لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب الحسنه والسيئه الجزءالرابع Empty كتاب الحسنه والسيئه الجزءالرابع {الإثنين 6 يونيو - 20:04}


& الاعتداء في الدعاء &

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من داع يدعو الله
بدعوة ليس فيها ظلم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث إما
أن يعجل له دعوته وإما أن يدخر له من الخير مثلها وإما أن يصرف عنه من
الشر مثلها
فالدعوة التي ليس فيها اعتداء يحصل بها المطلوب بها أو مثله وهذا غاية
الإجابة فإن المطلوب بعينه قد يكون ممتنعا أو مفسدا للداعي أو لغيره
والداعي جاهل لا يعلم ما فيه المفسدة عليه والرب قريب مجيب وهو أرحم
بعباده من الوالدة بولدها والكريم الرحيم إذا سئل شيئا بعينه وعلم أنه لا
يصلح للعبد إعطاؤه أعطاه نظيره كما يصنع الوالد بولده إذا طلب منه ما ليس
له فإنه يعطيه من ماله نظيره ولله المثل الأعلى
كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما طلبت طائفة من عمه أن يوليهم ولاية
لا تصلح لهم فأعطاهم من الخمس ما أغناهم عن ذلك وزوجهم كما فعل بالفضل بن
عباس وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب
وقد روي في الحديث ليس شيء أكرم على الله من الدعاء وهذا حق

88 وأي اعتداء أعظم وأشنع من أن يسأل العبد ربه أن لا يفعل ما قد أخبر أنه
لا بد أن يفعله أو أن يفعل ما قد أخبر أنه لا يفعله وهو سبحانه كما أخبر
عن نفسه { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } وقال
{ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم
داخرين }


& فصل لا تطلب الحسنات إلا من الله &

فهذا يوجب على العبد شكره وعبادته وحده ثم قال { ثم إذا مسكم الضر فإليه
تجأرون } وهذا إخبار عن حالهم والجؤار يتضمن رفع الصوت والإنسان إنما يجأر
إذا مسه الضر وأما في حال النعمة فهو ساكن إما شاكرا وإما كفورا { ثم إذا
مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون
}
وهذا المعنى قد ذكره الله في غير موضع يذم من يشرك به بعد كشف البلاء عنه
وإسباغ النعماء عليه فيضيف العبد بعد ذلك الإنعام إلى غيره ويعبد غيره
تعالى ويجعل المشكور غيره على النعم كما قال تعالى { وإذا مس الناس ضر
دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون
ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون } وقال تعالى { قل من ينجيكم من
ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من
الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون } وقال تعالى {
وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان
يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك
من أصحاب النار }

89 ولما كان الأمر كما أخبر الله به في قوله { ما أصابك من حسنة فمن الله
وما أصابك من سيئة فمن نفسك } أوجب هذا أن لا يطلب العبد الحسنات والحسنات
تدخل فيها كل نعمة إلا من الله وأن يعلم أنها من الله وحده فيستحق الله
عليها الشكر الذي لا يستحقه غيره ويعلم أنه لا إله إلا هو كما قال تعالى {
وما بكم من نعمة فمن الله }





فهذا الحزب نوعان كالمعطلة والمشركة حزب إذا نزل بهم الضر لم يدعوا الله
ولم يتضرعوا إليه ولم يتوبوا إليه كما قال { ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك
فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا
ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون } وقال تعالى { ولقد
أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون } وقال تعالى { أو لا
يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون }
وقال تعالى { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون
} وحزب يتضرعون إليه في حال الضراء ويتوبون إليه فإذا كشفها عنهم أعرضوا
عنه كما قال تعالى { وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما
فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما
كانوا يعملون }

وقوله { نسي ما كان يدعو إليه } أي نسي الضر الذي كان يدعو الله لدفعه
إليه كما قال في سورة الأنعام { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم
الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه
إن شاء وتنسون ما تشركون } & المشركون عندما تنزل بهم الضراء
&
90 فذم الله سبحانه حزبين حزبا لا يدعونه في الضراء ولا يتوبون إليه وحزبا
يدعونه ويتضرعون إليه ويتوبون إليه فإذا كشف الضر عنهم أعرضوا عنه وأشركوا
به ما اتخذوهم من الأنداد من دونه


وقال تعالى { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه
الشر فذو دعاء عريض } وقال تعالى { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون
إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا } وقال في
المشركين ما تقدم { ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم
إذا فريق منكم بربهم يشركون } & أهل الصبر والشكر &

91 والممدوح هو القسم الثالث وهم الذين يدعونه ويتوبون إليه ويثبتون على
عبادته والتوبة إليه في حال السراء فيعبدونه ويطيعونه في السراء والضراء
وهم أهل الصبر والشكر كما ذكر ذلك عن أنبيائه عليهم السلام قال تعالى {
وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله
إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك
ننجي المؤمنين } وقال تعالى { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم
أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب }
وقال تعالى { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود
ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا
تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة
واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه
وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب
فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب }


وقال تعالى عن آدم وحواء { فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت
لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما
عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا
أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } وقال { فتلقى آدم من
ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم } & تفسير آية { وكأين
من نبي قاتل } &

وقوله قتل أي النبي قتل هذا أصح القولين
وقوله معه { ربيون كثير } جملة في موضع الخبر صفة للنبي صفة بعد صفة أي كم
من نبي معه ربيون كثير قتل ولم يقتلوا معه فإنه كان يكون المعنى أنه قتل
وهم معه والمقصود أنه كان معه ربيون كثير وقتل في الجملة وأولئك الربيون
ما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا

92 وقال تعالى عن المؤمنين الذين قتل نبيهم { وكأين من نبي قاتل معه ربيون
كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب
الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في
أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا
وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين }


والربيون الجموع الكثيرة وهم الألوف الكثيرة
وهذا المعنى هو الذي يناسب سبب النزول وهو ما أصابهم يوم أحد لما قيل إن
محمدا قد قتل وقد قال قبل ذلك { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل
أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله
شيئا وسيجزي الله الشاكرين } وهي التي تلاها أبو بكر الصديق رضي الله عنه
يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم وقال من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد
مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يمون & ما يحدث عند موت
النبي &

فإن بني إسرائيل قتلوا كثيرا من الأنبياء والنبي معه ربيون كثير أتباع له
وقد يكون قتله في غير حرب ولا قتال بل يقتل وقد اتبعه ربيون كثير فما وهن
المؤمنون لما أصابهم بقتله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين
ولكن استغفروا لذنوبهم التي بها تحصل المصائب فما أصابهم من سيئة فمن
أنفسهم وسألوا الله أن يغفر لهم وأن يثبت أقدامهم فيثبتهم على الإيمان
والجهاد لئلا يرتابوا ولا ينكلوا عن الجهاد قال تعالى { إنما المؤمنون
الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل
الله أولئك هم الصادقون } وسألوه أن ينصرهم على القوم الكافرين

93 فإنه عند قتل النبي أو موته تحصل فتنة عظيمة للناس المؤمنين والكافرين
وتحصل ردة ونفاق لضعف قلوب أتباعه لموته ولما يلقيه الشيطان في قلوب
الكافرين إن هذا قد انقضى أمره وما بقي يقوم دينه وأنه لو كان نبيا لما
قتل و غلب ونحو ذلك فأخبر الله تعالى أنه كم من نبي قتل


سألوا ربهم ما يفعل لهم في أنفسهم من التثبيت وما يعطيهم من عنده
من النصر فإنه هو الناصر وحده وما النصر إلا من عند الله وكذا أنزل
الملائكة عونا لهم قال تعالى لما أنزل الملائكة { وما جعله الله إلا بشرى
ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم } وقال
تعالى { فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين }
وهذا مبسوط في موضع آخر
والمقصود هنا أنه لما كانت الحسنة من إحسانه تعالى والمصائب من نفس
الإنسان وإن كانت بقضاء الله وقدره وجب على العبد أن يشكر ربه سبحانه وأن
يستغفره من ذنوبه وأن لا يتوكل إلا عليه وحده فلا يأتي بالحسنات إلا هو
فأوجب ذلك للعبد توحيده والتوكل عليه وحده والشكر له وحده والاستغفار من
الذنوب & أدعية الرسول ( ص ) جامعة لكل أمور التوحيد &

وهذا تحقيق لوحدانيته لتوحيد الربوبية خلقا وقدرا وبداية وهداية

94 وهذه الأمور كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمعها في الصلاة كما ثبت
عنه في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول
ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء
بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد فهذا حمد وهو شكر
لله تعالى وبيان أن حمده أحق ما قاله العبد ثم يقول بعد ذلك اللهم لا مانع
لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد


هو المعطي المانع لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولتوحيد
الإلهية شرعا وأمرا ونهيا وهو أن العباد وإن كانوا يعطون ملكا وعظمة وبختا
ورياسة في الظاهر أو في الباطن كأصحاب المكاشفات والتصرفات الخارقة فلا
ينفع ذا الجد منك الجد أي لا ينجيه ولا يخلصه من سؤالك وحسابك حظه وعظمته
وغناه
ولهذا قال لا ينفعه منك ولم يقل لا ينفعه عندك فإنه لو قيل ذلك أوهم أنه
لا يتقرب به إليك لكن قد لا يضره فيقول صاحب الجد إذا سلمت من العذاب في
الآخرة فما أبالي كالذين أوتوا النبوة والملك لهم ملك في الدنيا وهم من
السعداء فقد يظن ذو الجد الذي لم يعمل بطاعة الله من بعده أنه كذلك فقال
ولا ينفع ذا الجد منك ضمن ينفع معنى ينجي ويخلص فبين أن جده لا ينجيه من
العذاب بل يستحق بذنوبه ما يستحقه أمثاله ولا ينفعه جده منك فلا ينجيه ولا
يخلصه & معنى لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت &

فقوله لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت توحيد الربوبية الذي يقتضي أنه
سبحانه هو الذي يسأل ويدعى ويتوكل عليه
وهو سبب لتوحيد الإلهية ودليل عليه كما يحتج به في القرآن على المشركين

95 فتضمن هذا الكلام تحقيق التوحيد وتحقيق قوله { إياك نعبد وإياك نستعين
} وقوله { فاعبده وتوكل عليه } وقوله { عليه توكلت وإليه أنيب } وقوله {
واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه
وكيلا }


فإن المشركين كانوا يقرون بهذا التوحيد توحيد الربوبية ومع هذا
يشركون بالله فيجعلون له أندادا يحبونهم كحب الله ويقولون إنهم شفعاؤنا
عنده وإنهم يتقربون بهم إليه فيتخذونهم شفعاء وقربانا كما قال تعالى {
ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند
الله } وقال تعالى { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا
إلى الله زلفى } وقال تعالى { ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا
الآيات لعلهم يرجعون فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل
ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون }
وهذا التوحيد هو عبادة الله وحده لا شريك له وأن لا نعبده إلا بما أحبه
وما رضيه وهو ما أمر به وشرعه على ألسن رسله صلوات الله عليهم فهو متضمن
لطاعته وطاعة رسوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وأن يكون الله ورسوله
أحب إلى العبد من كل ما سواهما
وهو يتضمن أن يحب الله حبا لا يماثله ولا يساويه فيه غيره بل يقتضي أن
يكون رسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه
فإذا كان الرسول لأجل أنه رسول الله يجب أن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه
فكيف بربه سبحانه وتعالى
وفي صحيح البخاري أن عمر قال يا رسول الله والله إنك لأحب إلي من كل شيء
إلا من نفسي فقال لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك قال فوالذي بعثك
بالحق إنك لأحب إلي من نفسي قال الآن يا عمر





فإن لم يكن الله ورسوله والجهاد في سبيله أحب إلى العبد من الأهل والمال
على اختلاف أنواعه فإنه داخل تحت هذا الوعيد & توحيد الإلهية
&

ومن ذلك الصبر على المقدور كما أن الأول يتضمن الإقرار بأنه لا خالق ولا
رازق ولا معطي ولا مانع إلا الله وحده فيقتضي أن لا يسأل العبد غيره ولا
يتوكل إلا عليه ولا يستعين إلا به كما قال تعالى في النوعين { إياك نعبد
وإياك نستعين } وقال { فاعبده وتوكل عليه }
وهذا التوحيد هو الفارق بين الموحدين والمشركين وعليه يقع الجزاء والثواب
في الأولى والآخرة فمن لم يأت به كان من المشركين الخالدين فإن الله لا
يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء & توحيد الربوبية
&

وقد قال تعالى { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } وقال تعالى { قل إن كان
آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة
تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله
فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين }
96 فهذا التوحيد توحيد الإلهية يتضمن فعل المأمور وترك المحظور
97 أما توحيد الربوبية فقد اقر به المشركون وكانوا يعبدون مع


الله غيره ويحبونهم كما يحبونه فكان ذلك التوحيد الذي هو توحيد
الربوبية حجة عليهم فإذا كان الله هو رب كل شيء ومليكه ولا خالق ولا رازق
إلا هو فلماذا يعبدون غيره معه وليس له عليهم خلق ولا رزق ولا بيده لهم
منع ولا عطاء بل هو عبد مثلهم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا
حياة ولا نشورا
فإن قالوا ليشفع فقد قال الله { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } فلا
يشفع من له شفاعة من الملائكة والنبيين إلا بإذنه وأما قبورهم وما نصب
عليهم من قباب وأنصاب أو تماثيلهم التي مثلت على صورهم مجسدة أو مرموقة
فجعل الاستشفاع بها استشفاعا بهم فهذا باطل عقلا وشرعا فإنها لا شفاعة لها
بحال ولا لسائر الأصنام التي عملت للكواكب والجن والصالحين وغيرهم
& حقيقة الشفاعة &

وتكون شفاعة الشفيع هي التي حركت إرادة المشفوع إليه وجعلته

98 وإذا كان الله لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ولا يشفعون إلا لمن ارتضى
فما بقي الشفعاء شركاء كشفاعة المخلوق عند المخلوق فإن المخلوق يشفع عنده
نظيره أو من هو أعلى منه أو دونه بدون إذن المشفوع إليه ويقبل المشفوع
إليه ولا بد شفاعته إما لرغبته إليه أو فيما عنده من قوة أو سبب ينفعه به
أو يدفع عنه ما يخشاه وإما لرهبته منه وإما لمحبته إياه وإما للمعارضة
بينهما والمعاونة وإما لغير ذلك من الأسباب


مريدا للشفاعة بعد أن لم يكن مريدا لها كأمر الآمر الذي يؤثر في
المأمور فيفعل ما أمره به بعد أن لم يكن مريدا لفعله
وكذلك سؤال المخلوق للمخلوق فإنه قد يكون محركا له إلى فعل ما سأله
فالشفيع كما أنه شافع للطالب شفاعته في الطلب فهو أيضا قد شفع المشفوع
إليه فبشفاعته صار المشفوع إليه فاعلا للمطلوب فقد شفع الطالب والمطلوب
والله تعالى وتر لا يشفعه أحد فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه فالأمر كله
إليه وحده فلا شريك له بوجه ولهذا ذكر سبحانه نفي ذلك في آية الكرسي التي
فيها تقرير التوحيد فقال { له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي
يشفع عنده إلا بإذنه }
وسيد الشفعاء صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إذا سجد وحمد ربه يقال له
ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فيحد له حدا فيدخلهم الجنة فالأمر
كله لله كما قال { قل إن الأمر كله لله } وقال لرسوله { ليس لك من الأمر
شيء } وقال { ألا له الخلق والأمر }
فإذا كان لا يشفع عند الله أحد إلا بإذنه فهو يأذن لمن يشاء ولكن يكرم
الشفيع بقبول الشفاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء
وإذا دعاه الداعي وشفع عنده الشفيع فسمع الدعاء وقبل الشفاعة لم يكن هذا
مؤثرا فيه كما يؤثر المخلوق في المخلوق فإنه سبحانه هو الذي جعل



هذا يدعو وهذا يشفع وهو الخالق لأفعال العباد فهو الذي وفق العبد
للتوبة ثم قبلها وهو الذي وفقه للعمل ثم أثابه عليه وهو الذي وفقه للدعاء
ثم أجابه فما يؤثر فيه شيء من المخلوقات بل هو سبحانه الذي جعل ما يفعله
سببا لما يفعله
وهذا مستقيم على أصول أهل السنة المؤمنين بالقدر وأن الله خالق كل شيء
وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا يكون شيء إلا بمشيئته وهو خالق
أفعال العباد كما هو خالق سائر المخلوقات قال يحيى بن سعيد القطان ما زلت
أسمع أصحابنا يقولون إن الله خالق أفعال العباد
ولكن هذا يناقض قول القدرية فإنهم إذا جعلوا العبد هو الذي يحدث ويخلق
أفعاله بدون مشيئة الله وخلقه لزمهم أن يكون العبد قد جعل ربه فاعلا لما
لم يكن فاعلا له فبدعائه جعله مجيبا له وبتوبته جعله قابلا للتوبة
وبشفاعته جعله قابلا للشفاعة & معنى إذن الله &

والقدرية تنكر هذا الإذن وحقيقة قولهم إن السحر يضر بدون إذن الله وكذلك
قوله { وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله } فإن الذي

99 وهذا يشبه قول من جعل المخلوق يشفع عند الله بغير إذنه فإن الإذن نوعان
إذن لمعنى المشيئة والخلق وإذن بمعنى الإباحة والإجازة فمن الأول قوله في
السحر { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } فإن ذلك بمشيئة الله
وقدرته وإلا فهو لم يبح السحر
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب الحسنه والسيئه الجزءالرابع Empty رد: كتاب الحسنه والسيئه الجزءالرابع {الإثنين 6 يونيو - 20:17}


أصابهم من القتل والجراح والتمثيل والهزيمة إذا كان بإذنه فهو
خالق لأفعال الكفار ولأفعال المؤمنين
والنوع الثاني قوله { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله
بإذنه } وقوله { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن
الله } فإن هذا يتضمن إباحته لذلك وإجازته له ورفع الجناح والحرج عن فاعله
مع كونه بمشيئته وقضائه
فقوله { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } هو هذا الإذن الكائن بقدره
وشرعه ولم يرد بمجرد المشيئة والقدر فإن السحر وانتصار الكفار على
المؤمنين كان بذلك الإذن
فمن جعل العباد يفعلون افعالهم بدون أن يكون الله خالقا لها وقادرا عليها
ومشيئا لها فعنده كل شافع وداع قد فعل ما فعل بدون خلق الله وقدرته وإن
كان قد اباح الشفاعة
وأما الكفر والسحر وقتال الكفار فهو عندهم بغير إذنه لا هذا الإذن ولا هذا
الإذن فإنه لم يبح ذلك باتفاق المسلمين وعندهم أنه لم يشأه ولم يخلقه بل
كان بدون مشيئته وخلقه
والمشركون المقرون بالقدر يقولون إن الشفعاء يشفعون بالإذن القدري وإن لم
يأذن لهم إباحة وجوازا
ومن كان مكذبا بالقدر مثل كثير من النصارى يقولون إن شفاعة الشفعاء بغير
إذن لا قدري ولا شرعي
والقدرية من المسلمين يقولون يشفعون بغير إذن قدري





فإن قيل فمن الشفعاء من يشفع بدون إذن الله الشرعي وإن كان خالقا لفعله
كشفاعة نوح لابنه وشفاعة إبراهيم لأبيه وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم
لعبد الله بن أبي سلول حين صلى عليه بعد موته وقوله { من ذا الذي يشفع
عنده إلا بإذنه } قد قلتم إنه يعم النوعين فإنه لو أراد الإذن القدري لكان
كل شفاعة داخلة في ذلك كما يدخل في ذلك كل كفر وسحر ولم يكن فرق بين ما
يكون بإذنه وما لا يكون بإذنه ولو أراد الإذن الشرعي فقط لزم قول القدرية
وهؤلاء قد شفعوا بغير إذن شرعي & الشفاعة المقبولة &

فإن الهدى والإنذار والتذكير والتعليم لا بد فيه من قبول المتعلم فإذا
تعلم حصل له التعليم المقصود وإلا قيل علمته فلم يتعلم كما قيل { وأما
ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } فكذلك الشفاعة

ومن سأل الله بغير إذنه الشرعي فقد شفع عنده بغير إذن قدري ولا شرعي
فالداعي المأذون له في الدعاء مؤثر في الله عندهم ولكن بإباحته والداعي
غير المأذون له إذا أجاب دعاه فقد أثر فيه عندهم لا بهذا الإذن ولا بهذا
الإذن كدعاء بلعام بن باعوراء وغيره والله تعالى يقول { من ذا الذي يشفع
عنده إلا بإذنه }
100 قيل المنفي من الشفاعة بلا إذن هي الشفاعة التامة وهي المقبولة كما في
قول المصلى سمع الله لمن حمده أي استجاب له وكما في قوله تعالى { هدى
للمتقين } وقوله { إنما أنت منذر من يخشاها } وقوله { فذكر بالقرآن من
يخاف وعيد } ونحو ذلك




فالشفاعة المطلوبة هي الشفاعة المطاع الذي تقبل شفاعته وهذه ليست لأحد عند
الله إلا بإذنه قدرا وشرعا فلا بد أن يأذن فيها ولا بد أن يجعل العبد
شافعا فهو الخالق لفعله والمبيح له كما في الداعي هو الذي أمره بالدعاء
وهو الذي يجعل الداعي داعيا فالأمر كله لله خلقا وأمرا كما قال { ألا له
الخلق والأمر }
وقد روى في حديث ذكره ابن أبي حاتم وغيره أنه قال فمن يثق به فليدعه أي
فلم يبق لغيره لا خلق ولا أمر & الشفاعة المنفية &

فالشفاعة مقصودها قبول المشفوع إليه وهي الشفاعة التامة فهذه هي التي لا
تكون إلا بإذنه وأما إذا شفع شفيع فلم تقبل شفاعته كانت كعدمها وكان على
صاحبها التوبة والاستغفار منها كما قال نوح { رب إني أعوذ بك أن أسألك ما
ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } وكما نهى الله
النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين وقال له { ولا تصل على
أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم
فاسقون } وقال له { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله
لهم } ولهذا قال على لسان المشركين { فما لنا من شافعين ولا صديق حميم }
101 ولما كان المراد بالشفاعة المنفية هي الشفاعة المطلقة وهي المقصود
بالشفاعة وهي المقبولة بخلاف المردودة فإن أحدا لا يريدها لا الشافع ولا
المشفوع ولا المشفوع إليه ولو علم الشافع والمشفوع له أنها ترد لم يفعلوها
والشفاعة المقبولة هي النافعة بين ذلك في مثل قوله { ولا تنفع الشفاعة
عنده إلا لمن أذن له }


وقوله { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له
قولا } فنفى الشفاعة المطلقة وبين أن الشفاعة لا تنفع عنده الا لمن أذن له
وهو الإذن الشرعي بمعنى أباح له ذلك وأجازه كما قال تعالى { أذن للذين
يقاتلون بأنهم ظلموا } وقوله { لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم }
وقوله { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } ونحو ذلك
وقوله إلا لمن أذن له هو إذن للمشفوع له فلا يأذن في شفاعة مطلقة لأحد قال
تعالى { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا
همسا يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } وفيه
قولان قيل إلا شفاعة من أذن له الرحمن وقيل لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن
له الرحمن فهو الذي تنفعه الشفاعة وهذا هو الذي يذكره طائفة من المفسرين
لا يذكرون غيره لأنه لم يقل لا تنفع إلا من أذن له ولا قال لا تنفع
الشفاعة إلا فيمن أذن له بل قال لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له فهي لا
تنفع ولا ينتفع بها ولا تكون نافعة إلا للمأذون لهم كما قال تعالى في
الآية الآخرى { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له }
ولا يقال لا تنفع إلا لشفيع مأذون له بل لو أريد هذا لقيل لا تنفع الشفاعة
عنده إلا من أذن له وإنما قال لمن أذن له وهو المشفوع له الذي تنفعه
الشفاعة
وقوله حتى إذا فزع عن قلوبهم لم يعد إلى الشفعاء بل عاد إلى المذكورين في
قوله { وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير } ثم قال { ولا تنفع
الشفاعة عنده } ثم بين أن هذا منتف { حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا
قال ربكم قالوا الحق }



فلا يعلمون ماذا قال حتى يفزع عن قلوبهم فكيف يشفعون بلا إذنه
وهو سبحانه إذا أذن للمشفوع له فقد أذن للشافع
فهذا الإذن هو الإذن المطلق بخلاف ما إذا أذن للشافع فقط فإنه لا يلزم أن
يكون قد أذن للمشفوع له إذ قد يأذن له إذنا خاصا
وهكذا قال غير واحد من المفسرين قالوا وهذا يدل على أن الشفاعة لا تنفع
إلا المؤمنين وكذلك قال السلف في هذه الآية
قال قتادة في قوله { إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } قال كان أهل
العلم يقولون إن المقام المحمود الذي قال الله تعالى عنه { عسى أن يبعثك
ربك مقاما محمودا } هو شفاعته يوم القيامة وقوله { إلا من أذن له الرحمن
ورضي له قولا } إن الله يشفع المؤمنين بعضهم في بعض
قال البغوي { إلا من أذن له الرحمن } أذن الله له أن يشفع له { ورضي له
قولا } أي ورضي قوله قال ابن عباس يعني قال لا إله إلا الله قال البغوي
فهذا يدل على أنه لا يشفع لغير المؤمن
وقد ذكروا القولين في قوله تعالى { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له
} وقدم طائفة هناك أن المستثنى هو الشافع دون المشفوع له بخلاف ما قدموه
هنا
منهم البغوي فإنه لم يذكر هنا في الاستثناء إلا المشفوع له وقال هناك {
ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } في الشفاعة قاله تكذيبا لهم حيث
قالوا { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } قال ويجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن
له أن يشفع له





ومعنى هاتين الآيتين مثل معنى تلك الآية وهو يعم النوعين
وذلك أنه سبحانه قال { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي
له قولا }
والشفاعة مصدر شفع شفاعة والمصدر يضاف إلى الفاعل تارة وإلى محل الفعل
تارة ويماثله الذي يسمى لفظه المفعول به تارة كما يقال أعجبني دق الثوب
ودق القصار وذلك مثل لفظ العلم يضاف تارة إلى العلم وتارة إلى المعلوم
فالأول كقوله { ولا يحيطون بشيء من علمه } وقوله { أنزله بعلمه } وقوله {
أنما أنزل بعلم الله } ونحو ذلك
والثاني كقوله { إن الله عنده علم الساعة } فالساعة هنا معلومة لا عالمة
وقوله حين قال فرعون { فما بال القرون الأولى } قال موسى { علمها عند ربي
في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى } ومثل هذا كثير
فالشفاعة مصدر لا بد لها من شافع ومشفوع له
والشفاة تعم شفاعة كل شافع وكل شفاعة لمشفوع له
فإذا قال يومئذ لا تنفع الشفاعة نفى النوعين شفاعة الشفعاء والشفاعة
للمذنبين فقوله { إلا من أذن له الرحمن } يتناول النوعين من أذن له الرحمن

وكذلك ذكروا القولين في قوله { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا
من شهد بالحق } وسنتكلم على هذه الآية إن شاء الله تعالى ونبين أن
الاستثناء فيها يعم الطائفتين وأنه منقطع


ورضي له قولا من الشفعاء ومن أذن له الرحمن ورضي له قولا من
المشفوع له وهي تنفع المشفوع له فتخلصه من العذاب وتنفع الشافع فتقبل منه
ويكرم بقبولها ويثاب عليه
والشفاعة يومئذ لا تنفع لا شافعا ولا مشفوعا له { إلا من أذن له الرحمن
وقال صوابا } فهذا الصنف المأذون لهم المرضي قولهم هم الذين يحصل لهم نفع
الشفاعة وهذا موافق لسائر الآيات
فإنه تارة يشترط في الشفاعة إذنه كقوله { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه
}
وتارة يشترط فيها الشهادة بالحق كقوله { ولا يملك الذين يدعون من دونه
الشفاعة } ثم قال { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون }
وهنا اشترط الأمرين أن يأذن له الرحمن وأن يقول صوابا والمستثنى يتناول
مصدر الفاعل والمفعول كما تقول لا ينفع الزرع إلا في وقته فهو يتناول زرع
الحارث وزرع الأرض لكن هنا قال { إلا من أذن له الرحمن } والاستثناء مفرغ
فإنه لم يتقدم قبل هذا من يستثنى منه هذا وإنما قال { لا تنفع الشفاعة إلا
من أذن له الرحمن } فإذا لم يكن في الكلام حذف كان المعنى لا تنفع الشفاعة
إلا هذا النوع فإنهم تنفعهم الشفاعة ويكون المعنى أنها تنفع الشافع
والمشفوع له
وإن جعل فيه حذف تقديره لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن كان
المصدر مضافا إلى النوعين كل واحد بحسبه يضاف إلى بعضهم لكونه شافعا وإلى
بعضهم لكونه مشفوعا له ويكون هذا كقوله



{ ولكن البر من آمن بالله } أي من يؤمن و { ومثل الذين كفروا
كمثل الذي ينعق } أي مثل داعي الذين كفروا كمثل الناعق أو مثل الذين كفروا
كمثل منعوق به أي الذي ينعق به والمعنى في ذلك كله ظاهر معلوم فلهذا كان
من أفصح الكلام إيجازه دون الإطناب فيه
وقوله يومئذ لا تنفع الشفاعة إذا كان من هذا الباب لم يحتج أن الشافع
تنفعه الشفاعة وإن لم يكرمه كان الشافع ممن تنفعه الشفاعة
وفي الآية الأخرى { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } من هؤلاء
وهؤلاء
لكن قد يقال التقدير لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له أن يشفع فيه
فيؤذن لغيره أن يشفع فيه فيكون الإذن للطائفتين والنفع للمشفوع له كأحد
الوجهين أو ولا تنفع إلا لمن أذن له من هؤلاء وهؤلاء فكما أن الإذن
للطائفتين فالنفع أيضا للطائفتين فالشافع ينتفع بالشفاعة وقد يكون انتفاعه
بها أعظم من انتفاع المشفوع له ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في
الحديث الصحيح اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء
ولهذا كان من أعظم ما يكرم به الله عبده محمدا صلى الله عليه وسلم هو
الشفاعة التي يختص بها وهي المقام المحمود الذي يحمده به الأولون والآخرون
وعلى هذا لا تحتاج الآية إلى حذف بل يكون معناها يومئذ لا تنفع الشفاعة لا
شافعا ولا مشفوعا إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا
ولذلك جاء في الصحيح إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا بني عبد مناف لا
أملك لكم من الله من شيء يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أملك



لك من الله من شيء يا عباس عم رسول الله لا أملك لك من الله من
شيء وفي الصحيح أيضا لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له
رغاء أو شاة لها يعار أو رقاع تخفق فيقول أغثني أغثني فأقول قد أبلغتك لا
أملك لك من الله من شيء
فيعلم من هذا أن قوله ولا يملكون من دونه الشفاعة ولا يملكون منه خطابا
على مقتضاه وأن قوله في الآية { لا يملكون منه } كقوله صلى الله عليه وسلم
لا أملك لكم من الله من شيء وهو كقول إبراهيم لابيه { وما أملك لك من الله
من شيء }
وهذه الآية تشبه قوله تعالى { رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا
يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له
الرحمن وقال صوابا } فإن هذا مثل قوله { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن
له الرحمن ورضي له قولا } ففي الموضعين اشترط إذنه فهناك ذكر القول الصواب
وهنا ذكر أن يرضى قوله ومن قال الصواب رضي الله قوله فإن الله إنما يرضى
بالصواب & الشفاعة لله &

أحدهما أنه الشفاعة أيضا كما قال ابن السائب لا يملكون شفاعة إلا بإذنه
والثاني لا يقدر الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه قال مقاتل كذلك قال
مجاهد لا يملكون منه خطابا قال كلاما هذا من تفسيره الثابت عنه وهو من
أعلم أو أعلم التابعين بالتفسير

102 وقد ذكروا في تلك الآية قولين




وهذا يتناول الشفاعة أيضا
وفي قوله لا يملكون منه خطابا لم يذكر استثناء فإن أحدا لا يملك من الله
خطابا مطلقا إذ المخلوق لا يملك شيئا يشارك فيه الخالق كما قد ذكرناه في
قوله { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } أن هذا عام مطلق فإن أحدا
ممن يدعى من دونه لا يملك الشفاعة بحال ولكن الله إذا أذن لهم شفعوا من
غير أن يكون ذلك مملوكا لهم وكذلك قوله { لا يملكون منه خطابا } هذا قول
السلف وجمهور المفسرين
وقال بعضهم هؤلاء هم الكفار لا يملكون مخاطبة الله في ذلك اليوم قال ابن
عطية قوله { لا يملكون } الضمير للكفار أي لا يملكون من إفضاله وإكماله أن
يخاطبوه بمعذرة ولا غيرها وهذا مبتدع وهو خطأ محض
والصحيح قول الجمهور والسلف أن هذا عام كما قال في آية اخرى { وخشعت
الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } وفي حديث التجلي الذي في الصحيح لما
ذكر مرورهم على الصراط قال صلى الله عليه وسلم ولا يتكلم أحد إلا الرسل
ودعوى الرسل اللهم سلم سلم فهذا في وقت المرور على الصراط وهو بعد الحساب
والميزان فكيف بما قبل ذلك
وقد طلبت الشفاعة من أكابر الرسل وأولي العزم وكل يقول إن

قال الثوري إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به وقال عرضت المصحف على ابن
عباس أقفه عند كل آية وأسأله عنها وعليه اعتمد الشافعي وأحمد والبخاري في
صحيحه


ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله
وإني فعلت كذا وكذا نفسي نفسي نغمى فإذا كان هؤلاء لا يتقدمون إلى مخاطبة
الله تعالى بالشفاعة فكيف بغيرهم
وأيضا فإن هذه الآية مذكورة بعد ذكر المتقين وأهل الجنة وبعد أن ذكر
الكافرين فقال { إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا
دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزاء من ربك عطاء حسابا رب السماوات
والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا } ثم قال { يوم يقوم الروح
والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا } فقد أخبر أن
الروح والملائكة يقومون صفا لا يتكلمون وهذا هو تحقيق قوله { لا يملكون
منه خطابا } والعرب تقول ما أملك من أمر فلان أو من فلان شيئا أي لا أقدر
من أمره على شيء وغاية ما يقدر عليه الإنسان من أمر غيره ولو بالسؤال
فهم في ذلك الموطن لا يملكون من الله شيئا ولا الخطاب فإنه لا يتكلم أحد
إلا بإذنه ولا يتكلم إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا قال تعالى { إلا قول
إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء } فقد أخبر الخليل
أنه لا يملك لأبيه من الله من شيء فكيف غيره
وقال مجاهد أيضا إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا قال حقا في الدنيا وعملا
به رواه والذي قبله عبد بن حميد وروى عن عكرمة وقال صوابا قال الصواب قول
لا إله إلا الله





وقوله في سورة طه { لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا }
فإذا جعلت هذه مثل تلك فتكون الشفاعة هي الشفاعة المطلقة وهي الشفاعة في
الحسنات وفي دخول الجنة كما في الصحيحين أن الناس يهتمون يوم القيامة
فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يرحمنا من مقامنا هذا فهذا طلب الشفاعة
للفصل بينهم
وفي حديث الشفاعة أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن فهذه
شفاعة أهل الجنة ولهذا قيل إن هاتين الشفاعتين مختصتان بمحمد صلى الله
عليه وسلم ويشفع غيره في العصاة
فقوله { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } يدخل
فيها الشفاعة في أهل الموقف عموما وفي أهل الجنة وفي المستحقين للعذاب وهو
سبحانه في هذه وتلك لم يذكر العمل إنما قال وقال صوابا وقال ورضي له قولا
لكن قد دل الدليل على أن القول الصواب المرضي لا يكون صاحبه محمودا إلا مع
العمل الصالح لكن نفس القول مرضي فقد قال الله { إليه يصعد الكلم الطيب }
وذكر البغوي وأبو الفرج ابن الجوزي وغيرهما في قوله { ولا يملك الذين
يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } قولين أحدهما أن
المستثنى هو شافع ومحل من الرفع والثاني هو المشفوع له
قال أبو الفرج في معنى الآية قولان أحدهما أنه أراد ب { الذين يدعون من
دونه }

فعلى قول مجاهد يكون المستثنى من أبى بالكلم الطيب والعمل الصالح


آلهتهم ثم استثنى عيسى وعزيرا والملائكة فقال { إلا من شهد بالحق
} وهو شهادة أن لا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم
قال وهذا مذهب الأكثرين منهم قتادة
والثاني أن المراد ب { الذين يدعون } عيسى وعزيرا والملائكة الذين عبدهم
المشركون لا يملك هؤلاء الشفاعة لأحد { إلا من شهد بالحق } وهي كلمة
الإخلاص { وهم يعلمون } أن الله خلق عيسى وعزيرا والملائكة وهذا مذهب قوم
منهم مجاهد
وقال البغوي { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق }
هم عيسى وعزير والملائكة فإنهم عبدوا من دون الله ولهم الشفاعة وعلى هذا
تكون من محل رفع وقيل من في محل خفض وأراد بالذين يدعون عيسى وعزيرا
والملائكة يعني أنهم لا يملكون الشفاعة إلا لمن شهد بالحق قال والأول أصح
قلت قد ذكر جماعة قول مجاهد وقتادة منهم ابن أبي حاتم روى بإسناده المعروف
عن مجاهد على شرط الصحيح عن مجاهد قوله { ولا يملك الذين يدعون من دونه
الشفاعة } عيسى وعزيرا والملائكة يقول لا يشفع عيسى وعزير والملائكة { إلا
من شهد بالحق } يعلم الحق هذا لفظه جعل شفع متعديا بنفسه وكذلك لفظ
وعلى هذا فيكون منصوبا لا يكون مخفوضا كما قاله البغوي فإن الحرف الخافض
إذا حذف انتصب الاسم ويكون على هذا يقال شفعته وشفعت له كما يقال نصحته
ونصحت له وشفع أي صار شفيعا للطالب أي لا يشفعون طالبا ولا يعينون طالبا {
إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } أن الله ربهم





قلت كلا القولين معناه صحيح لكن التحقيق في تفسير الآية أن الاستثناء
منقطع ولا يملك أحد من دون الله الشفاعة مطلقا لا يستثنى من ذلك أحد عند
الله فإنه لم يقل ولا يشفع أحد ولا قال لا يشفع لأحد بل قال { ولا يملك
الذين يدعون من دونه الشفاعة } وكل من دعي من دون الله لا يملك الشفاعة
ألبتة
والشفاعة بإذن ليست مختصة بمن عبد من دون الله
وسيد الشفعاء صلى الله عليه وسلم لم يعبد كما عبد المسيح وهو مع هذا له
شفاعة ليست لغيره فلا يحسن أن تثبت الشفاعة لمن دعي من دون الله دون من لم
يدع
فمن جعل الاستثناء متصلا فإن معنى كلامه أن من دعى من دون الله لا يملك
الشفاعة إلا أن يشهد بالحق وهو يعلم أو لا يشفع إلا لمن شهد بالحق وهو
يعلم ويبقى الذين لم يدعوا من دون الله لم تذكر شفاعتهم لأحد وهذا المعنى
لا يليق بالقرآن ولا يناسبه وسبب نزول الآية يبطله أيضا & معنى {
ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } &

وروى بإسناده عن قتادة { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } الملائكة وعيسى
وعزير أي أنهم قد عبدوا من دون الله ولهم شفاعة عند الله ومنزلة
103 وأيضا فقوله { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } يتناول كل
معبود من دونه ويدخل في ذلك الأصنام فإنهم كانوا يقولون هم يشفعون لنا قال
تعالى { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء
شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض }




فإنه إذا كان المعنى أن المعبودين لا يشفعون إلا إذا كانوا ملائكة أو
أنبياء كان في هذا إثبات شفاعة المعبودين لمن عبدوهم إذا كانوا صالحين
والقرآن كله يبطل هذا المعنى ولهذا قال تعالى { وكم من ملك في السماوات لا
تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى } وقال تعالى {
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم
بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم
من خشيته مشفقون } فبين أنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الرب فعلم أنه لا بد
أن يؤذن لهم فيمن يشفعون فيه وأنهم لا يؤذن لهم إذن مطلق
وأيضا فإن في القرآن إذا نفي الشفاعة من دونه نفاها مطلقا فإن قوله { من
دونه } إما أن يكون متصلا بقوله { يملكون } أو بقوله { يدعون } أو بهما
فالتقدير لا يملك الذين يدعونهم الشفاعة من دونه أو لا يملك الذين يدعونهم
من دونه أن يشفعوا وهذا أظهر لأنه قال { ولا يملك الذين يدعون من دونه
الشفاعة } فأخر الشفاعة وقدم من دونه
ومثل هذا كثير في القرآن يدعون من دون الله ويعبدون من دون

فإذا قيل إنه استثنى الملائكة والأنبياء كان في هذا إطماع لمن عندهم أن
معبوديهم من دون الله يشفعون لهم وهذا مما يبين فساد القول المذكور عن
قتادة
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب الحسنه والسيئه الجزءالرابع Empty رد: كتاب الحسنه والسيئه الجزءالرابع {الإثنين 6 يونيو - 20:18}


الله كقوله { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم }
وقوله { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك }
بخلاف ما إذا قيل لا يملك الذين يدعون الشفاعة من دونه فإن هذا لا نظير له
في القرآن واللفظ المستعمل في هذا أن يقال لا يملك الذين يدعون الشفاعة
إلا بإذنه أو لمن ارتضى ونحو ذلك لا يقال في هذا المعنى من دونه فإن
الشفاعة هي من عنده فكيف تكون من دونه لكن قد تكون بإذنه وقد تكون بغير
إذنه
وأيضا فإذا قيل { الذين يدعون } مطلقا دخل فيه الرب تعالى فإنهم كانوا
يدعون الله ويدعون معه غيره ولهذا قال { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر
}
والتقدير الثالث لا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة من دونه وهذا أجود
من الذي قبله ولكن يرد عليه ما يرد على الأول & من ذا الذي يشفع
عنده إلا بإذنه &

104 ومما يضعفهما أن الشفاعة لم تذكر بعدها صلة لها بل قال { ولا يملك
الذين يدعون من دونه الشفاعة } ففي ملكهم الشفاعة مطلقا وهذا هو الصواب
وأن كل من دعي من دون الله لا يملك الشفاعة فإن المالك للشيء هو الذي
يتصرف فيه بمشيئته وقدرته والرب تعالى لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه فلا
يملك أحد من المخلوقين الشفاعة بحال ولا يقال في هذا { إلا بإذنه } إنما
يقال ذلك في الفعل فيقال { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه }




ولهذا لما نفى الشفعاء من دونه نفاهم نفيا مطلقا بغير استثناء وإنما يقع
الاستثناء إذا لم يقيدهم بأنهم من دونه كما قال تعالى { وأنذر به الذين
يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع } وكما قال تعالى
{ وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع } وكما
قال تعالى { ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع } فلما قال من دونه نفى
الشفاعة مطلقا وإذ ذكر بإذنه لم يقل من دونه كقوله { من ذا الذي يشفع عنده
إلا بإذنه } وقوله { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } & القرآن
متشابه ومثاني &

وأما في الملك فلا يمكن أن يكون غيره مالكا لها فلا يملك مخلوق الشفاعة
بحال ولا يتصور أن يكون نبي فمن دونه مالكا لها بل هذا ممتنع كما يمتنع أن
يكون خالقا وربا وهذا كما قال { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا
يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له
منهم من ظهير } فنفى الملك مطلقا ثم قال { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن
أذن له } فنفى نفع الشفاعة إلا لمن استثناه لم يثبت أن مخلوقا يملك
الشفاعة بل هو سبحانه له الملك وله الحمد لا شريك له في الملك قال تعالى {
تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك
السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء
فقدره تقديرا }
105 فمن تدبر القرآن تبين له أنه كما قال تعالى { الله نزل أحسن الحديث
كتابا متشابها مثاني }


يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا ليس بمختلف ولا بمتناقض { ولو
كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا }
وهو مثاني يثني الله فيه الأقسام ويستوفيها
والحقائق إما متماثلة وهو المتشابه وإما مماثلة وهي الأصناف والأقسام
والأنواع وهي المثاني
والتثنية يراد بها جنس التعديد من غير اقتصار على اثنين فقط كما في قوله
تعالى { ارجع البصر كرتين } يراد به مطلق العدد كما تقول قلت له مرة بعد
مرة تريد جنس العدد وتقول هو يقول كذا ويقول كذا وإن كان قد قال مرات كقول
حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل يقول
بين السجدتين رب اغفر لي رب اغفر لي لم يرد أن هذا قاله مرتين فقط كما
يظنه بعض الناس الغالطين بل يريد أنه جعل يثني هذا القول ويعدده ويكرره
كما كان يثني لفظ التسبيح
وقد قال حذيفة رضي الله عنه في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم إنه ركع نحوا
من قيامه يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم وذكر أنه سجد
نحوا من قيامه ويقول في سجوده رب اغفر لي رب اغفر لي
وقد صرح في الحديث الصحيح أنه أطال الركوع والسجود بقدر البقرة والنساء
وآل عمران فإنه قام بهذه السور كلها وذكر أنه كان يقول سبحان



ربي العظيم سبحان ربي العظيم سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى
فعلم أنه أراد بتثنية اللفظ جنس التعداد والتكرار لا الاقتصار على مرتين
فإن الاثنين أول العدد الكثير فذكر أول الأعداد يعني أنه عدد هذا اللفظ لم
يقتصر على مرة واحدة فالتثنية التعديد والتعديد يكون للأقسام المختلفة
وليس في القرآن تكرار محض بل لا بد من فوائد في كل خطاب
فالتشابه في النظائر المتماثلة والمثاني في الأنواع وتكون التثنية في
المتشابه أي هذا المعنى قد ثنى في القرآن لفوائد أخر ف ( الثانى ) لأهل لا
إله إلا الله &

كأنه قد قيل فإذا لم يملكوها هل يشفعون في أحد فقال نعم من شهد بالحق وهم
يعلمون
وهذا يتناول الشافع والمشفوع له فلا يشفع إلا من شهد بالحق وهم يعلمون
فالملائكة والأنبياء والصالحون وإن كانوا لا يملكون الشفاعة لكن إذا أذن
الرب لهم شفعوا وهم لا يؤذن لهم في الشفاعة للمؤمنين الذين يشهدون أن لا
إله إلا الله فيشهدون بالحق وهم يعلمون لا يشفعون لمن قال هذه الكلمة
تقليدا للآباء والشيوخ كما جاء الحديث الصحيح أن الرجل يسأل في قبره

106 والمقصود هنا أن قوله { ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } قد تم
الكلام هنا فلا يملك أحد من المعبودين من دون الله الشفاعة ألبتة ثم
استثنى { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } فهذا استثناء منقطع والمنقطع يكون
بالمعنى المشترك بين المذكورين فلما نفى ملكهم الشفاعة بقيت الشفاعة بلا
مالك لها


ما تقول في هذا الرجل فأما المؤمن فيقول هو عبد الله ورسوله
جاءنا بالبينات والهدى وأما المرتاب فيقول هاه هاه لا أدري سمعت الناس
يقولون شيئا فقتله فلهذا قال { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون }
وقد تقدم قول ابن عباس يعني من قال لا إله إلا الله يعني خالصا من قلبه
والأحاديث الصحيحة الواردة في الشفاعة كلها تبين أن الشفاعة إنما تكون في
أهل لا إله إلا الله
وقد ثبت في صحيح البخاري أن أبا هريرة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال يا أبا هريرة لقد ظننت أن لا
يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس
بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه
فبين أن المخلص لها من قبل نفسه هو أسعد بشفاعته صلى الله عليه وسلم من
غيره ممن يقولها بلسانه وتكذبها أقواله وأعماله
فهؤلاء هم الذين شهدوا بالحق شهدوا أن لا إله إلا الله كما شهد الله لنفسه
بذلك وملائكته وأولوا العلم { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو
العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم }
فإذا شهدوا وهم يعلمون كانوا من أهل الشفاعة شافعين ومشفوعا لهم فإن
المؤمنين أهل التوحيد يشفع بعضهم في بعض كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة
كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال في الحديث الطويل حديث التجلي والشفاعة حتى إذا خلص
المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في
استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين



في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم
أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار وذكر تمام الحديث وسبب نزول الآية
على ما ذكروه مؤيد لما ذكره
قال أبو الفرج ابن الجوزي سبب نزولها أن النضر بن الحرث ونفرا معه قالوا
إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من محمد
فنزلت هذه الآية قاله مقاتل
وعلى هذا فيقصد أن الملائكة وغيرهم لا يملكون الشفاعة فليس توليكم إياهم
واستشفاعكم بهم بالذي يوجب أن يشفعوا لكم فإن أحدا ممن يدعي من دون الله
لا يملك الشفاعة ولكن { من شهد بالحق وهم يعلمون } فإن الله يشفع فيه
فالذي تنال به الشفاعة هي الشهادة بالحق وهي شهادة أن لا إله إلا الله لا
تنال بتولي غير الله لا الملائكة ولا الأنبياء ولا الصالحين & من
تشفع بغير الله &

فهذا القول والعبادة الذي يقصد به المشركون الشفاعة يحرم عليهم الشفاعة
فالذين عبدوا الملائكة والأنبياء والأولياء والصالحين ليشفعوا لهم كانت
عبادتهم إياهم وإشراكهم بربهم الذي به طلبوا شفاعتهم به حرموا شفاعتهم
وعوقبوا بنقيض قصدهم لأنهم اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا

107 فمن والى أحد من هؤلاء ودعاه وحج إلى قبره أو موضعه ونذر له وحلف به
وقرب له القرابين ليشفع له لم يغن ذلك عنه من الله شيئا وكان من أبعد
الناس عن شفاعته وشفاعة غيره فإن الشفاعة إنما تكون لأهل توحيد الله
وإخلاص القلب والدين له ومن تولى أحدا من دون الله فهو مشرك




قال طائفة من السلف كان أقوام يعبدون المسيح والعزير والملائكة فبين الله
أنهم لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويله كما بين أنهم لا يملكون الشفاعة
وهذا لا استثناء فيه وإن كان الله يجيب دعاءهم ثم قال { أولئك الذين يدعون
يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب
ربك كان محذورا } فبين أن هؤلاء المزعومين الذين يدعونهم من دون الله
كانوا يرجون رحمة الله ويخافون عذابه ويتقربون إليه بالأعمال الصالحة
كسائر عبادة المؤمنين وقد قال تعالى { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة
والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } & ضلال
الناس في الشفاعة &

فكثير منهم يظن أن الشفاعة هي بسبب اتصال روح الشافع بروح المشفوع له كما
ذكر ذلك أبو حامد الغزالي وغيره ويقولون من كان أكثر صلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم كان أحق بالشفاعة من غيره وكذلك من كان أحسن ظنا بشخص
وأكثر تعظيما له كان أحق بشفاعته

وكثير من أهل الضلال يظن أن الشفاعة تنال بهذه الأمور التي فيها شرك أو هي
شرك خالص كما ظن ذلك المشركون الأولون وكما يظنه النصارى ومن ضل من
المنتسبين إلى الإسلام الذين يدعون غير الله ويحجون إلى قبره أو مكانه
وينذرون له ويحلفون به ويظنون أنه بهذا يصير شفيعا لهم قال تعالى { قل
ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك
الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون
عذابه إن عذاب ربك كان محذورا }
108 وللناس في الشفاعة أنواع من الضلال قد بسطت في غير هذا الموضع




بل الشفاعة سببها توحيد الله وإخلاص الدين والعبادة بجميع أنواعها له فكل
من كان أعظم إخلاصا كان أحق بالشفاعة كما أنه أحق بسائر أنواع الرحمة فإن
الشفاعة من الله مبدؤها وعلى الله تمامها فلا يشفع أحد إلا بإذنه وهو الذي
يأذن للشافع وهو الذي يقبل شفاعته في المشفوع له & الشفاعة سبب من
أسباب الرحمة &

والمذنبون الذين رجحت سيئاتهم على حسناتهم فخفت موازينهم فاستحقوا النار
من كان منهم من أهل لا إله إلا الله فإن النار تصيبه بذنوبه ويميته الله
في النار إماتة فتحرقه النار إلا موضع السجود ثم يخرجه الله من النار
بالشفاعة ويدخله الجنة كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة
فبين أن مدار الأمر كله على تحقيق كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله لا
على الشرك بالتعلق بالموتى وعبادتهم كما ظنه الجاهليون
وهذا مبسوط في غير هذا الموضع
والمقصود هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الحمد الذي هو رأس
الشكر وبين التوحيد والاستغفار إذا رفع رأسه من الركوع فيقول ربنا ولك
الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل
الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما

وهذا غلط بل هذا هو قول المشركين الذين قالوا نتولى الملائكة ليشفعوا لنا
يظنون أن من أحب أحدا من الملائكة والأنبياء والصالحين وتولاه كان ذلك
سببا لشفاعته له وليس الأمر كذلك
109 إنما الشفاعة سبب من الأسباب التي بها يرحم الله من يرحم من عباده
وأحق الناس برحمته هم أهل التوحيد والإخلاص له فكل من كان أكمل في تحقيق
إخلاص لا إله إلا الله علما وعقيدة وعملا وبراءة وموالاة ومعاداة كان أحق
بالرحمة


أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ثم يقول
اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا
كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس كما رواه مسلم في الصحيح عن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه
من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من
شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما
أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد
وروى مسلم أيضا عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده اللهم
ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد اللهم طهرني
بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقي
الثوب الأبيض من الوسخ
وقد روى مسلم في صحيحه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول
اللهم لك الحمد وقال وملء الأرض وملء ما بينهما
ولم يذكر في بعض الروايات لأن السموات والأرض قد يراد بهما العلو والسفل
مطلقا فيدخل في ذلك الهواء وغيره فإنه عال بالنسبة إلى ما تحته وسافل
بالنسبة إلى ما فوقه فقد يجعل من السماء كما يجعل السحاب سماء والسقف سماء
وكذا قال في القرآن { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى
على العرش } ولم يقل ومابينهما كما يقول { الله الذي خلق السماوات والأرض
وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا
شفيع }
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب الحسنه والسيئه الجزءالرابع Empty رد: كتاب الحسنه والسيئه الجزءالرابع {الإثنين 6 يونيو - 20:19}


فتارة يذكر قوله وما بينهما فيما خلقه في ستة ايام وتارة لا
يذكره وهو مراد فإن ذكره كان إيضاحا وبيانا وإن لم يذكره دخل في لفظ
السموات والأرض ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم تارة يقول ملء السموات
وملء الأرض ولا يقول وما بينهما وتارة يقول وما بينهما وفيها كلها وملء ما
شئت من شيء بعد وفي رواية أبي سعيد أحق ما قال العبد إلى آخره وفي رواية
ابن أبي أوفى الدعاء بالطهارة من الذنوب & الحمد رأس الشكر
والاستغفار &

وذلك تصديق قوله تعالى { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن
نفسك }
ففي سيد الاستغفار أبوءلك بنعمتك علي وأبوء بذنبي وفي حديث أبي سعيد الحمد
رأس الشكر والتوحيد كما جمع بينهما في أم القرآن فأولها تحميد وأوسطها
توحيد وآخرها دعاء وكما في قوله { هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له
الدين الحمد لله رب العالمين }
وفي حديث الموطأ افضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده
لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير من قالها كتب الله له
ألف حسنة وحط عنه ألف سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك ولم يأت أحد
بأفضل مما جاء به إلا رجل قال مثلها أو زاد عليه ومن قال في يوم مائة مرة
سبحان الله وبحمده حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر

110 ففي هذا الحمد رأس الشكر والاستغفار فإن ربنا غفور شكور فالحمد بإزاء
النعمة والاستغفار بإزاء الذنوب


& فضائل وأدعية &

فقوله لا إله إلا الله وحده لا شريك له توحيد وقوله له الملك وله الحمد
تحميد وفيها معان أخرى شريفة
وقد جاء الجمع بين التوحيد والتحميد والاستغفار في مواضع مثل حديث كفارة
المجلس سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
فيه التسبيح والتحميد والتوحيد والاستغفار من قالها في مجلس إن كان مجلس
لغط كانت كفارة له وإن كان مجلس ذكر كانت كالطابع له وفي حديث أيضا إن هذا
يقال عقب الوضوء
ففي الحديث الصحيح في مسلم وغيره من حديث عقبة عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ
الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وفي حديث
آخر أنه يقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب
إليك
وقد روى عن طائفة من السلف في الكلمات التي تلقاها آدم من ربه نحو هذه
الكلمات
روى ابن جرير عن مجاهد أنه قال اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني
ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك
رب إني ظلمت نفسي فارحمني فأنت خير الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك
رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم

111 وفضائل هذه الكلمات في أحاديث كثيرة وفيها التوحيد والتحميد




فالتسبيح والتحميد والتوحيد لله فإنه لا يأتي بالحسنات إلا هو والاستغفار
من ذنوب النفس التي منها تأتي السيئات
وقد قرن الله في كتابه بين التوحيد والاستغفار في غير موضع كقوله { فاعلم
أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } وفي قوله { ألا
تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه
} وفي قوله { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد
فاستقيموا إليه واستغفروه }
وفي حديث رواه ابن أبي عاصم وغيره يقول الشيطان أهلكت الناس بالذنوب
وأهلكوني بالاستغفار وبلا إله إلا الله فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء
فهم يذنبون ولا يستغفرون لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا & مقتضى
لا إله إلا الله &

فلا إله إلا الله هي قطب رحى الإيمان وإليها يرجع الأمر كله والكتب
المنزلة مجموعة في قوله تعالى { إياك نعبد وإياك نستعين } وهي

فهذه الكلمات من جنس خاتمة الوضوء وخاتمة الوضوء فيها التسبيح والتحميد
والتوحيد والاستغفار

112 ولا إله إلا الله تقتضي الإخلاص والتوكل والإخلاص الشكر فهي أفضل
الكلام وهي أعلى شعب الإيمان كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا
الله وأدناها إماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان


معنى لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهي من معنى لا
إله إلا الله والحمد لله في معناها وسبحان الله والله أكبر من معناها لكن
فيها تفصيل بعد إجمال & فصل معنى قوله فمن نفسك &

وهذا القول يباين معنى الآية فإن الآية بينت أن السيئات من نفس الإنسان أي
بذنوبه وهؤلاء يقولون ليست السيئات من نفسه
وممن ذكر ذلك أبو بكر بن فورك فإنه قال معناه أفمن نفسك يدل عليه قول
الشاعر ** ثم قالوا تحبها قلت بهرا ** عدد الرمل والحصى والتراب **
قلت وإضمار الاستفهام إذا دل عليه الكلام لا يقتضي جواز إضماره في الخبر
المخصوص من غير دلالة فإن هذا يناقض المقصود ويستلزم أن كل من أراد أن
ينفي ما أخبر الله به يقدر أن ينفيه بأن يقدر في خبره استفهاما ويجعله
استفهام إنكار
وهذا من جهة العربية نظير ما زعمه بعضهم في قول إبراهيم عليه السلام { هذا
ربي } أهذا ربي

113 وقد ظن بعض المتأخرين أن معنى قوله فمن نفسك أي أفمن نفسك وأنه
استفهام على سبيل الإنكار ومعنى كلامه إن الحسنات والسيئات كلها من الله
لا من نفسك




وهؤلاء استشهدوا بقوله { أفإن مت فهم الخالدون }
وهذا لا حجة فيه لأنه قد تقدم الاستفهام في أول الجملة في الجملة الشرطية
{ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } فلم يحتج إلى ذكره ثانية بل ذكره يفسد
الكلام ومثله قوله { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } وقوله {
أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم } وقوله { أو كلما عاهدوا
عهدا نبذه فريق منهم } وهذا من فصيح الكلام وبليغه واستشهدوا بقوله **
لعمرك لا أدري وإن كنت داريا ** بسبع رمين الجمر أم بثمان **
وقوله ** كذبتك عينك أم رأيت بواسط ** غلس الظلام من الرباب خيالا **
تقديره أكذبتك عينك
وهذا لا حجة فيه لأنه قوله فيما بعد أم بثمان وأم رأيت يدل على الألف
المحذوفة في البيت الأول وأما الثاني فإن كانت أم هي المتصلة فكذلك وإن
كانت المنفصلة فالخبر على بابه
وهؤلاء مقصودهم أن النفس لا تأثير لها في وجود السيئات وليست سببا فيها بل
قد يقولون إن المعاصي علامة محضة على العقوبة لاقترانها بها لا أنها سبب
لها وهذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف وللعقل

قال ابن الإنباري هذا القول شاذ لأن حرف الاستفهام لا يضمر إذا كان فارقا
بين الإخبار والاستخبار



& الله لا يهلك أحدا ولا يعذبه إلا بذنب &

114 والقرآن يبين في غير موضع أن الله لم يهلك أحدا ولم يعذبه إلا بذنب
فقال هناك { وما أصابك من سيئة فمن نفسك } وقال لهم في شأن أحد { أو لما
أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } وقال
تعالى { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } وقال تعالى
في سورة الشورى أيضا { وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور }
وقال تعالى { قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه
المجرمون } وقال تعالى { وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا
ظالمين } وقال تعالى { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا
يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون } وقال تعالى {
ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا
لعلهم يرجعون } وقال تعالى { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب
الأكبر لعلهم يرجعون } وقال تعالى { أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير }
وقال تعالى في سورة القلم عن أهل الجنة الذين ضرب بهم المثل لما أهلكها
بذلك العذاب { ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } وقال تعالى { مثل ما
ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم
فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون } وقال تعالى عن أهل سبأ {
فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم } إلى قوله { ذلك جزيناهم بما كفروا وهل
نجازي إلا الكفور }


وقال تعالى { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه
أليم شديد } وقال تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }
وفي الحديث الصحيح الإلهي يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم
أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا
نفسه
وفي سيد الاستغفار أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي وقال تعالى { وإن للذين
ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون }
والحمد لله وحده وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم ورضي
الله عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين لهم بإحسان إلى يوم
الدين * * * حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين وقال تعالى { الذين كفروا
وصدوا عن سبيل الله } تعالى يقول { وإن تطيعوه تهتدوا }
فبين ان الحسنات والسيئات النعم والمصائب والطاعات والمعاصي على قول من
أدخلها في من عند الله ترك التوحيد وعبادة غير الله أمر وجودي قال تعالى
وقال تعالى { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } ولا عدم لا يضاف الى فاعل ومن
كونها بطبعها لا بد لها من مراد بل انما يأذن في ان يشفعوا لمن اذن لهم في
الشفاعة فيه تعم هذا وهذا وفاتحة الكتاب هى السبع المثانى لتضمنها هذا
وهذا وبسط هذا له موضع آخر & الشفاعة
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى