صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
وإنما
جعل قوام البدن على الرجلين، فإذا انتعلت قائما، لم تجد بدا. من أن ترفع
قدما لتنعلها، فصار حمل البدن على رجل واحدة؛ فاضطربت العروق، فإذا اضطربت
العروق، لم يؤمن أن يحدث داء؛ لأن العروق مجارى الدم ومجارى الريح؛ فإذا
تضايقت في حال الاضطراب، هاج الدم، وهاجت الرياح؛ فربما وقعت في مرض لا
تخرج منه أبدا، وربما فاض الدم من العروق إذا اختنق العرق عند تضايقه من
مكانه؛ فصار الدم علقة، فإذا صارعلقة لم يجر، وكان دمه فاسدا، وربما
انكمشت الرياح الحادثة، وهاجت الساكنة؛ فهذا أمر عظيم.
وقد أوصى الله
العباد في شأن النفس؛ فقال: (وَلاَ تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلى التَهلُكَة).
وقال:
(وَلاَ
تَقتُلُوا أَنفُسَكُم إِنّ الله كَانَ بِكُم رَحيماً). ثم قال:
(وَمَن يَفعَل ذَلِكَ عُدواناً وَظُلماً فَسَوفَ نُصلِيهِ ناراً وَكَانَ
ذَلِكَ عَلى الله يَسيراً). فانظر أى وعيد هذا! وظلم النفس كظلم العباد..
فهذه أشياء خفية؛ فخفى على العامة عظيم مرجوع ضررها إلى النفس. وإنما تستر
له لأنه ستره، فنحن نقيم ستره، لا أن نسبر عنه، فالستر غير التستر عنه.
وأيضا خلة أخرى أن الجن والشياطين ينظرون إلى عورات بنى آدم، فيضحكون
ويستهزئون. حدثنا بشر ابن خالد البصرى،حدثنا سعيد بن مسلمة بن هشام بن
عبدالملك، حدثنا الأعمش، عن زيد العمى، عن أنس بن مالك رضى الله عنه، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ستر بين أعين الجن وبين عورات بنى آدم
إذا وضع الرجل ثوبه أن يقول: بسم الله) وكذلك في البراز يخاف أن ترميه
الجن بداهية.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال في
البراز حتى يخطوا على أنفسهم دائرة؛ كى يكون ذلك حريما لهم، فلا يصل إليه
الجن بداهية. حدثنا قتيبة، عن ابن لهية، عن عقيل عن ابن شهاب، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم )إذا اغتسل أحدكم في براز من الأرض ولم يجد
ما يستتر به، فليخطط على نفسه خطا، وليغتسل وسط الخط(.
أحكام
قضاء الحاجة
البول في المغتسل
فكل مكان لا يكون مجرى الماء فيه قوة وانصباب، فإذا بال فيه فالبول
هناك موجود. وإنما رخص في الماء الجارى لجريه وذهابه. وقلما يوجد في
المشارع ذلك الجرى السريع الذي يذهب بأثر البول؛ ألا ترى أنهم لم يعنوا
بالجرى الضعيف من الأنهار حتى يكون له قوة، فمنهم من قال حتى يدهده بعرة
أو جوزة.
قال: حدثنا عمر بن أبى عمر،حدثنا شريح بن النعمان، قال: سمعت
أبا يوسف يقول في الماء الجارى القليل: إذا كان بقدر ما إذا رفعت بكفيك
منه، فاض من الجانبين، ولم ينقطع أعلاه من أسفله؛ فلا بأس به.
وتأويل
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إذا كان الماء قلين لم يحمل خبثا( على
ذلك تأولوه.
قال:
وسمعت أبا يوسف يقول في تأويل الحديث الذي جاء) إذا كان الماء قلين( إذا
كان عينه تنبع، وكانت مقدار قلتين، وهو جار وله نبعان، فلا بأس به.
حدثنا
الجارود،
حدثنا عيسى بن الفضل المروزى، عن عبد الله ابن المبارك في تأويل
هذه الحديث، قال: إذا كان الماء قلين جاريا. حدثنا عمر بن أبى عمر،حدثنا
شريح بن النعمان، قال: سمعت أبا يوسف يقول في تأويل هذا الحديث:) إذا كان
الماء قلين( إذا كان عينه تنبع، وكانت مقدار قلتين، وهو جار وله نبعان؛
فتوضأ من نبعانه؛ فلا بأس به.
البول والفرج باد للشمس أو القمر
أحدهما:
أنه إذا بال قائما لم يؤمن من أن يصيبه من النضح، وقال صلى الله عليه وسلم
)استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه( وروى أنه مر بقبر،
فقال:)أتسمعون ما أسمع؟(، قالوا: لا يا رسول الله؛ فقال:)لولا تمريغ في
قلوبكم، وتزبيد في حديثكم لسمعتم ما أسمع، إن صاحب القبر أقعد فضرب فصاح
صيحة تسمع من الخافقين، وتطاير كل عضو منه ثم عاد إلى مكانه(. قيل: يا
رسول الله، في ماذا؟ قال: )في البول(.
قال: وذكر لنا أنه لما وضع سعد
بن معاذ الأنصارى رضى الله عنه، الذى اهتز العرش لوفاته، في قبره تضايق
عليه قبره؛ فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: )لقد تضايق على
هذا العبد الصالح حفرته، ثم فرج عنه(.
قيل:يا رسول الله، مم ذاك؟
فقال:) كان يقصر في بعض طهوره( وذلك أن القوم كانوا لا يستنجون بالماء،
ويكتفون بالأحجار. وكان عهدهم بذلك الأمر كذلك. فلما ظهر الاستنجاء كانوا
يفعلون ولا يفعلون.
فشأن البول عظيم؛ وإنما صار عندنا كذلك؛ لأن آدم
عليه السلام لما أكل من الشجرة، وجد العدو سبيلا إلى جوفه، فاستقر عند
المعدة؛ فلذلك ما خرج من أسفل البدن صار حدثا، وكان ذلك الشيء نجسا. وما
خرج من أعلى البدن مثل الدموع والنخاعة والمخاط كان طاهرا ولم يكن طهوره
حدثا. فما كان في جوف ابن آدم مما يلى مستقره ينجس بنجاسته وكفره.
وإذا
بال قائما لم يؤمن من النضح، وكان النبى صلى الله عليه وسلم: )يرتاد ويتبوأ
لبوله كما يتبوأ لمنزله(.
حدثنا بذلك صالح بن عبد الله، حدثنا حماد بن
زيد، عن واصل مولى أبى عيينه، عن يحيى بن عبيد، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بذلك.
وكان إذا وجد مكانا أو موضعا يتمكن فيه بال قائما؛ فقد روى
عنه صلى الله عليه وسلم، من وجوه كثيره: أنه قد فعل ذلك.
ثم روى عنه:
أنه كره ذلك.
ففعله
عندنا ذلك في تلك المواضع التى إذا بال فيها قائماً كان أنزه له، وتركه
لذلك في المواضع التى إذا بال فيها قاعدا كان أنزه له. ولا نظن به صلى
الله عليه وسلم غير ذلك. وروى عنه:أنه مر بسباطة قوم فبال قائما.
فهذا
ما قلناه إنه لما أمن من النضج لم يعبأ بالقيام.
وعله
أخرى: أن القيام حال غير متمكن، ومادام قائما فإن العروق قائمة بقيام
البدن، والقلب منتصب، ومجمع العروق عند القلب، فما دام القلب منتصباً
فالعروق كذلك، فإذا قعد استرخت العروق؛ ألا ترى أنك تجد عن البول استرخاء
القلب. وما دام لا يسترخى لا يقدر أن يبول. وإذا أراد أن يمسكه إنما يمسكه
بالقلب؛ لأن مجمع العروق هنالك يصرر حتى يستمسك. فإذا قعد على قدميه كان
سبيل البول أوسع، وجريه أسهل؛ لا سترخاء القلب وتخلية التصرير. فهذا غير
مدفوع.
الاستنجاء بروث أو عظم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيموالحمد لله رب العالمين، بما حمد به نفسه،
كما هو أهله؛ والصلاة على محمد عبده ورسوله، وعلى آله، كما هو أهله.
قال
أبو عبد الله رحمه الله: حدثني أبي، عن رجاء بن نوح،عن عباد ابن كثير، عن
عثمان الأعرج، عن يونس بن عبيد وحوشب، عن الحسن: أنه قال: حدثني سبعة رهط
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو هريرة، وجابر بن عبد
الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار؛ كلهم
يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزيد بعضهم على بعض: أنه نهى.
قال
أبو
عبد الله رحمه الله: وحدثنا الفضل بن محمد بن وزير الدمشقي قال: حدثنا
حمزة بن ربيعة، عن عباد بن كثير بن قيس الثقفي، عن عثمان الأعرج، عن
الحسن: أنه قال: حدثني رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم:
أبو هريرة الدوسي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عمرو بن
العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار، وأنس
بن مالك؛ يزيد بعضهم على بعض: أنه نهى.
قال أبو عبد الله رحمه: فقد
نظرنا في هذا الحديث، في هذه الأشياء التي رووا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أنه نهى عنها، فإذا هي متفاوتة؛ فمنها نهى أدب، ومنها نهى
تحريم. وقد جمعها الحديث كله، ولم نجد شيئا قد نهى عنه إلا بحق. وذلك أن
ضرره راجع إلى بعده عن سبيل الهدى؛ فإن سبيل الهدى مستقيم إلى الله تعالى،
ومن زاغ فإنما يزيغ عن الله تعالى؛ والاستقامة تقرب العبيد إلى الله، وأن
الله - تبارك اسمه - دعا العباد إلى دار السلام وأعلمهم أنهم ملاقوه، وبعث
رسوله عليه السلام؛ فقال: (قُل هَذِهِ سَبيلِى أَدعوا إِلى الله عَلى
بَصَيرَةٍ أَنا وَمَن اِتَبَعَنَى). فمن أجابه فعلا فقد أجابه، وإجابته
اتباع رسوله فيما زجر عنه. وقال الله تعالى في تنزيله (وَمَا آَتاكُمُ
الرَسُولُ فَخَذُوهُ، وَما نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا).
فوجدنا النهى
على ضربين: منه نهى تحريم تأديب، ومنه نهى تحريم. فمن ترك الأدب انحط عن
درجته، ومن وثب على التحريم سقط في الهلكة.
الاحتباء في ثوب واحدوأما
قوله:) نهى أن يحتبى الرجل في ثوب واحد(.
فقمن أن يكون إنما نهى عنه من
أجل أن العورة تبدو إذا احتبى به؛ لأنه لم يتستر، فإذا احتبى بدت عورته.
وكان
القوم
حديثى عهد بجاهلية، وكانوا يطوفون بالبيت عراة، فلم يكونوا يحتشمون
من التعرى وكشف العورة. فلما من الله تعالى عليهم بالإسلام؛ فأدبهم،
وأمرهم بالستر في غير آية من التنزيل، وأمرهم بغض الأبصار، وحفظ الفروج؛
فقال (قُل لَلِمُؤمِنينَ يَغُضُوا مِن أَبصارِهِم، وَيَحفَظُوا
فُرُوجَهُم). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا يحل لرجل يؤمن بالله
واليوم الآخر أن ينظر إلى عرض أخيه(، فشدد في هذا، وحسم هذا الباب على
الخلق.
اشتمال الرجل في ثوب واحدوأما قوله:) نهى أن يشتمل الرجل في ثوب
واحد(.
فالاشتمال: أن يلتف بثوبه، ويرفع أحد جانبيه يمينا وشمالا على
عاتقه. فهذا مثل ما وصفنا بدءا أنه ستبدو عورته إذا فعل ذلك.
اشتمال
الصماءوأما قوله:) نهى أن تشتمل الصماء بثوب(.
فالعلة فيه مثل ذلك أيضا.
فأما الصماء: فهو أن يلتف بثوب، ثم يخرج يده اليمنى من عند صدره.
حدثنا
عبد الكريم بن عبد الله السكرى، حدثنا على بن الحسن، عن عبد الله بن
المبارك، عن جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضى الله عنه: أنه كان
يكره أن يلتحف الرجل بثوبه، ثم يخرج يده من قبل صدره؛ وقال: تلك الصماء.
الانتعال
قائماوأما قوله: )نهى أن ينتعل الرجل وهو قائم - وقال: إني أخاف أن يحدث
به داء لا دواء له(.
فقد بين العلة فيه؛ فللجسد عليك حق، فإذا حملت عليه
ما لا يطيق، فحدث به داء؛ فقد ظلمته.
كما هو أهله؛ والصلاة على محمد عبده ورسوله، وعلى آله، كما هو أهله.
قال
أبو عبد الله رحمه الله: حدثني أبي، عن رجاء بن نوح،عن عباد ابن كثير، عن
عثمان الأعرج، عن يونس بن عبيد وحوشب، عن الحسن: أنه قال: حدثني سبعة رهط
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو هريرة، وجابر بن عبد
الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار؛ كلهم
يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزيد بعضهم على بعض: أنه نهى.
قال
أبو
عبد الله رحمه الله: وحدثنا الفضل بن محمد بن وزير الدمشقي قال: حدثنا
حمزة بن ربيعة، عن عباد بن كثير بن قيس الثقفي، عن عثمان الأعرج، عن
الحسن: أنه قال: حدثني رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم:
أبو هريرة الدوسي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عمرو بن
العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار، وأنس
بن مالك؛ يزيد بعضهم على بعض: أنه نهى.
قال أبو عبد الله رحمه: فقد
نظرنا في هذا الحديث، في هذه الأشياء التي رووا عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أنه نهى عنها، فإذا هي متفاوتة؛ فمنها نهى أدب، ومنها نهى
تحريم. وقد جمعها الحديث كله، ولم نجد شيئا قد نهى عنه إلا بحق. وذلك أن
ضرره راجع إلى بعده عن سبيل الهدى؛ فإن سبيل الهدى مستقيم إلى الله تعالى،
ومن زاغ فإنما يزيغ عن الله تعالى؛ والاستقامة تقرب العبيد إلى الله، وأن
الله - تبارك اسمه - دعا العباد إلى دار السلام وأعلمهم أنهم ملاقوه، وبعث
رسوله عليه السلام؛ فقال: (قُل هَذِهِ سَبيلِى أَدعوا إِلى الله عَلى
بَصَيرَةٍ أَنا وَمَن اِتَبَعَنَى). فمن أجابه فعلا فقد أجابه، وإجابته
اتباع رسوله فيما زجر عنه. وقال الله تعالى في تنزيله (وَمَا آَتاكُمُ
الرَسُولُ فَخَذُوهُ، وَما نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا).
فوجدنا النهى
على ضربين: منه نهى تحريم تأديب، ومنه نهى تحريم. فمن ترك الأدب انحط عن
درجته، ومن وثب على التحريم سقط في الهلكة.
الاحتباء في ثوب واحدوأما
قوله:) نهى أن يحتبى الرجل في ثوب واحد(.
فقمن أن يكون إنما نهى عنه من
أجل أن العورة تبدو إذا احتبى به؛ لأنه لم يتستر، فإذا احتبى بدت عورته.
وكان
القوم
حديثى عهد بجاهلية، وكانوا يطوفون بالبيت عراة، فلم يكونوا يحتشمون
من التعرى وكشف العورة. فلما من الله تعالى عليهم بالإسلام؛ فأدبهم،
وأمرهم بالستر في غير آية من التنزيل، وأمرهم بغض الأبصار، وحفظ الفروج؛
فقال (قُل لَلِمُؤمِنينَ يَغُضُوا مِن أَبصارِهِم، وَيَحفَظُوا
فُرُوجَهُم). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا يحل لرجل يؤمن بالله
واليوم الآخر أن ينظر إلى عرض أخيه(، فشدد في هذا، وحسم هذا الباب على
الخلق.
اشتمال الرجل في ثوب واحدوأما قوله:) نهى أن يشتمل الرجل في ثوب
واحد(.
فالاشتمال: أن يلتف بثوبه، ويرفع أحد جانبيه يمينا وشمالا على
عاتقه. فهذا مثل ما وصفنا بدءا أنه ستبدو عورته إذا فعل ذلك.
اشتمال
الصماءوأما قوله:) نهى أن تشتمل الصماء بثوب(.
فالعلة فيه مثل ذلك أيضا.
فأما الصماء: فهو أن يلتف بثوب، ثم يخرج يده اليمنى من عند صدره.
حدثنا
عبد الكريم بن عبد الله السكرى، حدثنا على بن الحسن، عن عبد الله بن
المبارك، عن جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضى الله عنه: أنه كان
يكره أن يلتحف الرجل بثوبه، ثم يخرج يده من قبل صدره؛ وقال: تلك الصماء.
الانتعال
قائماوأما قوله: )نهى أن ينتعل الرجل وهو قائم - وقال: إني أخاف أن يحدث
به داء لا دواء له(.
فقد بين العلة فيه؛ فللجسد عليك حق، فإذا حملت عليه
ما لا يطيق، فحدث به داء؛ فقد ظلمته.
وإنما
جعل قوام البدن على الرجلين، فإذا انتعلت قائما، لم تجد بدا. من أن ترفع
قدما لتنعلها، فصار حمل البدن على رجل واحدة؛ فاضطربت العروق، فإذا اضطربت
العروق، لم يؤمن أن يحدث داء؛ لأن العروق مجارى الدم ومجارى الريح؛ فإذا
تضايقت في حال الاضطراب، هاج الدم، وهاجت الرياح؛ فربما وقعت في مرض لا
تخرج منه أبدا، وربما فاض الدم من العروق إذا اختنق العرق عند تضايقه من
مكانه؛ فصار الدم علقة، فإذا صارعلقة لم يجر، وكان دمه فاسدا، وربما
انكمشت الرياح الحادثة، وهاجت الساكنة؛ فهذا أمر عظيم.
وقد أوصى الله
العباد في شأن النفس؛ فقال: (وَلاَ تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلى التَهلُكَة).
وقال:
(وَلاَ
تَقتُلُوا أَنفُسَكُم إِنّ الله كَانَ بِكُم رَحيماً). ثم قال:
(وَمَن يَفعَل ذَلِكَ عُدواناً وَظُلماً فَسَوفَ نُصلِيهِ ناراً وَكَانَ
ذَلِكَ عَلى الله يَسيراً). فانظر أى وعيد هذا! وظلم النفس كظلم العباد..
فهذه أشياء خفية؛ فخفى على العامة عظيم مرجوع ضررها إلى النفس. وإنما تستر
له لأنه ستره، فنحن نقيم ستره، لا أن نسبر عنه، فالستر غير التستر عنه.
وأيضا خلة أخرى أن الجن والشياطين ينظرون إلى عورات بنى آدم، فيضحكون
ويستهزئون. حدثنا بشر ابن خالد البصرى،حدثنا سعيد بن مسلمة بن هشام بن
عبدالملك، حدثنا الأعمش، عن زيد العمى، عن أنس بن مالك رضى الله عنه، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ستر بين أعين الجن وبين عورات بنى آدم
إذا وضع الرجل ثوبه أن يقول: بسم الله) وكذلك في البراز يخاف أن ترميه
الجن بداهية.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال في
البراز حتى يخطوا على أنفسهم دائرة؛ كى يكون ذلك حريما لهم، فلا يصل إليه
الجن بداهية. حدثنا قتيبة، عن ابن لهية، عن عقيل عن ابن شهاب، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم )إذا اغتسل أحدكم في براز من الأرض ولم يجد
ما يستتر به، فليخطط على نفسه خطا، وليغتسل وسط الخط(.
أحكام
قضاء الحاجة
البول في المغتسل
وأما قوله: )نهى أن يبال في
المغتسل(.
فقد
بين في حديث آخر:)أن منه يحدث عامة الوسوسة( وذلك أن المغتسل في ذلك
الزمان - أعنى المدينة - كان في أرض ذات سباخ، فإذا صب الماء استنقع، وصار
ذلك الموضع وحلا، فإذا بال فيه استنقع واختلط بذلك الطين الذي فيه البول.
وأما إذا كان مغتسلا مقاما ومشيدا، فجرى فلم يبق هنالك بول، فلن يجد
الوسواس سبيلا إلى أن يحدث نفسك بشيء.
البول في الماء الراكدوأما قوله:)
ونهى عن البول في الماء الراكد(.
فهذه
غدران المدينة والمواضع التي يستنقع فيها الماء، وهي قليلة، لا عرض ولا
طول؛ فإذا بال فيها لم يؤمن أن يجيء جاء فيغترف منه للوضوء.
وقد نهى في
حديث آخر)عن أن يبول في الماء الراكد ثم يغتسل فيه أو يتوضأ منه(. ثم قال
أبو هريرة رضى الله عنه: وليبل في الماء الجارى أن شاء. حدثنا بذلك
الجارود بن معاذ، حدثنا عمر بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبى المهزم، عن
أبى هريرة، قال: وحدثنا الشقيقى، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت عبد الله بن
بريدة يبول في الماء الجارى.
حدثنا الحسن بن مطيع، حدثنا خلف بن أيوب،
عن يحيى بن زكريا، عن يونس، عن الحسن، قال: لا بأس بالبول في الماء الجارى.
قال
أبو
عبد الله رحمه الله: وإنما وقع النهى في الماء الراكد إذا كان قليلا
ليس له عرض ينبسط ولا طول يمتد؛ فذلك بمنزلة الإناء. وأما إذا انبسط حتى
يشبه الجارى في اطراد بعضه على بعض، فهو لاحق بالجارى؛ ألا ترى إلى قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر وهو راكد: (هو الطهور ماؤه، الحل
ميتته)
البول في المشارعوأما قوله:) نهى أن يبول في المشارع(.
فإن
مشارع المدينة راكدة وذلك أن العيون المنتبذة عن المدينة كانت تشرع منها
إلى المدينة، فتجرى إلى حوض، وهو المشرعة، فيستقى منه.
فهذا
والأواني واحد؛ لأن المشارع - الماء الجارى فيها كالساكن ليس له انصباب
وجرى كالنهر، فذلك البول يدور مع الماء في المشرعة، ولا يكاد يخرج إلا بعد
مدة.
المغتسل(.
فقد
بين في حديث آخر:)أن منه يحدث عامة الوسوسة( وذلك أن المغتسل في ذلك
الزمان - أعنى المدينة - كان في أرض ذات سباخ، فإذا صب الماء استنقع، وصار
ذلك الموضع وحلا، فإذا بال فيه استنقع واختلط بذلك الطين الذي فيه البول.
وأما إذا كان مغتسلا مقاما ومشيدا، فجرى فلم يبق هنالك بول، فلن يجد
الوسواس سبيلا إلى أن يحدث نفسك بشيء.
البول في الماء الراكدوأما قوله:)
ونهى عن البول في الماء الراكد(.
فهذه
غدران المدينة والمواضع التي يستنقع فيها الماء، وهي قليلة، لا عرض ولا
طول؛ فإذا بال فيها لم يؤمن أن يجيء جاء فيغترف منه للوضوء.
وقد نهى في
حديث آخر)عن أن يبول في الماء الراكد ثم يغتسل فيه أو يتوضأ منه(. ثم قال
أبو هريرة رضى الله عنه: وليبل في الماء الجارى أن شاء. حدثنا بذلك
الجارود بن معاذ، حدثنا عمر بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبى المهزم، عن
أبى هريرة، قال: وحدثنا الشقيقى، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت عبد الله بن
بريدة يبول في الماء الجارى.
حدثنا الحسن بن مطيع، حدثنا خلف بن أيوب،
عن يحيى بن زكريا، عن يونس، عن الحسن، قال: لا بأس بالبول في الماء الجارى.
قال
أبو
عبد الله رحمه الله: وإنما وقع النهى في الماء الراكد إذا كان قليلا
ليس له عرض ينبسط ولا طول يمتد؛ فذلك بمنزلة الإناء. وأما إذا انبسط حتى
يشبه الجارى في اطراد بعضه على بعض، فهو لاحق بالجارى؛ ألا ترى إلى قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر وهو راكد: (هو الطهور ماؤه، الحل
ميتته)
البول في المشارعوأما قوله:) نهى أن يبول في المشارع(.
فإن
مشارع المدينة راكدة وذلك أن العيون المنتبذة عن المدينة كانت تشرع منها
إلى المدينة، فتجرى إلى حوض، وهو المشرعة، فيستقى منه.
فهذا
والأواني واحد؛ لأن المشارع - الماء الجارى فيها كالساكن ليس له انصباب
وجرى كالنهر، فذلك البول يدور مع الماء في المشرعة، ولا يكاد يخرج إلا بعد
مدة.
فكل مكان لا يكون مجرى الماء فيه قوة وانصباب، فإذا بال فيه فالبول
هناك موجود. وإنما رخص في الماء الجارى لجريه وذهابه. وقلما يوجد في
المشارع ذلك الجرى السريع الذي يذهب بأثر البول؛ ألا ترى أنهم لم يعنوا
بالجرى الضعيف من الأنهار حتى يكون له قوة، فمنهم من قال حتى يدهده بعرة
أو جوزة.
قال: حدثنا عمر بن أبى عمر،حدثنا شريح بن النعمان، قال: سمعت
أبا يوسف يقول في الماء الجارى القليل: إذا كان بقدر ما إذا رفعت بكفيك
منه، فاض من الجانبين، ولم ينقطع أعلاه من أسفله؛ فلا بأس به.
وتأويل
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إذا كان الماء قلين لم يحمل خبثا( على
ذلك تأولوه.
قال:
وسمعت أبا يوسف يقول في تأويل الحديث الذي جاء) إذا كان الماء قلين( إذا
كان عينه تنبع، وكانت مقدار قلتين، وهو جار وله نبعان، فلا بأس به.
حدثنا
الجارود،
حدثنا عيسى بن الفضل المروزى، عن عبد الله ابن المبارك في تأويل
هذه الحديث، قال: إذا كان الماء قلين جاريا. حدثنا عمر بن أبى عمر،حدثنا
شريح بن النعمان، قال: سمعت أبا يوسف يقول في تأويل هذا الحديث:) إذا كان
الماء قلين( إذا كان عينه تنبع، وكانت مقدار قلتين، وهو جار وله نبعان؛
فتوضأ من نبعانه؛ فلا بأس به.
البول والفرج باد للشمس أو القمر
وأما
قوله:) نهى أن يبول الرجل وفرجه باد إلى الشمس أو القمر(.
فإن الشمس
والقمر خلقان من خلقه، وآيتان من آياته، وكسوتهما من نور العرش فيما روى
لنا.
فلا تستقبل بعورتك إياهما إعظاما لهما، وإجلالآ لذلك النور.
وقد
قال الله تعالى: (وَجَعَلنا اللَيلَ وَالنَّهارَ آَيَتينِ، فَمَحونا
آَيَةَ اللَيلِ، وَجَعَلنا آَيَةَ النَّهارِ مُبصِرِةً). حدثنا عمر بن
يحيى بن نافع الأيلى، عن أنس بن مالك في قوله تعالى: (فَمَحَونا آَيَةَ
اللَيلِ) قال: سواد في القمر.
وأيضا علة أخرى: أن الملائكة الموكلين
بسياقتهما معهما؛ فإذا بدا لهما بدا للملائكة.
وروى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:)أجلوا - أو قال أكرموا - الكرام
الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا في حالين. الغائط والجنابة( وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يستر عورته عن عائشة رضى الله عنها. وقالت عائشة
رضى الله عنها:)ما رأيت منه - يعنى عورته - (.
حدثنا الجارود، حدثنا
الفضل بن موسى، عن عبد السلام بن حرب، عن الأعمش،عن أنس بن مالك قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء لم يرفع ثوبه حتى يدنو من
الأرض.
استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائطوأما قوله:) نهى أن تبول
مستقبل القبلة (.
فإن
القبلة بيت الله.. بسط الأرض، وجعلها بساطا لعباده ومهادا ومسكنا، واختار
موضع البيت لنفسه فلم يملكه أحداً، وجعله محل الرحمة ومعلمه ومظهره. وهو
بحذاء البيت المعمور، وبحذاء العرش؛ فله حرمة عظيمة. وهو بعين الله،
وصفوته من الأرض؛ فإذا استقبله بفرجه، فقد أسقط حرمته، واستهان به.
حدثنا
محمد
بن إسماعيل بن سمرة الأحمس، حدثنا إبراهيم بن عيينة، عن ابن الصباح،
قال: سمعت من أبى نصير، عن مولى لأبى بكر، عن أبى بكر رضى الله عنه، قال:
من انحرف عن القبلة من غائط أو بول تعظيما لجلال الله تعالى، لم يستو
منحرفا حتى يغفر الله له. قال: ومن مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من
مقته.
ثم روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه تبول مستقبل
القبلة.. حدثنا الجارود بذلك، حدثنا عبيد الله موسى، حدثنا عيسى الخياط،
عن نافع، عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنفيه
مستقبل القبلة.
قال عبيد الله: حدثنا عيسى، عن أبيه، عن أبى هريرة،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،)لاتستقبلوها ولا تستدبروها(. قال
عيسى: فذكرت ذلك للشعبى، فقال: صدق أبوهريرة، وصدق ابن عمر. أما قول أبى
هريرة، فذاك في الصحراء لا يستقبلها ولا يستدبرها. وأما قول ابن عمر رضى
الله عنهم، فذاك كنيف بيت صنع للنتن ليس فيه قبلة؛ استقبل حيث شئت. حدثنا
سهل بن العباس، حدثنا عبد الله بن نمير العوفى، عن عبيد الله، عن نافع، عن
ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنفيه لبنتين مستقبل
القبلة يبول.
التبول قائماوأما قوله:) نهى أن يبول الرجل وهو قائم(.
فهذا
على معنيين:
قوله:) نهى أن يبول الرجل وفرجه باد إلى الشمس أو القمر(.
فإن الشمس
والقمر خلقان من خلقه، وآيتان من آياته، وكسوتهما من نور العرش فيما روى
لنا.
فلا تستقبل بعورتك إياهما إعظاما لهما، وإجلالآ لذلك النور.
وقد
قال الله تعالى: (وَجَعَلنا اللَيلَ وَالنَّهارَ آَيَتينِ، فَمَحونا
آَيَةَ اللَيلِ، وَجَعَلنا آَيَةَ النَّهارِ مُبصِرِةً). حدثنا عمر بن
يحيى بن نافع الأيلى، عن أنس بن مالك في قوله تعالى: (فَمَحَونا آَيَةَ
اللَيلِ) قال: سواد في القمر.
وأيضا علة أخرى: أن الملائكة الموكلين
بسياقتهما معهما؛ فإذا بدا لهما بدا للملائكة.
وروى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:)أجلوا - أو قال أكرموا - الكرام
الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا في حالين. الغائط والجنابة( وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يستر عورته عن عائشة رضى الله عنها. وقالت عائشة
رضى الله عنها:)ما رأيت منه - يعنى عورته - (.
حدثنا الجارود، حدثنا
الفضل بن موسى، عن عبد السلام بن حرب، عن الأعمش،عن أنس بن مالك قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء لم يرفع ثوبه حتى يدنو من
الأرض.
استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائطوأما قوله:) نهى أن تبول
مستقبل القبلة (.
فإن
القبلة بيت الله.. بسط الأرض، وجعلها بساطا لعباده ومهادا ومسكنا، واختار
موضع البيت لنفسه فلم يملكه أحداً، وجعله محل الرحمة ومعلمه ومظهره. وهو
بحذاء البيت المعمور، وبحذاء العرش؛ فله حرمة عظيمة. وهو بعين الله،
وصفوته من الأرض؛ فإذا استقبله بفرجه، فقد أسقط حرمته، واستهان به.
حدثنا
محمد
بن إسماعيل بن سمرة الأحمس، حدثنا إبراهيم بن عيينة، عن ابن الصباح،
قال: سمعت من أبى نصير، عن مولى لأبى بكر، عن أبى بكر رضى الله عنه، قال:
من انحرف عن القبلة من غائط أو بول تعظيما لجلال الله تعالى، لم يستو
منحرفا حتى يغفر الله له. قال: ومن مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من
مقته.
ثم روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه تبول مستقبل
القبلة.. حدثنا الجارود بذلك، حدثنا عبيد الله موسى، حدثنا عيسى الخياط،
عن نافع، عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنفيه
مستقبل القبلة.
قال عبيد الله: حدثنا عيسى، عن أبيه، عن أبى هريرة،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،)لاتستقبلوها ولا تستدبروها(. قال
عيسى: فذكرت ذلك للشعبى، فقال: صدق أبوهريرة، وصدق ابن عمر. أما قول أبى
هريرة، فذاك في الصحراء لا يستقبلها ولا يستدبرها. وأما قول ابن عمر رضى
الله عنهم، فذاك كنيف بيت صنع للنتن ليس فيه قبلة؛ استقبل حيث شئت. حدثنا
سهل بن العباس، حدثنا عبد الله بن نمير العوفى، عن عبيد الله، عن نافع، عن
ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنفيه لبنتين مستقبل
القبلة يبول.
التبول قائماوأما قوله:) نهى أن يبول الرجل وهو قائم(.
فهذا
على معنيين:
أحدهما:
أنه إذا بال قائما لم يؤمن من أن يصيبه من النضح، وقال صلى الله عليه وسلم
)استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه( وروى أنه مر بقبر،
فقال:)أتسمعون ما أسمع؟(، قالوا: لا يا رسول الله؛ فقال:)لولا تمريغ في
قلوبكم، وتزبيد في حديثكم لسمعتم ما أسمع، إن صاحب القبر أقعد فضرب فصاح
صيحة تسمع من الخافقين، وتطاير كل عضو منه ثم عاد إلى مكانه(. قيل: يا
رسول الله، في ماذا؟ قال: )في البول(.
قال: وذكر لنا أنه لما وضع سعد
بن معاذ الأنصارى رضى الله عنه، الذى اهتز العرش لوفاته، في قبره تضايق
عليه قبره؛ فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: )لقد تضايق على
هذا العبد الصالح حفرته، ثم فرج عنه(.
قيل:يا رسول الله، مم ذاك؟
فقال:) كان يقصر في بعض طهوره( وذلك أن القوم كانوا لا يستنجون بالماء،
ويكتفون بالأحجار. وكان عهدهم بذلك الأمر كذلك. فلما ظهر الاستنجاء كانوا
يفعلون ولا يفعلون.
فشأن البول عظيم؛ وإنما صار عندنا كذلك؛ لأن آدم
عليه السلام لما أكل من الشجرة، وجد العدو سبيلا إلى جوفه، فاستقر عند
المعدة؛ فلذلك ما خرج من أسفل البدن صار حدثا، وكان ذلك الشيء نجسا. وما
خرج من أعلى البدن مثل الدموع والنخاعة والمخاط كان طاهرا ولم يكن طهوره
حدثا. فما كان في جوف ابن آدم مما يلى مستقره ينجس بنجاسته وكفره.
وإذا
بال قائما لم يؤمن من النضح، وكان النبى صلى الله عليه وسلم: )يرتاد ويتبوأ
لبوله كما يتبوأ لمنزله(.
حدثنا بذلك صالح بن عبد الله، حدثنا حماد بن
زيد، عن واصل مولى أبى عيينه، عن يحيى بن عبيد، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بذلك.
وكان إذا وجد مكانا أو موضعا يتمكن فيه بال قائما؛ فقد روى
عنه صلى الله عليه وسلم، من وجوه كثيره: أنه قد فعل ذلك.
ثم روى عنه:
أنه كره ذلك.
ففعله
عندنا ذلك في تلك المواضع التى إذا بال فيها قائماً كان أنزه له، وتركه
لذلك في المواضع التى إذا بال فيها قاعدا كان أنزه له. ولا نظن به صلى
الله عليه وسلم غير ذلك. وروى عنه:أنه مر بسباطة قوم فبال قائما.
فهذا
ما قلناه إنه لما أمن من النضج لم يعبأ بالقيام.
وعله
أخرى: أن القيام حال غير متمكن، ومادام قائما فإن العروق قائمة بقيام
البدن، والقلب منتصب، ومجمع العروق عند القلب، فما دام القلب منتصباً
فالعروق كذلك، فإذا قعد استرخت العروق؛ ألا ترى أنك تجد عن البول استرخاء
القلب. وما دام لا يسترخى لا يقدر أن يبول. وإذا أراد أن يمسكه إنما يمسكه
بالقلب؛ لأن مجمع العروق هنالك يصرر حتى يستمسك. فإذا قعد على قدميه كان
سبيل البول أوسع، وجريه أسهل؛ لا سترخاء القلب وتخلية التصرير. فهذا غير
مدفوع.
الاستنجاء بروث أو عظم
وأما قوله:) نهى أن يستنجى
بروث أو بعظم(.
فذلك
من أجل أن الجن لما انصدعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسلموا
وبايعوا، رجع منهم راجع إليه فسأله الزاد، فرمى إليهم بعظم وروث، فصار
العظم لحما والروث طعاماً، وكان ذلك زادهم.
حدثنا عبد الله بن الوضاح
النخعى، حدثنا حفص بن غياث، عن داود ابن أبى هند، عن الشعبى، عن علقمة عن
عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:)لا تستنجوا بالعظم ولا
بالروث؛ فإنهما زاد إخوانكم من الجن(.
حدثنا صالح بن محمد، حدثنا
إبراهيم بن محمد الأسلمى، عن الصالح مولى التوأمة، عن ابن عباس وابن مسعود
رضى الله عنهما، قالا: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الجن العظام
والروث، ولا يمرون على شئ منه إلا وجدوه لحما وشعيرا.حدثنا صالح، حدثنا
سعيد بن سالم القداح، عن إسرائيل عن أبى فزارة، عن أبى زيد مولى عمرو بن
حريث، عن عبد الله بن مسعود، قال:كنت مضطجعا عند الكعبة، فمر بى رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فحركنى برجليه، وقال:)الحقنى( فتناولت إدارة رجل إلى
جنبى فأخذتها، ثم انطلقت معه، ثم برز، ثم خط على خطاً، فقال:)لا تبرح هذا
الخط، فإنك إن خرجت لم ترنى ولم أرك(. ثم انطلق، فبت ليلى قائما على رجلى،
فسمعت صوتا لم أسمع مثله، فهممت أن أخرج، ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه الصبح، قلت: يا رسول
الله، ما نمت الليلة، ومازلت قائما، قال عليه السلام:)أما إنك لو جلست لم
يضرك(، ثم قال: )هل من طهور؟(، قلت: نعم يا رسول الله، فتناولت الإدارة
وأنا أراها ماءً، فإذا هي نبيذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )تمرة
طيبة وماء طهور(، ثم توضأ وصلى خلفه رجلا، فلما سلم قال لهما:)ألم اقض
لكما ولقومكما حوائجهم؟( قلا: بلى ولكنا أحببنا أن نشهد الصلاة معك، قلت:
يا رسول الله، سمعت صوتا لم أسمع بمثله فهممت أن أخرج، ثم ذكرت قولك؛
فقال: )أما إنك لو خرجت لم ترنى ولم أرك، أما الصوت الأول فسألوا الرزق
فدعوت الله أن يرزقهم فأمنوا،وأما الصوت الآخر فسلمت عليهم فردوا السلام(،
قلت: يا رسول الله، ما رزقهم؟ قال:)الروث والعظم( قلت: وكيف يأكلون الروث
والعظم؟ قال:) أما الروث فيكون أخضر كما كان وأما العظم فينهشون منه(.
حدثنا
عمر
بن ابن عمرن حدثنا ربيع بن روح الحوطى، حدثنا بقية، حدثنى نمير بن
يزيد القينى، حدثنا أبى، حدثنا قحافة بن ربيعة، حدثنى الزبير بن العوام
رضى الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في
مسجد المدينة، فلما انصرف قال: )أيكم يتبعنى إلى وفد الجن الليلة؟(، فسكت
القوم، فلم يتكلم أحد منهم، ثم قال لنا ذلك ثانيا، فلم يتكلم من القوم
أحد، فمر بى يمشى، فأخذ بيدى، فجعلت أمشى معه، وما أحد مشى معه غيرى، حتى
حبس عنا جبلا المدينة، وأفضينا إلى أرض براز، فإذا نحن برجال طوال كأنهم
الرماح يستنفرون ثيابهم من بين أرجلهم، كلما رأيتهم غشيتنى رعدة حتى ما
تمسكنى رجلاى من الفرق، فلما دنا منهم خط رسول الله صلى الله عليه وسلم
بإبهام رجله في الأرض دائرة، وقال لى:)اقعد في وسطها(، فلما جلست فيها ذهب
عنى كل شئ كنت أجده من ريبة، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينى
وبينهم قريباً، ثم تلا عليهم قرآنا رقيقا حتى سطع الفجر، ثم انصرفوا فمر
بى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:)الحق، فرجعنا نمشى غير بعيد، فقال
لى:) التفت(، وقد أسفرنا، فقال:)انظر هل ترى من هؤلاء القوم أحداً حيث
كنا؟(، قلت: يا رسول الله، إنى لأرى حيث كنا سوادا. فخفض رسول الله صلى
الله عليه وسلم يده إلى الأرض، فأخذ عظما وروثة، فضم أحدهما إلى الآخر، ثم
رمى بهما قبلهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم:)رشد أولئك ورشد قومهم(. قال
الزبير رضى الله عنه: لا يحل لأحد سمع بهذا الحديث أن يستنجى بعظم ولا
روثة بعده.
بروث أو بعظم(.
فذلك
من أجل أن الجن لما انصدعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسلموا
وبايعوا، رجع منهم راجع إليه فسأله الزاد، فرمى إليهم بعظم وروث، فصار
العظم لحما والروث طعاماً، وكان ذلك زادهم.
حدثنا عبد الله بن الوضاح
النخعى، حدثنا حفص بن غياث، عن داود ابن أبى هند، عن الشعبى، عن علقمة عن
عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:)لا تستنجوا بالعظم ولا
بالروث؛ فإنهما زاد إخوانكم من الجن(.
حدثنا صالح بن محمد، حدثنا
إبراهيم بن محمد الأسلمى، عن الصالح مولى التوأمة، عن ابن عباس وابن مسعود
رضى الله عنهما، قالا: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد الجن العظام
والروث، ولا يمرون على شئ منه إلا وجدوه لحما وشعيرا.حدثنا صالح، حدثنا
سعيد بن سالم القداح، عن إسرائيل عن أبى فزارة، عن أبى زيد مولى عمرو بن
حريث، عن عبد الله بن مسعود، قال:كنت مضطجعا عند الكعبة، فمر بى رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فحركنى برجليه، وقال:)الحقنى( فتناولت إدارة رجل إلى
جنبى فأخذتها، ثم انطلقت معه، ثم برز، ثم خط على خطاً، فقال:)لا تبرح هذا
الخط، فإنك إن خرجت لم ترنى ولم أرك(. ثم انطلق، فبت ليلى قائما على رجلى،
فسمعت صوتا لم أسمع مثله، فهممت أن أخرج، ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه الصبح، قلت: يا رسول
الله، ما نمت الليلة، ومازلت قائما، قال عليه السلام:)أما إنك لو جلست لم
يضرك(، ثم قال: )هل من طهور؟(، قلت: نعم يا رسول الله، فتناولت الإدارة
وأنا أراها ماءً، فإذا هي نبيذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )تمرة
طيبة وماء طهور(، ثم توضأ وصلى خلفه رجلا، فلما سلم قال لهما:)ألم اقض
لكما ولقومكما حوائجهم؟( قلا: بلى ولكنا أحببنا أن نشهد الصلاة معك، قلت:
يا رسول الله، سمعت صوتا لم أسمع بمثله فهممت أن أخرج، ثم ذكرت قولك؛
فقال: )أما إنك لو خرجت لم ترنى ولم أرك، أما الصوت الأول فسألوا الرزق
فدعوت الله أن يرزقهم فأمنوا،وأما الصوت الآخر فسلمت عليهم فردوا السلام(،
قلت: يا رسول الله، ما رزقهم؟ قال:)الروث والعظم( قلت: وكيف يأكلون الروث
والعظم؟ قال:) أما الروث فيكون أخضر كما كان وأما العظم فينهشون منه(.
حدثنا
عمر
بن ابن عمرن حدثنا ربيع بن روح الحوطى، حدثنا بقية، حدثنى نمير بن
يزيد القينى، حدثنا أبى، حدثنا قحافة بن ربيعة، حدثنى الزبير بن العوام
رضى الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في
مسجد المدينة، فلما انصرف قال: )أيكم يتبعنى إلى وفد الجن الليلة؟(، فسكت
القوم، فلم يتكلم أحد منهم، ثم قال لنا ذلك ثانيا، فلم يتكلم من القوم
أحد، فمر بى يمشى، فأخذ بيدى، فجعلت أمشى معه، وما أحد مشى معه غيرى، حتى
حبس عنا جبلا المدينة، وأفضينا إلى أرض براز، فإذا نحن برجال طوال كأنهم
الرماح يستنفرون ثيابهم من بين أرجلهم، كلما رأيتهم غشيتنى رعدة حتى ما
تمسكنى رجلاى من الفرق، فلما دنا منهم خط رسول الله صلى الله عليه وسلم
بإبهام رجله في الأرض دائرة، وقال لى:)اقعد في وسطها(، فلما جلست فيها ذهب
عنى كل شئ كنت أجده من ريبة، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينى
وبينهم قريباً، ثم تلا عليهم قرآنا رقيقا حتى سطع الفجر، ثم انصرفوا فمر
بى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:)الحق، فرجعنا نمشى غير بعيد، فقال
لى:) التفت(، وقد أسفرنا، فقال:)انظر هل ترى من هؤلاء القوم أحداً حيث
كنا؟(، قلت: يا رسول الله، إنى لأرى حيث كنا سوادا. فخفض رسول الله صلى
الله عليه وسلم يده إلى الأرض، فأخذ عظما وروثة، فضم أحدهما إلى الآخر، ثم
رمى بهما قبلهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم:)رشد أولئك ورشد قومهم(. قال
الزبير رضى الله عنه: لا يحل لأحد سمع بهذا الحديث أن يستنجى بعظم ولا
روثة بعده.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
المعازف واللهو
فهذا
كله
من الباطل، وليس في هذا شيء من الحق. وقد أمر الله تعالى رسوله الله
صلى الله عليه وسلم بمحقه؛ فليس شيء من هذا حق. حدثنا صالح بن عبد الله،
حدثنا فرج بن فضالة، عن على بن يزيد، عن القاسم، عن أبى أمامة، قال: رسول
الله صلى الله عليه وسلم:)إن الله تعالى بعثنى رحمة للعالمين، وأمرنى بمحق
المعازف، والمزامير، والصليب، وأمر الجاهلية. وحلف ربى بعزته: لا يشرب عبد
من عبيدى جرعة من خمر متعمداً إلا سقيته من صديد أهل النار يوم القيامة،
مغفوراً له معذبا، ولا يتركها من مخافتى إلا سقيته من حياض يوم القيامة،
ولا يسقيها صبياً صغيراً أو ضعيفاً مسلما إلا سقيته من صديد أهل النار يوم
القيامة مغفوراً له أو معذباً(.
قال أبو عبد الله رحمه الله: فالفرح
مقسوم على أولاد آدم كلهم، مركب في أجسادهم؛ فذهبت طائفة منهم فاستعملته
في عبادة الأوثان، وطائفة استعملوه في دنياهم، وطائفة استعملوه في ذات
الله.
فمن فرح بالأوثان فأجزانه دائمة في النار، ومن فرح بدنياه
فخسرانه بين يدى الله غدا مع الخسران، ومن فرح بالإسلام والطاعة شكر على
ذلك وأثيب عليه، ومن فرح بالله قرب وحيى وأكرم وشرف وبويء له منازل في
عليين، قال الله تعالى: (وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُنيَا، وَمَا الحَياةُ
الدُنيا في الآَخِرَةِ إِلاّ مَتاع)، ثم قال: (قُل بِفَضلِ الله
وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلَيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ).
ثم روى أنه قال للصديقين: أيها الصديقون، تنعموا بذكرى، وبى فافرحوا.
فالمشتغلون
بنفوسهم
فرحوا بما فضلهم الله به من الإسلام ومن عليهم؛ والمشتغلون بالله
انكشف لهم الغطاء، وفرحوا بالله، وتاهت قلوبهم في جلال الله؛ ففرحوا
بأديانهم، قال الله تعالى: (كُلُ حِزِبٍ بِمَا لَدَيهِم فَرِحُون). فخابوا
حين استعملوا هذا الفرح الذى أعطوا في دين تلقوه من الشيطان.
فلما جاء
الله بالإسلام، وبعث محمداً رسوله الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبب الفرح
والرحمة، أمره بمحق كل فرح فرح به أهل الباطل؛ فأمره بكسر الأوثان
والصلبان، وأمره بحق العازف والمزامير، وكل ذي وتر؛ لأن ذلك فرح فيه حظ
الشيطان؛ وجعل الفرح بيده، فهو يمزجها في هذه الأصوات؛ حتى يضربوا بذلك حظ
الشيطان؛ حتى لا يكون فرح إلا بالله وبالعبودية له. فمنهم من فرح
بالعبودة، ولم يكن له طريق إليه فيفرح به، ومنهم من فرح بالله.
فهذا سبب
تحريم العازف، واللعب بكل ما يلهى عن الله. ويوضع كل هذا في الميزان في
كفة الباطل.
والمعازف
كل ما تجد نفسك لصوته إذا حرك عزوفا، فالعزوف سلطان الشهوة، وإنما صار
كذلك لأن الشهوة التى فيك إنما هى من المحفوفة بباب النار بالشهوات، فتلك
خلقها الله ذات زينة وضياء وبهجة فتنة للعباد، وقسم للعدو منها حظا، وجعل
للآدميين حظا. فحظوظ الآدميين، في أجوافهم، وحظ العدو عنده؛ فإذا مازج
بحظه حظوظ الآدميين، اهتاجت شهوات الآدميين، وتلظت فتنتهم. وقد روى حديث
يحيى بن زكريا عليه السلام حين سأل إبليس: ما هذه الأكواز الصغار التى
علقتها على وسطك؟ قال: فيها شهوات بنى آدم، فأنا أذيقهم إياها واحدا
واحدا، حتى آخذهم بواحدة منها.
وأما الصوت الذى يخرج من الأوثان، فذلك
أصله من اللطف، أعلى له إبليس حظا من اللطف يومئذ فأعطى على الاستدراج،
فهو بذلك يصوت في أجواف الأصنام، فسبى بها قلوبا خلت من التوحيد. وإذا
خرجت الأصوات من كل ذى وتر مازج ما أعطى من اللطف بهذا الصوت حتى تفتن
القلوب بذلك، وسبا نفوسهم الشهوانية.
وأهل التوحيد حشى توحيدهم بالفرح
بالله، فلا يقدر العدو أن يسبى قلوبهم ونفوسهم بما عنده من الفرح.. ألا
ترى إلى قوله تعالى: (وَلَكِنَ الله حَبَبَ إِليهِمُ الإِيمانَ وَزَيَنَهُ
فِي قُلُوبِكُم، وَكَرِهَ إِلَيكُم الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيان). فإذا
كانت المحبة والزينة في قلب، فذاك قلب محشو من الفرح بمولاه، وهو لا يعلم
لغلبة الشهوات، وغلبة أفراح الدنيا، قد انكمش بما فيه من الفرح.. ألا ترى
أنه إذا وعظ وذكر بالله كيف تدمع عيناه، وكيف يقع في العويل.
قال:
وسمعت الجارود بن معاذ يقول لوكيع رحمه الله: أنت تصوم الدهر وتتعب، فمم
سمنك هذا؟! من سرورى بالإسلام. فليست هذه البدانة من تربية أغذية الدنيا؛
فإذا فرح الإنسان بدن ولحم فكل فرح من فرح الدنيا فهو أملك بذلك البدن
واللحم. فإن كان فرحه بالله فالله أولى، وإن كان فرحه بأمر الله أولى به
وهو طاعته وعبودته، وأن كان فرحه بدنياه فدنياه أملك به وأولى،فإذا كانت
الدنيا ضاع المسكين، وتحولت أفراحه أحزانا ودهشا وحيرة وأسفاً وندماً. وإن
كان فرحه بمعبوده من الرجس والأوثان، فهو أولى به؛ فالنار معه، والشيطان
قرينه،. وكذلك ما حرم الله من هذه الأشربة سببها الأفراح التى تهتاج به
فيه، حتى تفسد عليه عقله. ومن أجل ذلك لا يكاد يجد منهمكا في هذا الشراب
لا يصبر عنه؛ لما وجد من لذة الفرح في عاجل الدنيا.
الكذب
وقد
وصفنا بدءاً أن الكذب هو زعم أنه لم يكن وقد كونه الله تعالى، فهو قائل
على الله تعالى زورا. وإذا حلف على ذلك فهو يريد أن يؤكد ذلك النفى باسمه،
فهذه جرأة على الجرأة. والصبر هو أن يثبت على هذه الجرأة، ولا يهاب، ولا
ينفر قلبه من أن يؤكد شيئاً لم يكونه الله، وهو يريد أن يثبته باسمه
الأعظم، يريد به اقتطاع شيء من حطام الدنيا مما قسم لأخيه وجعل له رزقا.
فلذلك عظم الخطب فيه، وحل الغضب به. وروى عن الله تعالى أنه قال: (يا موسى
لا تحلف بى كاذباً؛ فمن حلف على كاذباً ألقيت عليه ثقال الفيلوت. قال:
)يارب: وما الفيلوت؟ قال: السكر من غير شراب(. فمن سكر عن الله فماذا يبقى
معه؟ وكيف يكون حال مقدمه على الله وهو سكران عن الله فقد أسكره غضبه عليه؟
السحر
وأما قوله:) ونهى عن المزمار عند النعمة، ونهى عن
الدف والكوبة، ونهى عن الرقص ونهى عن كل ذى وتر، ونهى عن اللعب كله(.
الدف والكوبة، ونهى عن الرقص ونهى عن كل ذى وتر، ونهى عن اللعب كله(.
فهذا
كله
من الباطل، وليس في هذا شيء من الحق. وقد أمر الله تعالى رسوله الله
صلى الله عليه وسلم بمحقه؛ فليس شيء من هذا حق. حدثنا صالح بن عبد الله،
حدثنا فرج بن فضالة، عن على بن يزيد، عن القاسم، عن أبى أمامة، قال: رسول
الله صلى الله عليه وسلم:)إن الله تعالى بعثنى رحمة للعالمين، وأمرنى بمحق
المعازف، والمزامير، والصليب، وأمر الجاهلية. وحلف ربى بعزته: لا يشرب عبد
من عبيدى جرعة من خمر متعمداً إلا سقيته من صديد أهل النار يوم القيامة،
مغفوراً له معذبا، ولا يتركها من مخافتى إلا سقيته من حياض يوم القيامة،
ولا يسقيها صبياً صغيراً أو ضعيفاً مسلما إلا سقيته من صديد أهل النار يوم
القيامة مغفوراً له أو معذباً(.
قال أبو عبد الله رحمه الله: فالفرح
مقسوم على أولاد آدم كلهم، مركب في أجسادهم؛ فذهبت طائفة منهم فاستعملته
في عبادة الأوثان، وطائفة استعملوه في دنياهم، وطائفة استعملوه في ذات
الله.
فمن فرح بالأوثان فأجزانه دائمة في النار، ومن فرح بدنياه
فخسرانه بين يدى الله غدا مع الخسران، ومن فرح بالإسلام والطاعة شكر على
ذلك وأثيب عليه، ومن فرح بالله قرب وحيى وأكرم وشرف وبويء له منازل في
عليين، قال الله تعالى: (وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُنيَا، وَمَا الحَياةُ
الدُنيا في الآَخِرَةِ إِلاّ مَتاع)، ثم قال: (قُل بِفَضلِ الله
وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلَيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ).
ثم روى أنه قال للصديقين: أيها الصديقون، تنعموا بذكرى، وبى فافرحوا.
فالمشتغلون
بنفوسهم
فرحوا بما فضلهم الله به من الإسلام ومن عليهم؛ والمشتغلون بالله
انكشف لهم الغطاء، وفرحوا بالله، وتاهت قلوبهم في جلال الله؛ ففرحوا
بأديانهم، قال الله تعالى: (كُلُ حِزِبٍ بِمَا لَدَيهِم فَرِحُون). فخابوا
حين استعملوا هذا الفرح الذى أعطوا في دين تلقوه من الشيطان.
فلما جاء
الله بالإسلام، وبعث محمداً رسوله الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبب الفرح
والرحمة، أمره بمحق كل فرح فرح به أهل الباطل؛ فأمره بكسر الأوثان
والصلبان، وأمره بحق العازف والمزامير، وكل ذي وتر؛ لأن ذلك فرح فيه حظ
الشيطان؛ وجعل الفرح بيده، فهو يمزجها في هذه الأصوات؛ حتى يضربوا بذلك حظ
الشيطان؛ حتى لا يكون فرح إلا بالله وبالعبودية له. فمنهم من فرح
بالعبودة، ولم يكن له طريق إليه فيفرح به، ومنهم من فرح بالله.
فهذا سبب
تحريم العازف، واللعب بكل ما يلهى عن الله. ويوضع كل هذا في الميزان في
كفة الباطل.
والمعازف
كل ما تجد نفسك لصوته إذا حرك عزوفا، فالعزوف سلطان الشهوة، وإنما صار
كذلك لأن الشهوة التى فيك إنما هى من المحفوفة بباب النار بالشهوات، فتلك
خلقها الله ذات زينة وضياء وبهجة فتنة للعباد، وقسم للعدو منها حظا، وجعل
للآدميين حظا. فحظوظ الآدميين، في أجوافهم، وحظ العدو عنده؛ فإذا مازج
بحظه حظوظ الآدميين، اهتاجت شهوات الآدميين، وتلظت فتنتهم. وقد روى حديث
يحيى بن زكريا عليه السلام حين سأل إبليس: ما هذه الأكواز الصغار التى
علقتها على وسطك؟ قال: فيها شهوات بنى آدم، فأنا أذيقهم إياها واحدا
واحدا، حتى آخذهم بواحدة منها.
وأما الصوت الذى يخرج من الأوثان، فذلك
أصله من اللطف، أعلى له إبليس حظا من اللطف يومئذ فأعطى على الاستدراج،
فهو بذلك يصوت في أجواف الأصنام، فسبى بها قلوبا خلت من التوحيد. وإذا
خرجت الأصوات من كل ذى وتر مازج ما أعطى من اللطف بهذا الصوت حتى تفتن
القلوب بذلك، وسبا نفوسهم الشهوانية.
وأهل التوحيد حشى توحيدهم بالفرح
بالله، فلا يقدر العدو أن يسبى قلوبهم ونفوسهم بما عنده من الفرح.. ألا
ترى إلى قوله تعالى: (وَلَكِنَ الله حَبَبَ إِليهِمُ الإِيمانَ وَزَيَنَهُ
فِي قُلُوبِكُم، وَكَرِهَ إِلَيكُم الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيان). فإذا
كانت المحبة والزينة في قلب، فذاك قلب محشو من الفرح بمولاه، وهو لا يعلم
لغلبة الشهوات، وغلبة أفراح الدنيا، قد انكمش بما فيه من الفرح.. ألا ترى
أنه إذا وعظ وذكر بالله كيف تدمع عيناه، وكيف يقع في العويل.
قال:
وسمعت الجارود بن معاذ يقول لوكيع رحمه الله: أنت تصوم الدهر وتتعب، فمم
سمنك هذا؟! من سرورى بالإسلام. فليست هذه البدانة من تربية أغذية الدنيا؛
فإذا فرح الإنسان بدن ولحم فكل فرح من فرح الدنيا فهو أملك بذلك البدن
واللحم. فإن كان فرحه بالله فالله أولى، وإن كان فرحه بأمر الله أولى به
وهو طاعته وعبودته، وأن كان فرحه بدنياه فدنياه أملك به وأولى،فإذا كانت
الدنيا ضاع المسكين، وتحولت أفراحه أحزانا ودهشا وحيرة وأسفاً وندماً. وإن
كان فرحه بمعبوده من الرجس والأوثان، فهو أولى به؛ فالنار معه، والشيطان
قرينه،. وكذلك ما حرم الله من هذه الأشربة سببها الأفراح التى تهتاج به
فيه، حتى تفسد عليه عقله. ومن أجل ذلك لا يكاد يجد منهمكا في هذا الشراب
لا يصبر عنه؛ لما وجد من لذة الفرح في عاجل الدنيا.
الكذب
وأما
قوله:) ونهى عن الكذب(.
فإن
القول بالكذب هو افتراء على الله؛ ولذلك قيل: الكذب مجانب الإيمان؛لأنه
إذا قال )كان كذا( ولم يكن ذلك الشيء؛ فقد زعم أن الله تعالى قد كون ذلك
الشيء؛ لأنه لا كائن إلا بمكون، فإذا قال )كان( ولم يكونه الله صار كذبا
على الله. وإذا قال لشيء وقد كان )إنه لم يكن( فقد نفى ما كونه الله، فقال
الله تعالى: (إِنّما يَفتَرى الكَذِبَ الذّينَ لاَ يُؤمِنونَ بِآَياتِ
الله).
ولو أبيح الكذب لم تستقر القلوب على شيء عند وجود الأخبار، فكان
القائل يقول والقلب لا يطمئن لقوله؛ لأنه لا يدرى أصدق أم كذب. فلما حرم
الكذب بان الصدق، واستقرت القلوب على أخبار القائلين. ومن ظهر كذبه افتضح،
وانتهك ستره، وهان، وذل، فوقع الحذر من الكذب، فاطمأنت القلوب لأخبار
المخبرين.
الغيبة والاستماع إليهاوأما قوله:) ونهى عن الغيبة، وعن
الاستماع إلى الغيبة(.
فالغيبة
تناول لعرض المؤمن، وله ذمة وحرمة عظيمة بما فيه من التوحيد؛ فصار حرام
الدم، حرام المال، حرام العرض؛ لأن المال قوام الدين والعرض.
والموحد
في ستر التوحيد، كل شيء من شأنه دينا وخلقه؛ فإذا ذكرته بشيء من السوء،
فإنما يخرج شيئا مستورا بستر الله تعالى، فقد هتك الله تعالى.
والمستمع
له شريك؛ فلولا المستمع لم يصر قوله غيبة؛ لأنه نطق بها عنده، وبين يديه
يهتك ستره، وإنما يصير هتكا بالقول لأنه أظهر عنده. فاعتبر بملك من ملوك
الدنيا أسدل سترا على بابه، فعمد رجل إلى ذلك الستر فهتكه، ماذا يحل
للجرأة التى اجترأ؟ والمستمع غير السامع؛ لأنه قد يسمع وهو لا يرضى به،
فإذا استمع فقد شركه؛ لأنه أعمل سمعه في ذلك ورضى به.
النميمة والاستماع
إليهاوأما قوله:)ونهى عن النميمة والاستماع إليها(.
فالنميمة
أن ينم على أخيه المسلم إلى مسلم آخر ما يوحشه به عنده. فهذا أفسد ما أصلح
الله، وعمد إلى الوصلة التى وصلهم الله بها فحل عقدها، حتى تولدت عداوة
وبغضة بينهم. فهذا فعل يؤدى إلى فساد عظيم، ويفضى إلى الشرور كلها. ولذلك
قال عليه السلام: )لا يدخل الجنة قتات(. لأنه جندى الشيطان وجاسوسه يحرش
ويغرى حتى يفرق ما جمعه.
النظرة الثانيةوأما قوله:) ونهى عن النظرة
الثانية(.
فمن
أجل أن العين مفتوحة على خلقتها، وبصره واقع على الأشياء بلا قصد من
القلب، فذاك باستعمال العين، فتلك النظرة هى لك؛ لأن تلك عن غير إرادة
لحلال أو حرام، وإنما هى لمحات الخلقة لإحساس القلب بالأشياء. فإذا وصلت
اللمحة إلى القلب والنفس هجست الهواجس من النفس إلى القلب بإرادة، فخرجت
الإرادة إلى البصر، فرمى ببصره إلى ذلك الشيء مدركا له، فإن كان ذلك الشيء
محرما عليه وجب عليه أن يكف بصره عن الرمى حين هجس الهاجس من نفسه وتحركت
الإرادة، فإن لم يكف عن النظرة الثانية فهى عليه، وهو آثم بذلك، والنظرة
الأولى موضوعة عنه؛ لأنها عن غير إرادة لشيء معلوم.
اليمين الكاذبةوأما
قوله:) ونهى عن اليمين الكاذبة(. قال:)ومن حلف بيمين صبر كاذبة ليقتطع بها
مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان(.
قوله:) ونهى عن الكذب(.
فإن
القول بالكذب هو افتراء على الله؛ ولذلك قيل: الكذب مجانب الإيمان؛لأنه
إذا قال )كان كذا( ولم يكن ذلك الشيء؛ فقد زعم أن الله تعالى قد كون ذلك
الشيء؛ لأنه لا كائن إلا بمكون، فإذا قال )كان( ولم يكونه الله صار كذبا
على الله. وإذا قال لشيء وقد كان )إنه لم يكن( فقد نفى ما كونه الله، فقال
الله تعالى: (إِنّما يَفتَرى الكَذِبَ الذّينَ لاَ يُؤمِنونَ بِآَياتِ
الله).
ولو أبيح الكذب لم تستقر القلوب على شيء عند وجود الأخبار، فكان
القائل يقول والقلب لا يطمئن لقوله؛ لأنه لا يدرى أصدق أم كذب. فلما حرم
الكذب بان الصدق، واستقرت القلوب على أخبار القائلين. ومن ظهر كذبه افتضح،
وانتهك ستره، وهان، وذل، فوقع الحذر من الكذب، فاطمأنت القلوب لأخبار
المخبرين.
الغيبة والاستماع إليهاوأما قوله:) ونهى عن الغيبة، وعن
الاستماع إلى الغيبة(.
فالغيبة
تناول لعرض المؤمن، وله ذمة وحرمة عظيمة بما فيه من التوحيد؛ فصار حرام
الدم، حرام المال، حرام العرض؛ لأن المال قوام الدين والعرض.
والموحد
في ستر التوحيد، كل شيء من شأنه دينا وخلقه؛ فإذا ذكرته بشيء من السوء،
فإنما يخرج شيئا مستورا بستر الله تعالى، فقد هتك الله تعالى.
والمستمع
له شريك؛ فلولا المستمع لم يصر قوله غيبة؛ لأنه نطق بها عنده، وبين يديه
يهتك ستره، وإنما يصير هتكا بالقول لأنه أظهر عنده. فاعتبر بملك من ملوك
الدنيا أسدل سترا على بابه، فعمد رجل إلى ذلك الستر فهتكه، ماذا يحل
للجرأة التى اجترأ؟ والمستمع غير السامع؛ لأنه قد يسمع وهو لا يرضى به،
فإذا استمع فقد شركه؛ لأنه أعمل سمعه في ذلك ورضى به.
النميمة والاستماع
إليهاوأما قوله:)ونهى عن النميمة والاستماع إليها(.
فالنميمة
أن ينم على أخيه المسلم إلى مسلم آخر ما يوحشه به عنده. فهذا أفسد ما أصلح
الله، وعمد إلى الوصلة التى وصلهم الله بها فحل عقدها، حتى تولدت عداوة
وبغضة بينهم. فهذا فعل يؤدى إلى فساد عظيم، ويفضى إلى الشرور كلها. ولذلك
قال عليه السلام: )لا يدخل الجنة قتات(. لأنه جندى الشيطان وجاسوسه يحرش
ويغرى حتى يفرق ما جمعه.
النظرة الثانيةوأما قوله:) ونهى عن النظرة
الثانية(.
فمن
أجل أن العين مفتوحة على خلقتها، وبصره واقع على الأشياء بلا قصد من
القلب، فذاك باستعمال العين، فتلك النظرة هى لك؛ لأن تلك عن غير إرادة
لحلال أو حرام، وإنما هى لمحات الخلقة لإحساس القلب بالأشياء. فإذا وصلت
اللمحة إلى القلب والنفس هجست الهواجس من النفس إلى القلب بإرادة، فخرجت
الإرادة إلى البصر، فرمى ببصره إلى ذلك الشيء مدركا له، فإن كان ذلك الشيء
محرما عليه وجب عليه أن يكف بصره عن الرمى حين هجس الهاجس من نفسه وتحركت
الإرادة، فإن لم يكف عن النظرة الثانية فهى عليه، وهو آثم بذلك، والنظرة
الأولى موضوعة عنه؛ لأنها عن غير إرادة لشيء معلوم.
اليمين الكاذبةوأما
قوله:) ونهى عن اليمين الكاذبة(. قال:)ومن حلف بيمين صبر كاذبة ليقتطع بها
مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان(.
وقد
وصفنا بدءاً أن الكذب هو زعم أنه لم يكن وقد كونه الله تعالى، فهو قائل
على الله تعالى زورا. وإذا حلف على ذلك فهو يريد أن يؤكد ذلك النفى باسمه،
فهذه جرأة على الجرأة. والصبر هو أن يثبت على هذه الجرأة، ولا يهاب، ولا
ينفر قلبه من أن يؤكد شيئاً لم يكونه الله، وهو يريد أن يثبته باسمه
الأعظم، يريد به اقتطاع شيء من حطام الدنيا مما قسم لأخيه وجعل له رزقا.
فلذلك عظم الخطب فيه، وحل الغضب به. وروى عن الله تعالى أنه قال: (يا موسى
لا تحلف بى كاذباً؛ فمن حلف على كاذباً ألقيت عليه ثقال الفيلوت. قال:
)يارب: وما الفيلوت؟ قال: السكر من غير شراب(. فمن سكر عن الله فماذا يبقى
معه؟ وكيف يكون حال مقدمه على الله وهو سكران عن الله فقد أسكره غضبه عليه؟
السحر
وأما
قوله:) ونهى عن السحر(.
فالسحر
هو أمر قد خالطه الشرك، وذلك أن إبليس سأل ربه سلطانا فأعطى، فأخذ على ذلك
عهدا من ربه ليكون بذلك مسلطا على أشياء، فاتخذ مجلساً عند هاروت وماروت،
وهيأ جنوده هناك ليعلم السحر؛ فكل من أتاه من الآدميين، فإنما يقصد في
الظاهر هاروت وماروت، فإذا أتاه وأشرك أعطاه من ذلك العهد وقيض له عونا
شياطينه لا يفارقه، يكون معه حيثما ذهب ينفث ويعقد باسم المسحور، فجعل
السحر بذلك المقصود له في ذلك؛ وذلك قوله عزوجل: (وَمِن شَرِ النَفَاثاتِ
في العُقَد).
وإنما ينفث الساحر شيطانه الذى هو فيه، والشيطان خلق من
نار، فإذا أشرك وخرج منه التوحيد لزم الشيطان قلبه، فإذا نفث في العقد هيج
جميع ما في جسد هذا المسحور، وأخذ أعضاءه بتلك العقد.
وهذا ممن اشترى
الحياة الدنيا بالآخرة. وإنما هى داران: دنيا، وآخرة.. مجتاز متزود منها
بلغة إلى دار الله في داره؛ فقد نزع أمله، وشخص قلبه إليها، فمنع مناه من
هذه إلا ما هيأه الله من رزق، وهو مقتض عليه الشكر، وأعطى في الآخرة مناه
وشهواته.
كذلك هذا الساحر لما أشرك، أعطى من الدنيا ما اشتهت نفسه من
طريق السحر، على قدر ما أعطى إبليس من السلطان في إدراك الأشياء وتعجلها
وتكونها له على مناه؛ استدراجا ومكرا لينتقم منه ومن أتباعه من الشياطين
والآدميين يوم القيامة.
وهذا بلوى من الله لعباده؛ فوصف الله تعالى ذلك
في تنزيله فقال: ( وَما كَفَرَ سُليمانَ وَلَكِن الشَيَاطينَ كَفَرُوا).
وذلك أنه لما مات سليمان عليه السلام، كفرت طائفة من بنى إسرائيل، فقالوا:
ما أطاق سليمان هذا الملك إلا بالسحر الذى وجدنا تحت كرسيه، وقد كان
الشيطان كتب أبواباً من السحر في الوقت الذى حل به ما حل، قال الله تعالى:
(وَأَلقَينا عَلَى كُرسِيهِ جَسَداً ثُمّ أَنابَ)، وهو ذلك الشيطان؛ فبرأه
الله تعالى من ذلك القول الذى قالت اليهود في زمن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقال: (وَاتَبَعُوا ما تَتلُوا الشَيَاطِينُ عَلَى مُلكِ سُلِيمان)،
أى اتبعت اليهود ما كتبه الشياطين في ذلك الوقت من السحر فأكفروه، قال:
(وَمَا كَفَرَ سُلِيمانُ وَلَكِنَّ الشَياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِمونَ
النَّاسَ السِحرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبَابِلَ هَارُوتَ
وَمارُوت). والشياطين يعلمون الناس السحر، والملكان هاروت وماروت يعلمان
الأخذة، وهو ما يفرقان بين المرء وزوجه.ثم قال: (وَما يُعلِمانِ مِن
أَحَدِ حَتى يَقُولاَ إِنّما نَحنُ فِتنَةٌ فَلاَ تَكفُر فَيَتَعَلَمُونَ
مِنهُما ما يُفَرِقُونَ بِهِ بَينَ المَرءِ وَزَوجِهِ).ثم قال: ( وَلَقَد
عَلِموا لَمَن اِشتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الأخِرَةِ مِن خَلاق).لأنه اشترى
الشرك؛ فلم يبق له في الآخرة نصيب.
فأعطى هذا شهوته ومناه من الدنيا،
التى آثرها، واختارها،وتعجلها. وأعطى الموحد الصابر على توحيده شهوته
ومناه من الآخرة التى آثرها.. قال الله عزوجل: (إِنّى جَزَيتُهُمُ اليَومَ
بِمَا صَبَرُوا أَنّهُم هُمُ الفَائِزونَ)؛ صبروا على التوحيد ففازوا
بالجنة. وخسئ الآخرون حين قال لهم (اخسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِمونَ). ثم
ذكر الموحدين فقال: (إِنّهُ كَانَ فَريقٌ مِن عِبادى يَقُولُونَ رََبنَا
آَمَنّا)، وذكر الآية.وقد شرحنا صفة السحر وما يعلم الملكان في كتاب "
الأولياء " وبدء السحر من أين جاء؟ وكيف كان سببه؟ وروى عن مجاهد أو غيره:
أنه كان بين هاروت وماروت وبين الآدميين شيطان يعلم في سنة مسألة تعزيزا
له وتعظيما ليكون طريا على قلوب الغواة المفترين.
قوله:) ونهى عن السحر(.
فالسحر
هو أمر قد خالطه الشرك، وذلك أن إبليس سأل ربه سلطانا فأعطى، فأخذ على ذلك
عهدا من ربه ليكون بذلك مسلطا على أشياء، فاتخذ مجلساً عند هاروت وماروت،
وهيأ جنوده هناك ليعلم السحر؛ فكل من أتاه من الآدميين، فإنما يقصد في
الظاهر هاروت وماروت، فإذا أتاه وأشرك أعطاه من ذلك العهد وقيض له عونا
شياطينه لا يفارقه، يكون معه حيثما ذهب ينفث ويعقد باسم المسحور، فجعل
السحر بذلك المقصود له في ذلك؛ وذلك قوله عزوجل: (وَمِن شَرِ النَفَاثاتِ
في العُقَد).
وإنما ينفث الساحر شيطانه الذى هو فيه، والشيطان خلق من
نار، فإذا أشرك وخرج منه التوحيد لزم الشيطان قلبه، فإذا نفث في العقد هيج
جميع ما في جسد هذا المسحور، وأخذ أعضاءه بتلك العقد.
وهذا ممن اشترى
الحياة الدنيا بالآخرة. وإنما هى داران: دنيا، وآخرة.. مجتاز متزود منها
بلغة إلى دار الله في داره؛ فقد نزع أمله، وشخص قلبه إليها، فمنع مناه من
هذه إلا ما هيأه الله من رزق، وهو مقتض عليه الشكر، وأعطى في الآخرة مناه
وشهواته.
كذلك هذا الساحر لما أشرك، أعطى من الدنيا ما اشتهت نفسه من
طريق السحر، على قدر ما أعطى إبليس من السلطان في إدراك الأشياء وتعجلها
وتكونها له على مناه؛ استدراجا ومكرا لينتقم منه ومن أتباعه من الشياطين
والآدميين يوم القيامة.
وهذا بلوى من الله لعباده؛ فوصف الله تعالى ذلك
في تنزيله فقال: ( وَما كَفَرَ سُليمانَ وَلَكِن الشَيَاطينَ كَفَرُوا).
وذلك أنه لما مات سليمان عليه السلام، كفرت طائفة من بنى إسرائيل، فقالوا:
ما أطاق سليمان هذا الملك إلا بالسحر الذى وجدنا تحت كرسيه، وقد كان
الشيطان كتب أبواباً من السحر في الوقت الذى حل به ما حل، قال الله تعالى:
(وَأَلقَينا عَلَى كُرسِيهِ جَسَداً ثُمّ أَنابَ)، وهو ذلك الشيطان؛ فبرأه
الله تعالى من ذلك القول الذى قالت اليهود في زمن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقال: (وَاتَبَعُوا ما تَتلُوا الشَيَاطِينُ عَلَى مُلكِ سُلِيمان)،
أى اتبعت اليهود ما كتبه الشياطين في ذلك الوقت من السحر فأكفروه، قال:
(وَمَا كَفَرَ سُلِيمانُ وَلَكِنَّ الشَياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِمونَ
النَّاسَ السِحرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبَابِلَ هَارُوتَ
وَمارُوت). والشياطين يعلمون الناس السحر، والملكان هاروت وماروت يعلمان
الأخذة، وهو ما يفرقان بين المرء وزوجه.ثم قال: (وَما يُعلِمانِ مِن
أَحَدِ حَتى يَقُولاَ إِنّما نَحنُ فِتنَةٌ فَلاَ تَكفُر فَيَتَعَلَمُونَ
مِنهُما ما يُفَرِقُونَ بِهِ بَينَ المَرءِ وَزَوجِهِ).ثم قال: ( وَلَقَد
عَلِموا لَمَن اِشتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الأخِرَةِ مِن خَلاق).لأنه اشترى
الشرك؛ فلم يبق له في الآخرة نصيب.
فأعطى هذا شهوته ومناه من الدنيا،
التى آثرها، واختارها،وتعجلها. وأعطى الموحد الصابر على توحيده شهوته
ومناه من الآخرة التى آثرها.. قال الله عزوجل: (إِنّى جَزَيتُهُمُ اليَومَ
بِمَا صَبَرُوا أَنّهُم هُمُ الفَائِزونَ)؛ صبروا على التوحيد ففازوا
بالجنة. وخسئ الآخرون حين قال لهم (اخسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِمونَ). ثم
ذكر الموحدين فقال: (إِنّهُ كَانَ فَريقٌ مِن عِبادى يَقُولُونَ رََبنَا
آَمَنّا)، وذكر الآية.وقد شرحنا صفة السحر وما يعلم الملكان في كتاب "
الأولياء " وبدء السحر من أين جاء؟ وكيف كان سببه؟ وروى عن مجاهد أو غيره:
أنه كان بين هاروت وماروت وبين الآدميين شيطان يعلم في سنة مسألة تعزيزا
له وتعظيما ليكون طريا على قلوب الغواة المفترين.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الطيرة
فالخروج على وجهين: فمنهم من فسق عن أمر به مردا أو
تكبرا أو جحودا، ومنهم من فسقعن أمره فتنى وتمردا على ربه. فهذا فاسق وليس
بكافر؛ فالأول مجترىء على الله، وهذا مجترىء بقوة التوحيد. فالرجاء العظيم
الذي في حشو توحيده، والمحبة، والأثرة التي احتسشت النفس بها من ربه،
فتجرأت.
والمجيب لدعوة الفاسق عون له على ما هو فيه من الشر والفتنة
والمعصية؛ وفي مجالستهم توقير لهم، وفي محادثتهم أنس بهم؛ فهذا كله عون،
وقال الله تعالى: (وَلا تَعاوَنوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوانِ).
؟مخالطة
الدَّعيّ
وأما
قوله: )ونهى عن مجالسة الدعىِّ، ومؤاكلته، ومشاربته، ومحادثته،وهو الذي
يدعى إلى غير أبيه، والمنتمى إلى غير مواليه، ملعون على لسان نبيه عليه
السلام(.
وذلك أنه كفور، والكفور ممقوت؛ فهذا الدعي سلاسلة أبيه وفلذة
كبده، وعطف قلبه؛ ولده، ورباه، وتبناه، وحاطه حياطة الآباء، فذهب وتبرأ من
أبيه، وادعى أنه لغيره، فهذا قد كفر النعمة وانتسب إلى الفجور؛ فهذا
مستوجب اللعنة.
وكذلك عبد أعتق، وولى نعمته أعتقه، فذهب ووالى غيره؛ فهو
كفور لنعمة الله.
وأما
الدعى، وهو ولد الزنا، فذاك جسد ركب في بطنه أمه على حرام، فاختلط
الماءان، وامتشجا على معصية الله. فهو وإن لم يكن له ذنب فيما عمل أبواه،
فأصل الخلقة مبنية على أمر عظيم لم يجز فيه طهارة ولا عفة.
ولذلك قيل
لود الزنا شر الثلاثة، ولا يؤمن في الصلاة ولد زنية.
ومن
العلماء من قال: لا يجوز في عتق الرقبة ولد الزنا. فإنما شددوا في هذا
لأنهم نظروا إلى أصل البنية، وهو بمنزلة بذر نبت في أرض غصب، فالبذر وإن
كان لصاحبه ملكا، فإنما كان الزرع في أرض لا ملك له فيها، فصار ذلك الزرع
حراما.. فكذلك هذا الولد بذر - قد بذره في محترث لا ملك له فيها، فما زرع
من ذلك البذر فخلقه الله تعالى كان ذلك الخلق حراما، والحرام مرفوض.
الغناء
وليس هذا معناه، ولكن
تأويله من حسن الهبوب به والترديد والترجيع.. ألا ترى انه قال في الحديث:
)ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الترنم بالقرآن( قال أبو عبد الله رحمه
الله: فالترنم هو التلون بالألوان، ومنه قيل للعندليب إذا صوت إنه ليترنم.
وإنما قيل غناء لأنه إذا صوت به فإذا ارخى في حلقه صوته عن به، أي دخل
خيشومه، فغض من صوته ثم أرسله فجهر به حتى يكون ذا ألوان؛ فهو مأخوذ من
الغنة لأنه اغتن بالحروف والصوت ثم أبرزه ليتلون. وكذلك خلق ابن آدم، إنما
يعظم الأمر عنده بالتلون ليتجدد، لأن كل لون يرد فهو جديد طرى. وإذا كان
لون واحد عتق عند النفس وخلق فيبرمه. فتلون الأشياء من أجل النفس؛ لأنها
ملولة سريعة الملل؛ لأنها ضعيفة خفيفة شهوانية طياشة، لا تكاد تصاير
الأشياء سعة وغناء، كفعل القلب؛ فإن القلب ذو وقار وسكينة وغناء وطمأنينة،
وإنما تلونت الأشياء من أجل أن يتهنى بها.
حدثنا سليمان بن أبي هلال
الذهبي، حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي أخو وهيب، عن ابن أبي مليكة، عن
عبد الله بن السائب، عن أبي لبابة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: )ليس منّا من لم يتغن بالقرآن(. يا أبا محمد، أريت من كان منا ليس
بحسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع. فالغناء، والشعر، والحداء، والرجز، جرت
الأخبار باجتناب ذلك والزجر عنه، فنظرنا كيف هذه الأخبارن فوجدنا هذه
الأشياء إنما هي أصوات فيها كلام ومعان؛ فما كان من ذلك لله بالقرآ،
وبالكلام المرضي، فهو محمود.
وماكان للنفس والدنيا فهو مذموم. فقد أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر حيث هجا حسان بن ثابت المشركين،
وكذلك كعب بن مالك، وابن رواحة، وقال: )لكأنما تنضحونهم بالنبل(.
حدثنا
علي بن حجر، حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة رضي الله
عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع منبرا لحسان بن ثابت في
المسجد ينشد عليه الشعر ويقول: )إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن
الله وعن رسوله(. وحدثنا علي حدثنا عبد الرحمن ابن أبي الزناد، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن عائشةن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله.
ثم
روى عنه في حديث آخر: )لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء
شعرا( فهذا شعر وتشبيب ومهاجاة المسلمين. وقد بين الله تعالى في كتابه
حالهم واستثنى منهم المحمود، فقال: (وَالشُعَرَاءُ يَتِّبِعُهُمُ الغاوون.
أَلَم تَرَ أَنَّهُم في كُلِ وادٍ يَهيمُون. وَأَنَّهُم يَقُولونَ مَالا
يَفعَلون)، ثم استثنى منهم فبرأهم من الذم فقال: (إِلاَّ الَّذِينَ
آمَنَوا وَعَمِلوا الصالِحات وَذَكَرُوا اللهَ كَثَيراً وَانتَصَروا مِن
بَعدِ ما ظُلِمُوا). فاستثنى منهم من تكلم بالشعر، وذكر الله كثيرا، وأراد
بذلك الإنتصار لله، ولرسوله، ولدين الله، وللمؤمنين. فذلك عمل صالح، وعدة
من عدد الحرب، وقوام الدين.
حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن عياش،
حدثنا عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن بن نافع، عن عبد الله
بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )الشعر بمنزلة الكلام:
حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام(.
قال أبو عبد الله رحمه الله:
فمن ابتغى به وجه اله، والدار الآخرة، صار في الميزان مع الحسنات. وما
ابتغى به فرح الدنيا، وسرورها، وبهجتها، صار هباء منثورا.
وكذلك الحداء
والرجز ما ابتغى به وجه الله، والدار الآخرة، والمعونة على الدين، فهو في
ميزان العمل. وما ابتغى به أفراح الناس، فهذا مذموم.ز ألا ترى أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: )يا ابن الأكوع، هات لنا من
هناتك(، - يعني الرجز - يريد التخفيف على المشاة حوله..
وقال ابن رواحة
يوم دخل مكة بين يدي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
خَلَوا بَنى
الكُفارِ عَن سَبيلِهِ ... خَلَوا فَكُلُ الحَقِ في رَسولِهِ
يارَب
إِنّى مُؤمِنٌ بِقَبيلِهِ ... أَعرِفُ الحَقَّ فى قُبولِهِ
ضَرباً
يُزيلُ الهامَ عَ، مَقيلِهِ ... وَيَذهَلُ الخَليلُ عَن خَليلِهِ
وأما قوله:) ونهى عن الطيرة(.
فالطيرة
هى الفرار من أقدار الله وأقضيته، وهى لاحقة به حيثما فر. فالفار ممقوت..
ألا ترى إلى قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر
الموت. فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم(.
قال: مقتهم بفرارهم، فقال لهم
الله: موتوا، فماتوا بكلمة عن آخرهم، ثم تفضل عليهم بأن أحياهم لآجالهم
الباقية.
والطيرة:
أن يسمع صوت طائر في أول النهارن أوف ي ابتداء عمل، أو استقبلك رجل ناقص
الخلق أو أعمى أو مشوه، فتتشاءم وتترك ذلك الوجه. فهذا قد ساء ظنه بربه من
غير أصل معقول، ثم يفر من قدرة؛ فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
فهذا
المتطير
قد ساء ظنه بربه، ففر من ذلك الأمر وتركه، فالضرر حال به؛ لأنه
فار من ربه مسىء الظن به؛ فأدركه بذلك الذي ظن وعاجله كي يعلم أن ربه غير
معجز، قال الله تعالى فيما يحكي: (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرنا بِكُم لَئِن
لَم تَنتَهُوا لَنَرجُمَنَّكُم وَلَيَمَسَّنَّكُم مِنَّا عَذَابٌ أَليمٌ).
قالت الرسل بل: (طَائِرُكُم مَعَكُم)، أي أن الذي طار من عند الله من
أقداره وأقضيته هو معكم لازم لكم. قال الله تعالى: (وَكُلّ إِنسانٍ
أَلزَمناهُ طَائِرَهُ في عُنُقهِ) وقال في قصة صالح: (قَالوا: اَطَيَرنا
بِكَ وَبِمَن مَعَكَ، قال: طاَئِرَكُم عِندَ اللهِ، بَل أَنتُم قَومٌ
تُفتَنُونَ).
الكهانةوأما قوله: )ونهى عن إتيان الكُهان(.
فالكهنة
تلاميذ الشياطين يترقون إلى الجو الأعلى، يسترقون السمع من الملكوت، إذا
حدثت الملائكة بشيء قد أذن الله فيه، وهو كائن في الأرض عن قريب، فيفشون
الخبر في السماء إلى وقت الظهور على الأرض.
فهؤلاء الكهان قد ألفوا
الشياطين ووزروهم على دعوى علم الغيب، وقد خزن الله تعالى غيبه من العباد،
فقال تعاى: (وَلِلَهِ غَيبُ السَمَواتِ وَالأَرضِ) ولا يعلم الغيب إلا
الله، وإذا أظهره في السموات على أفواه الملائكة، بارزته الشياطين فاسترقت
، ومرت به إلى الأرض، فأدته إلى تلامذتها من الآدميين ليخبر به ناسا، يريد
بذلك إبطال ما تفرد الله به من علم الغيب وخزنه عن الخلق إثباتا للوحي
وتأكيدا لشأنه.
فالكاهن يرجم بالغيب عن في شيطان، فهو رسوله، ويزيد فيه
من الكذب غير قليل، يروج ذلك كله بالكلمة الواحدة المسترقة التي تظهر في
وقتها في الأرض. ومن أجل ذلك جعل الكواكب حرسا للسماء، وجعلها رجوما
للشياطين، فقال: (إِنّا زَيَنَّا السَماءَ الدُنيا بِزِينَةٍ الكَواكِب)،
إلى قوله: (ثاقِب)؛ فالخطفة هي الإستراق، والشهاب رجم الكواكب بنوره حتى
يحرقه إن أصابه. وقوله: (وأَنَّا لَمَسنا السَماءَ فَوَجَدناها مُلِئَت
حَرَساً شَديداً وَشُهَباً) قال ابن عباس: تحرس بلا حول ولا قوة إلا
بالله.. حدثنا صالح بن محمد، حدثنا سليمان بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير،
عن ابن عباس رضي الله عنه.
؟؟
حضور اللعب أو الباطلفالطيرة
هى الفرار من أقدار الله وأقضيته، وهى لاحقة به حيثما فر. فالفار ممقوت..
ألا ترى إلى قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر
الموت. فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم(.
قال: مقتهم بفرارهم، فقال لهم
الله: موتوا، فماتوا بكلمة عن آخرهم، ثم تفضل عليهم بأن أحياهم لآجالهم
الباقية.
والطيرة:
أن يسمع صوت طائر في أول النهارن أوف ي ابتداء عمل، أو استقبلك رجل ناقص
الخلق أو أعمى أو مشوه، فتتشاءم وتترك ذلك الوجه. فهذا قد ساء ظنه بربه من
غير أصل معقول، ثم يفر من قدرة؛ فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
فهذا
المتطير
قد ساء ظنه بربه، ففر من ذلك الأمر وتركه، فالضرر حال به؛ لأنه
فار من ربه مسىء الظن به؛ فأدركه بذلك الذي ظن وعاجله كي يعلم أن ربه غير
معجز، قال الله تعالى فيما يحكي: (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرنا بِكُم لَئِن
لَم تَنتَهُوا لَنَرجُمَنَّكُم وَلَيَمَسَّنَّكُم مِنَّا عَذَابٌ أَليمٌ).
قالت الرسل بل: (طَائِرُكُم مَعَكُم)، أي أن الذي طار من عند الله من
أقداره وأقضيته هو معكم لازم لكم. قال الله تعالى: (وَكُلّ إِنسانٍ
أَلزَمناهُ طَائِرَهُ في عُنُقهِ) وقال في قصة صالح: (قَالوا: اَطَيَرنا
بِكَ وَبِمَن مَعَكَ، قال: طاَئِرَكُم عِندَ اللهِ، بَل أَنتُم قَومٌ
تُفتَنُونَ).
الكهانةوأما قوله: )ونهى عن إتيان الكُهان(.
فالكهنة
تلاميذ الشياطين يترقون إلى الجو الأعلى، يسترقون السمع من الملكوت، إذا
حدثت الملائكة بشيء قد أذن الله فيه، وهو كائن في الأرض عن قريب، فيفشون
الخبر في السماء إلى وقت الظهور على الأرض.
فهؤلاء الكهان قد ألفوا
الشياطين ووزروهم على دعوى علم الغيب، وقد خزن الله تعالى غيبه من العباد،
فقال تعاى: (وَلِلَهِ غَيبُ السَمَواتِ وَالأَرضِ) ولا يعلم الغيب إلا
الله، وإذا أظهره في السموات على أفواه الملائكة، بارزته الشياطين فاسترقت
، ومرت به إلى الأرض، فأدته إلى تلامذتها من الآدميين ليخبر به ناسا، يريد
بذلك إبطال ما تفرد الله به من علم الغيب وخزنه عن الخلق إثباتا للوحي
وتأكيدا لشأنه.
فالكاهن يرجم بالغيب عن في شيطان، فهو رسوله، ويزيد فيه
من الكذب غير قليل، يروج ذلك كله بالكلمة الواحدة المسترقة التي تظهر في
وقتها في الأرض. ومن أجل ذلك جعل الكواكب حرسا للسماء، وجعلها رجوما
للشياطين، فقال: (إِنّا زَيَنَّا السَماءَ الدُنيا بِزِينَةٍ الكَواكِب)،
إلى قوله: (ثاقِب)؛ فالخطفة هي الإستراق، والشهاب رجم الكواكب بنوره حتى
يحرقه إن أصابه. وقوله: (وأَنَّا لَمَسنا السَماءَ فَوَجَدناها مُلِئَت
حَرَساً شَديداً وَشُهَباً) قال ابن عباس: تحرس بلا حول ولا قوة إلا
بالله.. حدثنا صالح بن محمد، حدثنا سليمان بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير،
عن ابن عباس رضي الله عنه.
؟؟
وأما قوله:
)نهَى عن حُضور اللعب وحضور الباطل(.
فإن
الله تعالى لم يخلقه عبثاس، ولا تركه سدى، وإنما خلقه ليعبده. فإذا كان
معطلا، فلا له ولا عليه، وهو غدا متحسر نادم متلهف على ما فاته.
فإذا
عمل لله في أمر دنياه وآخرته، فهو له ولا عليه، وثوابه قائم دائم.
وإذا
حضره غيره شركه في ذلك اللعب والباطل، لأنه إنما يلعب من أجل أن يريه بذلك
شيئا ولولا الخلقف ما رأى أحد.
؟
إجابة الفاسقين ومجالستهم ومحادثتهم)نهَى عن حُضور اللعب وحضور الباطل(.
فإن
الله تعالى لم يخلقه عبثاس، ولا تركه سدى، وإنما خلقه ليعبده. فإذا كان
معطلا، فلا له ولا عليه، وهو غدا متحسر نادم متلهف على ما فاته.
فإذا
عمل لله في أمر دنياه وآخرته، فهو له ولا عليه، وثوابه قائم دائم.
وإذا
حضره غيره شركه في ذلك اللعب والباطل، لأنه إنما يلعب من أجل أن يريه بذلك
شيئا ولولا الخلقف ما رأى أحد.
؟
وأما
قوله: )ونَهَى عن إجابة طعامِ الفاسقين، ومجالستهم ومحادثتهم(.
فالفاسق
من ترك إسم الله عامدا لتركه. والفسق: الخروج، يقال في اللغة: فسقت النواة
من قشرتها. وكذلك قال في شأن إبليس: (كَانَ مِنِ الجِنِّ فَفَسَقَ عَن
أَمرِ رَبِّه).
قوله: )ونَهَى عن إجابة طعامِ الفاسقين، ومجالستهم ومحادثتهم(.
فالفاسق
من ترك إسم الله عامدا لتركه. والفسق: الخروج، يقال في اللغة: فسقت النواة
من قشرتها. وكذلك قال في شأن إبليس: (كَانَ مِنِ الجِنِّ فَفَسَقَ عَن
أَمرِ رَبِّه).
فالخروج على وجهين: فمنهم من فسق عن أمر به مردا أو
تكبرا أو جحودا، ومنهم من فسقعن أمره فتنى وتمردا على ربه. فهذا فاسق وليس
بكافر؛ فالأول مجترىء على الله، وهذا مجترىء بقوة التوحيد. فالرجاء العظيم
الذي في حشو توحيده، والمحبة، والأثرة التي احتسشت النفس بها من ربه،
فتجرأت.
والمجيب لدعوة الفاسق عون له على ما هو فيه من الشر والفتنة
والمعصية؛ وفي مجالستهم توقير لهم، وفي محادثتهم أنس بهم؛ فهذا كله عون،
وقال الله تعالى: (وَلا تَعاوَنوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوانِ).
؟مخالطة
الدَّعيّ
وأما
قوله: )ونهى عن مجالسة الدعىِّ، ومؤاكلته، ومشاربته، ومحادثته،وهو الذي
يدعى إلى غير أبيه، والمنتمى إلى غير مواليه، ملعون على لسان نبيه عليه
السلام(.
وذلك أنه كفور، والكفور ممقوت؛ فهذا الدعي سلاسلة أبيه وفلذة
كبده، وعطف قلبه؛ ولده، ورباه، وتبناه، وحاطه حياطة الآباء، فذهب وتبرأ من
أبيه، وادعى أنه لغيره، فهذا قد كفر النعمة وانتسب إلى الفجور؛ فهذا
مستوجب اللعنة.
وكذلك عبد أعتق، وولى نعمته أعتقه، فذهب ووالى غيره؛ فهو
كفور لنعمة الله.
وأما
الدعى، وهو ولد الزنا، فذاك جسد ركب في بطنه أمه على حرام، فاختلط
الماءان، وامتشجا على معصية الله. فهو وإن لم يكن له ذنب فيما عمل أبواه،
فأصل الخلقة مبنية على أمر عظيم لم يجز فيه طهارة ولا عفة.
ولذلك قيل
لود الزنا شر الثلاثة، ولا يؤمن في الصلاة ولد زنية.
ومن
العلماء من قال: لا يجوز في عتق الرقبة ولد الزنا. فإنما شددوا في هذا
لأنهم نظروا إلى أصل البنية، وهو بمنزلة بذر نبت في أرض غصب، فالبذر وإن
كان لصاحبه ملكا، فإنما كان الزرع في أرض لا ملك له فيها، فصار ذلك الزرع
حراما.. فكذلك هذا الولد بذر - قد بذره في محترث لا ملك له فيها، فما زرع
من ذلك البذر فخلقه الله تعالى كان ذلك الخلق حراما، والحرام مرفوض.
الغناء
وأما
قوله: )نهى عن الغناء، وعن الإستماع إلى الغناء(.
فالغناء
مهيج للنفوس الأمارة بالسوء، الداعية إلى ركون الدنيا وشهواتها، الملهية
عن ذكر الله، وعن ذكر ما أعد. فهذه الفنوس أسود رابضة في عرينها، فإذا
هيجت الأسود، فعارضها في ذلك الوقت معارض، كان حتفه فيه. ولذلك روى عن
فضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: الغنا رقية الزنا.
حدثنا الجارود،
حدثنا الفضل بن موسى، عن داود بن عبد الرحمن المكي، عن خالد بن عبد
الرحمن، قال: كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك فسمع غناء من الليل، فأرسل
إليهم بكرة فجىء بهم، فقال: إن الفرس ليصهل فتسودق له الرمكة، وغن الفحل
ليهدر فتضبع له الناقة، وإن التيس ليثب فتستحرم له العنز، وإن الرجل
ليتغنى فتشتاق إليه المرأة..اخصوهم. قال عمر بن عبد العزيز: هذا مثلة لا
تحل.. فخلى سبيلهم.
قال أبو عبد الله رحمه الله: فالغناء هو صوت فيه
كلام ذو معان، فالصوت مهيج للقلوب خاصة، وما في الصوت من الكلام خاصة مهيج
للنفوس، وما في الكلام من المعاني مهيج للهوى.
وإن كانت هذه المعاني مما
تدل على الله، تنعم القلب، وأقبل إلى الله، وانقادت النفس تابعة له، ومال
الهوى إليها ومعها.
وإن
كانت هذه المعاني مما تدل على هنات النفس، وشأن الدنيا وبالها وأحوالها،
تنعمت النفس ولذت، وانقاد القلب أسيرا في يدها، ووجد الهوى والعدو سبيلا
إلى صرعته. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )تغنوا بالقرآن(
وقال: )ليس منا من لم يتغن بالقرآن(. وقد ذهب بعض العلماء في تأويل هذا
الحديث إلى " الغنى " فقال: يستغنى به عما سواه..
قوله: )نهى عن الغناء، وعن الإستماع إلى الغناء(.
فالغناء
مهيج للنفوس الأمارة بالسوء، الداعية إلى ركون الدنيا وشهواتها، الملهية
عن ذكر الله، وعن ذكر ما أعد. فهذه الفنوس أسود رابضة في عرينها، فإذا
هيجت الأسود، فعارضها في ذلك الوقت معارض، كان حتفه فيه. ولذلك روى عن
فضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: الغنا رقية الزنا.
حدثنا الجارود،
حدثنا الفضل بن موسى، عن داود بن عبد الرحمن المكي، عن خالد بن عبد
الرحمن، قال: كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك فسمع غناء من الليل، فأرسل
إليهم بكرة فجىء بهم، فقال: إن الفرس ليصهل فتسودق له الرمكة، وغن الفحل
ليهدر فتضبع له الناقة، وإن التيس ليثب فتستحرم له العنز، وإن الرجل
ليتغنى فتشتاق إليه المرأة..اخصوهم. قال عمر بن عبد العزيز: هذا مثلة لا
تحل.. فخلى سبيلهم.
قال أبو عبد الله رحمه الله: فالغناء هو صوت فيه
كلام ذو معان، فالصوت مهيج للقلوب خاصة، وما في الصوت من الكلام خاصة مهيج
للنفوس، وما في الكلام من المعاني مهيج للهوى.
وإن كانت هذه المعاني مما
تدل على الله، تنعم القلب، وأقبل إلى الله، وانقادت النفس تابعة له، ومال
الهوى إليها ومعها.
وإن
كانت هذه المعاني مما تدل على هنات النفس، وشأن الدنيا وبالها وأحوالها،
تنعمت النفس ولذت، وانقاد القلب أسيرا في يدها، ووجد الهوى والعدو سبيلا
إلى صرعته. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )تغنوا بالقرآن(
وقال: )ليس منا من لم يتغن بالقرآن(. وقد ذهب بعض العلماء في تأويل هذا
الحديث إلى " الغنى " فقال: يستغنى به عما سواه..
وليس هذا معناه، ولكن
تأويله من حسن الهبوب به والترديد والترجيع.. ألا ترى انه قال في الحديث:
)ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الترنم بالقرآن( قال أبو عبد الله رحمه
الله: فالترنم هو التلون بالألوان، ومنه قيل للعندليب إذا صوت إنه ليترنم.
وإنما قيل غناء لأنه إذا صوت به فإذا ارخى في حلقه صوته عن به، أي دخل
خيشومه، فغض من صوته ثم أرسله فجهر به حتى يكون ذا ألوان؛ فهو مأخوذ من
الغنة لأنه اغتن بالحروف والصوت ثم أبرزه ليتلون. وكذلك خلق ابن آدم، إنما
يعظم الأمر عنده بالتلون ليتجدد، لأن كل لون يرد فهو جديد طرى. وإذا كان
لون واحد عتق عند النفس وخلق فيبرمه. فتلون الأشياء من أجل النفس؛ لأنها
ملولة سريعة الملل؛ لأنها ضعيفة خفيفة شهوانية طياشة، لا تكاد تصاير
الأشياء سعة وغناء، كفعل القلب؛ فإن القلب ذو وقار وسكينة وغناء وطمأنينة،
وإنما تلونت الأشياء من أجل أن يتهنى بها.
حدثنا سليمان بن أبي هلال
الذهبي، حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي أخو وهيب، عن ابن أبي مليكة، عن
عبد الله بن السائب، عن أبي لبابة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: )ليس منّا من لم يتغن بالقرآن(. يا أبا محمد، أريت من كان منا ليس
بحسن الصوت؟ قال: يحسنه ما استطاع. فالغناء، والشعر، والحداء، والرجز، جرت
الأخبار باجتناب ذلك والزجر عنه، فنظرنا كيف هذه الأخبارن فوجدنا هذه
الأشياء إنما هي أصوات فيها كلام ومعان؛ فما كان من ذلك لله بالقرآ،
وبالكلام المرضي، فهو محمود.
وماكان للنفس والدنيا فهو مذموم. فقد أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر حيث هجا حسان بن ثابت المشركين،
وكذلك كعب بن مالك، وابن رواحة، وقال: )لكأنما تنضحونهم بالنبل(.
حدثنا
علي بن حجر، حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة رضي الله
عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع منبرا لحسان بن ثابت في
المسجد ينشد عليه الشعر ويقول: )إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن
الله وعن رسوله(. وحدثنا علي حدثنا عبد الرحمن ابن أبي الزناد، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن عائشةن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله.
ثم
روى عنه في حديث آخر: )لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلىء
شعرا( فهذا شعر وتشبيب ومهاجاة المسلمين. وقد بين الله تعالى في كتابه
حالهم واستثنى منهم المحمود، فقال: (وَالشُعَرَاءُ يَتِّبِعُهُمُ الغاوون.
أَلَم تَرَ أَنَّهُم في كُلِ وادٍ يَهيمُون. وَأَنَّهُم يَقُولونَ مَالا
يَفعَلون)، ثم استثنى منهم فبرأهم من الذم فقال: (إِلاَّ الَّذِينَ
آمَنَوا وَعَمِلوا الصالِحات وَذَكَرُوا اللهَ كَثَيراً وَانتَصَروا مِن
بَعدِ ما ظُلِمُوا). فاستثنى منهم من تكلم بالشعر، وذكر الله كثيرا، وأراد
بذلك الإنتصار لله، ولرسوله، ولدين الله، وللمؤمنين. فذلك عمل صالح، وعدة
من عدد الحرب، وقوام الدين.
حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن عياش،
حدثنا عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم، عن عبد الرحمن بن نافع، عن عبد الله
بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )الشعر بمنزلة الكلام:
حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام(.
قال أبو عبد الله رحمه الله:
فمن ابتغى به وجه اله، والدار الآخرة، صار في الميزان مع الحسنات. وما
ابتغى به فرح الدنيا، وسرورها، وبهجتها، صار هباء منثورا.
وكذلك الحداء
والرجز ما ابتغى به وجه الله، والدار الآخرة، والمعونة على الدين، فهو في
ميزان العمل. وما ابتغى به أفراح الناس، فهذا مذموم.ز ألا ترى أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: )يا ابن الأكوع، هات لنا من
هناتك(، - يعني الرجز - يريد التخفيف على المشاة حوله..
وقال ابن رواحة
يوم دخل مكة بين يدي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
خَلَوا بَنى
الكُفارِ عَن سَبيلِهِ ... خَلَوا فَكُلُ الحَقِ في رَسولِهِ
يارَب
إِنّى مُؤمِنٌ بِقَبيلِهِ ... أَعرِفُ الحَقَّ فى قُبولِهِ
ضَرباً
يُزيلُ الهامَ عَ، مَقيلِهِ ... وَيَذهَلُ الخَليلُ عَن خَليلِهِ
فقال
عمر
رضي الله عنه: يا ابن رواحة، في حرم الله وبين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مه يا عمر " لأنه رأى
كلامه عدة وقوة للمؤمنين، ونكاية للعدو.
فإذا تغنى بالقرآن، فهو ترجيع؛
لأن في القرآن بشرى ولطائف، فإذا تغنى به، طرب القلب، فمر بالنفس، فمال
بها إلى ناحيته. والنفس تسرع في الإجابة في الطرب والبهجة ما لا تسرع في
الوعيد. وإنما بشروا ليطربوا لا ليذلوا وينكسروا، فكفى بالوعيد كاسرا
للنفس وقامعا لها. وفي الوعد طعم وذوق، وفي الطرب تورد وزهرة وتنزع. وسمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة أبي موسى رضي الله عنه، فقال: )لقد
أوتىَ هذا مِزماراً من مزامير آل داود(، فقال أبو موسى: يا رسول الله، لو
علمتُ أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا.
وكان داود عليه السلام إذا قرأ
الزبور لون في صوته سبعين لونا، فيقرؤه بألحان يطرب بها المحموم، ويقف
الطير عن طيرانه، ولم تبق دابة في بر ولا بحر إلا استمعت لقراءته.
عمر
رضي الله عنه: يا ابن رواحة، في حرم الله وبين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مه يا عمر " لأنه رأى
كلامه عدة وقوة للمؤمنين، ونكاية للعدو.
فإذا تغنى بالقرآن، فهو ترجيع؛
لأن في القرآن بشرى ولطائف، فإذا تغنى به، طرب القلب، فمر بالنفس، فمال
بها إلى ناحيته. والنفس تسرع في الإجابة في الطرب والبهجة ما لا تسرع في
الوعيد. وإنما بشروا ليطربوا لا ليذلوا وينكسروا، فكفى بالوعيد كاسرا
للنفس وقامعا لها. وفي الوعد طعم وذوق، وفي الطرب تورد وزهرة وتنزع. وسمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة أبي موسى رضي الله عنه، فقال: )لقد
أوتىَ هذا مِزماراً من مزامير آل داود(، فقال أبو موسى: يا رسول الله، لو
علمتُ أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا.
وكان داود عليه السلام إذا قرأ
الزبور لون في صوته سبعين لونا، فيقرؤه بألحان يطرب بها المحموم، ويقف
الطير عن طيرانه، ولم تبق دابة في بر ولا بحر إلا استمعت لقراءته.
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى