صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيموالحمد لله رب العالمين، بما حمد به نفسه،
كما هو أهله؛ والصلاة على محمد عبده ورسوله، وعلى آله، كما هو أهله.
قال
أبو عبد الله رحمه الله: حدثني أبي، عن رجاء بن نوح،عن عباد ابن كثير، عن
عثمان الأعرج، عن يونس بن عبيد وحوشب، عن الحسن: أنه قال: حدثني سبعة رهط
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو هريرة، وجابر بن عبد
الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار؛ كلهم
يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزيد بعضهم على بعض: أنه نهى.
قال
أبو
عبد الله رحمه الله: وحدثنا الفضل بن محمد بن وزير الدمشقي قال: حدثنا
حمزة بن ربيعة، عن عباد بن كثير بن قيس الثقفي، عن عثمان الأعرج، عن
الحسن: أنه قال: حدثني رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم:
أبو هريرة الدوسي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عمرو بن
العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار، وأنس
بن مالك؛ يزيد بعضهم على بعض: أنه نهى.
قال أبو عبد الله رحمه: فقد
نظرنا في هذا الحديث، في هذه الأشياء التي رووا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أنه نهى عنها، فإذا هي متفاوتة؛ فمنها نهى أدب، ومنها نهى
تحريم. وقد جمعها الحديث كله، ولم نجد شيئا قد نهى عنه إلا بحق. وذلك أن
ضرره راجع إلى بعده عن سبيل الهدى؛ فإن سبيل الهدى مستقيم إلى الله تعالى،
ومن زاغ فإنما يزيغ عن الله تعالى؛ والاستقامة تقرب العبيد إلى الله، وأن
الله - تبارك اسمه - دعا العباد إلى دار السلام وأعلمهم أنهم ملاقوه، وبعث
رسوله عليه السلام؛ فقال: (قُل هَذِهِ سَبيلِى أَدعوا إِلى الله عَلى
بَصَيرَةٍ أَنا وَمَن اِتَبَعَنَى). فمن أجابه فعلا فقد أجابه، وإجابته
اتباع رسوله فيما زجر عنه. وقال الله تعالى في تنزيله (وَمَا آَتاكُمُ
الرَسُولُ فَخَذُوهُ، وَما نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا).
فوجدنا النهى
على ضربين: منه نهى تحريم تأديب، ومنه نهى تحريم. فمن ترك الأدب انحط عن
درجته، ومن وثب على التحريم سقط في الهلكة.
الاحتباء في ثوب واحدوأما
قوله:) نهى أن يحتبى الرجل في ثوب واحد(.
فقمن أن يكون إنما نهى عنه من
أجل أن العورة تبدو إذا احتبى به؛ لأنه لم يتستر، فإذا احتبى بدت عورته.
وكان
القوم
حديثى عهد بجاهلية، وكانوا يطوفون بالبيت عراة، فلم يكونوا يحتشمون
من التعرى وكشف العورة. فلما من الله تعالى عليهم بالإسلام؛ فأدبهم،
وأمرهم بالستر في غير آية من التنزيل، وأمرهم بغض الأبصار، وحفظ الفروج؛
فقال (قُل لَلِمُؤمِنينَ يَغُضُوا مِن أَبصارِهِم، وَيَحفَظُوا
فُرُوجَهُم). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا يحل لرجل يؤمن بالله
واليوم الآخر أن ينظر إلى عرض أخيه(، فشدد في هذا، وحسم هذا الباب على
الخلق.
اشتمال الرجل في ثوب واحدوأما قوله:) نهى أن يشتمل الرجل في ثوب
واحد(.
فالاشتمال: أن يلتف بثوبه، ويرفع أحد جانبيه يمينا وشمالا على
عاتقه. فهذا مثل ما وصفنا بدءا أنه ستبدو عورته إذا فعل ذلك.
اشتمال
الصماءوأما قوله:) نهى أن تشتمل الصماء بثوب(.
فالعلة فيه مثل ذلك أيضا.
فأما الصماء: فهو أن يلتف بثوب، ثم يخرج يده اليمنى من عند صدره.
حدثنا
عبد الكريم بن عبد الله السكرى، حدثنا على بن الحسن، عن عبد الله بن
المبارك، عن جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضى الله عنه: أنه كان
يكره أن يلتحف الرجل بثوبه، ثم يخرج يده من قبل صدره؛ وقال: تلك الصماء.
الانتعال
قائماوأما قوله: )نهى أن ينتعل الرجل وهو قائم - وقال: إني أخاف أن يحدث
به داء لا دواء له(.
فقد بين العلة فيه؛ فللجسد عليك حق، فإذا حملت عليه
ما لا يطيق، فحدث به داء؛ فقد ظلمته.
كما هو أهله؛ والصلاة على محمد عبده ورسوله، وعلى آله، كما هو أهله.
قال
أبو عبد الله رحمه الله: حدثني أبي، عن رجاء بن نوح،عن عباد ابن كثير، عن
عثمان الأعرج، عن يونس بن عبيد وحوشب، عن الحسن: أنه قال: حدثني سبعة رهط
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو هريرة، وجابر بن عبد
الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار؛ كلهم
يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزيد بعضهم على بعض: أنه نهى.
قال
أبو
عبد الله رحمه الله: وحدثنا الفضل بن محمد بن وزير الدمشقي قال: حدثنا
حمزة بن ربيعة، عن عباد بن كثير بن قيس الثقفي، عن عثمان الأعرج، عن
الحسن: أنه قال: حدثني رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم:
أبو هريرة الدوسي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عمرو بن
العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار، وأنس
بن مالك؛ يزيد بعضهم على بعض: أنه نهى.
قال أبو عبد الله رحمه: فقد
نظرنا في هذا الحديث، في هذه الأشياء التي رووا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أنه نهى عنها، فإذا هي متفاوتة؛ فمنها نهى أدب، ومنها نهى
تحريم. وقد جمعها الحديث كله، ولم نجد شيئا قد نهى عنه إلا بحق. وذلك أن
ضرره راجع إلى بعده عن سبيل الهدى؛ فإن سبيل الهدى مستقيم إلى الله تعالى،
ومن زاغ فإنما يزيغ عن الله تعالى؛ والاستقامة تقرب العبيد إلى الله، وأن
الله - تبارك اسمه - دعا العباد إلى دار السلام وأعلمهم أنهم ملاقوه، وبعث
رسوله عليه السلام؛ فقال: (قُل هَذِهِ سَبيلِى أَدعوا إِلى الله عَلى
بَصَيرَةٍ أَنا وَمَن اِتَبَعَنَى). فمن أجابه فعلا فقد أجابه، وإجابته
اتباع رسوله فيما زجر عنه. وقال الله تعالى في تنزيله (وَمَا آَتاكُمُ
الرَسُولُ فَخَذُوهُ، وَما نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا).
فوجدنا النهى
على ضربين: منه نهى تحريم تأديب، ومنه نهى تحريم. فمن ترك الأدب انحط عن
درجته، ومن وثب على التحريم سقط في الهلكة.
الاحتباء في ثوب واحدوأما
قوله:) نهى أن يحتبى الرجل في ثوب واحد(.
فقمن أن يكون إنما نهى عنه من
أجل أن العورة تبدو إذا احتبى به؛ لأنه لم يتستر، فإذا احتبى بدت عورته.
وكان
القوم
حديثى عهد بجاهلية، وكانوا يطوفون بالبيت عراة، فلم يكونوا يحتشمون
من التعرى وكشف العورة. فلما من الله تعالى عليهم بالإسلام؛ فأدبهم،
وأمرهم بالستر في غير آية من التنزيل، وأمرهم بغض الأبصار، وحفظ الفروج؛
فقال (قُل لَلِمُؤمِنينَ يَغُضُوا مِن أَبصارِهِم، وَيَحفَظُوا
فُرُوجَهُم). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا يحل لرجل يؤمن بالله
واليوم الآخر أن ينظر إلى عرض أخيه(، فشدد في هذا، وحسم هذا الباب على
الخلق.
اشتمال الرجل في ثوب واحدوأما قوله:) نهى أن يشتمل الرجل في ثوب
واحد(.
فالاشتمال: أن يلتف بثوبه، ويرفع أحد جانبيه يمينا وشمالا على
عاتقه. فهذا مثل ما وصفنا بدءا أنه ستبدو عورته إذا فعل ذلك.
اشتمال
الصماءوأما قوله:) نهى أن تشتمل الصماء بثوب(.
فالعلة فيه مثل ذلك أيضا.
فأما الصماء: فهو أن يلتف بثوب، ثم يخرج يده اليمنى من عند صدره.
حدثنا
عبد الكريم بن عبد الله السكرى، حدثنا على بن الحسن، عن عبد الله بن
المبارك، عن جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضى الله عنه: أنه كان
يكره أن يلتحف الرجل بثوبه، ثم يخرج يده من قبل صدره؛ وقال: تلك الصماء.
الانتعال
قائماوأما قوله: )نهى أن ينتعل الرجل وهو قائم - وقال: إني أخاف أن يحدث
به داء لا دواء له(.
فقد بين العلة فيه؛ فللجسد عليك حق، فإذا حملت عليه
ما لا يطيق، فحدث به داء؛ فقد ظلمته.
وإنما
جعل قوام البدن على الرجلين، فإذا انتعلت قائما، لم تجد بدا. من أن ترفع
قدما لتنعلها، فصار حمل البدن على رجل واحدة؛ فاضطربت العروق، فإذا اضطربت
العروق، لم يؤمن أن يحدث داء؛ لأن العروق مجارى الدم ومجارى الريح؛ فإذا
تضايقت في حال الاضطراب، هاج الدم، وهاجت الرياح؛ فربما وقعت في مرض لا
تخرج منه أبدا، وربما فاض الدم من العروق إذا اختنق العرق عند تضايقه من
مكانه؛ فصار الدم علقة، فإذا صارعلقة لم يجر، وكان دمه فاسدا، وربما
انكمشت الرياح الحادثة، وهاجت الساكنة؛ فهذا أمر عظيم.
وقد أوصى الله
العباد في شأن النفس؛ فقال: (وَلاَ تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلى التَهلُكَة).
وقال:
(وَلاَ
تَقتُلُوا أَنفُسَكُم إِنّ الله كَانَ بِكُم رَحيماً). ثم قال:
(وَمَن يَفعَل ذَلِكَ عُدواناً وَظُلماً فَسَوفَ نُصلِيهِ ناراً وَكَانَ
ذَلِكَ عَلى الله يَسيراً). فانظر أى وعيد هذا! وظلم النفس كظلم العباد..
فهذه أشياء خفية؛ فخفى على العامة عظيم مرجوع ضررها إلى النفس. وإنما تستر
له لأنه ستره، فنحن نقيم ستره، لا أن نسبر عنه، فالستر غير التستر عنه.
وأيضا خلة أخرى أن الجن والشياطين ينظرون إلى عورات بنى آدم، فيضحكون
ويستهزئون. حدثنا بشر ابن خالد البصرى،حدثنا سعيد بن مسلمة بن هشام بن
عبدالملك، حدثنا الأعمش، عن زيد العمى، عن أنس بن مالك رضى الله عنه، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ستر بين أعين الجن وبين عورات بنى آدم
إذا وضع الرجل ثوبه أن يقول: بسم الله) وكذلك في البراز يخاف أن ترميه
الجن بداهية.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال في
البراز حتى يخطوا على أنفسهم دائرة؛ كى يكون ذلك حريما لهم، فلا يصل إليه
الجن بداهية. حدثنا قتيبة، عن ابن لهية، عن عقيل عن ابن شهاب، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم )إذا اغتسل أحدكم في براز من الأرض ولم يجد
ما يستتر به، فليخطط على نفسه خطا، وليغتسل وسط الخط(.
أحكام
قضاء الحاجة
البول في المغتسل
وأما قوله: )نهى أن يبال في
المغتسل(.
فقد
بين في حديث آخر:)أن منه يحدث عامة الوسوسة( وذلك أن المغتسل في ذلك
الزمان - أعنى المدينة - كان في أرض ذات سباخ، فإذا صب الماء استنقع، وصار
ذلك الموضع وحلا، فإذا بال فيه استنقع واختلط بذلك الطين الذي فيه البول.
وأما إذا كان مغتسلا مقاما ومشيدا، فجرى فلم يبق هنالك بول، فلن يجد
الوسواس سبيلا إلى أن يحدث نفسك بشيء.
البول في الماء الراكدوأما قوله:)
ونهى عن البول في الماء الراكد(.
فهذه
غدران المدينة والمواضع التي يستنقع فيها الماء، وهي قليلة، لا عرض ولا
طول؛ فإذا بال فيها لم يؤمن أن يجيء جاء فيغترف منه للوضوء.
وقد نهى في
حديث آخر)عن أن يبول في الماء الراكد ثم يغتسل فيه أو يتوضأ منه(. ثم قال
أبو هريرة رضى الله عنه: وليبل في الماء الجارى أن شاء. حدثنا بذلك
الجارود بن معاذ، حدثنا عمر بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبى المهزم، عن
أبى هريرة، قال: وحدثنا الشقيقى، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت عبد الله بن
بريدة يبول في الماء الجارى.
حدثنا الحسن بن مطيع، حدثنا خلف بن أيوب،
عن يحيى بن زكريا، عن يونس، عن الحسن، قال: لا بأس بالبول في الماء الجارى.
قال
أبو
عبد الله رحمه الله: وإنما وقع النهى في الماء الراكد إذا كان قليلا
ليس له عرض ينبسط ولا طول يمتد؛ فذلك بمنزلة الإناء. وأما إذا انبسط حتى
يشبه الجارى في اطراد بعضه على بعض، فهو لاحق بالجارى؛ ألا ترى إلى قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر وهو راكد: (هو الطهور ماؤه، الحل
ميتته)
البول في المشارعوأما قوله:) نهى أن يبول في المشارع(.
فإن
مشارع المدينة راكدة وذلك أن العيون المنتبذة عن المدينة كانت تشرع منها
إلى المدينة، فتجرى إلى حوض، وهو المشرعة، فيستقى منه.
فهذا
والأواني واحد؛ لأن المشارع - الماء الجارى فيها كالساكن ليس له انصباب
وجرى كالنهر، فذلك البول يدور مع الماء في المشرعة، ولا يكاد يخرج إلا بعد
مدة.
المغتسل(.
فقد
بين في حديث آخر:)أن منه يحدث عامة الوسوسة( وذلك أن المغتسل في ذلك
الزمان - أعنى المدينة - كان في أرض ذات سباخ، فإذا صب الماء استنقع، وصار
ذلك الموضع وحلا، فإذا بال فيه استنقع واختلط بذلك الطين الذي فيه البول.
وأما إذا كان مغتسلا مقاما ومشيدا، فجرى فلم يبق هنالك بول، فلن يجد
الوسواس سبيلا إلى أن يحدث نفسك بشيء.
البول في الماء الراكدوأما قوله:)
ونهى عن البول في الماء الراكد(.
فهذه
غدران المدينة والمواضع التي يستنقع فيها الماء، وهي قليلة، لا عرض ولا
طول؛ فإذا بال فيها لم يؤمن أن يجيء جاء فيغترف منه للوضوء.
وقد نهى في
حديث آخر)عن أن يبول في الماء الراكد ثم يغتسل فيه أو يتوضأ منه(. ثم قال
أبو هريرة رضى الله عنه: وليبل في الماء الجارى أن شاء. حدثنا بذلك
الجارود بن معاذ، حدثنا عمر بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبى المهزم، عن
أبى هريرة، قال: وحدثنا الشقيقى، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت عبد الله بن
بريدة يبول في الماء الجارى.
حدثنا الحسن بن مطيع، حدثنا خلف بن أيوب،
عن يحيى بن زكريا، عن يونس، عن الحسن، قال: لا بأس بالبول في الماء الجارى.
قال
أبو
عبد الله رحمه الله: وإنما وقع النهى في الماء الراكد إذا كان قليلا
ليس له عرض ينبسط ولا طول يمتد؛ فذلك بمنزلة الإناء. وأما إذا انبسط حتى
يشبه الجارى في اطراد بعضه على بعض، فهو لاحق بالجارى؛ ألا ترى إلى قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر وهو راكد: (هو الطهور ماؤه، الحل
ميتته)
البول في المشارعوأما قوله:) نهى أن يبول في المشارع(.
فإن
مشارع المدينة راكدة وذلك أن العيون المنتبذة عن المدينة كانت تشرع منها
إلى المدينة، فتجرى إلى حوض، وهو المشرعة، فيستقى منه.
فهذا
والأواني واحد؛ لأن المشارع - الماء الجارى فيها كالساكن ليس له انصباب
وجرى كالنهر، فذلك البول يدور مع الماء في المشرعة، ولا يكاد يخرج إلا بعد
مدة.
فكل مكان لا يكون مجرى الماء فيه قوة وانصباب، فإذا بال فيه فالبول
هناك موجود. وإنما رخص في الماء الجارى لجريه وذهابه. وقلما يوجد في
المشارع ذلك الجرى السريع الذي يذهب بأثر البول؛ ألا ترى أنهم لم يعنوا
بالجرى الضعيف من الأنهار حتى يكون له قوة، فمنهم من قال حتى يدهده بعرة
أو جوزة.
قال: حدثنا عمر بن أبى عمر،حدثنا شريح بن النعمان، قال: سمعت
أبا يوسف يقول في الماء الجارى القليل: إذا كان بقدر ما إذا رفعت بكفيك
منه، فاض من الجانبين، ولم ينقطع أعلاه من أسفله؛ فلا بأس به.
وتأويل
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إذا كان الماء قلين لم يحمل خبثا( على
ذلك تأولوه.
قال:
وسمعت أبا يوسف يقول في تأويل الحديث الذي جاء) إذا كان الماء قلين( إذا
كان عينه تنبع، وكانت مقدار قلتين، وهو جار وله نبعان، فلا بأس به.
حدثنا
الجارود،
حدثنا عيسى بن الفضل المروزى، عن عبد الله ابن المبارك في تأويل
هذه الحديث، قال: إذا كان الماء قلين جاريا. حدثنا عمر بن أبى عمر،حدثنا
شريح بن النعمان، قال: سمعت أبا يوسف يقول في تأويل هذا الحديث:) إذا كان
الماء قلين( إذا كان عينه تنبع، وكانت مقدار قلتين، وهو جار وله نبعان؛
فتوضأ من نبعانه؛ فلا بأس به.
البول والفرج باد للشمس أو القمر
وأما
قوله:) نهى أن يبول الرجل وفرجه باد إلى الشمس أو القمر(.
فإن الشمس
والقمر خلقان من خلقه، وآيتان من آياته، وكسوتهما من نور العرش فيما روى
لنا.
فلا تستقبل بعورتك إياهما إعظاما لهما، وإجلالآ لذلك النور.
وقد
قال الله تعالى: (وَجَعَلنا اللَيلَ وَالنَّهارَ آَيَتينِ، فَمَحونا
آَيَةَ اللَيلِ، وَجَعَلنا آَيَةَ النَّهارِ مُبصِرِةً). حدثنا عمر بن
يحيى بن نافع الأيلى، عن أنس بن مالك في قوله تعالى: (فَمَحَونا آَيَةَ
اللَيلِ) قال: سواد في القمر.
وأيضا علة أخرى: أن الملائكة الموكلين
بسياقتهما معهما؛ فإذا بدا لهما بدا للملائكة.
وروى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:)أجلوا - أو قال أكرموا - الكرام
الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا في حالين. الغائط والجنابة( وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يستر عورته عن عائشة رضى الله عنها. وقالت عائشة
رضى الله عنها:)ما رأيت منه - يعنى عورته - (.
حدثنا الجارود، حدثنا
الفضل بن موسى، عن عبد السلام بن حرب، عن الأعمش،عن أنس بن مالك قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء لم يرفع ثوبه حتى يدنو من
الأرض.
استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائطوأما قوله:) نهى أن تبول
مستقبل القبلة (.
فإن
القبلة بيت الله.. بسط الأرض، وجعلها بساطا لعباده ومهادا ومسكنا، واختار
موضع البيت لنفسه فلم يملكه أحداً، وجعله محل الرحمة ومعلمه ومظهره. وهو
بحذاء البيت المعمور، وبحذاء العرش؛ فله حرمة عظيمة. وهو بعين الله،
وصفوته من الأرض؛ فإذا استقبله بفرجه، فقد أسقط حرمته، واستهان به.
حدثنا
محمد
بن إسماعيل بن سمرة الأحمس، حدثنا إبراهيم بن عيينة، عن ابن الصباح،
قال: سمعت من أبى نصير، عن مولى لأبى بكر، عن أبى بكر رضى الله عنه، قال:
من انحرف عن القبلة من غائط أو بول تعظيما لجلال الله تعالى، لم يستو
منحرفا حتى يغفر الله له. قال: ومن مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من
مقته.
ثم روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه تبول مستقبل
القبلة.. حدثنا الجارود بذلك، حدثنا عبيد الله موسى، حدثنا عيسى الخياط،
عن نافع، عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنفيه
مستقبل القبلة.
قال عبيد الله: حدثنا عيسى، عن أبيه، عن أبى هريرة،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،)لاتستقبلوها ولا تستدبروها(. قال
عيسى: فذكرت ذلك للشعبى، فقال: صدق أبوهريرة، وصدق ابن عمر. أما قول أبى
هريرة، فذاك في الصحراء لا يستقبلها ولا يستدبرها. وأما قول ابن عمر رضى
الله عنهم، فذاك كنيف بيت صنع للنتن ليس فيه قبلة؛ استقبل حيث شئت. حدثنا
سهل بن العباس، حدثنا عبد الله بن نمير العوفى، عن عبيد الله، عن نافع، عن
ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنفيه لبنتين مستقبل
القبلة يبول.
التبول قائماوأما قوله:) نهى أن يبول الرجل وهو قائم(.
فهذا
على معنيين:
قوله:) نهى أن يبول الرجل وفرجه باد إلى الشمس أو القمر(.
فإن الشمس
والقمر خلقان من خلقه، وآيتان من آياته، وكسوتهما من نور العرش فيما روى
لنا.
فلا تستقبل بعورتك إياهما إعظاما لهما، وإجلالآ لذلك النور.
وقد
قال الله تعالى: (وَجَعَلنا اللَيلَ وَالنَّهارَ آَيَتينِ، فَمَحونا
آَيَةَ اللَيلِ، وَجَعَلنا آَيَةَ النَّهارِ مُبصِرِةً). حدثنا عمر بن
يحيى بن نافع الأيلى، عن أنس بن مالك في قوله تعالى: (فَمَحَونا آَيَةَ
اللَيلِ) قال: سواد في القمر.
وأيضا علة أخرى: أن الملائكة الموكلين
بسياقتهما معهما؛ فإذا بدا لهما بدا للملائكة.
وروى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:)أجلوا - أو قال أكرموا - الكرام
الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا في حالين. الغائط والجنابة( وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يستر عورته عن عائشة رضى الله عنها. وقالت عائشة
رضى الله عنها:)ما رأيت منه - يعنى عورته - (.
حدثنا الجارود، حدثنا
الفضل بن موسى، عن عبد السلام بن حرب، عن الأعمش،عن أنس بن مالك قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء لم يرفع ثوبه حتى يدنو من
الأرض.
استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائطوأما قوله:) نهى أن تبول
مستقبل القبلة (.
فإن
القبلة بيت الله.. بسط الأرض، وجعلها بساطا لعباده ومهادا ومسكنا، واختار
موضع البيت لنفسه فلم يملكه أحداً، وجعله محل الرحمة ومعلمه ومظهره. وهو
بحذاء البيت المعمور، وبحذاء العرش؛ فله حرمة عظيمة. وهو بعين الله،
وصفوته من الأرض؛ فإذا استقبله بفرجه، فقد أسقط حرمته، واستهان به.
حدثنا
محمد
بن إسماعيل بن سمرة الأحمس، حدثنا إبراهيم بن عيينة، عن ابن الصباح،
قال: سمعت من أبى نصير، عن مولى لأبى بكر، عن أبى بكر رضى الله عنه، قال:
من انحرف عن القبلة من غائط أو بول تعظيما لجلال الله تعالى، لم يستو
منحرفا حتى يغفر الله له. قال: ومن مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من
مقته.
ثم روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه تبول مستقبل
القبلة.. حدثنا الجارود بذلك، حدثنا عبيد الله موسى، حدثنا عيسى الخياط،
عن نافع، عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنفيه
مستقبل القبلة.
قال عبيد الله: حدثنا عيسى، عن أبيه، عن أبى هريرة،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،)لاتستقبلوها ولا تستدبروها(. قال
عيسى: فذكرت ذلك للشعبى، فقال: صدق أبوهريرة، وصدق ابن عمر. أما قول أبى
هريرة، فذاك في الصحراء لا يستقبلها ولا يستدبرها. وأما قول ابن عمر رضى
الله عنهم، فذاك كنيف بيت صنع للنتن ليس فيه قبلة؛ استقبل حيث شئت. حدثنا
سهل بن العباس، حدثنا عبد الله بن نمير العوفى، عن عبيد الله، عن نافع، عن
ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنفيه لبنتين مستقبل
القبلة يبول.
التبول قائماوأما قوله:) نهى أن يبول الرجل وهو قائم(.
فهذا
على معنيين:
أحدهما:
أنه إذا بال قائما لم يؤمن من أن يصيبه من النضح، وقال صلى الله عليه وسلم
)استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه( وروى أنه مر بقبر،
فقال:)أتسمعون ما أسمع؟(، قالوا: لا يا رسول الله؛ فقال:)لولا تمريغ في
قلوبكم، وتزبيد في حديثكم لسمعتم ما أسمع، إن صاحب القبر أقعد فضرب فصاح
صيحة تسمع من الخافقين، وتطاير كل عضو منه ثم عاد إلى مكانه(. قيل: يا
رسول الله، في ماذا؟ قال: )في البول(.
قال: وذكر لنا أنه لما وضع سعد
بن معاذ الأنصارى رضى الله عنه، الذى اهتز العرش لوفاته، في قبره تضايق
عليه قبره؛ فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: )لقد تضايق على
هذا العبد الصالح حفرته، ثم فرج عنه(.
قيل:يا رسول الله، مم ذاك؟
فقال:) كان يقصر في بعض طهوره( وذلك أن القوم كانوا لا يستنجون بالماء،
ويكتفون بالأحجار. وكان عهدهم بذلك الأمر كذلك. فلما ظهر الاستنجاء كانوا
يفعلون ولا يفعلون.
فشأن البول عظيم؛ وإنما صار عندنا كذلك؛ لأن آدم
عليه السلام لما أكل من الشجرة، وجد العدو سبيلا إلى جوفه، فاستقر عند
المعدة؛ فلذلك ما خرج من أسفل البدن صار حدثا، وكان ذلك الشيء نجسا. وما
خرج من أعلى البدن مثل الدموع والنخاعة والمخاط كان طاهرا ولم يكن طهوره
حدثا. فما كان في جوف ابن آدم مما يلى مستقره ينجس بنجاسته وكفره.
وإذا
بال قائما لم يؤمن من النضح، وكان النبى صلى الله عليه وسلم: )يرتاد ويتبوأ
لبوله كما يتبوأ لمنزله(.
حدثنا بذلك صالح بن عبد الله، حدثنا حماد بن
زيد، عن واصل مولى أبى عيينه، عن يحيى بن عبيد، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بذلك.
وكان إذا وجد مكانا أو موضعا يتمكن فيه بال قائما؛ فقد روى
عنه صلى الله عليه وسلم، من وجوه كثيره: أنه قد فعل ذلك.
ثم روى عنه:
أنه كره ذلك.
ففعله
عندنا ذلك في تلك المواضع التى إذا بال فيها قائماً كان أنزه له، وتركه
لذلك في المواضع التى إذا بال فيها قاعدا كان أنزه له. ولا نظن به صلى
الله عليه وسلم غير ذلك. وروى عنه:أنه مر بسباطة قوم فبال قائما.
فهذا
ما قلناه إنه لما أمن من النضج لم يعبأ بالقيام.
وعله
أخرى: أن القيام حال غير متمكن، ومادام قائما فإن العروق قائمة بقيام
البدن، والقلب منتصب، ومجمع العروق عند القلب، فما دام القلب منتصباً
فالعروق كذلك، فإذا قعد استرخت العروق؛ ألا ترى أنك تجد عن البول استرخاء
القلب. وما دام لا يسترخى لا يقدر أن يبول. وإذا أراد أن يمسكه إنما يمسكه
بالقلب؛ لأن مجمع العروق هنالك يصرر حتى يستمسك. فإذا قعد على قدميه كان
سبيل البول أوسع، وجريه أسهل؛ لا سترخاء القلب وتخلية التصرير. فهذا غير
مدفوع.
الاستنجاء بروث أو عظم
وأما قوله:) نهى أن يستنجى
بروث أو بعظم(.
فذلك
من أجل أن الجن لما انصدعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسلموا
وبايعوا، رجع منهم راجع إليه فسأله الزاد، فرمى إليهم بعظم وروث، فصار
العظم لحما والروث طعاماً، وكان ذلك زادهم.
حدثنا عبد الله بن الوضاح
النخعى، حدثنا حفص بن غياث، عن داود ابن أبى هند، عن الشعبى، عن علقمة عن
عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:)لا تستنجوا بالعظم ولا
بالروث؛ فإنهما زاد إخوانكم من الجن(.
حدثنا صالح بن محمد، حدثنا
إبراهيم بن محمد الأسلمى، عن الصالح مولى التوأمة، عن ابن عباس وابن مسعود
رضى الله عنهما، قالا: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الجن العظام
والروث، ولا يمرون على شئ منه إلا وجدوه لحما وشعيرا.حدثنا صالح، حدثنا
سعيد بن سالم القداح، عن إسرائيل عن أبى فزارة، عن أبى زيد مولى عمرو بن
حريث، عن عبد الله بن مسعود، قال:كنت مضطجعا عند الكعبة، فمر بى رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فحركنى برجليه، وقال:)الحقنى( فتناولت إدارة رجل إلى
جنبى فأخذتها، ثم انطلقت معه، ثم برز، ثم خط على خطاً، فقال:)لا تبرح هذا
الخط، فإنك إن خرجت لم ترنى ولم أرك(. ثم انطلق، فبت ليلى قائما على رجلى،
فسمعت صوتا لم أسمع مثله، فهممت أن أخرج، ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه الصبح، قلت: يا رسول
الله، ما نمت الليلة، ومازلت قائما، قال عليه السلام:)أما إنك لو جلست لم
يضرك(، ثم قال: )هل من طهور؟(، قلت: نعم يا رسول الله، فتناولت الإدارة
وأنا أراها ماءً، فإذا هي نبيذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )تمرة
طيبة وماء طهور(، ثم توضأ وصلى خلفه رجلا، فلما سلم قال لهما:)ألم اقض
لكما ولقومكما حوائجهم؟( قلا: بلى ولكنا أحببنا أن نشهد الصلاة معك، قلت:
يا رسول الله، سمعت صوتا لم أسمع بمثله فهممت أن أخرج، ثم ذكرت قولك؛
فقال: )أما إنك لو خرجت لم ترنى ولم أرك، أما الصوت الأول فسألوا الرزق
فدعوت الله أن يرزقهم فأمنوا،وأما الصوت الآخر فسلمت عليهم فردوا السلام(،
قلت: يا رسول الله، ما رزقهم؟ قال:)الروث والعظم( قلت: وكيف يأكلون الروث
والعظم؟ قال:) أما الروث فيكون أخضر كما كان وأما العظم فينهشون منه(.
حدثنا
عمر
بن ابن عمرن حدثنا ربيع بن روح الحوطى، حدثنا بقية، حدثنى نمير بن
يزيد القينى، حدثنا أبى، حدثنا قحافة بن ربيعة، حدثنى الزبير بن العوام
رضى الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في
مسجد المدينة، فلما انصرف قال: )أيكم يتبعنى إلى وفد الجن الليلة؟(، فسكت
القوم، فلم يتكلم أحد منهم، ثم قال لنا ذلك ثانيا، فلم يتكلم من القوم
أحد، فمر بى يمشى، فأخذ بيدى، فجعلت أمشى معه، وما أحد مشى معه غيرى، حتى
حبس عنا جبلا المدينة، وأفضينا إلى أرض براز، فإذا نحن برجال طوال كأنهم
الرماح يستنفرون ثيابهم من بين أرجلهم، كلما رأيتهم غشيتنى رعدة حتى ما
تمسكنى رجلاى من الفرق، فلما دنا منهم خط رسول الله صلى الله عليه وسلم
بإبهام رجله في الأرض دائرة، وقال لى:)اقعد في وسطها(، فلما جلست فيها ذهب
عنى كل شئ كنت أجده من ريبة، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينى
وبينهم قريباً، ثم تلا عليهم قرآنا رقيقا حتى سطع الفجر، ثم انصرفوا فمر
بى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:)الحق، فرجعنا نمشى غير بعيد، فقال
لى:) التفت(، وقد أسفرنا، فقال:)انظر هل ترى من هؤلاء القوم أحداً حيث
كنا؟(، قلت: يا رسول الله، إنى لأرى حيث كنا سوادا. فخفض رسول الله صلى
الله عليه وسلم يده إلى الأرض، فأخذ عظما وروثة، فضم أحدهما إلى الآخر، ثم
رمى بهما قبلهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم:)رشد أولئك ورشد قومهم(. قال
الزبير رضى الله عنه: لا يحل لأحد سمع بهذا الحديث أن يستنجى بعظم ولا
روثة بعده.
بروث أو بعظم(.
فذلك
من أجل أن الجن لما انصدعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسلموا
وبايعوا، رجع منهم راجع إليه فسأله الزاد، فرمى إليهم بعظم وروث، فصار
العظم لحما والروث طعاماً، وكان ذلك زادهم.
حدثنا عبد الله بن الوضاح
النخعى، حدثنا حفص بن غياث، عن داود ابن أبى هند، عن الشعبى، عن علقمة عن
عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:)لا تستنجوا بالعظم ولا
بالروث؛ فإنهما زاد إخوانكم من الجن(.
حدثنا صالح بن محمد، حدثنا
إبراهيم بن محمد الأسلمى، عن الصالح مولى التوأمة، عن ابن عباس وابن مسعود
رضى الله عنهما، قالا: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الجن العظام
والروث، ولا يمرون على شئ منه إلا وجدوه لحما وشعيرا.حدثنا صالح، حدثنا
سعيد بن سالم القداح، عن إسرائيل عن أبى فزارة، عن أبى زيد مولى عمرو بن
حريث، عن عبد الله بن مسعود، قال:كنت مضطجعا عند الكعبة، فمر بى رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فحركنى برجليه، وقال:)الحقنى( فتناولت إدارة رجل إلى
جنبى فأخذتها، ثم انطلقت معه، ثم برز، ثم خط على خطاً، فقال:)لا تبرح هذا
الخط، فإنك إن خرجت لم ترنى ولم أرك(. ثم انطلق، فبت ليلى قائما على رجلى،
فسمعت صوتا لم أسمع مثله، فهممت أن أخرج، ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه الصبح، قلت: يا رسول
الله، ما نمت الليلة، ومازلت قائما، قال عليه السلام:)أما إنك لو جلست لم
يضرك(، ثم قال: )هل من طهور؟(، قلت: نعم يا رسول الله، فتناولت الإدارة
وأنا أراها ماءً، فإذا هي نبيذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )تمرة
طيبة وماء طهور(، ثم توضأ وصلى خلفه رجلا، فلما سلم قال لهما:)ألم اقض
لكما ولقومكما حوائجهم؟( قلا: بلى ولكنا أحببنا أن نشهد الصلاة معك، قلت:
يا رسول الله، سمعت صوتا لم أسمع بمثله فهممت أن أخرج، ثم ذكرت قولك؛
فقال: )أما إنك لو خرجت لم ترنى ولم أرك، أما الصوت الأول فسألوا الرزق
فدعوت الله أن يرزقهم فأمنوا،وأما الصوت الآخر فسلمت عليهم فردوا السلام(،
قلت: يا رسول الله، ما رزقهم؟ قال:)الروث والعظم( قلت: وكيف يأكلون الروث
والعظم؟ قال:) أما الروث فيكون أخضر كما كان وأما العظم فينهشون منه(.
حدثنا
عمر
بن ابن عمرن حدثنا ربيع بن روح الحوطى، حدثنا بقية، حدثنى نمير بن
يزيد القينى، حدثنا أبى، حدثنا قحافة بن ربيعة، حدثنى الزبير بن العوام
رضى الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في
مسجد المدينة، فلما انصرف قال: )أيكم يتبعنى إلى وفد الجن الليلة؟(، فسكت
القوم، فلم يتكلم أحد منهم، ثم قال لنا ذلك ثانيا، فلم يتكلم من القوم
أحد، فمر بى يمشى، فأخذ بيدى، فجعلت أمشى معه، وما أحد مشى معه غيرى، حتى
حبس عنا جبلا المدينة، وأفضينا إلى أرض براز، فإذا نحن برجال طوال كأنهم
الرماح يستنفرون ثيابهم من بين أرجلهم، كلما رأيتهم غشيتنى رعدة حتى ما
تمسكنى رجلاى من الفرق، فلما دنا منهم خط رسول الله صلى الله عليه وسلم
بإبهام رجله في الأرض دائرة، وقال لى:)اقعد في وسطها(، فلما جلست فيها ذهب
عنى كل شئ كنت أجده من ريبة، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينى
وبينهم قريباً، ثم تلا عليهم قرآنا رقيقا حتى سطع الفجر، ثم انصرفوا فمر
بى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:)الحق، فرجعنا نمشى غير بعيد، فقال
لى:) التفت(، وقد أسفرنا، فقال:)انظر هل ترى من هؤلاء القوم أحداً حيث
كنا؟(، قلت: يا رسول الله، إنى لأرى حيث كنا سوادا. فخفض رسول الله صلى
الله عليه وسلم يده إلى الأرض، فأخذ عظما وروثة، فضم أحدهما إلى الآخر، ثم
رمى بهما قبلهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم:)رشد أولئك ورشد قومهم(. قال
الزبير رضى الله عنه: لا يحل لأحد سمع بهذا الحديث أن يستنجى بعظم ولا
روثة بعده.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الاستنجاء بتراب قد استنجى به مرة سابقة
فهذا
فعل مستور، فيه حشمة وحياء؛ فإخفاؤه أستر، فإذا حدث به. ووصفه، فمثل ذلك
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )كمثل شيطان لقي شيطانة، فأتاها
على قارعة الطريق(؛ لأن الحديث بذلك داع إلى الفتنة والبلاء، فربما حدث
بشيء يسير يسبى قلبه بذلك إلى امرأته وتسبى المرأة قلبها بذلك إلى زوجها.
قضاء
الحاجة تحت شجرة مثمرة
وأما قوله:) نهى أن يستنجى
بتراب قد استنجى به مرة(.
لأنه
لا يخلو أن يكون عليه عذرة يابسة، فلا يكون ذلك له طهورا. وإنما يتطهر
بالتراب الطاهر الذى لم يستنج به. حدثنا صالح بن عبد الله، حدثنا الجراح
بن مليح، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعى، قال: لا تستنجوا بعظم،
ولا رجيع، ولا بحجر قد استنجى به مرة.
مباشرة الرجل الرجل، والمرأة
المرأة، دون ثوب بينهماوأما قوله:) ونهى أن يباشر الرجل الرجل، والمرأة
المرأة، لا ثوب بينهما(.
فهذا
فعل يدعو إلى الفتنة والبلاء، فلا ينبغى للمسلم أن يتعرض لذلك، فإن النفس
ذات شهوة، والشيطان مزين. ومن ها هنا استغنى الرجال بالرجال، والنساء
بالنساء.
كشف ما يحدث في الجماعوأما قوله:) ونهى أن يتحدث الرجل بما
يخلو به مع أهله، وأن تتحدث المرأة بما تخلو به مع زوجها(.
بتراب قد استنجى به مرة(.
لأنه
لا يخلو أن يكون عليه عذرة يابسة، فلا يكون ذلك له طهورا. وإنما يتطهر
بالتراب الطاهر الذى لم يستنج به. حدثنا صالح بن عبد الله، حدثنا الجراح
بن مليح، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعى، قال: لا تستنجوا بعظم،
ولا رجيع، ولا بحجر قد استنجى به مرة.
مباشرة الرجل الرجل، والمرأة
المرأة، دون ثوب بينهماوأما قوله:) ونهى أن يباشر الرجل الرجل، والمرأة
المرأة، لا ثوب بينهما(.
فهذا
فعل يدعو إلى الفتنة والبلاء، فلا ينبغى للمسلم أن يتعرض لذلك، فإن النفس
ذات شهوة، والشيطان مزين. ومن ها هنا استغنى الرجال بالرجال، والنساء
بالنساء.
كشف ما يحدث في الجماعوأما قوله:) ونهى أن يتحدث الرجل بما
يخلو به مع أهله، وأن تتحدث المرأة بما تخلو به مع زوجها(.
فهذا
فعل مستور، فيه حشمة وحياء؛ فإخفاؤه أستر، فإذا حدث به. ووصفه، فمثل ذلك
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )كمثل شيطان لقي شيطانة، فأتاها
على قارعة الطريق(؛ لأن الحديث بذلك داع إلى الفتنة والبلاء، فربما حدث
بشيء يسير يسبى قلبه بذلك إلى امرأته وتسبى المرأة قلبها بذلك إلى زوجها.
قضاء
الحاجة تحت شجرة مثمرة
وأما قوله:) ونهى أن يقضى الرجل حاجته تحت شجرة
مثمرة(.
فمن أجل أن في ذلك فساداً؛ فربما سقط من تلك الشجرة ثمرة فوقعت
في العذرة، فإذا كان عند جناه فما سقط من الجنى فهو فيه؛ ففي هذا ضرر.
قضاء
الحاجة على ضفة نهروأما قوله:) ونهى أن يقضى الرجل حاجته على ضفة نهر(.
فهذا
مثل الأول؛ ففي هذا ضرر على الناس؛ إذ لا يمكنهم الدنو من الماء للوضوء
والاستقاء منه؛ ففيه أذى وضرر على المسلمين.
قضاء الحاجة في الطريق
العاموأما قوله:) ونهى أن يقضى الرجل حاجته على طريق عام(.
فهذا مثل
الأول.والطريق العامر: هو الذى يسلكه الناس. وإنما شرط العامر من أجل ضرر
المسلمين والتأذى بذلك.
وقال:)من قضى حاجته في طريق عام، أو على ضفة
نهر، أو تحت شجرة مثمرة، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين(.
فإنما
استوجبوا اللعنة من الله لأذى المسلمين؛ فأنه قال:)من أذى مسلما فقد
آذانى، ومن آذانى فقد أذى الله(.
الاستنجاء باليمينوأما قوله:) نهى أن
يستنجى الرجل بيمينه(.
فإن
اليمين مختار الله من الأشياء، وبه يرجو أن يتناول صحيفته، وبه يأكل ويشرب
ويأخذ ويعطى، وبه يصافح المسلمين، فلا يحق عليه أن يمتهنه للغائط؛ فأن في
الشمال كفاية، وحقيق عليه أن ينزهه عن ذلك إقامة لحرمة ما فضله الله.
قطع
النخلة المثمرةوأما قوله:) نهى أن تقطع النخلة الحاملة(.
فمن
أجل أن ذلك فساد؛ لأن النخلة إذا حملت فهي وإن صارت بسراً. فالذى يرطب منه
ثلاث تمرات كل يوم أو كل أربع من كل شمروخ،ولا يرطب الشمروخ كله في يوم
واحد كالعنب، وإنما يجتنى منه في كل يوم شيئا قليلا من كل شمروخ، فإذا
قطعها دفعة واحدة كان فيه فساد؛ لأن فيه رطباً، وفيه ما لم يبلغ أناه ولم
يدرك.
وكانت النخلة معاشهم، وفي الطعام هناك عزة، وكأنه أحب أن يرفقوا
بمعاشهم.
والنخلة
عمة الآدميين. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:)أكرموا
عمتكم النخلة؛ فإنها من فضلة طينة آدم عليه السلام(.ألا ترى أنها تحتاج
إلى اللقاح، فإذا قطعت وهى حامل كان فيه فساد؛ فشبه فسادها بفساد النفس،
قتلت خطأ فصارت عليه غرامة دية لولى القتيل وكفارة عتق رقبة،فكأنه شبه
الفساد بالفساد.
الحذف بالبندقوأما قوله:) فنهى عن الحذف بالبندق(.
فإن
ذلك
كالمثلة؛ ألا ترى أنه يصير المرمى به موقوذا، وينكسر كله، ولا يكون
كالذبيحة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) إن الله كتب الإحسان على
كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح
ذبيحته(.والحذف بالبندق أمر وبيل بعيد من الإحسان، ويصير ميتة، وفيه فساد
ومثلة.
اللعب بالحماموأما قوله:) ونهى عن اللعب
بالحمام(.فإن ذلك خصلة من خصال قوم لوط، وهى فعل يصد عن ذكر الله وعن
الصلاة. وإذا لعب به اصطاد حراما، وأضاع صلاته، ودعاه ذلك إلى الفتنة
والإشراف على الجيران.
وروى في الخبر أن:)من لعب بالحمام افتقر(؛ وكيف
لا يفتقر وقد قسا قلبه؟! وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى
رجلا يتبع حمامة فقال:) شيطان يتبع شيطانة(.
تسبيل الإزاروأما قوله:)
نهى عن تسبيل الإزار(.
فذاك
من أجل الكبر والخيلاء؛ فإن من يسبل إزاره ويجره تعززاً وقلة مبالاة
وتيها، وزهواً بنفسه، واحتقارا لعباد الله، وكبرا على خلق الله؛ فهذا عبد
قد ضاد الله في ملكوته ونازعه في ردائه.
وروى عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال:)كان رجل مما كان قبلكم في الأمم الخالية يتبختر في
مشيته في مجالسهم وطرقهم، فقال الله تعالى لملائكته: انظروا لعبدى كيف
ينازعنى ردائى؟! يا أرض ابتلعيه، فابتلعته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم
القيامة(.حدثنا أبى، عن صالح بن محمد، عن حفص بن سالم، عن ابن شهاب، عن
الحسن، عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وحدثنا
إبراهيم بن هارون،حدثنا زكريا بن حازم الشيبانى، عن قتادة، عن أنس، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: )يقول الله: تعالى أربعة لم أشرك
فيهن أحد: الفخر، والعظمة، والكبر، والقدر سرى؛ فمن ينازعنى في واحد منهن
كببته في جهنم(.
وعامة الأحاديث التى جاءت عن جر الإزار، إنما تدل على
أن النهى مع الشرط، قال:)من جر الإزار خيلاء(؛ فدل هذا على أن النهى عن جر
الإزار إذا كان خيلاء.
حدثنا قتيبة عن سعيد، حدثنا مالك بن أنس، عن
نافع وزيد بن أسلم وعبد الله بن زبير، كلهم يخبر عن ابن عمر: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال:)لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء(.
وحدثنا
قتيبة،عن
مالك،عن أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة،عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال:)لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً(.
فهذا الإسبال
والجر للثوب إنما كره للمختال الفخور.
وروى عن ابن عباس رضى الله عنه
أنه قال: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة.
وقد
كان في بدء الإسلام المختال يلبس الخز، ويجر الإزار ويسبله؛ فنهوا عن ذلك.
وقد
كان
فيهم من يلبس الخز ويسبل الإزار فلا يعاب عليه، منهم أبوبكر رضى الله
عنه؛ حيث قال:يا رسول الله، إنى رجل قليل اللحم فإذا أبرزت سقط إزارى على
قدمى وقد قلت ما قلت؟ قال:)لست منهم يا أبا بكر(. حدثنا بذلك أبى، حدثنا
أحمد بن يونس، عن زهير، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله
إليه يوم القيامة(؛ فقال أبوبكر رضى الله عنه: بأبى أنت يا رسول الله، إن
أحد شقى إزارى يسترخى إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:)لست ممن يصنعه خيلاء(.
حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبى، عن
إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن خيثمة، قال:أدركت ثلاثة عشر من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يلبسون الخز.
حدثنا سفيان،عن أبيه،حدثنا محمد
بن قيس،عن أبى عون،قال:كان بن الحسن والحسين رضى الله عنهما يلبسان الخز.
حدثنا
إبراهيم
بن يوسف، حدثنا يزيد بن زريع، عن عمرو بن أبى وهب، قال: سمعت بكر
به عبد الله المزنى في المسجد البصرة يقول: كان أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم الذين لا يلبسون لا يطعنون على الذين يلبسون.
حدثنا
سفيان،حدثنا أبى،حدثنا عتبة بن عبدالرحمن، عن على بن زيد بن جدعان،عن سعيد
بن المسيب.. في لبس الخز، قال: إذا صلح قلبك فالبس ما بدا لك.. فذكرت ذلك
للحسن رحمه الله: إن من صلاح القلب ترك الخز.
حدثنا سفيان،حدثنا أبى،عن
منصور، عن أبى وائل، قال: كان عبد الله يسبل إزاره، فقيل له؛ فقال: إنى
رجل حمش الساقين. قال سفيان: يعنى رقيق الساقين.
فقد وضح لنا أن سبب
النهى إنما هو الخيلاء، فإذا علم من قلبه أنه مختال فليجتنب وكان في بدء
الأمر رفع الإزار إلى أنصاف الساق تجنبا للخيلاء والمراءاة، وكذلك تشمير
القميص، فلم يزل الناس في تبديل من سوء ضمائرهم، حتى صار ذلك تصنعا
ومراءاة؛ فكان من شمر الإزار والقميص ممقوتا لسوء مراده.
وروى عن أيوب
السختيانى رحمه الله: أنه طول قميصه له الخياط في ذلك؛ فقال: السنة اليوم
في هذا الزى، أو كلاهما هذا معناه.. كأنه ذهب إلى أنه إنما نهى عن طوله
للخيلاء فشمروا. فاليوم صار التشمير مراءاة وتصنعا وتزيينا للخلق يختالون
في الدنيا بالدين!! وروى أن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله كان قميصه وجبته
تضرب شراك نعليه.
مثمرة(.
فمن أجل أن في ذلك فساداً؛ فربما سقط من تلك الشجرة ثمرة فوقعت
في العذرة، فإذا كان عند جناه فما سقط من الجنى فهو فيه؛ ففي هذا ضرر.
قضاء
الحاجة على ضفة نهروأما قوله:) ونهى أن يقضى الرجل حاجته على ضفة نهر(.
فهذا
مثل الأول؛ ففي هذا ضرر على الناس؛ إذ لا يمكنهم الدنو من الماء للوضوء
والاستقاء منه؛ ففيه أذى وضرر على المسلمين.
قضاء الحاجة في الطريق
العاموأما قوله:) ونهى أن يقضى الرجل حاجته على طريق عام(.
فهذا مثل
الأول.والطريق العامر: هو الذى يسلكه الناس. وإنما شرط العامر من أجل ضرر
المسلمين والتأذى بذلك.
وقال:)من قضى حاجته في طريق عام، أو على ضفة
نهر، أو تحت شجرة مثمرة، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين(.
فإنما
استوجبوا اللعنة من الله لأذى المسلمين؛ فأنه قال:)من أذى مسلما فقد
آذانى، ومن آذانى فقد أذى الله(.
الاستنجاء باليمينوأما قوله:) نهى أن
يستنجى الرجل بيمينه(.
فإن
اليمين مختار الله من الأشياء، وبه يرجو أن يتناول صحيفته، وبه يأكل ويشرب
ويأخذ ويعطى، وبه يصافح المسلمين، فلا يحق عليه أن يمتهنه للغائط؛ فأن في
الشمال كفاية، وحقيق عليه أن ينزهه عن ذلك إقامة لحرمة ما فضله الله.
قطع
النخلة المثمرةوأما قوله:) نهى أن تقطع النخلة الحاملة(.
فمن
أجل أن ذلك فساد؛ لأن النخلة إذا حملت فهي وإن صارت بسراً. فالذى يرطب منه
ثلاث تمرات كل يوم أو كل أربع من كل شمروخ،ولا يرطب الشمروخ كله في يوم
واحد كالعنب، وإنما يجتنى منه في كل يوم شيئا قليلا من كل شمروخ، فإذا
قطعها دفعة واحدة كان فيه فساد؛ لأن فيه رطباً، وفيه ما لم يبلغ أناه ولم
يدرك.
وكانت النخلة معاشهم، وفي الطعام هناك عزة، وكأنه أحب أن يرفقوا
بمعاشهم.
والنخلة
عمة الآدميين. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:)أكرموا
عمتكم النخلة؛ فإنها من فضلة طينة آدم عليه السلام(.ألا ترى أنها تحتاج
إلى اللقاح، فإذا قطعت وهى حامل كان فيه فساد؛ فشبه فسادها بفساد النفس،
قتلت خطأ فصارت عليه غرامة دية لولى القتيل وكفارة عتق رقبة،فكأنه شبه
الفساد بالفساد.
الحذف بالبندقوأما قوله:) فنهى عن الحذف بالبندق(.
فإن
ذلك
كالمثلة؛ ألا ترى أنه يصير المرمى به موقوذا، وينكسر كله، ولا يكون
كالذبيحة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:) إن الله كتب الإحسان على
كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح
ذبيحته(.والحذف بالبندق أمر وبيل بعيد من الإحسان، ويصير ميتة، وفيه فساد
ومثلة.
اللعب بالحماموأما قوله:) ونهى عن اللعب
بالحمام(.فإن ذلك خصلة من خصال قوم لوط، وهى فعل يصد عن ذكر الله وعن
الصلاة. وإذا لعب به اصطاد حراما، وأضاع صلاته، ودعاه ذلك إلى الفتنة
والإشراف على الجيران.
وروى في الخبر أن:)من لعب بالحمام افتقر(؛ وكيف
لا يفتقر وقد قسا قلبه؟! وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى
رجلا يتبع حمامة فقال:) شيطان يتبع شيطانة(.
تسبيل الإزاروأما قوله:)
نهى عن تسبيل الإزار(.
فذاك
من أجل الكبر والخيلاء؛ فإن من يسبل إزاره ويجره تعززاً وقلة مبالاة
وتيها، وزهواً بنفسه، واحتقارا لعباد الله، وكبرا على خلق الله؛ فهذا عبد
قد ضاد الله في ملكوته ونازعه في ردائه.
وروى عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال:)كان رجل مما كان قبلكم في الأمم الخالية يتبختر في
مشيته في مجالسهم وطرقهم، فقال الله تعالى لملائكته: انظروا لعبدى كيف
ينازعنى ردائى؟! يا أرض ابتلعيه، فابتلعته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم
القيامة(.حدثنا أبى، عن صالح بن محمد، عن حفص بن سالم، عن ابن شهاب، عن
الحسن، عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وحدثنا
إبراهيم بن هارون،حدثنا زكريا بن حازم الشيبانى، عن قتادة، عن أنس، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: )يقول الله: تعالى أربعة لم أشرك
فيهن أحد: الفخر، والعظمة، والكبر، والقدر سرى؛ فمن ينازعنى في واحد منهن
كببته في جهنم(.
وعامة الأحاديث التى جاءت عن جر الإزار، إنما تدل على
أن النهى مع الشرط، قال:)من جر الإزار خيلاء(؛ فدل هذا على أن النهى عن جر
الإزار إذا كان خيلاء.
حدثنا قتيبة عن سعيد، حدثنا مالك بن أنس، عن
نافع وزيد بن أسلم وعبد الله بن زبير، كلهم يخبر عن ابن عمر: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال:)لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء(.
وحدثنا
قتيبة،عن
مالك،عن أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة،عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال:)لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطراً(.
فهذا الإسبال
والجر للثوب إنما كره للمختال الفخور.
وروى عن ابن عباس رضى الله عنه
أنه قال: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة.
وقد
كان في بدء الإسلام المختال يلبس الخز، ويجر الإزار ويسبله؛ فنهوا عن ذلك.
وقد
كان
فيهم من يلبس الخز ويسبل الإزار فلا يعاب عليه، منهم أبوبكر رضى الله
عنه؛ حيث قال:يا رسول الله، إنى رجل قليل اللحم فإذا أبرزت سقط إزارى على
قدمى وقد قلت ما قلت؟ قال:)لست منهم يا أبا بكر(. حدثنا بذلك أبى، حدثنا
أحمد بن يونس، عن زهير، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله
إليه يوم القيامة(؛ فقال أبوبكر رضى الله عنه: بأبى أنت يا رسول الله، إن
أحد شقى إزارى يسترخى إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:)لست ممن يصنعه خيلاء(.
حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبى، عن
إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن خيثمة، قال:أدركت ثلاثة عشر من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يلبسون الخز.
حدثنا سفيان،عن أبيه،حدثنا محمد
بن قيس،عن أبى عون،قال:كان بن الحسن والحسين رضى الله عنهما يلبسان الخز.
حدثنا
إبراهيم
بن يوسف، حدثنا يزيد بن زريع، عن عمرو بن أبى وهب، قال: سمعت بكر
به عبد الله المزنى في المسجد البصرة يقول: كان أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم الذين لا يلبسون لا يطعنون على الذين يلبسون.
حدثنا
سفيان،حدثنا أبى،حدثنا عتبة بن عبدالرحمن، عن على بن زيد بن جدعان،عن سعيد
بن المسيب.. في لبس الخز، قال: إذا صلح قلبك فالبس ما بدا لك.. فذكرت ذلك
للحسن رحمه الله: إن من صلاح القلب ترك الخز.
حدثنا سفيان،حدثنا أبى،عن
منصور، عن أبى وائل، قال: كان عبد الله يسبل إزاره، فقيل له؛ فقال: إنى
رجل حمش الساقين. قال سفيان: يعنى رقيق الساقين.
فقد وضح لنا أن سبب
النهى إنما هو الخيلاء، فإذا علم من قلبه أنه مختال فليجتنب وكان في بدء
الأمر رفع الإزار إلى أنصاف الساق تجنبا للخيلاء والمراءاة، وكذلك تشمير
القميص، فلم يزل الناس في تبديل من سوء ضمائرهم، حتى صار ذلك تصنعا
ومراءاة؛ فكان من شمر الإزار والقميص ممقوتا لسوء مراده.
وروى عن أيوب
السختيانى رحمه الله: أنه طول قميصه له الخياط في ذلك؛ فقال: السنة اليوم
في هذا الزى، أو كلاهما هذا معناه.. كأنه ذهب إلى أنه إنما نهى عن طوله
للخيلاء فشمروا. فاليوم صار التشمير مراءاة وتصنعا وتزيينا للخلق يختالون
في الدنيا بالدين!! وروى أن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله كان قميصه وجبته
تضرب شراك نعليه.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الاجتماع على الشراب
فهذا
إذا فعله فقد جمع بين امرأة ومحرمها، وقد حرم الله تعالى في تنزيله الجمع
بين المرأة وابنتها، والجمع بين الأختين؛ فإذا نكحها على عمتها فقد جمع
القطيعة؛ لأنه ليس واحد منهما بمحرم للأخرى.
نكاح ابنتي العم
ولم
يأخذ
بهذا القول علماؤنا من أهل الكوفة، ورأوا أن الكفر كله ملة واحدة..
يحقق قولهم هذه الآية (إِنَّ الَّذَينَ آَمَنوا وَالَّذَينَ هَادُوا
وَالصَابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوس وَالَّذَينَ أَشرَكوا إِنَّ الله
يَفصِلُ بَينَهُم يَومَ القِيامَة). ثم قال: (هذان خصمان اختصموا في ربهم،
فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار).وذكر الذين آمنوا، فصير الكفر
والإسلام ملة، حتى صيرهم خصمين في ربهم.
الرقية
وأما قوله:) ونهى عن الجمع على الشراب(.
فلعله
من أجل أن ذلك تشبه بأهل الفسق حين يجتمعون على الفسق يديرون الأقداح.
حدثنا
أبى،
حدثنا ثابت بن محمد الزاهد، حدثنا ابن شهاب، عن الأجلح، قال: قال على
بن أبى طالب رضى الله عنه: شراب المؤمنين أن يشربوا على أثر طعامهم ما طاب
لهم، وشراب المنافقين أن يضعوا الأقداح يديرونها بينهم يتشبهون بأهل الشرك.
نكاح
المرأة على عمتها أو على خالتهاوأما قوله:) نهى أن تنكح المرأة على عمتها
أو على خالتها(.
فلعله
من أجل أن ذلك تشبه بأهل الفسق حين يجتمعون على الفسق يديرون الأقداح.
حدثنا
أبى،
حدثنا ثابت بن محمد الزاهد، حدثنا ابن شهاب، عن الأجلح، قال: قال على
بن أبى طالب رضى الله عنه: شراب المؤمنين أن يشربوا على أثر طعامهم ما طاب
لهم، وشراب المنافقين أن يضعوا الأقداح يديرونها بينهم يتشبهون بأهل الشرك.
نكاح
المرأة على عمتها أو على خالتهاوأما قوله:) نهى أن تنكح المرأة على عمتها
أو على خالتها(.
فهذا
إذا فعله فقد جمع بين امرأة ومحرمها، وقد حرم الله تعالى في تنزيله الجمع
بين المرأة وابنتها، والجمع بين الأختين؛ فإذا نكحها على عمتها فقد جمع
القطيعة؛ لأنه ليس واحد منهما بمحرم للأخرى.
نكاح ابنتي العم
وأما
قوله:) نهى عن نكاح ابنتى العم(.
من
أجل القطيعة، فقد كشف عن وجه العلة؛ لأن الغيرة كائنة،فإذا جمع بين ابنتى
العم كأن كان له عمان ولكل واحد منهما ابنة فليس واحد منهما محرم
للأخرى.فهذا مطلق..ولكن إذا فعل جاءت الغيرة وجاءت قطيعة الرحم.
وهذا
ليس نهى تحريم،إنما هو نظر للدين، ونصيحة لله في دينه؛ لأن النكاح للفعلة،
فلا ينبغى أن يستعف من ناحية، ويخرب دينه من ناحية أخرى.
نكاح
الشغاروأما قوله:) نهى عن نكاح الشغار(.
وهو أن يقول: زوجنى ابنتك هذه
على أن أزوجك ابنتى هذه.
فهذا
لا يجوز لأن البضع لا يملك إلا المال، وقد جعل بضع كل واحدة منهما مهراً
للأخرى. وقد جعل الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة أن يملك بلا
مهر؛ فقال: (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى إن أراد النبى أن يستنكحها
خالصة لك من دون المؤمنين). فالمؤمنون لا يملكون الأبضاع إلا بالمال، وإذا
زوجه ابنته على أن يزوجه ابنته فقد صير بضعها مهرا للأخرى.
التزوج من
ولائد أهل الكتابوأما قوله:) ونهى أن يتزوج ولائد أهل الكتاب(.
فإن
الله تعالى شرط عند إطلاقه لعباده تزويج الإماء المؤمنات؛ فقال:( ومن لم
يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ماملكت أيمانكم من فتياتكم
المؤمنات).
توارث أهل ملتينوأما قوله:) نهى أن يتوارث أهل ملتين(.
فالأديان
- أديان الضلالة - كلها ملة واحدة؛ لأن الأديان كلها كفر واحد، فلا يتوارث
أهل ملتين.
وقد جاء عن أسامة بن زيد، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم.. أنه قال: )لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم(.
حدثنا
سعيد بن عبد الرحمن المخزومى وعبد الجبار بن العلاء، قالا:حدثنا سفيان،
قال:سمعناه من الزهرى يقول: سمعت على بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا من أجل أن الميراث إنما يرثه
باتصال الرحم، والكافر لا وصلة له؛ لأنه منقطع عن الله، ومن انقطع عن الله
لم يتصل رحمه بشيء؛ لأن الرحم بدت وشق لها اسما من اسمه. فهذا المسلم إنما
يستحق مال الميت باتصاله بميته، وإنما اتصل بميته لاتصاله برحمه، وإنما
اتصل برحمه لا تصاله بالرحمن الذى بدت منه. فإذا انقطع عن الله فمتى
يتصل؟! وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:)خلق الله تعالى
الرحم فقامت فأخذت بحقوى الرحمن، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة،
فقال:مه، أنا الرحمن، وأنت الرحم، خلقتك بيدى، وشققت لك اسما من اسمى،
وقربت مكانك منى؛ ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك؟(. حدثنا
ببعض ذلك قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم ابن إسماعيل المدنى، عن معاوية بن أبى
المزرد مولى بنى هاشم، حدثنى عمى أبو الحباب سعيد بن يسار، عن أبى هريرة،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدثنا ببعضه الفضل بن محمد، حدثنا
عمران بن بكار الحمصى، حدثنا على بن عياش، حدثنا محمد بن زياد، عن ميمون
بن مهران، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال الله
تعالى للرحم )خلقتك بيدى، وشققت لك اسما من اسمى، وقربت مكانك منى؛ وعزتى
وجلالى لأصلن من وصلك، ولأقطعن من قطعك؛ ثم لا أرضى حتى ترضين(.
قال
أبو عبد الله رحمه الله: فهذه نفوس متباية، فإنما تتصل بالأرحام المتصلة
لا بالأرحام المنقطعة: (وَمَن يُشرِك بِاللهِ فَكَأَنّما خَرَ مِن
السَماءِ فَتَخطَفُهُ الطَيرُ أَو تَهوى بِهِ الرِيحُ في مَكانٍ سَحِيق).
فكيف يقرنه بالميت المسلم حتى يستحق بقرباه شيء وقد قال الله تعالى:
(فَبُعداً لِقَومٍ لاََ يُؤمِنون). وقد قيل: إن أهل الملل قد تباينوا
بمللهم، فلا يرث اليهودى النصرانى، ولا النصرانى المجوسى. فصير أهل كل دين
ملة، واحتج بقوله:)لا يتوارث أهل ملتين(. فإذا تشتت مللهم لم يتوارثوا.
قوله:) نهى عن نكاح ابنتى العم(.
من
أجل القطيعة، فقد كشف عن وجه العلة؛ لأن الغيرة كائنة،فإذا جمع بين ابنتى
العم كأن كان له عمان ولكل واحد منهما ابنة فليس واحد منهما محرم
للأخرى.فهذا مطلق..ولكن إذا فعل جاءت الغيرة وجاءت قطيعة الرحم.
وهذا
ليس نهى تحريم،إنما هو نظر للدين، ونصيحة لله في دينه؛ لأن النكاح للفعلة،
فلا ينبغى أن يستعف من ناحية، ويخرب دينه من ناحية أخرى.
نكاح
الشغاروأما قوله:) نهى عن نكاح الشغار(.
وهو أن يقول: زوجنى ابنتك هذه
على أن أزوجك ابنتى هذه.
فهذا
لا يجوز لأن البضع لا يملك إلا المال، وقد جعل بضع كل واحدة منهما مهراً
للأخرى. وقد جعل الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم خاصة أن يملك بلا
مهر؛ فقال: (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى إن أراد النبى أن يستنكحها
خالصة لك من دون المؤمنين). فالمؤمنون لا يملكون الأبضاع إلا بالمال، وإذا
زوجه ابنته على أن يزوجه ابنته فقد صير بضعها مهرا للأخرى.
التزوج من
ولائد أهل الكتابوأما قوله:) ونهى أن يتزوج ولائد أهل الكتاب(.
فإن
الله تعالى شرط عند إطلاقه لعباده تزويج الإماء المؤمنات؛ فقال:( ومن لم
يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ماملكت أيمانكم من فتياتكم
المؤمنات).
توارث أهل ملتينوأما قوله:) نهى أن يتوارث أهل ملتين(.
فالأديان
- أديان الضلالة - كلها ملة واحدة؛ لأن الأديان كلها كفر واحد، فلا يتوارث
أهل ملتين.
وقد جاء عن أسامة بن زيد، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم.. أنه قال: )لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم(.
حدثنا
سعيد بن عبد الرحمن المخزومى وعبد الجبار بن العلاء، قالا:حدثنا سفيان،
قال:سمعناه من الزهرى يقول: سمعت على بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا من أجل أن الميراث إنما يرثه
باتصال الرحم، والكافر لا وصلة له؛ لأنه منقطع عن الله، ومن انقطع عن الله
لم يتصل رحمه بشيء؛ لأن الرحم بدت وشق لها اسما من اسمه. فهذا المسلم إنما
يستحق مال الميت باتصاله بميته، وإنما اتصل بميته لاتصاله برحمه، وإنما
اتصل برحمه لا تصاله بالرحمن الذى بدت منه. فإذا انقطع عن الله فمتى
يتصل؟! وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:)خلق الله تعالى
الرحم فقامت فأخذت بحقوى الرحمن، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة،
فقال:مه، أنا الرحمن، وأنت الرحم، خلقتك بيدى، وشققت لك اسما من اسمى،
وقربت مكانك منى؛ ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك؟(. حدثنا
ببعض ذلك قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم ابن إسماعيل المدنى، عن معاوية بن أبى
المزرد مولى بنى هاشم، حدثنى عمى أبو الحباب سعيد بن يسار، عن أبى هريرة،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدثنا ببعضه الفضل بن محمد، حدثنا
عمران بن بكار الحمصى، حدثنا على بن عياش، حدثنا محمد بن زياد، عن ميمون
بن مهران، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال الله
تعالى للرحم )خلقتك بيدى، وشققت لك اسما من اسمى، وقربت مكانك منى؛ وعزتى
وجلالى لأصلن من وصلك، ولأقطعن من قطعك؛ ثم لا أرضى حتى ترضين(.
قال
أبو عبد الله رحمه الله: فهذه نفوس متباية، فإنما تتصل بالأرحام المتصلة
لا بالأرحام المنقطعة: (وَمَن يُشرِك بِاللهِ فَكَأَنّما خَرَ مِن
السَماءِ فَتَخطَفُهُ الطَيرُ أَو تَهوى بِهِ الرِيحُ في مَكانٍ سَحِيق).
فكيف يقرنه بالميت المسلم حتى يستحق بقرباه شيء وقد قال الله تعالى:
(فَبُعداً لِقَومٍ لاََ يُؤمِنون). وقد قيل: إن أهل الملل قد تباينوا
بمللهم، فلا يرث اليهودى النصرانى، ولا النصرانى المجوسى. فصير أهل كل دين
ملة، واحتج بقوله:)لا يتوارث أهل ملتين(. فإذا تشتت مللهم لم يتوارثوا.
ولم
يأخذ
بهذا القول علماؤنا من أهل الكوفة، ورأوا أن الكفر كله ملة واحدة..
يحقق قولهم هذه الآية (إِنَّ الَّذَينَ آَمَنوا وَالَّذَينَ هَادُوا
وَالصَابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوس وَالَّذَينَ أَشرَكوا إِنَّ الله
يَفصِلُ بَينَهُم يَومَ القِيامَة). ثم قال: (هذان خصمان اختصموا في ربهم،
فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار).وذكر الذين آمنوا، فصير الكفر
والإسلام ملة، حتى صيرهم خصمين في ربهم.
الرقية
وأما قوله:)
ونهى عن الرقية(.
فهذا عندنا الحيات والجنون. وتلك أخذوها من الهند؛
فخاف أن يمازحه الشرك.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(أقرب الرقى إلى الشك رقية الحية والمجانين).
فأما الرقى التى يرقيها
الراقى بالقرآن والعزائم يستشفى، فلا بأس به؛ لأن هذا تبرك وتفاؤل.
وقد
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن عمرو بن جرير، حدثنا قتيبة
ابن سعيد،حدثنا ابن لهية، عن أبى الزبير، عن جابر: أن عمرو بن جرير رضى
الله عنه دعى لامرأة بالمدينة لدغتها حية ليرقيها، فأبى، فأخبر به رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه، فقال عمرو:إنك لتزجر عن الرقى؛
فقال:)اقرأها(،فقرأها عليه،فقال:)لا بأس به، إنما هى مواثيق فارق بها(.
وحدثنا
ابن
أخى يحيى بن عيسى الرملى، أخبرنى عمى، عن الأعمش، عن أبى سفيان، عن
جابر، قال: كان لى خال يرقى من العقرب، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الرقية، فأتاه خالى، فقال: يا رسول الله، إنك نهيت عن الرقى، ونحن نرقى
من العقرب! فقال عليه السلام:)اعرضوها على(، فقال:)إنما هذه مواثيق لا بأس
بها، من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل(.
وحدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفى،
حدثنا أبوبكر بن عياش، عن مغيرة،عن إبراهيم، عن الأسود، قال: قلت لعائشة
رضى الله عنها: إنا نزلنا وادياً، فقتل صاحب لنا حية، فصرع لحينه، فرقيته
بكلمات بالحميرية فقالت: أى شيء هي؟ قلت:)شجه. قرنيه. ملحة. بحرا.فقطا(
قال: فقالت:ما بها بأس.
وروى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه قال:
مررت بحى، فإذا سيد القوم بينهم، فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ، فأعطونى مائة
شاة؛ فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (من أين علمت أنها
رقية؟)، قلت:ألقى في نفسى؛ فقال: (لقد كان يؤخذ برقية باطل، لقد رقيت
برقية حق؛ خذها واضربوا لى معكم بسهم).
قال: فقد كشف سبب النهى، وأطلق
الذى لا يشوبه شيء من مهجور الكلام.
قال:
وحدثنا عقبة بن قبيصة، حدثنا أبى، عن منصور، عن المنهال، حدثنا سعيد بن
جبير، عن ابن عباس، قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن
والحسين يقول:)أعيذكما بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة، ومن كل عين
لامة(، ثم يقول:)هكذا كان أبى يعوذ إسماعيل وإسحاق(.
تعليق التمائموأما
قوله:) ونهى عن تعليق التمائم(.
وهو
أن يعلق خرزة كى لا تصيبه الآفة، وخرزة كى يذهب الجنى. وأن العبد إذا اتكل
على شيء وكله الله إليه وخذله وأعطاه مناه حيث قصد له استدراجا.
فقد
كره العلماء كل شيء يعقد، مثل الوتر والأعواد التى تقطع فيمسكه الإنسان
للفروج، والحديد الفولاذ الذى يجعله في العضد كيلا تصيبه آفة الجن. فهذا
وأشباهه غواية الشيطان؛ ومن أجل هذا كره العلماء كثيرا من التعويذات
والعزائم. وإنما كرهوا من جهتين: إحداهما: هذه، والثانى: أن فيه اسم الله
تعالى ويخالط به الخلاء.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
)من تعلق شيئا وكل إليه(.
وروى عن ابن مسعود رضى الله عنه: أنه رأى في
عنق ولده شيئا من ذلك، فقال: أن آل محمد ابن أم عبد لأغنياء عن الشرك.
وذكر
عن
بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه رأى على رجل حديدة،
فقال:)ما هذه؟(، قال:من الواهنة. قال:)فأنها لا تزيدك إلا وهناً(. وقد ذكر
الله في تنزيله فقال: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن)..
قال الله تعالى: (فزادهم رهقا)..
وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نزلوا
وادياً قال أحدهم: أعوذ بسيد هذا الوادى أن يضرنى أحد من الجن في هذا
الوادى!فلم يزدادوا بها إلا رهقا.فهذا كله من التمائم، كأنه اشتق هذا
الاسم من أن هذه الأشياء تكلفها العباد لتتم به الأمر من دوام العافية
ودفع البلاء، ولا تتم إلا بها، فسموها تميمة؛ ألا ترى أن عائشة رضى الله
عنها قالت: ليس من التمائم ما علق بعد نزول البلاء. حدثنا قتيبة بن سعيد،
حدثنا ابن لهية، عن بكير بن عبد الله ابن الأج، عن القاسم بن محمد،عن
عائشة رضى الله عنها قالت: ليس من التمائم ما علق بعد نزول البلاء. كأنها
ذهبت إلى أن هذا بعد نزول البلاء استشفاء وتبرك وتفاؤل. فإذا عقد الحمى
بالوتر، فإنما يعقد بما يقرأ من القرآن؛ وإنما يستشفى بأسماء الله
وبالقرآن، والعقد منه تفاؤل، والفأل من حسن الظن بالله عزوجل.
حدثنا
أبو عمار الحسن بن حريث الخزاعى،حدثنا أوس بن عبد الله بن بريدة، عن أبيه،
عن جده، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطير.
وإن
العبد إذا أحسن الظن بالله في الأمور، وأمله، ورجاءه، وفي له الكريم بذلك.
فعقد الحمى، وما أشبه ذلك، هو من طريق التفاؤل، فإذا فعله على هذا السبيل
وفى له بحسن ظنه.
ونهى عن الرقية(.
فهذا عندنا الحيات والجنون. وتلك أخذوها من الهند؛
فخاف أن يمازحه الشرك.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(أقرب الرقى إلى الشك رقية الحية والمجانين).
فأما الرقى التى يرقيها
الراقى بالقرآن والعزائم يستشفى، فلا بأس به؛ لأن هذا تبرك وتفاؤل.
وقد
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن عمرو بن جرير، حدثنا قتيبة
ابن سعيد،حدثنا ابن لهية، عن أبى الزبير، عن جابر: أن عمرو بن جرير رضى
الله عنه دعى لامرأة بالمدينة لدغتها حية ليرقيها، فأبى، فأخبر به رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه، فقال عمرو:إنك لتزجر عن الرقى؛
فقال:)اقرأها(،فقرأها عليه،فقال:)لا بأس به، إنما هى مواثيق فارق بها(.
وحدثنا
ابن
أخى يحيى بن عيسى الرملى، أخبرنى عمى، عن الأعمش، عن أبى سفيان، عن
جابر، قال: كان لى خال يرقى من العقرب، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الرقية، فأتاه خالى، فقال: يا رسول الله، إنك نهيت عن الرقى، ونحن نرقى
من العقرب! فقال عليه السلام:)اعرضوها على(، فقال:)إنما هذه مواثيق لا بأس
بها، من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل(.
وحدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفى،
حدثنا أبوبكر بن عياش، عن مغيرة،عن إبراهيم، عن الأسود، قال: قلت لعائشة
رضى الله عنها: إنا نزلنا وادياً، فقتل صاحب لنا حية، فصرع لحينه، فرقيته
بكلمات بالحميرية فقالت: أى شيء هي؟ قلت:)شجه. قرنيه. ملحة. بحرا.فقطا(
قال: فقالت:ما بها بأس.
وروى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه قال:
مررت بحى، فإذا سيد القوم بينهم، فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ، فأعطونى مائة
شاة؛ فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (من أين علمت أنها
رقية؟)، قلت:ألقى في نفسى؛ فقال: (لقد كان يؤخذ برقية باطل، لقد رقيت
برقية حق؛ خذها واضربوا لى معكم بسهم).
قال: فقد كشف سبب النهى، وأطلق
الذى لا يشوبه شيء من مهجور الكلام.
قال:
وحدثنا عقبة بن قبيصة، حدثنا أبى، عن منصور، عن المنهال، حدثنا سعيد بن
جبير، عن ابن عباس، قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن
والحسين يقول:)أعيذكما بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة، ومن كل عين
لامة(، ثم يقول:)هكذا كان أبى يعوذ إسماعيل وإسحاق(.
تعليق التمائموأما
قوله:) ونهى عن تعليق التمائم(.
وهو
أن يعلق خرزة كى لا تصيبه الآفة، وخرزة كى يذهب الجنى. وأن العبد إذا اتكل
على شيء وكله الله إليه وخذله وأعطاه مناه حيث قصد له استدراجا.
فقد
كره العلماء كل شيء يعقد، مثل الوتر والأعواد التى تقطع فيمسكه الإنسان
للفروج، والحديد الفولاذ الذى يجعله في العضد كيلا تصيبه آفة الجن. فهذا
وأشباهه غواية الشيطان؛ ومن أجل هذا كره العلماء كثيرا من التعويذات
والعزائم. وإنما كرهوا من جهتين: إحداهما: هذه، والثانى: أن فيه اسم الله
تعالى ويخالط به الخلاء.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
)من تعلق شيئا وكل إليه(.
وروى عن ابن مسعود رضى الله عنه: أنه رأى في
عنق ولده شيئا من ذلك، فقال: أن آل محمد ابن أم عبد لأغنياء عن الشرك.
وذكر
عن
بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه رأى على رجل حديدة،
فقال:)ما هذه؟(، قال:من الواهنة. قال:)فأنها لا تزيدك إلا وهناً(. وقد ذكر
الله في تنزيله فقال: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن)..
قال الله تعالى: (فزادهم رهقا)..
وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا نزلوا
وادياً قال أحدهم: أعوذ بسيد هذا الوادى أن يضرنى أحد من الجن في هذا
الوادى!فلم يزدادوا بها إلا رهقا.فهذا كله من التمائم، كأنه اشتق هذا
الاسم من أن هذه الأشياء تكلفها العباد لتتم به الأمر من دوام العافية
ودفع البلاء، ولا تتم إلا بها، فسموها تميمة؛ ألا ترى أن عائشة رضى الله
عنها قالت: ليس من التمائم ما علق بعد نزول البلاء. حدثنا قتيبة بن سعيد،
حدثنا ابن لهية، عن بكير بن عبد الله ابن الأج، عن القاسم بن محمد،عن
عائشة رضى الله عنها قالت: ليس من التمائم ما علق بعد نزول البلاء. كأنها
ذهبت إلى أن هذا بعد نزول البلاء استشفاء وتبرك وتفاؤل. فإذا عقد الحمى
بالوتر، فإنما يعقد بما يقرأ من القرآن؛ وإنما يستشفى بأسماء الله
وبالقرآن، والعقد منه تفاؤل، والفأل من حسن الظن بالله عزوجل.
حدثنا
أبو عمار الحسن بن حريث الخزاعى،حدثنا أوس بن عبد الله بن بريدة، عن أبيه،
عن جده، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطير.
وإن
العبد إذا أحسن الظن بالله في الأمور، وأمله، ورجاءه، وفي له الكريم بذلك.
فعقد الحمى، وما أشبه ذلك، هو من طريق التفاؤل، فإذا فعله على هذا السبيل
وفى له بحسن ظنه.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
إتيان العراف وتصديقه
وكذلك
مراكز الموحدين إنما هى مراكز أعمالهم بين يدى الله تعالى. ثم لقلوبهم
مقاوم. وقد تتفاوت المراكز بألف ألف درجة، وأكثر من ذلك مما لا يحصيه
العدو تفاوتا. وإنما قيل للملائكة مقاوم، وللموحدين مراكز؛ لأن الموحدين
هم أهل حرب يجاهدون الشيطان في ذات الله ويجاهدون نفوسهم، فلهم في جهادهم
ألوية وروايات قد ركزوها بين يدى الله في محل عظيم في الملكوت، إليها ترفع
أعمال العباد، ثم يبعث بها إلى الخزائن، ومنها ما لا يبعث، ولكن يختالها
وجه رب العالمين فيضعه عنده لنظرته إليها إلى يوم البعث لحبه إياهم.
ومقاوم أعمالهم معلومة من وراء ذلك، كل على درجته.
فهذا النائح إنما
ينوح على فوت ما لا يقدر على رده، فإذا استعمل أهل المصائب ذلك الفعل فهو
محال وسمج، كأنهم يريدون رد الموت وحياة هذا الذى دعاه الله لوقته فأجابه.
وأما
البكاء
فزينة وحلية، فإذا كان البكاء لله تعالى، تهبطها رحمة ورأفة، قد
عملت فيه، به الخوف بحرارة الرأفة وسالت إلى الرأس، فأسبل دمعة من غير
تكلف يرحم بها من نزل به الموت الفظيع شأنه، وخاب مقدمه على الله؛ فهو
ينظر بعين بصيرة إلى عظيم شأن الموت الذى حل به، وإلى هول المقدم، وإلى
فراق المحبوب؛ فتعمل فيه الرآفة فتدمع لذلك عينه، ويحزن به قلبه، فهذا
محمود وبذلك يزين أهل المصائب أن يعظموا ما عظم الله، وأن يحزنوا لما
أحزنهم، وأن يتوجعوا لفراقه.
وقد رويت الأخبار في شأن أحوال السلف
الماضين في شأن المصيبة، فاختلفت أحوالهم على تباين الطبيعة والنفوس
العزيزة، فمنهم من بكا ورق، ومنهم من تجلد فلبس وتهيأ وتزين وتبسم، ومنهم
من استكان، ومنهم من أظهر السرور واتخذ الطعام وجمع الإخوان.
فأعلاهم
في هذا الباب من أقر الأمور مقرها، ووضعها بالمحل الذى وضعها الله؛ فهذا
فعل الأنبياء والأولياء، ولفضل النفس والمعرفة قروا على ذلك.
والآخرون
خافوا من لخيانة النفوس ففزعوا إلى التسليم وتدافع الإخوان في إظهار الرضا
بحكم الله، والتشاغل عن المصيبة كى يستكملوا ثواب الصابرين. فهؤلاء ضعفاء
من الضعف عملوا وردوا الدمعة، وتناسوا، وخالطوا الناس، وتشاغلوا، ولهوا عن
المصيبة؛ خوفا من التقصير في شأن الصبر.. حتى وجد الشيطان سبيلا في هذا
أيضا، فدعاهم في زماننا هذا إلى خدعة عظيمة ليجتمعوا على السرور، واتخاذ
طعام كطعام الولائم، وانبساط وتفارح؛ يريدون بذلك إقامة الصبر في الظاهر،
فإذا ظاهرهم خلاف فعل الرسل والأنبياء.
وسمج هذا في رأى العين أن يكون
لملك الموت ولرسل رب العالمين أثر في بيت، وسلطان يزعزع الأرواح من
النفوس، وتصير النفوس جيفة ملقاة تنتقل إلى بيت البلى؛ ثم يكون هنالك شبه
العزف، والقصف، واللغط، والضوضاء، والفرح، وقلة المبالاة، يزعمون أن هذا
يوم شكر؛ إذ أنه خرج من الدنيا، فتخلص من آفاتها، وختم له بالإسلام.
فهذا
كله
تحسن بالقول، وتفارح بالجهد، والنفس ممتلئة من الوجد. وإقامة الصبر في
ظاهر الأمر يسير في جنب باطنه؛ فهو يظهر السرور وفي النفس من وجع الفراق
جزع وتلهف. فهذا خراب الباطن. وإنما الصبر الوافر أن تكون بقلبك راضيا عن
الله، ونفسك طيبة مع الله فيما حكم، قد حبب إليك حبه حكمه، وطابت نفسك
بالمصيبة.
فهذا الصبر الوافر؛ لأن لحبه حلاوة ولفراق هذا النفس التى حل
بها الموت مرارة. فالمرارة في النفس، والحلاوة في القلب. فكلما ثارت حرقة
من موضع الرأفة عملت في شأن الدمعة حتى يجرى الماء. فكلما ثارت مرارة من
النفس من أجل الفراق تلقته حلاوة محبة الله في الصبر فأبطلته؛ لأنهما
اجتمعا في الصدر، فتلاشت المرارة، وثبتت الحلاوة؛ لغلبه المحبة وسلطانهما.
فإذا لم يكن هذا فما يغنى هذا السرور الظاهر.
واتخاذ العرس أخاف أن يصير
هذا تصنعا ورياء؛ لأنه يكفيه حفظ الجوارح أن يعصى الله بجارحة من أجل تلك
المصيبة؛ فهذا صبر الظاهر.
وإن فر من التقصير والاستكانة، فتبسم، ولبس
من صالح ثيابه، كما فعل مطرف في وفاة أبيه؛ فهذا أيضا حسن، وهو دون الأول.
فأما
رجل
حلت به مصيبة فاجعة محرقة، شأنها عظيم في الملكوت، فيذهب فيتخذ عرساً،
ويجتمع في بيته لغط وضوضاء، فهذا سمج، وقد جاوز القصد، وتكلف جهلا. فأن
أراد به الله فهو جهل عندنا، وإن أراد به التصنع فممقوت.
وفعل
الأقوياء أن يضع كل شيء موضعه: السرور في موضعه، الحزن في موضعه. ويتقرب
إلى الله بذلك الحزن، كما يتقرب بالسرور؛ لأن ذلك كله لله وبالله. ولو أن
رجلا شكر في موضع الصبر لكان لشكره موضع هناك، ولو قال عند الذنب: (الحمد
لله) لكان لقوله هناك موضع. ولكن الحمد في موضع النعمة، والاستغفار في
موضع الذنب، والشكر في موضع النعمة، والصبر في موضع الشدة، فإذا حولته
وجدت لكل منه متسعا في الأخر؛ ولكن هذا نفص في التدبير، ونكس للأمور. وروى
أن عمر بن الخطاب مر بعثمان رضى الله عنهما وهو قاعد، فبدأه عثمان
بالسلام، فقال عمر رضى الله عنه: يا أبا محمد، ولم تنكس السنة؟! ففي هذا
القدر عتب عليه عمر رضى الله عنه؛ السلام من المار على الجالس؛ لأنه هو
الوالج عليه. والسلام أمان من العباد، فإنما ينبغى الأمان من الوارد. فإذا
أزلته عن موضعه انتقض. فوجدنا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو سيد ولد
آدم عليه السلام، عند المصائب، إظهار تعظيم أمر وإجلاله، ويبكى ويحزن.
ولما توفى الله ابنه إبراهيم بكى، ثم قال:) إنما هذه رحمة، ومن لا يرحم لا
يرحم، القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب يا إبراهيم. لولا
أنه سبيل مأتى، ووعد حق، لحزنا عليك أشد من هذا. ولو عاش إبراهيم بعدى
لكان صديقا نبياً(. ثم قال لأصحابه: )إنما نهيتكم عن صوتين أحمقين فاجرين:
صوت رنة عند مصيبة، وصوت مزمار عند نعمة(. فهذه الرنة صرخة من موضع السخط
خرجت، وهذا المزمار ملاهى الشيطان، صوته جاء بها فمازج هذا المزمار، وجاء
بها فصوت في الأوثان، حتى سبى قلوب عبدة الأوثان. ولهذا غور بعيد، وقد
وصفناه في كتاب " الأولياء " .
وقالت عائشة رضى الله عنها في شأن وفاة
سعد بن معاذ: كان رسول صلى الله عليه وسلم إذا اشتد به الحزن أخذ بلحيته.
ووجدنا
ذكر
يعقوب صلى الله عليه وسلم في التنزيل أنه حزن على يوسف عليه السلام،
فلم يذمه الله تعالى على ذلك مع ما أدى الحزن من نفسه؛ وذلك أنه قال عندما
استحكمت أمور البلاء عليه، وحبس الولد الآخر بسبب ما ادعى عليه من السرقة:
(وَتَولَى عَنهُم وَقالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف).
ويا كلمة دعاء
ونداء الأسف للهبان الحريق؛ وذلك أن الحزن أصله من الرأفة، والرأفة لها
حريق، ومعدنها في الطحال.. كذلك روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه،
حدثنا بذلك العباس بن عبد العظيم العنبرى، حدثنا موسى بن مسعود، عن محمد
بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن الزهرى، عن عياض بن خليفة، عن على رضى الله
عنه، قال:)الرحمة في الكبد، والرأفة في الطحال(.
حدثنا أبى، حدثنا
إسماعيل بن صبيح اليشكرى، حدثنا صلاح بن وقاد الأنصارى، عن سعد بن طريف،
عن عكرمة، عن ابن عباس: أن داود عليه السلام قال لابنه: يا بنى، أين موضع
الرأفة منك؟ وأين موضع الرحمة؟ قال:موضع الرأفة الطحال، وأما موضع الرحمة
فالكبد.
فهذه الرأفة إذا هاجت فلها لهبان، وإذا طار اللهب إلى الصدر
اخترق ظاهر القلب ووجهه، فصار كاللسان المخترق بالشيء الحار، فصارت على
القلوب كحزونة الأرض، واشتقاق الحزن من ذلك؛ فكان يعقوب عليه السلام حين
قال: (يا أسفى) دعا الأصل الذى من معدن الرأفة، فقال: (يا أسفى).. إنما هو
ذلك اللهبان الذى كان يلتهب من الرأفة لفراق يوسف عليه السلام لطول
الغيبة، ولم يكن قد وجد خبر موته فيحتسبه عند الله، فيطمئن إلى وصوله إلى
الله.
وأنبياء الله أكثر الخلق رأفة، وأوفرهم حظا منها، وأرحم البرية؛
فكانت الرأفة تلتهب فيه، فلما بلغ التلهب و التلظى مبالغة دعاة كالمستروح
إليه وقال: (يَا أَسفَى عَلَى يُوسُف). والأسف مما يدل على الشدة من الحزن
والغضب جميعا؛ لأن الغضب له حريق.. ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَلَمّا
آَسَفُونَا اِنتَقَمنا مِنهُم)، يخبر أنه: لما اشتد غضبى عليهم تلهب فطار
اللهب فحلت النقمة بفرعون وقومه.
فإنما نادى يوسف عليه السلام ذلك
الأسف عند اشتداد حريق الرأفة .. ألا ترى أنه لما نادى الأسف نداء الندبة
بهذه الياء - حكى الله عند ندائه: (وَابيَضَت عَيناهُ مِنَ الحُزنِ فَهُو
كَظيم). وذلك أنه لما هاج اللهب منه لم يقل منه: (يا يوسفاه)؛ لأنه وجد
يوسف عليه السلام مرتهنا بحكم الله بشيء قد سلف من يعقوب عليه السلام
مستورا عن الخلق، ثم صار ظاهرا.. حدثنا عبد الله بن أبى زياد، حدثنا عبد
الله بن أبى سميط ابن عجلان، قال: سمعت أبى يقول: بلغنا أن يعقوب عليه
السلام قال له ربه: أتشكونى؟! فوعزتى لا أكشف ما بك حتى تدعونى. فقال عند
ذلك: (إِنّما أَشكُو بَثَى وَحُزنِى إِلَى الله)، فقال له جبريل عليه
السلام: الله أعلم بما تشكو يا يعقوب. وإنما قال ذلك من قبل لما قيل له:
ما الذى أذهب بصرك؟ قال: حزنى على يوسف، فقيل: فما الذى قوس ظهرك؟ قال:
حزنى على أخيه. فأوحى الله تعالى إليه: أتشكونى؟! فوعزتى لا أكشف ما بك
حتى تدعونى. فقال عند ذلك: (إِنّما أَشكو بَثَى وَحُزنِى إِلى الله)؛
فأوحى الله إليه: وعزتى لو كانا ميتين لأحييتهما لك حتى تنظر إليهما،
وإنما وجدت عليكم أنكم ذبحتم شاة، فقام عليكم مسكين، فلم تطعموه منها
شيئاً، فأن أحب خلقى الأنبياء، ثم المساكين، فاصنع طعاما وادع عملة
المساكين. فصنع طعاما، ثم قال: من كان صائما فليفطر الليلة عند آل يعقوب.
وقوله:) عملة المساكين( أى صوامهم وعبادهم. وكانت مساكين بنى إسرائيل بهذه
الصفة لمسكنة العباد، وسائرهم فقراء.
فهذا فعل كان قد بدر من يعقوب عليه
السلام، وهو لا يستغربه؛ فجعله الله لبلائه، وجعل البلاء سببا لاستخراج
صبره، وامتحان قلبه.
وإن
ربنا كريم إذا أراد أن يبتلى عبده لاستخراج ما في ضميره وإبرازه لأهل
سمائه وأرضه استحيا أن يبتليه من غير علة أو سبب؛ فيكون ذلك كالارتجاع في
العطية.. ألا ترى إلى قوله: (وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ الله)، ثم
قال: (ذَلِكَ بِأَنّ الله لَم يَكُ مُغِيراً نِعمَةً أَنعَمَها عَلَى
قَومٍ حَتى يُغيرُوا ما بِأَنفُسِهِم). وإذا أراد الله أن يبتلى عبدا
ليبرز صبره الجميل الذى تولى وصفه بنفسه منه من الله تعالى أعطاه من
العافية والرجاء والنعمة، فجعل على مقدمة البلاء سببا كالعلة، مثل ما فعل
يعقوب عليه السلام، وكذلك روى في قصة أيوب عليه السلام؛ ليظهر صبره وشرفه
على الخلق، وتكون الخلق به مقتدين، قال: وبلغنا أنه كان على مقدمة البلاء
أنه كان عند فرعون يوم دخل عليه موسى عليه السلام، وكان أيوب عليه السلام
عن نصرته، وكانت منه كلمة أو كلمتان كالمدارى، فكان هذا موجده في الستر
على أيوب، فجعله سببا لبلائه؛ فابتلاه وجعل البلاء سببا لإبراز صبره،
والثناء عليه، والاحتجاج بفعله على الخلق.
وكذلك في شأن إبراهيم عليه
السلام؛ حيث كسر الأصنام، ثم قيل له: أأنت فعلت هذا بآلهنتا يا إبراهيم؟
قال: بل فعله كبيرهم هذا. فابتلى بالحريق، ثم جعلها عليه بردا وسلاما،
وأبرز صبره وبذل نفسه لله في العالمين. وقال في شأن خروجه إلى الصيد: إنى
سقيم. فابتلى بذبح ابنه، ثم خلصه وفداه بذبح عظيم، وقال في شأن سارة حيث
مر بها على الملك فقال: هى أختى. فابتلى بفراق إسماعيل وهاجر.
وكذلك في
شأن موسى عليه السلام، ومثل هذا كثير. فوجد يعقوب يوسف عليهما السلام مر
تهنا بما سلف متعلقا بحكم الله بحق الله، فلم يستجر أن يناديه نداء
النادبين، وهاج منه الشوق إليه والحنين من النفس لحبه إياه، ومعاذ الله أن
يتوهم على يعقوب عليه السلام أن حبه كان مذموما شهوانيا، وإنما أحبه من
بين ولده لحب الله فيه.. أفليس قد ظهرت الحبية فبرز على جميع إخوته:
علماً، وحلماً،وكرماً،وصحفاً، وبراً، وتقوى، وعبودية، وبذلاً، وسخاء،
وجمالا في معالى الأخلاق.
وكذلك وجدنا فاطمة رضى الله عنها، فحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم لها لحبية الله فيها من بين ولده.
وكذلك
نجد أولاد الأنبياء لهم تفاوت ولهم أثرة، فإذا تلك الأثرة ليست من الآباء
من قبل نفوسهم الميالة بالهوى والشهوة، وإنما ذلك بقلوب طاهرة، وأفئدة
زكية، وصدور عالمة بتلك الأشياء؛ فتميل قلوبهم إلى بعض أولادهم دون بعض من
أجل حظ لهذا الولد عند الله ما ليس لغيره..
وأما قوله:) ونهى أن يؤتى العراف يسأله
ويصدقه؛ وقال:من صدقه فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه
وسلم(..
فذلك
لأن العراف يعرفه من علم الغيب - ما لم يعرف - رجما، وإنما قاله من تلقاء
نفسه، والعراف والكاهن يتلقون الأخبار عن الشياطين؛ وذلك أن الشياطين
تسترق السمع من السماء مما تتحدث به الملائكة من قضاء يقضيه ربنا تبارك
وتعالى،فإذا استرق الشيطان من ذلك شيئا ألقاه إلى الكاهن فيتخذ ذلك أصلا
وبينى عليه الأكاذيب؛ فيروج عنه ذلك بذلك الواحد الذى يصدق فيه ويظهر صدقه.
والعرافة،
والكهانة،
والعيافة؛ كلها قريب بعضها من بعض. والعيافة: زجر الطير،وهو
الذى يخبر عن أصواتهم بالأمور، وإنما من الله تعالى بذلك على رجل من ولد
آدم فيما نعلمه وهو سليمان صلوات الله عليه فقال: )يَا أَيُها النَّاسُ
عُلِمنا مَنطِقَ الطَير(. وأما هؤلاء الذين يدعون هذا فادعاؤهم باطل.
الرنةوأما
قوله:) ونهى عن الرنة(.
فإن
أول من رن إبليس. ويقال: إنه رن ثلاث رنات: عند خروجه من ملكوت السماء
وحلول اللعنة به، ورنة عند بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ورنة ثالثة حين
نزلت فاتحة الكتاب.
والرنين صرخة أصلها من السخطة؛ فلذلك عظم شأنها،
فمن فعلها عند المصائب كأنه إذا فعلها أبدى ما يدل على أنه سخط على الله،
والسخط على الله من النفاق.
النياحةوأما قوله:) ونهى عن النياحة(.
فإن
النوح
من فعل النادمين على الذنوب، وهو (ستيون) بالأعجمية.وأما أهل
المصائب فهذا منهم محال؛ لأنه من السخطة. وأهل الذنوب ينوحون ندما على ما
فرط منهم من الجفاء وأسفا على ما فاتهم من المركز الذى أحلوا به؛ فإن لكل
مؤمن مركزا بين يدى الله، وهو حزب الله؛ فإذا أذنب، فقد زال عن المركز،
وخرج من الستر، فتفرد عن المأمن. فهو ينوح على ذلك. فهذا نوح التوبة فإن
النوح ظاهر فعله، والحنين باطن فعله، حن إلى المركز فناح عليه؛ لأنه وإن
تاب؛ فإنه لا يقدر على رد تلك الساعات التى مضت في وقت المعصية، وقد زال
عن المركز؛ ألا ترى إلى قوله عزوجل: (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما
كانا فيه).
فمراكز الموحدين بين يدى الله نصب عينه، وعين الله عليهم؛
فإذا زال عن المقام، وتداركه الله تعالى بأن تاب عليه، ناح على تلك
الساعات التى مضت ومركزه خال عن العبودية غائب عن حزب الله.
وكذلك شأن
الملائكة.. ألا ترى إلى قول الله تعالى: (وَما مِنَّا إِلا لَهُ مَقامٌ
مَعلُوم). فهذا المقام ليس مقاما لأجسامهم، إنما هى مقام أعمالهم.
ويصدقه؛ وقال:من صدقه فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه
وسلم(..
فذلك
لأن العراف يعرفه من علم الغيب - ما لم يعرف - رجما، وإنما قاله من تلقاء
نفسه، والعراف والكاهن يتلقون الأخبار عن الشياطين؛ وذلك أن الشياطين
تسترق السمع من السماء مما تتحدث به الملائكة من قضاء يقضيه ربنا تبارك
وتعالى،فإذا استرق الشيطان من ذلك شيئا ألقاه إلى الكاهن فيتخذ ذلك أصلا
وبينى عليه الأكاذيب؛ فيروج عنه ذلك بذلك الواحد الذى يصدق فيه ويظهر صدقه.
والعرافة،
والكهانة،
والعيافة؛ كلها قريب بعضها من بعض. والعيافة: زجر الطير،وهو
الذى يخبر عن أصواتهم بالأمور، وإنما من الله تعالى بذلك على رجل من ولد
آدم فيما نعلمه وهو سليمان صلوات الله عليه فقال: )يَا أَيُها النَّاسُ
عُلِمنا مَنطِقَ الطَير(. وأما هؤلاء الذين يدعون هذا فادعاؤهم باطل.
الرنةوأما
قوله:) ونهى عن الرنة(.
فإن
أول من رن إبليس. ويقال: إنه رن ثلاث رنات: عند خروجه من ملكوت السماء
وحلول اللعنة به، ورنة عند بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ورنة ثالثة حين
نزلت فاتحة الكتاب.
والرنين صرخة أصلها من السخطة؛ فلذلك عظم شأنها،
فمن فعلها عند المصائب كأنه إذا فعلها أبدى ما يدل على أنه سخط على الله،
والسخط على الله من النفاق.
النياحةوأما قوله:) ونهى عن النياحة(.
فإن
النوح
من فعل النادمين على الذنوب، وهو (ستيون) بالأعجمية.وأما أهل
المصائب فهذا منهم محال؛ لأنه من السخطة. وأهل الذنوب ينوحون ندما على ما
فرط منهم من الجفاء وأسفا على ما فاتهم من المركز الذى أحلوا به؛ فإن لكل
مؤمن مركزا بين يدى الله، وهو حزب الله؛ فإذا أذنب، فقد زال عن المركز،
وخرج من الستر، فتفرد عن المأمن. فهو ينوح على ذلك. فهذا نوح التوبة فإن
النوح ظاهر فعله، والحنين باطن فعله، حن إلى المركز فناح عليه؛ لأنه وإن
تاب؛ فإنه لا يقدر على رد تلك الساعات التى مضت في وقت المعصية، وقد زال
عن المركز؛ ألا ترى إلى قوله عزوجل: (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما
كانا فيه).
فمراكز الموحدين بين يدى الله نصب عينه، وعين الله عليهم؛
فإذا زال عن المقام، وتداركه الله تعالى بأن تاب عليه، ناح على تلك
الساعات التى مضت ومركزه خال عن العبودية غائب عن حزب الله.
وكذلك شأن
الملائكة.. ألا ترى إلى قول الله تعالى: (وَما مِنَّا إِلا لَهُ مَقامٌ
مَعلُوم). فهذا المقام ليس مقاما لأجسامهم، إنما هى مقام أعمالهم.
وكذلك
مراكز الموحدين إنما هى مراكز أعمالهم بين يدى الله تعالى. ثم لقلوبهم
مقاوم. وقد تتفاوت المراكز بألف ألف درجة، وأكثر من ذلك مما لا يحصيه
العدو تفاوتا. وإنما قيل للملائكة مقاوم، وللموحدين مراكز؛ لأن الموحدين
هم أهل حرب يجاهدون الشيطان في ذات الله ويجاهدون نفوسهم، فلهم في جهادهم
ألوية وروايات قد ركزوها بين يدى الله في محل عظيم في الملكوت، إليها ترفع
أعمال العباد، ثم يبعث بها إلى الخزائن، ومنها ما لا يبعث، ولكن يختالها
وجه رب العالمين فيضعه عنده لنظرته إليها إلى يوم البعث لحبه إياهم.
ومقاوم أعمالهم معلومة من وراء ذلك، كل على درجته.
فهذا النائح إنما
ينوح على فوت ما لا يقدر على رده، فإذا استعمل أهل المصائب ذلك الفعل فهو
محال وسمج، كأنهم يريدون رد الموت وحياة هذا الذى دعاه الله لوقته فأجابه.
وأما
البكاء
فزينة وحلية، فإذا كان البكاء لله تعالى، تهبطها رحمة ورأفة، قد
عملت فيه، به الخوف بحرارة الرأفة وسالت إلى الرأس، فأسبل دمعة من غير
تكلف يرحم بها من نزل به الموت الفظيع شأنه، وخاب مقدمه على الله؛ فهو
ينظر بعين بصيرة إلى عظيم شأن الموت الذى حل به، وإلى هول المقدم، وإلى
فراق المحبوب؛ فتعمل فيه الرآفة فتدمع لذلك عينه، ويحزن به قلبه، فهذا
محمود وبذلك يزين أهل المصائب أن يعظموا ما عظم الله، وأن يحزنوا لما
أحزنهم، وأن يتوجعوا لفراقه.
وقد رويت الأخبار في شأن أحوال السلف
الماضين في شأن المصيبة، فاختلفت أحوالهم على تباين الطبيعة والنفوس
العزيزة، فمنهم من بكا ورق، ومنهم من تجلد فلبس وتهيأ وتزين وتبسم، ومنهم
من استكان، ومنهم من أظهر السرور واتخذ الطعام وجمع الإخوان.
فأعلاهم
في هذا الباب من أقر الأمور مقرها، ووضعها بالمحل الذى وضعها الله؛ فهذا
فعل الأنبياء والأولياء، ولفضل النفس والمعرفة قروا على ذلك.
والآخرون
خافوا من لخيانة النفوس ففزعوا إلى التسليم وتدافع الإخوان في إظهار الرضا
بحكم الله، والتشاغل عن المصيبة كى يستكملوا ثواب الصابرين. فهؤلاء ضعفاء
من الضعف عملوا وردوا الدمعة، وتناسوا، وخالطوا الناس، وتشاغلوا، ولهوا عن
المصيبة؛ خوفا من التقصير في شأن الصبر.. حتى وجد الشيطان سبيلا في هذا
أيضا، فدعاهم في زماننا هذا إلى خدعة عظيمة ليجتمعوا على السرور، واتخاذ
طعام كطعام الولائم، وانبساط وتفارح؛ يريدون بذلك إقامة الصبر في الظاهر،
فإذا ظاهرهم خلاف فعل الرسل والأنبياء.
وسمج هذا في رأى العين أن يكون
لملك الموت ولرسل رب العالمين أثر في بيت، وسلطان يزعزع الأرواح من
النفوس، وتصير النفوس جيفة ملقاة تنتقل إلى بيت البلى؛ ثم يكون هنالك شبه
العزف، والقصف، واللغط، والضوضاء، والفرح، وقلة المبالاة، يزعمون أن هذا
يوم شكر؛ إذ أنه خرج من الدنيا، فتخلص من آفاتها، وختم له بالإسلام.
فهذا
كله
تحسن بالقول، وتفارح بالجهد، والنفس ممتلئة من الوجد. وإقامة الصبر في
ظاهر الأمر يسير في جنب باطنه؛ فهو يظهر السرور وفي النفس من وجع الفراق
جزع وتلهف. فهذا خراب الباطن. وإنما الصبر الوافر أن تكون بقلبك راضيا عن
الله، ونفسك طيبة مع الله فيما حكم، قد حبب إليك حبه حكمه، وطابت نفسك
بالمصيبة.
فهذا الصبر الوافر؛ لأن لحبه حلاوة ولفراق هذا النفس التى حل
بها الموت مرارة. فالمرارة في النفس، والحلاوة في القلب. فكلما ثارت حرقة
من موضع الرأفة عملت في شأن الدمعة حتى يجرى الماء. فكلما ثارت مرارة من
النفس من أجل الفراق تلقته حلاوة محبة الله في الصبر فأبطلته؛ لأنهما
اجتمعا في الصدر، فتلاشت المرارة، وثبتت الحلاوة؛ لغلبه المحبة وسلطانهما.
فإذا لم يكن هذا فما يغنى هذا السرور الظاهر.
واتخاذ العرس أخاف أن يصير
هذا تصنعا ورياء؛ لأنه يكفيه حفظ الجوارح أن يعصى الله بجارحة من أجل تلك
المصيبة؛ فهذا صبر الظاهر.
وإن فر من التقصير والاستكانة، فتبسم، ولبس
من صالح ثيابه، كما فعل مطرف في وفاة أبيه؛ فهذا أيضا حسن، وهو دون الأول.
فأما
رجل
حلت به مصيبة فاجعة محرقة، شأنها عظيم في الملكوت، فيذهب فيتخذ عرساً،
ويجتمع في بيته لغط وضوضاء، فهذا سمج، وقد جاوز القصد، وتكلف جهلا. فأن
أراد به الله فهو جهل عندنا، وإن أراد به التصنع فممقوت.
وفعل
الأقوياء أن يضع كل شيء موضعه: السرور في موضعه، الحزن في موضعه. ويتقرب
إلى الله بذلك الحزن، كما يتقرب بالسرور؛ لأن ذلك كله لله وبالله. ولو أن
رجلا شكر في موضع الصبر لكان لشكره موضع هناك، ولو قال عند الذنب: (الحمد
لله) لكان لقوله هناك موضع. ولكن الحمد في موضع النعمة، والاستغفار في
موضع الذنب، والشكر في موضع النعمة، والصبر في موضع الشدة، فإذا حولته
وجدت لكل منه متسعا في الأخر؛ ولكن هذا نفص في التدبير، ونكس للأمور. وروى
أن عمر بن الخطاب مر بعثمان رضى الله عنهما وهو قاعد، فبدأه عثمان
بالسلام، فقال عمر رضى الله عنه: يا أبا محمد، ولم تنكس السنة؟! ففي هذا
القدر عتب عليه عمر رضى الله عنه؛ السلام من المار على الجالس؛ لأنه هو
الوالج عليه. والسلام أمان من العباد، فإنما ينبغى الأمان من الوارد. فإذا
أزلته عن موضعه انتقض. فوجدنا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو سيد ولد
آدم عليه السلام، عند المصائب، إظهار تعظيم أمر وإجلاله، ويبكى ويحزن.
ولما توفى الله ابنه إبراهيم بكى، ثم قال:) إنما هذه رحمة، ومن لا يرحم لا
يرحم، القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب يا إبراهيم. لولا
أنه سبيل مأتى، ووعد حق، لحزنا عليك أشد من هذا. ولو عاش إبراهيم بعدى
لكان صديقا نبياً(. ثم قال لأصحابه: )إنما نهيتكم عن صوتين أحمقين فاجرين:
صوت رنة عند مصيبة، وصوت مزمار عند نعمة(. فهذه الرنة صرخة من موضع السخط
خرجت، وهذا المزمار ملاهى الشيطان، صوته جاء بها فمازج هذا المزمار، وجاء
بها فصوت في الأوثان، حتى سبى قلوب عبدة الأوثان. ولهذا غور بعيد، وقد
وصفناه في كتاب " الأولياء " .
وقالت عائشة رضى الله عنها في شأن وفاة
سعد بن معاذ: كان رسول صلى الله عليه وسلم إذا اشتد به الحزن أخذ بلحيته.
ووجدنا
ذكر
يعقوب صلى الله عليه وسلم في التنزيل أنه حزن على يوسف عليه السلام،
فلم يذمه الله تعالى على ذلك مع ما أدى الحزن من نفسه؛ وذلك أنه قال عندما
استحكمت أمور البلاء عليه، وحبس الولد الآخر بسبب ما ادعى عليه من السرقة:
(وَتَولَى عَنهُم وَقالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف).
ويا كلمة دعاء
ونداء الأسف للهبان الحريق؛ وذلك أن الحزن أصله من الرأفة، والرأفة لها
حريق، ومعدنها في الطحال.. كذلك روى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه،
حدثنا بذلك العباس بن عبد العظيم العنبرى، حدثنا موسى بن مسعود، عن محمد
بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن الزهرى، عن عياض بن خليفة، عن على رضى الله
عنه، قال:)الرحمة في الكبد، والرأفة في الطحال(.
حدثنا أبى، حدثنا
إسماعيل بن صبيح اليشكرى، حدثنا صلاح بن وقاد الأنصارى، عن سعد بن طريف،
عن عكرمة، عن ابن عباس: أن داود عليه السلام قال لابنه: يا بنى، أين موضع
الرأفة منك؟ وأين موضع الرحمة؟ قال:موضع الرأفة الطحال، وأما موضع الرحمة
فالكبد.
فهذه الرأفة إذا هاجت فلها لهبان، وإذا طار اللهب إلى الصدر
اخترق ظاهر القلب ووجهه، فصار كاللسان المخترق بالشيء الحار، فصارت على
القلوب كحزونة الأرض، واشتقاق الحزن من ذلك؛ فكان يعقوب عليه السلام حين
قال: (يا أسفى) دعا الأصل الذى من معدن الرأفة، فقال: (يا أسفى).. إنما هو
ذلك اللهبان الذى كان يلتهب من الرأفة لفراق يوسف عليه السلام لطول
الغيبة، ولم يكن قد وجد خبر موته فيحتسبه عند الله، فيطمئن إلى وصوله إلى
الله.
وأنبياء الله أكثر الخلق رأفة، وأوفرهم حظا منها، وأرحم البرية؛
فكانت الرأفة تلتهب فيه، فلما بلغ التلهب و التلظى مبالغة دعاة كالمستروح
إليه وقال: (يَا أَسفَى عَلَى يُوسُف). والأسف مما يدل على الشدة من الحزن
والغضب جميعا؛ لأن الغضب له حريق.. ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَلَمّا
آَسَفُونَا اِنتَقَمنا مِنهُم)، يخبر أنه: لما اشتد غضبى عليهم تلهب فطار
اللهب فحلت النقمة بفرعون وقومه.
فإنما نادى يوسف عليه السلام ذلك
الأسف عند اشتداد حريق الرأفة .. ألا ترى أنه لما نادى الأسف نداء الندبة
بهذه الياء - حكى الله عند ندائه: (وَابيَضَت عَيناهُ مِنَ الحُزنِ فَهُو
كَظيم). وذلك أنه لما هاج اللهب منه لم يقل منه: (يا يوسفاه)؛ لأنه وجد
يوسف عليه السلام مرتهنا بحكم الله بشيء قد سلف من يعقوب عليه السلام
مستورا عن الخلق، ثم صار ظاهرا.. حدثنا عبد الله بن أبى زياد، حدثنا عبد
الله بن أبى سميط ابن عجلان، قال: سمعت أبى يقول: بلغنا أن يعقوب عليه
السلام قال له ربه: أتشكونى؟! فوعزتى لا أكشف ما بك حتى تدعونى. فقال عند
ذلك: (إِنّما أَشكُو بَثَى وَحُزنِى إِلَى الله)، فقال له جبريل عليه
السلام: الله أعلم بما تشكو يا يعقوب. وإنما قال ذلك من قبل لما قيل له:
ما الذى أذهب بصرك؟ قال: حزنى على يوسف، فقيل: فما الذى قوس ظهرك؟ قال:
حزنى على أخيه. فأوحى الله تعالى إليه: أتشكونى؟! فوعزتى لا أكشف ما بك
حتى تدعونى. فقال عند ذلك: (إِنّما أَشكو بَثَى وَحُزنِى إِلى الله)؛
فأوحى الله إليه: وعزتى لو كانا ميتين لأحييتهما لك حتى تنظر إليهما،
وإنما وجدت عليكم أنكم ذبحتم شاة، فقام عليكم مسكين، فلم تطعموه منها
شيئاً، فأن أحب خلقى الأنبياء، ثم المساكين، فاصنع طعاما وادع عملة
المساكين. فصنع طعاما، ثم قال: من كان صائما فليفطر الليلة عند آل يعقوب.
وقوله:) عملة المساكين( أى صوامهم وعبادهم. وكانت مساكين بنى إسرائيل بهذه
الصفة لمسكنة العباد، وسائرهم فقراء.
فهذا فعل كان قد بدر من يعقوب عليه
السلام، وهو لا يستغربه؛ فجعله الله لبلائه، وجعل البلاء سببا لاستخراج
صبره، وامتحان قلبه.
وإن
ربنا كريم إذا أراد أن يبتلى عبده لاستخراج ما في ضميره وإبرازه لأهل
سمائه وأرضه استحيا أن يبتليه من غير علة أو سبب؛ فيكون ذلك كالارتجاع في
العطية.. ألا ترى إلى قوله: (وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ الله)، ثم
قال: (ذَلِكَ بِأَنّ الله لَم يَكُ مُغِيراً نِعمَةً أَنعَمَها عَلَى
قَومٍ حَتى يُغيرُوا ما بِأَنفُسِهِم). وإذا أراد الله أن يبتلى عبدا
ليبرز صبره الجميل الذى تولى وصفه بنفسه منه من الله تعالى أعطاه من
العافية والرجاء والنعمة، فجعل على مقدمة البلاء سببا كالعلة، مثل ما فعل
يعقوب عليه السلام، وكذلك روى في قصة أيوب عليه السلام؛ ليظهر صبره وشرفه
على الخلق، وتكون الخلق به مقتدين، قال: وبلغنا أنه كان على مقدمة البلاء
أنه كان عند فرعون يوم دخل عليه موسى عليه السلام، وكان أيوب عليه السلام
عن نصرته، وكانت منه كلمة أو كلمتان كالمدارى، فكان هذا موجده في الستر
على أيوب، فجعله سببا لبلائه؛ فابتلاه وجعل البلاء سببا لإبراز صبره،
والثناء عليه، والاحتجاج بفعله على الخلق.
وكذلك في شأن إبراهيم عليه
السلام؛ حيث كسر الأصنام، ثم قيل له: أأنت فعلت هذا بآلهنتا يا إبراهيم؟
قال: بل فعله كبيرهم هذا. فابتلى بالحريق، ثم جعلها عليه بردا وسلاما،
وأبرز صبره وبذل نفسه لله في العالمين. وقال في شأن خروجه إلى الصيد: إنى
سقيم. فابتلى بذبح ابنه، ثم خلصه وفداه بذبح عظيم، وقال في شأن سارة حيث
مر بها على الملك فقال: هى أختى. فابتلى بفراق إسماعيل وهاجر.
وكذلك في
شأن موسى عليه السلام، ومثل هذا كثير. فوجد يعقوب يوسف عليهما السلام مر
تهنا بما سلف متعلقا بحكم الله بحق الله، فلم يستجر أن يناديه نداء
النادبين، وهاج منه الشوق إليه والحنين من النفس لحبه إياه، ومعاذ الله أن
يتوهم على يعقوب عليه السلام أن حبه كان مذموما شهوانيا، وإنما أحبه من
بين ولده لحب الله فيه.. أفليس قد ظهرت الحبية فبرز على جميع إخوته:
علماً، وحلماً،وكرماً،وصحفاً، وبراً، وتقوى، وعبودية، وبذلاً، وسخاء،
وجمالا في معالى الأخلاق.
وكذلك وجدنا فاطمة رضى الله عنها، فحب رسول
الله صلى الله عليه وسلم لها لحبية الله فيها من بين ولده.
وكذلك
نجد أولاد الأنبياء لهم تفاوت ولهم أثرة، فإذا تلك الأثرة ليست من الآباء
من قبل نفوسهم الميالة بالهوى والشهوة، وإنما ذلك بقلوب طاهرة، وأفئدة
زكية، وصدور عالمة بتلك الأشياء؛ فتميل قلوبهم إلى بعض أولادهم دون بعض من
أجل حظ لهذا الولد عند الله ما ليس لغيره..
ألا ترى أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم حينما ذكر أولاد خديجة رضى الله عنها، فقالت: يا رسول
الله، أين أطفالى منك؟ قال:: (في الجنة). فهل ذكر غير هذا شيئاً؟ وقال
عليه السلام عند ذكر إبراهيم عليه السلام: (لو عاش إبراهيم بعدى لكان
صديقاً نبياً)، يعلمك بأنه محظوظ عند الله تعالى حظ الصديقين، وحظ
النبيين، ولم يرزقه من الأجل في الدنيا ما يظهر عليه الصديقية والنبوة
قلباً وجوارح. وحظه هناك في الآخرة قائم حظ صديق نبى، ولو عاش لظهر عليه
هذا.
فلما استحكم البلاء على يعقوب عليه السلام، وطال الأمر، وعملت
الرأفة، وغلبت مرافق الشوق، وتلهبت الرأفة؛ فلم يستجز أن يناديه وهو متعلق
بحق الله الذى قد وجب على يعقوب بسبب ذلك المسكين. وهو ينتظر ماذا يبرز له
من الغيب في هذا الحكم، ويحسن ظنه بالله ولا ييأس من روح الله؛ لأنه متوقع
من كرم الله؛ فنادى الأسف الذي عليه أسف. فلما ناداه صار ذلك اللهب إلى
الرأس كالمحبب له، فذهب ببصره، قال الله تعالى: (وَابيَضَت عَينَاهُ مِنَ
الحُزنِ فَهُوَ كَظَيم). فإنما كظم عن نداء يوسف، وكن عنه، فنادى أسفه؛
فحمد الله له وذكر كظمه أنه واقف عند حكمى، معظم لأمرى، ومن تعظيمه ووقوفه
عند حكمى لم يذكر اسم من اشتاق إليه وحنت نفسه، فنادى الأسف. فلولا أن ذلك
الأسف زينة لبلائه، وحلية لمصابه، ما كان ليناديه، ولا ليذكر في التنزيل
شأنه.
فهؤلاء الأنبياء والرسل عليهم السلام يضعون كل شيء موضعه كما وصف
الله تعالى، فيقدرون عليه بما قواهم الله تعالى من النبوة.
كذلك
روى لنا سليمان عليه السلام:أنه حزن على ابنه حزنا شديدا حتى عزى بأن يمثل
ملك فجاءه متخاصما مع آخر، فقال: إن هذا مشى في زرعى واتخذ طريقا. فقال له
سليمان عليه السلام: ما حملك على ذلك؟ فقال: لأنه زرع في طريق الناس
وممرهم. ففطن سليمان عليه السلام بأنه أريد بذلك فتعزى.
وكذلك روى عن
موسى عليه السلام؛ حيث بكى على هارون عليهما السلام، فقال الله تعالى:يا
موسى ما هذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ما كان ينبغى لك أن تحن على فقد شيء معى،
ولا أن تستأنس بغيرى، ولا أن يكون بكاؤك على هارون إلا لى.
وفي هذا كلام
كثير تركناه لئلا يطول..
فالأقوياء
هذا فعلهم، يعظمون أمر الله، فإذا أبكاهم بكوا، وإذا أحزنهم حزنوا، وإذا
خوفهم خافوا، وإذا أضحكهم ضحكوا، وإذا بشرهم فرحوا، وإذا بسطهم انبسطوا.
والضعفاء
من
خوف خيانة النفوس، إذا أبكاهم دافعوا البكاء، وإذا أحزنهم فزعوا وردوا
ذلك إلى أمور السرور، وإذا خوفهم تحيروا، وإذا أضحكهم اتهموا وحسبوها
استدراجا ومكرا، وإذا بشرهم نسبوا ذلك إلى الوسوسة، وإذا بسطهم انقبضوا
وحسبوه خذلانا. فهذا كله لانسداد الطريق فيما بينهم وبين الله، والحجب
التى تحجب النفس مدلاة على عينى الفؤاد والصدور منهم لفوزان دخان الشهوات،
وأخلاق النفس مغيمة كغيوم الآفاق إذا أحاطت بالأرض فحجبت إشراق الشمس.
صلى الله عليه وسلم حينما ذكر أولاد خديجة رضى الله عنها، فقالت: يا رسول
الله، أين أطفالى منك؟ قال:: (في الجنة). فهل ذكر غير هذا شيئاً؟ وقال
عليه السلام عند ذكر إبراهيم عليه السلام: (لو عاش إبراهيم بعدى لكان
صديقاً نبياً)، يعلمك بأنه محظوظ عند الله تعالى حظ الصديقين، وحظ
النبيين، ولم يرزقه من الأجل في الدنيا ما يظهر عليه الصديقية والنبوة
قلباً وجوارح. وحظه هناك في الآخرة قائم حظ صديق نبى، ولو عاش لظهر عليه
هذا.
فلما استحكم البلاء على يعقوب عليه السلام، وطال الأمر، وعملت
الرأفة، وغلبت مرافق الشوق، وتلهبت الرأفة؛ فلم يستجز أن يناديه وهو متعلق
بحق الله الذى قد وجب على يعقوب بسبب ذلك المسكين. وهو ينتظر ماذا يبرز له
من الغيب في هذا الحكم، ويحسن ظنه بالله ولا ييأس من روح الله؛ لأنه متوقع
من كرم الله؛ فنادى الأسف الذي عليه أسف. فلما ناداه صار ذلك اللهب إلى
الرأس كالمحبب له، فذهب ببصره، قال الله تعالى: (وَابيَضَت عَينَاهُ مِنَ
الحُزنِ فَهُوَ كَظَيم). فإنما كظم عن نداء يوسف، وكن عنه، فنادى أسفه؛
فحمد الله له وذكر كظمه أنه واقف عند حكمى، معظم لأمرى، ومن تعظيمه ووقوفه
عند حكمى لم يذكر اسم من اشتاق إليه وحنت نفسه، فنادى الأسف. فلولا أن ذلك
الأسف زينة لبلائه، وحلية لمصابه، ما كان ليناديه، ولا ليذكر في التنزيل
شأنه.
فهؤلاء الأنبياء والرسل عليهم السلام يضعون كل شيء موضعه كما وصف
الله تعالى، فيقدرون عليه بما قواهم الله تعالى من النبوة.
كذلك
روى لنا سليمان عليه السلام:أنه حزن على ابنه حزنا شديدا حتى عزى بأن يمثل
ملك فجاءه متخاصما مع آخر، فقال: إن هذا مشى في زرعى واتخذ طريقا. فقال له
سليمان عليه السلام: ما حملك على ذلك؟ فقال: لأنه زرع في طريق الناس
وممرهم. ففطن سليمان عليه السلام بأنه أريد بذلك فتعزى.
وكذلك روى عن
موسى عليه السلام؛ حيث بكى على هارون عليهما السلام، فقال الله تعالى:يا
موسى ما هذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ما كان ينبغى لك أن تحن على فقد شيء معى،
ولا أن تستأنس بغيرى، ولا أن يكون بكاؤك على هارون إلا لى.
وفي هذا كلام
كثير تركناه لئلا يطول..
فالأقوياء
هذا فعلهم، يعظمون أمر الله، فإذا أبكاهم بكوا، وإذا أحزنهم حزنوا، وإذا
خوفهم خافوا، وإذا أضحكهم ضحكوا، وإذا بشرهم فرحوا، وإذا بسطهم انبسطوا.
والضعفاء
من
خوف خيانة النفوس، إذا أبكاهم دافعوا البكاء، وإذا أحزنهم فزعوا وردوا
ذلك إلى أمور السرور، وإذا خوفهم تحيروا، وإذا أضحكهم اتهموا وحسبوها
استدراجا ومكرا، وإذا بشرهم نسبوا ذلك إلى الوسوسة، وإذا بسطهم انقبضوا
وحسبوه خذلانا. فهذا كله لانسداد الطريق فيما بينهم وبين الله، والحجب
التى تحجب النفس مدلاة على عينى الفؤاد والصدور منهم لفوزان دخان الشهوات،
وأخلاق النفس مغيمة كغيوم الآفاق إذا أحاطت بالأرض فحجبت إشراق الشمس.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
لواحق النياحة
كل ذلك تلظيا على حكم ربه، وسخطا على
مقدوره، واشتداد على تدبيره. وإنما أوتى ذلك لأنه متكبر جبار، ومن الجبر
والكبر الذى فيه تكبر على الله أن يقول لا إله إلا الله: (إِذَا قيلَ
لَهُم لاَ إِلاَّ الله يَستَكبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِناّ لَتارِكُوا
آَلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجنون). لما حجبهم عن رحمته جهلوا الرحمن، ولما قال
لهم: وحدوا،استكبروا واشمأزت قلوبهم: (وَإِذا ذُكِرَ الَّذَينَ مِن
دُونِهِ إِذا هُم يَستَبشِرونَ). فعند المصائب والمكاره ضيقت قلوبهم تلك
الجبرية التى فيهم؛ فمن ضيق الصدر صرخوا، ونتفوا، وخمشوا، وخدشوا، وشقوا
الجيوب. ومنهم من يحرق نفسه، ومنهم من يجدع أنفا وأذنا.
فالنياحة هي
تعديد الأحوال كالمراثى لتتوقد نار المصيبة، وحرقات الرأفة، وتقوى
الفجيعة. فذلك من السخط والتلهف على الفائت المفقود. وكانوا يحتشدون لذلك،
ويتخذون عليه الطعام، وتتبع نساؤهم الميت إلى المدفن بهذه الصفات، ويقعدون
محتشدين متعاونين على إقامة هذا الرسم أياما وشهوراً جزعين ساخطين،
ويزورون القبور فيظهرون من الجزع أكثر مما في باطنهم بنفورهم عن كل نعمة
وموضع سرور، كهيئة المقهور المتكلم المتشكى ممن قهرة وظلمه.
فهذه كلها
أحوال المشركين في مصائبهم..
فلما
ابتعث الله رسوله الله صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام، أمرهم بالصبر
والنزول على حكمه، وأكرم الأمة ببعثه، وبشرهم، وبين لهم الثواب في الأجل -
وزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النياحة، وعن كل ما أشبه النياحة،
وكل سبب من أسبابها؛ حتى نهى عن البكاء؛ فقال في شأن ميت مات بحضرته: (إذا
وجب فلا تبكين باكية). أراد بذلك حسم هذا الباب على المسلمين لحداثة عهدهم
بأمر الجاهلية، حتى بلغ من حسمه أن نهاهم عن زيارة القبور.
فكذلك كل
أمر حرمه الله، وكان لذلك الأمر أسباب، حرم تلك الأسباب الداعية إلى ذلك
الأمر، منها تحريم الخمر؛ فلما حرمت الخمر زجر عن كل شراب في دباء، أو
حنتم، أو مزفت، أو مقير، أو نقير؛ مخافة أن يشتد الشراب وهم لا يعملون.
وإن كان في زق فاشتد انشق الزق. فلما هدأت النفس،ومرنت عن الانتهاء عما
نهو عنه، أطلق لهم فقال:)كنت نهيتكم عن النبيذ فاشربوا، ولا تشربوا
مسكراً، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإن فيها معتبراً(، ثم قال:
)ولا تقولوا هجراً(. فبين عليه السلام علة النهى أنهم كانوا إذا زاروا
القبور قالوا هجرا، فصاروا إلى النياحة، فلما تمسكوا وعقلوا الإسلام أطلق
لهم الزيارة.
وحسم عليهم أبواب النياحة حتى إذا اهتدوا وفقهوا أطلق لهم
من ذلك ما لم يكن به بأس.
فلما
جاءه نعي جعفر رضى الله عنه، قال: )اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فقد أتاهم أمر
شغلهم(. حدثنا المخزومى عبد الجبار، حدثنا سفيان، عن أبى إسرائيل، عن طلحة
بن مصرف، سأل يحيى بن عبد الله: أتجتمع عندكم النساء عند خروج الميت؟ قال:
نعم، قال: فتلك النياحة فلا تفعلوا.
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الفضل
بن فضالة، عن ربيعة بن سيف المعافرى، عن أبى عبد الرحمن الحبلى، عن عبد
الله بن عمرو، قال: قبرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتا، فلما
انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرفنا، فلما حاذى بابه وقف وتوسط
الطريق، فإذا امرأة مقبله لا نظنه عرفها، فلما دنت فإذا هي فاطمة رضي الله
عنها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:)ما أخرجك يا فاطمة من
بيتك؟(، فقالت: أتيت أهل هذا الميت فرحمت إليهم ميتهم - أو عزيتهم - (لا
يحفظ ربيعه أى ذلك قالت)، قال أبو عبد الرحمن: فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:)فلعلك بلغت منهم الكدى؟(، قالت: معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها
ما تذكر، قال: )لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جدك أبو
أبيك(. قال قتيبة: الكدى المقابر.
وأما
قوله:) ونهى عن النياحة، والاستماع إلى النياحة؛ ونهى عن الجمع عند صاحب
الميت، وعن إطعام الناس آل الميت، وعن الإجابة إلى طعام الميت؛ ونهى أن
يقعد الرجل في بيته للمصيبة ثم يؤتى فيعزى(.
فهذا كله معدود في صفحة
النوح؛ لأن صاحب المصيبة أصابه حكم الله في ذلك الشيء، وخلص إلى النفس ما
كرهت، واقتضاها إيمانه التسليم لله، والتعرى من المنازعة مع الله في ذلك
الشيء الذى استأثر به؛ فسلموا بقلوبهم، واسترجعوا بألسنتهم؛ اعترافاً بأن
الملك لله، والمرجع إليه؛ فيرد إلينا ما أخذ منا وأضعافه.
وأهل الكفر
في عمى من ذلك، فكانت نفوسهم تنازع وتتبع الغائب، فإذا لم تجد صاح ورن
النوح التعديد بعد أحوال الغائب وما كان ألفا به، ويتوجع، ويتفجع؛ فليس
عنده نور المعرفة فيطفى به ثائرته. فذلك الصراخ من سخطه على ربه في حكمه،
وضيق صدره بما حل به من حكمه، يضيق عن التسليم لأنه ضاق عن النور من أن
يلج فيه؛ فيصرخ، ويرن، وينتف الشعر، ويشق جيبا، ويخمش وجها، ويعدو أحوال
الميت؛ توجعا وأسفا على ذلك.
قوله:) ونهى عن النياحة، والاستماع إلى النياحة؛ ونهى عن الجمع عند صاحب
الميت، وعن إطعام الناس آل الميت، وعن الإجابة إلى طعام الميت؛ ونهى أن
يقعد الرجل في بيته للمصيبة ثم يؤتى فيعزى(.
فهذا كله معدود في صفحة
النوح؛ لأن صاحب المصيبة أصابه حكم الله في ذلك الشيء، وخلص إلى النفس ما
كرهت، واقتضاها إيمانه التسليم لله، والتعرى من المنازعة مع الله في ذلك
الشيء الذى استأثر به؛ فسلموا بقلوبهم، واسترجعوا بألسنتهم؛ اعترافاً بأن
الملك لله، والمرجع إليه؛ فيرد إلينا ما أخذ منا وأضعافه.
وأهل الكفر
في عمى من ذلك، فكانت نفوسهم تنازع وتتبع الغائب، فإذا لم تجد صاح ورن
النوح التعديد بعد أحوال الغائب وما كان ألفا به، ويتوجع، ويتفجع؛ فليس
عنده نور المعرفة فيطفى به ثائرته. فذلك الصراخ من سخطه على ربه في حكمه،
وضيق صدره بما حل به من حكمه، يضيق عن التسليم لأنه ضاق عن النور من أن
يلج فيه؛ فيصرخ، ويرن، وينتف الشعر، ويشق جيبا، ويخمش وجها، ويعدو أحوال
الميت؛ توجعا وأسفا على ذلك.
كل ذلك تلظيا على حكم ربه، وسخطا على
مقدوره، واشتداد على تدبيره. وإنما أوتى ذلك لأنه متكبر جبار، ومن الجبر
والكبر الذى فيه تكبر على الله أن يقول لا إله إلا الله: (إِذَا قيلَ
لَهُم لاَ إِلاَّ الله يَستَكبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِناّ لَتارِكُوا
آَلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجنون). لما حجبهم عن رحمته جهلوا الرحمن، ولما قال
لهم: وحدوا،استكبروا واشمأزت قلوبهم: (وَإِذا ذُكِرَ الَّذَينَ مِن
دُونِهِ إِذا هُم يَستَبشِرونَ). فعند المصائب والمكاره ضيقت قلوبهم تلك
الجبرية التى فيهم؛ فمن ضيق الصدر صرخوا، ونتفوا، وخمشوا، وخدشوا، وشقوا
الجيوب. ومنهم من يحرق نفسه، ومنهم من يجدع أنفا وأذنا.
فالنياحة هي
تعديد الأحوال كالمراثى لتتوقد نار المصيبة، وحرقات الرأفة، وتقوى
الفجيعة. فذلك من السخط والتلهف على الفائت المفقود. وكانوا يحتشدون لذلك،
ويتخذون عليه الطعام، وتتبع نساؤهم الميت إلى المدفن بهذه الصفات، ويقعدون
محتشدين متعاونين على إقامة هذا الرسم أياما وشهوراً جزعين ساخطين،
ويزورون القبور فيظهرون من الجزع أكثر مما في باطنهم بنفورهم عن كل نعمة
وموضع سرور، كهيئة المقهور المتكلم المتشكى ممن قهرة وظلمه.
فهذه كلها
أحوال المشركين في مصائبهم..
فلما
ابتعث الله رسوله الله صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام، أمرهم بالصبر
والنزول على حكمه، وأكرم الأمة ببعثه، وبشرهم، وبين لهم الثواب في الأجل -
وزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النياحة، وعن كل ما أشبه النياحة،
وكل سبب من أسبابها؛ حتى نهى عن البكاء؛ فقال في شأن ميت مات بحضرته: (إذا
وجب فلا تبكين باكية). أراد بذلك حسم هذا الباب على المسلمين لحداثة عهدهم
بأمر الجاهلية، حتى بلغ من حسمه أن نهاهم عن زيارة القبور.
فكذلك كل
أمر حرمه الله، وكان لذلك الأمر أسباب، حرم تلك الأسباب الداعية إلى ذلك
الأمر، منها تحريم الخمر؛ فلما حرمت الخمر زجر عن كل شراب في دباء، أو
حنتم، أو مزفت، أو مقير، أو نقير؛ مخافة أن يشتد الشراب وهم لا يعملون.
وإن كان في زق فاشتد انشق الزق. فلما هدأت النفس،ومرنت عن الانتهاء عما
نهو عنه، أطلق لهم فقال:)كنت نهيتكم عن النبيذ فاشربوا، ولا تشربوا
مسكراً، وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإن فيها معتبراً(، ثم قال:
)ولا تقولوا هجراً(. فبين عليه السلام علة النهى أنهم كانوا إذا زاروا
القبور قالوا هجرا، فصاروا إلى النياحة، فلما تمسكوا وعقلوا الإسلام أطلق
لهم الزيارة.
وحسم عليهم أبواب النياحة حتى إذا اهتدوا وفقهوا أطلق لهم
من ذلك ما لم يكن به بأس.
فلما
جاءه نعي جعفر رضى الله عنه، قال: )اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فقد أتاهم أمر
شغلهم(. حدثنا المخزومى عبد الجبار، حدثنا سفيان، عن أبى إسرائيل، عن طلحة
بن مصرف، سأل يحيى بن عبد الله: أتجتمع عندكم النساء عند خروج الميت؟ قال:
نعم، قال: فتلك النياحة فلا تفعلوا.
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الفضل
بن فضالة، عن ربيعة بن سيف المعافرى، عن أبى عبد الرحمن الحبلى، عن عبد
الله بن عمرو، قال: قبرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتا، فلما
انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرفنا، فلما حاذى بابه وقف وتوسط
الطريق، فإذا امرأة مقبله لا نظنه عرفها، فلما دنت فإذا هي فاطمة رضي الله
عنها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:)ما أخرجك يا فاطمة من
بيتك؟(، فقالت: أتيت أهل هذا الميت فرحمت إليهم ميتهم - أو عزيتهم - (لا
يحفظ ربيعه أى ذلك قالت)، قال أبو عبد الرحمن: فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:)فلعلك بلغت منهم الكدى؟(، قالت: معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها
ما تذكر، قال: )لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جدك أبو
أبيك(. قال قتيبة: الكدى المقابر.
حدثنا المخزومى، حدثنا سفيان، عن
إسماعيل بن أبى خالد، عن حسن ابن المعتمر:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأى امرأة معها مخمرة، وهو يريد أن يصلى على جنازة، فصاح صيحة، فقام لا
يكبر، فما زال يصيح بها حتى دخلت المدينة، فلما توارت بالبيوت، تقدم النبي
عليه السلام وكبر عليها. فهذا كله في بدء الأمر.. حدثنا سفيان بن وكيع،
حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى الله عنه، قال:
احتضرت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضمها إليه، وجعلها بين يديه،
فوضعها وقد قضت، فبكت أم أيمن، فقيل لها: وما لي لا أبكي والنبي عليه
السلام يبكي؛ فقال النبى عليه السلام:)إنى لا أبكى، إنما هى رحمة(.
إن
المؤمن بخير على كل حال، تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله.
فإنما
نهى عن البكاء في بدء الأمر لحسم الباب، وطمس أفعال الجاهلية وسنتها، ثم
أطلق في إرسال الدموع، ثم قال:)ما كان من القلب أو العين فمن الله، وما
كان من اليد أو اللسان فمن الشيطان(.
حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبى،
عن ابن ليلى، عن عطاء عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بكى
عند موت إبراهيم عليه السلام قال رجل: يا رسول الله، أليس قد نهيتنا عن
البكاء؟! قال: )إنما نهيتكم عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت رنة عند مصيبة،
وصوت مزمار عند نعمة(.
حدثنا المخزومى، حدثنا سفيان، عن الأعمش،عن شقيق
قال: لما مات خالد بن الوليد رضى الله عنه اجتمع نساء بنى المغيرة في بيته
يبكين عليه، فقيل لعمر رضى الله عنه: وما على نساء بنى المغيرة لو أهرقن
على أبى سليمان سجلا أو سجلين ما لم يكن نقع أو لقلقه. والنقع: شق الجيب،
واللقلقة: الصوت.
وعمر رضى الله عنه يروى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم:)أن الميت ليعذب ببكاء أهله(؛ ليعلم أن البكاء المنهى عنه هو الصوت،
والتعديد نوحا، وأما الدموع فهو بكاء رحمة.
فقد دل ذلك على أن هذه
الأشياء من الحزن والدمع خارج من هذه الأشياء؛ فإن الرسول عليه السلام شدد
في ذلك بدءاً حتى عقل الناس وفقهوا في الدين، فوسع الأمر عليهم في إسبال
الدموع، وفي الاجتماع، واتخاذ الطعام؛ شفقة على أهل الميت.
فكل ما كان
لله فهو حسن؛ فإذا أصاب المسلم مصيبة قعد للتعزية هو وأهل بيته، معظمين
الموت، ولهذا الميت الذي خلا منه مصلاه، وآثار إسلامه وبركة عبودته.
وتحازنوا على ما دخل من النقص في عدد المسلمين؛ فإن فقد رجل من المسلمين
أعظم من فقد الدنيا بما فيها من الزينة والنعم. فقعد ليعزى، أو لئلا يشتد
على إخوانه عن المسلمين طلبه وتتبع الأبواب في لقائه، فقعد على هذه النية؛
فهو مأجور. فإذا رق وبكى فهو مأجور؛ لأنه إن لم يرسل دمعته رجع ذلك الحزن
على نفسه وذلك مما يضر به فإذا فعل ذلك على هذا القصد فهو مأجور. وهو فعل
المسلمين: رحموا، ورقعوا، وحزنوا، وبكوا، وطعموا، واجتمعوا، وزاروا
القبور، وسلموا على الموتى، ودعوا، وعظموا أمر الميت وأمر الله، وسلموا
إليه أمرهم قلباً، واطمأنوا إلى فعله، طيبة بذلك نفوسهم. وأكرمت هذه الأمة
بفضل الإسترجاع، فأنه لم يعط أمة هذا. فهذا سبيل المهتدين الصابرين.
وأما
من
بكى رياء، وجمع الناس للمراءاة، والتزين، والفخر، والخيلاء، واتخذ على
ذلك طعاما، وباهى، وقعد للتعزية للتكبر والعلو؛ فهذا أمر الجاهلية.
قال:
وسمعت أبا يعلى يقول: سمعت الحسن بن الربيع يقول: أخذ ابن المبارك من أيوب
السختيانى أمرين من أمر الناس: مات يعلى بن عطاء ولم يترك ذكرا، فقعد أيوب
السختيانى على بابه؛ وكان أيوب إذا قدم من سفر أطعم.. فمات سهل بن على ولم
يترك ذكرا، فقعد ابن المبارك على بابه؛ وكان إذا قدم من سفر أطعم.
إسماعيل بن أبى خالد، عن حسن ابن المعتمر:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأى امرأة معها مخمرة، وهو يريد أن يصلى على جنازة، فصاح صيحة، فقام لا
يكبر، فما زال يصيح بها حتى دخلت المدينة، فلما توارت بالبيوت، تقدم النبي
عليه السلام وكبر عليها. فهذا كله في بدء الأمر.. حدثنا سفيان بن وكيع،
حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى الله عنه، قال:
احتضرت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضمها إليه، وجعلها بين يديه،
فوضعها وقد قضت، فبكت أم أيمن، فقيل لها: وما لي لا أبكي والنبي عليه
السلام يبكي؛ فقال النبى عليه السلام:)إنى لا أبكى، إنما هى رحمة(.
إن
المؤمن بخير على كل حال، تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله.
فإنما
نهى عن البكاء في بدء الأمر لحسم الباب، وطمس أفعال الجاهلية وسنتها، ثم
أطلق في إرسال الدموع، ثم قال:)ما كان من القلب أو العين فمن الله، وما
كان من اليد أو اللسان فمن الشيطان(.
حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبى،
عن ابن ليلى، عن عطاء عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بكى
عند موت إبراهيم عليه السلام قال رجل: يا رسول الله، أليس قد نهيتنا عن
البكاء؟! قال: )إنما نهيتكم عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت رنة عند مصيبة،
وصوت مزمار عند نعمة(.
حدثنا المخزومى، حدثنا سفيان، عن الأعمش،عن شقيق
قال: لما مات خالد بن الوليد رضى الله عنه اجتمع نساء بنى المغيرة في بيته
يبكين عليه، فقيل لعمر رضى الله عنه: وما على نساء بنى المغيرة لو أهرقن
على أبى سليمان سجلا أو سجلين ما لم يكن نقع أو لقلقه. والنقع: شق الجيب،
واللقلقة: الصوت.
وعمر رضى الله عنه يروى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم:)أن الميت ليعذب ببكاء أهله(؛ ليعلم أن البكاء المنهى عنه هو الصوت،
والتعديد نوحا، وأما الدموع فهو بكاء رحمة.
فقد دل ذلك على أن هذه
الأشياء من الحزن والدمع خارج من هذه الأشياء؛ فإن الرسول عليه السلام شدد
في ذلك بدءاً حتى عقل الناس وفقهوا في الدين، فوسع الأمر عليهم في إسبال
الدموع، وفي الاجتماع، واتخاذ الطعام؛ شفقة على أهل الميت.
فكل ما كان
لله فهو حسن؛ فإذا أصاب المسلم مصيبة قعد للتعزية هو وأهل بيته، معظمين
الموت، ولهذا الميت الذي خلا منه مصلاه، وآثار إسلامه وبركة عبودته.
وتحازنوا على ما دخل من النقص في عدد المسلمين؛ فإن فقد رجل من المسلمين
أعظم من فقد الدنيا بما فيها من الزينة والنعم. فقعد ليعزى، أو لئلا يشتد
على إخوانه عن المسلمين طلبه وتتبع الأبواب في لقائه، فقعد على هذه النية؛
فهو مأجور. فإذا رق وبكى فهو مأجور؛ لأنه إن لم يرسل دمعته رجع ذلك الحزن
على نفسه وذلك مما يضر به فإذا فعل ذلك على هذا القصد فهو مأجور. وهو فعل
المسلمين: رحموا، ورقعوا، وحزنوا، وبكوا، وطعموا، واجتمعوا، وزاروا
القبور، وسلموا على الموتى، ودعوا، وعظموا أمر الميت وأمر الله، وسلموا
إليه أمرهم قلباً، واطمأنوا إلى فعله، طيبة بذلك نفوسهم. وأكرمت هذه الأمة
بفضل الإسترجاع، فأنه لم يعط أمة هذا. فهذا سبيل المهتدين الصابرين.
وأما
من
بكى رياء، وجمع الناس للمراءاة، والتزين، والفخر، والخيلاء، واتخذ على
ذلك طعاما، وباهى، وقعد للتعزية للتكبر والعلو؛ فهذا أمر الجاهلية.
قال:
وسمعت أبا يعلى يقول: سمعت الحسن بن الربيع يقول: أخذ ابن المبارك من أيوب
السختيانى أمرين من أمر الناس: مات يعلى بن عطاء ولم يترك ذكرا، فقعد أيوب
السختيانى على بابه؛ وكان أيوب إذا قدم من سفر أطعم.. فمات سهل بن على ولم
يترك ذكرا، فقعد ابن المبارك على بابه؛ وكان إذا قدم من سفر أطعم.
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى