وعرفه
النعم التي
هو فيها فلا يشعر بها ويحكي أن أعرابيا دخل على الرشيد فقال
أمير المؤمنين ثبت الله عليك النعم التي أنت فيها بإدامة شكرها وحقق لك
النعم التي ترجوها بحسن الظن به ودوام طاعته وعرفك النعم التي أنت فيها
ولا تعرفها لتشكرها فأعجبه ذلك منه وقال ما أحسن تقسيمه
قاعدة جليلة مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار
فإنها
توجب التصورات والتصورات تدعو إلى الإيرادات والإيرادات تقتضي وقوع الفعل
وكثرة تكراره تعطي العدة فصلح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار وفسادها
بفسادها فصلاح الخواطر بأن تكون مراقبة لوليها وألهها صاعدة إليه دائرة
على مرضاته ومحابه فإنه سبحانه به كل صلاح ومن عنده كل هدى ومن توفيقه كل
رشد ومن توليه لعبده كل حفظ ومن توليه وإعراضه عنه كل ضلال وشقاء فيضفر
العبد بكل خير وهدى ورشد بقدر إثبات عين فكرته في آلائه ونعمه وتوحيده
وطرق معرفته وطرق عبوديته وإنزاله إياه حاضرا معه مشاهدا له ناظرا إليه
رقيبا عليه مطلعا على خواطره وإرادته وهمه فحينئذ يستحي منه ويجله أن
يطلعه منه على عورة يكره أن يطلع عليها مخلوق مثله أو يرى نفسه خاطرا
يمقته عليه
فمتى أنزل ربه هذه المنزلة منه رفعه وقربه منه وأكرمه واجتباه وولاه وبقدر
ذلك يبعد عن الأوساخ والدناآت والخواطر الرديئة والأفكار الدنيئة كما أنه
بعد منه واعرض عنه وقرب من الأوساخ والدناآت والأقذار ويقطع عن جميع
الكمالات ويتصل بجميع النقائص فالإنسان خير المخلوقات إذا تقرب من بارئه
والتزم أوامره ونواهيه وعمل بمرضاته وآثره على هواه
وشر المخلوقات إذا تباعد عنه ولم يتحرك قلبه لقربه وطاعته
وابتغاء مرضاته فمتى اختار التقرب إليه وآثره على نفسه وهواه فقد حكم قلبه
عقله وإيمانه على نفسه وشيطانه وحكم رشده على غيه وهداه على هواه ومتى
اختار التباعد منه فقد حكم نفسه وهواه وشيطانه على عقله وقلبه ورشده
وأعلم أن الخاطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها إلى الفكر فيأخذها الفكر
فيؤديها إلى التذكر فيأخذها الذكر فيؤديها إلى الإرادة فتأخذها الإرادة
فتؤديها إلى الجوارح والعمل فتستحكم فتصير عادة فردها من مبادئها أسهل من
قطعها بعد قوتها وتمامها ومعلوم أنه لم يعط الإنسان إماتة الخواطر ولا
القوة على قطعها فإنها تهجم عليه هجوم النفس إلا أن قوة الإيمان والعقل
تعينه على قبول أحسنها ورضاه به ومساكنته له وعلى رفع أقبحها وكراهته له
نفرته منه كما قال الصحابة يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه ما لأن
يحترق حتى يصير حممة أحب إليه من أن يتكلم به فقال أو قد وجدتموه قالوا
نعم قال ذاك صريح الإيمان وفي لفظ الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة
وفيه قولان أحدهما أن رده وكراهيته صريح الإيمان والثاني أن وجوده وإلقاء
الشيطان له في النفس صريح الإيمان فإنه إنما ألقاه في النفس طلبا لمعارضة
الإيمان و إزالته به وقد خلق الله سبحانه النفس شبيهة بالرحا الدائرة التي
لا تسكن ولا بد لها من شيء تطحنه فإن وضع فيها حب طحنته وإن وضع فيها تراب
أو حصا طحنته فلأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي
يوضع في الرحا ولا تبقى تلك الرحا معطلة قط بل لا بد لها من شيء يوضع فيها
فمن الناس من تطحن رحاه حبا يخرج دقيقا ينفع به نفسه وغيره وأكثرهم يطحن
رملا وحصا وتبنا ونحو ذلك فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينه
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى