لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب الحسنه والسيئه الجزءالثالث Empty كتاب الحسنه والسيئه الجزءالثالث {الإثنين 6 يونيو - 19:53}

وإما أن يكفر عنه بمصائب تصيبه ضراء فيصبر عليها فيكفر عنه السيئات بتلك
المصائب وبالصبر عليها ترتفع درجاته
وقد جاء في بعض الأحاديث يقول الله تعالى أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري
أهل زيارتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي إن
تابوا فأنا حبيبهم أي محبهم فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وإن لم
يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأكفر عنهم المعائب & ما في
قوله تعالى { فمن نفسك } من الفوائد &

ولهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة { اهدنا الصراط
المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فإنه
إذا هداه هذا الصراط أعانه على طاعته وترك معصيته فلم يصبه شر لا في
الدنيا ولا في الآخرة
لكن الذنوب هي من لوازم نفس الإنسان وهو محتاج إلى الهدى في كل لحظة وهو
إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب
ليس كما يقوله طائفة من المفسرين إنه قد هداه فلماذا يسأل الهدى
وإن المراد بسؤال المهدي الثبات أو مزيد الهداية

52 وفي قوله تعالى من نفسك من الفوائد ان العبد لا يركن إلى نفسه ولايسكن
إليها فإن الشر لا يجيء إلا منها ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا
أساءوا إليه فإن ذلك من السيئات التي أصابته وهي إنما أصابته بذنوبه فيرجع
إلى الذنوب فيستغفر منها ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله ويسأل الله
أن يعينه على طاعته فبذلك يحصل له كل خير ويندفع عنه كل شر



فإنه لا يكفي مجرد علمه إن لم يجعله الله مريدا للعمل بعلمه وإلا كان
العلم حجة عليه ولم يكن مهتديا والعبد محتاج إلى أن يجعله الله قادرا على
العمل بتلك الإرادة الصالحة
فإنه لا يكون مهتديا إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إلا بهذه العلوم والإرادات والقدرة
على ذلك
ويدخل في ذلك من أنواع الحاجات ما لا يمكن إحصاؤه
ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة لفرط حاجتهم إليه فليسوا
إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء
وإنما يعرف بعض قدر هذا الدعاء من اعتبر أحوال نفسه ونفوس الإنس والجن
والمأمورين بهذا الدعاء ورأى ما في النفوس من الجهل والظلم الذي يقتضي
شقاءها في الدنيا والآخرة فيعلم أن الله بفضله ورحمته جعل هذا الدعاء من
أعظم الأسباب المقتضية للخير المانعة من الشر & العبرة في قصص
الأنبياء &

وإنما يكون الاعتبار إذا قسنا الثاني بالأول وكانا مشتركين في المقتضى
للحكم فلولا أن في نفوس الناس من جنس ما كان في نفوس المكذبين للرسل فرعون
ومن قبله لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا نشبهه قط ولكن الأمر

بل العبد محتاج إلى أن يعلمه ربه ما يفعله من تفاصيل أحواله والى ما يتولد
من تفاصيل الأمور في كل يوم وإلى أن يلهم أن يعمل ذلك
53 ومما يبين ذلك أن الله تعالى لم يقص علينا في القرآن قصة أحد إلا
لنعتبر بها لما في الاعتبار بها من حاجتنا إليه ومصلحتنا


كما قال تعالى { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } وكما
قال تعالى { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون
} وقال تعالى { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم } وقال
تعالى { يضاهئون قول الذين كفروا من قبل } & إنها السنن &


وقال لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع قيل يا رسول
الله فارس والروم قال فمن وكلا الحديثين في الصحيحين
ولما كان في غزوة حنين كان للمشركين شجرة يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها
أسلحتهم وينوطونها بها ويستظلون بها متبركين فقال بعض الناس يا رسول الله
اجعل لنا ذات أنواط كما لم ذات أنواط فقال الله أكبر قلتم كما قال قوم
موسى لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة إنها السنن لتركبن سنن من كان
قبلكم
وقد بين القرآن أن السيئات من النفس وإن كانت بقدر الله & أعظم
السيئات &

54 ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لتسلكن سنن من كان قبلكم حذو القذة
بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه قالوا اليهود والنصارى قال فمن
55 فأعظم السيئات جحود الخالق والشرك به وطلب النفس


أن تكون شريكة وندا له أو أن تكون إلها من دونه وكلا هذين وقع
فإن فرعون طلب أن يكون إلها معبودا دون الله تعالى وقال { ما علمت لكم من
إله غيري } و { فقال أنا ربكم الأعلى } وقال لموسى { لئن اتخذت إلها غيري
لأجعلنك من المسجونين } و { فاستخف قومه فأطاعوه }
وإبليس يطلب أن يعبد ويطاع من دون الله فيريد أن يعبد ويطاع هو ولا يعبد
الله ولا يطاع
وهذا الذي في فرعون وإبليس هو غاية الظلم والجهل وفي نفوس سائر الإنس
والجن شعبة من هذا وهذا إن لم يعن الله العبد ويهديه وإلا وقع في بعض ما
وقع فيه إبليس وفرعون بحسب الإمكان
قال بعض العارفين ما من نفس إلا وفيها ما في نفس فرعون غير أن فرعون قدر
فأظهر وغيره عجز فأضمر
وذلك أن الإنسان إذا اعتبر وتعرف نفسه والناس وسمع أخبارهم رأى الواحد
منهم يريد لنفسه أن تطاع وتعلو بحسب قدرته & حب الرياسة والعلو
&

56 فالنفس مشحونة بحب العلو والرياسة بحسب إمكانها فتجد أحدهم يوالي من
يوافقه على هواه ويعادي من يخالفه في هواه وإنما معبوده ما يهواه ويريده
قال تعالى { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا }


والناس عنده في هذا الباب كما هم عند ملوك الكفار من المشركين من
الترك وغيرهم يقولون يا رباعي أي صديق وعدو فمن وافق هواهم كان وليا وإن
كان كافرا مشركا ومن لم يوافق هواهم كان عدوا وإن كان من أولياء الله
المتقين وهذه هي حال فرعون
والواحد من هؤلاء يريد أن يطاع أمره بحسب إمكانه لكنه لا يتمكن مما تمكن
منه فرعون من دعوى الإلهية وجحود الصانع
وهؤلاء وإن كانو يقرون بالصانع لكنهم إذا جاءهم من يدعوهم إلى عبادته
وطاعته المتضمنة ترك طاعتهم فقد يعادونه كما عادى فرعون موسى
وكثير من الناس ممن عنده بعض عقل وإيمان لا يطلب هذا الحد بل يطلب لنفسه
ما هو عنده فإن كان مطاعا مسلما طلب أن يطاع في أغراضه وإن كان فيها ما هو
ذنب ومعصية لله ويكون من أطاعه في هواه أحب إليه وأعز عنده ممن أطاع الله
وخالف هواه وهذه شعبة من حال فرعون وسائر المكذبين للرسل
وإن كان عالما أو شيخا أحب من يعظمه دون من يعظم نظيره حتى لو كانا يقرآن
كتابا واحدا كالقرآن أو يعبدان عبادة واحدة متماثلان فيها كالصلوات الخمس
فإنه يحب من يعظمه بقبول قوله والاقتداء به أكثر من غيره وربما أبغض نظيره
وأتباعه حسدا وبغيا كما فعلت اليهود لما بعث الله محمدا صلى الله عليه
وسلم يدعو إلى مثل ما دعا إليه موسى قال تعالى { وإذا قيل لهم آمنوا بما
أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا
لما معهم }



وقال تعالى { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم
البينة } وقال تعالى { وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم }
& عمل بني إسرائيل كعمل فرعون &

والله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لعبادته ليذكروه ويشكروه ويعبدوه
وأرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبدوا الله وحده وليكون الدين كله لله ولتكون
كلمة الله هي العليا كما أرسل كل رسول بمثل ذلك قال تعالى { وما أرسلنا من
قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقال تعالى {
واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون }
وقد أمر الله الرسل كلهم بهذا وأن لا يتفرقوا فيه فقال { إن هذه أمتكم أمة
واحدة وأنا ربكم فاعبدون }

57 ولهذا أخبر الله تعالى عنهم بنظير ما اخبر به فرعون وسلط عليهم من
انتقم به منهم فقال تعالى عن فرعون { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها
شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين
} وقال تعالى عنهم { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض
مرتين ولتعلن علوا كبيرا } ولهذا قال تعالى { تلك الدار الآخرة نجعلها
للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا }


وقال تعالى { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني
بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم
بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون }
قال قتادة أي دينكم دين واحد وربكم رب واحد والشريعة مختلفة وكذلك قال
الضحاك عن ابن عباس { إن هذه أمتكم أمة واحدة } أي دينكم دين واحد قال ابن
أبي حاتم وروى عن سعيد بن جبير وقتادة وعبد الرحمن ابن زيد نحو ذلك وقال
الحسن بين لهم ما يتقون وما يأتون ثم قال إن هذه سنتكم سنة واحدة
وهكذا قال جمهور المفسرين & معنى الأمة &

والأمة أيضا معلم الخير الذي يأتم به الناس كما أن الإمام هو الذي يأتم به
الناس وإبراهيم عليه السلام جعله الله إماما وأخبر أنه { كان أمة }
وأمر الله الرسل أن تكون ملتهم ودينهم واحدا لا يتفرقون فيه كما في
الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنا معشر الأنبياء ديننا

58 والأمة الملة والطريقة كما قال تعالى { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على
أمة وإنا على آثارهم مهتدون } كما يسمى الطريق إماما لأن السالك فيه يأتم
به فكذلك السالك يؤمه ويقصده


واحد وقد قال الله تعالى { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا
والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا
تتفرقوا فيه } ولهذا كان جميع رسل الله وأنبيائه يصدق بعضهم بعضا لا
يختلفوا مع تنوع شرائعهم & أتباع الرسل المخلصون &

وأما من كان يكره أن يكون له نظير يدعو إلى ذلك فهذا يطلب أن يكون هو
المطاع المعبود فله نصيب من حال فرعون وأشباهه
فمن طلب أن يطاع دون الله فهذا حال فرعون ومن طلب أن يطاع مع الله فهذا
يريد من الناس أن يتخذوا من دون أندادا يحبونهم كحب الله والله سبحانه
وتعالى أمر أن لا يعبد إلا إياه وأن لا يكون الدين إلا له وأن تكون
الموالاة فيه والمعاداة فيه وأن لا يتوكل إلا عليه ولا يستعان إلا به
فالمؤمن المتبع للرسل يأمر الناس بما أمرتهم به الرسل ليكون الدين كله لله
لا له وإذا أمر أحد غيره بمثل ذلك أحبه وأعانه وسر بوجود مطلوبه
وإذا أحسن إلى الناس فإنما يحسن إليهم ابتغاء وجه ربه الأعلى ويعلم أن
الله قد من عليه بأن جعله محسنا ولم يجعله مسيئا فيرى أن عمله لله وأنه
بالله
وهذا مذكور في فاتحة الكتاب التي ذكرنا أن جميع الخلق محتاجون إليها أعظم
من حاجتهم إلى أي شيء

59 فمن كان من المطاعين من العلماء والمشايخ والأمراء والملوك متبعا للرسل
أمر بما أمروا به ودعا إلى ما دعوا إليه وأحب من دعا إلى مثل ما دعا إليه
فإن الله يحب ذلك فيحب ما يحبه الله تعالى وهذا قصده في نفس الأمر أن تكون
العبادة لله تعالى وحده وأن يكون الدين كله لله
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب الحسنه والسيئه الجزءالثالث Empty رد: كتاب الحسنه والسيئه الجزءالثالث {الإثنين 6 يونيو - 19:54}

ولهذا فرضت عليهم قراءتها في كل صلاة دون غيرها من السور ولم ينزل في
التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها فإن فيها {
إياك نعبد وإياك نستعين } & المؤمن عمله لله وبالله &

ومن الناس من يحسن إلى غيره ليمن عليه أو يرد الإحسان له بطاعته إليه
وتعظيمه أو نفع آخر وقد يمن عليه فيقول أنا فعلت بك كذا فهذا لم يعبد الله
ولم يستعنه ولا عمل لله ولا عمل بالله فهو المرائي
وقد أبطل الله صدقة المنان وصدقة المرائي قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا
لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن
بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا
يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ومثل الذين ينفقون
أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل
فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير }

60 فالمؤمن يرى أن عمله لله لأنه إياه يعبد وأنه بالله لأنه إياه يستعين
فلا يطلب ممن أحسن اليه جزاء ولا شكورا لأنه إنما عمل له ما عمل لله كما
قال الأبرار { إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } ولا
يمن عليه بذلك ولا يؤذيه فإنه قد علم أن الله هو المان عليه إذا استعمله
في الإحسان وأن المنة لله عليه وعلى ذلك الشخص فعليه هو أن يشكر الله إذ
يسره لليسرى وعلى ذلك أن يشكر الله اذ يسر له من يقدم له ما ينفعه من رزق
أو علم أو نصر أو غير ذلك



قلت إذا كان المعطي محتسبا للأجر عند الله مصدقا بوعد الله له طلب من الله
لا من الذي أعطاه فلا يمن عليه كما لو قال رجل لآخر أعط مماليكك هذا
الطعام وأنا أعطيك ثمنه لم يمن على المماليك لا سيما إذا كان يعلم أن الله
قد أنعم عليه بالإعطاء & فصل الذنوب ابتلاء &

فهو لما لم يفعل ما خلق له وما فطر عليه وما أمر به من معرفة الله وحده
وعبادته وحده عوقب على ذلك بأن زين له الشيطان ما يفعله من الشرك والمعاصي
قال تعالى للشيطان { اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا }
إلى قوله { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } وقال تعالى { إنه ليس له سلطان
على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين
هم به مشركون }

قال قتادة تثبيتا من أنفسهم احتسابا من أنفسهم وقال الشعبي يقينا وتصديقا
من أنفسهم وكذلك قال الكلبي قيل يخرجون الصدقة طيبة بها أنفسهم على يقين
بالثواب وتصديق بوعد الله يعلمون أن ما أخرجوه خير لهم مما تركوه
61 الفرق السادس أن يقال إن ما يبتلى به العبد من الذنوب الوجودية وإن
كانت خلقا لله فهو عقوبة له على عدم فعله ما خلقه الله له وفطره عليه فإن
الله إنما خلقه لعبادته وحده لا شريك له ودله على الفطرة كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة وقال تعالى { فأقم وجهك
للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين
القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون }


وقال تعالى { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا
فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون } &
الإخلاص شفاء &

فإذا أخلص العبد لربه الدين كان هذا مانعا له من فعل ضد ذلك ومن إيقاع
الشيطان له في ضد ذلك وإذا لم يخلص لربه الدين ولم يفعل ما خلق له وفطر
عليه عوقب على ذلك وكان من عقابه تسلط الشيطان عليه حتى يزين له فعل
السيئات وكان إلهامه لفجوره عقوبة له على كونه لم يتق الله
وعدم فعله للحسنات ليس أمرا وجوديا حتى يقال إن الله خلقه بل هو أمر عدمي
لكن يعاقب عليه لكونه عدم ما خلق له وما أمر به وهذا يتضمن العقوبة على
أمر عدمي لكن بفعل السيئات لا بالعقوبات التي يستحقها بعد إقامة الحجة
عليه بالنار ونحوها
وقد تقدم أن مجرد عدم المأمور هل يعاقب عليه فيه قولان
والأكثرون يقولون لا يعاقب عليه لأنه عدم محض ويقولون إنما يعاقب على
الترك وهذا أمر وجودي
وطائفة منهم أبو هاشم قالوا بل يعاقب على هذا العدم بمعنى أنه يعاقب عليه
كما يعاقب على فعل الذنوب بالنار ونحوها

62 فقد تبين أن إخلاص الدين لله يمنع من تسلط الشيطان ومن ولاية الشيطان
التي توجب العذاب كما قال تعالى { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من
عبادنا المخلصين }




ثم ما تعوده من فعل السيئات قد يكون سببا لمعصيته بعد البلوغ وهو لم يعاقب
إلا على ذنبه ولكن العقوبة المعروفة إنما يستحقها بعد قيام الحجة عليه
وأما اشتغاله بالسيئات فهو عقوبة عدم عمله للحسنات & الشر ليس إلى
الله &

وظلمهم لأنفسهم نوعان عدم عملهم بالحسنات فهذا ليس مضافا إليه وعملهم
للسيئات خلقه عقوبة لهم على ترك الحسنات التي خلقهم لها وأمرهم بها فكل
نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل
ومن تدبر القرآن تبين له أن عامة ما يذكره الله في خلق الكفر والمعاصي
يجعله جزاء لذلك العمل كقوله تعالى { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره
للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك
يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } وقال تعالى { فلما زاغوا أزاغ الله
قلوبهم }

وما ذكر في هذا الوجه هو امر وسط وهو أن يعاقب على هذا العدم بفعل السيئات
لا بالعقوبة عليها ولا يعاقبه عليها حتى يرسل إليه رسولا فإذا عصى الرسول
استحق حينئذ العقوبة التامة وهو أولا إنما عوقب بما يمكن أن ينجو من شره
بأن يتوب منه أو بأن لا تقوم عليه الحجة وهو كالصبي الذي لا يشتغل بما
ينفعه بل بما هو سبب لضرره ولكن لا يكتب عليه قلم الإثم حتى يبلغ فإذا بلغ
عوقب
63 وعلى هذا فالشر ليس إلى الله بوجه من الوجوه فإنه وإن كان الله خالق
أفعال العباد فخلقه للطاعات نعمة ورحمة وخلقه للسيئات له فيه حكمة ورحمة
وهو مع هذا عدل منه فما ظلم الناس شيئا ولكن الناس ظلموا أنفسهم


وقال تعالى { وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى }

وهذا وأمثاله بذلوا فيه أعمالا عاقبهم بها على فعل محظور وترك مأمور وتلك
الأمور إنما كانت منهم وخلقت فيهم لكونهم لم يفعلوا ما خلقوا له ولا بد
لهم من حركة وإرادة فلما لم يتحركوا بالحسنات حركوا بالسيئات عدلا من الله
حيث وضع ذلك موضعه في محله القابل له وهو القلب الذي لا يكون إلا عاملا
فإذا لم يعمل الحسنة استعمل في عمل السيئة كما قيل نفسك إن لم تشغلها
شغلتك
وهذا الوجه إذا حقق يقطع مادة كلام القدرية المكذبة والمجبرة الذين يقولون
إن أفعال العباد ليست مخلوقة الله ويجعلون خلقها والتعذيب عليها ظلما
والذين يقولون إنه خلق كفر الكافرين ومعصيتهم وعاقبهم على ذلك لا لسبب ولا
لحكمة
فإذا قيل لأولئك إنه إنما أوقعهم في تلك الذنوب وطبع على قلوبهم عقوبة لهم
على عدم فعلهم ما أمرهم به فما ظلمهم ولكن هم ظلموا أنفسهم
يقال ظلمته إذا نقصته حقه قال تعالى { كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم
منه شيئا }
وكثير من أولئك يسلمون أن الله خلق للعبد من الأعمال ما يكون جزاء له على
عمل منه متقدم ويقولون إنه خلق طاعة المطيع
فلا ينازعون في نفس خلق أفعال العباد لكن يقولون ما خلق شيئا من الذنوب
ابتداء بل إنما خلقها جزاء لئلا يكون ظالما



& الذنب يحدثه العبد &

وما ذكرناه يوجب أن الله خالق كل شيء فما حدث شيء إلا بمشيئته وقدرته ولكن
أول الذنوب الوجودية هو المخلوق وذاك عقوبة على عدم فعل العبد لما خلق له
ولما كان ينبغي له أن يفعله
وهذا العدم لا يجوز إضافته إلى الله وليس بشيء حتى يدخل في قولنا الله
خالق كل شيء وما أحدثه من الذنوب الوجودية فأولها عقوبة للعبد على هذا
العدم وسائرها قد يكون عقوبة للعبد على ما وجد وقد يكون عقوبة له على
استمراره على العدم
فما دام لا يخلص لله العمل فلا يزال مشركا ولا يزال الشيطان مسلطا عليه ثم
تخصيصه سبحانه لمن هداه بأن استعمله ابتداء فيما خلق له وهذا لم يستعمله
هو تخصيص منه بفضله ورحمته ولهذا يقول الله { والله يختص برحمته من يشاء
والله ذو الفضل العظيم } ولذلك حكمة ورحمة هو أعلم بها كما خص بعض الأبدان
بقوي لا توجد في غيرها وبسبب عدم القوة قد تحصل له أمراض وجودية وغير ذلك
من حكمته
وبتحقيق هذا يدفع شبهات هذا الباب والله أعلم بالصواب

64 فنقول أول ما يفعله العبد من الذنوب هو أحدثه لم يحدثه الله ثم ما يكون
جزاء على ذلك فالله محدثه وهم لا ينازعون في مسألة خلق الأفعال إلا من هذه
الجهة وهذا الذي ذكرناه يوافقون عليه لكن يقولون أول الذنوب لم يحدثه الله
بل يحدثه العبد لئلا يكون الجزاء عليه ظلما


& فصل عقوبة عدم الإيمان &

لكن يقال إنما كان هذا بعد دعوة الرسول لهم وهم قد تركوا الإيمان وكذبوا
الرسول وهذه أمور وجودية لكن الموجب للعذاب هو عدم الإيمان وما ذكر شرط في
التعذيب بمنزلة إرسال الرسول فإنه قد يشتغل عن الإيمان بما جنسه مباح من
أكل وشرب وبيع وسفر وغير ذلك وهذا الجنس لا يستحق عليه العقوبة إلا لأنه
شغله عن الإيمان الواجب عليه
ومن الناس من يقول ضد الإيمان هو تركه وهو أمر وجودي لا ضد له إلا ذلك
& فصل النعم كلها من الله &

65 ومما ذكر فيه العقوبة على عدم الإيمان قوله تعالى { ونقلب أفئدتهم
وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون } وهذا من
تمام قوله { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم }
الآية فذكر أن هذا التقليب إنما حصل لقلوبهم لما لم يؤمنوا به أول مرة
وهذا عدم الإيمان
66 الفرق السابع من الحسنات والسيئات التي تتناول الأعمال والجزاء في كون
هذه تضاف إلى النفس وتلك تضاف إلى الله أن السيئات التي تصيب الإنسان وهي
مصائب الدنيا والآخرة ليس لها سبب إلا ذنبه الذي هو من نفسه فانحصرت في
نفسه




ومن الشكر ما يكون جزاء على ما يسره على يديه من الخير كشكر الوالدين وشكر
من أحسن إليك من غيرهما فإنه من لا يشكر الناس لا يشكر الله لكن لا يبلغ
من حق أحد وإنعامه أن يشكر بمعصية الله أو أن يطاع بمعصية الله فإن الله
هو المنعم بالنعم العظيمة التي لا يقدر عليها مخلوق ونعمة المخلوق إنما هي
منه أيضا وقال تعالى { وما بكم من نعمة فمن الله } وقال تعالى { وسخر لكم
ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه } وجزاؤه سبحانه على الطاعة
والمعصية والكفر لا يقدر أحد على مثله & لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق &

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح على المرء المسلم

وأما ما يصيبه من الخير والنعم فإنه لا تنحصر أسبابه لأن ذلك من فضل الله
وإحسانه يحصل بعمله وبغير عمله وعمله نفسه من إنعام الله عليه وهو سبحانه
لا يجزي بقدر العمل بل يضاعفه له ولا يقدر العبد على ضبط أسبابها لكن يعلم
أنها من فضل الله وإنعامه فيرجع فيها إلى الله فلا يرجو إلا الله ولا
يتوكل إلا عليه ويعلم أن النعم كلها من الله وأن كل ما خلقه فهو نعمة كما
تقدم فهو يستحق الشكر المطلق العام التام الذي لا يستحقه غيره
67 فلهذا لم يجز أن يطاع مخلوق في معصية الخالق كما قال تعالى { ووصينا
الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما }
وقال في الآية الآخرى { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا
تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي }


السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه ما لم يؤمر بمعصية
فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم
أنه قال إنما الطاعة في المعروف وقال من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه
وقال لا طاعة لمخلوق على معصية الخالق
وهذا مبسوط في غير هذا الموضع
والمقصود هنا أنه إذا عرف أن النعم كلها من الله وأنه لا يقدر أن يأتي بها
إلا الله فلا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يذهب السيئات إلا هو وأنه { ما
يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده } صار
توكله ورجاؤه ودعاؤه للخالق وحده
وكذلك إذا علم ما يستحقه الله من الشكر الذي لا يستحقه غيره صار علمه بأن
الحسنات من الله يوجب له الصدق في شكر الله والتوكل عليه ولو قيل إنها من
نفسه لكان غلطا لأن منها ما ليس لعلمه فيه مدخل وما كان لعمله فيه مدخل
فإن الله هو المنعم به فإن لا حول ولا قوة إلا بالله ولا ملجأ ولا منجي
منه إلا إليه
وعلم أن الشر قد انحصر سببه في النفس فضبط ذلك وعلم من أين يؤتى فاستغفر
ربه مما فعل وتاب واستعان الله واستعاذ به مما لم يعمل بعد كما قال من قال
من السلف لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن عبد إلا ذنبه
وهذا يخالف قول الجهمية ومن اتبعهم اللذين يقولون إن الله يعذب بلا ذنب
ويعذب أطفال الكفار وغيرهم عذابا دائما أبدا بلا ذنب
فإن هؤلاء يقولون يخاف الله خوفا مطلقا سواء كان له ذنب أو لم يكن له



ذنب ويشبهون خوفه بالخوف من الأسد ومن الملك القاهر الذي لا
ينضبط فعله ولا سطوته بل قد يقهر ويعذب من لا ذنب له من رعيته
فإذا صدق العبد بقوله تعالى { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } علم بطلان هذا
القول وأن الله لا يعذبه ويعاقبة الا بذنوبه حتى المصائب التي تصيب العبد
كلها بذنوبه
وقد تقدم قول السلف ابن عباس وغيره أن ما أصابهم يوم أحد من الغم والفشل
إنما كان بذنوبهم لم يستثن من ذلك أحد
وهذا من فوائد تخصيص الخطاب لئلا يظن أنه عام مخصوص
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما يصيب المؤمن من وصب
ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من
خطاياه & فصل خبث السيئات &

قال جمهور السلف الكلمات الخبيثة للخبيثين ومن كلام بعضهم الأقوال
والأفعال الخبيثة للخبيثين
وقد قال تعالى { ضرب الله مثلا كلمة طيبة } { ومثل كلمة خبيثة } وقال الله
{ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } والأقوال والأفعال صفات
القائل والفاعل

68 الفرق الثامن أن السيئة إذا كانت من النفس والسيئة خبيثة مذمومة وصفها
بالخبث في مثل قوله { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات }




وكذلك من أراد أن يجعل الجاهل معلما للناس مفتيا لهم أو يجعل العاجز
الجبان مقاتلا عن الناس أو يجعل الأحمق الذي لا يعرف شيئا سائسا للناس أو
للدواب فمثل هذا يوجب الفساد في العالم وقد يكون غير ممكن مثل من أراد أن
يجعل الحجارة تسبح على وجه الماء كالسفن أو تصعد إلى السماء كالريح ونحو
ذلك
فالنفوس الخبيثة لا تصلح أن تكون في الجنة الطيبة التي ليس فيها من الخبث
شيء فإن ذلك موجب للفساد أو غير ممكن
بل إذا كان في النفس خبث طهرت وهذبت حتى تصلح لسكنى الجنة كما في الصحيح
من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إن
المؤمنين إذا نجوا من النار أي عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة
والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا فإذا هذبوا ونقوا
أذن لهم في دخول الجنة
وهذا مما رواه البخاري عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار
فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا اذن
لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه
بمنزله كان في الدنيا
والتهذيب التخليص كما يهذب الذهب فيخلص من الغش

فإذا كانت النفس متصفة بالسوء والخبيث لم يكن محلها ينفعه إلا ما يناسبها
فمن أراد أن يجعل الحيات والعقارب يعاشرون الناس كالسنانير لم يصلح ومن
أراد أن يجعل الذي يكذب شاهدا على الناس لم يصلح




وأيضا فإذا كان سببها ثابتا فالجزاء كذلك بخلاف الحسنة فإنها من إنعام
الحي القيوم الباقي الأول الآخر فسببها دائم فيدوم بدوامه
وإذا علم الإنسان أن السيئة من نفسه لم يطمع في السعادة التامة مع ما فيه
من الشر بل علم تحقيق قوله تعالى { من يعمل سوءا يجز به } وقوله { فمن
يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }
وعلم أن الرب عليم حليم رحيم عدل وأن أفعاله جارية على قانون العدل
والإحسان وكل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يمين الله ملأى لا
يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض
فإنه لم يغض ما في يمينه والقسط بيده الأخرى يخفض ويرفع & الثواب
والعقاب بحكمة وعدل &

ولهذا يقولون لا ندري ما يفعل بمن فعل السيئات بل يجوز عندهم أن يعفو عن
الجميع ويجوز عندهم أن يعذب الجميع ويجوز أن يعذب ويغفر بلا موازنة بل
يعفو عن شر الناس ويعذب خير الناس على سيئة صغيرة ولا يغفرها له

فتبين أن الجنة إنما يدخلها المؤمنون بعد التهذيب والتنقية من بقايا
الذنوب فكيف بمن لم يكن له حسنات يعبر بها الصراط
69 وعلم فساد قول الجهمية الذين يجعلون الثواب والعقاب بلا حكمة ولا عدل
ولا وضع للأشياء مواضعها فيصفون الرب بما يوجب الظلم والسفه وهو سبحانه قد
شهد { أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا
هو العزيز الحكيم }
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب الحسنه والسيئه الجزءالثالث Empty رد: كتاب الحسنه والسيئه الجزءالثالث {الإثنين 6 يونيو - 19:56}

وهم يقولون السيئة لا تمحى لا بتوبة ولا حسنات ماحية ولا غير ذلك وقد لا
يفرقون بين الصغائر والكبائر
قالوا لأن هذا كله إنما يعلم بالسمع والخبر خبر الله ورسوله
قالوا وليس في الكتاب والسنة ما يبين ما يفعل الله بمن كسب السيئات إلا
الكفر وتأولوا قوله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم
سيئاتكم } بأن المراد بالكبائر قد يكون هو الكفر وحده كما قال تعالى { إن
الله لا يغفر أن يشرك به }
وقد ذكر هذه الأمور القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره ممن يقول بمثل هذه
الأقوال ممنسلك ممن سلك مسك جهم بن صفوان في القدر وفي الوعيد وهؤلاء
قصدوا مناقضة المعتزلة في القدر والوعيد
فأولئك لما قالوا إن الله لم يخلق أفعال العباد وأنه يشاء مالا يكون ويكون
مالا يشاء وسلكوا مسلك نفاة القدر في هذا وقالوا في الوعيد بنحو قول
الخوارج قالوا إن من دخل النار لا يخرج منها لا بشفاعة ولا غيرها بل يكون
عذابه مؤبدا فصاحب الكبيرة أو من رجحت سيئاته عندهم لا يرحمه الله أبدا بل
يخلده في النار فخالفوا السنة المتواترة وإجماع الصحابة فيما قالوه في
القدر وناقضهم جهم في هذا وهذا
وسلك هؤلاء مسلك جهم مع انتسابهم إلى أهل السنة والحديث واتباع السلف
وكذلك سلكوا في الإيمان والوعيد مسلك المرجئة الغلاة كجهم وأتباعه
& جهم وبدعته &

70 وجهم اشتهر عنه نوعان من البدعة نوع في الأسماء والصفات


فغلا في نفس الأسماء والصفات ووافقه على ذلك ملاحدة الباطنية
والفلاسفة ونحوهم ووافقه المعتزلة في نفي الصفات دون الأسماء
والكلابية ومن وافقهم من السالمية ومن سلك مسلكهم من الفقهاء وأهل الحديث
والصوفية وافقوه على نفي الصفات الاختيارية دون نفي أصل الصفات
والكرامية ونحوهم وافقوه على أصل ذلك وهو امتناع دوام ما لا يتناهى وأنه
يمتنع أن يكون الله لم يزل متكلما إذا شاء وفعالا لما يشاء إذا شاء
لامتناع حوادث لا أول لها وهو عن هذا الأصل الذي هو نفي وجود ما لا يتناهى
في المستقبل قال بفناء الجنة والنار
وقد وافقه أبو الهذيل إمام المعتزلة على هذا لكن قال بتناهى الحركات
فالمعتزلة في الصفات مخانيث الجهمية
وأما الكلابية فيثبتون الصفات في الجملة وكذلك الأشعريون ولكنهم كما قال
الشيخ أبو إسماعيل الأنصاري الجهمية الإناث وهم مخانيث المعتزلة
ومن الناس من يقول المعتزلة مخانيث الفلاسفة
وقد ذكر الأشعري وغيره هذا لأن قائله لم يعلم أن جهما سبق هؤلاء إلى هذا
الأصل أو لأنهم مخانيثهم من بعض الوجوه وإلا فإن مخالفتهم للفلاسفة كبيرة
جدا
والشهرستاني يذكر عن شيوخهم أنهم أخذوا ما أخذوا عن الفلاسفة لأن
الشهرستاني إنما يرى مناظرة أصحابه الأشعرية في الصفات ونحوها مع المعتزلة
بخلاف أئمة السنة والحديث فإن مناظرتهم إنما كانت مع الجهمية وهم
المشهورون عند السلف والأمة بنفي الصفات






وبعدهم حدثت الجهمية
وكان القدر قد حدث أهله قبل ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير بعد موت
معاوية ولهذا تكلم فيهم ابن عمرو بن عباس رضي الله عنهم وغيرهما
ابن وعن عباس مات قبل ابن الزبير وابن عمر مات عقب موته وعقب ذلك تولى
الحجاج العراق سنة بضع وسبعين
فبقي الناس يخوضون في القدر بالحجاز والشام والعراق وأكثره كان بالشام
والعراق بالبصرة وأقله كان بالحجاز
ثم لما حدثت المعتزلة بعد موت الحسن وتكلم في المنزلة بين المنزلتين
وقالوا بإنفاذ الوعيد وخلود أهل التوحيد في النار وأن النار لا يخرج منها
من دخلها وهذا تغليظ على أهل الذنوب ضموا إلى ذلك القدر فإن به يتم
التغليظ على أهل الذنوب ولم يكن الناس إذ ذاك قد أحدثوا شيئا من نفي
الصفات & ظهور الجعد بن درهم &

وأهل النفي للصفات والتعطيل لها هم عند السلف يقال لهم الجهمية وبهذا
تميزوا عند السلف عن سائر الطوائف & نشأة المعتزلة والجهمية
&
71 وأما المعتزلة فامتازوا بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين لما أحدث ذلك
عمرو بن عبيد وكان هو واصحابه يجلسون معتزلين للجماعة فيقول قتادة وغيره
أولئك المعتزلة وكان ذلك بعد موت الحسن البصري في أوائل المائة الثانية
72 إلى أن ظهر الجعد بن درهم وهو أولهم فضحى به خالد


ابن عبد الله القسري وقال أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم
فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم
موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا ثم نزل فذبحه وهذا كان
بالعراق
ثم ظهر جهم بن صفوان من ناحية المشرق من ترمذ ومنها ظهر رأي جهم
ولهذا كان علماء السنة والحديث بالمشرق أكثر كلاما في رد مذهب جهم من أهل
الحجاز والشام والعراق مثل إبراهيم بن طهمان وخارجة بن مصعب ومثل عبد الله
بن المبارك وأمثالهم وقد تكلم في ذمهم وابن الماجشون وغيرهما وكذلك
الأوزاعي وحماد بن زيد وغيرهم & محنة الإمام أحمد بن حنبل
&


73 وإنما اشتهرت مقالتهم من حين محنة الإمام أحمد بن حنبل وغيره من علماء
السنة فإنهم في إمارة المأمون قووا وكثروا فإنه كان قد أقام بخراسان مدة
واجتمع بهم ثم كتب بالمحنة من طرسوس سنة ثمان عشرة ومائتين وفيها مات
وردوا أحمد بن حنبل إلى الحبس ببغداد إلى سنة عشرين وفيها كانت محنته مع
المعتصم ومناظرته لهم في الكلام فلما رد عليهم ما احتجوا به عليه وبين أن
لا حجة لهم في شيء من ذلك وأن طلبهم من الناس أن يوافقوهم وامتحانهم إياهم
جهل وظلم وأراد المعتصم إطلاقه فأشار عليه من أشار بأن المصلحة ضربه حتى
لا تنكسر حرمة الخلافة مرة بعد مرة فلما ضربوه قامت الشناعة عليهم في
العامة وخافوا الفتنة فأطلقوه & القائلون بخلق القرآن &
74 وكان أحمد بن أبي دؤاد قد جمع له نفاة الصفات القائلين بخلق


القرآن من جميع الطوائف فجمع له مثل أبي عيسى محمد بن عيسى بن
غوث ومن أكابر النجارية أصحاب حسين النجار
وأئمة السنة كابن المبارك وأحمد بن إسحاق والبخاري وغيرهم يسمون جميع
هؤلاء جهمية
وصار كثير من المتأخرين من أصحاب أحمد وغيرهم يظنون أن خصومه كانوا
المعتزلة
ويظنون أن بشر بن غياث المريسي وإن كان قد مات قبل محنة أحمد وابن أبي
داؤد ونحوهما كانوا معتزلة وليس كذلك
بل المعتزلة كانوا نوعا من جملة من يقول القرآن مخلوق وكانت الجهمية أتباع
جهم والنجارية أتباع حسين النجار والضرارية أتباع ضرار بن عمرو والمعتزلة
هؤلاء يقولون القرآن مخلوق وبسط هذا له موضع آخر
والمقصود هنا أن جهما اشتهر عنه نوعان من البدعة أحدهما نفي الصفات
والثاني الغلو في القدر والإرجاء فجعل الإيمان مجرد معرفة القلب وجعل
العباد لا فعل لهم ولا قدرة
وهذا مما غلت المعتزلة في خلافه فيهما & رأي الأشعري &

وجهم لم يثبت شيئا من الصفات لا الإرادة ولا غيرها فهو إذا قال إن الله
يحب الطاعات ويبغض المعاصي فمعنى ذلك عنده الثواب والعقاب
وأما الأشعري فهو يثبت الصفات كالإرادة فاحتاج حينئذ أن يتكلم

75 وأما الأشعري فوافقه على أصل قوله ولكن قد ينازعه منازعات لفظية


في الإرادة هل هي المحبة أم لا وأن المعاصي هل يحبها الله أم لا
فقال إن يحبها الله ويرضاها كما يريدها
وذكر أبو المعالي الجويني أنه أول من قال ذلك وأن أهل السنة قبله كانوا
يقولون إن الله لا يحب المعاصي
وذكر الأشعري في الموجز أنه قد قال ذلك قبله طائفة سماهم أشك في بعضهم
& رأي الهروي &

وقد قال له بعض الناس بحضرة نظام الملك أتلعن الأشعرية فقال ألعن من يقول
ليس في السموات إله ولا في المصحف قرآن ولا في القبر نبي وقام من عنده
مغضبا
ومع هذا فهو في مسألة إرادة الكائنات وخلق الأفعال أبلغ من الأشعرية لا
يثبت سببا ولا حكمة بل يقول إن مشاهدة العارف الحكم لا تبقى له استحسان
حسنة ولا استقباح سيئة
والحكم عنده هي المشيئة لأن العارف المحقق عنده هو من يصل إلى مقام الفناء
فينفي عن جميع مراداته بمراد الحق وجميع الكائنات مرادة له وهذا هو الحكم
عنده والحسنة والسيئة يفترقان في حظ العبد

76 وشاع هذا القول في كثير من الصوفية ومشايخ المعرفة والحقيقة فصاروا
يوافقون جهما في مسائل الأفعال والقدر وإن كانوا مكفرين له في مسائل
الصفات كأبي إسماعيل الأنصاري الهروي صاحب كتاب ذم الكلام فإنه من
المبالغين في ذم الجهمية لنفيهم الصفات وله كتاب تكفير الجهمية ويبالغ في
ذم الأشعرية مع أنهم من أقرب هذه الطوائف إلى السنة والحديث وربما كان
يلعنهم


لكونه ينعم بهذه ويعذب بهذه والالتفات إلى هذا هو من حظوظ النفس
ومقام الفناء ليس فيه إلا مشاهدة مراد الحق & رأي الجنيد
&

فمن سلك مسلك الجنيد من أهل التصوف والمعرفة كان قد اهتدى ونجا وسعد
ومن لم يسلك في القدر مسلكه بل سوى بين الجميع لزمه أن لا يفرق بين
الحسنات والسيئات وبين الأنبياء والفساق فلا يقول إن الله يحب هؤلاء وهذه
الأعمال ولا يبغض هؤلاء وهذه الأعمال بل جميع الحوادث هو يحبها كما يريدها
كما قاله الأشعري وإنما الفرق أن هؤلاء ينعمون وهؤلاء يعذبون
والأشعري لما أثبت الفرق بين هذا وهذا بالنسبة إلى المخلوق كان أعقل منهم
فإن هؤلاء يدعون أن العارف الواصل إلى مقام الفناء لا فرق بين هذا وهذا
وهم غلطوا في حق العبد وحق الرب & مذهب الصوفية في الفناء وما
يلزم عليه &

77 وهذه المسألة وقعت في زمن الجنيد كما ذكر ذلك في غير موضع وبين لهم
الجنيد الفرق الثاني وهو أنهم مع مشاهدة المشيئة العامة لا بد لهم من
مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهى عنه وهو الفرق بين ما يحبه وما
يبغضه وبين ذلك لهم الجنيد كما قال في التوحيد هو إفراد الحدوث عن القدم
78 أما في حق العبد فيلزمهم أن تستوي عنده جميع الحوادث وهذا محال قطعا
وهم قد تمر عليهم أحوال يفنون فيها عن أكثر الأشياء
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب الحسنه والسيئه الجزءالثالث Empty رد: كتاب الحسنه والسيئه الجزءالثالث {الإثنين 6 يونيو - 20:02}

وهم يقولون السيئة لا تمحى لا بتوبة ولا حسنات ماحية ولا غير ذلك وقد لا
يفرقون بين الصغائر والكبائر
قالوا لأن هذا كله إنما يعلم بالسمع والخبر خبر الله ورسوله
قالوا وليس في الكتاب والسنة ما يبين ما يفعل الله بمن كسب السيئات إلا
الكفر وتأولوا قوله تعالى { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم
سيئاتكم } بأن المراد بالكبائر قد يكون هو الكفر وحده كما قال تعالى { إن
الله لا يغفر أن يشرك به }
وقد ذكر هذه الأمور القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره ممن يقول بمثل هذه
الأقوال ممنسلك ممن سلك مسك جهم بن صفوان في القدر وفي الوعيد وهؤلاء
قصدوا مناقضة المعتزلة في القدر والوعيد
فأولئك لما قالوا إن الله لم يخلق أفعال العباد وأنه يشاء مالا يكون ويكون
مالا يشاء وسلكوا مسلك نفاة القدر في هذا وقالوا في الوعيد بنحو قول
الخوارج قالوا إن من دخل النار لا يخرج منها لا بشفاعة ولا غيرها بل يكون
عذابه مؤبدا فصاحب الكبيرة أو من رجحت سيئاته عندهم لا يرحمه الله أبدا بل
يخلده في النار فخالفوا السنة المتواترة وإجماع الصحابة فيما قالوه في
القدر وناقضهم جهم في هذا وهذا
وسلك هؤلاء مسلك جهم مع انتسابهم إلى أهل السنة والحديث واتباع السلف
وكذلك سلكوا في الإيمان والوعيد مسلك المرجئة الغلاة كجهم وأتباعه
& جهم وبدعته &

70 وجهم اشتهر عنه نوعان من البدعة نوع في الأسماء والصفات


فغلا في نفس الأسماء والصفات ووافقه على ذلك ملاحدة الباطنية
والفلاسفة ونحوهم ووافقه المعتزلة في نفي الصفات دون الأسماء
والكلابية ومن وافقهم من السالمية ومن سلك مسلكهم من الفقهاء وأهل الحديث
والصوفية وافقوه على نفي الصفات الاختيارية دون نفي أصل الصفات
والكرامية ونحوهم وافقوه على أصل ذلك وهو امتناع دوام ما لا يتناهى وأنه
يمتنع أن يكون الله لم يزل متكلما إذا شاء وفعالا لما يشاء إذا شاء
لامتناع حوادث لا أول لها وهو عن هذا الأصل الذي هو نفي وجود ما لا يتناهى
في المستقبل قال بفناء الجنة والنار
وقد وافقه أبو الهذيل إمام المعتزلة على هذا لكن قال بتناهى الحركات
فالمعتزلة في الصفات مخانيث الجهمية
وأما الكلابية فيثبتون الصفات في الجملة وكذلك الأشعريون ولكنهم كما قال
الشيخ أبو إسماعيل الأنصاري الجهمية الإناث وهم مخانيث المعتزلة
ومن الناس من يقول المعتزلة مخانيث الفلاسفة
وقد ذكر الأشعري وغيره هذا لأن قائله لم يعلم أن جهما سبق هؤلاء إلى هذا
الأصل أو لأنهم مخانيثهم من بعض الوجوه وإلا فإن مخالفتهم للفلاسفة كبيرة
جدا
والشهرستاني يذكر عن شيوخهم أنهم أخذوا ما أخذوا عن الفلاسفة لأن
الشهرستاني إنما يرى مناظرة أصحابه الأشعرية في الصفات ونحوها مع المعتزلة
بخلاف أئمة السنة والحديث فإن مناظرتهم إنما كانت مع الجهمية وهم
المشهورون عند السلف والأمة بنفي الصفات






وبعدهم حدثت الجهمية
وكان القدر قد حدث أهله قبل ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير بعد موت
معاوية ولهذا تكلم فيهم ابن عمرو بن عباس رضي الله عنهم وغيرهما
ابن وعن عباس مات قبل ابن الزبير وابن عمر مات عقب موته وعقب ذلك تولى
الحجاج العراق سنة بضع وسبعين
فبقي الناس يخوضون في القدر بالحجاز والشام والعراق وأكثره كان بالشام
والعراق بالبصرة وأقله كان بالحجاز
ثم لما حدثت المعتزلة بعد موت الحسن وتكلم في المنزلة بين المنزلتين
وقالوا بإنفاذ الوعيد وخلود أهل التوحيد في النار وأن النار لا يخرج منها
من دخلها وهذا تغليظ على أهل الذنوب ضموا إلى ذلك القدر فإن به يتم
التغليظ على أهل الذنوب ولم يكن الناس إذ ذاك قد أحدثوا شيئا من نفي
الصفات & ظهور الجعد بن درهم &

وأهل النفي للصفات والتعطيل لها هم عند السلف يقال لهم الجهمية وبهذا
تميزوا عند السلف عن سائر الطوائف & نشأة المعتزلة والجهمية
&
71 وأما المعتزلة فامتازوا بقولهم بالمنزلة بين المنزلتين لما أحدث ذلك
عمرو بن عبيد وكان هو واصحابه يجلسون معتزلين للجماعة فيقول قتادة وغيره
أولئك المعتزلة وكان ذلك بعد موت الحسن البصري في أوائل المائة الثانية
72 إلى أن ظهر الجعد بن درهم وهو أولهم فضحى به خالد


ابن عبد الله القسري وقال أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم
فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم
موسى تكليما تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا ثم نزل فذبحه وهذا كان
بالعراق
ثم ظهر جهم بن صفوان من ناحية المشرق من ترمذ ومنها ظهر رأي جهم
ولهذا كان علماء السنة والحديث بالمشرق أكثر كلاما في رد مذهب جهم من أهل
الحجاز والشام والعراق مثل إبراهيم بن طهمان وخارجة بن مصعب ومثل عبد الله
بن المبارك وأمثالهم وقد تكلم في ذمهم وابن الماجشون وغيرهما وكذلك
الأوزاعي وحماد بن زيد وغيرهم & محنة الإمام أحمد بن حنبل
&


73 وإنما اشتهرت مقالتهم من حين محنة الإمام أحمد بن حنبل وغيره من علماء
السنة فإنهم في إمارة المأمون قووا وكثروا فإنه كان قد أقام بخراسان مدة
واجتمع بهم ثم كتب بالمحنة من طرسوس سنة ثمان عشرة ومائتين وفيها مات
وردوا أحمد بن حنبل إلى الحبس ببغداد إلى سنة عشرين وفيها كانت محنته مع
المعتصم ومناظرته لهم في الكلام فلما رد عليهم ما احتجوا به عليه وبين أن
لا حجة لهم في شيء من ذلك وأن طلبهم من الناس أن يوافقوهم وامتحانهم إياهم
جهل وظلم وأراد المعتصم إطلاقه فأشار عليه من أشار بأن المصلحة ضربه حتى
لا تنكسر حرمة الخلافة مرة بعد مرة فلما ضربوه قامت الشناعة عليهم في
العامة وخافوا الفتنة فأطلقوه & القائلون بخلق القرآن &
74 وكان أحمد بن أبي دؤاد قد جمع له نفاة الصفات القائلين بخلق


القرآن من جميع الطوائف فجمع له مثل أبي عيسى محمد بن عيسى بن
غوث ومن أكابر النجارية أصحاب حسين النجار
وأئمة السنة كابن المبارك وأحمد بن إسحاق والبخاري وغيرهم يسمون جميع
هؤلاء جهمية
وصار كثير من المتأخرين من أصحاب أحمد وغيرهم يظنون أن خصومه كانوا
المعتزلة
ويظنون أن بشر بن غياث المريسي وإن كان قد مات قبل محنة أحمد وابن أبي
داؤد ونحوهما كانوا معتزلة وليس كذلك
بل المعتزلة كانوا نوعا من جملة من يقول القرآن مخلوق وكانت الجهمية أتباع
جهم والنجارية أتباع حسين النجار والضرارية أتباع ضرار بن عمرو والمعتزلة
هؤلاء يقولون القرآن مخلوق وبسط هذا له موضع آخر
والمقصود هنا أن جهما اشتهر عنه نوعان من البدعة أحدهما نفي الصفات
والثاني الغلو في القدر والإرجاء فجعل الإيمان مجرد معرفة القلب وجعل
العباد لا فعل لهم ولا قدرة
وهذا مما غلت المعتزلة في خلافه فيهما & رأي الأشعري &

وجهم لم يثبت شيئا من الصفات لا الإرادة ولا غيرها فهو إذا قال إن الله
يحب الطاعات ويبغض المعاصي فمعنى ذلك عنده الثواب والعقاب
وأما الأشعري فهو يثبت الصفات كالإرادة فاحتاج حينئذ أن يتكلم

75 وأما الأشعري فوافقه على أصل قوله ولكن قد ينازعه منازعات لفظية


في الإرادة هل هي المحبة أم لا وأن المعاصي هل يحبها الله أم لا
فقال إن يحبها الله ويرضاها كما يريدها
وذكر أبو المعالي الجويني أنه أول من قال ذلك وأن أهل السنة قبله كانوا
يقولون إن الله لا يحب المعاصي
وذكر الأشعري في الموجز أنه قد قال ذلك قبله طائفة سماهم أشك في بعضهم
& رأي الهروي &

وقد قال له بعض الناس بحضرة نظام الملك أتلعن الأشعرية فقال ألعن من يقول
ليس في السموات إله ولا في المصحف قرآن ولا في القبر نبي وقام من عنده
مغضبا
ومع هذا فهو في مسألة إرادة الكائنات وخلق الأفعال أبلغ من الأشعرية لا
يثبت سببا ولا حكمة بل يقول إن مشاهدة العارف الحكم لا تبقى له استحسان
حسنة ولا استقباح سيئة
والحكم عنده هي المشيئة لأن العارف المحقق عنده هو من يصل إلى مقام الفناء
فينفي عن جميع مراداته بمراد الحق وجميع الكائنات مرادة له وهذا هو الحكم
عنده والحسنة والسيئة يفترقان في حظ العبد

76 وشاع هذا القول في كثير من الصوفية ومشايخ المعرفة والحقيقة فصاروا
يوافقون جهما في مسائل الأفعال والقدر وإن كانوا مكفرين له في مسائل
الصفات كأبي إسماعيل الأنصاري الهروي صاحب كتاب ذم الكلام فإنه من
المبالغين في ذم الجهمية لنفيهم الصفات وله كتاب تكفير الجهمية ويبالغ في
ذم الأشعرية مع أنهم من أقرب هذه الطوائف إلى السنة والحديث وربما كان
يلعنهم


لكونه ينعم بهذه ويعذب بهذه والالتفات إلى هذا هو من حظوظ النفس
ومقام الفناء ليس فيه إلا مشاهدة مراد الحق & رأي الجنيد
&

فمن سلك مسلك الجنيد من أهل التصوف والمعرفة كان قد اهتدى ونجا وسعد
ومن لم يسلك في القدر مسلكه بل سوى بين الجميع لزمه أن لا يفرق بين
الحسنات والسيئات وبين الأنبياء والفساق فلا يقول إن الله يحب هؤلاء وهذه
الأعمال ولا يبغض هؤلاء وهذه الأعمال بل جميع الحوادث هو يحبها كما يريدها
كما قاله الأشعري وإنما الفرق أن هؤلاء ينعمون وهؤلاء يعذبون
والأشعري لما أثبت الفرق بين هذا وهذا بالنسبة إلى المخلوق كان أعقل منهم
فإن هؤلاء يدعون أن العارف الواصل إلى مقام الفناء لا فرق بين هذا وهذا
وهم غلطوا في حق العبد وحق الرب & مذهب الصوفية في الفناء وما
يلزم عليه &

77 وهذه المسألة وقعت في زمن الجنيد كما ذكر ذلك في غير موضع وبين لهم
الجنيد الفرق الثاني وهو أنهم مع مشاهدة المشيئة العامة لا بد لهم من
مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهى عنه وهو الفرق بين ما يحبه وما
يبغضه وبين ذلك لهم الجنيد كما قال في التوحيد هو إفراد الحدوث عن القدم
78 أما في حق العبد فيلزمهم أن تستوي عنده جميع الحوادث وهذا محال قطعا
وهم قد تمر عليهم أحوال يفنون فيها عن أكثر الأشياء
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب الحسنه والسيئه الجزءالثالث Empty رد: كتاب الحسنه والسيئه الجزءالثالث {الإثنين 6 يونيو - 20:03}

أما الفناء عن جميعها فممتنع فإنه لا بد أن يفرق كل حي بين ما يؤلمه وبين
ما يلذه فيفرق بين الخبز والتراب والماء والشراب
فهؤلاء عزلوا الفرق الشرعي الإيماني والرحماني الذي به فرق الله بين
أوليائه وأعدائه وظنوا أنهم مع الجمع القدري
وعلى هذا فإن تسوية العبد بين جميع الحوادث ممتنع لذاته بل لا بد للعبد من
أن يفرق فإن لم يفرق بالفرق الشرعي فيفوق بين محبوب الحق ومكروهه وبين ما
يرضاه له ما يسخطه وإلا فرق بالفرق الطبعي بهواه وشيطانه فيحب ما تهواه
نفسه وما يأمره به شيطانه
ومن هنا وقع منهم خلق كثير في المعاصي وأخرون في الفسوق وآخرون في الكفر
حتى جوزوا عبادة الأصنام & وحدة الوجود &

وهؤلاء صرحوا بعبادة كل موجود كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع
وهو قول أهل الوحدة كابن عربي الحاتمي وابن سبعين والقونوي والتلمساني
والبلباني وابن الفارض وأمثالهم
والمقصود هنا الكلام على نفي الحكم والعدل والأسباب في القدر بين أهل
الكلام والمتصوفة الذين أوقعوا جهما في هذا الأصل وهو بدعته الثانية التي
اشتهرت عنه بخلاف الإرجاء فإنه منسوب إلى طوائف غيره & حكمة الله
وعدله &

79 ثم كثير منهم من ينتقل إلى وحدة الوجود وهم الذين خالفوا الجنيد وأئمة
الدين في التوحيد فلم يفرقوا بين القديم له المحدث
80 فهؤلاء يقولون إن الرب يجوز أن يفعل كل ما يقدر عليه


ويمكن فعله من غير مراعاة حكمة ولا رحمة ولا عدل ويقولون إن
مشيئته هي محبته
ولهذا تجد من اتبعهم غير معظم للأمر والنهي والوعد والوعيد بل هو منحل عن
الأمر الشرعي كله أو عن بعضه أو متكلف لما يعتقده أو يعمله فإنهم أرادوا
أن الجميع بالنسبة إلى الرب سواء وأن كل ما شاءه فقد أحبه وأنه يحدث ما
يحدثه بدون أسباب يخلقه بها ولا حكمة يسوقه إليها بل غايته أنه يسوق
المقادير إلى المواقيت
لم يبق عندهم فرق في نفس الأمر بين المأمور والمحظور بل وافقوا جهما ومن
قال بقوله كالأشعري في أنه في نفس الأمر لا حسن ولا سيء وإنما الحسن
والقبيح مجرد كونه مأمورا به ومحظورا وذلك فرق يعود إلى حظ العبد وهؤلاء
يدعون الفناء عن الحظوظ
فتارة يقولون في امتثال الأمر والنهي إنه من مقام التلبيس أو ما يشبه هذا
كما يوجد في كلام أبي إسماعيل الهروي صاحب منازل السائرين
وتارة يقولون يفعل هذا لأهل المارستان أي العامة كما يقوله الشيخ المغربي
إلى أنواع ليس هذا موضع بسطها & في كلام الشاذلي تعطيل الأمر
&

81 ومن يسلك مسلكهم غايته إذا عظم الأمر والنهي أن يقول كما نقل عن
الشاذلي يكون الجمع في قلبك مشهودا والفرق على لسانك موجودا





وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة
بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه
والمسلمون الذين جاءهم كتاب الله القرآن عدل كثير منهم ممن أضله

ولهذا يوجد في كلامه وكلام غيره اقوال وأدعية وأحزاب تستلزم تعطيل الأمر
والنهي مثل أن يدعو أن يعطيه الله إذا عصاه أعظم مما يعطيه إذا أطاعه ونحو
هذا مما يوجب أنه يجوز عنده أن يجعل الذين اجترحوا السيئات كالذين آمنوا
وعملوا الصالحات بل أفضل منهم ويدعون بأدعية فيها اعتداء كما يوجد في جواب
الشاذلي وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع & الكرامات عند
الصوفية &
82 وآخرون من عوام هؤلاء يجوزون أن يكرم الله بكرامات أكابر الأولياء من
يكون فاجرا بل كافرا ويقولون هذه موهبة وعطية يعطيها الله من يشاء ما هي
متعلقة لا بصلاة ولا بصيام ويظنون أن تلك من كرامات الأولياء وتكون
كراماتهم من الأحوال الشيطانية التي يكون مثلها للسحرة والكهان قال الله
تعالى { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين
أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلوا
الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس
السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت }


الشيطان من المنتسبين إلى الإسلام إلى أن نبذ كتاب الله وراء
ظهره واتبع ما تتلوه الشياطين فلا يعظم أمر القرآن ولا نهيه ولا يوالي من
أمر القرآن بموالاته ولا يعادي من أمر القرآن بمعاداته بل يعظم من رآه
يأتي ببعض خوارقهم التي يأتي بمثلها السحرة والكهان بإعانة الشياطين وهي
تحصل بما تتلوه الشياطين
ثم منهم من يعرف أن هذا من الشيطان ولكن يعظم ذلك لهواه ويفضله على طريق
القرآن ليصل به إلى تقديس العامة وهؤلاء كفار كالذين قال الله تعالى فيهم
{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون
للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن
يلعن الله فلن تجد له نصيرا }
وهؤلاء ضاهئوا الكفار الذين قال الله تعالى فيهم { ولما جاءهم رسول من عند
الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم
كأنهم لا يعلمون واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان
ولكن الشياطين كفروا } الآية
ومنهم من لا يعرف أن هذا من الشياطين & الشعوذة &

83 وقد يقع في مثل هذا طوائف من أهل الكلام والعلم وأهل العبادة والتصوف
حتى جوزوا عبادة الكواكب والأصنام لما رأوه


فيها من الأحوال العجيبة التي تعينهم عليها الشياطين لما يحصل
لهم بها من بعض أغراضهم من الظلم والفواحش فلا يبالون بشركهم بالله ولا
كفرهم به وبكتابه إذا نالوا ذلك ولم يبالوا بتعليم ذلك للناس وتعظيمهم لهم
لرياسة ينالونها أو مال ينالونه وإن كانوا قد علموا أنه الكفر والشرك
عملوه ودعوا إليه بل حصل عندهم ريب وشك فيما جاء به الرسول صلى الله عليه
وسلم أو اعتقاد أن الرسول خاطب الجمهور بما لا حقيقة له في الباطن لاجل
مصلحة الجمهور كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة والملاحدة والباطنية
وقد دخل في رأي هؤلاء طائفة من هؤلاء وهؤلاء وهذا مما ضاهئوا به فارس
والروم وغيرهم فإن فارس كانت تعظم الأنوار وتسجد للشمس وللنار والروم
كانوا قبل النصرانية مشركين يعبدون الكواكب والأصنام فهؤلاء الذين أشبهوا
فارس والروم شر من الذين أشبهوا اليهود والنصارى فإن أولئك ضاهئوا أهل
الكتاب فيما بدل أو نسخ وهؤلاء ضاهئوا من لا كتاب له من المجوس والمشركين
فارس والروم ومن دخل في ذلك من الهند واليونان
ومذهب الملاحدة الباطنية مأخوذ من قول المجوس بالأصلين ومن قول فلاسفة
اليونان بالعقول والنفوس
وأصل قول المجوس يرجع إلى أن تكون الظلمة المضاهية للنور هو إبليس وقول
الفلاسفة بالنفس & أصل الشر &

84 فأصل الشر عبادة النفس والشيطان وجعلهما شريكين للرب


وأن يعدلا به ونفس الإنسان تفعل الشر بأمر الشيطان وقد علم النبي
صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يقول إذا أصبح وإذا أمسى وإذا
أخذ مضجعه اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم
الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما
اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم
وهذا من تمام تحقيق قوله تعالى { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من
سيئة فمن نفسك } مع قوله تعالى { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من
اتبعك من الغاوين } وقوله { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين }
وقد ظهرت دعوى النفس الإلهية في فرعون ونحوه ممن ادعى أنه إله مع الله أو
من دونه وظهرت فيمن ادعى إلهية بشر مع الله كالمسيح وغيره & أصل
الشرك &

فهذا أول شرك كان في بني آدم وكان في قوم نوح فإنه أول رسول بعث إلى أهل
الأرض يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك كما قال تعالى { وقالوا لا
تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا
} وهذه أسماء قوم صالحين في قوم

85 وأصل الشرك في بني آدم كان من الشرك بالبشر الصالحين المعظمين فإنهم
لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم عبدوهم


نوح فلما ماتوا جعلوا الأصنام على صورهم ثم ذهبت هذه الأصنام لما
أغرق الله أهل الأرض ثم صارت إلى العرب كما ذكر ذلك ابن عباس وغيره إن لم
تكن أعيانها وإلا فهي نظائرها
وإما الشرك بالشيطان فهذا كثير
فمتى لم يؤمن الخلق بأنه لا إله إلا الله بمعنى أنه المعبود المستحق
للعبادة دون ما سواه وأنه يحب أن يعبد وأنه أمر أن يعبد وأنه لا يعبد إلا
بما أحبه مما شرع من واجب ومستحب فلا بد أن يقعوا في الشرك وغيره
فالذين جعلوا الأقوال والأفعال كلها بالنسبة إلى الله سواء لا يحب شيئا
دون شيء فلا فرق عنده بين من يعبده وحده لا يشرك به شيئا وبين من يعبد معه
آلهة أخرى وجعلوا الأمر معلقا بمشيئة ليس معها حكمة ولا رحمة ولا عدل ولا
فرق فيها بين الحسنات والسيئات طمعت النفس في نيل ما تريده بدون طاعة الله
ورسوله & من صفات الولي عند الصوفية &

فقال بعضهم إن الولي يعطي قول كن وقال بعضهم إنه لا يمتنع على الولي فعل
ممكن كما لا يمتنع على الله فعل محال
وهذا قاله ابن عربي والذين اتبعوه قالوا إن الممتنع لذاته مقدور عليه ليس
عندهم ما يقال إنه غير مقدور عليه للولي حتى ولا الجمع بين الضدين

86 ثم إذا جوزوا الكرامات لكل من زعم الصلاح ولم يقيدوا الصلاح بالعلم
الصحيح والإيمان الصادق والتقوى بل جلوا علامة الصلاح هذه الخوارق وجوزوا
الخوارق مطلقا وحكوا في ذلك مكاشفات وقالوا أقوالا منكرة


ولا غير ذلك وزاد ابن عربي أن الولي لا يعزب عن قدرته شيء من
الممكنات والذي لا يعزب عن قدرته شيء من الممكنات هو الله وحده
فهذا تصريح منهم بأن الولي مثل الله إن لم يكن هو الله
وصرح بعضهم بأنه يعلم كل ما يعلمه الله ويقدر على كل ما يقدر الله عليه
وادعوا أن هذا كان للنبي ثم انتقل إلى الحسن بن علي ثم من الحسن إلى ذريته
واحدا بعد واحد حتى انتهى ذلك إلى أبي الحسن الشاذلي ثم إلى ابنه
خاطبني بذلك من هو من أكابر أصحابهم وحدثني الثقة من أعيانهم أنهم يقولون
إن محمدا هو الله
وحدثني بعض الشيوخ الذين لهم سلوك وخبرة أنه كان هو وابن هود في مكة فدخلا
الكعبة فقال له ابن هود وأشار إلى وسط الكعبة هذا مهبط النور الأول وقال
له لو قال لك صاحب هذا البيت أريد أن أجعلك إلها ماذا كنت تقول له قال فقف
شعري من هذا الكلام وانخنست أو كما قال & دعوى سهل التستري في
الولاية &

وهذه الحكاية إما كذب على سهل وهو الذي نختار أن يكون حقا أو تكون غلطا
منه فلا حول ولا قوة إلا بالله وذلك أن ما أخبر الله

87 من الناس من يحكي عن سهل بن عبد الله أنه لما دخل الزنج البصرة قيل له
في ذلك فقال هاه إن ببلدكم هذا من سألوا الله أن يزيل الجبال عن أماكنها
لأزالها ولو سألوه أن لا يقيم القيامة لما أقامها لكنهم يعلمون مواضع رضاه
فلا يسألونه إلا ما يحب


أن يكون فلا بد أن يكون ولو سأله أهل السموات والأرض أن لا يكون
لم يجبهم مثل إقامة القيامة وأن لا يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين وغير
ذلك بل كل ما علم الله أنه يكون فلا يقبل الله دعاء أحد في أن لا يكون
لكن الدعاء سبب يقضي الله به ما علم الله أنه سيكون بهذا السبب كما يقضي
بسائر الأسباب ما علم أنه سيكون بها
وقد سأل الله تعالى من هو أفضل من كل من في البصرة بكثير ما هو دون هذا
فلم يجابوا لما سبق الحكم بخلاف ذلك كما سأله إبراهيم عليه الصلاة والسلام
أن يغفر لأبيه وكما سأله نوح عليه السلام نجاة ابنه فقيل له { يا نوح إنه
ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم }
وأفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم قيل له في شأن عمه أبي طالب { ما كان
للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى } وقيل له
في المنافقين { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم
} وقد قال تعالى عموما { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } وقال { ولا
تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } فمن هذا الذي لو سأل الله ما يشاؤه هو
أعطاه إياه
وسيد الشفعاء محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة أخبر أنه يسجد تحت
العرش ويحمد ربه ويثني عليه فيقال له أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط
واشفع تشفع قال فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة وقد قال تعالى { ادعوا ربكم
تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين }
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى