صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
في آداب السؤال
الحديث الأول:
أخرج
الدار قطني في الأفراد، والطبرانيب في الأوسط، وتمام عن أبي هريرة،
والبخاري في تاريخه، وابن أبي الدنيا، وأبو يعلى، والطبراني في الكبير عن
عائشة رضي الله تعالى عنها، والطبراني فيه أيضا، والبيهقي عن ابن عباس،
وابن عدي وابن عساكر عن أنس، والطبراني في الأوسط عن جابر، وتمام عن أبي
بكر، والطبراني في الكبير عن أبي خصيفة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ابتغوا وفي رواية اطلبوا، وفي رواية
التمسوا) الخير عند حسان الوجوه).
الحديث الثاني:
أخرج ابن
عدي، والبيهقي عن عبد الله بن جراد رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم قال: (إذا ابتغيتم المعروف فاطلبوه عند حسان الوجوه).
الحديث الثالث:
أخرج
ابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قال: (اطلبوا الخير عند حسان الوجوه، وتسموا بخياركم، وإذا
أتاكم كريم فأكرموه).
الحديث الرابع
أخرج ابن لال في مكارم
الأخلاق عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قال: (إذا طلب أحدكم من أخيه حاجة، فلا يبدأ بالمدحة فيقطع
ظهره).
الحديث الخامس:
أخرج الترمذي عن جابر رضي الله
تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إذا كتب أحدكم
كتابا فليتربه، فإنه أنجح لحاجته).
الحديث السادس:
أخرج ابن ماجة عن جابر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قال: (تربوا صحفكم أنجح لها، فإن التراب مبارك).
الحديث السابع:
أخرج
العقيلي في الضعفاء، وابن عدي، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية،
والبيهقي في السنن عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، والخرائطي عن عمر،
والخطيب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قال: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة
محسود).
الحديث الثامن:
أخرج العقيلي في الضعفاء،
والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم قال: (اطلبوا الحوائج إلى ذوي الرحمة من أمتي ترزقوا
وتنجحو، فإن الله تعالى يقول (رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي) (ولا تطلبوا
الحوائج عند القاسية قلوبهمن فلا ترزقوا ولا تنجحوا فإن الله تعالى يقول:
(إن سخطي فيهم).
الحديث التاسع:
أخرج البزار عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قالك (لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين).
الحديث العاشر:
أخرج
الطبراني في الكبير وابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه: أن النبي
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إن المعروف لا يصلح إلا لذي دين، أو
ذي حسب، أو لذي حلم)ز
الحديث الحادي عشر:
أخرج ابن
عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قال: قال داود: (إدخالك يدك في فم التنين إلى أن تبلغ المرفق
فيقضمها خير لك من أن تسال من لم يكن له شيء ثم كان).
الحديث الثاني عشر:
أخرج
تمام، وابن عساكر عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور
تجري بالمقادير).
الحديث الثالث عشر:
أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (من صنع إليه معروف، فقال
لصاحبه جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء).
الحديث الرابع عشر:
أخرج
ابن منيع، والخطيب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم قال: (إذا قال الرجل لأخيه جزاك الله خيرا، فقد أبلغ
في الثناء).
وأخرج ابن سعد وأبو يعلى والطبراني عن أم حكيم رضي الله
تعالى عنهاك أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (جزاء الغني من
الفقير النصيحة والدعاء).
الباب الرابع
صدقة التطوع
إعلم
أن صدقة التطوع سنة للأحاديث الكثيرة الشهيرة، وقد قدمنا أكثرها، وقد يعرض
لها ما يحرمها، كأن يعلم من أخذها أنه يصرفها في معصية، وينبغي أن يحمل
العلم في كلامهم على ما يشمل الظن، نظير ما قالوه من أن الإنسان إذا علم
رضي صديقة بالأخذ من ماله، جاز له الأخذ ولو بغير إذنه، قالوا والظن هنا
كالعلم، فإذا ألحقوه به هنا ففيما نحن فيه أولى أن يلحق به.
ثم رأيتني
ذكرت في حاشية العباب ما يوافق ذلك، حيث قلت عقب قولهم القرض قربة لأنه
فيه إعانة على كسب، قربة غالبا، نعم إن غلب على ظن المقرض أن المقترض يصرف
ما اقترضه في معصية أو مكروه، لم يكن قربة، كما يأتي في الشهادات، مع بيان
أنه إنما يجوز الإقتراض لمن علم من نفسه الوفاء، أي بأن كان له جهة ظاهرة
وعزم على الوفاء منها، وغلا لم يجز، إلا يعلم المقرض أنه عاجز عن الوفاء،
ويعطيه فلا يحرم وأن الحق له فقد أسقطه بإعطائه مع علمه بحاله، فعلم أنه
لا يحل لفقير إظهار الغنى عند الإقتراض لأن فيه تغريرا للمقرض كما في
المضطر، والاقتراض كعادم للمال إذا وهب له.
وقد يحرم القرض كأن يعلم
المقرض من الآخذ أنه يصرف ما اقترضه في معصية، قلته تخريجا ثم رأيت بعضهم
صرح به فقال: وقد يكره كما إذا غلب على ظنه أنه ينفقه في مكروه، ويحرم كما
إذا غلب أنه يصرفه في معصية.
انتهت عبارة الحاشية المذكورة مع بعض زيادة عليها.
وبه
يعلم أن المتصدق لو علم من الفقير صرف ما يأخذه في مكروه، كرهت الصدقة
عليه، حيث عرض للصدقة ما صيرها مكروهة، كما عرض لها ما صيرها محرمة.
صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (رأيت مكتوبا على باب الجنة ليلة أسري بي،
الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت يا جبريل: ما بال القرض
أفضل من الصدقة؟ قال: لأن للإنسان أن يسأل وعنده، ولا يقترض إلا من حاجة؟).
لكن
قد يعارض الحديثين خبر ابن ماجة أيضا، وابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود
رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (من
أقرض مسلما درهما مرتين، كان له كأجر صدقة مرة).
ومن ثم قال ابن مسعود: (لأن أقرض مرتين أحب إلي من أن أتصدق مرة).
وكذا قال ابن عباس، وأبو الدرداء رضي الله تعالى عنهم.
وذهب
ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: إلى الأخذ بالحديثين الأولين، فإنه فرق بين
الصدقة بأنها إنما يكتب أجرها حين التصدق، وهو يكتب ما دام عند المقرض،
على أن هذا إن صح عنه كان في حكم المرفوع، لأنه ما يقال من قبل الرأي
وعليه يكون نصا صريحا في أفضلية القرض عليها.
ولك أن تسلك طريقا وسطا
في الجمع بين تلك الأحاديث بأن تحمل الخبر المقتضى لأفضلية الصدقة على ما
إذا وقعت في يد محتاج، والقرض في يد محتاج، على خلاف الطالب، ويدل عليه
الحديث الثاني، وتعليلهم أخذا منه أفضلية القرض بأن لا يقع إلا في يد
محتاج، بخلاف الصدقة.
وعليه ينتج من ذلك أن الذي يقع منهما في يد محتاج
أفضل من غيره، وعليه يحمل الخبر المقتضي لأفضلية الصدقة، والخبر المقتضي
لأفضلية القرض، أما إذا وقع كلا بيد محتاج أو بيد غير محتاج، فظاهر أن
الصدقة أفضل، إذ لا بدل لها بخلاف القرض، هذا هو الذي يتجه في هذا المحل،
ولم أر من صرح بشيء منه، ثم رأيت البلقيني تعرض لنحو ما ذكرته مع زيادة
فقال: الذي يظهر في هذه المسألة أن يقال: الآيات في الحث على الصدقات
معلومة كآية: (فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ وَما أَدراكَ ما العَقَبَةُ فَكُّ
رَقَبَةٍ أَو إِطعامٌ في يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ، يَتيماً ذا مَقربَةٍ) فلم
يذكر إلا الإعتاق والصدقة.
وفي الصحيحين: (أن ميمونة لما أعتقت وليدة لها، قال رسول الله صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم: (لو أعطيتها أخوالك، كان أعظم لأجرك).
وقد تجب الصدقة كأن وجد مضطرا، ومعه ما يطعمه، فاضلا عن نظير ما علمته في
القرض من وجوبه.
فإن
قلت كيف يتصور وجوب الصدقة للمضطر مع قولهم يلزم معه طعام لم يحتج إليه
حالا، وهناك مضطر بذلة ولو ذميا، وإن احتاجه مالا يعوض ولو نسيئة لمعسر لا
مجانا.
قلت يتصور ذلك في حق حيوان مضطر لا مالك له، وكذا مضطر لا يمكنه
التزام العوض، لنحو صبي، أو جنون، أو إغماء، فيجب البذل له مجانا على ما
قاله جمع، ويؤيده قولهم: يجب على القادر المبادرة إلى تخليص المشرف من ماء
ونار مجانا، لأنه لا يجوز التأخير إلى تقدير الأجرة انتهى.
فكذلك في
نحو الصبي أو المجنون المضطر، لا يجوز تأخير طعامه إلى تقدير بدله، فوجب
بذلك له مجانا على ما في ذلك مما بينه آخر الأطعمة في شرح الإرشاد.
واتضح
قول من قال بوجوب الصدقة على المضطر، إن أراد هذه الحالة وإلا لم يصح
إطلاقه لما علمت من تصريحهم بما يرده، فتأمل ذلك فإنه مهم، وعلم بما تقرر
أن كلا من الصدقة والقرض يكون سنة وهو الأصل فيهمان وقد يعرض لكل الوجوب
والكراهة والحرمة، وخلاف الأولى، بأن ظن من الآخذ الصرف في واحد من هذه،
إذ الوسائل حكم المقاصد، وسيأتي صور أخرى.
تنبيه: مر في بعض تلك
الأحاديث ما صرح بتفضيل القرض على الصدقة، وبذلك صرح ابن الرفعة في
الكفاية وغيره لخبر البيهقي مرفوعا: (قرض الشيء من صدقته).
ولخبر ابن ماجة ولكن بسند ضعيف عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن النبي.
والصدقة والقرض يختلف التفضيل منهما، باعتبار الأحوال، فإذا علم احتياج
الفقير ونحوه، فصدقة التطوع عليه أفضل من القرض له أو لغيره.
وإذا
لم تعلم حاجته، وإنما أعطيت السائل وأنت شاك في حاله، وآخر طالب لقرض نظير
لذلك، ولا تعلم من حالهما اختلاف، إلا مجرد الطلب، فها هنا يفضل القرض على
الصدقة، فمثلا بالغالب في طلب الصدقة وطلب القرض.
وعلى هذا ينزل حديث
أنس، أي السابق هذا بالنسبة لحال الآخذ وإما بالنسبة لحال المعطي، ووجه عن
الشيء لله تعالى فحاله أفضل من حال المقرض الذي لم يخرج عن الذي أقرضه،
وإنما هو طالب رده، فإذا أقرضه مرتين، كان حاله في ذلك، كحال المتصدق نظرا
إلى أنه راغب في إقراضه، فحاله في الأول اقتضى حصول نصف أجر الصدقة، نظرا
إلى أنه راغب في إقراضه، وحاله في الثاني اقتضى حصوله النصف الثاني.
على هذا ينزل حديث ابن مسعود على تقدير العمل به، ويكون حديث ابن أنس
بالنسبة إلى حال الآخذ، وحديث ابن مسعود إلى حال المعطي.
وإذا نزل على ذلك انتفى التعارض بهذا الجمع.
والذي يقتضيه مجرى الكلام للشافعي رضي الله تعالى عنه، أن أصل صدقة التطوع
أفضل من القرض، فإذا ترجح باحتياج ونحوه صار إليه.
وللقرض عموم من وجه آخر، وهو دخوله مال غير المكلف خلاف صدقة التطوع،
ولصدقة التطوع رجحان من وجوه كثيرة، والمعتمد ما قدمته، انتهى.
فإن قلت ما حكمة كون درهم القرض بثمانية عشر، وهلا كان بعشرين لأنه ضعفا
الصدقة على ما مر؟.
قلت:
لما كان في القرض رد مثل ذلك الدرهم، لم يبق في مقابله شيء، فيكون الباقي
محض المضاعفة، وقد علم من كونه ضعفي درهم الصدقة أنه بدرهمين أصالة،
وبثمانية عشر مضاعفة، لأنه من كون الحسنة بعشرة أمثالها، أن المضاعفة
تسعة، ومن كونها بعشرين أن المضاعفة بثمانية عشر، فلما رد الدرهم، سقط
مقابله وهو اثنان من العشرين، فبقي ثمانية عشر.
الحديث الأول:
أخرج
الدار قطني في الأفراد، والطبرانيب في الأوسط، وتمام عن أبي هريرة،
والبخاري في تاريخه، وابن أبي الدنيا، وأبو يعلى، والطبراني في الكبير عن
عائشة رضي الله تعالى عنها، والطبراني فيه أيضا، والبيهقي عن ابن عباس،
وابن عدي وابن عساكر عن أنس، والطبراني في الأوسط عن جابر، وتمام عن أبي
بكر، والطبراني في الكبير عن أبي خصيفة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ابتغوا وفي رواية اطلبوا، وفي رواية
التمسوا) الخير عند حسان الوجوه).
أخرج ابن
عدي، والبيهقي عن عبد الله بن جراد رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم قال: (إذا ابتغيتم المعروف فاطلبوه عند حسان الوجوه).
أخرج
ابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قال: (اطلبوا الخير عند حسان الوجوه، وتسموا بخياركم، وإذا
أتاكم كريم فأكرموه).
أخرج ابن لال في مكارم
الأخلاق عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قال: (إذا طلب أحدكم من أخيه حاجة، فلا يبدأ بالمدحة فيقطع
ظهره).
أخرج الترمذي عن جابر رضي الله
تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إذا كتب أحدكم
كتابا فليتربه، فإنه أنجح لحاجته).
أخرج ابن ماجة عن جابر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قال: (تربوا صحفكم أنجح لها، فإن التراب مبارك).
أخرج
العقيلي في الضعفاء، وابن عدي، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية،
والبيهقي في السنن عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، والخرائطي عن عمر،
والخطيب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قال: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة
محسود).
أخرج العقيلي في الضعفاء،
والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم قال: (اطلبوا الحوائج إلى ذوي الرحمة من أمتي ترزقوا
وتنجحو، فإن الله تعالى يقول (رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي) (ولا تطلبوا
الحوائج عند القاسية قلوبهمن فلا ترزقوا ولا تنجحوا فإن الله تعالى يقول:
(إن سخطي فيهم).
أخرج البزار عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قالك (لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين).
أخرج
الطبراني في الكبير وابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه: أن النبي
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (إن المعروف لا يصلح إلا لذي دين، أو
ذي حسب، أو لذي حلم)ز
الحديث الحادي عشر:
أخرج ابن
عساكر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم قال: قال داود: (إدخالك يدك في فم التنين إلى أن تبلغ المرفق
فيقضمها خير لك من أن تسال من لم يكن له شيء ثم كان).
أخرج
تمام، وابن عساكر عن عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور
تجري بالمقادير).
أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (من صنع إليه معروف، فقال
لصاحبه جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء).
أخرج
ابن منيع، والخطيب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم قال: (إذا قال الرجل لأخيه جزاك الله خيرا، فقد أبلغ
في الثناء).
وأخرج ابن سعد وأبو يعلى والطبراني عن أم حكيم رضي الله
تعالى عنهاك أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (جزاء الغني من
الفقير النصيحة والدعاء).
صدقة التطوع
إعلم
أن صدقة التطوع سنة للأحاديث الكثيرة الشهيرة، وقد قدمنا أكثرها، وقد يعرض
لها ما يحرمها، كأن يعلم من أخذها أنه يصرفها في معصية، وينبغي أن يحمل
العلم في كلامهم على ما يشمل الظن، نظير ما قالوه من أن الإنسان إذا علم
رضي صديقة بالأخذ من ماله، جاز له الأخذ ولو بغير إذنه، قالوا والظن هنا
كالعلم، فإذا ألحقوه به هنا ففيما نحن فيه أولى أن يلحق به.
ثم رأيتني
ذكرت في حاشية العباب ما يوافق ذلك، حيث قلت عقب قولهم القرض قربة لأنه
فيه إعانة على كسب، قربة غالبا، نعم إن غلب على ظن المقرض أن المقترض يصرف
ما اقترضه في معصية أو مكروه، لم يكن قربة، كما يأتي في الشهادات، مع بيان
أنه إنما يجوز الإقتراض لمن علم من نفسه الوفاء، أي بأن كان له جهة ظاهرة
وعزم على الوفاء منها، وغلا لم يجز، إلا يعلم المقرض أنه عاجز عن الوفاء،
ويعطيه فلا يحرم وأن الحق له فقد أسقطه بإعطائه مع علمه بحاله، فعلم أنه
لا يحل لفقير إظهار الغنى عند الإقتراض لأن فيه تغريرا للمقرض كما في
المضطر، والاقتراض كعادم للمال إذا وهب له.
وقد يحرم القرض كأن يعلم
المقرض من الآخذ أنه يصرف ما اقترضه في معصية، قلته تخريجا ثم رأيت بعضهم
صرح به فقال: وقد يكره كما إذا غلب على ظنه أنه ينفقه في مكروه، ويحرم كما
إذا غلب أنه يصرفه في معصية.
انتهت عبارة الحاشية المذكورة مع بعض زيادة عليها.
وبه
يعلم أن المتصدق لو علم من الفقير صرف ما يأخذه في مكروه، كرهت الصدقة
عليه، حيث عرض للصدقة ما صيرها مكروهة، كما عرض لها ما صيرها محرمة.
صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (رأيت مكتوبا على باب الجنة ليلة أسري بي،
الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت يا جبريل: ما بال القرض
أفضل من الصدقة؟ قال: لأن للإنسان أن يسأل وعنده، ولا يقترض إلا من حاجة؟).
لكن
قد يعارض الحديثين خبر ابن ماجة أيضا، وابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود
رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (من
أقرض مسلما درهما مرتين، كان له كأجر صدقة مرة).
ومن ثم قال ابن مسعود: (لأن أقرض مرتين أحب إلي من أن أتصدق مرة).
وكذا قال ابن عباس، وأبو الدرداء رضي الله تعالى عنهم.
وذهب
ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: إلى الأخذ بالحديثين الأولين، فإنه فرق بين
الصدقة بأنها إنما يكتب أجرها حين التصدق، وهو يكتب ما دام عند المقرض،
على أن هذا إن صح عنه كان في حكم المرفوع، لأنه ما يقال من قبل الرأي
وعليه يكون نصا صريحا في أفضلية القرض عليها.
ولك أن تسلك طريقا وسطا
في الجمع بين تلك الأحاديث بأن تحمل الخبر المقتضى لأفضلية الصدقة على ما
إذا وقعت في يد محتاج، والقرض في يد محتاج، على خلاف الطالب، ويدل عليه
الحديث الثاني، وتعليلهم أخذا منه أفضلية القرض بأن لا يقع إلا في يد
محتاج، بخلاف الصدقة.
وعليه ينتج من ذلك أن الذي يقع منهما في يد محتاج
أفضل من غيره، وعليه يحمل الخبر المقتضي لأفضلية الصدقة، والخبر المقتضي
لأفضلية القرض، أما إذا وقع كلا بيد محتاج أو بيد غير محتاج، فظاهر أن
الصدقة أفضل، إذ لا بدل لها بخلاف القرض، هذا هو الذي يتجه في هذا المحل،
ولم أر من صرح بشيء منه، ثم رأيت البلقيني تعرض لنحو ما ذكرته مع زيادة
فقال: الذي يظهر في هذه المسألة أن يقال: الآيات في الحث على الصدقات
معلومة كآية: (فَلا اقتَحَمَ العَقَبَةَ وَما أَدراكَ ما العَقَبَةُ فَكُّ
رَقَبَةٍ أَو إِطعامٌ في يَومٍ ذي مَسغَبَةٍ، يَتيماً ذا مَقربَةٍ) فلم
يذكر إلا الإعتاق والصدقة.
وفي الصحيحين: (أن ميمونة لما أعتقت وليدة لها، قال رسول الله صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم: (لو أعطيتها أخوالك، كان أعظم لأجرك).
وقد تجب الصدقة كأن وجد مضطرا، ومعه ما يطعمه، فاضلا عن نظير ما علمته في
القرض من وجوبه.
فإن
قلت كيف يتصور وجوب الصدقة للمضطر مع قولهم يلزم معه طعام لم يحتج إليه
حالا، وهناك مضطر بذلة ولو ذميا، وإن احتاجه مالا يعوض ولو نسيئة لمعسر لا
مجانا.
قلت يتصور ذلك في حق حيوان مضطر لا مالك له، وكذا مضطر لا يمكنه
التزام العوض، لنحو صبي، أو جنون، أو إغماء، فيجب البذل له مجانا على ما
قاله جمع، ويؤيده قولهم: يجب على القادر المبادرة إلى تخليص المشرف من ماء
ونار مجانا، لأنه لا يجوز التأخير إلى تقدير الأجرة انتهى.
فكذلك في
نحو الصبي أو المجنون المضطر، لا يجوز تأخير طعامه إلى تقدير بدله، فوجب
بذلك له مجانا على ما في ذلك مما بينه آخر الأطعمة في شرح الإرشاد.
واتضح
قول من قال بوجوب الصدقة على المضطر، إن أراد هذه الحالة وإلا لم يصح
إطلاقه لما علمت من تصريحهم بما يرده، فتأمل ذلك فإنه مهم، وعلم بما تقرر
أن كلا من الصدقة والقرض يكون سنة وهو الأصل فيهمان وقد يعرض لكل الوجوب
والكراهة والحرمة، وخلاف الأولى، بأن ظن من الآخذ الصرف في واحد من هذه،
إذ الوسائل حكم المقاصد، وسيأتي صور أخرى.
تنبيه: مر في بعض تلك
الأحاديث ما صرح بتفضيل القرض على الصدقة، وبذلك صرح ابن الرفعة في
الكفاية وغيره لخبر البيهقي مرفوعا: (قرض الشيء من صدقته).
ولخبر ابن ماجة ولكن بسند ضعيف عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن النبي.
والصدقة والقرض يختلف التفضيل منهما، باعتبار الأحوال، فإذا علم احتياج
الفقير ونحوه، فصدقة التطوع عليه أفضل من القرض له أو لغيره.
وإذا
لم تعلم حاجته، وإنما أعطيت السائل وأنت شاك في حاله، وآخر طالب لقرض نظير
لذلك، ولا تعلم من حالهما اختلاف، إلا مجرد الطلب، فها هنا يفضل القرض على
الصدقة، فمثلا بالغالب في طلب الصدقة وطلب القرض.
وعلى هذا ينزل حديث
أنس، أي السابق هذا بالنسبة لحال الآخذ وإما بالنسبة لحال المعطي، ووجه عن
الشيء لله تعالى فحاله أفضل من حال المقرض الذي لم يخرج عن الذي أقرضه،
وإنما هو طالب رده، فإذا أقرضه مرتين، كان حاله في ذلك، كحال المتصدق نظرا
إلى أنه راغب في إقراضه، فحاله في الأول اقتضى حصول نصف أجر الصدقة، نظرا
إلى أنه راغب في إقراضه، وحاله في الثاني اقتضى حصوله النصف الثاني.
على هذا ينزل حديث ابن مسعود على تقدير العمل به، ويكون حديث ابن أنس
بالنسبة إلى حال الآخذ، وحديث ابن مسعود إلى حال المعطي.
وإذا نزل على ذلك انتفى التعارض بهذا الجمع.
والذي يقتضيه مجرى الكلام للشافعي رضي الله تعالى عنه، أن أصل صدقة التطوع
أفضل من القرض، فإذا ترجح باحتياج ونحوه صار إليه.
وللقرض عموم من وجه آخر، وهو دخوله مال غير المكلف خلاف صدقة التطوع،
ولصدقة التطوع رجحان من وجوه كثيرة، والمعتمد ما قدمته، انتهى.
فإن قلت ما حكمة كون درهم القرض بثمانية عشر، وهلا كان بعشرين لأنه ضعفا
الصدقة على ما مر؟.
قلت:
لما كان في القرض رد مثل ذلك الدرهم، لم يبق في مقابله شيء، فيكون الباقي
محض المضاعفة، وقد علم من كونه ضعفي درهم الصدقة أنه بدرهمين أصالة،
وبثمانية عشر مضاعفة، لأنه من كون الحسنة بعشرة أمثالها، أن المضاعفة
تسعة، ومن كونها بعشرين أن المضاعفة بثمانية عشر، فلما رد الدرهم، سقط
مقابله وهو اثنان من العشرين، فبقي ثمانية عشر.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل في مسائل تتعلق بصدقة التطوع
الأولى
ينبغي أن يواظب عليها كل وقت، وإن قلتس.
وتعبيرهم
باليوم في قولهم: ليس للراغب في الخيرات أن يخلي يوما من الأيام من الصدقة
بشيء وإن قل، للأخبار الصحيحة، لم يريدوا باليوم فيه التقييد، وإنما
أرادوا أن هذا أدنى الكمال، وإلا فالأكمل ألا يخلى وقتا منها، وإن قلت كما
عبرت.
الثانية
إسرارها أفضل من إظهارها
لقوله تعالى: (وَإِن تُفوها وَتُؤتوها الفُقَراءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم).
ولأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عد كما مر من جملة السبعة الذين
يستظلون بالعرش، يوم لا ظل إلا ظله.
من
أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، نعم الوجه وفاقا للغزالي
وغيره إن أظهرها ولم يقصد رياء ولا سمعة، وإنما قصد أن يقتدى به، ولم يتأذ
به الآخذ بالإظهار، كان الإظهار أفضل، لما فيه من المصلحة، فإن اختل شرط
من ذلك، فالإسرار أفضل، لما فيه من المصلحة، فإن اختل شرط من ذلك،
فالإسرار أفضل إلا عند قصد نحو الرياء فإنه حرام.
هذا حكم صدقة التطوع،
أما الزكاة فالأولى للإمام إظهارها مطلقا. قال في المجموع: ومثله المالك
إجماعا، ولكن استثنى منه الماوردي في الباطنة إظهارها للإقتداء به فإنه
أفضل، نظير ما مر قريبا.
وينبغي للآخذ أن ينظر لما يحبه المعطي، فإن
أحب الإسرار أظهر، وإلا أسر مبالغة في الثناء عليه في الأول ومعاملة له
بنقيض قصده الناقص في المثاني.
الثالثة
قال الشافعي والأصحاب يستحب الإكثار من الصدقة
في رمضان لا سيما في عشرة الأواخر فهي أفضل منها فيما يأتي
لأنه
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان أجود ما يكون في رمضان، ولأنه سيد
الشهور وأفضلها، لأن الناس يشتغلون به عن المكاسب بالصيام وإكثار الطاعات
فتكون الحاجة فيه أشد.
قال الماوردي: ويستحب أن يوسع فيه على عياله، ويحسن إلى ذوي أرحامه
وجيرانه لا سيما في العشر الأواخر.
قال
أصحابنا: ويستحب الإكثار من الصدقة عند الأمور المهمة، وعند الكسوف والسفر
بمكة والمدينة وبيت المقدس، وفي الغزو والحج لأنها أرجة لفضائلها،
والأوقات الفاضلة كعشر ذي الحجة، وايام العيد، ونحو ذلك.
ففي كل هذه المواضع هن آكد من غيرها، ويتأكد أيضا عند نحو المرض والكسوف
والسفر.
وظاهر
كلام الحليمي أنه يسن تأخير الصدقة إلى رمضان، ونحوه مما ذكر وعبارته:
وإذا تصدق في وقت دون وقت تحرى بصدقته من الأيام يوم الجمعة، ومن الشهور
رمضان. انتهت.
لكن خالفه الأذرعي والزركشي فقالا: ليس المراد أن من قصد
التصدق في غير الأوقات والأماكن المذكورة يسن تأخيره إليها، بل المراد أن
التصدق فيها أعظم أدرا منه في غيرها غالبا. انتهى.
وما قال هو المستحب لما في التأخير من خطر احتمال التلف بالموت وشح
بالمتصدق به.
ومرادهم
بما ذكر أن من كان بالأماكن الفاضلة أو أدرك الأوقات الفاضلة ينبغي له أن
يدرك وسعه في الصدقة فيهان ولا يؤخر شيئا مما يريد التصدق به في غيرها إلا
لعذر مما يأتي.
الرابعة
أجمعت الأمة أن الصدقة على الأقارب أفضل
منها على الأجانب والأحاديث في المسالة كثيرة شهيرة
وقد
مر منها جملة مستكثرة، من ذلك حديث الصحيحين: (أن زينب امرأة ابن مسعود
وامرأة أخرى أتتا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقالتا لبلال:
سل لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أيجزى عنا من الصدقة
النفقة على أزواجنا وأيتام في حجورنا، هل يجزىء ذلك عنهما من الصدقة؟ يعني
النفقة عليهم، فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لهم أجر القرابة وأجر
الصدقة).
في الصحيحين أيضا عن (ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى
عنها: أنها أعتقت وليدة لها، فقال لها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لو
أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك).
وصح حديث: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء). و (صدقة السر تطفىء غضب
الرب)، و (صلة الرحم تزيد في العمر).
ومعنى
الزيادة فيه كما مر البركة فيه، بالتوفيق للخير، والحفظ من الشر، فيتيسر
له من العمل في المدة القليلة ما لم يتيسر لغيره في المدة الطويلة، أو هي
زيادة حقيقة بالنسبة للوح المحفوظ، وإن كانت ليست زيادة لما في أم الكتاب
وهي علم الله القديم، الذي لا يقبل التبديل والتغيير.
وهنا معنى القول
بأنها زيادة بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة بأن يقال لهم عمر فلان إن لم
يصل رحمه خمسون سنة، فإن وصله فستون، إلا إلى ما عند الله، فإنه تعالى
يعلم الواقع من الصلة، وأنه يعيش الستين أو من عدمها، وأنه لا يعيش إلا
خمسين.
قال أصحابنا: ولا فرق في استحباب صدقة التطوع على الغريب
وتقديمه على الأجنبي، بين أن يكون الغريب ممن تلزمه نفقته؟ أو غيره وعبارة
البغوي: دفعها إلى قريب تلزمه نفقته أفضل من دفعها إلى الأجنبي.
قال
أصحابنا: ويستحب تخصيص الأقارب على الأجانب بالزكاة حيث يجوز دفعها إليهم
كما قلنا في صدقة التطوع، فلا فرق بينهما، وهكذا الكفارات والنذور
والوصايا والأوفاق وسائر جهات البر، يستحب تقديم الأقارب فيها، حيث يكون
بصفة الإستحقاق.
قال أبو علي الطبري والسرخسي وغيرهما من أصحابنا:
يستحب أن يقصد بصدقته من أقاربه اشدهم له عداوة، ليتألف قلبه، ويرده إلى
المحبة والألفة، ولما فيه من مجانبة الرياء. وحظوظ النفوس ومنه يؤخذ أن
الأشد عداوة من الأجانب أولى من غيرهم، ومر حديث (أفضل الصدقة على ذي
الرحم الكاشح. أي العدو، وصح أن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم
اثنتان؛ صدقة وصلة، وإذا استوى الأقارب في الصدقة والعداوة فالأفضل تقديم
الأقرب، فالأقرب من المحارم وإن لزمه نفقتهم كما مر؛ وفي ترتيبهم الزوج
والزوجة، ثم الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام ثم ذوي الولاء من الجانبين ثم
من جانب، ويقدم ذوي الولاء من أعلى، على ذوي الولاء من أسفل، كما بحثه
الأذرعي، وإن جعلهم الشيخان وغيرهما في مرتبة واحدة، ويستثنى مما ذكر
الجار ولو أجنبيا، فصرفها غليه أفضل منه إلى بعيد، ولو كان قريبا، لكن
بشرط أن يكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه، والأقدم
القريب وإن بعدت داره على الجار الأجنبي وإن قربت داره، وأهل الخير
والمحتاجون أولى من غيرهم بقرابة أو جوار، وظاهر أن أهل الحاجة أولى من
أهل الإصلاح.
الخامسة: قال أصحابنا وغيرهسم: يستحب أن يتصدق بما يتيسر،
ولا يستقله، ولا يمتنع من الصدقة لقلته وحقارته، فإن قليل الخير كثير عند
الله تعالى، وما قبله سبحانه وبارك فيه غير قليل.
ومرت الأحاديث الكثيرة في الترغيب في الصدقة ولو بشق تمرة، أو فرسن شاة
وهو من البعير، والشاة كالحافر من غيرها.
السادسة
يستحب أن يخص بصدقته الصلحاء وأهل الخير
وأهل المروءات والحاجات كما مر
فلو تصدق على كافر ولو حربيا أو فاسق لم يعدم الثواب، لقوله تعالى:
(مِسكيناً وَيَتيماً وَأَسيراً) والأسير هو الحربي.
ومر
خبر الرجل الذي قال: (لأتصدقن الليلة بصدقة ففعل فوقعت في يد زانية، فلما
علم تصدق في ليلة أخرى، فوقعت في يد غني، فلما علم، تصدق في ليلة أخرى
فوقعت في يد سارق، فقيل له: لعل الزانية تستعفف والغني يعتبر فيتصدق،
والسارق يستعف بها عن سرقة). رواه الشيخان، وروي أيضا: (أن رجلا اشتد عليه
العطش، فرأى بئرا فشرب منها، ثم رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد
بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر، فملأ الخف
ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا
رسول الله: إن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبدن رطبة أجر).
وروي
(بينما كلب يطيف بركية (أي بئر) قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا
بني إسرائيل، فنزعت موقها (أي خفها) فاستقت له به فسقته إياه فغفر لها به).
ويستحب دفع الصدقة بطيب نفس، وبشاشة وجه، ويحرم المن بها.. بطل ثوابه.
قال الله تعالى: (لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بِِالمَنِّ وَالأَذى).
وروى
مسلم: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم
القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، فقرأها رسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر وخسروا، من هم يا رسول
الله، قال المسبل أي لإزاره عن كعبيه خيلاء، والمنان، والمنفق سلعته
بالحلف الكاذب). قال في الإحياء: واختلفوا في حقيقة المن والأذى، فقيل
المن أن يظهرها، والأذى أن يذكرها.
وقال سفيان: المن هو أن يذكرها ويتحدث بها.
وقيل هو أن يستخدمه بالعطاء، والأذى ان يعيره بالفقر.
وقيل
هو أن يتكبر عليه لأجل عطائه؛ والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسالة ثم
اختار أن حقيقة المن أن يرى نفسه محسنا إليه، ومنعما عليه، وثمرته التحدث
بما أعطاه، وإظهار طلبه المكافآت منه بالشكر، والدعاء، والخدمة، والتوقير،
والتعظيم، والقيام بالحقوق، والتقديم في المجالس، والمتابعة في الأمور.
وإن
الأذى هو التوبيخ والتغيير، وتخشين الكلام، وتقطيب الوجه. ومنبعه: كراهة
البذل الموجب لضيق الخلق، ورؤيته أنه خير من الفقير. قال واستعظام العطية
إعجاب بها وهو محبط بالعمل، أي فهو عنده كالمن به.
السابعة: يستحب أن يتصدق من كسب يده لقوله تعالى: (أَنفِقوا مِن طيباتِ ما
كَسِبتُم).
وللأحاديث السابقة في ذلك.
الثامنة
قال الإمام الرازي يسن التسمية عند الدفع
لأنه عبادة
التاسعة
قال الحليمي
يسن أن يعطي لله
فإن نوى شكر نعمته أو دفع نقمته لم يضر
وقال
الماوردي: إنما يكون على الغنى صدقة، إذا قصد بها وجه الله، وابتغاء
ثوابه، فإن قصد الإمتنان والملاحظة خرجت من الصدقة إلى الهبة.
العاشرة
يستحب أن يتحرى التصدق بالماء
فقد جاءت أحاديث كثيرة في الحث على سقيه، منها الحديثان السابقان.
ومنها
أحمد عن الحسن البصري عن سعد بن عبادة: أن أمه ماتت، فقال لرسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلمك (إن أمي ماتت فأتصدق عنها؟ قال: نعم، قال: فأي
الصدقة؟ أفضل؟ قال: سقي الماء). وهو مرسل لأن الحسن لم يدرك سعدا.
ورواه أبو داود عن رجل لم يسم عن سعد بمعناه: (قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال:
الماء).
ورواه
النسائي عن سعيد بن المسيب عن سعد ولم يدركه فهو مرسل أيضا، لكنه اعتضد
بالحديثين الصحيحين السابقين، وبأن مراسيل سعيد بن المسيب يعلم بها وإن لم
تعتضد، لأنها فتشت فوجدت منقولة، على أن المرسل يعمل به في الفضائل، وإن
لم يعتضد.
ومر في الكلام على الأحاديث، حمل حديث أفضلية الصدقة بالماء
على غيرها على محل الإحتياج فيه للماء أكثر منه إلى الطعام، وإلا فالتصدق
بالطعام أفضل.
الحادية عشرة
تسن المنيحة وهو أن يكون له ناقة أو بقرة
أو شاة ذات لبن
فيدفعها إلى من يشرب لبنها مدة، ثم يردها إليه للأحاديث الصحيحة الكثيرة
السابقة.
الثانية عشرة
يكره تعمد الصدقة بالرديء إذا وجد غيره
قال الله تعالى: (وَلا تَيَمَّموا الخَبيثَ مِنهُ تُنفِقونَ).
ويسن تعمد أجود ماله وأحبه إليه؛ قال الله تعالى: (لَن تَنالوا البِرَّ
حَتَّى تُنفِقوا مِمَّا تُحِبون).
وفي المسالة أحاديث كثيرة صحيحة تقدم بعضها.
وورد: (من لبس ثوبا جديدا، ثم عمد إلى ثوبه الذي أخلق فتصدق به، لم يزل في
حفظ الله حيا وميتا).
وليس هنا تصدقا بالرديءن بل هو مما يحب، فهو كالتصدق بالفلوس دون الفضة.
الثالثة عشرة
قال أصحابنا يكره التصدق بما فيه شبهة
أي
للأحاديث الكثيرة الصحيحة الشهيرة، وقد قدمت منها حديث الشيخين: (من تصدق
بعدل تمرة، من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه
ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل).
والفلو بضم الفاء وبضم اللامن وتشديد الواو، ويقال بكسر الفاء وإسكان
اللامن هو ولد الفرس في صغره.
ومنها
حديث مسلم أيها الناس (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر
المؤمنين بما أمر به المرسلين)، قال الله عز وجل: (يا أَيُّها الرُسُلُ
كُلوا مِنَ الطِّيِِباتِ وَاعمَلوا صالِحاً إِنَّي بِما تَعمَلونَ
عَليمٌ). وقال تعالى: (يا أَيُّها الَّذَينَ آَمَنوا كُلوا مِنَ طَيبِّاتِ
ما رَزَقناكُم)، ثم ذكر الرجل السفر أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب: يا
رب، ومطعمه حرامه، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب
لذلك).
الرابعة عشرة
قال الجرجاني من أصحابنا يستحب الصدقة بعد كل معصية. انتهى.
ومنه
الصدقة في واطىء الحائض بدينار لمن وطىء، ومن إقبال الدم وقوته وبنصف لمن
وطيء زمن إدباره وضعفه، والتصدق بدينار لمن فاتته الجمعة.
الخامسة عشرة
قال الحليمي
من
أكابر أصحابنا يستحب للمتصدق أن يعطي الصدقة للفقير من يده. انتهى. وينبغي
في محله إذا لم يتأذ الفقير بذلك، لكونه مثلا يعلم منه بالقرائن أنه يحب
ألا يطلع ذلك المتصدق على حاله.
السادسة عشرة
صدقة الصحيح أفضل من صدقة المريض
لحديث
الشيخين: (سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أي الصدقة أعظم؟
قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا
بلغت الحلقوم، قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، الا وقد كان لفلان).
السابعة عشرة
قال النووي رحمه الله في المجموع
يستحب
استحبابا متأكدا صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب واليتامى والأرامل،
والجيران، والأصهار، وصلة أصدقاء أبيه وأمه وزوجته،والإحسان إليهم.
وقد جاءت في جميع هذا أحاديث كثيرة مشهورة في الصحيح، جمعت معظمها في رياض
الصالحين. انتهى، ومر منها جملة.
الثامنة عشرة
مر في الأحاديث السابقة أن الوكيل في الصدقة
أحد المتصدقين منها خبر الشيخين
أنه
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما
أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد
المتصدقين) أي بالتثنية والجمع.
الأولى
ينبغي أن يواظب عليها كل وقت، وإن قلتس.
وتعبيرهم
باليوم في قولهم: ليس للراغب في الخيرات أن يخلي يوما من الأيام من الصدقة
بشيء وإن قل، للأخبار الصحيحة، لم يريدوا باليوم فيه التقييد، وإنما
أرادوا أن هذا أدنى الكمال، وإلا فالأكمل ألا يخلى وقتا منها، وإن قلت كما
عبرت.
إسرارها أفضل من إظهارها
لقوله تعالى: (وَإِن تُفوها وَتُؤتوها الفُقَراءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم).
ولأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عد كما مر من جملة السبعة الذين
يستظلون بالعرش، يوم لا ظل إلا ظله.
من
أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، نعم الوجه وفاقا للغزالي
وغيره إن أظهرها ولم يقصد رياء ولا سمعة، وإنما قصد أن يقتدى به، ولم يتأذ
به الآخذ بالإظهار، كان الإظهار أفضل، لما فيه من المصلحة، فإن اختل شرط
من ذلك، فالإسرار أفضل، لما فيه من المصلحة، فإن اختل شرط من ذلك،
فالإسرار أفضل إلا عند قصد نحو الرياء فإنه حرام.
هذا حكم صدقة التطوع،
أما الزكاة فالأولى للإمام إظهارها مطلقا. قال في المجموع: ومثله المالك
إجماعا، ولكن استثنى منه الماوردي في الباطنة إظهارها للإقتداء به فإنه
أفضل، نظير ما مر قريبا.
وينبغي للآخذ أن ينظر لما يحبه المعطي، فإن
أحب الإسرار أظهر، وإلا أسر مبالغة في الثناء عليه في الأول ومعاملة له
بنقيض قصده الناقص في المثاني.
قال الشافعي والأصحاب يستحب الإكثار من الصدقة
في رمضان لا سيما في عشرة الأواخر فهي أفضل منها فيما يأتي
لأنه
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان أجود ما يكون في رمضان، ولأنه سيد
الشهور وأفضلها، لأن الناس يشتغلون به عن المكاسب بالصيام وإكثار الطاعات
فتكون الحاجة فيه أشد.
قال الماوردي: ويستحب أن يوسع فيه على عياله، ويحسن إلى ذوي أرحامه
وجيرانه لا سيما في العشر الأواخر.
قال
أصحابنا: ويستحب الإكثار من الصدقة عند الأمور المهمة، وعند الكسوف والسفر
بمكة والمدينة وبيت المقدس، وفي الغزو والحج لأنها أرجة لفضائلها،
والأوقات الفاضلة كعشر ذي الحجة، وايام العيد، ونحو ذلك.
ففي كل هذه المواضع هن آكد من غيرها، ويتأكد أيضا عند نحو المرض والكسوف
والسفر.
وظاهر
كلام الحليمي أنه يسن تأخير الصدقة إلى رمضان، ونحوه مما ذكر وعبارته:
وإذا تصدق في وقت دون وقت تحرى بصدقته من الأيام يوم الجمعة، ومن الشهور
رمضان. انتهت.
لكن خالفه الأذرعي والزركشي فقالا: ليس المراد أن من قصد
التصدق في غير الأوقات والأماكن المذكورة يسن تأخيره إليها، بل المراد أن
التصدق فيها أعظم أدرا منه في غيرها غالبا. انتهى.
وما قال هو المستحب لما في التأخير من خطر احتمال التلف بالموت وشح
بالمتصدق به.
ومرادهم
بما ذكر أن من كان بالأماكن الفاضلة أو أدرك الأوقات الفاضلة ينبغي له أن
يدرك وسعه في الصدقة فيهان ولا يؤخر شيئا مما يريد التصدق به في غيرها إلا
لعذر مما يأتي.
أجمعت الأمة أن الصدقة على الأقارب أفضل
منها على الأجانب والأحاديث في المسالة كثيرة شهيرة
وقد
مر منها جملة مستكثرة، من ذلك حديث الصحيحين: (أن زينب امرأة ابن مسعود
وامرأة أخرى أتتا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقالتا لبلال:
سل لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أيجزى عنا من الصدقة
النفقة على أزواجنا وأيتام في حجورنا، هل يجزىء ذلك عنهما من الصدقة؟ يعني
النفقة عليهم، فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لهم أجر القرابة وأجر
الصدقة).
في الصحيحين أيضا عن (ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى
عنها: أنها أعتقت وليدة لها، فقال لها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لو
أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك).
وصح حديث: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء). و (صدقة السر تطفىء غضب
الرب)، و (صلة الرحم تزيد في العمر).
ومعنى
الزيادة فيه كما مر البركة فيه، بالتوفيق للخير، والحفظ من الشر، فيتيسر
له من العمل في المدة القليلة ما لم يتيسر لغيره في المدة الطويلة، أو هي
زيادة حقيقة بالنسبة للوح المحفوظ، وإن كانت ليست زيادة لما في أم الكتاب
وهي علم الله القديم، الذي لا يقبل التبديل والتغيير.
وهنا معنى القول
بأنها زيادة بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة بأن يقال لهم عمر فلان إن لم
يصل رحمه خمسون سنة، فإن وصله فستون، إلا إلى ما عند الله، فإنه تعالى
يعلم الواقع من الصلة، وأنه يعيش الستين أو من عدمها، وأنه لا يعيش إلا
خمسين.
قال أصحابنا: ولا فرق في استحباب صدقة التطوع على الغريب
وتقديمه على الأجنبي، بين أن يكون الغريب ممن تلزمه نفقته؟ أو غيره وعبارة
البغوي: دفعها إلى قريب تلزمه نفقته أفضل من دفعها إلى الأجنبي.
قال
أصحابنا: ويستحب تخصيص الأقارب على الأجانب بالزكاة حيث يجوز دفعها إليهم
كما قلنا في صدقة التطوع، فلا فرق بينهما، وهكذا الكفارات والنذور
والوصايا والأوفاق وسائر جهات البر، يستحب تقديم الأقارب فيها، حيث يكون
بصفة الإستحقاق.
قال أبو علي الطبري والسرخسي وغيرهما من أصحابنا:
يستحب أن يقصد بصدقته من أقاربه اشدهم له عداوة، ليتألف قلبه، ويرده إلى
المحبة والألفة، ولما فيه من مجانبة الرياء. وحظوظ النفوس ومنه يؤخذ أن
الأشد عداوة من الأجانب أولى من غيرهم، ومر حديث (أفضل الصدقة على ذي
الرحم الكاشح. أي العدو، وصح أن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم
اثنتان؛ صدقة وصلة، وإذا استوى الأقارب في الصدقة والعداوة فالأفضل تقديم
الأقرب، فالأقرب من المحارم وإن لزمه نفقتهم كما مر؛ وفي ترتيبهم الزوج
والزوجة، ثم الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام ثم ذوي الولاء من الجانبين ثم
من جانب، ويقدم ذوي الولاء من أعلى، على ذوي الولاء من أسفل، كما بحثه
الأذرعي، وإن جعلهم الشيخان وغيرهما في مرتبة واحدة، ويستثنى مما ذكر
الجار ولو أجنبيا، فصرفها غليه أفضل منه إلى بعيد، ولو كان قريبا، لكن
بشرط أن يكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه، والأقدم
القريب وإن بعدت داره على الجار الأجنبي وإن قربت داره، وأهل الخير
والمحتاجون أولى من غيرهم بقرابة أو جوار، وظاهر أن أهل الحاجة أولى من
أهل الإصلاح.
الخامسة: قال أصحابنا وغيرهسم: يستحب أن يتصدق بما يتيسر،
ولا يستقله، ولا يمتنع من الصدقة لقلته وحقارته، فإن قليل الخير كثير عند
الله تعالى، وما قبله سبحانه وبارك فيه غير قليل.
ومرت الأحاديث الكثيرة في الترغيب في الصدقة ولو بشق تمرة، أو فرسن شاة
وهو من البعير، والشاة كالحافر من غيرها.
السادسة
يستحب أن يخص بصدقته الصلحاء وأهل الخير
وأهل المروءات والحاجات كما مر
فلو تصدق على كافر ولو حربيا أو فاسق لم يعدم الثواب، لقوله تعالى:
(مِسكيناً وَيَتيماً وَأَسيراً) والأسير هو الحربي.
ومر
خبر الرجل الذي قال: (لأتصدقن الليلة بصدقة ففعل فوقعت في يد زانية، فلما
علم تصدق في ليلة أخرى، فوقعت في يد غني، فلما علم، تصدق في ليلة أخرى
فوقعت في يد سارق، فقيل له: لعل الزانية تستعفف والغني يعتبر فيتصدق،
والسارق يستعف بها عن سرقة). رواه الشيخان، وروي أيضا: (أن رجلا اشتد عليه
العطش، فرأى بئرا فشرب منها، ثم رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد
بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر، فملأ الخف
ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا
رسول الله: إن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبدن رطبة أجر).
وروي
(بينما كلب يطيف بركية (أي بئر) قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا
بني إسرائيل، فنزعت موقها (أي خفها) فاستقت له به فسقته إياه فغفر لها به).
ويستحب دفع الصدقة بطيب نفس، وبشاشة وجه، ويحرم المن بها.. بطل ثوابه.
قال الله تعالى: (لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بِِالمَنِّ وَالأَذى).
وروى
مسلم: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم
القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، فقرأها رسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر وخسروا، من هم يا رسول
الله، قال المسبل أي لإزاره عن كعبيه خيلاء، والمنان، والمنفق سلعته
بالحلف الكاذب). قال في الإحياء: واختلفوا في حقيقة المن والأذى، فقيل
المن أن يظهرها، والأذى أن يذكرها.
وقال سفيان: المن هو أن يذكرها ويتحدث بها.
وقيل هو أن يستخدمه بالعطاء، والأذى ان يعيره بالفقر.
وقيل
هو أن يتكبر عليه لأجل عطائه؛ والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسالة ثم
اختار أن حقيقة المن أن يرى نفسه محسنا إليه، ومنعما عليه، وثمرته التحدث
بما أعطاه، وإظهار طلبه المكافآت منه بالشكر، والدعاء، والخدمة، والتوقير،
والتعظيم، والقيام بالحقوق، والتقديم في المجالس، والمتابعة في الأمور.
وإن
الأذى هو التوبيخ والتغيير، وتخشين الكلام، وتقطيب الوجه. ومنبعه: كراهة
البذل الموجب لضيق الخلق، ورؤيته أنه خير من الفقير. قال واستعظام العطية
إعجاب بها وهو محبط بالعمل، أي فهو عنده كالمن به.
السابعة: يستحب أن يتصدق من كسب يده لقوله تعالى: (أَنفِقوا مِن طيباتِ ما
كَسِبتُم).
وللأحاديث السابقة في ذلك.
الثامنة
قال الإمام الرازي يسن التسمية عند الدفع
لأنه عبادة
التاسعة
قال الحليمي
يسن أن يعطي لله
وقال
الماوردي: إنما يكون على الغنى صدقة، إذا قصد بها وجه الله، وابتغاء
ثوابه، فإن قصد الإمتنان والملاحظة خرجت من الصدقة إلى الهبة.
يستحب أن يتحرى التصدق بالماء
فقد جاءت أحاديث كثيرة في الحث على سقيه، منها الحديثان السابقان.
ومنها
أحمد عن الحسن البصري عن سعد بن عبادة: أن أمه ماتت، فقال لرسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلمك (إن أمي ماتت فأتصدق عنها؟ قال: نعم، قال: فأي
الصدقة؟ أفضل؟ قال: سقي الماء). وهو مرسل لأن الحسن لم يدرك سعدا.
ورواه أبو داود عن رجل لم يسم عن سعد بمعناه: (قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال:
الماء).
ورواه
النسائي عن سعيد بن المسيب عن سعد ولم يدركه فهو مرسل أيضا، لكنه اعتضد
بالحديثين الصحيحين السابقين، وبأن مراسيل سعيد بن المسيب يعلم بها وإن لم
تعتضد، لأنها فتشت فوجدت منقولة، على أن المرسل يعمل به في الفضائل، وإن
لم يعتضد.
ومر في الكلام على الأحاديث، حمل حديث أفضلية الصدقة بالماء
على غيرها على محل الإحتياج فيه للماء أكثر منه إلى الطعام، وإلا فالتصدق
بالطعام أفضل.
تسن المنيحة وهو أن يكون له ناقة أو بقرة
أو شاة ذات لبن
فيدفعها إلى من يشرب لبنها مدة، ثم يردها إليه للأحاديث الصحيحة الكثيرة
السابقة.
يكره تعمد الصدقة بالرديء إذا وجد غيره
قال الله تعالى: (وَلا تَيَمَّموا الخَبيثَ مِنهُ تُنفِقونَ).
ويسن تعمد أجود ماله وأحبه إليه؛ قال الله تعالى: (لَن تَنالوا البِرَّ
حَتَّى تُنفِقوا مِمَّا تُحِبون).
وفي المسالة أحاديث كثيرة صحيحة تقدم بعضها.
وورد: (من لبس ثوبا جديدا، ثم عمد إلى ثوبه الذي أخلق فتصدق به، لم يزل في
حفظ الله حيا وميتا).
وليس هنا تصدقا بالرديءن بل هو مما يحب، فهو كالتصدق بالفلوس دون الفضة.
قال أصحابنا يكره التصدق بما فيه شبهة
أي
للأحاديث الكثيرة الصحيحة الشهيرة، وقد قدمت منها حديث الشيخين: (من تصدق
بعدل تمرة، من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه
ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل).
والفلو بضم الفاء وبضم اللامن وتشديد الواو، ويقال بكسر الفاء وإسكان
اللامن هو ولد الفرس في صغره.
ومنها
حديث مسلم أيها الناس (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر
المؤمنين بما أمر به المرسلين)، قال الله عز وجل: (يا أَيُّها الرُسُلُ
كُلوا مِنَ الطِّيِِباتِ وَاعمَلوا صالِحاً إِنَّي بِما تَعمَلونَ
عَليمٌ). وقال تعالى: (يا أَيُّها الَّذَينَ آَمَنوا كُلوا مِنَ طَيبِّاتِ
ما رَزَقناكُم)، ثم ذكر الرجل السفر أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب: يا
رب، ومطعمه حرامه، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب
لذلك).
قال الجرجاني من أصحابنا يستحب الصدقة بعد كل معصية. انتهى.
ومنه
الصدقة في واطىء الحائض بدينار لمن وطىء، ومن إقبال الدم وقوته وبنصف لمن
وطيء زمن إدباره وضعفه، والتصدق بدينار لمن فاتته الجمعة.
قال الحليمي
من
أكابر أصحابنا يستحب للمتصدق أن يعطي الصدقة للفقير من يده. انتهى. وينبغي
في محله إذا لم يتأذ الفقير بذلك، لكونه مثلا يعلم منه بالقرائن أنه يحب
ألا يطلع ذلك المتصدق على حاله.
السادسة عشرة
صدقة الصحيح أفضل من صدقة المريض
لحديث
الشيخين: (سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أي الصدقة أعظم؟
قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا
بلغت الحلقوم، قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، الا وقد كان لفلان).
قال النووي رحمه الله في المجموع
يستحب
استحبابا متأكدا صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب واليتامى والأرامل،
والجيران، والأصهار، وصلة أصدقاء أبيه وأمه وزوجته،والإحسان إليهم.
وقد جاءت في جميع هذا أحاديث كثيرة مشهورة في الصحيح، جمعت معظمها في رياض
الصالحين. انتهى، ومر منها جملة.
مر في الأحاديث السابقة أن الوكيل في الصدقة
أحد المتصدقين منها خبر الشيخين
أنه
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما
أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد
المتصدقين) أي بالتثنية والجمع.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل في مسائل تتعلق بصدقة التطوع
الأولى
ينبغي أن يواظب عليها كل وقت، وإن قلتس.
وتعبيرهم
باليوم في قولهم: ليس للراغب في الخيرات أن يخلي يوما من الأيام من الصدقة
بشيء وإن قل، للأخبار الصحيحة، لم يريدوا باليوم فيه التقييد، وإنما
أرادوا أن هذا أدنى الكمال، وإلا فالأكمل ألا يخلى وقتا منها، وإن قلت كما
عبرت.
الثانية
إسرارها أفضل من إظهارها
لقوله تعالى: (وَإِن تُفوها وَتُؤتوها الفُقَراءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم).
ولأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عد كما مر من جملة السبعة الذين
يستظلون بالعرش، يوم لا ظل إلا ظله.
من
أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، نعم الوجه وفاقا للغزالي
وغيره إن أظهرها ولم يقصد رياء ولا سمعة، وإنما قصد أن يقتدى به، ولم يتأذ
به الآخذ بالإظهار، كان الإظهار أفضل، لما فيه من المصلحة، فإن اختل شرط
من ذلك، فالإسرار أفضل، لما فيه من المصلحة، فإن اختل شرط من ذلك،
فالإسرار أفضل إلا عند قصد نحو الرياء فإنه حرام.
هذا حكم صدقة التطوع،
أما الزكاة فالأولى للإمام إظهارها مطلقا. قال في المجموع: ومثله المالك
إجماعا، ولكن استثنى منه الماوردي في الباطنة إظهارها للإقتداء به فإنه
أفضل، نظير ما مر قريبا.
وينبغي للآخذ أن ينظر لما يحبه المعطي، فإن
أحب الإسرار أظهر، وإلا أسر مبالغة في الثناء عليه في الأول ومعاملة له
بنقيض قصده الناقص في المثاني.
الثالثة
قال الشافعي والأصحاب يستحب الإكثار من الصدقة
في رمضان لا سيما في عشرة الأواخر فهي أفضل منها فيما يأتي
لأنه
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان أجود ما يكون في رمضان، ولأنه سيد
الشهور وأفضلها، لأن الناس يشتغلون به عن المكاسب بالصيام وإكثار الطاعات
فتكون الحاجة فيه أشد.
قال الماوردي: ويستحب أن يوسع فيه على عياله، ويحسن إلى ذوي أرحامه
وجيرانه لا سيما في العشر الأواخر.
قال
أصحابنا: ويستحب الإكثار من الصدقة عند الأمور المهمة، وعند الكسوف والسفر
بمكة والمدينة وبيت المقدس، وفي الغزو والحج لأنها أرجة لفضائلها،
والأوقات الفاضلة كعشر ذي الحجة، وايام العيد، ونحو ذلك.
ففي كل هذه المواضع هن آكد من غيرها، ويتأكد أيضا عند نحو المرض والكسوف
والسفر.
وظاهر
كلام الحليمي أنه يسن تأخير الصدقة إلى رمضان، ونحوه مما ذكر وعبارته:
وإذا تصدق في وقت دون وقت تحرى بصدقته من الأيام يوم الجمعة، ومن الشهور
رمضان. انتهت.
لكن خالفه الأذرعي والزركشي فقالا: ليس المراد أن من قصد
التصدق في غير الأوقات والأماكن المذكورة يسن تأخيره إليها، بل المراد أن
التصدق فيها أعظم أدرا منه في غيرها غالبا. انتهى.
وما قال هو المستحب لما في التأخير من خطر احتمال التلف بالموت وشح
بالمتصدق به.
ومرادهم
بما ذكر أن من كان بالأماكن الفاضلة أو أدرك الأوقات الفاضلة ينبغي له أن
يدرك وسعه في الصدقة فيهان ولا يؤخر شيئا مما يريد التصدق به في غيرها إلا
لعذر مما يأتي.
الرابعة
أجمعت الأمة أن الصدقة على الأقارب أفضل
منها على الأجانب والأحاديث في المسالة كثيرة شهيرة
وقد
مر منها جملة مستكثرة، من ذلك حديث الصحيحين: (أن زينب امرأة ابن مسعود
وامرأة أخرى أتتا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقالتا لبلال:
سل لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أيجزى عنا من الصدقة
النفقة على أزواجنا وأيتام في حجورنا، هل يجزىء ذلك عنهما من الصدقة؟ يعني
النفقة عليهم، فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لهم أجر القرابة وأجر
الصدقة).
في الصحيحين أيضا عن (ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى
عنها: أنها أعتقت وليدة لها، فقال لها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لو
أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك).
وصح حديث: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء). و (صدقة السر تطفىء غضب
الرب)، و (صلة الرحم تزيد في العمر).
ومعنى
الزيادة فيه كما مر البركة فيه، بالتوفيق للخير، والحفظ من الشر، فيتيسر
له من العمل في المدة القليلة ما لم يتيسر لغيره في المدة الطويلة، أو هي
زيادة حقيقة بالنسبة للوح المحفوظ، وإن كانت ليست زيادة لما في أم الكتاب
وهي علم الله القديم، الذي لا يقبل التبديل والتغيير.
وهنا معنى القول
بأنها زيادة بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة بأن يقال لهم عمر فلان إن لم
يصل رحمه خمسون سنة، فإن وصله فستون، إلا إلى ما عند الله، فإنه تعالى
يعلم الواقع من الصلة، وأنه يعيش الستين أو من عدمها، وأنه لا يعيش إلا
خمسين.
قال أصحابنا: ولا فرق في استحباب صدقة التطوع على الغريب
وتقديمه على الأجنبي، بين أن يكون الغريب ممن تلزمه نفقته؟ أو غيره وعبارة
البغوي: دفعها إلى قريب تلزمه نفقته أفضل من دفعها إلى الأجنبي.
قال
أصحابنا: ويستحب تخصيص الأقارب على الأجانب بالزكاة حيث يجوز دفعها إليهم
كما قلنا في صدقة التطوع، فلا فرق بينهما، وهكذا الكفارات والنذور
والوصايا والأوفاق وسائر جهات البر، يستحب تقديم الأقارب فيها، حيث يكون
بصفة الإستحقاق.
قال أبو علي الطبري والسرخسي وغيرهما من أصحابنا:
يستحب أن يقصد بصدقته من أقاربه اشدهم له عداوة، ليتألف قلبه، ويرده إلى
المحبة والألفة، ولما فيه من مجانبة الرياء. وحظوظ النفوس ومنه يؤخذ أن
الأشد عداوة من الأجانب أولى من غيرهم، ومر حديث (أفضل الصدقة على ذي
الرحم الكاشح. أي العدو، وصح أن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم
اثنتان؛ صدقة وصلة، وإذا استوى الأقارب في الصدقة والعداوة فالأفضل تقديم
الأقرب، فالأقرب من المحارم وإن لزمه نفقتهم كما مر؛ وفي ترتيبهم الزوج
والزوجة، ثم الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام ثم ذوي الولاء من الجانبين ثم
من جانب، ويقدم ذوي الولاء من أعلى، على ذوي الولاء من أسفل، كما بحثه
الأذرعي، وإن جعلهم الشيخان وغيرهما في مرتبة واحدة، ويستثنى مما ذكر
الجار ولو أجنبيا، فصرفها غليه أفضل منه إلى بعيد، ولو كان قريبا، لكن
بشرط أن يكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه، والأقدم
القريب وإن بعدت داره على الجار الأجنبي وإن قربت داره، وأهل الخير
والمحتاجون أولى من غيرهم بقرابة أو جوار، وظاهر أن أهل الحاجة أولى من
أهل الإصلاح.
الخامسة: قال أصحابنا وغيرهسم: يستحب أن يتصدق بما يتيسر،
ولا يستقله، ولا يمتنع من الصدقة لقلته وحقارته، فإن قليل الخير كثير عند
الله تعالى، وما قبله سبحانه وبارك فيه غير قليل.
ومرت الأحاديث الكثيرة في الترغيب في الصدقة ولو بشق تمرة، أو فرسن شاة
وهو من البعير، والشاة كالحافر من غيرها.
السادسة
يستحب أن يخص بصدقته الصلحاء وأهل الخير
وأهل المروءات والحاجات كما مر
فلو تصدق على كافر ولو حربيا أو فاسق لم يعدم الثواب، لقوله تعالى:
(مِسكيناً وَيَتيماً وَأَسيراً) والأسير هو الحربي.
ومر
خبر الرجل الذي قال: (لأتصدقن الليلة بصدقة ففعل فوقعت في يد زانية، فلما
علم تصدق في ليلة أخرى، فوقعت في يد غني، فلما علم، تصدق في ليلة أخرى
فوقعت في يد سارق، فقيل له: لعل الزانية تستعفف والغني يعتبر فيتصدق،
والسارق يستعف بها عن سرقة). رواه الشيخان، وروي أيضا: (أن رجلا اشتد عليه
العطش، فرأى بئرا فشرب منها، ثم رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد
بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر، فملأ الخف
ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا
رسول الله: إن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبدن رطبة أجر).
وروي
(بينما كلب يطيف بركية (أي بئر) قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا
بني إسرائيل، فنزعت موقها (أي خفها) فاستقت له به فسقته إياه فغفر لها به).
ويستحب دفع الصدقة بطيب نفس، وبشاشة وجه، ويحرم المن بها.. بطل ثوابه.
قال الله تعالى: (لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بِِالمَنِّ وَالأَذى).
وروى
مسلم: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم
القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، فقرأها رسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر وخسروا، من هم يا رسول
الله، قال المسبل أي لإزاره عن كعبيه خيلاء، والمنان، والمنفق سلعته
بالحلف الكاذب). قال في الإحياء: واختلفوا في حقيقة المن والأذى، فقيل
المن أن يظهرها، والأذى أن يذكرها.
وقال سفيان: المن هو أن يذكرها ويتحدث بها.
وقيل هو أن يستخدمه بالعطاء، والأذى ان يعيره بالفقر.
وقيل
هو أن يتكبر عليه لأجل عطائه؛ والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسالة ثم
اختار أن حقيقة المن أن يرى نفسه محسنا إليه، ومنعما عليه، وثمرته التحدث
بما أعطاه، وإظهار طلبه المكافآت منه بالشكر، والدعاء، والخدمة، والتوقير،
والتعظيم، والقيام بالحقوق، والتقديم في المجالس، والمتابعة في الأمور.
وإن
الأذى هو التوبيخ والتغيير، وتخشين الكلام، وتقطيب الوجه. ومنبعه: كراهة
البذل الموجب لضيق الخلق، ورؤيته أنه خير من الفقير. قال واستعظام العطية
إعجاب بها وهو محبط بالعمل، أي فهو عنده كالمن به.
السابعة: يستحب أن يتصدق من كسب يده لقوله تعالى: (أَنفِقوا مِن طيباتِ ما
كَسِبتُم).
وللأحاديث السابقة في ذلك.
الثامنة
قال الإمام الرازي يسن التسمية عند الدفع
لأنه عبادة
التاسعة
قال الحليمي
يسن أن يعطي لله
فإن نوى شكر نعمته أو دفع نقمته لم يضر
وقال
الماوردي: إنما يكون على الغنى صدقة، إذا قصد بها وجه الله، وابتغاء
ثوابه، فإن قصد الإمتنان والملاحظة خرجت من الصدقة إلى الهبة.
العاشرة
يستحب أن يتحرى التصدق بالماء
فقد جاءت أحاديث كثيرة في الحث على سقيه، منها الحديثان السابقان.
ومنها
أحمد عن الحسن البصري عن سعد بن عبادة: أن أمه ماتت، فقال لرسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلمك (إن أمي ماتت فأتصدق عنها؟ قال: نعم، قال: فأي
الصدقة؟ أفضل؟ قال: سقي الماء). وهو مرسل لأن الحسن لم يدرك سعدا.
ورواه أبو داود عن رجل لم يسم عن سعد بمعناه: (قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال:
الماء).
ورواه
النسائي عن سعيد بن المسيب عن سعد ولم يدركه فهو مرسل أيضا، لكنه اعتضد
بالحديثين الصحيحين السابقين، وبأن مراسيل سعيد بن المسيب يعلم بها وإن لم
تعتضد، لأنها فتشت فوجدت منقولة، على أن المرسل يعمل به في الفضائل، وإن
لم يعتضد.
ومر في الكلام على الأحاديث، حمل حديث أفضلية الصدقة بالماء
على غيرها على محل الإحتياج فيه للماء أكثر منه إلى الطعام، وإلا فالتصدق
بالطعام أفضل.
الحادية عشرة
تسن المنيحة وهو أن يكون له ناقة أو بقرة
أو شاة ذات لبن
فيدفعها إلى من يشرب لبنها مدة، ثم يردها إليه للأحاديث الصحيحة الكثيرة
السابقة.
الثانية عشرة
يكره تعمد الصدقة بالرديء إذا وجد غيره
قال الله تعالى: (وَلا تَيَمَّموا الخَبيثَ مِنهُ تُنفِقونَ).
ويسن تعمد أجود ماله وأحبه إليه؛ قال الله تعالى: (لَن تَنالوا البِرَّ
حَتَّى تُنفِقوا مِمَّا تُحِبون).
وفي المسالة أحاديث كثيرة صحيحة تقدم بعضها.
وورد: (من لبس ثوبا جديدا، ثم عمد إلى ثوبه الذي أخلق فتصدق به، لم يزل في
حفظ الله حيا وميتا).
وليس هنا تصدقا بالرديءن بل هو مما يحب، فهو كالتصدق بالفلوس دون الفضة.
الثالثة عشرة
قال أصحابنا يكره التصدق بما فيه شبهة
أي
للأحاديث الكثيرة الصحيحة الشهيرة، وقد قدمت منها حديث الشيخين: (من تصدق
بعدل تمرة، من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه
ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل).
والفلو بضم الفاء وبضم اللامن وتشديد الواو، ويقال بكسر الفاء وإسكان
اللامن هو ولد الفرس في صغره.
ومنها
حديث مسلم أيها الناس (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر
المؤمنين بما أمر به المرسلين)، قال الله عز وجل: (يا أَيُّها الرُسُلُ
كُلوا مِنَ الطِّيِِباتِ وَاعمَلوا صالِحاً إِنَّي بِما تَعمَلونَ
عَليمٌ). وقال تعالى: (يا أَيُّها الَّذَينَ آَمَنوا كُلوا مِنَ طَيبِّاتِ
ما رَزَقناكُم)، ثم ذكر الرجل السفر أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب: يا
رب، ومطعمه حرامه، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب
لذلك).
الرابعة عشرة
قال الجرجاني من أصحابنا يستحب الصدقة بعد كل معصية. انتهى.
ومنه
الصدقة في واطىء الحائض بدينار لمن وطىء، ومن إقبال الدم وقوته وبنصف لمن
وطيء زمن إدباره وضعفه، والتصدق بدينار لمن فاتته الجمعة.
الخامسة عشرة
قال الحليمي
من
أكابر أصحابنا يستحب للمتصدق أن يعطي الصدقة للفقير من يده. انتهى. وينبغي
في محله إذا لم يتأذ الفقير بذلك، لكونه مثلا يعلم منه بالقرائن أنه يحب
ألا يطلع ذلك المتصدق على حاله.
السادسة عشرة
صدقة الصحيح أفضل من صدقة المريض
لحديث
الشيخين: (سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أي الصدقة أعظم؟
قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا
بلغت الحلقوم، قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، الا وقد كان لفلان).
السابعة عشرة
قال النووي رحمه الله في المجموع
يستحب
استحبابا متأكدا صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب واليتامى والأرامل،
والجيران، والأصهار، وصلة أصدقاء أبيه وأمه وزوجته،والإحسان إليهم.
وقد جاءت في جميع هذا أحاديث كثيرة مشهورة في الصحيح، جمعت معظمها في رياض
الصالحين. انتهى، ومر منها جملة.
الثامنة عشرة
مر في الأحاديث السابقة أن الوكيل في الصدقة
أحد المتصدقين منها خبر الشيخين
أنه
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما
أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد
المتصدقين) أي بالتثنية والجمع.
الأولى
ينبغي أن يواظب عليها كل وقت، وإن قلتس.
وتعبيرهم
باليوم في قولهم: ليس للراغب في الخيرات أن يخلي يوما من الأيام من الصدقة
بشيء وإن قل، للأخبار الصحيحة، لم يريدوا باليوم فيه التقييد، وإنما
أرادوا أن هذا أدنى الكمال، وإلا فالأكمل ألا يخلى وقتا منها، وإن قلت كما
عبرت.
إسرارها أفضل من إظهارها
لقوله تعالى: (وَإِن تُفوها وَتُؤتوها الفُقَراءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُم).
ولأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عد كما مر من جملة السبعة الذين
يستظلون بالعرش، يوم لا ظل إلا ظله.
من
أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، نعم الوجه وفاقا للغزالي
وغيره إن أظهرها ولم يقصد رياء ولا سمعة، وإنما قصد أن يقتدى به، ولم يتأذ
به الآخذ بالإظهار، كان الإظهار أفضل، لما فيه من المصلحة، فإن اختل شرط
من ذلك، فالإسرار أفضل، لما فيه من المصلحة، فإن اختل شرط من ذلك،
فالإسرار أفضل إلا عند قصد نحو الرياء فإنه حرام.
هذا حكم صدقة التطوع،
أما الزكاة فالأولى للإمام إظهارها مطلقا. قال في المجموع: ومثله المالك
إجماعا، ولكن استثنى منه الماوردي في الباطنة إظهارها للإقتداء به فإنه
أفضل، نظير ما مر قريبا.
وينبغي للآخذ أن ينظر لما يحبه المعطي، فإن
أحب الإسرار أظهر، وإلا أسر مبالغة في الثناء عليه في الأول ومعاملة له
بنقيض قصده الناقص في المثاني.
قال الشافعي والأصحاب يستحب الإكثار من الصدقة
في رمضان لا سيما في عشرة الأواخر فهي أفضل منها فيما يأتي
لأنه
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان أجود ما يكون في رمضان، ولأنه سيد
الشهور وأفضلها، لأن الناس يشتغلون به عن المكاسب بالصيام وإكثار الطاعات
فتكون الحاجة فيه أشد.
قال الماوردي: ويستحب أن يوسع فيه على عياله، ويحسن إلى ذوي أرحامه
وجيرانه لا سيما في العشر الأواخر.
قال
أصحابنا: ويستحب الإكثار من الصدقة عند الأمور المهمة، وعند الكسوف والسفر
بمكة والمدينة وبيت المقدس، وفي الغزو والحج لأنها أرجة لفضائلها،
والأوقات الفاضلة كعشر ذي الحجة، وايام العيد، ونحو ذلك.
ففي كل هذه المواضع هن آكد من غيرها، ويتأكد أيضا عند نحو المرض والكسوف
والسفر.
وظاهر
كلام الحليمي أنه يسن تأخير الصدقة إلى رمضان، ونحوه مما ذكر وعبارته:
وإذا تصدق في وقت دون وقت تحرى بصدقته من الأيام يوم الجمعة، ومن الشهور
رمضان. انتهت.
لكن خالفه الأذرعي والزركشي فقالا: ليس المراد أن من قصد
التصدق في غير الأوقات والأماكن المذكورة يسن تأخيره إليها، بل المراد أن
التصدق فيها أعظم أدرا منه في غيرها غالبا. انتهى.
وما قال هو المستحب لما في التأخير من خطر احتمال التلف بالموت وشح
بالمتصدق به.
ومرادهم
بما ذكر أن من كان بالأماكن الفاضلة أو أدرك الأوقات الفاضلة ينبغي له أن
يدرك وسعه في الصدقة فيهان ولا يؤخر شيئا مما يريد التصدق به في غيرها إلا
لعذر مما يأتي.
أجمعت الأمة أن الصدقة على الأقارب أفضل
منها على الأجانب والأحاديث في المسالة كثيرة شهيرة
وقد
مر منها جملة مستكثرة، من ذلك حديث الصحيحين: (أن زينب امرأة ابن مسعود
وامرأة أخرى أتتا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فقالتا لبلال:
سل لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أيجزى عنا من الصدقة
النفقة على أزواجنا وأيتام في حجورنا، هل يجزىء ذلك عنهما من الصدقة؟ يعني
النفقة عليهم، فقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لهم أجر القرابة وأجر
الصدقة).
في الصحيحين أيضا عن (ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى
عنها: أنها أعتقت وليدة لها، فقال لها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لو
أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك).
وصح حديث: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء). و (صدقة السر تطفىء غضب
الرب)، و (صلة الرحم تزيد في العمر).
ومعنى
الزيادة فيه كما مر البركة فيه، بالتوفيق للخير، والحفظ من الشر، فيتيسر
له من العمل في المدة القليلة ما لم يتيسر لغيره في المدة الطويلة، أو هي
زيادة حقيقة بالنسبة للوح المحفوظ، وإن كانت ليست زيادة لما في أم الكتاب
وهي علم الله القديم، الذي لا يقبل التبديل والتغيير.
وهنا معنى القول
بأنها زيادة بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة بأن يقال لهم عمر فلان إن لم
يصل رحمه خمسون سنة، فإن وصله فستون، إلا إلى ما عند الله، فإنه تعالى
يعلم الواقع من الصلة، وأنه يعيش الستين أو من عدمها، وأنه لا يعيش إلا
خمسين.
قال أصحابنا: ولا فرق في استحباب صدقة التطوع على الغريب
وتقديمه على الأجنبي، بين أن يكون الغريب ممن تلزمه نفقته؟ أو غيره وعبارة
البغوي: دفعها إلى قريب تلزمه نفقته أفضل من دفعها إلى الأجنبي.
قال
أصحابنا: ويستحب تخصيص الأقارب على الأجانب بالزكاة حيث يجوز دفعها إليهم
كما قلنا في صدقة التطوع، فلا فرق بينهما، وهكذا الكفارات والنذور
والوصايا والأوفاق وسائر جهات البر، يستحب تقديم الأقارب فيها، حيث يكون
بصفة الإستحقاق.
قال أبو علي الطبري والسرخسي وغيرهما من أصحابنا:
يستحب أن يقصد بصدقته من أقاربه اشدهم له عداوة، ليتألف قلبه، ويرده إلى
المحبة والألفة، ولما فيه من مجانبة الرياء. وحظوظ النفوس ومنه يؤخذ أن
الأشد عداوة من الأجانب أولى من غيرهم، ومر حديث (أفضل الصدقة على ذي
الرحم الكاشح. أي العدو، وصح أن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم
اثنتان؛ صدقة وصلة، وإذا استوى الأقارب في الصدقة والعداوة فالأفضل تقديم
الأقرب، فالأقرب من المحارم وإن لزمه نفقتهم كما مر؛ وفي ترتيبهم الزوج
والزوجة، ثم الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام ثم ذوي الولاء من الجانبين ثم
من جانب، ويقدم ذوي الولاء من أعلى، على ذوي الولاء من أسفل، كما بحثه
الأذرعي، وإن جعلهم الشيخان وغيرهما في مرتبة واحدة، ويستثنى مما ذكر
الجار ولو أجنبيا، فصرفها غليه أفضل منه إلى بعيد، ولو كان قريبا، لكن
بشرط أن يكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه، والأقدم
القريب وإن بعدت داره على الجار الأجنبي وإن قربت داره، وأهل الخير
والمحتاجون أولى من غيرهم بقرابة أو جوار، وظاهر أن أهل الحاجة أولى من
أهل الإصلاح.
الخامسة: قال أصحابنا وغيرهسم: يستحب أن يتصدق بما يتيسر،
ولا يستقله، ولا يمتنع من الصدقة لقلته وحقارته، فإن قليل الخير كثير عند
الله تعالى، وما قبله سبحانه وبارك فيه غير قليل.
ومرت الأحاديث الكثيرة في الترغيب في الصدقة ولو بشق تمرة، أو فرسن شاة
وهو من البعير، والشاة كالحافر من غيرها.
السادسة
يستحب أن يخص بصدقته الصلحاء وأهل الخير
وأهل المروءات والحاجات كما مر
فلو تصدق على كافر ولو حربيا أو فاسق لم يعدم الثواب، لقوله تعالى:
(مِسكيناً وَيَتيماً وَأَسيراً) والأسير هو الحربي.
ومر
خبر الرجل الذي قال: (لأتصدقن الليلة بصدقة ففعل فوقعت في يد زانية، فلما
علم تصدق في ليلة أخرى، فوقعت في يد غني، فلما علم، تصدق في ليلة أخرى
فوقعت في يد سارق، فقيل له: لعل الزانية تستعفف والغني يعتبر فيتصدق،
والسارق يستعف بها عن سرقة). رواه الشيخان، وروي أيضا: (أن رجلا اشتد عليه
العطش، فرأى بئرا فشرب منها، ثم رأى كلبا يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد
بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر، فملأ الخف
ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا
رسول الله: إن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبدن رطبة أجر).
وروي
(بينما كلب يطيف بركية (أي بئر) قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا
بني إسرائيل، فنزعت موقها (أي خفها) فاستقت له به فسقته إياه فغفر لها به).
ويستحب دفع الصدقة بطيب نفس، وبشاشة وجه، ويحرم المن بها.. بطل ثوابه.
قال الله تعالى: (لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بِِالمَنِّ وَالأَذى).
وروى
مسلم: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم
القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، فقرأها رسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر وخسروا، من هم يا رسول
الله، قال المسبل أي لإزاره عن كعبيه خيلاء، والمنان، والمنفق سلعته
بالحلف الكاذب). قال في الإحياء: واختلفوا في حقيقة المن والأذى، فقيل
المن أن يظهرها، والأذى أن يذكرها.
وقال سفيان: المن هو أن يذكرها ويتحدث بها.
وقيل هو أن يستخدمه بالعطاء، والأذى ان يعيره بالفقر.
وقيل
هو أن يتكبر عليه لأجل عطائه؛ والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسالة ثم
اختار أن حقيقة المن أن يرى نفسه محسنا إليه، ومنعما عليه، وثمرته التحدث
بما أعطاه، وإظهار طلبه المكافآت منه بالشكر، والدعاء، والخدمة، والتوقير،
والتعظيم، والقيام بالحقوق، والتقديم في المجالس، والمتابعة في الأمور.
وإن
الأذى هو التوبيخ والتغيير، وتخشين الكلام، وتقطيب الوجه. ومنبعه: كراهة
البذل الموجب لضيق الخلق، ورؤيته أنه خير من الفقير. قال واستعظام العطية
إعجاب بها وهو محبط بالعمل، أي فهو عنده كالمن به.
السابعة: يستحب أن يتصدق من كسب يده لقوله تعالى: (أَنفِقوا مِن طيباتِ ما
كَسِبتُم).
وللأحاديث السابقة في ذلك.
الثامنة
قال الإمام الرازي يسن التسمية عند الدفع
لأنه عبادة
التاسعة
قال الحليمي
يسن أن يعطي لله
وقال
الماوردي: إنما يكون على الغنى صدقة، إذا قصد بها وجه الله، وابتغاء
ثوابه، فإن قصد الإمتنان والملاحظة خرجت من الصدقة إلى الهبة.
يستحب أن يتحرى التصدق بالماء
فقد جاءت أحاديث كثيرة في الحث على سقيه، منها الحديثان السابقان.
ومنها
أحمد عن الحسن البصري عن سعد بن عبادة: أن أمه ماتت، فقال لرسول الله صلى
الله تعالى عليه وآله وسلمك (إن أمي ماتت فأتصدق عنها؟ قال: نعم، قال: فأي
الصدقة؟ أفضل؟ قال: سقي الماء). وهو مرسل لأن الحسن لم يدرك سعدا.
ورواه أبو داود عن رجل لم يسم عن سعد بمعناه: (قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال:
الماء).
ورواه
النسائي عن سعيد بن المسيب عن سعد ولم يدركه فهو مرسل أيضا، لكنه اعتضد
بالحديثين الصحيحين السابقين، وبأن مراسيل سعيد بن المسيب يعلم بها وإن لم
تعتضد، لأنها فتشت فوجدت منقولة، على أن المرسل يعمل به في الفضائل، وإن
لم يعتضد.
ومر في الكلام على الأحاديث، حمل حديث أفضلية الصدقة بالماء
على غيرها على محل الإحتياج فيه للماء أكثر منه إلى الطعام، وإلا فالتصدق
بالطعام أفضل.
تسن المنيحة وهو أن يكون له ناقة أو بقرة
أو شاة ذات لبن
فيدفعها إلى من يشرب لبنها مدة، ثم يردها إليه للأحاديث الصحيحة الكثيرة
السابقة.
يكره تعمد الصدقة بالرديء إذا وجد غيره
قال الله تعالى: (وَلا تَيَمَّموا الخَبيثَ مِنهُ تُنفِقونَ).
ويسن تعمد أجود ماله وأحبه إليه؛ قال الله تعالى: (لَن تَنالوا البِرَّ
حَتَّى تُنفِقوا مِمَّا تُحِبون).
وفي المسالة أحاديث كثيرة صحيحة تقدم بعضها.
وورد: (من لبس ثوبا جديدا، ثم عمد إلى ثوبه الذي أخلق فتصدق به، لم يزل في
حفظ الله حيا وميتا).
وليس هنا تصدقا بالرديءن بل هو مما يحب، فهو كالتصدق بالفلوس دون الفضة.
قال أصحابنا يكره التصدق بما فيه شبهة
أي
للأحاديث الكثيرة الصحيحة الشهيرة، وقد قدمت منها حديث الشيخين: (من تصدق
بعدل تمرة، من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه
ثم يربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل).
والفلو بضم الفاء وبضم اللامن وتشديد الواو، ويقال بكسر الفاء وإسكان
اللامن هو ولد الفرس في صغره.
ومنها
حديث مسلم أيها الناس (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر
المؤمنين بما أمر به المرسلين)، قال الله عز وجل: (يا أَيُّها الرُسُلُ
كُلوا مِنَ الطِّيِِباتِ وَاعمَلوا صالِحاً إِنَّي بِما تَعمَلونَ
عَليمٌ). وقال تعالى: (يا أَيُّها الَّذَينَ آَمَنوا كُلوا مِنَ طَيبِّاتِ
ما رَزَقناكُم)، ثم ذكر الرجل السفر أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب: يا
رب، ومطعمه حرامه، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب
لذلك).
قال الجرجاني من أصحابنا يستحب الصدقة بعد كل معصية. انتهى.
ومنه
الصدقة في واطىء الحائض بدينار لمن وطىء، ومن إقبال الدم وقوته وبنصف لمن
وطيء زمن إدباره وضعفه، والتصدق بدينار لمن فاتته الجمعة.
قال الحليمي
من
أكابر أصحابنا يستحب للمتصدق أن يعطي الصدقة للفقير من يده. انتهى. وينبغي
في محله إذا لم يتأذ الفقير بذلك، لكونه مثلا يعلم منه بالقرائن أنه يحب
ألا يطلع ذلك المتصدق على حاله.
السادسة عشرة
صدقة الصحيح أفضل من صدقة المريض
لحديث
الشيخين: (سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أي الصدقة أعظم؟
قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا
بلغت الحلقوم، قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، الا وقد كان لفلان).
قال النووي رحمه الله في المجموع
يستحب
استحبابا متأكدا صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب واليتامى والأرامل،
والجيران، والأصهار، وصلة أصدقاء أبيه وأمه وزوجته،والإحسان إليهم.
وقد جاءت في جميع هذا أحاديث كثيرة مشهورة في الصحيح، جمعت معظمها في رياض
الصالحين. انتهى، ومر منها جملة.
مر في الأحاديث السابقة أن الوكيل في الصدقة
أحد المتصدقين منها خبر الشيخين
أنه
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما
أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد
المتصدقين) أي بالتثنية والجمع.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
التاسعة عشرة
قال السرخسي وغيره من أصحابنا وغيرهم من العلماء
يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها للسائل وغيره
بما أذن فيه صريحا، وبما لم يأذن فيه، ولم ينه عنه، إذا علمت رضاه به، فإن
لم تعلم حرم عليها.
ومرادهم بالعلم هنا ما يشمل الظن.
قال في المجموع
وهذا التفصيل متعين، وعليه يحمل الأحاديث الواردة في ذلك، وهكذا حكم
المملوك المتصدق من مال سيده على هذا التفصيل.
وتلك
قد مر معظمها، منها حديث الشيخين: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير
مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك لا
ينقص بعضهم أجر بعض شيئا).
وحديث لمسلم: (لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، وما أنفقت من كسبه من
غير أمره نصف أجره له).
أي إن علمت أو ظنت رضاه فلها أجر وله أجر كما مر.
وروى
مسلم: (عن عمير مولى آبى اللحم (بهمزة ممدودة مع كسر الباء) قال: أمرني
مولاي أن أقدد لحما، فجاءني مسكين فأطعمته منه، فعلم بذلك مولاي فضربني،
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فدعاه، فقال: لم ضربته؟
فقال: يعطي طعامي بغير أن آمره، فقال: الأجر بينكما).
وهذا محمول على
أنه ظن أن سيده يرضي بذلك القدر، فلم يرض لاحتياجه إليه بمعنى آخر، فيثاب
السيد على إخراج ماله، ويثاب العبد على نيته.
وفي رواية لمسلم أيضا
قال: (كنت مملوكا فسالت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (أأتصدق
من مال مولاي بشيء؟ قال: نعم، والأجر بينكما نصفان).
وهذا محمول على ما يرضى به سيده.
والمراد
بما جاء في هذه الأحاديث من كون الأجر بينهما نصفين أنه قسمان، لكل واحد
أجر، ولا يلزم أن يكونا سواء، فقد يكون أجر صاحب الطعام أكثر، وقد يكون
أجر المرأة والخازن والمملوك أكثر، بحسب قدر الطعام، وقد التعب في إنفاذ
الصدقة، وإيصالها إلى المسكين.
العشرون
ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال
اليد العليا خير من اليد السفلى
ثم في رواية: (فإن العليا المنفقة، والسفلى السائلة).
وفي أخرى للبخاري: (العليا المنفقة).
وفي أحاديث والله أعلم.
الحادية والعشرون
يحل أخذ صدقة التطوع لآل النبي
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما مر.
وأما هو صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيحرم عليه الجميع تمييزا لمرتبته
الشريفة على مرتبة غيره.
إذ في الصدقة مطلقا نوع منه وذلك وسخ، فنزه مقامه صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم عن ذلك بالكلية.
وجاز
تطوعها لآله، لأنه ليس فيها كبير ذلك، بخلاف نحو الزكاة، فإن الوسخ فيها
محقق، إذ هي طهرة للمال، وصاحبها كأنه مجبور عليها لوجوبها وتحتمها عليه،
فليس فيها غالبا من رضى النفسن وانبساطها بها ما في صدقة التطوع.
الثانية والعشرون
قال في المجموع يحل للأغنياء أخذ صدقة التطوع بلا خلاف
فيجوز دفعها غليهم، ويثاب دافعها عليها، ولكن المحتاج أفضل،
ويستحب للغني التنزه عنها ويكره له التعرض لأخذها.
قال
صاحب البيانك ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة. وهذا الذي قاله
صحيح، وعليه حمل الحديث الصحيح: (أن رجلا من أهل الصفة توفي، فوجد له
ديناران، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: كيتان من نار).
وأما إذا سأل الغني صدقة التطوع، فقد قطع صاحب الحاوي والسرخسي وغيرهما
بتحريمها عليه.
قال صاحب الحاوي: إن كان غنيا عن المسألة بمال فسؤاله حرام، وما يأخذه
يحرم عليه، هذا لفظه.
وقال الغزالي وغيره من أصحابنا في كتاب النفقات: وفي تحريم السؤال على
القادر على الكسب وجهان.
قالوا: وظاهر الأخبار تدل على تحريمه، وهو كما قالوا.
ففي الأحاديث الصحيحة تشديد أكيد في النهي عن السؤال، وظواهره كثيرة تقتضي
التحريم.
وأما السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب فليس بحرام ولا مكروه؛ وصرح به
الماوردي وهو ظاهر، انتهى كلام المجموع.
وأفهم قوله ويكره له التعرض لها، إذا كان أخذ الغني لها بلا تعرض خلاف
السنة وليس مكروها وهو ما أفهمه كلام الروضة أيضا.
وأما
قول الأسنوي إنه مكروه ففيه مفسدة كتأذ وقطيعة رحم، وإلا فالأولى الأخذ
إذا كان المال حلالا لا شبهة فيه، وإلا ندب له الرد، وإن حصل ما ذكر نقله
في المجموع واعتمده من أن الغني متى أظهر الفاقة حتى أعطيها، أو سالها
فأعطيها حرم عليه، هو المنقول المعتمد. قال الأذرعي لا يكون دفعها إليه
سنة، بل إما مكروه أو حرام. انتهى. وجزم في محل آخر بالحرمة.
والذي يتجه عدم الحرمة لقولهم: قد يجوز الإعطاء، ويحرم الأخذ كما في
الرشوة على حق، وكما يعطي للشاعر خوفا من لسانه.
ثم رأيت النووي صرح بما ذكرته من عدم الحرمة في شرح مسلم، وكان وجه ما
ذكرته من القياس على ما قالوه في هذين الفرعين.
فإن
قلت: قد يقال بينهما وبين ما نحن فيه فرق واضح، فإن الراشي على الحق
معذور؛ لأنه يستخلص بذلك ماله مثلا، وكذلك معطي الشاعر يستخلص عرضه منه،
فهما معذوران، فجاز لهما الإعطاء لعذرهما، ولم أر أن فيه إعانة على معصية
وهي الأخذ، بخلاف مسألتنا فإنه لا عذر لمعطي الغني مع سؤاله أو إظهار
الفاقة، فكان القياس ما جزم به الأذرعي من الحرمة لا ما ذكرته كشرح مسلم
من عدمها.
قلت: سبب تحريم أخذ الغني مع السؤال وإظهار الفاقة رعاية حق
المعطي كما هو ظاهر، فإن في سؤاله أو إظهار الفاقة تغريرا، أي تغرير
المعطي، فلما كان سبب التحريم رعاية حق المعطي كما هو ظاهر، فإن في سؤاله
أو إظهار الفاقة تغريرا، أي تغرير المعطي، فلما كان سبب التحريم رعاية
جانب المعطي، لم يتجه القول بحرمة إعطائه لمن سأله، أو أظهر له الفاقة،
لأنه لم يقصد بالإعطاء إلا البر والصلة، بخلاف من علم من الآخذ أنه يصرف
ما يأخذ في محرم، فإنه بالإعطاء له معين له على تلك المعصية فافترقا، ثم
المراد بالغني الذي يحرم عليه الأخذ مع السؤال أو إظهار الفاقة هو الغني
في العرف وهذا ما قاله الصميري، لكن ضبطه الغزالي بأنه الذي يجد ما يأكله
هو من في نفقته في يوم وليلة، وما يسترهم عن الناس من ثوب وسراويل ومنديل،
وما يحتاجون إليه في أكلهم من الآنية، ويكفي أن يكون من الخزف.
قال:
ولا يجوز أن يسأل ما يحتاج عليه بعد يومه وليلته إلا ألا يتيسر السؤال عند
نفاد ما عنده، فله طلب ما يحتاجه لسنة، بخلاف ما إذا كان يتسر عند نفاد
ذلك، فلا يجوز له السؤال قبل نفاده. انتهى.
قال الأذرعي: وينبغي جواز
طلب ما يحتاج غليه إلى وقت يعلم بالعادة تيسر السؤال فالاستغناء، ولا
يتجاوز ما اعتمده في المجموع من أن السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب ليس
بحرام ولا مكروه، وهو المعتمد أيضا.
وفي الجواهر وغيرها عن الغزالي:
يباح السؤال لضرورة، كجوع وعري، ولحاجة مهمة، كمن لا جنة له، وتأذى
بالبرد، وكأجرة مركوب لمن يشق عليه البرد والمشي، وترك السؤال أولى.
أما
السؤال لحاجة غير مهمة، لثوب يتجمل به، ومحمل يركب فيه مع وجود الراحلة،
فإن أظهر الحاجة، أو شكى الله تعالى، أو تذلل، أو ألح في الطلب حرم وإلا
كره.
ويحل السؤال للمستغرق في طلب علم شرعي، وإن قدر على الكسب،
والاكتساب أفضل من التخلي للعبادة، ويحرم سؤال واحد كفاية يوم وليلة وله
مؤنة، وله سؤال قوته، ولو لسنة، ولو لم يتيسر له الطلب وقت حاجة. انتهى
ملخصا.
وقوله: يباح السؤال للضرورة، مراده ما يعم الواجب، كما أنه ظاهر
أنه يجب السؤال على مضطر توقفت إزالة اضطراره الذي يخشى منه مبيح تيمم على
السؤال.
ثم رايت ما سأذكره عن الإمام وهو صريح فيما ذكرته.
وقوله:
ترك السؤال أولى، أي في الشق الثاني والكلام في مجر تأذ خفيف بالبرد أو
المشي، إما بأن يخشى منه مبيح تيمم، فيجب معه السؤال كما علم مما مر آنفا،
لأنه ليس من قسم الحاجة المهمة، بل من قسم الضرورة، وظاهر تخصيصه حرمة
السؤال مع أحد الأحوال الأربعة: الذل، أو الإلحاح، أو الشكوى، أو إظهار
الفاقة بالحاجة غير المهمة: جواز السؤال مع الضرورة أو الحاجة المهمة، مع
أحد هذه الأربعة، بل مع وجودها كلها، وهو ظاهر إن لزمه السؤال في الحالة
التي قدمتها، أما حيث لم يلزمه فلا يجوز له مع واحد من هذه الأربعة، كما
صرح به في الخادم، واقتضاه قول النووي في شرح مسلم، من أذل نفسه إذلالا
زائدا على ذل السؤال، أو ألح فيه، وأذى المسؤول حرام باتفاق. انتهى.
ويؤيده ما يصرح به قول ابن الصلاح، والسؤال مع التذلل وإلحاح وإيذاء
المسؤول حرام، وإن كان محتاجا.
والواو
في كلامه بمعنى أو كما علم من كلام شرح مسلم، ومما يصرح بذلك أيضا وبما
قدمته بحثا قول الإمام السؤال مع الإيذاء حرام مطلقا، ومع الحاجة جائز،
والتعفف عنه أولى، ولغير حاجة مكروه إلا في مباسطة الأصدقاء، وواجب عند
الضرورة. انتهى.
وقوله: إنه لغير حاجة مكروه على غير الحاجة المهمة، أو
على الفقير، وقوله: والتعفف عنه أولى، يقتضي أنه غير مكروه، وبه صرح في
المجموع نقلا عن الماوردي كما مر نقلا عنه، لكن اعترض بأن الذي في حاوي
الماوردي الجزم بالكراهةن ويرد بأن النووي لم ينقله عن الحاوي حتى يعترض
عليه بذلك وإنما نقله عن الماوردي، فلعل كلامه اختلف في كتبه، النووي عدم
الكراهة، فلا يرد عليه ذلك الاعتراض هنا.
وإعتراض تجويزهم السؤال ولو
مع الحاجة، فإنهم ذكروا لتحريمه أسباباس، وفي إظهار الحاجة والشكوى، والذل
والإلحاح، والإيذاء والالتزام بالذل حياء، والسؤال مطلقا لا يخلو عن واحد
من هذه، فأين المحل الذي يجوز فيه؟.
وأجاب الغزالي عن ذلك: بأن الأولين
يندفعان بأن يظهر شكر الله تعالى والاستغناء عن الخلق، ولا يسأل سؤال
محتاج، ويندفع الثالث بسؤال نحو قيبه أو صديقه أو سخي يعلم منه أنه لا
ينقص بذلك في عينه؛ والرابع بأن لا يعير بالسؤال أحدا، فإن كان من القوم
شخص تنظر إليه الأعين لو لم يبذل كان سؤاله إيذاء.
قال: ومتى أخذ شيئا
مع العلم، أي أو الظن، بان باعث المعطي الحياء منه، أو من الحاضرين،
لولولاه ما ابتدأه به، فهو حرام إجماعا، ويلزمه رده، أو رد بديله إليه، أو
إلى وارثه. انتهى.
قال السرخسي وغيره من أصحابنا وغيرهم من العلماء
يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها للسائل وغيره
بما أذن فيه صريحا، وبما لم يأذن فيه، ولم ينه عنه، إذا علمت رضاه به، فإن
لم تعلم حرم عليها.
ومرادهم بالعلم هنا ما يشمل الظن.
وهذا التفصيل متعين، وعليه يحمل الأحاديث الواردة في ذلك، وهكذا حكم
المملوك المتصدق من مال سيده على هذا التفصيل.
وتلك
قد مر معظمها، منها حديث الشيخين: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير
مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك لا
ينقص بعضهم أجر بعض شيئا).
وحديث لمسلم: (لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، وما أنفقت من كسبه من
غير أمره نصف أجره له).
أي إن علمت أو ظنت رضاه فلها أجر وله أجر كما مر.
وروى
مسلم: (عن عمير مولى آبى اللحم (بهمزة ممدودة مع كسر الباء) قال: أمرني
مولاي أن أقدد لحما، فجاءني مسكين فأطعمته منه، فعلم بذلك مولاي فضربني،
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فدعاه، فقال: لم ضربته؟
فقال: يعطي طعامي بغير أن آمره، فقال: الأجر بينكما).
وهذا محمول على
أنه ظن أن سيده يرضي بذلك القدر، فلم يرض لاحتياجه إليه بمعنى آخر، فيثاب
السيد على إخراج ماله، ويثاب العبد على نيته.
وفي رواية لمسلم أيضا
قال: (كنت مملوكا فسالت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (أأتصدق
من مال مولاي بشيء؟ قال: نعم، والأجر بينكما نصفان).
وهذا محمول على ما يرضى به سيده.
والمراد
بما جاء في هذه الأحاديث من كون الأجر بينهما نصفين أنه قسمان، لكل واحد
أجر، ولا يلزم أن يكونا سواء، فقد يكون أجر صاحب الطعام أكثر، وقد يكون
أجر المرأة والخازن والمملوك أكثر، بحسب قدر الطعام، وقد التعب في إنفاذ
الصدقة، وإيصالها إلى المسكين.
ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال
اليد العليا خير من اليد السفلى
ثم في رواية: (فإن العليا المنفقة، والسفلى السائلة).
وفي أخرى للبخاري: (العليا المنفقة).
وفي أحاديث والله أعلم.
يحل أخذ صدقة التطوع لآل النبي
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما مر.
وأما هو صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيحرم عليه الجميع تمييزا لمرتبته
الشريفة على مرتبة غيره.
إذ في الصدقة مطلقا نوع منه وذلك وسخ، فنزه مقامه صلى الله تعالى عليه
وآله وسلم عن ذلك بالكلية.
وجاز
تطوعها لآله، لأنه ليس فيها كبير ذلك، بخلاف نحو الزكاة، فإن الوسخ فيها
محقق، إذ هي طهرة للمال، وصاحبها كأنه مجبور عليها لوجوبها وتحتمها عليه،
فليس فيها غالبا من رضى النفسن وانبساطها بها ما في صدقة التطوع.
قال في المجموع يحل للأغنياء أخذ صدقة التطوع بلا خلاف
فيجوز دفعها غليهم، ويثاب دافعها عليها، ولكن المحتاج أفضل،
ويستحب للغني التنزه عنها ويكره له التعرض لأخذها.
قال
صاحب البيانك ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة. وهذا الذي قاله
صحيح، وعليه حمل الحديث الصحيح: (أن رجلا من أهل الصفة توفي، فوجد له
ديناران، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: كيتان من نار).
وأما إذا سأل الغني صدقة التطوع، فقد قطع صاحب الحاوي والسرخسي وغيرهما
بتحريمها عليه.
قال صاحب الحاوي: إن كان غنيا عن المسألة بمال فسؤاله حرام، وما يأخذه
يحرم عليه، هذا لفظه.
وقال الغزالي وغيره من أصحابنا في كتاب النفقات: وفي تحريم السؤال على
القادر على الكسب وجهان.
قالوا: وظاهر الأخبار تدل على تحريمه، وهو كما قالوا.
ففي الأحاديث الصحيحة تشديد أكيد في النهي عن السؤال، وظواهره كثيرة تقتضي
التحريم.
وأما السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب فليس بحرام ولا مكروه؛ وصرح به
الماوردي وهو ظاهر، انتهى كلام المجموع.
وأفهم قوله ويكره له التعرض لها، إذا كان أخذ الغني لها بلا تعرض خلاف
السنة وليس مكروها وهو ما أفهمه كلام الروضة أيضا.
وأما
قول الأسنوي إنه مكروه ففيه مفسدة كتأذ وقطيعة رحم، وإلا فالأولى الأخذ
إذا كان المال حلالا لا شبهة فيه، وإلا ندب له الرد، وإن حصل ما ذكر نقله
في المجموع واعتمده من أن الغني متى أظهر الفاقة حتى أعطيها، أو سالها
فأعطيها حرم عليه، هو المنقول المعتمد. قال الأذرعي لا يكون دفعها إليه
سنة، بل إما مكروه أو حرام. انتهى. وجزم في محل آخر بالحرمة.
والذي يتجه عدم الحرمة لقولهم: قد يجوز الإعطاء، ويحرم الأخذ كما في
الرشوة على حق، وكما يعطي للشاعر خوفا من لسانه.
ثم رأيت النووي صرح بما ذكرته من عدم الحرمة في شرح مسلم، وكان وجه ما
ذكرته من القياس على ما قالوه في هذين الفرعين.
فإن
قلت: قد يقال بينهما وبين ما نحن فيه فرق واضح، فإن الراشي على الحق
معذور؛ لأنه يستخلص بذلك ماله مثلا، وكذلك معطي الشاعر يستخلص عرضه منه،
فهما معذوران، فجاز لهما الإعطاء لعذرهما، ولم أر أن فيه إعانة على معصية
وهي الأخذ، بخلاف مسألتنا فإنه لا عذر لمعطي الغني مع سؤاله أو إظهار
الفاقة، فكان القياس ما جزم به الأذرعي من الحرمة لا ما ذكرته كشرح مسلم
من عدمها.
قلت: سبب تحريم أخذ الغني مع السؤال وإظهار الفاقة رعاية حق
المعطي كما هو ظاهر، فإن في سؤاله أو إظهار الفاقة تغريرا، أي تغرير
المعطي، فلما كان سبب التحريم رعاية حق المعطي كما هو ظاهر، فإن في سؤاله
أو إظهار الفاقة تغريرا، أي تغرير المعطي، فلما كان سبب التحريم رعاية
جانب المعطي، لم يتجه القول بحرمة إعطائه لمن سأله، أو أظهر له الفاقة،
لأنه لم يقصد بالإعطاء إلا البر والصلة، بخلاف من علم من الآخذ أنه يصرف
ما يأخذ في محرم، فإنه بالإعطاء له معين له على تلك المعصية فافترقا، ثم
المراد بالغني الذي يحرم عليه الأخذ مع السؤال أو إظهار الفاقة هو الغني
في العرف وهذا ما قاله الصميري، لكن ضبطه الغزالي بأنه الذي يجد ما يأكله
هو من في نفقته في يوم وليلة، وما يسترهم عن الناس من ثوب وسراويل ومنديل،
وما يحتاجون إليه في أكلهم من الآنية، ويكفي أن يكون من الخزف.
قال:
ولا يجوز أن يسأل ما يحتاج عليه بعد يومه وليلته إلا ألا يتيسر السؤال عند
نفاد ما عنده، فله طلب ما يحتاجه لسنة، بخلاف ما إذا كان يتسر عند نفاد
ذلك، فلا يجوز له السؤال قبل نفاده. انتهى.
قال الأذرعي: وينبغي جواز
طلب ما يحتاج غليه إلى وقت يعلم بالعادة تيسر السؤال فالاستغناء، ولا
يتجاوز ما اعتمده في المجموع من أن السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب ليس
بحرام ولا مكروه، وهو المعتمد أيضا.
وفي الجواهر وغيرها عن الغزالي:
يباح السؤال لضرورة، كجوع وعري، ولحاجة مهمة، كمن لا جنة له، وتأذى
بالبرد، وكأجرة مركوب لمن يشق عليه البرد والمشي، وترك السؤال أولى.
أما
السؤال لحاجة غير مهمة، لثوب يتجمل به، ومحمل يركب فيه مع وجود الراحلة،
فإن أظهر الحاجة، أو شكى الله تعالى، أو تذلل، أو ألح في الطلب حرم وإلا
كره.
ويحل السؤال للمستغرق في طلب علم شرعي، وإن قدر على الكسب،
والاكتساب أفضل من التخلي للعبادة، ويحرم سؤال واحد كفاية يوم وليلة وله
مؤنة، وله سؤال قوته، ولو لسنة، ولو لم يتيسر له الطلب وقت حاجة. انتهى
ملخصا.
وقوله: يباح السؤال للضرورة، مراده ما يعم الواجب، كما أنه ظاهر
أنه يجب السؤال على مضطر توقفت إزالة اضطراره الذي يخشى منه مبيح تيمم على
السؤال.
ثم رايت ما سأذكره عن الإمام وهو صريح فيما ذكرته.
وقوله:
ترك السؤال أولى، أي في الشق الثاني والكلام في مجر تأذ خفيف بالبرد أو
المشي، إما بأن يخشى منه مبيح تيمم، فيجب معه السؤال كما علم مما مر آنفا،
لأنه ليس من قسم الحاجة المهمة، بل من قسم الضرورة، وظاهر تخصيصه حرمة
السؤال مع أحد الأحوال الأربعة: الذل، أو الإلحاح، أو الشكوى، أو إظهار
الفاقة بالحاجة غير المهمة: جواز السؤال مع الضرورة أو الحاجة المهمة، مع
أحد هذه الأربعة، بل مع وجودها كلها، وهو ظاهر إن لزمه السؤال في الحالة
التي قدمتها، أما حيث لم يلزمه فلا يجوز له مع واحد من هذه الأربعة، كما
صرح به في الخادم، واقتضاه قول النووي في شرح مسلم، من أذل نفسه إذلالا
زائدا على ذل السؤال، أو ألح فيه، وأذى المسؤول حرام باتفاق. انتهى.
ويؤيده ما يصرح به قول ابن الصلاح، والسؤال مع التذلل وإلحاح وإيذاء
المسؤول حرام، وإن كان محتاجا.
والواو
في كلامه بمعنى أو كما علم من كلام شرح مسلم، ومما يصرح بذلك أيضا وبما
قدمته بحثا قول الإمام السؤال مع الإيذاء حرام مطلقا، ومع الحاجة جائز،
والتعفف عنه أولى، ولغير حاجة مكروه إلا في مباسطة الأصدقاء، وواجب عند
الضرورة. انتهى.
وقوله: إنه لغير حاجة مكروه على غير الحاجة المهمة، أو
على الفقير، وقوله: والتعفف عنه أولى، يقتضي أنه غير مكروه، وبه صرح في
المجموع نقلا عن الماوردي كما مر نقلا عنه، لكن اعترض بأن الذي في حاوي
الماوردي الجزم بالكراهةن ويرد بأن النووي لم ينقله عن الحاوي حتى يعترض
عليه بذلك وإنما نقله عن الماوردي، فلعل كلامه اختلف في كتبه، النووي عدم
الكراهة، فلا يرد عليه ذلك الاعتراض هنا.
وإعتراض تجويزهم السؤال ولو
مع الحاجة، فإنهم ذكروا لتحريمه أسباباس، وفي إظهار الحاجة والشكوى، والذل
والإلحاح، والإيذاء والالتزام بالذل حياء، والسؤال مطلقا لا يخلو عن واحد
من هذه، فأين المحل الذي يجوز فيه؟.
وأجاب الغزالي عن ذلك: بأن الأولين
يندفعان بأن يظهر شكر الله تعالى والاستغناء عن الخلق، ولا يسأل سؤال
محتاج، ويندفع الثالث بسؤال نحو قيبه أو صديقه أو سخي يعلم منه أنه لا
ينقص بذلك في عينه؛ والرابع بأن لا يعير بالسؤال أحدا، فإن كان من القوم
شخص تنظر إليه الأعين لو لم يبذل كان سؤاله إيذاء.
قال: ومتى أخذ شيئا
مع العلم، أي أو الظن، بان باعث المعطي الحياء منه، أو من الحاضرين،
لولولاه ما ابتدأه به، فهو حرام إجماعا، ويلزمه رده، أو رد بديله إليه، أو
إلى وارثه. انتهى.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الثالث والعشرون
قال الحليمي
وإذا لم يجد المسؤول شيئا فليدع لسائله بالرزق وغيره. وقال: ورد السائل
صغيرة فإن انضم إليه نهره كبيرة. انتهى.
وما
ذكره من الدعاء واضح وأما قوله إن رده صغيرة الخ فغريب جدا اللهم إلا أن
يحمل على مضطر علم بحاله فرده صغيرة بل كبيرة كما هو ظاهر لما فيه من عظيم
الإيذاء، ومن الامتناع من البذل الواجب عينا عليه، ويؤيد ذلك قول الأذرعي
عقب كلام الحليمي وهو غريب جدا لكن يتجه في المعذور والمضطر مع العلم
بحاله. انتهى.
الرابعة والعشرون
قال الغزالي
قد
يعطي الإنسان المال لغيره تبرعا لحاجة إليه، أو لنسبه، أو لصلاحه ونحوه،
فإن علم الآخذ أنه أعطاه إياه لحاجته، لم يحل له الأخذ، إلا أن يكون
محتاجا، وإن علم أنه يعطيه لشرف نسبه لم يحل له الأخذ إن كان كاذبا فيه،
وإن علم أنه أعطاه لعلمه لم يجز له الأخذ، إلا أن في العلم كما يعتقده
المعطي، وإن أعطاه لدينه وصلاحه لم يحل له الأخذ، إلا أن في العلم كما
يعتقده المعطي، وإن أعطاه لدينه وصلاحه لم يحل له الأخذ إن كان فاسقا في
الباطن فسقا لو علم به المعطي لما أعطاه. انتهى.
وفي العلم في جميع ذلك
غلبة الظن كما هو ظاهر، وقضية قوله لا بد أن يكون في العلم كما اعتقده أنه
لا بد أن يكون في الدين والصلاح كما ظنه المعطي، وإلا لم يجز له الأخذ،
وإن لم يكن عنده فسق أصلا.
الخامسة والعشرون
يندب التصدق على الكافر
للأحاديث الصحيحة السابقة (في كل كبد رطبة أجر).
ولا
فرق بين الحربي وغيره كما أفاده صريح قول المجموع: من تصدق على كافر ولو
حربيا فله أجر في الجملة؛ فاستفيد منه ندب التصدق ولو على حربي.
وكأن الأذرعي والزركشي لم يستحضرا عبارة المجموع هذه، حيث نقل الثاني حرمة
التصدق على الحربي وسكت عليها.
وحيث
قال الأول هنا أي حل الصدقة على كافر في نحو من له عهد أو ذمة أو قرابة،
أو يرجى إسلامه، وإلا ففي جواز الصدقة عليه بما له وقع من المال نظر، ولا
سيما إذا كان يحمله إلى دراهم. انتهى.
والجواز ظاهر جدا، وإنما الكلام في الندب.
وقد
علمت أن عبارة المجموع مصرحة به، نعم إن كان بإعطائه مرتب مفسدة والذي
ينبغي حرمته، و شمل كلامه حل التصدق على الكافر ولو من أضحية التطوع، لكن
نص الشافعي رضي الله تعالى عنه في البويطي على المنع.
السادسة والعشرون
قال الغزالي
اختلف
العلماء في أن الأفضل للإنسان أن يكتسب المال ويصرفه إلى المستحقين أو
يشتغل بالعبادات، وهذا فيمن يسلم من آفات الدنيا، وإلا فالعبادة له أفضل،
وينبغي أن يجتهد في ذلك، ويزن الخير والشر ويفعل ما يدل عليه نور العلم
دون طبعه وما يجده أخف على قلبه، فهو في الغالب إصر عليه، لأن النفس لا
تشير إلا بالشر. انتهى.
السابعة والعشرون
يكره إمساك الفضل غير المحتاج إليه
كما بوب عليه البيهقي واستدل له، وسيأتي في الحادية والثلاثين لذلك مزيد
تحرير.
وذكر
ذلك في المجموع ما يناسب ذلك حيث قال: ما حاصله: فرع في ذم البخل والشح
والحث على الإنفاق في الطاعات ووجوه الخيرات؛ قال الله تعالى: (وَمَن
يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحون).
وقال تعالى: (وَلا تَجَعَل يَدَكَ مَغلولَةً إِلى عُنقِكَ).
وقال تعالى: (وَما أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهوَ يُخلِفُهُ).
وفي حديث مسلمس: (واتقوا الشخ، فإن الشخ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن
سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم).
وروى
الشيخان أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ما من يوم يصبح العباد
فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر:
اللهم أعط مسرفا تلفا).
وروي أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (قال الله تعالى: أنفق، أنفق
عليك).
وروي
مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (في شاة ذبحوها، وتصدقوا
بها، إلا كتفها ثم قالوا: له: ما بقي إلا كتفها، فقال: بقيت لنا في الآخرة
إلا كتفها).
وروى أيضا: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ما
نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا
رفعه الله).
ومرت هذه الأحاديث في جملة الأحاديث السابقة.
وبحث بعضهم أنه لا يكره إلا إمساك ما زاد عن سنة.
ويؤيده
أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ربما حزن لعياله قوت سنتهم، ومن ثم
قالوا: لو كان بالناس ضرورة، وعنده ما يفضل عن قوته، وقوت عياله سنة، لزمه
بيع الفضل، فإن لم يفعل أجبره السلطان على بيعه. انتهى.
فأبقوا له قوت
السنة مع ما بالناس من الضرورة، ولم يجوزا إجباره على بيع شيء منه،
والكلام في غير حالة الإضطرار، والإلزام غير المحتاج حالاس، وإن إحتاج
مالا لليع كما مر أوائل هذا الباب؛ في الروضة في باب السير عن الإمام،
وأقراه أنه يجب على الموسرين المواساة بما زاد على كفاية سنة.
الثامنة والعشرون
قال في المجموع يكره للإنسان أن يسأل بوجه الله إلا الجنة
وصح
بإسناد على شرط الشيخين أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (من
استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع
إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه).
وفي رواية: (فاثنوا عليه، بدل فادعوه له).
ومر الحديث بطرقه:
قال
الحليمي: ولو سأل الفقير بالله تعالى، فإن علم أن المسؤول يهتز لإعطائه
جاز له ذلك، وإن كان ممن يتلوى ويتضجر، ولا يأمن أن يرده فحرام عليه
السؤال بالله تعالى. انتهى.
وظاهر كلام المجموع عدم الحرمة مطلقا، وله وجه ظاهر.
التاسعة والعشرون
قال في المجموع أيضا إذا عرض عليه مال من حرام
على وجه يجوز أخذه
ولم يكن فيه مسألة ولا إشراف ولا يطلع إليه، جاز له أخذه بلا كراهة، ولا
يجب، وقال بعض أهل الظاهر: يجب.
وفي
المسألة أحاديث تقدم كثير منها، وفيها ما ظاهره وجوب القبول، لكنه محمول
عند العلماء على أنه أمر ندب، نحو قوله تعالى: (وَإذا حَلَلتُم فاصطاوا).
ومن
تلك الأحاديث ما رواه الشيخان: عن عمر رضي الله تعالى عنه: (كان صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني حتى
أعطاني مرة مالا. فقلت أعطه أفقر إليه مني فقال رسول الله صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم: خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت عليه غير مشرف ولا سائل،
فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك).
وكان عبد الله ابنه لا يسأل أحدا شيئا، ولا يرد شيئا أعطيه.
؟
الثلاثون
اختلف العلماء المتقدمون والمتأخرون في أن
الغني الشاكر أفضل أم الفقير الصابر
والذي
رجحه الغزالي في موضع أن الغني الشاكر أفضل، وهذا هو الذي عليه الأكثرون،
واختاره العز بن عبد السلام، وتبعه تلميذه ابن دقيق العيد، فقال: إنه
الظاهر القريب من النص.
وأطال الغزالي في الاستدلال له قال: وهو الذي
نفسه كنفس الفقير، ولا يصرف لنفسه إلا قدر الضرورة، ويصرف الباقي في وجوه
الخيرات أو يمسكه معتقدا أنه يمسكه خازنا للمحتاجين ينتظر حاجة حتى يصرفه
فيها لله تعالى، فهذا هو الغني الشاكر الذي الخلاف فيه.
ورجح في موضع آخر ما عليه أكثر الصوفية، أن الفقير الصابر أفضل، وأشار إلى
أن الخلاف في الفقير الذي يجد مرارة الصبر.
والفقير الراضي الذي لا يجده مرارة الفقير الشاكر الذي بحلول الفقير فهو
أفضل قطعا.
واستدل ابن عبد السلام وغيره لما رجحوه، من أن الغني الشاكر أفضل بأنه صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم استعاذ من الفقر.
قال:
ولا يجوز حمله على فقر النفس، لأنه خلاف الظاهر بغير دليل، وبأن أخرجا له
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الغني بخيبر وفدك والعوالي وأموال بني
النضير وغيرها.
وكذا من تأخر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
وإذا
كان أغلب أحواله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الفقر إلى أن أغناه الله
تعالى بما ذكر، لأن الأنبياء والأولياء لا يأتي عليهم يوم إلا والذي بعده
خير منه.
وقد ختم أمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالغني، ولم
يخرجه عما كان يتعاطاه في فقره من البذل، لا يقال انتصارا للثاني، إنما
استعاذ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الفقر لأنه مصيبة من مصائب
الدنيا، والغنى نعمة من نعمها فور أنهما الرضى والعافية، فكون الرضى فيه
الثواب، لا يمنع سؤال العافية.
وأيضا فالذي اختاره الله تعالى لنبيه وجمهور صحابته هو الفقر غير المدقع.
وأيضا فالفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء وبخمسمائة عام، وأصحاب الأموال
محبوسون على قنطرة يسألون عن فضول أموالهم.
لأنا نقول الجواب: أما عن الأول: فهو أنه لا دلالة فيه لترجيح أفضلية
الفقير الصابر كماهو ظاهر.
وأما عن الثاني: فهو أنه مردود بما مر من أن الذي ختم به أمره صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم هو الغنى.
أما
عن الثالث: فهو أنه فرض الكلام في الأغنياء، الذين هم ليسوا من محله
الخلاف، لأنهم المحبوسون يسألون عن فضول أموالهم، فيما أنفقوها، والغني
الذي الكلام فيه، قد أخرج ماله جميعه لله تعالى في الذي يسأل عنه، على أن
سبق الدخول إلى الجنة لا يدل على الأفضلية، بل قد يكون التأخر لمزية تظهر
لذلك المتأخر في الموقف حتى يشاهدها الحاضرون، ثم ويظهر تميزه بها على من
دخل قبله وبعده.
؟
الحادية والثلاثون
إذا كان محتاجا إلى ما عنده لنفقة نفسه أو عياله
فقيل
لا تسن له صدقة التطوع ولا تكره، وبه قطع الماوردي والغزالي وجماعات من
الخراسانيينس، وتابعهم الرافعي، وظاهر نص المختصر يوافقهم؛ ولفظه: أحب أن
يبدأ بنفسه، ثم بمن يعول، لأن نفقة من يعول فرض، والفرض أولى به من النفل،
ثم بقرابته، ثم من يشاء.
وعبارة الماوردي: صدقة التطوع قبل أداء
الواجبات من الزكاة، والكفارات وقبل الإنفاق على من تجب نفقتهم من الأقارب
والزوجات غير مستحبة، ولا مختارة، واستدلوا بالإبحاثة بحديث الصحيحين
وغيرهما: (أن رجلا من الأنصار بات به ضيف، فلم يكن عنده إلا قوته وقوت
صبيانه، وقال لامرأته نومي الصبيان، وأطفئي السراج، وقربي للضيف ما عندك،
فنزلت هذه الآية (وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهِم وَلَو كانَ بِهِم خَصاصة).
وقيل يكرهس، وبه قطع المتولي.
والثالث هو الأصح عند النووي وغيره حرمة
الصدقة، وبه قطع الشيخ أبو إسحاق في المهذب والتنبيه، وشيخه القاضي أبو
الطيب، والدارمي وابن الصباغ، والبغوي، وصاحب البيان وآخرون.
قال في
المجموع بعد ذكره ذلك، والجواب عن الحديث الذي احتج به الأولون من وجهين:
أحدهما: أن هذا ليس من باب صدقة التطوع، إنما هو من باب الضيافة، والضيافة
لا يشترط فيها الفضل على عياله ونفسه لتأكدها وكثرة الحث عليها، حتى أن
جماعة من العلماء أوجبوها.
الثاني: أنه محمول على أن الصبيان لم يكونوا
محتاجين، بل كانوا قد أكلوا حاجاتهم، وأما الرجل وامرأته فتبرعا بحقهما،
وكانا صابرين فرحين بذلك، ولهذا جاء في الآية والحديث الثناء عليهما.
وقوله: (نومي صبيانك، لا يدل على أنهم كانوا جياعا، لأنهم لا يتركون الأكل
عند حضور الطعام، وإن كانوا غير جياع، فخاف إن بقوا مستيقظين أن يطلبوا
الأكل على العادة فينكدوا عليهما وعلى الضيف لقلة الطعام). انتهى.
وما
ذكره من أن الضيافة لا يشترط فيها الفضل، خالفه في شرح مسلم، فيسوي بينها
وبين الصدقة في تحريمها بما يحتاجه، ولعل هذا أقرب، وإن مشى جمع متأخرون
على ما في المجموع من الفرق بينهما، ووجه ترجيحي بما في شرح مسلم أن نفقة
عياله أكد لوجوبها إجماعا، بخلاف الضيافة سيما والكلام إنما هو في شافعي،
وهو لا يعتقد وجوبها، فكيف يقدم ما لا يعتقد وجوبه على ما هو واجب عليه
بالإجماع، ولو كان الفرد في مجرد التقديم مع عدم فوات الواجب الآخر الذين
تلزمه نفقتهم بالإجماع، فنتج أن حقهم أقوى وألصق به، فتعين تقديمهم وعلى
ما في المجموع. فيتعين تقيد الضيف بما إذا لم يؤد ذلك إلى إلحاق ضرر بهم
لا يطاق عادة، والأوجب تقديمهم اتفاقا فيما يظهر في عيال غير بالغين أو
غيره عقلا، أما البالغون العقلاء إذا رضوا بتقديم غيرهم عليهم فالأفضل
التصدق، كما بحثه في المطلب، وصرح به ابن عصرون في كلامه على قصة الصديق
رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه في تصدقه بجميع ماله، والذي يتجه أن محل ذلك
فيمن يصبرون عليها، فنهاية أمرهم أنهم كالمتصدق إذا أراد أن يتصدق بما
يحتاجه لنفسه، وحكمه أنه صبر على الإضافة يسن له التصدق بجميع الفاضل عن
كفايته، وإن لم يصبر حرم عليه، فإذا جرى هذا التفضيل في المتصدق نفسه
فأولى أن يجري في مؤنة البالغ العاقل إذا رضي، ثم المراد بكفايته إن لم
يصبر على الإضافة، وبكفاية من تلزمه مؤنة كفاية يوم وليلة، وكسوة فصل،
فهذا هو الذي يحرم التصدق به دون ما زاد عليه، هذا هو الظاهر الذي قاله
جماعة أخذا من كلام الإحياء، وليس المراد بذلك ما يكفيهم حالا فقط، ولا ما
يكفيهم سنة.
قال الأذرعي: قد يقال يدخر لنفسه وعياله قوت سنة، ولا يتصدق بالفاضل إذا
لم يتوقع حصول شيء قبل مضي عام.
وأيده غيره لقوله في الروضة في السير عن الإمام، وأقره يجب على الموسر من
المواساة بما زاد على كفاية سنة. انتهى.
ولك أن تقول إن أراد الأول أخذا من جواز التصدق، بل ندبه على ما زاد عن
كفاية يوم وليلة وكسوة فصل.
وما
في الروضة لا يدل للأذرعي، لأن وجوب البذل يحتاط له أكثر، فلا يلزم من
اعتبار السنة اعتبارها في المطلوب الذي هو صدقة التطوع.بقوله لا يتصدق
بالفاضل... الخ، أن التصدق بشيء من نفقة السنة حرام كان بعديا جدا ومخالفا
لكلامهم، وإن أراد كراهة التصدق بذلك كان له نوع اتجاه، لكن الظاهر
وما
ذكرته من حرمة التصدق بما يحتاجه الإنسان لنفسه إذا لم يصبر على الإضافة
هو المعتمد، وأما في الروضة من عدم التحريم، واغتر به جماعة، فمحمول على
من صبر على الإضافة كما أفاده كلام المجموع، وعلى الأول أعني الحرمة مع
عدم التبصر حرام على ما قالوه في التيمم من حرمة إيثار عطشان آخر بالماء،
وعلى الثاني أعني الحل مع الصبر حمل ما قالوه في الأطعمة من أن للمضطر أن
يؤثر على نفسه مضطرا آخر مسلما، أما ما فضل عن حاجة نفسه ومؤنة يومهم
وليلتهم وكسوة فصلهم، فيسن التصدق بجميعه إن صبر على الإضافة وإلا كره كما
في المهذب وغيرهس. وعلى هذا التفصيل جملة الأخبار المختلفة، منها الخبر
الصحيح أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه تصدقن بجميعب ماله، فأثنى عليه
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بذلك.
والخبر الصحيح أن رجلا جاء
بمثل البيضة من ذهب، وقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عنه إلى أن
أعاد عليه القول ثلاث مرات، ثم أخذها ورماه بها رمية لو أصابته لأوجعته،
ثم قال: يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة، ثم يقعد يتكفف وجوه الناس.
خير
الصدقة ما كان على ظهر غنى أي غنى النفس وصبرها على الفقر، وخرج بجميع
الفاضل بعضه فيسن التصدق مطلقا إلا أن يكون قدرا يقارب الجميع، فالأوجه
جريان التفصيل السابق فيه.
قال الحليمي
وإذا لم يجد المسؤول شيئا فليدع لسائله بالرزق وغيره. وقال: ورد السائل
صغيرة فإن انضم إليه نهره كبيرة. انتهى.
وما
ذكره من الدعاء واضح وأما قوله إن رده صغيرة الخ فغريب جدا اللهم إلا أن
يحمل على مضطر علم بحاله فرده صغيرة بل كبيرة كما هو ظاهر لما فيه من عظيم
الإيذاء، ومن الامتناع من البذل الواجب عينا عليه، ويؤيد ذلك قول الأذرعي
عقب كلام الحليمي وهو غريب جدا لكن يتجه في المعذور والمضطر مع العلم
بحاله. انتهى.
قال الغزالي
قد
يعطي الإنسان المال لغيره تبرعا لحاجة إليه، أو لنسبه، أو لصلاحه ونحوه،
فإن علم الآخذ أنه أعطاه إياه لحاجته، لم يحل له الأخذ، إلا أن يكون
محتاجا، وإن علم أنه يعطيه لشرف نسبه لم يحل له الأخذ إن كان كاذبا فيه،
وإن علم أنه أعطاه لعلمه لم يجز له الأخذ، إلا أن في العلم كما يعتقده
المعطي، وإن أعطاه لدينه وصلاحه لم يحل له الأخذ، إلا أن في العلم كما
يعتقده المعطي، وإن أعطاه لدينه وصلاحه لم يحل له الأخذ إن كان فاسقا في
الباطن فسقا لو علم به المعطي لما أعطاه. انتهى.
وفي العلم في جميع ذلك
غلبة الظن كما هو ظاهر، وقضية قوله لا بد أن يكون في العلم كما اعتقده أنه
لا بد أن يكون في الدين والصلاح كما ظنه المعطي، وإلا لم يجز له الأخذ،
وإن لم يكن عنده فسق أصلا.
الخامسة والعشرون
يندب التصدق على الكافر
للأحاديث الصحيحة السابقة (في كل كبد رطبة أجر).
ولا
فرق بين الحربي وغيره كما أفاده صريح قول المجموع: من تصدق على كافر ولو
حربيا فله أجر في الجملة؛ فاستفيد منه ندب التصدق ولو على حربي.
وكأن الأذرعي والزركشي لم يستحضرا عبارة المجموع هذه، حيث نقل الثاني حرمة
التصدق على الحربي وسكت عليها.
وحيث
قال الأول هنا أي حل الصدقة على كافر في نحو من له عهد أو ذمة أو قرابة،
أو يرجى إسلامه، وإلا ففي جواز الصدقة عليه بما له وقع من المال نظر، ولا
سيما إذا كان يحمله إلى دراهم. انتهى.
والجواز ظاهر جدا، وإنما الكلام في الندب.
وقد
علمت أن عبارة المجموع مصرحة به، نعم إن كان بإعطائه مرتب مفسدة والذي
ينبغي حرمته، و شمل كلامه حل التصدق على الكافر ولو من أضحية التطوع، لكن
نص الشافعي رضي الله تعالى عنه في البويطي على المنع.
قال الغزالي
اختلف
العلماء في أن الأفضل للإنسان أن يكتسب المال ويصرفه إلى المستحقين أو
يشتغل بالعبادات، وهذا فيمن يسلم من آفات الدنيا، وإلا فالعبادة له أفضل،
وينبغي أن يجتهد في ذلك، ويزن الخير والشر ويفعل ما يدل عليه نور العلم
دون طبعه وما يجده أخف على قلبه، فهو في الغالب إصر عليه، لأن النفس لا
تشير إلا بالشر. انتهى.
يكره إمساك الفضل غير المحتاج إليه
كما بوب عليه البيهقي واستدل له، وسيأتي في الحادية والثلاثين لذلك مزيد
تحرير.
وذكر
ذلك في المجموع ما يناسب ذلك حيث قال: ما حاصله: فرع في ذم البخل والشح
والحث على الإنفاق في الطاعات ووجوه الخيرات؛ قال الله تعالى: (وَمَن
يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحون).
وقال تعالى: (وَلا تَجَعَل يَدَكَ مَغلولَةً إِلى عُنقِكَ).
وقال تعالى: (وَما أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهوَ يُخلِفُهُ).
وفي حديث مسلمس: (واتقوا الشخ، فإن الشخ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن
سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم).
وروى
الشيخان أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ما من يوم يصبح العباد
فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر:
اللهم أعط مسرفا تلفا).
وروي أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (قال الله تعالى: أنفق، أنفق
عليك).
وروي
مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (في شاة ذبحوها، وتصدقوا
بها، إلا كتفها ثم قالوا: له: ما بقي إلا كتفها، فقال: بقيت لنا في الآخرة
إلا كتفها).
وروى أيضا: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (ما
نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا
رفعه الله).
ومرت هذه الأحاديث في جملة الأحاديث السابقة.
وبحث بعضهم أنه لا يكره إلا إمساك ما زاد عن سنة.
ويؤيده
أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ربما حزن لعياله قوت سنتهم، ومن ثم
قالوا: لو كان بالناس ضرورة، وعنده ما يفضل عن قوته، وقوت عياله سنة، لزمه
بيع الفضل، فإن لم يفعل أجبره السلطان على بيعه. انتهى.
فأبقوا له قوت
السنة مع ما بالناس من الضرورة، ولم يجوزا إجباره على بيع شيء منه،
والكلام في غير حالة الإضطرار، والإلزام غير المحتاج حالاس، وإن إحتاج
مالا لليع كما مر أوائل هذا الباب؛ في الروضة في باب السير عن الإمام،
وأقراه أنه يجب على الموسرين المواساة بما زاد على كفاية سنة.
قال في المجموع يكره للإنسان أن يسأل بوجه الله إلا الجنة
وصح
بإسناد على شرط الشيخين أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: (من
استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع
إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه).
وفي رواية: (فاثنوا عليه، بدل فادعوه له).
ومر الحديث بطرقه:
قال
الحليمي: ولو سأل الفقير بالله تعالى، فإن علم أن المسؤول يهتز لإعطائه
جاز له ذلك، وإن كان ممن يتلوى ويتضجر، ولا يأمن أن يرده فحرام عليه
السؤال بالله تعالى. انتهى.
وظاهر كلام المجموع عدم الحرمة مطلقا، وله وجه ظاهر.
التاسعة والعشرون
قال في المجموع أيضا إذا عرض عليه مال من حرام
على وجه يجوز أخذه
ولم يكن فيه مسألة ولا إشراف ولا يطلع إليه، جاز له أخذه بلا كراهة، ولا
يجب، وقال بعض أهل الظاهر: يجب.
وفي
المسألة أحاديث تقدم كثير منها، وفيها ما ظاهره وجوب القبول، لكنه محمول
عند العلماء على أنه أمر ندب، نحو قوله تعالى: (وَإذا حَلَلتُم فاصطاوا).
ومن
تلك الأحاديث ما رواه الشيخان: عن عمر رضي الله تعالى عنه: (كان صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني حتى
أعطاني مرة مالا. فقلت أعطه أفقر إليه مني فقال رسول الله صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم: خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت عليه غير مشرف ولا سائل،
فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك).
وكان عبد الله ابنه لا يسأل أحدا شيئا، ولا يرد شيئا أعطيه.
؟
اختلف العلماء المتقدمون والمتأخرون في أن
الغني الشاكر أفضل أم الفقير الصابر
والذي
رجحه الغزالي في موضع أن الغني الشاكر أفضل، وهذا هو الذي عليه الأكثرون،
واختاره العز بن عبد السلام، وتبعه تلميذه ابن دقيق العيد، فقال: إنه
الظاهر القريب من النص.
وأطال الغزالي في الاستدلال له قال: وهو الذي
نفسه كنفس الفقير، ولا يصرف لنفسه إلا قدر الضرورة، ويصرف الباقي في وجوه
الخيرات أو يمسكه معتقدا أنه يمسكه خازنا للمحتاجين ينتظر حاجة حتى يصرفه
فيها لله تعالى، فهذا هو الغني الشاكر الذي الخلاف فيه.
ورجح في موضع آخر ما عليه أكثر الصوفية، أن الفقير الصابر أفضل، وأشار إلى
أن الخلاف في الفقير الذي يجد مرارة الصبر.
والفقير الراضي الذي لا يجده مرارة الفقير الشاكر الذي بحلول الفقير فهو
أفضل قطعا.
واستدل ابن عبد السلام وغيره لما رجحوه، من أن الغني الشاكر أفضل بأنه صلى
الله تعالى عليه وآله وسلم استعاذ من الفقر.
قال:
ولا يجوز حمله على فقر النفس، لأنه خلاف الظاهر بغير دليل، وبأن أخرجا له
صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الغني بخيبر وفدك والعوالي وأموال بني
النضير وغيرها.
وكذا من تأخر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
وإذا
كان أغلب أحواله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الفقر إلى أن أغناه الله
تعالى بما ذكر، لأن الأنبياء والأولياء لا يأتي عليهم يوم إلا والذي بعده
خير منه.
وقد ختم أمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالغني، ولم
يخرجه عما كان يتعاطاه في فقره من البذل، لا يقال انتصارا للثاني، إنما
استعاذ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الفقر لأنه مصيبة من مصائب
الدنيا، والغنى نعمة من نعمها فور أنهما الرضى والعافية، فكون الرضى فيه
الثواب، لا يمنع سؤال العافية.
وأيضا فالذي اختاره الله تعالى لنبيه وجمهور صحابته هو الفقر غير المدقع.
وأيضا فالفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء وبخمسمائة عام، وأصحاب الأموال
محبوسون على قنطرة يسألون عن فضول أموالهم.
لأنا نقول الجواب: أما عن الأول: فهو أنه لا دلالة فيه لترجيح أفضلية
الفقير الصابر كماهو ظاهر.
وأما عن الثاني: فهو أنه مردود بما مر من أن الذي ختم به أمره صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم هو الغنى.
أما
عن الثالث: فهو أنه فرض الكلام في الأغنياء، الذين هم ليسوا من محله
الخلاف، لأنهم المحبوسون يسألون عن فضول أموالهم، فيما أنفقوها، والغني
الذي الكلام فيه، قد أخرج ماله جميعه لله تعالى في الذي يسأل عنه، على أن
سبق الدخول إلى الجنة لا يدل على الأفضلية، بل قد يكون التأخر لمزية تظهر
لذلك المتأخر في الموقف حتى يشاهدها الحاضرون، ثم ويظهر تميزه بها على من
دخل قبله وبعده.
؟
إذا كان محتاجا إلى ما عنده لنفقة نفسه أو عياله
فقيل
لا تسن له صدقة التطوع ولا تكره، وبه قطع الماوردي والغزالي وجماعات من
الخراسانيينس، وتابعهم الرافعي، وظاهر نص المختصر يوافقهم؛ ولفظه: أحب أن
يبدأ بنفسه، ثم بمن يعول، لأن نفقة من يعول فرض، والفرض أولى به من النفل،
ثم بقرابته، ثم من يشاء.
وعبارة الماوردي: صدقة التطوع قبل أداء
الواجبات من الزكاة، والكفارات وقبل الإنفاق على من تجب نفقتهم من الأقارب
والزوجات غير مستحبة، ولا مختارة، واستدلوا بالإبحاثة بحديث الصحيحين
وغيرهما: (أن رجلا من الأنصار بات به ضيف، فلم يكن عنده إلا قوته وقوت
صبيانه، وقال لامرأته نومي الصبيان، وأطفئي السراج، وقربي للضيف ما عندك،
فنزلت هذه الآية (وَيُؤثِرونَ عَلى أَنفُسِهِم وَلَو كانَ بِهِم خَصاصة).
وقيل يكرهس، وبه قطع المتولي.
والثالث هو الأصح عند النووي وغيره حرمة
الصدقة، وبه قطع الشيخ أبو إسحاق في المهذب والتنبيه، وشيخه القاضي أبو
الطيب، والدارمي وابن الصباغ، والبغوي، وصاحب البيان وآخرون.
قال في
المجموع بعد ذكره ذلك، والجواب عن الحديث الذي احتج به الأولون من وجهين:
أحدهما: أن هذا ليس من باب صدقة التطوع، إنما هو من باب الضيافة، والضيافة
لا يشترط فيها الفضل على عياله ونفسه لتأكدها وكثرة الحث عليها، حتى أن
جماعة من العلماء أوجبوها.
الثاني: أنه محمول على أن الصبيان لم يكونوا
محتاجين، بل كانوا قد أكلوا حاجاتهم، وأما الرجل وامرأته فتبرعا بحقهما،
وكانا صابرين فرحين بذلك، ولهذا جاء في الآية والحديث الثناء عليهما.
وقوله: (نومي صبيانك، لا يدل على أنهم كانوا جياعا، لأنهم لا يتركون الأكل
عند حضور الطعام، وإن كانوا غير جياع، فخاف إن بقوا مستيقظين أن يطلبوا
الأكل على العادة فينكدوا عليهما وعلى الضيف لقلة الطعام). انتهى.
وما
ذكره من أن الضيافة لا يشترط فيها الفضل، خالفه في شرح مسلم، فيسوي بينها
وبين الصدقة في تحريمها بما يحتاجه، ولعل هذا أقرب، وإن مشى جمع متأخرون
على ما في المجموع من الفرق بينهما، ووجه ترجيحي بما في شرح مسلم أن نفقة
عياله أكد لوجوبها إجماعا، بخلاف الضيافة سيما والكلام إنما هو في شافعي،
وهو لا يعتقد وجوبها، فكيف يقدم ما لا يعتقد وجوبه على ما هو واجب عليه
بالإجماع، ولو كان الفرد في مجرد التقديم مع عدم فوات الواجب الآخر الذين
تلزمه نفقتهم بالإجماع، فنتج أن حقهم أقوى وألصق به، فتعين تقديمهم وعلى
ما في المجموع. فيتعين تقيد الضيف بما إذا لم يؤد ذلك إلى إلحاق ضرر بهم
لا يطاق عادة، والأوجب تقديمهم اتفاقا فيما يظهر في عيال غير بالغين أو
غيره عقلا، أما البالغون العقلاء إذا رضوا بتقديم غيرهم عليهم فالأفضل
التصدق، كما بحثه في المطلب، وصرح به ابن عصرون في كلامه على قصة الصديق
رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه في تصدقه بجميع ماله، والذي يتجه أن محل ذلك
فيمن يصبرون عليها، فنهاية أمرهم أنهم كالمتصدق إذا أراد أن يتصدق بما
يحتاجه لنفسه، وحكمه أنه صبر على الإضافة يسن له التصدق بجميع الفاضل عن
كفايته، وإن لم يصبر حرم عليه، فإذا جرى هذا التفضيل في المتصدق نفسه
فأولى أن يجري في مؤنة البالغ العاقل إذا رضي، ثم المراد بكفايته إن لم
يصبر على الإضافة، وبكفاية من تلزمه مؤنة كفاية يوم وليلة، وكسوة فصل،
فهذا هو الذي يحرم التصدق به دون ما زاد عليه، هذا هو الظاهر الذي قاله
جماعة أخذا من كلام الإحياء، وليس المراد بذلك ما يكفيهم حالا فقط، ولا ما
يكفيهم سنة.
قال الأذرعي: قد يقال يدخر لنفسه وعياله قوت سنة، ولا يتصدق بالفاضل إذا
لم يتوقع حصول شيء قبل مضي عام.
وأيده غيره لقوله في الروضة في السير عن الإمام، وأقره يجب على الموسر من
المواساة بما زاد على كفاية سنة. انتهى.
ولك أن تقول إن أراد الأول أخذا من جواز التصدق، بل ندبه على ما زاد عن
كفاية يوم وليلة وكسوة فصل.
وما
في الروضة لا يدل للأذرعي، لأن وجوب البذل يحتاط له أكثر، فلا يلزم من
اعتبار السنة اعتبارها في المطلوب الذي هو صدقة التطوع.بقوله لا يتصدق
بالفاضل... الخ، أن التصدق بشيء من نفقة السنة حرام كان بعديا جدا ومخالفا
لكلامهم، وإن أراد كراهة التصدق بذلك كان له نوع اتجاه، لكن الظاهر
وما
ذكرته من حرمة التصدق بما يحتاجه الإنسان لنفسه إذا لم يصبر على الإضافة
هو المعتمد، وأما في الروضة من عدم التحريم، واغتر به جماعة، فمحمول على
من صبر على الإضافة كما أفاده كلام المجموع، وعلى الأول أعني الحرمة مع
عدم التبصر حرام على ما قالوه في التيمم من حرمة إيثار عطشان آخر بالماء،
وعلى الثاني أعني الحل مع الصبر حمل ما قالوه في الأطعمة من أن للمضطر أن
يؤثر على نفسه مضطرا آخر مسلما، أما ما فضل عن حاجة نفسه ومؤنة يومهم
وليلتهم وكسوة فصلهم، فيسن التصدق بجميعه إن صبر على الإضافة وإلا كره كما
في المهذب وغيرهس. وعلى هذا التفصيل جملة الأخبار المختلفة، منها الخبر
الصحيح أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه تصدقن بجميعب ماله، فأثنى عليه
النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بذلك.
والخبر الصحيح أن رجلا جاء
بمثل البيضة من ذهب، وقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عنه إلى أن
أعاد عليه القول ثلاث مرات، ثم أخذها ورماه بها رمية لو أصابته لأوجعته،
ثم قال: يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة، ثم يقعد يتكفف وجوه الناس.
خير
الصدقة ما كان على ظهر غنى أي غنى النفس وصبرها على الفقر، وخرج بجميع
الفاضل بعضه فيسن التصدق مطلقا إلا أن يكون قدرا يقارب الجميع، فالأوجه
جريان التفصيل السابق فيه.
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى