صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
القدر المشروع في الصلاة
ما
اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذاك الظن بك يا أبا
إسحاق وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي سعيد رضي الله عنه قال لقد كانت صلاة
الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي ورسول
الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها وفي صحيح مسلم أيضا
عن أبي وائل قال خطبنا عمار بن ياسر يوما فأوجز وأبلغ فقلنا يا أبا اليقظان
لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة في فقهه فأطيلوا الصلاة
وأقصروا الخطبة إن من البيان لسحرا
وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي
الله عنه قال كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات فكانت صلاته
قصدا أي وسطا
وفعله الذي سنه لأمته هو من التخفيف الذي أمر به الأئمة إذ
التخفيف من الأمور الإضافية فالمرجع في مقداره إلى السنة وذلك كما خرجاه
في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله
عليه وسلم ثم يرجع فيؤمنا وقال مرة ثم يرجع فيصلي بقومه فأخبر النبي صلى
الله عليه وسلم وقال مرة العشاء فصلى معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم
جاء يؤم قومه فقرأ البقرة فاعتزل رجل من القوم فصلى فقيل نافقت فقال ما
نافقت فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن معاذا يصلي معك ثم يرجع
فيؤمنا يا رسول الله إنما نحن أصحاب نواضح ونعمل بأيدينا وإنه جاء يؤمنا
فقرأ سورة البقرة فقال أفتان أنت يا معاذ اقرأ بكذا اقرأ بكذا قال أبو
الزبير {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
وفي رواية للبخاري عن جابر رضي الله عنه قال أقبل رجل بناضحين وقد جنح
الليل فوافق معاذا يصلي وذكره نحوه فقال في آخره فلولا صليت بسبح باسم ربك
الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى فإنه يصلي وراءك الضعيف والكبير وذو
الحاجة
وفي الصحيحين عن أبي مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما
يطيل بنا فما رأيت رسول الله غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ قال أيها
الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليوجز فإن وراءه الكبير والضعيف وذا
الحاجة وفي رواية فإن فيهم الضعيف والكبير وفي رواية فليخفف فإن فيهم
المريض والضعيف وذا الحاجة
وفي صحيح البخاري من حديث أبي قتادة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها
فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه
وأما مقدار بقية الأركان
مع القيام فقد أخرجا في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله بن أبي نمر عن أنس
بن مالك رضي الله عنه قال ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من
النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية عن شريك عنه وإن كان ليسمع بكاء الصبي
فيخفف مخافة أن تفتتن أمه
وأخرجا فيهما من حديث عبد العزيز بن صهيب عن
أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة
ويكملها وفي لفظ يوجز الصلاة ويتم
وأخرجا أيضا عن أبي قتادة عن أنس رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد
أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز من صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من
بكائه رواه مسلم من حديث ثابت عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة
الخفيفة أو بالسورة القصيرة
وروى مسلم أيضا عن أنس رضي الله عنه قال ما
صليت خلف أحد أوجز صلاة ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت
صلاته متقاربة
وصلاة أبي بكر متقاربة فلما كان عمر رضي الله عنه مد
في صلاة الصبح وعن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان من أخف الناس صلاة في تمام
فقول أنس رضي الله عنه ما صليت وراء
إمام قط أخف ولا أتم صلاة من رسول الله يريد أنه صلى الله عليه وسلم كان
أخف الأئمة صلاة وأتم الأئمة صلاة وهذا لاعتدال صلاته وتناسبها كما في
اللفظ الآخر وكانت صلاته معتدلة وفي اللفظ الآخر كانت صلاته متقاربة لتخفيف
قيامها وقعودها وتكون أتم صلاة لإطالة ركوعها وسجودها ولو أراد أن يكون
نفس الفعل الواحد كالقيام هو أخف وهو أتم لناقض ذلك ولهذا بين التخفيف الذي
كان يفعله إذا بكى الصبي وهو قراءة سورة قصيرة وبين أن عمر بن الخطاب مد
في صلاة الصبح وإنما مد في القراءة فإن عمر رضي الله عنه كان يقرأ في الفجر
بسورة يونس وسورة هود وسورة يوسف
والذي يبين ذلك ما رواه أبو داود في
سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول
الله صلى الله عليه وسلم في تمام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
قال سمع الله لمن حمد قام حتى نقول قد أوهم ثم يكبر ويسجد وكان يقعد بين
السجدتين حتى نقول قد أوهم كما أخرجا في الصحيحين عن حماد بن زيد عن ثابت
عن أنس قال إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلي بنا قال ثابت فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه
من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل قد نسي وللبخاري من حديث شعبة عن
ثابت قال قال أنس رضي الله عنه ينعت لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان يصلي فإذا رفع رأسه من الركوع حتى يقول القائل قد نسي
فهذه أحاديث
أنس الصحيحة تصرح أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي
كان يوجزها
ويكملها والتي كانت أخف الصلاة وأتمها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم
فيها من الركوع حتى يقول القائل إنه قد نسي ويقعد بين السجدتين حتى يقول
القائل قد نسي وإذا كان في هذا يفعل ذلك فمن المعلوم اتفاق المسلمين والسنة
المتواترة أن الركوع والسجود لا ينقصان عن هذين الاعتدالين بل كثير من
العلماء يقول لا يشرع ولا يجوز أن يجعل هذين الاعتدالين بقدر الركوع
والسجود بل ينقصان عن الركوع والسجود وفي الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم
قال غلب على الكوفة رجل قد سماه زمن ابن الأشعث وسماه غندر في رواية مطر بن
ناجية فأمر أبا عبيدة بن عبد الله أن يصلي بالناس فكان يصلي فإذا رفع رأسه
من الركوع قام وقدر ما أقول اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض
وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما
منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد قال الحكم فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن أبي
ليلى قال سمعت البراء بن عازب يقول كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريبا من
السواء قال شعبة فذكرته لعمرو بن مرة فقال قد رأيت عبد الرحمن ابن أبي ليلى
فلم تكن صلاته هكذا ولفظ مطر عن شعبة كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم
وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبا
من السواء وهو في الصحيح والسنن من حديث هلال بن أبي حميد عن ابن أبي ليلى
عن البراء بن عازب قال رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت
قيامه فركوعه فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته ما بين
التسليم والانصراف قريبا من السواء
ويشهد لهذا ما رواه مسلم وأبو داود
والنسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقول حين يرفع رأسه من الركوع
سمع الله لمن حمد اللهم ربنا لك
الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد
أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا
ينفع ذا الجد منك الجد
و قوله أحق ما قال العبد هكذا هو في الحديث وهو
خبر مبتدأ محذوف وأما ما ذكره بعض المصنفين من الفقهاء والصوفية من قوله حق
ما قال العبد فهو تحريف بلا نزاع بين أهل العلم بالحديث والسنة ليس له أصل
في الأثر ومعناه أيضا فاسد فإن العبد يقول الحق والباطل وأما الرب سبحانه
وتعالى فهو يقول الحق ويهدي السبيل كما قال تعالى: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ
أَقُولُ}
وأيضا فليست الصلاة مبنية إلا على الثناء على الله عز وجل
وروى
مسلم وغيره عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء
الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما
قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا
الجد منك الجد
وروى مسلم وغيره عن عبد الله بن أبي أوفى قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يقول سمع الله لمن حمد
اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد
وفي
رواية أخرى لمسلم زاد بعد هذا أنه كان يقول اللهم طهرني من الذنوب
والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
فإن قيل فإذا كانت هذه صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم التي اتفق الصحابة رضي الله عنهم على نقلها
عنه وقد نقلها أهل الصحاح والسنن والمسانيد من هذه الوجوه وغيرها والصلاة
عمود الدين فكيف خفي ذلك على طائفة من
فقهاء العراق وغيره حتى لم
يجعلوا الاعتدال من الركوع والقعود بين السجدتين من الأفعال المقارنة
للركوع والسجود ولا استحبوا في ذلك ذكرا أكثر من التحميد يقول ربنا لك
الحمد حتى إن بعض المتفقهة قال إذا طال ذلك طولا كثيرا بطلت صلاته
قيل
سبب ذلك وغيره أن الذي مضت به السنة أن الصلاة يصليها المسلمين الأمراء
وولاة الحرب فوالى الجهاد هو كان أمير الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم وخلفائه الراشدين وما بعد ذلك إلى أثناء دولة بني العباس والخليفة هو
الذي يصلى بالناس الصلوات الخمس والجمعة لا يعرف المسلمون غير ذلك وقد أخبر
النبي صلى الله عليه وسلم بما سيكون بعده من تغير الأمراء حتى قال سيكون
من بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم
معهم نافلة فكان من هؤلاء من يؤخرها عن وقتها حتى يضيع الوقت المشروع فيها
أن بعضهم كان لا يتم التكبير أى لا يجهر بالتكبير في انتقالات الركوع وغيره
ومنهم من لا يتم الاعتدالين وكان هذا يشيع في الناس فيربو في ذلك الصغير
ويهرم فيه الكبير حتى إن كثيرا من خاصة الناس لا يظن السنة إلا ذلك فإذا
جاء أمراء أحيوا السنة عرف ذلك كما رواه البخاري في صحيحه عن قتادة عن
عكرمة قال صليت خلف شيخ بمكة فكبر اثنين وعشرين تكبيرة فقلت لابن عباس إنه
لأحمق فقال ثكلتك أمك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم
وفي رواية أبي
بشر عن عكرمة قال رأيت رجلا عند المقام يكبر في كل خفض ورفع وإذا قام وإذا
وضع فأخبرت ابن عباس فقال أو ليس تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
أم لك وهذا يعني به أن ذلك الإمام كان يجهر بالتكبير فكان الأئمة الذين
يصلي خلفهم عكرمة لا يفعلون ذلك وابن عباس لم يكن إماما حتى يعرف ذلك منه
فأنكر ذلك عكرمة حتى أخبره ابن عباس وأما نفس التكبير فلم يكن يشتبه أمره
على أحد وهذا كما أن عامة
الأئمة المتأخرين لا يجهرون بالتكبير بل
يفعل ذلك المؤذن ونحوه فيظن أكثر الناس أن هذه هي السنة ولا خلاف بين أهل
العلم أن هذه ليست هي السنة بل هم متفقون على ما ثبت عندهم بالتواتر عن
النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤذن وغيره من المأمومين لا يجهرون بالتكبير
دائما كما أن بلالا لم يكن يجهر بذلك خلف النبي صلى الله عليه وسلم لكن
إذا احتيج إلى ذلك لضعف صوت الإمام أو بعد المكان فهذا قد احتجوا لجوازه
بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يسمع الناس التكبير خلف النبي صلى
الله عليه وسلم في مرضه حتى تنازع الفقهاء في جهر المأموم لغير حاجة هل
يبطل صلاته أم لا
ومثل ذلك ما أخرجاه في الصحيحين والسنن عن مطرف بن عبد
الله بن الشخير قال صليت خلف علي بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين فكان إذا
سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر وإذا نهض من الركعتين كبر فلما قضي الصلاة أخذ
عمران بن حصين بيدي فقال قد ذكرني هذا بصلاة محمد صلى الله عليه وسلم أو
قال لقد صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا لما جهر بالتكبير سمعه
عمران ومطرف كما سمعه غيرهما
ومثل هذا ما في الصحيحين والسنن أيضا عن
أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها يكبر
حين يقوم ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يقوم من
الجلوس من الثنتين يفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة ثم يقول حين
ينصرف والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا
وهذا كان يفعله أبو هريرة رضي
الله عنه لما كان أميرا على المدينة فإن معاوية كان يعاقب بينه وبين مروان
بن الحكم في إمارة المدينة فيولي هذا تارة ويولي هذا تارة وكان مروان
يستخلف وكان أبو هريرة يصلي بهم بما هو أشبه
بصلاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم من صلاة مروان وغيره من أمراء المدينة
وقوله في المكتوبة
وغيرها يعني ما كان من النوافل مثل قيام رمضان كما أخرجه البخاري من حديث
الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث وأبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله
عنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها في رمضان وغيره فيكبر حين
يقوم ويكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده ثم يقول ربنا لك الحمد وذكر
نحوه
وكان الناس قد اعتادوا ما يفعله غيره فلم يعرفوا ذلك حتى سألوه
كما رواه مسلم من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله
عنه كان يكبر في الصلاة كلما رفع ووضع فقلت يا أبا هريرة ما هذا التكبير
قال إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا كله معناه جهر الإمام
بالتكبير ولهذا كانوا يسمونه إتمام التكبير لما فيه من إتمامه برفع الصوت
وفعله في كل خفض ورفع
يبين ذلك أن البخاري ذكر في باب التكبير عند
النهوض من الركعتين قال وكان ابن الزبير يكبر في نهضته ثم روى البخاري من
حديث فليح ابن سليمان عن سعيد بن الحارث قال صلى لنا أبو سعيد فجهر
بالتكبير حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين
وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أردفه البخاري بحديث مطرف
قال صليت أنا وعمران بن حصين خلف على بن أبي طالب رضي الله عنه فكان إذا
سجد كبر وإذا رفع كبر وإذا نهض من الركعتين كبر فلما سلم أخذ عمران بن حصين
بيدي فقال لقد صلى بنا هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم أو قال لقد ذكرني
هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم
فهذا يبين أن الكلام إنما هو في
الجهر بالتكبير وأما أصل التكبير فلم يكن مما يخفى على أحد وليس هذا أيضا
مما يجهل هل يفعله الإمام أم لا يفعله
فلا يصح لهم نفيه عن الأئمة
كما لا يصح نفي القراءة في صلاة المخافتة ونفي التسبيح في الركوع والسجود
ونفي القراءة في الركعتين الآخرتين ونحو ذلك ولهذا استدل بعض من كان لا يتم
بالتكبير ولا يجهر به بما روي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه أنه
صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يتم التكبير رواه أبو داود
والبخاري في التاريخ الكبير وقد حكى أبو داود الطيالسي أنه قال هذا عندنا
باطل وهذا إن كان محفوظا فلعل ابن أبزي صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم
في مؤخر المسجد وكان النبي صلى الله عليه وسلم صوته ضعيفا فلم يسمع تكبيره
فاعتقد أنه لم يتم التكبير وإلا فالأحاديث المتواترة عنه بخلاف ذلك فلو
خالفها كان شاذا لا يلتفت إليه ومع هذا فإن كثيرا من الفقهاء المتأخرين
يعتقدون أن إتمام التكبير هو نفس فعله ولو سرا وأن علي بن أبي طالب وأبا
هريرة وغيرهما من الأئمة إنما أفادوا الناس نفس فعل التكبير في الانتقالات
ولازم هذا أن عامة المسلمين ما كانوا يعرفون أن الصلاة لا يكبر في خفضها
ولا رفعها
و هذا غلط بلا ريب ولا نزاع بين من يعرف كيف كانت الأحوال ولو
كان المراد التكبير سرا لم يصح نفي ذلك ولا إثباته فإن المأموم لا يعرف
ذلك من إمامه ولا يسمي ترك التكبير بالكلية تركا لأن الأئمة كانوا يكبرون
عند الافتتاح دون الانتقالات وليس كذلك السنة بل الأحاديث المروية تبين أن
رفع الإمام وخفضه كان في جميعها التكبير وقد قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد
بن حنبل ما الذي نقصوا من التكبير قال إذا انحط إلى السجود من الركوع وإذا
أراد أن يسجد السجدة الثانية من كل ركعة
فقد بين الإمام أحمد أن الأئمة
لم يكونوا يتمون التكبير بل نقصوا التكبير في الخفض من القيام ومن القعود
وهو كذلك والله أعلم لأن الخفض يشاهد
بالأبصار فظنوا لذلك أن المأموم
لا يحتاج إلى أن يسمع تكبيرة الإمام لأنه يرى ركوعه ويرى سجوده بخلاف
الرفع من الركوع والسجود فإن المأموم لا يرى الإمام فيحتاج أن يعلم رفعه
بتكبيره
و يدل على صحة ما قاله أحمد من حديث ابن أبزي أنه صلى خلف النبي
صلى الله عليه وسلم فلم يتم التكبير وكان لا يكبر إذا خفض هكذا رواه أبو
داود الطيالسي عن شعبة عن الحسن بن عمران عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن
أبيه
و قد ظن أبو عمر بن عبد البر كما ظن غيره أن هؤلاء السلف ما كانوا
يكبرون في الخفض والرفع وجعل ذلك حجة على أنه ليس بواجب لأنهم لا يقرون
الأمة على ترك واجب حتى إنه قد روي عن ابن عمر أنه كان يكبر إذا صلى وحده
في الفرض وأما التطوع فلا قال أبو عمر لا يحكي أحمد عن ابن عمر إلا ما صح
عنده إن شاء الله
قال وأما رواية مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكبر
في الصلاة كلما خفض ورفع فيدل ظاهرها على أنه كذلك كان يفعل إماما وغير
إمام قلت ما روى مالك لا ريب فيه والذي ذكره أحمد لا يخالف ذلك ولكن غلط
ابن عبد البر فيما فهم من كلام أحمد فإن كلامه إنما كان في التكبير دبر
الصلاة أيام العيد الأكبر لم يكن التكبير في الصلاة ولهذا فرق أحمد بين
الفرض والنفل فقال أحب إلي أن يكبر في الفرض دون النفل ولم يكن أحمد ولا
غيره يفرقون في تكبير الصلاة بين الفرض والنفل بل ظاهر مذهبه أن تكبير
الصلاة واجب في النفل كما أنه واجب في الفرض وإن قيل هو سنة في الفرض قيل
هو سنة في النفل فأما التفريق بينهما فليس قولا له ولا لغيره
وأما الذي
ذكره عن ابن عمر في تكبيره دبر الصلاة إذا كان منفردا فهو
مشهور عنه
وهي مسألة نزاع بين العلماء مشهورة وقد قال ابن عبد البر لما ذكر حديث أبي
سلمة أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع فلما
انصرف قال والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن
عبد البر إن الناس لم يكونوا كلهم يفعلون ذلك ويدل عيه مارواه ابن أبي ذئب
في موطئه عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ثلاث كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن وتركهن الناس كان إذا قام إلى الصلاة
رفع يديه مدا وكان يقف قبل القراءة هنيهة يسأل الله من فضله وكان يكبر كلما
رفع وخفض قلت هذه الثلاثة تركها طائفة من الأئمة والفقهاء ممن لا يرفع
اليدين ولا يوجب التكبير ومن لا يستحب الاستفتاح والاستعاذة ومن لا يجهر من
الأئمة بتكبير الانتقال
قال وقد قال قوم من أهل العلم إن التكبير إنما
هو إيذان بحركات الإمام وشعار للصلاة وليس بسنة إلا في الجماعة أما من صلى
وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر ولهذا ذكر مالك هذا الحديث وحديث ابن شهاب عن
علي بن حسين قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الصلاة كلما
خفض ورفع فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله عز وجل وحديث ابن عمر وجابر رضي
الله عنهم أنهما كانا يكبران كلما خفضا ورفعا في الصلاة فكان جابر يعلمهم
ذلك قال فذكر مالك هذه الأحاديث كلها ليبين لك أن التكبير من سنن الصلاة
قلت
ما ذكره مالك فكما ذكره وأما ما ذكره ابن عبد البر من الخلاف فلم أجده ذكر
لذلك أصلا إلا ما ذكره أحمد عن علماء المسلمين أن التكبير مشروع في
الصلوات وإنما ذكر ذلك مالك وغيره والله أعلم لأجل ما كره من فعل الأئمة
الذين كانوا لا يتمون التكبير وقد قال ابن عبد البر روى
ابن وهب
أخبرني عياض بن عبد الله الفهري أن عبد الله بن عمر كان يقول لكل شيء زينة
وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها وإذا كان ابن عمر يقول ذلك فكيف يظن
به أنه لا يكبر إذا صلى وحده هذا لا يظنه عاقل بابن عمر
قال ابن عبد
البر وقد روى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وقتادة وغيرهم انهم
كانوا لا يتمون التكبير وذكر ذلك أيضا عن القاسم وسعيد بن جبير وروى عن أبي
سلمة عن أبي هريرة انه كان يكبر هذا التكبير ويقول إنها لصلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال وهذا يدل على أن التكبير في كل خفض ورفع كان الناس
قد تركوه وفي ترك الناس له من غير نكير من واحد منهم ما يدل على أن الأمر
محمول عندهم على الإباحة قلت لايمكن أن يعلم إلا ترك الجهر به فأما ترك
الإمام التكبير سرا فلا يجوز أن يدعى تركه إن لم يصل الإمام إلى فعله فهذا
لم يقله أحد من الأئمة ولم يقل أحد إنهم كانوا يتركون في كل خفض ورفع بل
قالوا كانوا لا يتمونه ومعنى لا يتمونه لا ينقصونه ونقصه عدم فعله في حال
الخفض كما تقدم من كلامه وهو نقص بترك رفع الصوت به أو نقص له بترك ذلك في
بعض المواضع وقد روى ابن عبد البر عن أنس بن مالك رضى الله عنة قال صليت
خلف رسول الله صلى عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم فكلهم كان
يكبر إذا رفع رأسه وإذا خفض قال وهذا معارض لما روى عن عمر انه كان لا يتم
التكبير وروى عن سعيد بن عبد العزيز عن الزهرى قال
قلت لعمر بن عبد
العزيز ما منعك أن تتم التكبير وهذا عاملك عبد العزيز يتمه فقال تلك صلاة
الأول وأبى أن يقبل مني
قلت وإنما خفي على عمر بن عبد العزيز وعلى هؤلاء
الجهر بالتكبير كما خفي ذلك على طوائف من أهل زماننا وقبله ما ذكره أبي
شيبة أخبرنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال أول من نقص التكبير زياد
قلت
زياد كان أميرا في زمن عمر فيمكن أن يكون ذلك صحيحا ويكون زياد قد سن ذلك
حين تركه غيره وروى عن الأسود بن يزيد عن أبي موسى الأشعري قال لقد ذكرنا
علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما نسيناها وإما
تركناها عمدا وكان يكبر كلما رفع وكلما وضع وكلما سجد
و معلوم أن
الأمراء بالعراق الذين شاهدوا ما عليه أمراء البلد وهم أئمة ولم يبلغهم
خلاف ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا من شاهدوهم من أهل العلم
والدين لا يعرفون غير ذلك فظنوا أن ذلك هو من أصل السنة وحصل بذلك نقصان في
وقت الصلاة وفعلها فاعتقدوا أن تأخير الصلاة أفضل من تقديمها كما كان
الأئمة يفعلون ذلك وكذلك عدم إتمام التكبير وغير ذلك من الأمور الناقصة عما
كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان ابن مسعود يتأول في بعض
الأمراء الذين كانوا على عهده أنهم من الخلف الذين قال الله تعالى فيهم
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا
الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} فكان يقول كيف بكم إذا لبستكم
فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير إذا ترك فيها شيء قيل تركت السنة
فقيل متى ذلك يا أبا عبد الرحمن فقال ذلك إذا ذهب علماؤكم وقلت فقهاؤكم
والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الدين وكان عبد الله بن مسعود يقول
أيضا أنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال أمور تكون من كبرائكم
فأيما
رجل أو امرأة أدرك ذلك الزمان فالسمت الأول فالسمت الأول
ومن هذا الباب
أن عمر بن عبد العزيز لما تولى إمارة المدينة في خلافة الوليد بن عمه وعمر
هذا هو الذي بنى الحجرة النبوية إذ ذاك صلى خلفه أنس بن مالك رضي الله عنه
فقال ما رواه أبو داود والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ما صليت وراء
أحد بعد رسول برسول الله صلى الله ع عليه وسلم من هذا الفتى يعني عمر بن
عبد العزيز قال فخررنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات وهذا
كان في المدينة مع أن أمراءها كانوا أكثر محافظة على السنة من أمراء بقية
الأمصار فإن الأمصار كانت تساس برأي الملوك والمدينة إنما كانت تساس بسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحو هذا ولكن كانوا قد غيروا أيضا ببعض
السنة ومن اعتقد أن هذا كان في خلافة عمر بن عبد العزيز فقد غلط فإن أنس بن
مالك رضي الله عنه لم يدرك خلافة عمر بن عبد العزيز بل مات قبل ذلك بسنتين
وهذا
يوافق الحديث المشهور الذي في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة عن عون بن
عبد الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات سبحان ربي العظيم وذلك أدناه"
وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه قال أبو داود هذا مرسل
عون لم يدرك عبد الله بن مسعود وكذلك قال البخاري في تاريخه وقال الترمذي
ليس إسناده بمتصل عون ابن عبد الله لم يدرك ابن مسعود عون هو من علماء
الكوفة المشهورين وهو من أهل بيت عبد الله
وقيل إنما تلقاه من علماء
أهل بيته فلهذا تمسك الفقهاء بهذا الحديث في التسبيحات لما له من الشواهد
حتى صاروا يقولون في الثلاث إنها أدنى الكمال أو أدنى الركوع وذلك يدل على
أن أعلاه أكثر من هذا
فقول من يقول من الفقهاء إن السنة للإمام أن يقتصر
على ثلاث تسبيحات من أصل الشافعي وأحمد رضي الله عنهما وغيرهم هو من جنس
قول من يقول من السنة أن لا يطيل الاعتدال بعد الركوع أو أن يؤخر الصلاة
إلى آخر الوقت أو نحو ذلك فإن الذين قالوا هذا ليس معهم أصل يرجعون إليه من
السنة أصلا بل الأحاديث المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة في
الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها تبين أنه صلى الله عليه وسلم كان يسبح في
أغلب صلاته أكثر من ذلك كما تقدم دلالة الأحاديث عليه ولكن هذا قالوه لما
سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أم أحدكم الناس فليخفف وإذا صلى
لنفسه فليطول ما شاء ولم يعرفوا مقدار التطويل ولا علموا التطويل الذي نهى
عنه لما قال لمعاذ أفتان أنت يا معاذ فجعلوا هذا برأيهم قدرا للمستحب ومن
المعلوم أن مقدار الصلاة واجبها ومستحبها لا يرجع فيه إلى غير السنة فإن
هذا من العلم الذي لم يكله الله ورسوله إلى آراء العباد إذ النبي صلى الله
عليه وسلم كان يصلي بالمسلمين في كل يوم خمس صلوات وكذلك خلفاؤه الراشدون
الذين أمرنا بالاقتداء بهم فيجب البحث عما سنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا ينبغي أن يوضع فيه حكم بالرأي وإنما يكون اجتهاد الرأي فيما لم
تمض به سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يعمد إلى شيء مضت
به سنة فيرد بالرأي والقياس
ومما يبين هذا أن التخفيف أمر نسبي إضافي
ليس له حد في اللغة ولا في العرف إذ قد يستطيل هؤلاء ما يستخفه هؤلاء
ويستخف هؤلاء ما يستطيله
هؤلاء فهو أمر يختلف باختلاف عادات الناس
ومقادير العبادات ولا في كل من العبادات التي ليست شرعية
فعلم أن الواجب
على المسلم أن يرجع في مقدار التخفيف والتطويل إلى السنة وبهذا يتبين أن
أمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف لا ينافي أمره بالتطويل أيضا في حديث
عمار الذي في الصحيح لما قال إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه
فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وهناك أمرهم بالتخفيف ولا منافاة بينهما فإن
الإطالة هنا بالنسبة إلى الخطبة والتخفيف هناك بالنسبة إلى ما فعل بعض
الأئمة في زمانه من قراءة البقرة في العشاء الآخرة ولهذا قال فإذا صلى
أحدكم لنفسه فليطول ما شاء
فبين أن المنفرد ليس لطول صلاته حد تكون به
الصلاة خفيفة بخلاف الإمام لأجل مراعاة المأمومين فإن خلفه السقيم والكبير
وذو الحاجة ولهذا مضت السنة بتخفيفها عن الإطالة إذا عرض للمأمومين أو
بعضهم عارض كما قال صلى الله عليه وسلم إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن
أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأخفف لما أعلم من وجد أمه وبذلك علل النبي صلى
الله عليه وسلم فيما تقدم من حديث ابن مسعود
وكذلك في الصحيحين عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم بالناس
فليخفف فإن فيهم الضعيف والكبير
و ذا الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول
ما شاء وفي رواية فإن فيهم السقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة
و لهذا كان
النبي صلى الله عليه وسلم يقصرها أحيانا عما كان يفعل غالبا كما روى مسلم
في صحيحه عن عمرو بن حريث رضي الله عنه قال كأني أسمع صوت النبي صلى الله
عليه وسلم يقرأ في صلاة الغداة {فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس {وروى أنه
قرأ في صلاة الفجر في بعض أسفاره بسورة الزلزلة وكان يطولها أحيانا حتى ثبت
في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو
يقرأ {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} فقالت يا بنى لقد أذكرتنى بقراءتك هذه
السورة أنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب
وفي الصحيحين عن محمد ابن جبير بن مطعم عن أبيه أنه قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور في المغرب وفي البخاري والسنن عن مروان بن
الحكم قال قال لى زيد بن ثابت مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرا في المغرب بطولي الطوليين قال قلت ما
طولى الطوليين قال الأعراف
فهذه الأحاديث من أصح الأحاديث وقد ثبت فيها
أنه كان يقرأ في المغرب تارة بالأعراف وتارة بالطور وتارة بالمرسلات مع
اتفاق الفقهاء على أن القراءة في المغرب سنتها أن تكون أقصر نم القراءة في
الفجر فكيف تكون القراءة في الفجر وغيرها
ومن هذا الباب ما روى وكيع عن
منصور عن ابراهيم النخعي قال كان أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود يطيل
القيام بقدر الركوع فكانوا يعيبون ذلك عليه قال أبو محمد بن حزم العيب على
من عاب عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعول على من لا حجة فيه
القدر المشروع في الصلاة
[ القدر المشروع في الصلاة ]
فصل
و
أما القدر المشروع للإمام فهي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في
صحيح البخاري عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه قال إذا حضرت الصلاة
فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ثم صلوا كما رأيتموني أصلي
وأما القيام
ففي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في
الفجر بق والقرآن المجيد ونحوها وكانت صلاته بعد إلى تخفيف أي يجعل صلاته
بعد الفجر خفيفة كما في صحيح مسلم أيضا عنه قال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك وفي الصبح أطول
من ذلك وفي الصحيحين عن أبي برزة الأسلمي قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى لحين تدحض الشمس ويصلي العصر ثم
يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية قال الراوي ونسيت ما قال
في المغرب وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم
قبلها والحديث بعدها وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه وكان
يقرأ فيها بالستين إلى المئة وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال حزرنا
قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في
الركعتين الأولتين من الظهر قدر ثلاثين أية قدر آلم السجدة وحزرنا قيامه في
الأولتين من العصر على قدر الآخرتين من الظهر وحزرنا قيامه في الآخرتين من
العصر على النصف من ذلك رواه مسلم وأبو داود والنسائي وفي الصحيحين
وغيرهما عن جابر بن سمرة قال قال عمر لسعد بن أبي وقاص لقد شكاك الناس في
كل شيء حتى في الصلاة قال أما أنا فأمد في الأوليين وأحذف الأخريين ولا آلو
فصل
و
أما القدر المشروع للإمام فهي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في
صحيح البخاري عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه قال إذا حضرت الصلاة
فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ثم صلوا كما رأيتموني أصلي
وأما القيام
ففي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في
الفجر بق والقرآن المجيد ونحوها وكانت صلاته بعد إلى تخفيف أي يجعل صلاته
بعد الفجر خفيفة كما في صحيح مسلم أيضا عنه قال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك وفي الصبح أطول
من ذلك وفي الصحيحين عن أبي برزة الأسلمي قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى لحين تدحض الشمس ويصلي العصر ثم
يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية قال الراوي ونسيت ما قال
في المغرب وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة وكان يكره النوم
قبلها والحديث بعدها وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه وكان
يقرأ فيها بالستين إلى المئة وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال حزرنا
قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في
الركعتين الأولتين من الظهر قدر ثلاثين أية قدر آلم السجدة وحزرنا قيامه في
الأولتين من العصر على قدر الآخرتين من الظهر وحزرنا قيامه في الآخرتين من
العصر على النصف من ذلك رواه مسلم وأبو داود والنسائي وفي الصحيحين
وغيرهما عن جابر بن سمرة قال قال عمر لسعد بن أبي وقاص لقد شكاك الناس في
كل شيء حتى في الصلاة قال أما أنا فأمد في الأوليين وأحذف الأخريين ولا آلو
ما
اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذاك الظن بك يا أبا
إسحاق وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي سعيد رضي الله عنه قال لقد كانت صلاة
الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي ورسول
الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها وفي صحيح مسلم أيضا
عن أبي وائل قال خطبنا عمار بن ياسر يوما فأوجز وأبلغ فقلنا يا أبا اليقظان
لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة في فقهه فأطيلوا الصلاة
وأقصروا الخطبة إن من البيان لسحرا
وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي
الله عنه قال كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات فكانت صلاته
قصدا أي وسطا
وفعله الذي سنه لأمته هو من التخفيف الذي أمر به الأئمة إذ
التخفيف من الأمور الإضافية فالمرجع في مقداره إلى السنة وذلك كما خرجاه
في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله
عليه وسلم ثم يرجع فيؤمنا وقال مرة ثم يرجع فيصلي بقومه فأخبر النبي صلى
الله عليه وسلم وقال مرة العشاء فصلى معاذ مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم
جاء يؤم قومه فقرأ البقرة فاعتزل رجل من القوم فصلى فقيل نافقت فقال ما
نافقت فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن معاذا يصلي معك ثم يرجع
فيؤمنا يا رسول الله إنما نحن أصحاب نواضح ونعمل بأيدينا وإنه جاء يؤمنا
فقرأ سورة البقرة فقال أفتان أنت يا معاذ اقرأ بكذا اقرأ بكذا قال أبو
الزبير {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
وفي رواية للبخاري عن جابر رضي الله عنه قال أقبل رجل بناضحين وقد جنح
الليل فوافق معاذا يصلي وذكره نحوه فقال في آخره فلولا صليت بسبح باسم ربك
الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى فإنه يصلي وراءك الضعيف والكبير وذو
الحاجة
وفي الصحيحين عن أبي مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما
يطيل بنا فما رأيت رسول الله غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ قال أيها
الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليوجز فإن وراءه الكبير والضعيف وذا
الحاجة وفي رواية فإن فيهم الضعيف والكبير وفي رواية فليخفف فإن فيهم
المريض والضعيف وذا الحاجة
وفي صحيح البخاري من حديث أبي قتادة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها
فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه
وأما مقدار بقية الأركان
مع القيام فقد أخرجا في الصحيحين عن شريك ابن عبد الله بن أبي نمر عن أنس
بن مالك رضي الله عنه قال ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من
النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية عن شريك عنه وإن كان ليسمع بكاء الصبي
فيخفف مخافة أن تفتتن أمه
وأخرجا فيهما من حديث عبد العزيز بن صهيب عن
أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة
ويكملها وفي لفظ يوجز الصلاة ويتم
وأخرجا أيضا عن أبي قتادة عن أنس رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد
أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز من صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من
بكائه رواه مسلم من حديث ثابت عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة
الخفيفة أو بالسورة القصيرة
وروى مسلم أيضا عن أنس رضي الله عنه قال ما
صليت خلف أحد أوجز صلاة ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت
صلاته متقاربة
وصلاة أبي بكر متقاربة فلما كان عمر رضي الله عنه مد
في صلاة الصبح وعن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان من أخف الناس صلاة في تمام
فقول أنس رضي الله عنه ما صليت وراء
إمام قط أخف ولا أتم صلاة من رسول الله يريد أنه صلى الله عليه وسلم كان
أخف الأئمة صلاة وأتم الأئمة صلاة وهذا لاعتدال صلاته وتناسبها كما في
اللفظ الآخر وكانت صلاته معتدلة وفي اللفظ الآخر كانت صلاته متقاربة لتخفيف
قيامها وقعودها وتكون أتم صلاة لإطالة ركوعها وسجودها ولو أراد أن يكون
نفس الفعل الواحد كالقيام هو أخف وهو أتم لناقض ذلك ولهذا بين التخفيف الذي
كان يفعله إذا بكى الصبي وهو قراءة سورة قصيرة وبين أن عمر بن الخطاب مد
في صلاة الصبح وإنما مد في القراءة فإن عمر رضي الله عنه كان يقرأ في الفجر
بسورة يونس وسورة هود وسورة يوسف
والذي يبين ذلك ما رواه أبو داود في
سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول
الله صلى الله عليه وسلم في تمام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
قال سمع الله لمن حمد قام حتى نقول قد أوهم ثم يكبر ويسجد وكان يقعد بين
السجدتين حتى نقول قد أوهم كما أخرجا في الصحيحين عن حماد بن زيد عن ثابت
عن أنس قال إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلي بنا قال ثابت فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه
من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل قد نسي وللبخاري من حديث شعبة عن
ثابت قال قال أنس رضي الله عنه ينعت لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان يصلي فإذا رفع رأسه من الركوع حتى يقول القائل قد نسي
فهذه أحاديث
أنس الصحيحة تصرح أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي
كان يوجزها
ويكملها والتي كانت أخف الصلاة وأتمها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم
فيها من الركوع حتى يقول القائل إنه قد نسي ويقعد بين السجدتين حتى يقول
القائل قد نسي وإذا كان في هذا يفعل ذلك فمن المعلوم اتفاق المسلمين والسنة
المتواترة أن الركوع والسجود لا ينقصان عن هذين الاعتدالين بل كثير من
العلماء يقول لا يشرع ولا يجوز أن يجعل هذين الاعتدالين بقدر الركوع
والسجود بل ينقصان عن الركوع والسجود وفي الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم
قال غلب على الكوفة رجل قد سماه زمن ابن الأشعث وسماه غندر في رواية مطر بن
ناجية فأمر أبا عبيدة بن عبد الله أن يصلي بالناس فكان يصلي فإذا رفع رأسه
من الركوع قام وقدر ما أقول اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض
وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما
منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد قال الحكم فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن أبي
ليلى قال سمعت البراء بن عازب يقول كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريبا من
السواء قال شعبة فذكرته لعمرو بن مرة فقال قد رأيت عبد الرحمن ابن أبي ليلى
فلم تكن صلاته هكذا ولفظ مطر عن شعبة كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم
وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبا
من السواء وهو في الصحيح والسنن من حديث هلال بن أبي حميد عن ابن أبي ليلى
عن البراء بن عازب قال رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت
قيامه فركوعه فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته ما بين
التسليم والانصراف قريبا من السواء
ويشهد لهذا ما رواه مسلم وأبو داود
والنسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقول حين يرفع رأسه من الركوع
سمع الله لمن حمد اللهم ربنا لك
الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد
أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا
ينفع ذا الجد منك الجد
و قوله أحق ما قال العبد هكذا هو في الحديث وهو
خبر مبتدأ محذوف وأما ما ذكره بعض المصنفين من الفقهاء والصوفية من قوله حق
ما قال العبد فهو تحريف بلا نزاع بين أهل العلم بالحديث والسنة ليس له أصل
في الأثر ومعناه أيضا فاسد فإن العبد يقول الحق والباطل وأما الرب سبحانه
وتعالى فهو يقول الحق ويهدي السبيل كما قال تعالى: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ
أَقُولُ}
وأيضا فليست الصلاة مبنية إلا على الثناء على الله عز وجل
وروى
مسلم وغيره عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء
الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما
قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا
الجد منك الجد
وروى مسلم وغيره عن عبد الله بن أبي أوفى قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يقول سمع الله لمن حمد
اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد
وفي
رواية أخرى لمسلم زاد بعد هذا أنه كان يقول اللهم طهرني من الذنوب
والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
فإن قيل فإذا كانت هذه صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم التي اتفق الصحابة رضي الله عنهم على نقلها
عنه وقد نقلها أهل الصحاح والسنن والمسانيد من هذه الوجوه وغيرها والصلاة
عمود الدين فكيف خفي ذلك على طائفة من
فقهاء العراق وغيره حتى لم
يجعلوا الاعتدال من الركوع والقعود بين السجدتين من الأفعال المقارنة
للركوع والسجود ولا استحبوا في ذلك ذكرا أكثر من التحميد يقول ربنا لك
الحمد حتى إن بعض المتفقهة قال إذا طال ذلك طولا كثيرا بطلت صلاته
قيل
سبب ذلك وغيره أن الذي مضت به السنة أن الصلاة يصليها المسلمين الأمراء
وولاة الحرب فوالى الجهاد هو كان أمير الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم وخلفائه الراشدين وما بعد ذلك إلى أثناء دولة بني العباس والخليفة هو
الذي يصلى بالناس الصلوات الخمس والجمعة لا يعرف المسلمون غير ذلك وقد أخبر
النبي صلى الله عليه وسلم بما سيكون بعده من تغير الأمراء حتى قال سيكون
من بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم
معهم نافلة فكان من هؤلاء من يؤخرها عن وقتها حتى يضيع الوقت المشروع فيها
أن بعضهم كان لا يتم التكبير أى لا يجهر بالتكبير في انتقالات الركوع وغيره
ومنهم من لا يتم الاعتدالين وكان هذا يشيع في الناس فيربو في ذلك الصغير
ويهرم فيه الكبير حتى إن كثيرا من خاصة الناس لا يظن السنة إلا ذلك فإذا
جاء أمراء أحيوا السنة عرف ذلك كما رواه البخاري في صحيحه عن قتادة عن
عكرمة قال صليت خلف شيخ بمكة فكبر اثنين وعشرين تكبيرة فقلت لابن عباس إنه
لأحمق فقال ثكلتك أمك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم
وفي رواية أبي
بشر عن عكرمة قال رأيت رجلا عند المقام يكبر في كل خفض ورفع وإذا قام وإذا
وضع فأخبرت ابن عباس فقال أو ليس تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
أم لك وهذا يعني به أن ذلك الإمام كان يجهر بالتكبير فكان الأئمة الذين
يصلي خلفهم عكرمة لا يفعلون ذلك وابن عباس لم يكن إماما حتى يعرف ذلك منه
فأنكر ذلك عكرمة حتى أخبره ابن عباس وأما نفس التكبير فلم يكن يشتبه أمره
على أحد وهذا كما أن عامة
الأئمة المتأخرين لا يجهرون بالتكبير بل
يفعل ذلك المؤذن ونحوه فيظن أكثر الناس أن هذه هي السنة ولا خلاف بين أهل
العلم أن هذه ليست هي السنة بل هم متفقون على ما ثبت عندهم بالتواتر عن
النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤذن وغيره من المأمومين لا يجهرون بالتكبير
دائما كما أن بلالا لم يكن يجهر بذلك خلف النبي صلى الله عليه وسلم لكن
إذا احتيج إلى ذلك لضعف صوت الإمام أو بعد المكان فهذا قد احتجوا لجوازه
بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يسمع الناس التكبير خلف النبي صلى
الله عليه وسلم في مرضه حتى تنازع الفقهاء في جهر المأموم لغير حاجة هل
يبطل صلاته أم لا
ومثل ذلك ما أخرجاه في الصحيحين والسنن عن مطرف بن عبد
الله بن الشخير قال صليت خلف علي بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين فكان إذا
سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر وإذا نهض من الركعتين كبر فلما قضي الصلاة أخذ
عمران بن حصين بيدي فقال قد ذكرني هذا بصلاة محمد صلى الله عليه وسلم أو
قال لقد صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا لما جهر بالتكبير سمعه
عمران ومطرف كما سمعه غيرهما
ومثل هذا ما في الصحيحين والسنن أيضا عن
أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها يكبر
حين يقوم ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يقوم من
الجلوس من الثنتين يفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة ثم يقول حين
ينصرف والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا
وهذا كان يفعله أبو هريرة رضي
الله عنه لما كان أميرا على المدينة فإن معاوية كان يعاقب بينه وبين مروان
بن الحكم في إمارة المدينة فيولي هذا تارة ويولي هذا تارة وكان مروان
يستخلف وكان أبو هريرة يصلي بهم بما هو أشبه
بصلاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم من صلاة مروان وغيره من أمراء المدينة
وقوله في المكتوبة
وغيرها يعني ما كان من النوافل مثل قيام رمضان كما أخرجه البخاري من حديث
الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث وأبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله
عنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها في رمضان وغيره فيكبر حين
يقوم ويكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده ثم يقول ربنا لك الحمد وذكر
نحوه
وكان الناس قد اعتادوا ما يفعله غيره فلم يعرفوا ذلك حتى سألوه
كما رواه مسلم من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله
عنه كان يكبر في الصلاة كلما رفع ووضع فقلت يا أبا هريرة ما هذا التكبير
قال إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا كله معناه جهر الإمام
بالتكبير ولهذا كانوا يسمونه إتمام التكبير لما فيه من إتمامه برفع الصوت
وفعله في كل خفض ورفع
يبين ذلك أن البخاري ذكر في باب التكبير عند
النهوض من الركعتين قال وكان ابن الزبير يكبر في نهضته ثم روى البخاري من
حديث فليح ابن سليمان عن سعيد بن الحارث قال صلى لنا أبو سعيد فجهر
بالتكبير حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين
وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أردفه البخاري بحديث مطرف
قال صليت أنا وعمران بن حصين خلف على بن أبي طالب رضي الله عنه فكان إذا
سجد كبر وإذا رفع كبر وإذا نهض من الركعتين كبر فلما سلم أخذ عمران بن حصين
بيدي فقال لقد صلى بنا هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم أو قال لقد ذكرني
هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم
فهذا يبين أن الكلام إنما هو في
الجهر بالتكبير وأما أصل التكبير فلم يكن مما يخفى على أحد وليس هذا أيضا
مما يجهل هل يفعله الإمام أم لا يفعله
فلا يصح لهم نفيه عن الأئمة
كما لا يصح نفي القراءة في صلاة المخافتة ونفي التسبيح في الركوع والسجود
ونفي القراءة في الركعتين الآخرتين ونحو ذلك ولهذا استدل بعض من كان لا يتم
بالتكبير ولا يجهر به بما روي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه أنه
صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يتم التكبير رواه أبو داود
والبخاري في التاريخ الكبير وقد حكى أبو داود الطيالسي أنه قال هذا عندنا
باطل وهذا إن كان محفوظا فلعل ابن أبزي صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم
في مؤخر المسجد وكان النبي صلى الله عليه وسلم صوته ضعيفا فلم يسمع تكبيره
فاعتقد أنه لم يتم التكبير وإلا فالأحاديث المتواترة عنه بخلاف ذلك فلو
خالفها كان شاذا لا يلتفت إليه ومع هذا فإن كثيرا من الفقهاء المتأخرين
يعتقدون أن إتمام التكبير هو نفس فعله ولو سرا وأن علي بن أبي طالب وأبا
هريرة وغيرهما من الأئمة إنما أفادوا الناس نفس فعل التكبير في الانتقالات
ولازم هذا أن عامة المسلمين ما كانوا يعرفون أن الصلاة لا يكبر في خفضها
ولا رفعها
و هذا غلط بلا ريب ولا نزاع بين من يعرف كيف كانت الأحوال ولو
كان المراد التكبير سرا لم يصح نفي ذلك ولا إثباته فإن المأموم لا يعرف
ذلك من إمامه ولا يسمي ترك التكبير بالكلية تركا لأن الأئمة كانوا يكبرون
عند الافتتاح دون الانتقالات وليس كذلك السنة بل الأحاديث المروية تبين أن
رفع الإمام وخفضه كان في جميعها التكبير وقد قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد
بن حنبل ما الذي نقصوا من التكبير قال إذا انحط إلى السجود من الركوع وإذا
أراد أن يسجد السجدة الثانية من كل ركعة
فقد بين الإمام أحمد أن الأئمة
لم يكونوا يتمون التكبير بل نقصوا التكبير في الخفض من القيام ومن القعود
وهو كذلك والله أعلم لأن الخفض يشاهد
بالأبصار فظنوا لذلك أن المأموم
لا يحتاج إلى أن يسمع تكبيرة الإمام لأنه يرى ركوعه ويرى سجوده بخلاف
الرفع من الركوع والسجود فإن المأموم لا يرى الإمام فيحتاج أن يعلم رفعه
بتكبيره
و يدل على صحة ما قاله أحمد من حديث ابن أبزي أنه صلى خلف النبي
صلى الله عليه وسلم فلم يتم التكبير وكان لا يكبر إذا خفض هكذا رواه أبو
داود الطيالسي عن شعبة عن الحسن بن عمران عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن
أبيه
و قد ظن أبو عمر بن عبد البر كما ظن غيره أن هؤلاء السلف ما كانوا
يكبرون في الخفض والرفع وجعل ذلك حجة على أنه ليس بواجب لأنهم لا يقرون
الأمة على ترك واجب حتى إنه قد روي عن ابن عمر أنه كان يكبر إذا صلى وحده
في الفرض وأما التطوع فلا قال أبو عمر لا يحكي أحمد عن ابن عمر إلا ما صح
عنده إن شاء الله
قال وأما رواية مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكبر
في الصلاة كلما خفض ورفع فيدل ظاهرها على أنه كذلك كان يفعل إماما وغير
إمام قلت ما روى مالك لا ريب فيه والذي ذكره أحمد لا يخالف ذلك ولكن غلط
ابن عبد البر فيما فهم من كلام أحمد فإن كلامه إنما كان في التكبير دبر
الصلاة أيام العيد الأكبر لم يكن التكبير في الصلاة ولهذا فرق أحمد بين
الفرض والنفل فقال أحب إلي أن يكبر في الفرض دون النفل ولم يكن أحمد ولا
غيره يفرقون في تكبير الصلاة بين الفرض والنفل بل ظاهر مذهبه أن تكبير
الصلاة واجب في النفل كما أنه واجب في الفرض وإن قيل هو سنة في الفرض قيل
هو سنة في النفل فأما التفريق بينهما فليس قولا له ولا لغيره
وأما الذي
ذكره عن ابن عمر في تكبيره دبر الصلاة إذا كان منفردا فهو
مشهور عنه
وهي مسألة نزاع بين العلماء مشهورة وقد قال ابن عبد البر لما ذكر حديث أبي
سلمة أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع فلما
انصرف قال والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن
عبد البر إن الناس لم يكونوا كلهم يفعلون ذلك ويدل عيه مارواه ابن أبي ذئب
في موطئه عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال ثلاث كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن وتركهن الناس كان إذا قام إلى الصلاة
رفع يديه مدا وكان يقف قبل القراءة هنيهة يسأل الله من فضله وكان يكبر كلما
رفع وخفض قلت هذه الثلاثة تركها طائفة من الأئمة والفقهاء ممن لا يرفع
اليدين ولا يوجب التكبير ومن لا يستحب الاستفتاح والاستعاذة ومن لا يجهر من
الأئمة بتكبير الانتقال
قال وقد قال قوم من أهل العلم إن التكبير إنما
هو إيذان بحركات الإمام وشعار للصلاة وليس بسنة إلا في الجماعة أما من صلى
وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر ولهذا ذكر مالك هذا الحديث وحديث ابن شهاب عن
علي بن حسين قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الصلاة كلما
خفض ورفع فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله عز وجل وحديث ابن عمر وجابر رضي
الله عنهم أنهما كانا يكبران كلما خفضا ورفعا في الصلاة فكان جابر يعلمهم
ذلك قال فذكر مالك هذه الأحاديث كلها ليبين لك أن التكبير من سنن الصلاة
قلت
ما ذكره مالك فكما ذكره وأما ما ذكره ابن عبد البر من الخلاف فلم أجده ذكر
لذلك أصلا إلا ما ذكره أحمد عن علماء المسلمين أن التكبير مشروع في
الصلوات وإنما ذكر ذلك مالك وغيره والله أعلم لأجل ما كره من فعل الأئمة
الذين كانوا لا يتمون التكبير وقد قال ابن عبد البر روى
ابن وهب
أخبرني عياض بن عبد الله الفهري أن عبد الله بن عمر كان يقول لكل شيء زينة
وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها وإذا كان ابن عمر يقول ذلك فكيف يظن
به أنه لا يكبر إذا صلى وحده هذا لا يظنه عاقل بابن عمر
قال ابن عبد
البر وقد روى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وقتادة وغيرهم انهم
كانوا لا يتمون التكبير وذكر ذلك أيضا عن القاسم وسعيد بن جبير وروى عن أبي
سلمة عن أبي هريرة انه كان يكبر هذا التكبير ويقول إنها لصلاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال وهذا يدل على أن التكبير في كل خفض ورفع كان الناس
قد تركوه وفي ترك الناس له من غير نكير من واحد منهم ما يدل على أن الأمر
محمول عندهم على الإباحة قلت لايمكن أن يعلم إلا ترك الجهر به فأما ترك
الإمام التكبير سرا فلا يجوز أن يدعى تركه إن لم يصل الإمام إلى فعله فهذا
لم يقله أحد من الأئمة ولم يقل أحد إنهم كانوا يتركون في كل خفض ورفع بل
قالوا كانوا لا يتمونه ومعنى لا يتمونه لا ينقصونه ونقصه عدم فعله في حال
الخفض كما تقدم من كلامه وهو نقص بترك رفع الصوت به أو نقص له بترك ذلك في
بعض المواضع وقد روى ابن عبد البر عن أنس بن مالك رضى الله عنة قال صليت
خلف رسول الله صلى عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم فكلهم كان
يكبر إذا رفع رأسه وإذا خفض قال وهذا معارض لما روى عن عمر انه كان لا يتم
التكبير وروى عن سعيد بن عبد العزيز عن الزهرى قال
قلت لعمر بن عبد
العزيز ما منعك أن تتم التكبير وهذا عاملك عبد العزيز يتمه فقال تلك صلاة
الأول وأبى أن يقبل مني
قلت وإنما خفي على عمر بن عبد العزيز وعلى هؤلاء
الجهر بالتكبير كما خفي ذلك على طوائف من أهل زماننا وقبله ما ذكره أبي
شيبة أخبرنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال أول من نقص التكبير زياد
قلت
زياد كان أميرا في زمن عمر فيمكن أن يكون ذلك صحيحا ويكون زياد قد سن ذلك
حين تركه غيره وروى عن الأسود بن يزيد عن أبي موسى الأشعري قال لقد ذكرنا
علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما نسيناها وإما
تركناها عمدا وكان يكبر كلما رفع وكلما وضع وكلما سجد
و معلوم أن
الأمراء بالعراق الذين شاهدوا ما عليه أمراء البلد وهم أئمة ولم يبلغهم
خلاف ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا من شاهدوهم من أهل العلم
والدين لا يعرفون غير ذلك فظنوا أن ذلك هو من أصل السنة وحصل بذلك نقصان في
وقت الصلاة وفعلها فاعتقدوا أن تأخير الصلاة أفضل من تقديمها كما كان
الأئمة يفعلون ذلك وكذلك عدم إتمام التكبير وغير ذلك من الأمور الناقصة عما
كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان ابن مسعود يتأول في بعض
الأمراء الذين كانوا على عهده أنهم من الخلف الذين قال الله تعالى فيهم
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا
الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} فكان يقول كيف بكم إذا لبستكم
فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير إذا ترك فيها شيء قيل تركت السنة
فقيل متى ذلك يا أبا عبد الرحمن فقال ذلك إذا ذهب علماؤكم وقلت فقهاؤكم
والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الدين وكان عبد الله بن مسعود يقول
أيضا أنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال أمور تكون من كبرائكم
فأيما
رجل أو امرأة أدرك ذلك الزمان فالسمت الأول فالسمت الأول
ومن هذا الباب
أن عمر بن عبد العزيز لما تولى إمارة المدينة في خلافة الوليد بن عمه وعمر
هذا هو الذي بنى الحجرة النبوية إذ ذاك صلى خلفه أنس بن مالك رضي الله عنه
فقال ما رواه أبو داود والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ما صليت وراء
أحد بعد رسول برسول الله صلى الله ع عليه وسلم من هذا الفتى يعني عمر بن
عبد العزيز قال فخررنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات وهذا
كان في المدينة مع أن أمراءها كانوا أكثر محافظة على السنة من أمراء بقية
الأمصار فإن الأمصار كانت تساس برأي الملوك والمدينة إنما كانت تساس بسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحو هذا ولكن كانوا قد غيروا أيضا ببعض
السنة ومن اعتقد أن هذا كان في خلافة عمر بن عبد العزيز فقد غلط فإن أنس بن
مالك رضي الله عنه لم يدرك خلافة عمر بن عبد العزيز بل مات قبل ذلك بسنتين
وهذا
يوافق الحديث المشهور الذي في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة عن عون بن
عبد الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات سبحان ربي العظيم وذلك أدناه"
وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه قال أبو داود هذا مرسل
عون لم يدرك عبد الله بن مسعود وكذلك قال البخاري في تاريخه وقال الترمذي
ليس إسناده بمتصل عون ابن عبد الله لم يدرك ابن مسعود عون هو من علماء
الكوفة المشهورين وهو من أهل بيت عبد الله
وقيل إنما تلقاه من علماء
أهل بيته فلهذا تمسك الفقهاء بهذا الحديث في التسبيحات لما له من الشواهد
حتى صاروا يقولون في الثلاث إنها أدنى الكمال أو أدنى الركوع وذلك يدل على
أن أعلاه أكثر من هذا
فقول من يقول من الفقهاء إن السنة للإمام أن يقتصر
على ثلاث تسبيحات من أصل الشافعي وأحمد رضي الله عنهما وغيرهم هو من جنس
قول من يقول من السنة أن لا يطيل الاعتدال بعد الركوع أو أن يؤخر الصلاة
إلى آخر الوقت أو نحو ذلك فإن الذين قالوا هذا ليس معهم أصل يرجعون إليه من
السنة أصلا بل الأحاديث المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة في
الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها تبين أنه صلى الله عليه وسلم كان يسبح في
أغلب صلاته أكثر من ذلك كما تقدم دلالة الأحاديث عليه ولكن هذا قالوه لما
سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أم أحدكم الناس فليخفف وإذا صلى
لنفسه فليطول ما شاء ولم يعرفوا مقدار التطويل ولا علموا التطويل الذي نهى
عنه لما قال لمعاذ أفتان أنت يا معاذ فجعلوا هذا برأيهم قدرا للمستحب ومن
المعلوم أن مقدار الصلاة واجبها ومستحبها لا يرجع فيه إلى غير السنة فإن
هذا من العلم الذي لم يكله الله ورسوله إلى آراء العباد إذ النبي صلى الله
عليه وسلم كان يصلي بالمسلمين في كل يوم خمس صلوات وكذلك خلفاؤه الراشدون
الذين أمرنا بالاقتداء بهم فيجب البحث عما سنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا ينبغي أن يوضع فيه حكم بالرأي وإنما يكون اجتهاد الرأي فيما لم
تمض به سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يعمد إلى شيء مضت
به سنة فيرد بالرأي والقياس
ومما يبين هذا أن التخفيف أمر نسبي إضافي
ليس له حد في اللغة ولا في العرف إذ قد يستطيل هؤلاء ما يستخفه هؤلاء
ويستخف هؤلاء ما يستطيله
هؤلاء فهو أمر يختلف باختلاف عادات الناس
ومقادير العبادات ولا في كل من العبادات التي ليست شرعية
فعلم أن الواجب
على المسلم أن يرجع في مقدار التخفيف والتطويل إلى السنة وبهذا يتبين أن
أمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف لا ينافي أمره بالتطويل أيضا في حديث
عمار الذي في الصحيح لما قال إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه
فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وهناك أمرهم بالتخفيف ولا منافاة بينهما فإن
الإطالة هنا بالنسبة إلى الخطبة والتخفيف هناك بالنسبة إلى ما فعل بعض
الأئمة في زمانه من قراءة البقرة في العشاء الآخرة ولهذا قال فإذا صلى
أحدكم لنفسه فليطول ما شاء
فبين أن المنفرد ليس لطول صلاته حد تكون به
الصلاة خفيفة بخلاف الإمام لأجل مراعاة المأمومين فإن خلفه السقيم والكبير
وذو الحاجة ولهذا مضت السنة بتخفيفها عن الإطالة إذا عرض للمأمومين أو
بعضهم عارض كما قال صلى الله عليه وسلم إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن
أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأخفف لما أعلم من وجد أمه وبذلك علل النبي صلى
الله عليه وسلم فيما تقدم من حديث ابن مسعود
وكذلك في الصحيحين عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم بالناس
فليخفف فإن فيهم الضعيف والكبير
و ذا الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول
ما شاء وفي رواية فإن فيهم السقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة
و لهذا كان
النبي صلى الله عليه وسلم يقصرها أحيانا عما كان يفعل غالبا كما روى مسلم
في صحيحه عن عمرو بن حريث رضي الله عنه قال كأني أسمع صوت النبي صلى الله
عليه وسلم يقرأ في صلاة الغداة {فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس {وروى أنه
قرأ في صلاة الفجر في بعض أسفاره بسورة الزلزلة وكان يطولها أحيانا حتى ثبت
في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو
يقرأ {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} فقالت يا بنى لقد أذكرتنى بقراءتك هذه
السورة أنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب
وفي الصحيحين عن محمد ابن جبير بن مطعم عن أبيه أنه قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور في المغرب وفي البخاري والسنن عن مروان بن
الحكم قال قال لى زيد بن ثابت مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرا في المغرب بطولي الطوليين قال قلت ما
طولى الطوليين قال الأعراف
فهذه الأحاديث من أصح الأحاديث وقد ثبت فيها
أنه كان يقرأ في المغرب تارة بالأعراف وتارة بالطور وتارة بالمرسلات مع
اتفاق الفقهاء على أن القراءة في المغرب سنتها أن تكون أقصر نم القراءة في
الفجر فكيف تكون القراءة في الفجر وغيرها
ومن هذا الباب ما روى وكيع عن
منصور عن ابراهيم النخعي قال كان أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود يطيل
القيام بقدر الركوع فكانوا يعيبون ذلك عليه قال أبو محمد بن حزم العيب على
من عاب عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعول على من لا حجة فيه
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بعد وضوحه له فهو قوله وما لا يرضاه فليس قوله وإن كان متناقضا وهو
الفرق بين اللازم الذي يجب التزامه مع لزوم اللازم الذي يجب ترك الملزوم
للزومه فإذا عرف هذا عرف الفرق بين الواجب من المقالات والواقع منها وهذا
متوجه في اللوازم التي لم يصرح هو بعدم لزومها
فأما إذا نفى هو اللزوم
لم يجز أن يضاف إليه اللازم بحال وإلا لأضيف إلى كل عالم ما اعتقدنا أن
النبي صلى الله عليه وسلم قاله لكونه ملتزما لرسالته فلما لم يضف إليه ما
نفاه عن الرسول وإن كان لازما له ظهر الفرق بين اللازم الذي لم ينفه
واللازم الذي نفاه ولا يلزم من كونه نص على الحكم نفيه للزوم ما يلزمه لأنه
قد يكون عن اجتهادين في وقتين
و سبب الفرق بين أهل العلم وأهل الأهواء
مع وجود الاختلاف في قول كل منهما أن العالم قد فعل ما أمر به من حسن القصد
والاجتهاد وهو مأمور في الظاهر باعتقاد ما قام عنده دليله وإن لم يكن
مطابقا لكن اعتقادا ليس بيقيني كما يؤمر الحاكم بتصديق الشاهدين ذوي العدل
وإن كانا في الباطن قد أخطأ أو كذبا وكما يؤمر المفتي بتصديق المخبر العدل
الضابط أو باتباع الظاهر فيعتقد ما دل عليه ذلك وإن لم يكن ذلك الاعتقاد
مطابقا فالاعتقاد المطلوب هو الذي يغلب على الظن مما يؤمر به العباد وإن
كان قد يكون غير مطابق وإن لم يكونوا مأمورين في الباطن باعتقاد غير مطابق
قط
فإذا اعتقد العالم اعتقادين متناقضين في قضية أو قضيتين مع قصده للحق
واتباعه لما أمر باتباعه من الكتاب والحكمة عذر بما لم يعلمه وهو الخطأ
المرفوع عنا بخلاف أصحاب الأهواء فإنهم {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ
وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} ويجزمون بما يقولونه بالظن والهوى جزما لا
يقبل النقيض مع عدم العلم بجزمه فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده لا باطنا
ولا ظاهرا ويقصدون ما لم يؤمروا بقصده ويجتهدون اجتهادا لم يؤمروا به فلم
يصدر عنهم من
الاجتهاد والقصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه فكانوا
ظالمين شبيها بالمغضوب عليهم أو جاهلين شبيها بالضالين
فالمجتهد
الاجتهاد العلمي المحض ليس له غرض سوى الحق وقد سلك طريقه وأما متبع الهوى
المحض فهو من يعلم الحق ويعاند عنه
وثم قسم آخر وهم غالب الناس وهو أن
يكون له هوى وله في الأمر الذي قصد إليه شبهة فتجتمع الشهوة والشبهة ولهذا
جاء في حديث مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يحب البصر
النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات"
فالمجتهد
المحض مغفور له أو مأجور وصاحب الهوى المحض مستوجب للعذاب وأما المجتهد
الاجتهاد المركب على شبهة وهوى فهو مسيء وهم في ذلك درجات بحسب ما يغلب
وبحسب الحسنات الماحية
و أكثر المتأخرين من المنتسبين إلى فقه أو تصوف
مبتلون بذلك
وهذا القول الذي دلت عليه أصول مالك وأصول أحمد وبعض أصول
غيرهما هو أصح الأقوال وعليه يدل غالب معاملات السلف ولا يستقيم أمر الناس
في معاشهم إلا به وكل من توسع في تحريم ما يعتقده غررا فإنه لا بد أن يضطر
إلى إجازة ما حرمه فإما أن يخرج عن مذهبه الذي يقلده في هذه المسألة وإما
أن يحتال وقد رأينا الناس وبلغتنا أخبارهم فما رأينا أحدا التزم مذهبه في
تحريم هذه المسائل ولا يمكنه ذلك ونحن نعلم قطعا أن مفسدة التحريم لا تزول
بالحيلة التي يذكرونها فمن المحال أن يحرم الشارع علينا أمرا نحن محتاجون
إليه ثم لا يبيحه إلا بحيلة لا فائدة فيها وإنما هي من جنس اللعب
و لقد
تأملت أغلب ما أوقع الناس في الحيل فوجدته أحد شيئين إما ذنوب جوزوا عليها
بتضييق في أمورهم فلم يستطيعوا دفع هذا الضيق إلا بالحيل فلم تزدهم الحيل
إلا بلاء كما جرى لأصحاب السبت من اليهود وكما قال تعالى
{فَبِظُلْمٍ
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ
لَهُمْ} وهذا الذنب ذنب عملي وإما مبالغة في التشديد لما اعتقدوه من تحريم
الشارع فاضطرهم هذا الاعتقاد إلى الاستحلال بالحيل وهذا من خطأ الاجتهاد
وإلا فمن اتقى الله وأخذ ما أحل له وأدى ما أوجب عليه فإن الله لا يحوجه
إلى الحيل المبتدعة أبدا فإنه سبحانه لم يجعل علينا في الدين من حرج وإنما
بعث نبينا صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة فالسبب الأول هو الظلم
والسبب الثاني هو عدم العلم والظلم والجهل هما وصف للإنسان المذكور في قوله
تعالى: 33: 72 {وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً
جَهُولاً}
و أصل هذا أن الله سبحانه إنما حرم علينا المحرمات من الأعيان
كالدم والميتة ولحم الخنزير أو من التصرفات كالميسر والربا وما يدخل فيهما
بنوع من الغرر وغيره لما في ذلك من المفاسد التي نبه الله عليها ورسوله
بقوله سبحانه 5: 91 {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ
بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُنْتَهُونَ} فأخبر سبحانه أن الميسر يوقع العداوة والبغضاء سواء كان ميسرا
بالمال أو باللعب فإن المغالبة بلا فائدة وأخذ المال بلا حق يوقع في
النفوس ذلك وكذلك روى فقيه المدينة من الصحابة زيد بن ثابت رضي الله عنه
قال كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار فإذا
أجدب الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع إنه أصاب الثمر الدمان أصابه مراض
أصابه قشام عاهات يحتجون بها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثرت
عنده الخصومة في ذلك فأما لا فلا تبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر كالمشورة لهم
يشير بها لكثرة خصومتهم واختلافهم وذكر خارجة بن زيد أن زيدا لم يكن يبيع
ثمار أرضه حتى تطلع الثريا فيتبين الأحمر من الأصفر رواه البخاري تعليقا
وأبو داود إلى قوله خصومتهم وروى أحمد في المسند عنه قال قدم رسول الله صلى
الله عليه
و سلم المدينة ونحن نتبايع الثمار قبل أن يبدو صلاحها
فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم خصومة فقال: "ما هذا فقيل له إن هؤلاء
ابتاعوا الثمار يقولون أصابنا الدمان والقشام فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلا تبايعوها حتى يبدو صلاحها"
فقد أخبر أن سبب نهي النبي صلى
الله عليه وسلم عن ذلك ما أفضت إليه من الخصام وهكذا بيوع الغرر وقد ثبت
نهيه عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها في الصحيحين من حديث ابن عمر وابن عباس
وجابر وأنس وفي مسلم من حديث أبي هريرة وفي حديث أنس تعليله ففي الصحيحين
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى قيل
وما تزهى قال: "حتى تحمر أو تصفر " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه" وفي رواية أن النبي
صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يزهو فقلنا لأنس ما زهوها قال
تحمر وتصفر أرأيت إن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك قال أبو مسعود
الدمشقي جعل مالك والداروردي قول أنس أرأيت إن منع الله الثمرة من حديث
النبي صلى الله عليه وسلم أدرجاه فيه ويرون أنه غلط
فهذا التعليل سواء
كان من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو من كلام أنس فيه بيان أن في ذلك
أكل للمال بالباطل حيث أخذه في عقد معاوضة بلا عوض مضمون
و إذا كانت
مفسدة بيع الغرر هي كونه مظنة العداوة والبغضاء وأكل الأموال بالباطل
فمعلوم أن هذه المفسدة إذا عارضتها المصلحة الراجحة قدمت عليها كما أن
السباق بالخيل والسهام والإبل لما كان فيه مصلحة شرعية جاز بالعروض وإن لم
يجز غيره بعوض وكما أن اللهو الذي يلهو به الرجل إذا لم يكن فيه منفعة فهو
باطل وإن كان فيه منفعة وهو ما ذكره النبي صلى الله عليه
و سلم بقوله
كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته
امرأته فإنهن من الحق صار هذا اللهو حقا
و معلوم أن الضرر على الناس
بتحريم هذه المعاملات أشد عليهم مما قد يتخوف فيها من تباغض أو أكل مال
بالباطل لأن الغرر فيها يسير كما تقدم والحاجة إليها ماسة والحاجة الشديدة
يندفع بها يسير الغرر والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية
للتحريم إذا عارضها حاجة راجحة أبيح المحرم فكيف إذا كانت المفسدة منتفية
ولهذا لما كانت الحاجة داعية إلى بقاء الثمر بعد البيع على الشجر إلى كمال
الصلاح أباح الشرع ذلك قاله جمهور العلماء كما سنقرر قاعدته إن شاء الله
تعالى ولهذا كان مذهب أهل المدينة وفقهاء الحديث أنها إذا تلفت بعد البيع
بجائحة هلكت من ضمان البائع كما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة
فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق" وفي رواية لمسلم
عنه: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع الجوائح" والشافعي رضي الله
عنه لما لم يبلغه هذا الحديث وإنما بلغه حديث لسفيان بن عيينة اضطرب فيه
أخذ في ذلك بقول الكوفيين إنها تكون من ضمان المشتري لأنه مبيع قد تلف بعد
القبض لأن المشتري لم يملك إبقاءه على الشجر وإنما موجب العقد عندهم القبض
التخلية بين المشتري وبينه قبض وهذا على أصل الكوفيين أمشى لأن الناجز بكل
حال وهو طرد لقياس سنذكر أصله وضعفه مع أن مصلحة بني آدم لا تقوم على ذلك
ومع أني لا أعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة صريحة بأن المبيع التالف
قبل التمكن من القبض يكون من مال البائع وينفسخ العقد بتلفه إلا حديث
الجوائح هذا ولو لم يكن فيه سنة لكان الاعتبار الصريح يوافقه وهو ما نبه
عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق فإن
المشتري
للثمرة إنما يتمكن من جذادها عند كمالها ونضجها لا عند العقد
كما أن المستأجر إنما يتمكن من استيفاء المنفعة شيئا فشيئا فتلف الثمرة
قبل التمكن من استيفاء المنفعة في الإجارة يتلف من ضمان المؤجر بالاتفاق
فكذلك في البيع
و أبو حنيفة يفرق بينهما بأن المستأجر لم يملك المنفعة
وأن المشتري لم يملك الإبقاء وهذا الفرق لا يقول به الشافعي وسنذكر أصله
فلما
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيعها حتى يبدو صلاحها وفي لفظ
مسلم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتبايعوا الثمر
حتى يبدو صلاحه وتذهب عنه الآفة" وفي لفظ لمسلم عنه نهى عن بيع النخل حتى
تزهى وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري وفي سنن أبي
داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
بيع النخل حتى يحرز من كل عارض
فمعلوم أن العلة ليست كونه كان معدوما
فإنه بعد بدو صلاحه وأمنه العاهة يزيد أجزاء لم تكن موجودة وقت العقد وليس
المقصود الأمن من العاهات النادرة فإن هذا لا سبيل إليه إذ قد يصيبها ما
ذكره الله عن أهل الجنة الذين 68: 17 إلى 18 {أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا
مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ} وما ذكره في سورة يونس في قوله 10: 24
{حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ
أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ
نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} وإنما
المقصود ذهاب الآفة التي يتكرر وجودها وهذا إنما تصيب الزرع قبل اشتداد
الحب وقبل ظهور النضج في الثمر إذ العاهة بعد ذلك نادرة بالنسبة إلى ما
قبله ولأنه لو منع بيعه بعد هذه العاهة لم يكن له وقت يجوز بيعه إلى حين
كمال الصلاح وبيع الثمر على الشجر بعد كمال صلاحه متعذر لأنه لا يكمل جملة
واحدة وإيجاب قطعه على مالكه فيه ضرر مرب على ضرر الغرر
فتبين أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مصلحة جواز البيع الذي يحتاج إليه على
مفسدة الغرر اليسير كما تقتضيه أصول الحكمة التي بعث بها صلى الله عليه
وسلم وعلمها أمته
ومن طرد القياس الذي انعقد في نفسه غير ناظر إلى ما
يعارض علته من المانع الراجح أفسد كثيرا من أمر الدين وضاق عليه عقله ودينه
و
أيضا ففي صحيح مسلم عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف
من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل
بكره فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا جملا خيارا رباعيا فقال
النبي صلى الله عليه وسلم أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء
ففي هذا
دليل على جواز الاستسلاف فيما سوى المكيل والموزون من الحيوان ونحوه كما
عليه فقهاء الحجاز والحديث خلافا لمن قال من الكوفيين لا يجوز ذلك لأن
القرض موجب لرد المثل والحيوان ليس بمثلي وبناء على أن ما سوى المكيل
والموزون لا يثبت في الذمة عوضا عن مال
وفيه دليل على أنه يثبت مثل
الحيوان تقريبا في الذمة كما هو المشهور من مذاهبهم خلافا للكوفيين ووجه في
مذهب أحمد أنه يثبت بالقيمة
وهذا دليل على أن المعتبر في معرفة المعقود
عليه هو التقريب وإلا فيعجز الإنسان عن وجود حيوان مثل ذلك الحيوان لا
سيما عند القائلين بأن الحيوان ليس بمثلي وأنه مضمون في الغصب والإتلاف
بالقيمة
و أيضا فقد اختلف الفقهاء في تأجيل الديون إلى الحصاد والجداد
وفيه روايتان عن أحمد أحدهما يجوز كقول مالك وحديث جابر الذي في الصحيح يدل
عليه
و أيضا فقد دل الكتاب في قوله تعالى: 2: 236 {لَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ
إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ
تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} والسنن في حديث بروع بنت واشق وإجماع
العلماء على جواز عقد النكاح بدون فرض الصداق وتستحق مهر المثل إذا دخل بها
بإجماعهم وإذا مات عند فقهاء الحديث وأهل الكوفة المتبعين لحديث بروع بنت
واشق وهو أحد قولي الشافعي وهو معلوم أن مهر المثل متقارب لا محدود فلو كان
التحديد معتبرا في المهر ما جاز النكاح بدونه كما رواه أحمد في المسند عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استئجار
الأجير حتى يبين له أجره وعن بيع اللمس والنجس وإلقاء الحجر فمضت الشريعة
بجواز النكاح قبل فرض المهر وأن الإجارة لا تجوز إلا مع تبيين الأجر فدل
على الفرق بينهما
و سببه أن المعقود عليه في النكاح وهو منافع البضع غير
محدودة بل المرجع فيها إلى العرف فلذلك عوضه الآخر لأن المهر ليس هو
المقصود وإنما هو نحلة تابعة فأشبه الثمر التابع للشجر في البيع قبل بدو
صلاحه ولذلك لما قدم وفد هوازن على النبي صلى الله عليه وسلم وخيرهم بين
السبي وبين المال فاختاروا السبي قال لهم إني قائم فخاطب الناس فقولوا إنا
نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ونستشفع بالمسلمين على
رسول الله وقام فخطب الناس فقال إني قد رددت على هؤلاء سبيهم فمن شاء طيب
ذلك ومن شاء فإنا نعطيه عن كل رأس عشر قلائص من أول ما يفيء الله علينا
فهذا معاوضة عن الإعتاق كعوض الكتابة بإبل مطلقة في الذمة إلى أجل متقارب
غير محدود وقد روى البخاري عن ابن عمر في حديث خيبر أن النبي صلى الله عليه
وسلم قاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والزرع والنخل فصالحوه
على أن يجلو منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم
الصفراء والبيضاء والحلقة وهي السلاح ويخرجون منها واشترط عليهم أن لا
يكتبوا ولا يغيبوا شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فهذا مصالحة على مال
متميز غير معلوم
وعن ابن عباس قال صالح رسول الله صلى الله عليه
وسلم أهل نجران على ألفي حلة النصف في صفر والبقية في رجب يؤدونها إلى
المسلمين وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف
من أصناف السلاح يغزون بها والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان
باليمن كيد أو غارة رواه أبو داود
فهذا مصالحة على ثياب مطلقة معلومة
الجنس غير موصوفة بصفات المسلم وكذلك عارية خيل وإبل وأنواع من السلاح
مطلقة موصوفة عند شرط قد يكون وقد لا يكون
فظهر بهذه النصوص أن العوض
عما ليس بمال كالصداق والكتابة والفدية في الخلع والصلح عن القصاص والجزية
والصلح مع أهل الحرب ليس بواجب أن يعلم كما يعلم الثمن والأجرة ولا يقاس
على بيع الغرر كل عقد على غرر لأن الأموال إما إنها لا تجب في هذه العقود
أو ليست هي المقصود الأعظم منها وما ليس هو المقصود إذا وقع فيه غرر لم يفض
إلى المفسدة المذكورة في البيع بل يكون أيجاب التحديد في ذلك فيه من العسر
والحرج المنفي شرعا ما يزيد على ضرر ترك تحديده
فصل
و مما تمس
الحاجة إليه من فروع هذا القاعدة ومن مسائل بيع الثمر قبل بدو صلاحه ما قد
عمت به البلوى في كثير من بلاد الإسلام أو أكثرها لا سيما دمشق وذلك أن
الأرض تكون مشتملة على غراس وأرض تصلح للزرع وربما اشتملت مع ذلك على مساكن
فيريد صاحبها أن يؤاجرها لمن يسقيها ويزدرعها أو يسكنها مع ذلك فهذا إذا
كان فيها أرض ووغراس مما اختلف الفقهاء فيه على ثلاثة أقوال
أحدها أن
ذلك لا يجوز بحال وهو قول الكوفيين والشافعي وهو المشهور من مذهب أحمد عند
أكثر أصحابه
و القول الثاني يجوز إذا كان الشجر قليلا وكان بياض
الثلثين أو أكثر وكذلك إذا استكرى دارا فيها نخلات قليلة أو شجرات عنب ونحو
ذلك وهذا قول مالك وعن أحمد كالقولين قال الكرماني قيل لأحمد الرجل يستأجر
الأرض فيها نخلات قال أخاف أن يكون استأجر شجرا لم يثمر وكأنه لم يعجبه
أظنه أراد الشجر لم أفهم عن أحمد أكثر من هذا
وقد تقدم عنه فيما إذا باع
ربويا بجنسه معه من غير جنسه إذا كان المقصود الأكبر هو غير الجنس كشاة
ذات صوف أو لبن بصوف روايتان وأكثر أصوله على الجواز كقول مالك فإنه يقول
إذا ابتاع عبدا وله مال وكان مقصوده العبد جاز وإن كان المال مجهولا أو من
جنس الثمن ولأنه يقول إذا ابتاع أرضا أو شجرا فيها ثمر أو زرع لم يدرك يجوز
إذا كان مقصوده الأرض والشجر
و هذا في البيع نظير مسألتنا في الإجارة
فإن ابتياع الأرض بمنزلة اشترائها واشتراء النخل ودخول الثمرة التي لم تأمن
العاهة في البيع تبعا للأصل بمنزلة دخول ثمر النخلات والعنب في الإجارة
تبعا
و حجة الفريقين في المنع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من
نهيه عن بيع السنين وبيع الثمر حتى يبدو صلاحه كما أخرجا في الصحيحين عن
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو
صلاحها نهى البائع والمبتاع وفيهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال
نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تشقح قيل وما تشقح قال
تحمار وتصفار ويؤكل منها وفي رواية لمسلم أن هذا التفسير من كلام سعيد ابن
المثنى المحدث عن جابر
وفي الصحيحين عن جابر قال نهى النبي صلى الله
عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة وفي رواية لهما وعن
بيع السنين بدل المعاومة وفيهما أيضا عن زيد بن أبي أنيسة عن عطاء عن جابر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وأن
يشترى النخل حتى يشقه والإشقاه أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء والمحاقلة
أن يباع الحقل بكيل من الطعام معلوم والمزابنة أن يباع النخل بأوساق من
التمر والمخابرة الثلث والربع وأشباه ذلك قال زبد قلت لعطاء أسمعت جابرا
يذكر هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم وفيهما عن أبي البحتري قال
سألت ابن عباس عن بيع النخل فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع
النخل حتى يأكل منه أو يؤكل وحتى يوزن فقلت ما يوزن فقال رجل عنده حتى يحرز
وفي مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لا تبتاعوا الثمر بالتمر"
وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن
بيع ثمر النخل سنين لا يجوز قالوا فإذا أكره الأرض والشجر فقد باعه الثمر
قبل أن يخلق وباعه سنة أو سنتين وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه
وسلم ثم منع منه مطلقا طردا لعموم القياس ومن جوزه إذا كان قليلا قال الضرر
اليسير يحتمل في العقود كما لو ابتاع النخل وعليه ثمر لم يؤبر أو أبر ولم
يبد صلاحه فإنه يجوز وإن لم يجز إفراده بالعقد
وهذا متوجه جدا على أصل
الشافعي وأحمد وغيرهما من فقهاء الحديث ولكن لا يتوجه على أصل أبي حنيفة
لأنه لا يجوز ابتياع الثمر بشرط البقاء ويجوز ابتياعه قبل بدو صلاحه وموجب
العقد القطع في الحال فإذا ابتاعه مع الأصل فإنما استحق إبقاءه لأن الأصل
ملكه وسنتكلم إن شاء الله على هذا الأصل
و ذكر أبو عبيد أن المنع من
إجارة الأرض التي فيها شجر كثير إجماع
و القول الثالث أنه يجوز استئجار
الأرض التي فيها شجر ودخول الشجر في الإجارة مطلقا وهذا قول ابن عقيل وإليه
مال حرب الكرماني هذا القول كالإجماع من السلف وإن كان المشهور عن الأئمة
المتبوعين خلافه فقد روى سعيد بن منصور ورواه عنه حرب الكرماني في مسائله
قال حدثنا عباد بن عباد بن هشام بن عروة عن أبيه أن أسيد بن حضير توفي
وعليه ستة آلاف درهم فدعا عمر غرماءه فقبلهم أرضه سنين وفيها النخل والشجر
و
أيضا فإن عمر بن الخطاب ضرب الخراج على أرض السواد وغيرها فأقر الأرض التي
فيها النخل والعنب في أيدي أهل الأرض وجعل على كل جريب من جرب الأرض
السواد والبيضاء خراجا مقدرا والمشهور أنه جعل على جريب العنب عشرة دراهم
وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الرطبة ستة دراهم وعلى جريب الزرع
درهما وقفيزا من طعام
و المشهور عند مالك والشافعي وأحمد أن هذه ا
لمخارجة تجري مجرى المؤاجرة وإنما لم يؤقته لعموم المصلحة وأن الخراج أجرة
الأرض فهذا بعينه إجارة الأرض السوداء التي فيها شجر وهو مما أجمع عليه عمر
والمسلمون في زمانه وبعده ولهذا تعجب أبو عبيد في كتاب الأموال من هذا
فرأى أن هذه المفاصلة تخالف ما علمه من مذاهب الفقهاء
و حجة ابن عقيل أن
إجارة الأرض جائزة والحاجة إليها داعية ولا يمكن إجارتها إذا كان فيها شجر
إلا بإجارة الشجر وما لا يتم الجائز إلا به فهو جائز لأن المستأجر لا
يتبرع بسقي الشجر وقد لا يساقى عليها
وهذا كما أن مالكا والشافعي كان
القياس عندهما أنه لا تجوز المزارعة فإذا ساقى العامل على شجر فيها بياض
جوزا المزارعة في ذلك البياض تبعا للمساقاة فيجوزه مالك إذا كان دون الثلث
كما قال في بيع الشجر تبعا للأرض وكذلك
الشافعي يجوزه إذا كان البياض
قليلا لا يمكن سقي النخل إلا بسقيه وإن كان كثيرا والنخل قليلا ففيه
لأصحابه وجهان
هذا إذا جمع بينهما في عقد واحد وسوى بينهما في الجزء
المشروط كالثلث والربع فأما إن فاضل بين الجزءين ففيه وجهان لأصحابه وكذلك
إن فرق بينهما في عقدين وقدم المساقاة فيه وجهان فأما إن قدم المزارعة لم
تصح المزارعة وجها واحدا
فقد جوز المزارعة التي لا تجوز عندهما تبعا
للمساقاة فكذلك يجوز إجارة الشجر تبعا لإجارة الأرض
وقول ابن عقيل هو
قياس أحد وجهي أصحاب الشافعي بلا شك ولأن المانعين من هذا هم بين محتال على
جوازه ومرتكب لما يظن أنه حرام وصابر ومتضرر فإن الكوفيين احتالوا على
الجواز تارة بأن يؤجر الأرض فقط ويبيحه ثمر الشجر كما يقولون في بيع الثمرة
قبل بدو صلاحها يبيعه إياها مطلقا أو بشرط القطع بجميع الأجرة ويبيحه
إبقاءها وهذه الحيلة منقولة عن أبي حنيفة والثوري وغيرهما وتارة بأن يكريه
الأرض بجميع الأجرة ويساقيه على الشجر بالمحاباة مثل أن يساقيه على جزء من
ألف جزء من الثمرة للمالك
وهذه الحيلة إنما يجوزها من يجوز المساقاة
كأبي يوسف ومحمد والشافعي في القديم فأما أبو حنيفة فلا يجوزها بحال وكذلك
الشافعي إنما يجوزها في الجديد في النخل والعنب فقد اضطروا في هذه المعاملة
إلى أن تسمى الأجرة في مقابلة منفعة الأرض ويتبرع له إما بإعراء الشجر
وإما بالمحاباة في مساقاتها
و لفرط الحاجة إلى هذه المعاملة ذكر بعض من
صنف في إبطال الحيل من أصحاب الإمام أحمد هذه الحيلة فيما يجوز من الحيل
أعني حيلة المحاباة في المساقاة والمنصوص عن أحمد وأكثر أصحابه إبطال هذه
الحيلة بعينها كمذهب مالك وغيره
والمنع من هذه الحيل هو الصحيح قطعا
لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل سلف وبيع
ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك رواه الأئمة
الخمسة أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وقال الترمذي حديث حسن
صحيح فنهى صلى الله عليه وسلم عن أن يجمع بين سلف وبيع فإذا جمع بين سلف
وإجارة فهو جمع بين سلف وبيع أو مثله وكل تبرع يجمعه إلى البيع والإجارة
مثل الهبة والعارية والعرية والمحاباة في المساقاة والمزارعة والمبايعة
وغير ذلك هي مثل القرض
فجماع معنى الحديث أن لا يجمع بين معاوضة وتبرع
لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة لا تبرعا مطلقا فيصير جزءا من العوض
فإذا اتفقا على أنه ليس بعوض جمعا بين أمرين متنافيين فإن من أقرض رجلا
ألف درهم وباعه سلعة تساوي خمسمائة بألف لم يرض بالاقتراض إلا بالثمن
الزائد للسلعة والمشتري لم يرض ببذل ذلك الثمن الزائد إلا لأجل الألف التي
اقترضها فلا هذا باع بيعا بألف ولا هذا أقرض قرضا محضا بل الحقيقة أنه
أعطاه الألف والسلعة بألفين فهي مسألة مد عجوة فإذا كان المقصود أخذ ألف
بأكثر من ألف حرم بلا تردد وإلا خرج على الخلاف المعروف وهكذا من أكرى
الأرض التي تساوي مائة بألف وأعراه الشجر ورضي من ثمرها بجزء من ألف جزء
فمعلوم بالاضطرار أنه إنما تبرع بالثمرة لأجل الألف التي أخذها وإن
المستأجر إنما بذل الألف لأجل الثمرة فالثمرة هي المقصود المعقود عليه أو
بعضه فليست الحيلة إلا ضربا من اللعب وإلا فالمقصود المعقود عليه ظاهر
و
الذين لا يحتالون أو يحتالون وقد ظهر لهم فساد هذه الحيلة بين أمرين إما
أن يفعلوا ذلك للحاجة ويعتقدوا أنهم فاعلون للمحرم كما رأينا عليه أكثر
الناس وإما أن يتركوا ذلك ويتركوا تناول الثمار الداخلة في هذه المعاملة
فيدخل
عليهم من الضرر والإضرار ما لا يعلمه إلا الله وإن أمكن أن
يلتزم ذلك واحد أو اثنان فما يمكن المسلمين التزام ذلك إلا بفساد الأموال
الذي لا تأتي به شريعة قط فضلا عن شريعة قال الله فيها 22: 78 {وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وقال تعالى: 2: 185 {يُرِيدُ
اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقال تعالى: 4:
38 {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} وفي الصحيحين إنما بعثتم
ميسرين ويسروا ولا تعسروا ليعلم اليهود أن في ديننا سعة فكل ما لا يتم
المعاش إلا به فتحريمه حرج وهو منتف شرعا
و الغرض من هذا أن تحريم مثل
هذا مما لا يمكن الأمة التزامه قط لما فيه من الفساد الذي لا يطاق فعلم أنه
ليس بحرام بل هو أشد من الأغلال والآصار التي كانت على بني إسرائيل ووضعها
الله عنا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ومن استقرأ الشريعة في مواردها
ومصادرها وجدها مبنية على قوله تعالى: 2: 173 {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ
بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} وقوله {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي
مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
فكل ما احتاج الناس إليه في معاشهم ولم يكن سببه معصية هي ترك واجب أو فعل
محرم لم يحرم عليهم لأنهم في معنى المضطر الذي ليس بباغ ولا عاد وإن كان
سببه معصية كالمسافر سفر معصية اضطر فيه إلى الميتة والمنفق للمال في
المعاصي حتى لزمته الديون فإنه يؤمر بالتوبة ويباح له ما يزيل ضرورته فيباح
له الميتة يقضي عنه دينه من الزكاة وإن لم يتب فهو الظالم لنفسه المحتال
وحاله كحال الذين قال الله فيهم {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ
سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ
نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} وقوله 4: 16 {فَبِظُلْمٍ مِنَ
الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}
وهذه قاعدة عظيمة ربما ننبه إن شاء الله عليها
وهذا القول المأثور عن
السلف الذي اختاره ابن عقيل هو قياس أصول أحمد وبعض أصول الشافعي وهو
الصحيح إن شاء الله تعالى لوجوه متعددة بعد
الأدلة الدالة على نفي
التحريم شرعا وعقلا فإن دلالة هذه إنما تتم بعد الجواب عما استدل به أصحاب
القول الأول
الوجه الأول ما ذكرناه من فعل عمر في قصة أسيد بن الحضير
فإنه قبل الأرض والشجر الذي فيها بالمال الذي كان للغرماء وهذا عين مسألتنا
ولا يحمل ذلك على أن النخل والشجر كان قليلا فإنه من المعلوم أن حيطان أهل
المدينة كان الغالب عليها الشجر وأسيد بن الحضير كان من سادات الأنصار
ومياسيرهم فبعيد أن يكون الغالب على حائطه الأرض البيضاء ثم هذه القصة لا
بد أن تشتهر ولم يبلغنا أن أحدا أنكرها فيكون إجماعا وكذلك ما ضربه من
الخراج على السواد فإن تسميته خراجا يدل على أنه عوض عما ينتفعون به من
منفعة الأرض والشجر كما يسمي الناس اليوم كراء الأرض لمن يغرسها خراجا إذا
كان على كل شجرة شيء معلوم ومنه قوله 23: 72 لآ {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً
فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} ومنه خراج العبد فإنه عبارة عن ضريبة يخرجها
لسيده من ماله فمن اعتقد أنه ثمن أو عوض مستقل بنفسه فمعلوم أنه لا يشبه
غيره وإنما جوزه الصحابة ولا نظير له لأجل الحاجة الداعية إليه والحاجة إلى
ذلك موجودة في كل أرض فيها شجر كالأرض المفتتحة سواء
فإنه إن قيل يمكن
المساقاة أو المزارعة قيل وقد كان يمكن عمر المساقاة والمزارعة كما فعل في
أثناء الدولة العباسية إما في خلافة المنصور وإما بعده فإنهم نقلوا أرض
السواد من الخراج إلى المقاسمة التي هي المساقاة والمزارعة
و إن قيل إنه
يمكن جعل الكراء بإزاء الأرض والتبرع بمنفعة الشجر أو المحاباة فيها قيل
قد كان يمكن عمر ذلك فالقدر المشترك بينهما ظاهر
و أيضا فإنا نعلم قطعا
أن المسلمين ما زالت لهم أرضون فيها شجر بل هذا غالب على أموال أهل الأمصار
ونعلم أن السلف لم يكونوا كلهم يعمرون أرضهم
بأنفسهم ولا غالبهم
ونعلم أن المساقاة والمزارعة لا تتيسر في كل وقت لأنها تفتقر إلى عامل أمين
وما كل أحد يرضى بالمساقاة ولا كل من أخذ الأرض يرضى بالمشاركة فلا بد أن
يكونوا قد كانوا يكرون الأرض السوداء ذات الشجر ومعلوم أن الاحتيال بالتبرع
أمر بارد لم يكن السلف من الصحابة والتابعين يفعلونه فلم يبق إلا أنهم
كانوا يفعلون كما فعل عمر بمال أسيد بن الحضير وكما يفعله غالب المسلمين من
تلك الأزمنة وإلى اليوم
فإذا لم ينقل عن السلف أنهم حرموا هذا الإجارة
ولا أنهم أمروا بحيلة التبرع مع قيام المقتضى لفعل هذه المعاملة علم قطعا
أن المسلمين كانوا يفعلونها من غير نكير من الصحابة والتابعين فيكون فعلها
كان إجماعا منهم
ولعل الذين اختلفوا في كراء الأرض البيضاء أو المزارعة
لم يختلفوا في كراء الأرض السوداء ولا في المساقاة لأن منفعة الأرض ليس
فيها طائل بالنسبة إلى منفعة الشجر
فإن قيل فقد قال حرب الكرماني سئل
أحمد عن تفسير حديث ابن عمر القبالات ربا قال هو أن يتقبل القرية فيها
النخل والعلوج قيل فإن لم يكن فيها نخل وهي أرض بيضاء قال لا بأس إنما هو
الآن مستأجر قيل فإن فيها علوجا قال فهذا هو القبالة المكروهة قال حرب
حدثنا عبيد الله ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا سعيد عن جبلة سمع ابن عمر يقول
القبالات ربا قيل الربا فيما يجوز تأجيله إنما يكون في الجنس الواحد لأجل
الفضل فإذا قيل في الأجرة أو الثمن أو نحوها إنه ربا مع جواز تأجيله فلأنه
معاوضة بجنسه متفاضلا لأن الربا إما ربا النساء وذلك لا يكون إلا فيما يجوز
تأجيله وإما ربا الفضل وذلك لا يكون إلا في الجنس الواحد فإذا انتفى ربا
النساء الذي هو التأخير لم يبق إلا ربا الفضل الذي هو الزيادة في الجنس
الواحد وهذا يكون إذا كان التقبل بجنس مغل الأرض مثل أن يقبل الأرض التي
فيها
نخل بثمر فيكون المزابنة وهذا مثل اكتراء الأرض بجنس الخارج
منها إذا كان مضمونا في الذمة مثل أن يكتريها ليزرع فيها حنطة بحنطة معلومة
ففيه روايتان عن أحمد إحداهما أنه ربا كقول مالك وهذا مثل القبالة التي
كرهها ابن عمر لأنه ضمن الأرض للحنطة بحنطة تكون أكثر أو أقل فيظهر الربا
فالقبالات
التي ذكر ابن عمر أنها ربا هو أن يضمن الأرض التي فيها النخل والفلاحون من
جنس مغلها مثل أن يكون لرجل قرية فيها شجر وأرض وفيها فلاحون يعملون تغل
له ما تغل من الحنطة والتمر بعد أجرة الفلاحين أو نصيبهم فيضمنها رجل منه
بمقدار معلوم من الحنطة والتمر ونحو ذلك فهذا مظهر تسميته بالربا فأما ضمان
الأرض بالدراهم والدنانير فليس من باب الربا بسبيل ومن حرمه فهو عنده من
باب الغرر
ثم إن أحمد لم يكره ذلك إذا كانت أرضا بيضاء لأن الإجارة عنده
جائزة وإن كانت الأجرة من جنس الخارج على إحدى الروايتين لأن المستأجر
يعمل في الأرض بمنفعته وماله فيكون المغل بكسبه بخلاف ما إذا كان فيها
العلوج وهم الذين يعالجون العمل فإنه لا يعمل فيها شيئا لا بمنفعته ولا
بماله بل العلوج يعملونها وهو يؤدي القبالة ويأخد بدلها فهو طلب الربح في
مبادلة المال من غير صناعة ولا تجارة وهذا هو الربا ونظير هذا ما جاء به عن
أنه ربا وهو اكتراء الحمام والطاحون والفنادق ونحو ذلك مما لا ينتفع
المستأجر به فلا يتجر فيه ولا يصطنع فيه وإنما يكتريه ليكويه فقط فقد قيل
هو ربا
والحاصل أنها لم تكن ربا لأجل النخل ولا لأجل الأرض إذا كانت
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى