صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
جسم ثم يقول كل حيوان جسم وكل جسم جوهر فكل إنسان حيوان فيلزم منهما أن
كل إنسان جوهر
فيقال لهم أما المطلوب الذي لا يزيد على جزئين فذاك في
النطق به والمطلوب في العقل إنما هو شئ واحد لا اثنان وهو ثبوت النسبة
الحكمية او انتفاؤها وإن شئت قلت اتصاف الموصوف بالصفة نفيا أو إثباتا وإن
شئت قلت نسبة المحمول الى الموضوع والخبر الى المبتدأ نفيا او إثباتا
وأمثال ذلك من العبارات الدالة على المعنى الواحد المقصود ب القضية
فاذا كان النتيجة ان النبيذ حرام أو ليس بحرام او الانسان حساس او ليس
بحساس او نحو ذلك فالمطلوب ثبوت التحريم للنبيذ او انتفاؤه وكذلك ثبوت الحس
للانسان او انتفاؤه والمقدمة الواحدة إذا ناسبت ذلك المطلوب حصل بها
المقصود وقولنا النبيذ خمر يناسب المطلوب وكذلك قولنا الانسان حيوان
فاذا كان الانسان يعلم ان كل خمر حرام ولكن يشك في النبيذ المتنازع فيه هل
يسمى في لغة الشارع خمرا فقيل النبيذ حرام لانه قد ثبت في الصحيح عن النبي ص
- انه قال كل مسكر حرام كانت هذا القضية وهي قولنا قد قال النبي ص - إن كل
مسكر خمر يفيد تحريم النبيذ وإن كان نفس قوله قد تضمن قضية اخرى
والاستدلال بذلك مشروط بتقديم مقدمات معلومة عند المستمع وهي إن ما صححه
اهل العلم بالحديث فقد وجب التصديق بأن النبي ص - قاله وإن ما حرمه الرسول
فهو حرام ونحو ذلك
فلو لزم ان يذكر كل ما يتوقف عليه العلم وإن كان
معلوما كانت المقدمات اكثر من اثنتين بل قد تكون اكثر من عشر وعلى ما قالوه
فينبغي لكل من استدل
بقول النبي ص - ان يقول النبي حرم ذلك وما
حرمه فهو حرام فهذا حرام وكذلك يقول النبي ص - اوجب وما أوجبه النبي فقد
وجب فهذا قد وجب
وإذا احتج على تحريم الامهات والبنات ونحو ذلك يحتاج
ان يقول إن الله حرم هذا في القران وما حرمه الله فهو حرام واذا احتج على
وجوب الصلوة والزكوة والحج بمثل قول الله تعالى ولله على الناس حج البيت ال
عمران يقول إن الله اوجب الحج في كتابه وما أوجبه الله فهو واجب وأمثال
ذلك ما يعده العقلاء لكنه وعيا وإيضاحا للواضح وزيادة قول لا حاجة اليها
وهذا التطويل الذي لا يفيد في قياسهم نظير تطويلهم في حدودهم كقولهم في حد
الشمس إنها كوكب يطلع نهارا وأمثال ذلك من الكلام الذي لا يفيد إلا تضييع
الزمان وإتعاب الاذهان وكثرة الهذيان ثم إن الذين يتبعونهم في حدودهم
وبراهينهم لا يزالون مختلفين في تحديد الامور المعروفة بدون تحديدهم
ويتنازعون في البرهان على امور مستغنية عن براهينهم إبطال قولهم
ليس المطلوب اكثر من جزئين
وقولهم ليس المطلوب اكثر من جزئين فلا
يفتقر الى اكثر من مقدمتين فيقال إن اردتم ليس له إلا اسمان مفردان فليس
الامر كذلك بل قد يكون التعبير عنه بأسماء متعددة مثل من شك في النبيذ هل
هو حرام بالنص أم ليس حراما لا بنص ولا قياس فاذا قال المجيب النبيذ حرام
بالنص كان المطلوب ثلاثة اجزاء وكذلك لو سأل هل الاجماع دليل قطعي فقال
الاجماع دليل قطعي كان المطلوب ثلاثة أجزاء فاذا قال هل الانسان جسم حساس
نام متحرك بالارادة ناطق ام لا فالمطلوب هنا له ستة أجزاء
وفي الجملة
فالموضوع والمحمول الذي هو مبتدأ وخبر وهو جملة خبرية قد تكون جملة مركبة
من لفظين وقد تكون من الفاظ متعددة إذا كان مضمونها مقيدا قيود
يفتقر الى اكثر من مقدمتين فيقال إن اردتم ليس له إلا اسمان مفردان فليس
الامر كذلك بل قد يكون التعبير عنه بأسماء متعددة مثل من شك في النبيذ هل
هو حرام بالنص أم ليس حراما لا بنص ولا قياس فاذا قال المجيب النبيذ حرام
بالنص كان المطلوب ثلاثة اجزاء وكذلك لو سأل هل الاجماع دليل قطعي فقال
الاجماع دليل قطعي كان المطلوب ثلاثة أجزاء فاذا قال هل الانسان جسم حساس
نام متحرك بالارادة ناطق ام لا فالمطلوب هنا له ستة أجزاء
وفي الجملة
فالموضوع والمحمول الذي هو مبتدأ وخبر وهو جملة خبرية قد تكون جملة مركبة
من لفظين وقد تكون من الفاظ متعددة إذا كان مضمونها مقيدا قيود
كثيرة
مثل قوله تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم
باحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه التوبة وقوله تعالى إن الذين امنوا والذين
هاجروا وجهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمت الله البقرة وقوله والذين
امنوا من بعد وهاجروا وجهدوا معكم فأولئك منكم الانفال وأمثال ذلك من
القيود التي يسميها النحاة الصفات والعطف والاحوال وظرف المكان وظرف الزمان
ونحو ذلك
فاذا كانت القضية مقيدة بقيود كثيرة لم تكن مؤلفة من لفظين
بل من الفاظ متعدده ومعان متعددة
وإن أريد أن المطلوب ليس إلا معنيان
سواء عبر عنهما بلفظين او الفاظ متعددة قيل وليس الامر كذلك بل قد يكون
المطلوب معنى واحدا وقد يكون معنين وقد يكون معاني متعددة فان المطلوب بحسب
طلب الطالب وهو الناظر المستدل والسائل المتعلم المناظر وكل منهما قد يطلب
معنى واحدا وقد يطلب معنيين وقد يطلب معانى والعبارة عن مطلوبه قد تكون
بلفظ واحد وقد تكون بلفظين وقد تكون بأكثر فاذا قال النبيذ حرام قيل له نعم
كان هذا اللفظ وحده كافيا في جوابه كما لو قيل له هو حرام
فان قالوا
القضية الواحدة قد تكون في تقدير قضايا كما ذكرتموه من التمثيل ب الانسان
فان هذه القضية الواحدة في تقدير خمس قضايا وهي خمس مطالب والتقدير هل هو
جسم ام لا وهل هو حساس ام لا وهل هو نام أم لا وهل هو متحرك بالارادة ام لا
وهل هو ناطق ام لا وكذلك فيما تقدم هل النبيذ حرام ام لا فاذا كان حراما
فهل تحريمه بالنص او بالقياس
فيقال إذا رضيتم بمثل هذا وهو أن تجعلوا
الواحد في تقدير عدد فالمفرد قد
يكون في معنى قضية فاذا قال النبيذ
المسكر حرام فقال المجيب نعم فلفظ نعم في تقدير قوله هو حرام
وإذا
قال ما الدليل عليه فقال الدليل عليه تحريم كل مسكر او أن كل مسكر حرام أو
قول النبي ص - كل مسكر حرام ونحو ذلك من العبارات التي جعل الدليل فيها
اسما مفردا وهو جزء واحد لم يجعله قضية مؤلفه من اسمين مبتدأ وخبر فان قوله
تحريم كل مسكر اسم مضاف
وقوله ان كل مسكر حرام بالفتح مفرد ايضا فان
أن وما في حيزها في تقدير المصدر المفرد وإن المكسورة وما في حيزها جملة
تامة ولهذا قال النحاة قاطبة ان إن تكسر إذا كانت في موضع الجملة والجملة
خبر وقضية وتفتح في موضع المفرد الذي هو جزء القضية ولهذا يكسرونها بعد
القول لانهم إنما يحكون ب القول الجملة التامة
وكذلك إذا قلت الدليل
عليه قول النبي ص - او الدليل عليه النص او اجماع الصحابة او الدليل عليه
الاية الفلانية او الحديث الفلاني او الدليل عليه قيام المقتضى للتحريم
السالم عن المعارض المقاوم او الدليل عليه انه مشارك لخمر العنب فيما
يستلزم التحريم وامثال ذلك مما يعبر فيه عن الدليل اسم مفرد لا بالقضية
التي هي جملة تامة ثم هذا الدليل الذي عبر عنه باسم مفرد هو إذا فصل عبر
عنه بالفاظ متعدده
والمقصود ان قولكم إن الدليل الذي هو القياس لا
يكون إلا جزئين فقط إن أردتم لفظين فقط وإن ما زاد على لفظين فهو أدلة لا
دليل واحد لان ذلك اللفظ الموصوف بصفات تحتاج كل صفة الى دليل قيل لكم
وكذلك يمكن ان يقال في اللفظين هما دليلان لا دليل واحد فان كل مقدمة تحتاج
الى دليل
وحينئذ فتخصيص العدد باثنين دون ما زاد تحكم لا معنى له
فانه اذا كان المقصود قد يحصل بلفظ مفرد وقد لا يحصل إلا بلفظين وقد لا
يحصل إلا بثلاثة
او اربعة واكثر فجعل الجاعل اللفظين هما الاصل
الواجب دون ما زاد وما نقص وان الزائد ان كان في المطلوب جعل مطالب متعددة
وان كان في الدليل يذكر مقدمات جعل ذلك في تقدير اقيسة متعددة تحكم محض ليس
هو اولى من ان يقال بل الاصل في المطلوب ان يكون واحدا ودليله جزء واحد
فاذا زاد المطلوب على ذلك جعل ممطلوبين اوثلاثة او اربعة بحسب زيادته وجعل
الدليل دليلين او ثلاثة او اربعة بحسب دلالته وهذا اذا قيل فهو احسن من
قولهم لان اسم الدليل مفرد فيجعل معناه مفردا والقباس هو الدليل ولفظ
القياس يقتضى التقدير كما يقال قست هذا بهذا والتقدير يحصل بواحد كما يحصل
باثنين وبثلاثة فأصل التقدير بواحد واذا قدر باثنين او ثلاثة يكون تقديرين
وثلاثة لا تقديرا واحدا فكون تلك التقديرات اقيسة لا قياسا واحدا
فجعلهم ما زاد على الاثنين من المقدمات في معنى اقيسة متعددة وما نقص عن
الاثنتين نصف قياس لا قياس تام اصطلاح محض لا يرجع الى معنى معقول كما
فرقوا بين الصفات الذاتية والعرضية اللازمة ل الماهية والوجود بمثل هذا
التحكم تنازع اصطلاحي في مسمى العلة والدليل
وحينئذ فيعلم ان
القوم لم يرجعوا فيما سموه حدا وبرهانا الى حقيقة موجودة ولا الى امر معقول
بل الى اصطلاح مجرد كتنازع الناس في العلة هل هي اسم لما يستلزم المعلوم
بحيث لا يختلف عنها بحال فلا يقبل النقيض والتخصيص أو هو اسم لما يكون
مقتضيا للمعلول وقد يتخلف عنه المعلول لفوات شرط او وجود مانع وكاصطلاح بعض
اهل النظر والجدل في تسمية احدهم الدليل ل ما هو مستلزم للمدلول مطلقا حتى
يدخل في ذلك عدم المعارض والاخر يسمى الدليل ل ما كان من شأنه ان يستلزم
المدلول وإنما يتخلف استلزامه لفوات شرط او وجود مانع وتنازع اهل الجدل هل
على المستدل ان يتعرض في ذكر الدليل
القوم لم يرجعوا فيما سموه حدا وبرهانا الى حقيقة موجودة ولا الى امر معقول
بل الى اصطلاح مجرد كتنازع الناس في العلة هل هي اسم لما يستلزم المعلوم
بحيث لا يختلف عنها بحال فلا يقبل النقيض والتخصيص أو هو اسم لما يكون
مقتضيا للمعلول وقد يتخلف عنه المعلول لفوات شرط او وجود مانع وكاصطلاح بعض
اهل النظر والجدل في تسمية احدهم الدليل ل ما هو مستلزم للمدلول مطلقا حتى
يدخل في ذلك عدم المعارض والاخر يسمى الدليل ل ما كان من شأنه ان يستلزم
المدلول وإنما يتخلف استلزامه لفوات شرط او وجود مانع وتنازع اهل الجدل هل
على المستدل ان يتعرض في ذكر الدليل
لتبيين المعارض جملة او تفصيلا حيث
يمكن التفصيل أو لا يتعرض لتبيينه لا جملة ولا تفصيلا او يتعرض لتبيينه
جملة لا تفصيلا
وهذه امور وضعية اصطلاحية بمنزلة الالفاظ التي يصطلح
عليها الناس للتعبير عما في انفسهم وبمنزلة ما يعتاده الناس في بعض الافعال
لكونهم رأوا ذلك اولى بهم من غيره وإن كان غيره اولى منه ليست حقائق ثابتة
في انفسها لامور معقولة يتفق فيها الامم كما يدعيه هؤلاء في منطقهم
بل هؤلاء الذين يجعلون العلة والدليل يراد به هذا او هذا اقرب الى المعقول
من جعل هؤلاء الدليل لا يكون إلا من مقدمتين فان هذا تخصيص لعدد دون عدد
بلا موجب وأولئك لحظوا صفات ثابتة في العلة والدليل وهو وصف التمام او مجرد
الاقتضاء فكان ما اعتبره اولئك اولى بالحق والعقل مما اعتبره هؤلاء الذين
لم يرجعوا إلا الى مجرد التحكم المنطق امر اصطلاحي وضعه رجل من
اليونان
ولهذا كان العقلاء العارفون يصفون منطقهم بأنه امر اصطلاحي
وضعه رجل من اليونان لا يحتاج اليه العقلاء ولا طلب العقلاء للعلم موقوفا
عليه كما ليس موقوفا على التعبير بلغاتهم مثل فيلاسوفيا وسوفسطيقا
وانولوطيقا وإثولوجيا وقاطيغورياس وإيساغوجى ومثل تسميتهم للفعل ب الكلمة
وللحرف ب الاداة ونحو ذلك من لغاتهم التي يعبرون بها عن معانيهم
وضعه رجل من اليونان لا يحتاج اليه العقلاء ولا طلب العقلاء للعلم موقوفا
عليه كما ليس موقوفا على التعبير بلغاتهم مثل فيلاسوفيا وسوفسطيقا
وانولوطيقا وإثولوجيا وقاطيغورياس وإيساغوجى ومثل تسميتهم للفعل ب الكلمة
وللحرف ب الاداة ونحو ذلك من لغاتهم التي يعبرون بها عن معانيهم
تعلم
العربية فرض على الكفاية بخلاف المنطق
فلا يقول احد إن سائر العقلاء
يحتاجون الى هذه اللغة لا سيما من كرمه الله بأشرف اللغات الجامعة لأكمل
مراتب البيان المبينة لما تتصوره الاذهان بأوجز لفظ وأكمل تعريف
وهذا
ما احتج به ابو سعيد السيرافي في مناظرته المشهورة لمتى الفيلسوف لما اخذ
متى يمدح المنطق ويزعم احتياج العقلاء اليه ورد عليه ابو سعيد بعدم الحاجة
اليه وأن الحاجة انما تدعو الى تعلم العربية لان المعاني فطرية عقلية لا
تحتاج الى اصطلاح خاص بخلاف اللغة المتقدمة التي يحتاج اليها في معرفة ما
يجب معرفته من المعاني فانه لا بد فيها من التعلم ولهذا كان تعلم العربية
التي يتوقف فهم القران والحديث عليها فرضا على الكفاية بخلاف المنطق
يحتاجون الى هذه اللغة لا سيما من كرمه الله بأشرف اللغات الجامعة لأكمل
مراتب البيان المبينة لما تتصوره الاذهان بأوجز لفظ وأكمل تعريف
وهذا
ما احتج به ابو سعيد السيرافي في مناظرته المشهورة لمتى الفيلسوف لما اخذ
متى يمدح المنطق ويزعم احتياج العقلاء اليه ورد عليه ابو سعيد بعدم الحاجة
اليه وأن الحاجة انما تدعو الى تعلم العربية لان المعاني فطرية عقلية لا
تحتاج الى اصطلاح خاص بخلاف اللغة المتقدمة التي يحتاج اليها في معرفة ما
يجب معرفته من المعاني فانه لا بد فيها من التعلم ولهذا كان تعلم العربية
التي يتوقف فهم القران والحديث عليها فرضا على الكفاية بخلاف المنطق
بطلان
القول بأن تعلم المنطق فرض على الكفاية
ومن قال من المتأخرين إن تعلم
المنطق فرض على الكفاية فانه يدل على جهلة بالشرع وجهله بفائدة المنطق
وفساد هذا القول معلوم بالاضطرار من دين الاسلام وأجهل منه من قال إنه فرض
على الاعيان مع ان كثيرا من هؤلاء ليسوا مقرين بايجاب ما اوجبه الله ورسوله
وتحريم ما حرمه الله ورسوله
ومعلوم ان افضل هذه الامة من الصحابة
والتابعين لهم باحسان وأئمة المسلمين عرفوا ما يجب عليهم وكمل علمهم
وإيمانهم قبل أن يعرف منطق اليونان فكيف يقال إنه لا يوثق بالعلم إن لم
يوزن به او يقال إن فطر بني آدم في الغالب لا تستقيم إلا به
فان قالوا
نحن لا نقول إن الناس يحتاجون الى اصطلاح المنطق بل الى المعاني التي توزن
بها العلوم قيل لا ريب أن المجهولات لا تعرف إلا بالمعلومات والناس
يحتاجون الى ان يزنوا ما جهلوه بما علموه وهذا من الموازين التي انزلها
الله حيث قال الله الذي انزل الكتب بالحق والميزان الشورى وقال لقد ارسلنا
رسلنا بالبينت وانزلنا معهم الكتب والميزان الحديد وهذا موجود عند أمتنا
وغير أمتنا ممن لم يسمع قط بمنطق اليونان فعلم أن الامم غير محتاجة إليه
ملخصالمنطق فرض على الكفاية فانه يدل على جهلة بالشرع وجهله بفائدة المنطق
وفساد هذا القول معلوم بالاضطرار من دين الاسلام وأجهل منه من قال إنه فرض
على الاعيان مع ان كثيرا من هؤلاء ليسوا مقرين بايجاب ما اوجبه الله ورسوله
وتحريم ما حرمه الله ورسوله
ومعلوم ان افضل هذه الامة من الصحابة
والتابعين لهم باحسان وأئمة المسلمين عرفوا ما يجب عليهم وكمل علمهم
وإيمانهم قبل أن يعرف منطق اليونان فكيف يقال إنه لا يوثق بالعلم إن لم
يوزن به او يقال إن فطر بني آدم في الغالب لا تستقيم إلا به
فان قالوا
نحن لا نقول إن الناس يحتاجون الى اصطلاح المنطق بل الى المعاني التي توزن
بها العلوم قيل لا ريب أن المجهولات لا تعرف إلا بالمعلومات والناس
يحتاجون الى ان يزنوا ما جهلوه بما علموه وهذا من الموازين التي انزلها
الله حيث قال الله الذي انزل الكتب بالحق والميزان الشورى وقال لقد ارسلنا
رسلنا بالبينت وانزلنا معهم الكتب والميزان الحديد وهذا موجود عند أمتنا
وغير أمتنا ممن لم يسمع قط بمنطق اليونان فعلم أن الامم غير محتاجة إليه
دعاوي أهل المنطق وكذبها
وهم لا يدعون احتياج الناس الى نفس الفاظ
اليونان بل يدعون الحاجة الى المعاني المنطقية التي عبروا عنها بلسانهم وهو
كلامهم في المعقولات الثانية فان موضوع المنطق هو المعقولات الثانية من
حيث يتوصل بها الى علم ما لم يعلم فانه ينظر في أحوال المعقولات الثابتة
وهي النسب الثابتة للماهيات من حيث هي مطلقة عرض لها إن كانت موصولة الى
تحصيل ما ليس بحاصل او معينة في ذلك لا على وجه جزئي بل على قانون كلي
اليونان بل يدعون الحاجة الى المعاني المنطقية التي عبروا عنها بلسانهم وهو
كلامهم في المعقولات الثانية فان موضوع المنطق هو المعقولات الثانية من
حيث يتوصل بها الى علم ما لم يعلم فانه ينظر في أحوال المعقولات الثابتة
وهي النسب الثابتة للماهيات من حيث هي مطلقة عرض لها إن كانت موصولة الى
تحصيل ما ليس بحاصل او معينة في ذلك لا على وجه جزئي بل على قانون كلي
ويدعون ان صاحب المنطق ينظر في جنس الدليل كما ان صاحب اصول الفقه ينظر في
الدليل الشرعي ومرتبته فيميز بين ما هو دليل شرعي وما ليس بدليل شرعي وينظر
في مراتب الأدلة حتى يقدم الراجح على المرجوح عند التعارض وهم يزعمون أن
صاحب المنطق ينظر في الدليل المطلق الذي هو أعم من الشرعي ويميز بين ما هو
دليل وما ليس بدليل
ويدعون ان نسبة منطقهم الى المعاني كنسبة العروض
الى الشعر وموازين الاموال الى الاموال وموازين الاوقات الى الاوقات وكنسبة
الذراع الى المذروعات
وهذا هو الذي قاله جمهور علماء المسلمين وغيرهم
من العقلاء إنه باطل فان منطقهم لا يميز بين الدليل وغير الدليل لا في
صورة الدليل ولا في مادته ولا يحتاج ان يوزن به المعاني بل ولا يصح وزن
المعاني به على ما هو عليه وإن كان فيه ما هو حق فلا بد في كلام كل مصنف من
حق بل فيه امور باطلة إذا وزنت بها العلوم افسدتها
ودعواهم انه آلة
قانونية تعصم مراعاتها الذهن ان يزل في فكره دعوى كاذبة بل من أكذب الدعاوي
والكلام معهم إنما هو في المعاني التي وضعوها في المنطق وزعموا ان
التصورات المطلوبة لا تنال إلا بها والتصديقات المطلوبة لا تنال إلا بها
فدكروا لمنطقهم اربع دعاوي دعوتان سالبتان ودعوتان موجبتان
أدعوا أنه
لا تنال التصورات بغير ما ذكروه فيه من الطريق وان
التصديقات لا
تنال بغير ما ذكروه فيه من الطريق وهاتان الدعوتان من أظهر الدعاوي كذبا
وأدعوا ان ما ذكروه من الطريق يحصل به تصور الحقائق التي لم تكن متصورة
وهذا ايضا باطل وقد تقدم البينة على هذه الدعاوي الثلاثة وسياتي الكلام على
دعواهم الرابعة التي هي امثل من غيرها وهى دعواهم ان برهانهم يفيد العلم
التصديقى
فان قالوا إن العلم التصديقي او التصوري ايضا لا ينال بدونه
فهم ادعوا ان طرق العلم على عقلاء بني آدم مسدودة إلا من الطريقين اللتين
ذكروهما ما ذكروه من الحد وما ذكروه من القياس وادعوا ان ما ذكروه من
الطريقين يوصلان الى العلوم التي ينالها بنو آدم بعقولهم بمعنى ان ما يوصل
لا بد ان يكون على الطريق الذي ذكروه لا على غيره فما ذكروه آلة قانونية به
توزن الطرق العلمية ويميز به بين الطريق الصحيحة والفاسدة فمراعاة هذا
القانون يعصم الذهن ان يزل في الفكر الذي ينال به تصور او تصديق
هذا
ملخص دعاويهم وكل هذه الدعاوي كذب في النفي والاثبات فلا ما نفوه من طرق
غيرهم كلها باطل ولا ما اثبتوه من طرقهم كلها حق على الوجه الذي ادعوه فيه
وإن كان في طرقهم ما هو حق كما ان في طرق غيرهم ما هو باطل فما احد منهم
ولا من غيرهم يصنف كلاما إلا ولا بد ان يتضمن ما هو حق ما معهم من
الحق أقل مما مع اليهود والنصارى والمشركين
فمع اليهود والنصارى من
الحق بالنسبة الى مجموع ما معهم اكثر مما مع هؤلاء من الحق بل ومع المشركين
عباد الاصنام من العرب ونحوهم من الحق أكثر مما مع هؤلاء بالنسبة الى ما
معهم في مجموع فلسفتهم النظرية والعلمية الاخلاق والمنازل والمداين
الحق بالنسبة الى مجموع ما معهم اكثر مما مع هؤلاء من الحق بل ومع المشركين
عباد الاصنام من العرب ونحوهم من الحق أكثر مما مع هؤلاء بالنسبة الى ما
معهم في مجموع فلسفتهم النظرية والعلمية الاخلاق والمنازل والمداين
ولهذا كان اليونان مشركين كفارا يعبدون الكواكب والاصنام شرا من اليهود
والنصارى بعد النسخ والتبديل بكثير ولولا ان الله من عليهم بدخول دين
المسيح اليهم فحصل لهم من الهدى والتوحيد وما استفادوه من دين المسيح ما
داموا متمسكين بشريعته قبل النسخ والتبديل لكانوا من جنس أمثالهم من
المشركين
ثم لما غيرت ملة المسيح صاروا على دين مركب من حنيفية وشرك
بعضه حق وبعضه باطل وهو خير من الدين الذي كان عليه اسلافهم
وقد قيل
إن آخر ملوكهم كان صاحب المجسطى بطلميوس
والمشهور المتواتر ان ارسطو
وزير الاسكندر بن فيلبس كان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة وكثير من الجهال
يحسب ان هذا هو ذو القرنين المذكور في
القرآن ويعظم أرسطو بكونه
كان وزيرا له كما ذكر ذلك ابن سينا وامثاله من الجهال باخبار الامم مقالات
سخيفة للمتفلسفة والمتصوفة في الانبياء المرسلين
ومن ملاحدة المتصوفة
من يزعم ان ارسطو كان هو الخضر خضر موسى
وهؤلاء منهم من يفضل
الفلاسفة على الانبياء في العلم ويقول إن هارون كان أعلم من موسى وإن عليا
كان أعلم من النبي ص - كما يزعمون ان الخضر كان أعلم من موسى وأن عليا
وهارون والخضر كانوا فلاسفة يعلمون الحقائق العقلية العلمية اكثر من موسى
وعيسى ومحمد لكن هؤلاء كانوا في القوة العلمية اكمل ولهذا وضعوا الشرائع
العلمية
وهؤلاء يفضلون فرعون على موسى ويسمونه أفلاطن القبطي وقد
يقولون إن صاحب مدين الذي تزوج موسى بنته هو أفلاطن اليوناني استاذ ارسطو
ويقولون إن موسى كان أعلم من غيره بالسحر وإنه استفاد ذلك من حموه إذ كان
عندهم ليست المعجزات إلا قوى نفسانية أو طبيعية أو فلكية من جنس السحر ولكن
موسى كان مبرزا على غيره في ذلك
إلى أمثال ذلك من المقالات التي
تقولها الملاحدة المتفلسفة المنتمون الى الاسلام في الظاهر من متشيع ومتصوف
كابن سبعين وابن عربي وأصحابه
من يزعم ان ارسطو كان هو الخضر خضر موسى
وهؤلاء منهم من يفضل
الفلاسفة على الانبياء في العلم ويقول إن هارون كان أعلم من موسى وإن عليا
كان أعلم من النبي ص - كما يزعمون ان الخضر كان أعلم من موسى وأن عليا
وهارون والخضر كانوا فلاسفة يعلمون الحقائق العقلية العلمية اكثر من موسى
وعيسى ومحمد لكن هؤلاء كانوا في القوة العلمية اكمل ولهذا وضعوا الشرائع
العلمية
وهؤلاء يفضلون فرعون على موسى ويسمونه أفلاطن القبطي وقد
يقولون إن صاحب مدين الذي تزوج موسى بنته هو أفلاطن اليوناني استاذ ارسطو
ويقولون إن موسى كان أعلم من غيره بالسحر وإنه استفاد ذلك من حموه إذ كان
عندهم ليست المعجزات إلا قوى نفسانية أو طبيعية أو فلكية من جنس السحر ولكن
موسى كان مبرزا على غيره في ذلك
إلى أمثال ذلك من المقالات التي
تقولها الملاحدة المتفلسفة المنتمون الى الاسلام في الظاهر من متشيع ومتصوف
كابن سبعين وابن عربي وأصحابه
ولهم من هذا الجنس ما يطول حكايته مما
يدل على انهم من اجهل الناس بالمعقول والمنقول ولم يكفهم جهلهم بما جاءت به
النبوات حتى ضموا الى ذلك الجهل بأخبار العالم وأيام الناس والجهل
بالعقليات
فان أفلاطن استاذ ارسطو كان قبل المسيح بأقل من اربعمائة
سنة وذلك بعد موسى بمدة طويلة تزيد على فكيف يتعلم منه
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
إيطال القول بحياة الخضر
بدمشق رأى شخص بين الجبلين صورة رجل قد سد ما بين الجبلين وبلغ راسه راس
الجبل وقال انا الخضر وانا نقيب الاولياء وقال للرجل الرائي انت رجل صالح
وانت ولي الله ومد يده الى فأس كان الرجل نسيه في مكان وهو ذاهب اليه
فناوله اياه وكان بينه وبين ذلك المكان نحو ميل ومثل هذه الحكاية كثير
وكل من قال انه راى الخضر وهو صادق اما ان يتخيل له في نفسه انه راه ويظل
ما في نفسه كان في الخارج كما يقع لكثير من ارباب الرياضات واما ان يكون
جنيا يتصور له بصورة انسان ليضله وهذا كثير جدا قد علمنا منه ما يطول وصفه
واما ان يكون راى انسيا ظن انه الخضر وهو غالط في ظنه فان قال له ذلك الجني
او الانسي انه الخضر فيكون قد كذب عليه لا يخرج الصدق في هذا الباب عن هذه
الاقسام الثلاثة
واما الاحاديث فكثيرة ولهذا لم ينقل عن احد من
الصحابة انه راى الخضر ولا اجتمع به لانهم كانوا اكمل علما وايمانا من
غيرهم فلم يكن يمكن الشيطان التلبيس عليهم كما لبس على كثير من العباد
ولهذا كثير من الكفار اليهود والنصارى يأتيهم من يظنون انه الخضر ويحضر في
كنائسهم وربما حدثهم بأشياء وانما هو شيطان جاء اليهم فيضلهم
ولو كان
الخضر حيا لوجب عليه ان يأتي الى النبي ص - فيؤمن به ويجاهد معه كما اخذ
الله الميثاق على الانبياء واتباعهم بقوله واذ اخذ الله ميثاق النبين لما
اتيتكم من كتب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ال
عمران والخضر قد اصلح السفينة لقوم من عرض الناس فكيف لا يكون بين محمد
واصحابه
وهو ان كان نبيا فنبينا افضل منه وان لم يكن نبيا فأبو بكر
وعمر افضل منه وهذا مبسوط في موضعه
حقيقة شخصيات أرسطو
والاسكندر وذي القرنين
ولهذا كان هؤلاء
المفلسفة إنما راجوا على ابعد الناس عن العقل والدين كالقرامطة والباطنية
الذين ركبوا مذهبهم من فلسفة اليونان ودين المجوس وأظهروا الرفض وكجهال
المتصوفة وأهل الكلام وإنما ينفقون في دولة جاهلية بعيدة عن العلم والايمان
إما كفارا وإما منافقين كما نفق منهم من نفق على المنافقين الملاحدة ثم
نفق على المشركين الترك وكذلك إنما ينفقون دائما على اعداء الله ورسوله من
الكفار والمنافقين مزيد الكلام على تحديدهم الاستدلال بمقدمتين فقط
وكلامنا الان فيما احتجوا به على انه لا بد في الدليل من مقدمتين لا اكثر
ولا اقل وقد عرف ضعفه
ثم إنهم لما علموا ان الدليل قد يحتاج الى
مقدمات وقد يكفى فيه مقدمة واحدة قالوا إنه ربما ادرج في القياس قول زائد
أي مقدمة ثالثة زائدة على مقدمتين لغرض فاسد او صحيح كبيان المقدمتين
ويسمونه المركب قالوا ومضمونه اقيسة متعددة سيقت لبيان مطلوب واحد إلا ان
المطلوب منها بالذات
ليس إلا واحدا قالوا وربما حذفت إحدى القدمات إما
للعلم بها او لغرض فاسد وقسموا المركب الى مفصول و موصول كما تقدم
فيقال هذا اعتراف منكم بان من المطالب ما يحتاج الى مقدمات و منها ما يكفى
فيه مقدمة واحدة ثم قلتم ان ذلك الذى يحتاج الى مقدمات هو فى معنى اقيسة
متعددة فيقال لكم اذا ادعيتم ان الذى لا بد منه انما هو قياس واحد يشتمل
على مقدمتين وان ما زاد على ذلك هو في معنى اقيسة كل قياس لبيان مقدمة من
المقدمات فقولوا ان الذي لا بد منه هو مقدمة واحدة وان ما زاد على تلك
المقدمة من المقدمات فانما هو لبيان تلك المقدمة
وهذا اقرب الى
المعقول فانه اذا لم يعلم ثبوت الصفة للموصوف وهو ثبوت الحكم للمحكوم عليه
وهو ثبوت الخبر للمبتدا او المحمول للموضوع الا بوسط بينهما هو الدليل
فالذي لا بد منه هو مقدمة واحدة وما زاد على ذلك فقد يحتاج اليه وقد لا
يحتاج اليه
واما دعوى الحاجة الى القياس الذي هو المقدمتان للاحتياج
الى ذلك في بعض المطالب فهو كدعوى الاحتياج في بعضها الى ثلاث مقدمات واربع
وخمس للاحتياج الى ذلك في بعض المطالب وليس تقدير عدد باولى من عدد وما
يذكرونه من حذف احدى المقدمتين لوضوحها او للتغليط يوجد مثله في حذف
الثالثة والرابعة
ومن احتج على مسألة بمقدمة لا تكفي وحدها في بيان
المطلوب او مقدمتين او ثلاثة لا تكفي طولب بالتمام الذي يحصل به الكفاية
واذا ذكرت المقدمات منع منها ما يقبل المنع وعورض منها ما يقبل المعارضة
حتى يتم الاستدلال كمن
طلب منه الدليل على تحريم شراب خاص حين قال
هذا حرام فقيل له لم قال لانه نبيذ مسكر فهذه المقدمة كافية إن كان المستمع
ممن يعلم ان كل مسكر حرام اذا سلم له تلك المقدمة
وان منعه اياها
وقال لا نسلم ان هذا مسكر احتاج الى بيانها بخبر من يوثق بخبره او بالتجربة
في نظيرها وهذا قياس تمثيل وهو مفيد لليقين فان الشراب الكثير اذا جرب
بعضه وعلم انه مسكر علم ان الباقي منه مسكر لان حكم بعضه مثل بعض وكذلك
سائر القضايا التجربية كالعلم بأن الخبز يشبع والماء يروي وامثال ذلك انما
مبناها على قياس التمثيل بل وكذلك سائر الحسيات التي علم انها كلية انما هو
بواسطة قياس التمثيل
وان كان ممن ينازعه في ان النبيذ المسكر حرام
احتاج الى مقدمتين الى اثبات ان هذا مسكر والى ان كل مسكر خمر فيثبت
الثانية بأدلة متعددة كقول النبي ص - كل مسكر خمر وكل شراب اسكر فهو حرام
وبأنه سئل عن شراب يصنع من العسل يقال له البتع وشراب يصنع من الذرة يقال
له المزر وكان قد اوتي جوامع الكلم فقال كل مسكر حرام وهذه الاحاديث في
الصحيح وهي واضعافها معروفة عن النبي ص - تدل على انه حرام كل شراب اسكر
فان قال انا اعلم انه خمر لكن لا اسلم ان الخمر حرام او لا اسلم انه حرام
مطلقا اثبت هذه المقدمة الثالثة وهلم جرا مزيد البيان ان المقدمة
الواحدة قد تكفي
و الاوسط للثالث ثبت ان الاول مستلزم
للثالث فان ملزوم الملزوم ملزوم ولازم اللازم لازم فالحكم لازم من لوازم
الدليل لكن لم يعرف لزومه اياه الا بوسط بينهما والوسط ما يقرن بقولك لانه
و هذا مما ذكره المنطقيون ابن سينا وغيره ذكروا الصفات اللازمة للموصوف
وان منها ما يكون بين اللزوم وردوا بذلك على من فرق من اصحابهم بين الذاتي
واللازم للماهية بأن اللازم ما افتقر الى وسط بخلاف الذاتي فقالوا له كثير
من الصفات اللازمة لا يفتقر الى وسط وهي البينة اللزوم والوسط عند هؤلاء هو
الدليل
واما ما ظنه بعض الناس ان الوسط هو ما يكون متوسطا في نفس
الامر بين اللازم القريب واللازم البعيد فهذا خطا ومع هذا يتبين حصول
المراد على التقديرين فنقول
اذا كانت اللوازم منها ما لزومه للملزوم
بين بنفسه لا يحتاج الى دليل يتوسط بينهما فهذا نفس تصوره وتصور الملزوم
يكفي في العلم بثبوته له واذا كان بينهما وسط فذاك الوسط اذا كان لزومه
للملزوم الاول ولزوم الثاني له بينا لم يفتقر الى وسط ثان
وان كان احد
الملزومين غير بين بنفسه احتاج الى وسط وان لم يكن واحد منهما بينا احتاج
الى وسطين وهذا الوسط هو حد تكفي فيه مقدمة واحدة
فاذا طلب الدليل على
تحريم النبيذ المسكر فقيل لانه قد صح عن النبي ص - أنه قال كل مسكر خمر او
كل مسكر حرام فهذا الوسط وهو قول النبي ص - لا يفتقر عند المؤمن لزوم
تحريم المسكر له الى وسط ولا يفتقر لزوم تحريم النبيذ المتنازع فيه لتحريم
المسكر الى وسط فان كل احد يعلم انه اذا حرم كل مسكر حرم النبيذ المسكر
المتنازع فيه وكل
مؤمن يعلم ان النبي ص - اذا حرم شيئا حرم
ولو قال الدليل على تحريمه انه مسكر فالمخاطب ان كان يعرف ان ذلك مسكر
والمسكر محرم سلم له التحريم ولكنه كان غافلا عن كونه مسكرا او جاهلا بكونه
مسكرا
وكذلك اذا قال لانه خمر فان اقر انه خمر ثبت التحريم واذا اقر
بعد انكاره فقد يكون كان جاهلا فعلم او غافلا فذكر فليس كل من علم شيئا كان
ذاكرا له الخلاف في ان العلم بالمقدمتين كاف في العلم بالنتيجة ام
لا
وليس الامر كذلك بل المحتاج اليه هو ما به يعلم المطلوب
سواء كانت مقدمة او اثنتين او ثلاثا والمغفول عنه ليس بمعلوم حال الغفلة
فاذا تذكر صار معلوما بالفعل وهنا الدليل هو العلم بأن البغلة لا تحبل وهذه
المقدمة كان زاهلا عنها فلم يكن عالما بها العلم الذي يحصل به الدلالة فان
المغفول عنه لا يدل حين ما يكون مغفولا عنه بل انما يدل حال كونه مذكورا
اذ هو بذلك يكون معلوما علما حاضرا
والرب تعالى منزه عن الغفلة
والنسيان لان ذلك يناقض حقيقة العلم كما انه منزه عن السنة والنوم لان ذلك
يناقض كمال الحياة والقيومية فان النوم اخو الموت ولهذا كان اهل الجنة لا
ينامون كما لا يموتون وكانوا يلهمون التسبيح كما يلهم احدنا النفس
والمقصود هنا ان وجه الدليل العلم بلزوم المدلول له سواء سمي استحضارا او
تفطنا او غير ذلك فمتى استحضر في ذهنه لزوم المدلول له علم انه دال عليه
وهذا اللزوم ان كان بينا له والا فقد يحتاج في بيانه الى مقدمة او ثنتين او
ثلاثة او اكثر
و الاوساط تتنوع بتنوع الناس فليس ما كان وسطا مستلزما
للحكم في حق هذا هو الذي يجب ان يكون وسطا في حق الاخر بل قد يحصل له وسط
اخر
فالاوساط هو الدليل وهو الواسطة في العلم بين اللازم والملزوم
وهما المحكوم والمحكوم عليه فان الحكم لازم للمحكوم عليه ما دام حكما له
والاواسط التي هي الادلة مما يتنوع ويتعدد بحسب ما يفتحه الله للناس من
الهداية كما اذا كان الوسط خبر صادق فقد يكون الخبر لهذا غير الخبر لهذا
واذا راى الناس الهلال وثبت عند دار السلطان وتفرق الناس فأشاعوا ذلك في
البلد فكل قوم يحصل لهم العلم بخبر من غير المخبرين الذين اخبروا غيرهم
والقران والسنة الذي بلغه الناس عن الرسول بلغ كل قوم بوسائط غير
وسائط غيرهم لا سيما في القرن الثاني والثالث فهؤلاء هم مقرئون ومعلمون
وهؤلاء مقرئون ومعلمون وهؤلاء هم وسائط وهم الاواسط بينهم وبين معرفة ما
قاله الرسول وفعله وهم الذين دلوهم على ذلك باخبارهم وتعليمهم
وكذلك
المعلومات التي تنال بالعقل او الحس اذا نبه عليها منه وارشد اليها مرشد
فذلك ايضا مما يختللف ويتنوع ونفس الوسائط العقلية تتنوع وتختلف
واما
من جعل الوسط في اللوازم هو وسطا في نفس ثبوتها للموصوف فهذا باطل من وجوه
كما قد بسط في موضعه وبتقدير صحته فالوسط الذهني اعم من الخارجي كما ان
الدليل اعم من العلة فكل علة يمكن الاستدلال بها على المعلول وليس كل دليل
يكون علة في نفس الامر
وكذلك ما كان متوسطا في نفس الامر امكن جعله
متوسطا في الذهن فيكون دليلا ولا ينعكس لان الدليل هو ما كان مستلزما
للمدلول فالعلة المستلزمة للمعلول يمكن الاستدلال بها والوسط الذي يلزم
الملزوم ويلزمه اللازم البعيد هو مستلزم لذلك اللازم فيمكن الاستدلال به
فتبين انه على كل تقدير يمكن الاستدلال على المطلوب بمقدمة واحدة اذا لم
يحتج الى غيرها وقد لا يمكن الا بمقدمات فيحتاج الى معرفتهن وان تخصيص
الحاجة بمقدمتين دون ما زاد وما نقص تحكم محض
وقولهم إن الخضر هو ارسطو من اظهر الكذب
البارد والخضر على الصواب مات قبل ذلك بزمان طويل والذين يقولون انه حي
كبعض العباد وبعض العامة وكثير من اليهود والنصارى غالطون في ذلك غلطا لا
ريب فيه
وسبب غلطهم انهم يرون في الاماكن المنقطعة وغيرها من يظن انه
من الزهاد ويقول انا الخضر وقد يكون ذلك شيطانا قد يتمثل بصورة آدمي
وهذا مما علمنا في وقائع كثيرة حتى في مكان الذي كتبت فيه هذا عند الربوة
البارد والخضر على الصواب مات قبل ذلك بزمان طويل والذين يقولون انه حي
كبعض العباد وبعض العامة وكثير من اليهود والنصارى غالطون في ذلك غلطا لا
ريب فيه
وسبب غلطهم انهم يرون في الاماكن المنقطعة وغيرها من يظن انه
من الزهاد ويقول انا الخضر وقد يكون ذلك شيطانا قد يتمثل بصورة آدمي
وهذا مما علمنا في وقائع كثيرة حتى في مكان الذي كتبت فيه هذا عند الربوة
بدمشق رأى شخص بين الجبلين صورة رجل قد سد ما بين الجبلين وبلغ راسه راس
الجبل وقال انا الخضر وانا نقيب الاولياء وقال للرجل الرائي انت رجل صالح
وانت ولي الله ومد يده الى فأس كان الرجل نسيه في مكان وهو ذاهب اليه
فناوله اياه وكان بينه وبين ذلك المكان نحو ميل ومثل هذه الحكاية كثير
وكل من قال انه راى الخضر وهو صادق اما ان يتخيل له في نفسه انه راه ويظل
ما في نفسه كان في الخارج كما يقع لكثير من ارباب الرياضات واما ان يكون
جنيا يتصور له بصورة انسان ليضله وهذا كثير جدا قد علمنا منه ما يطول وصفه
واما ان يكون راى انسيا ظن انه الخضر وهو غالط في ظنه فان قال له ذلك الجني
او الانسي انه الخضر فيكون قد كذب عليه لا يخرج الصدق في هذا الباب عن هذه
الاقسام الثلاثة
واما الاحاديث فكثيرة ولهذا لم ينقل عن احد من
الصحابة انه راى الخضر ولا اجتمع به لانهم كانوا اكمل علما وايمانا من
غيرهم فلم يكن يمكن الشيطان التلبيس عليهم كما لبس على كثير من العباد
ولهذا كثير من الكفار اليهود والنصارى يأتيهم من يظنون انه الخضر ويحضر في
كنائسهم وربما حدثهم بأشياء وانما هو شيطان جاء اليهم فيضلهم
ولو كان
الخضر حيا لوجب عليه ان يأتي الى النبي ص - فيؤمن به ويجاهد معه كما اخذ
الله الميثاق على الانبياء واتباعهم بقوله واذ اخذ الله ميثاق النبين لما
اتيتكم من كتب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ال
عمران والخضر قد اصلح السفينة لقوم من عرض الناس فكيف لا يكون بين محمد
واصحابه
وهو ان كان نبيا فنبينا افضل منه وان لم يكن نبيا فأبو بكر
وعمر افضل منه وهذا مبسوط في موضعه
حقيقة شخصيات أرسطو
والاسكندر وذي القرنين
وكلامنا هنا في ضلال هؤلاء المتفلسفة الذين
يبنون ضلالهم بضلال غيرهم فيتعلقون بالكذب في المنقولات وبالجهل في
المعقولات كقولهم إن أرسطو وزير ذي القرنين المذكور في القرآن لأنهم سمعوا
انه كان وزير الاسكندر وذو القرنين يقال له الاسكندر
وهذا من جهلهم
فان الاسكندر الذي وزر له ارسطو هو ابن فيلبس المقدوني الذي يؤرخ له تاريخ
الروم المعروف عند اليهود والنصارى وهو إنما ذهب الى ارض القدس لم يصل الى
السد عند من يعرف اخباره وكان مشركا يعبد الاصنام وكذلك أرسطو وقومه كانوا
مشركين يعبدون الاصنام
وذو القرنين كان موحدا مؤمنا بالله وكان متقدما
على هذا ومن يسميه الاسكندر يقول هو الاسكندر بن دارا
يبنون ضلالهم بضلال غيرهم فيتعلقون بالكذب في المنقولات وبالجهل في
المعقولات كقولهم إن أرسطو وزير ذي القرنين المذكور في القرآن لأنهم سمعوا
انه كان وزير الاسكندر وذو القرنين يقال له الاسكندر
وهذا من جهلهم
فان الاسكندر الذي وزر له ارسطو هو ابن فيلبس المقدوني الذي يؤرخ له تاريخ
الروم المعروف عند اليهود والنصارى وهو إنما ذهب الى ارض القدس لم يصل الى
السد عند من يعرف اخباره وكان مشركا يعبد الاصنام وكذلك أرسطو وقومه كانوا
مشركين يعبدون الاصنام
وذو القرنين كان موحدا مؤمنا بالله وكان متقدما
على هذا ومن يسميه الاسكندر يقول هو الاسكندر بن دارا
ولهذا كان هؤلاء
المفلسفة إنما راجوا على ابعد الناس عن العقل والدين كالقرامطة والباطنية
الذين ركبوا مذهبهم من فلسفة اليونان ودين المجوس وأظهروا الرفض وكجهال
المتصوفة وأهل الكلام وإنما ينفقون في دولة جاهلية بعيدة عن العلم والايمان
إما كفارا وإما منافقين كما نفق منهم من نفق على المنافقين الملاحدة ثم
نفق على المشركين الترك وكذلك إنما ينفقون دائما على اعداء الله ورسوله من
الكفار والمنافقين مزيد الكلام على تحديدهم الاستدلال بمقدمتين فقط
وكلامنا الان فيما احتجوا به على انه لا بد في الدليل من مقدمتين لا اكثر
ولا اقل وقد عرف ضعفه
ثم إنهم لما علموا ان الدليل قد يحتاج الى
مقدمات وقد يكفى فيه مقدمة واحدة قالوا إنه ربما ادرج في القياس قول زائد
أي مقدمة ثالثة زائدة على مقدمتين لغرض فاسد او صحيح كبيان المقدمتين
ويسمونه المركب قالوا ومضمونه اقيسة متعددة سيقت لبيان مطلوب واحد إلا ان
المطلوب منها بالذات
ليس إلا واحدا قالوا وربما حذفت إحدى القدمات إما
للعلم بها او لغرض فاسد وقسموا المركب الى مفصول و موصول كما تقدم
فيقال هذا اعتراف منكم بان من المطالب ما يحتاج الى مقدمات و منها ما يكفى
فيه مقدمة واحدة ثم قلتم ان ذلك الذى يحتاج الى مقدمات هو فى معنى اقيسة
متعددة فيقال لكم اذا ادعيتم ان الذى لا بد منه انما هو قياس واحد يشتمل
على مقدمتين وان ما زاد على ذلك هو في معنى اقيسة كل قياس لبيان مقدمة من
المقدمات فقولوا ان الذي لا بد منه هو مقدمة واحدة وان ما زاد على تلك
المقدمة من المقدمات فانما هو لبيان تلك المقدمة
وهذا اقرب الى
المعقول فانه اذا لم يعلم ثبوت الصفة للموصوف وهو ثبوت الحكم للمحكوم عليه
وهو ثبوت الخبر للمبتدا او المحمول للموضوع الا بوسط بينهما هو الدليل
فالذي لا بد منه هو مقدمة واحدة وما زاد على ذلك فقد يحتاج اليه وقد لا
يحتاج اليه
واما دعوى الحاجة الى القياس الذي هو المقدمتان للاحتياج
الى ذلك في بعض المطالب فهو كدعوى الاحتياج في بعضها الى ثلاث مقدمات واربع
وخمس للاحتياج الى ذلك في بعض المطالب وليس تقدير عدد باولى من عدد وما
يذكرونه من حذف احدى المقدمتين لوضوحها او للتغليط يوجد مثله في حذف
الثالثة والرابعة
ومن احتج على مسألة بمقدمة لا تكفي وحدها في بيان
المطلوب او مقدمتين او ثلاثة لا تكفي طولب بالتمام الذي يحصل به الكفاية
واذا ذكرت المقدمات منع منها ما يقبل المنع وعورض منها ما يقبل المعارضة
حتى يتم الاستدلال كمن
طلب منه الدليل على تحريم شراب خاص حين قال
هذا حرام فقيل له لم قال لانه نبيذ مسكر فهذه المقدمة كافية إن كان المستمع
ممن يعلم ان كل مسكر حرام اذا سلم له تلك المقدمة
وان منعه اياها
وقال لا نسلم ان هذا مسكر احتاج الى بيانها بخبر من يوثق بخبره او بالتجربة
في نظيرها وهذا قياس تمثيل وهو مفيد لليقين فان الشراب الكثير اذا جرب
بعضه وعلم انه مسكر علم ان الباقي منه مسكر لان حكم بعضه مثل بعض وكذلك
سائر القضايا التجربية كالعلم بأن الخبز يشبع والماء يروي وامثال ذلك انما
مبناها على قياس التمثيل بل وكذلك سائر الحسيات التي علم انها كلية انما هو
بواسطة قياس التمثيل
وان كان ممن ينازعه في ان النبيذ المسكر حرام
احتاج الى مقدمتين الى اثبات ان هذا مسكر والى ان كل مسكر خمر فيثبت
الثانية بأدلة متعددة كقول النبي ص - كل مسكر خمر وكل شراب اسكر فهو حرام
وبأنه سئل عن شراب يصنع من العسل يقال له البتع وشراب يصنع من الذرة يقال
له المزر وكان قد اوتي جوامع الكلم فقال كل مسكر حرام وهذه الاحاديث في
الصحيح وهي واضعافها معروفة عن النبي ص - تدل على انه حرام كل شراب اسكر
فان قال انا اعلم انه خمر لكن لا اسلم ان الخمر حرام او لا اسلم انه حرام
مطلقا اثبت هذه المقدمة الثالثة وهلم جرا مزيد البيان ان المقدمة
الواحدة قد تكفي
ومما يبين لك ان المقدمة الواحدة قد تكفي في حصول
المطلوب ان الدليل هو ما يستلزم الحكم المدلول عليه كما تقدم بيانه ولما
كان الحد الاول مستلزما للاوسط
المطلوب ان الدليل هو ما يستلزم الحكم المدلول عليه كما تقدم بيانه ولما
كان الحد الاول مستلزما للاوسط
و الاوسط للثالث ثبت ان الاول مستلزم
للثالث فان ملزوم الملزوم ملزوم ولازم اللازم لازم فالحكم لازم من لوازم
الدليل لكن لم يعرف لزومه اياه الا بوسط بينهما والوسط ما يقرن بقولك لانه
و هذا مما ذكره المنطقيون ابن سينا وغيره ذكروا الصفات اللازمة للموصوف
وان منها ما يكون بين اللزوم وردوا بذلك على من فرق من اصحابهم بين الذاتي
واللازم للماهية بأن اللازم ما افتقر الى وسط بخلاف الذاتي فقالوا له كثير
من الصفات اللازمة لا يفتقر الى وسط وهي البينة اللزوم والوسط عند هؤلاء هو
الدليل
واما ما ظنه بعض الناس ان الوسط هو ما يكون متوسطا في نفس
الامر بين اللازم القريب واللازم البعيد فهذا خطا ومع هذا يتبين حصول
المراد على التقديرين فنقول
اذا كانت اللوازم منها ما لزومه للملزوم
بين بنفسه لا يحتاج الى دليل يتوسط بينهما فهذا نفس تصوره وتصور الملزوم
يكفي في العلم بثبوته له واذا كان بينهما وسط فذاك الوسط اذا كان لزومه
للملزوم الاول ولزوم الثاني له بينا لم يفتقر الى وسط ثان
وان كان احد
الملزومين غير بين بنفسه احتاج الى وسط وان لم يكن واحد منهما بينا احتاج
الى وسطين وهذا الوسط هو حد تكفي فيه مقدمة واحدة
فاذا طلب الدليل على
تحريم النبيذ المسكر فقيل لانه قد صح عن النبي ص - أنه قال كل مسكر خمر او
كل مسكر حرام فهذا الوسط وهو قول النبي ص - لا يفتقر عند المؤمن لزوم
تحريم المسكر له الى وسط ولا يفتقر لزوم تحريم النبيذ المتنازع فيه لتحريم
المسكر الى وسط فان كل احد يعلم انه اذا حرم كل مسكر حرم النبيذ المسكر
المتنازع فيه وكل
مؤمن يعلم ان النبي ص - اذا حرم شيئا حرم
ولو قال الدليل على تحريمه انه مسكر فالمخاطب ان كان يعرف ان ذلك مسكر
والمسكر محرم سلم له التحريم ولكنه كان غافلا عن كونه مسكرا او جاهلا بكونه
مسكرا
وكذلك اذا قال لانه خمر فان اقر انه خمر ثبت التحريم واذا اقر
بعد انكاره فقد يكون كان جاهلا فعلم او غافلا فذكر فليس كل من علم شيئا كان
ذاكرا له الخلاف في ان العلم بالمقدمتين كاف في العلم بالنتيجة ام
لا
ولهذا تنازع هؤلاء المنطقيون في العلم بالمقدمتين هل هو كاف في
العلم بالنتيجة ام لا بد من التفطن لامر ثالث وهذا الثاني هو قول ابن سينا
وغيره قالوا لان الانسان قد يكون عالما ب ان البغلة لا تلد ثم يغفل عن ذلك
ويرى بغلة منتفخة البطن فيقول اهذه حامل ام لا فيقال له اما تعلم انها بغلة
فيقول بلى ويقال له اما تعلم ان البغلة لا تلد فيقول بلى قال فحينئذ يتفطن
لكونها لا تلد
ونازعه الرازي وغيره وقالوا هذا ضعيف لان اندراج احدى
المقدمتين تحت الاخرى ان كان مغايرا للمقدمتين كان ذلك مقدمة اخرى لا بد
فيها من الانتاج ويكون الكلام في كيفية التيامها مع الاوليين كالكلام في
كيفية التيام الاوليين ويفضى ذلك الى اعتبار ما لا نهاية له من المقدمات
وان لم يكن ذلك معلوما مغايرا للمقدمتين استحال ان يكون شرطا في الانتاج
لان الشرط مغاير للمشروط وهنا لا مغايرة فلا يكون شرطا واما حديث البغلة
فذلك انما يمكن اذا كان الحاضر في الذهن احدى المقدمتين فقط اما الصغرى
واما الكبرى واما عند اجتماعهما في الذهن فلا نسلم انه يمكن الشك اصلا في
النتيجة
قلت وحقيقة الامر ان هذا النزاع لزمهم في ظنهم الحاجة الى
مقدمتين فقط
العلم بالنتيجة ام لا بد من التفطن لامر ثالث وهذا الثاني هو قول ابن سينا
وغيره قالوا لان الانسان قد يكون عالما ب ان البغلة لا تلد ثم يغفل عن ذلك
ويرى بغلة منتفخة البطن فيقول اهذه حامل ام لا فيقال له اما تعلم انها بغلة
فيقول بلى ويقال له اما تعلم ان البغلة لا تلد فيقول بلى قال فحينئذ يتفطن
لكونها لا تلد
ونازعه الرازي وغيره وقالوا هذا ضعيف لان اندراج احدى
المقدمتين تحت الاخرى ان كان مغايرا للمقدمتين كان ذلك مقدمة اخرى لا بد
فيها من الانتاج ويكون الكلام في كيفية التيامها مع الاوليين كالكلام في
كيفية التيام الاوليين ويفضى ذلك الى اعتبار ما لا نهاية له من المقدمات
وان لم يكن ذلك معلوما مغايرا للمقدمتين استحال ان يكون شرطا في الانتاج
لان الشرط مغاير للمشروط وهنا لا مغايرة فلا يكون شرطا واما حديث البغلة
فذلك انما يمكن اذا كان الحاضر في الذهن احدى المقدمتين فقط اما الصغرى
واما الكبرى واما عند اجتماعهما في الذهن فلا نسلم انه يمكن الشك اصلا في
النتيجة
قلت وحقيقة الامر ان هذا النزاع لزمهم في ظنهم الحاجة الى
مقدمتين فقط
وليس الامر كذلك بل المحتاج اليه هو ما به يعلم المطلوب
سواء كانت مقدمة او اثنتين او ثلاثا والمغفول عنه ليس بمعلوم حال الغفلة
فاذا تذكر صار معلوما بالفعل وهنا الدليل هو العلم بأن البغلة لا تحبل وهذه
المقدمة كان زاهلا عنها فلم يكن عالما بها العلم الذي يحصل به الدلالة فان
المغفول عنه لا يدل حين ما يكون مغفولا عنه بل انما يدل حال كونه مذكورا
اذ هو بذلك يكون معلوما علما حاضرا
والرب تعالى منزه عن الغفلة
والنسيان لان ذلك يناقض حقيقة العلم كما انه منزه عن السنة والنوم لان ذلك
يناقض كمال الحياة والقيومية فان النوم اخو الموت ولهذا كان اهل الجنة لا
ينامون كما لا يموتون وكانوا يلهمون التسبيح كما يلهم احدنا النفس
والمقصود هنا ان وجه الدليل العلم بلزوم المدلول له سواء سمي استحضارا او
تفطنا او غير ذلك فمتى استحضر في ذهنه لزوم المدلول له علم انه دال عليه
وهذا اللزوم ان كان بينا له والا فقد يحتاج في بيانه الى مقدمة او ثنتين او
ثلاثة او اكثر
و الاوساط تتنوع بتنوع الناس فليس ما كان وسطا مستلزما
للحكم في حق هذا هو الذي يجب ان يكون وسطا في حق الاخر بل قد يحصل له وسط
اخر
فالاوساط هو الدليل وهو الواسطة في العلم بين اللازم والملزوم
وهما المحكوم والمحكوم عليه فان الحكم لازم للمحكوم عليه ما دام حكما له
والاواسط التي هي الادلة مما يتنوع ويتعدد بحسب ما يفتحه الله للناس من
الهداية كما اذا كان الوسط خبر صادق فقد يكون الخبر لهذا غير الخبر لهذا
واذا راى الناس الهلال وثبت عند دار السلطان وتفرق الناس فأشاعوا ذلك في
البلد فكل قوم يحصل لهم العلم بخبر من غير المخبرين الذين اخبروا غيرهم
والقران والسنة الذي بلغه الناس عن الرسول بلغ كل قوم بوسائط غير
وسائط غيرهم لا سيما في القرن الثاني والثالث فهؤلاء هم مقرئون ومعلمون
وهؤلاء مقرئون ومعلمون وهؤلاء هم وسائط وهم الاواسط بينهم وبين معرفة ما
قاله الرسول وفعله وهم الذين دلوهم على ذلك باخبارهم وتعليمهم
وكذلك
المعلومات التي تنال بالعقل او الحس اذا نبه عليها منه وارشد اليها مرشد
فذلك ايضا مما يختللف ويتنوع ونفس الوسائط العقلية تتنوع وتختلف
واما
من جعل الوسط في اللوازم هو وسطا في نفس ثبوتها للموصوف فهذا باطل من وجوه
كما قد بسط في موضعه وبتقدير صحته فالوسط الذهني اعم من الخارجي كما ان
الدليل اعم من العلة فكل علة يمكن الاستدلال بها على المعلول وليس كل دليل
يكون علة في نفس الامر
وكذلك ما كان متوسطا في نفس الامر امكن جعله
متوسطا في الذهن فيكون دليلا ولا ينعكس لان الدليل هو ما كان مستلزما
للمدلول فالعلة المستلزمة للمعلول يمكن الاستدلال بها والوسط الذي يلزم
الملزوم ويلزمه اللازم البعيد هو مستلزم لذلك اللازم فيمكن الاستدلال به
فتبين انه على كل تقدير يمكن الاستدلال على المطلوب بمقدمة واحدة اذا لم
يحتج الى غيرها وقد لا يمكن الا بمقدمات فيحتاج الى معرفتهن وان تخصيص
الحاجة بمقدمتين دون ما زاد وما نقص تحكم محض
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
لا يلتزم الاستدلال بمقدمتين فقط الا اهل المنطق
وسائر ائمة المسلمين وعلمائهم ونظارهم وسائر طوائف الملل
وكذلك اهل
النحو والطب والهندسة لا يدخل في هذا الباب الا من اتبع في ذلك هؤلاء
المنطقيين كما قلدوهم في الحدود المركبة من الجنس والفصل وما استفادوا بما
تلقوه عنهم علما الا علما يستغني عن باطل كلامهم او ما يضر ولا ينفع لما
فيه من الجهل او التطويل الكثير
ولهذا لما كان الاستدلال تارة يقف على
مقدمة وتارة على مقدمتين وتارة على مقدمات كانت طريقة نظار المسلمين ان
يذكروا من الادلة على المقدمات ما يحتاجون اليه ولا يلتزمون في كل استدلال
ان يذكروا مقدمتين كما يفعله من يسلك سبيل المنطقيين بل كتب نظار المسلمين
وخطبائهم وسلوكهم في نظرهم لانفسهم ومناظرتهم لغيرهم تعليما وارشادا
ومجادلة على ما ذكرت وكذلك سائر اصناف العقلاء من اهل الملل وغيرهم الا من
سلك طريق هؤلاء
وما زال نظار المسلمين يعيبون طريق اهل المنطق ويبينون
ما فيها من العي واللكنة وقصور العقل وعجز النطق ويبينون انها الى افساد
المنطق العقلي واللساني اقرب منها الى تقويم ذلك ولا يرضون ان يسلكوها في
نظرهم ومناظرتهم لا مع من يوالونه ولا مع من يعادونه الامام
الغزالي وعلم المنطق
وصنف فيه معيار العلم ومحك النظر
وصنف كتابا سماه
القسطاس المستقيم ذكر فيه خمس موازين الضروب الثلاثة الحمليات والشرطى
المتصل والشرطى المنفصل وغير عبارتها الى امثلة اخذها من كلام المسلمين
وزعم انه اخذ تلك الموازين من الانبياء وذكر انه خاطب بذلك بعض اهل التعليم
وصنف كتابا في مقاصدهم وصنف كتابا في تهافتهم وبين كفرهم بسبب مسأله
قدم العالم وانكار العلم بالجزئيات وانكار المعاد
وبين في اخر كتبه ان
طريقهم فاسدة لا توصل الى يقين وذمها اكثر مما ذم طريقة المتكلمين لكن بعد
ان اودع كتبه المضنون بها على غير اهلها وغيرها من معاني كلامهم الباطل
المخالف لدين المسلمين ما غير عبارته وعبر عنه بعبارة المسلمين
التي لم يريدوا بها ما اراده كما يأخذ لفظ الملك و الملكوت والجبروت
وكان النبي ص - يقول في ركوعه وسجوده سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء
والعظمة والجبروت والملكوت فعلوت الجبر والملك كالرحموت والرغبوت والرهبوت
فعلوت من الرحمة والرغبة والرهبة والعرب تقول رهبوت خير من رحموت أي ان
ترهب خير من من ان ترحم
ف الجبروت والملكوت يتضمن من معاني اسماء الله
تعالى وصفاته ما دل عليه معنر الملك الجبار وابو حامد يجعل عالم الملك
عالم الاجسام وعالم الملكوت والجبروت عالم النفس والعقل ومعلوم ان النبي ص -
والمسلمين لم يقصدوا بهذا اللفظ هذا
بل ما يثبته المتفلسفة من العقل
باطل عند المسلمين بل هو من أعظم الكفر فان العقل الاول عندهم مبدع كل ما
سوى الله والعقل العاشر مبدع ما تحت فلك القمر وهذا من اعظم الكفر عند
المسلمين واليهود والنصارى
و العقل في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل
عقلا وهو ايضا غريزة في الانسان فمسماه من باب الاعراض لا من باب الجواهر
القائمة بأنفسها وعند المتفلسفة مسماه من النوع الثاني
والملئكة التي
أخبرت بها الرسل وإن كان بعض من يريد بالجمع بين النبوة والفلسفة يقول إنها
العقول فهذا من أبطل الباطل فبين ما وصف الله به الملئكة في كتابه وبين
العقول التي يثبتها هؤلاء من الفروق ما لا يخفى إلا على من أعمى الله
بصيرته كما قد بسطنا ذلك في موضعه
والحديث الذي يروى أول ما خلق الله
العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال وعزتى ما خلقت خلقا
أكرم على منك فبك
آخذ وبك أعطى وبك الثواب وبك العقاب هو حديث
موضوع باتفاق اهل المعرفة بالحديث كما ذكر ذلك الدارقطني وبين من وضعه
وكذلك ذكر ضعفه ابو حاتم بن حيان والعقيلي وابن الجوزي وغيرهم
ومع هذا
فلفظه اول ما خلق الله العقل قال له فمدلوله انه خاطبه في اول اوقاته خلقه
ليس مدلوله انه اول المخلوقات وفي تمامه انه قال ما خلقت خلقا اكرم على
منك فدل انه خلق قبله غيره وفيه انه مخلوق
وابو حامد يفرق بين عالم
الخلق وعالم الامر فيجعل الأجسام عالم الخلق والنفوس والعقول عالم الامر
وهذا ايضا ليس من دين المسلمين بل كل ما سوى الله مخلوق عند المسلمين والله
تعالى خالق كل شئ
وإذا ادعو ان العقول التي اثبتوها هي الملئكة في
كلام الانبياء فقد ثبت بالنص والاجماع أن الله خلق الملئكة بل خلقهم من
مادة كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أن النبي ص - قال خلق الله الملئكة من
نور وخلق
الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم فبين ان
الملئكة مخلوقون من مادة موجودة قبلهم فأين هذا من قول من ينفى الخلق عنها
ويقول إنها مبتدعة لا مخلوقة او يقول إنها قديمة أزلية لم تكن من مادة اصلا
وهذه الامور مبسوطة في موضع آخر
والمقصود هنا أن كتب أبى حامد وإن
كان يذكر فيها كثيرا من كلامهم الباطل إما بعبارتهم أو بعبارة أخرى فهو في
آخر أمره يبالغ في ذمهم ويبين أن طريقهم متضمنة من الجهل والكفر ما يوجب
ذمها وفسادها أعظم من طريقة المتكلمين ومات وهو مشتغل ب البخاري ومسلم
والمنطق الذي كان يقول فيه ما يقول ما حصل له مقصوده ولا أزال عنه ما كان
فيه من الشك والحيرة بل كان متوقفا حائرا فيما هو من أعظم المطالب العالية
الالهية والمقاصد الساميه الربانية ولم يغن عنه المنطق شيئا
ولكن بسبب
ما وقع منه في أثناء عمره وغير ذلك صار كثير من النظار يدخلون المنطق
اليوناني في علومهم حتى صار من يسلك طريق هؤلاء من المتأخرين يظن انه لا
طريق إلا هذا وأن ما ادعوه من الحد والبرهان هو امر صحيح مسلم عند العقلاء
ولا يعلم انه ما زال العقلاء والفضلاء من المسلمين وغيرهم يعيبون ذلك
ويطعنون فيه وقد صنف نظار المسلمين في ذلك مصنفات متعددة وجمهور المسلمين
يعيبونه عيبا مجملا لما يرونه من آثاره ولوازمه الدالة على ما في اهله مما
يناقض العلم والايمان ويفضى بهم الحال إلى انواع من الجهل والكفر والضلال
والمقصود هنا أن ما يدعونه من توقف كل مطلوب نظري على مقدمتين لا أكثر ليس
كذلك
دعواهم إضمار إحدى المقدمتين في قياس الضمير
وهم يسمون القياس الذي حذفت إحدى مقدمتيه قياس الضمير ويقولون إنها قد تحذف
إما للعلم بها وإما غلطا وإما تغليطا
فيقال إذا كانت معلومة كانت
كغيرها من المقدمات المعلومة وحينئذ فليس إضمار مقدمة بأولى من إضمار ثنتين
وثلاثة وأربعة فان جاز أن يدعى في الدليل الذي لا يحتاج إلا الى مقدمة ان
الاخرى مضمرة محذوفة جاز أن يدعى فيما يحتاج الى ثنتين ان الثالثة محذوفة
وكذلك فيما يحتاج الى ثلاث وليس لذلك حد ومن تدبر هذا وجد الامر كذلكوجود
الركة والعى في كلام اهل المنطق
يتصوروا حقائقه
أو يفهم بعض ما يقولونه او اكثره او كله مع عدم
تصوره في تلك الحال لحقيقة ما جاء به الرسول ص - وما يعرف بالعقول السليمة
وما قاله سائر العقلاء مناقضا لما قالوه وهو انما وصل الى منتهى امرهم بعد
كلفة ومشقه واقترن بها حسن الظن فتورط من ضلالهم فيما لا يعلمه إلا الله
ثم إن تداركه الله بعد ذلك كما أصاب كثيرا من الفضلاء الذين احسنوا بهم
الظن ابتداء ثم انكشف لهم من ضلالهم ما أوجب رجوعهم عنهم وتبر اهم منهم بل
وردهم عليهم وإلا بقى في الضلال
وضلالهم في الالهيات ظاهر لاكثر الناس
ولهذا كفرهم فيها نظار المسلمين قاطبة وإنما المنطق التبس الامر فيه على
طائفة لم يتصوروا حقائقه ولوازمه ولم يعرفوا ما قال سائر العقلاء في
تناقضهم فيه
واتفق أن فيه امورا ظاهرة مثل الشكل الاول ولا يعرفون ان
ما فيه من الحق لا يحتاج اليهم فيه بل طولوا فيه الطريق وسلكوا الوعر
والضيق ولم يهتدوا فيه الى ما يفيد التحقيق
وليس المقصود في هذا
المقام بيان ما أخطأوا في إثباته بل ما أخطأوا في نفيه حيث زعموا ان العلم
النظري لا يحصل إلا ببرهانهم وهو من القياس تلازم قياس الشمول
وقياس التمثيل وبيانه بالامثلة
والاعتبار بمادة العلم لا بصورة
القضية بل إذا كانت المادة يقينية سواء كانت صورتها في صورة قياس التمثيل
او صورة قياس الشمول فهى واحدة وسواء كانت صورة القياس اقترانيا
اواستثنائيا بعبارتهم أو بأي عبارة شئت لا سيما في العبارات التي هي خير من
عباراتهم وأبين في العقل وأوجز في اللفظ والمعنى واحد
وحد هذا في
أظهر الامثلة إذا قلت هذا إنسان وكل إنسان مخلوق او حيوان او حساس او متحرك
بالارادة أو ناطق أو ما شئت من لوازم الانسان فان شئت صورت الدليل على هذه
الصورة وإن شئت قلت هو انسان فهو مخلوق او حساس او حيوان او متحرك كغيره
من الناس لاشتراكهما في الانسانية المستلزمة لهذه الصفات وإن شئت قلت هذا
إنسان والانسانية مستلزمة لهذه الاحكام فهى لازمة له وإن شئت قلت إن كان
أنسانا فهو متصف بهذا الصفات اللازمة للانسان وإن شئت قلت إما ان يتصف بهذه
الصفات وإما ان لا يتصف والثاني باطل فتعين الاول لان هذه لازمة للانسان
لا يتصور وجوده بدونها الاستقراء ليس استدلالا بجزئي على كلي
وأما الاستقراء فانما يكون يقينيا إذا كان استقراء تاما وحينئذ فتكون قد
حكمت على القدر المشترك بما وجدته في جميع الافراد وهذا ليس استدلالا يجزئى
على كلى ولا بخاص على عام بل استدلال بأحد المتلازمين على الاخر فان وجود
ذلك الحكم في كل فرد من أفراد الكلى العام يوجب ان يكون لازما لذلك الكلى
العام
فقولهم إن هذا استدلال بخاص جزئي على عام كلي ليس بحق وكيف ذلك
والدليل لا بد أن يكون ملزوما للمدلول فانه لو جاز وجود الدليل مع عدم
المدلول عليه ولم يكن المدلول لازما له لم يكن إذا علمنا ثبوت ذلك الدليل
نعلم ثبوت
المدلول معه إذا علمنا أنه تارة يكون معه وتارة لا يكون معه
فانا إذا علمنا ذلك ثم قلنا إنه معه دائما كنا قد جمعنا بين النقيضين
وهذا اللزوم الذي نذكره هنا يحصل به الاستدلال بأي وجه حصل اللزوم وكلما
كان اللزوم أقوى وأتم وأظهر كانت الدلالة اقوى واتم وأظهر كالمخلوقات
الدالة على الخالق سبحانه وتعالى فانه ما منها مخلوق إلا وهو ملزوم لخالقه
لا يمكن وجوده بدون وجود خالقه بل ولا بدون علمه وقدرته ومشيئته وحكمته
ورحمته فكل مخلوق دال على ذلك كله
واذا كان المدلول لازما للدليل
فمعلوم ان اللازم إما ان يكون مساويا للملزوم وإما أن يكون أعم منه فالدليل
إما أن يكون مساويا للحكم المدلول في العموم والخصوص وإما أن يكون اخص منه
لا يكون الدليل أعم منه
ولهذا لا تجد في
سائر طوائف العقلاء ومصنفي العلوم من يلتزم في استدلاله البيان بمقدمتين لا
اكثر ولا اقل ويجتهد في رد الزيادة الى ثنتين وفي تكميل النقص بجعله
مقدمتين الا اهل منطق اليونان ومن سلك سبيلهم دون من كان باقيا على فطرته
السليمة او سلك مسلك غيرهم كالمهاجرين والانصار والتابعين لهم باحسان
سائر طوائف العقلاء ومصنفي العلوم من يلتزم في استدلاله البيان بمقدمتين لا
اكثر ولا اقل ويجتهد في رد الزيادة الى ثنتين وفي تكميل النقص بجعله
مقدمتين الا اهل منطق اليونان ومن سلك سبيلهم دون من كان باقيا على فطرته
السليمة او سلك مسلك غيرهم كالمهاجرين والانصار والتابعين لهم باحسان
وسائر ائمة المسلمين وعلمائهم ونظارهم وسائر طوائف الملل
وكذلك اهل
النحو والطب والهندسة لا يدخل في هذا الباب الا من اتبع في ذلك هؤلاء
المنطقيين كما قلدوهم في الحدود المركبة من الجنس والفصل وما استفادوا بما
تلقوه عنهم علما الا علما يستغني عن باطل كلامهم او ما يضر ولا ينفع لما
فيه من الجهل او التطويل الكثير
ولهذا لما كان الاستدلال تارة يقف على
مقدمة وتارة على مقدمتين وتارة على مقدمات كانت طريقة نظار المسلمين ان
يذكروا من الادلة على المقدمات ما يحتاجون اليه ولا يلتزمون في كل استدلال
ان يذكروا مقدمتين كما يفعله من يسلك سبيل المنطقيين بل كتب نظار المسلمين
وخطبائهم وسلوكهم في نظرهم لانفسهم ومناظرتهم لغيرهم تعليما وارشادا
ومجادلة على ما ذكرت وكذلك سائر اصناف العقلاء من اهل الملل وغيرهم الا من
سلك طريق هؤلاء
وما زال نظار المسلمين يعيبون طريق اهل المنطق ويبينون
ما فيها من العي واللكنة وقصور العقل وعجز النطق ويبينون انها الى افساد
المنطق العقلي واللساني اقرب منها الى تقويم ذلك ولا يرضون ان يسلكوها في
نظرهم ومناظرتهم لا مع من يوالونه ولا مع من يعادونه الامام
الغزالي وعلم المنطق
وانما كثراستعمالها من زمن ابي حامد فانه ادخل
مقدمة من المنطق في اول كتابه المستصفى وزعم انه لا يثق بعلمه الا من عرف
هذا المنطق
مقدمة من المنطق في اول كتابه المستصفى وزعم انه لا يثق بعلمه الا من عرف
هذا المنطق
وصنف فيه معيار العلم ومحك النظر
وصنف كتابا سماه
القسطاس المستقيم ذكر فيه خمس موازين الضروب الثلاثة الحمليات والشرطى
المتصل والشرطى المنفصل وغير عبارتها الى امثلة اخذها من كلام المسلمين
وزعم انه اخذ تلك الموازين من الانبياء وذكر انه خاطب بذلك بعض اهل التعليم
وصنف كتابا في مقاصدهم وصنف كتابا في تهافتهم وبين كفرهم بسبب مسأله
قدم العالم وانكار العلم بالجزئيات وانكار المعاد
وبين في اخر كتبه ان
طريقهم فاسدة لا توصل الى يقين وذمها اكثر مما ذم طريقة المتكلمين لكن بعد
ان اودع كتبه المضنون بها على غير اهلها وغيرها من معاني كلامهم الباطل
المخالف لدين المسلمين ما غير عبارته وعبر عنه بعبارة المسلمين
التي لم يريدوا بها ما اراده كما يأخذ لفظ الملك و الملكوت والجبروت
وكان النبي ص - يقول في ركوعه وسجوده سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء
والعظمة والجبروت والملكوت فعلوت الجبر والملك كالرحموت والرغبوت والرهبوت
فعلوت من الرحمة والرغبة والرهبة والعرب تقول رهبوت خير من رحموت أي ان
ترهب خير من من ان ترحم
ف الجبروت والملكوت يتضمن من معاني اسماء الله
تعالى وصفاته ما دل عليه معنر الملك الجبار وابو حامد يجعل عالم الملك
عالم الاجسام وعالم الملكوت والجبروت عالم النفس والعقل ومعلوم ان النبي ص -
والمسلمين لم يقصدوا بهذا اللفظ هذا
بل ما يثبته المتفلسفة من العقل
باطل عند المسلمين بل هو من أعظم الكفر فان العقل الاول عندهم مبدع كل ما
سوى الله والعقل العاشر مبدع ما تحت فلك القمر وهذا من اعظم الكفر عند
المسلمين واليهود والنصارى
و العقل في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل
عقلا وهو ايضا غريزة في الانسان فمسماه من باب الاعراض لا من باب الجواهر
القائمة بأنفسها وعند المتفلسفة مسماه من النوع الثاني
والملئكة التي
أخبرت بها الرسل وإن كان بعض من يريد بالجمع بين النبوة والفلسفة يقول إنها
العقول فهذا من أبطل الباطل فبين ما وصف الله به الملئكة في كتابه وبين
العقول التي يثبتها هؤلاء من الفروق ما لا يخفى إلا على من أعمى الله
بصيرته كما قد بسطنا ذلك في موضعه
والحديث الذي يروى أول ما خلق الله
العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال وعزتى ما خلقت خلقا
أكرم على منك فبك
آخذ وبك أعطى وبك الثواب وبك العقاب هو حديث
موضوع باتفاق اهل المعرفة بالحديث كما ذكر ذلك الدارقطني وبين من وضعه
وكذلك ذكر ضعفه ابو حاتم بن حيان والعقيلي وابن الجوزي وغيرهم
ومع هذا
فلفظه اول ما خلق الله العقل قال له فمدلوله انه خاطبه في اول اوقاته خلقه
ليس مدلوله انه اول المخلوقات وفي تمامه انه قال ما خلقت خلقا اكرم على
منك فدل انه خلق قبله غيره وفيه انه مخلوق
وابو حامد يفرق بين عالم
الخلق وعالم الامر فيجعل الأجسام عالم الخلق والنفوس والعقول عالم الامر
وهذا ايضا ليس من دين المسلمين بل كل ما سوى الله مخلوق عند المسلمين والله
تعالى خالق كل شئ
وإذا ادعو ان العقول التي اثبتوها هي الملئكة في
كلام الانبياء فقد ثبت بالنص والاجماع أن الله خلق الملئكة بل خلقهم من
مادة كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أن النبي ص - قال خلق الله الملئكة من
نور وخلق
الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم فبين ان
الملئكة مخلوقون من مادة موجودة قبلهم فأين هذا من قول من ينفى الخلق عنها
ويقول إنها مبتدعة لا مخلوقة او يقول إنها قديمة أزلية لم تكن من مادة اصلا
وهذه الامور مبسوطة في موضع آخر
والمقصود هنا أن كتب أبى حامد وإن
كان يذكر فيها كثيرا من كلامهم الباطل إما بعبارتهم أو بعبارة أخرى فهو في
آخر أمره يبالغ في ذمهم ويبين أن طريقهم متضمنة من الجهل والكفر ما يوجب
ذمها وفسادها أعظم من طريقة المتكلمين ومات وهو مشتغل ب البخاري ومسلم
والمنطق الذي كان يقول فيه ما يقول ما حصل له مقصوده ولا أزال عنه ما كان
فيه من الشك والحيرة بل كان متوقفا حائرا فيما هو من أعظم المطالب العالية
الالهية والمقاصد الساميه الربانية ولم يغن عنه المنطق شيئا
ولكن بسبب
ما وقع منه في أثناء عمره وغير ذلك صار كثير من النظار يدخلون المنطق
اليوناني في علومهم حتى صار من يسلك طريق هؤلاء من المتأخرين يظن انه لا
طريق إلا هذا وأن ما ادعوه من الحد والبرهان هو امر صحيح مسلم عند العقلاء
ولا يعلم انه ما زال العقلاء والفضلاء من المسلمين وغيرهم يعيبون ذلك
ويطعنون فيه وقد صنف نظار المسلمين في ذلك مصنفات متعددة وجمهور المسلمين
يعيبونه عيبا مجملا لما يرونه من آثاره ولوازمه الدالة على ما في اهله مما
يناقض العلم والايمان ويفضى بهم الحال إلى انواع من الجهل والكفر والضلال
والمقصود هنا أن ما يدعونه من توقف كل مطلوب نظري على مقدمتين لا أكثر ليس
كذلك
دعواهم إضمار إحدى المقدمتين في قياس الضمير
وهم يسمون القياس الذي حذفت إحدى مقدمتيه قياس الضمير ويقولون إنها قد تحذف
إما للعلم بها وإما غلطا وإما تغليطا
فيقال إذا كانت معلومة كانت
كغيرها من المقدمات المعلومة وحينئذ فليس إضمار مقدمة بأولى من إضمار ثنتين
وثلاثة وأربعة فان جاز أن يدعى في الدليل الذي لا يحتاج إلا الى مقدمة ان
الاخرى مضمرة محذوفة جاز أن يدعى فيما يحتاج الى ثنتين ان الثالثة محذوفة
وكذلك فيما يحتاج الى ثلاث وليس لذلك حد ومن تدبر هذا وجد الامر كذلك
الركة والعى في كلام اهل المنطق
ولهذا لا يوجد في كلام البلغاء أهل
البيان الذين يقيمون البراهين والحجج اليقينية بأبين العبارات من استعمال
المقدمتين في كلامهم ما يوجد في كلام اهل المنطق بل من سلك طريقهم كان من
المضيقين لطريق العلم عقولا وألسنة ومعانيهم من جنس ألفاظهم تجد فيها من
الركة والعى ما لا يرضاه عاقل
وكان يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف
الاسلام في وقته أعنى الفيلسوف الذي في الاسلام وإلا فليس الفلاسفة من
المسلمين كما قالوا لبعض اعيان القضاة الذين كانوا في زماننا ابن سينا من
فلاسفة الاسلام فقال ليس للاسلام فلاسفة كان يعقوب يقول في أثناء كلامه
لعدم فقد وجود كذا وأنواع هذه الاضافات
ومن وجد في بعض كلامه فصاحة او
بلاغة كما يوجد في بعض كلام ابن سينا وغيره فلما استفاده من المسلمين من
عقولهم وألسنتهم وإلا فلو مشى على طريقة سلفه وأعرض عما تعلمه من المسلمين
لكان عقله ولسانه يشبه عقولهم وألسنتهم
التباس أمر المنطق على طائفة لمالبيان الذين يقيمون البراهين والحجج اليقينية بأبين العبارات من استعمال
المقدمتين في كلامهم ما يوجد في كلام اهل المنطق بل من سلك طريقهم كان من
المضيقين لطريق العلم عقولا وألسنة ومعانيهم من جنس ألفاظهم تجد فيها من
الركة والعى ما لا يرضاه عاقل
وكان يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف
الاسلام في وقته أعنى الفيلسوف الذي في الاسلام وإلا فليس الفلاسفة من
المسلمين كما قالوا لبعض اعيان القضاة الذين كانوا في زماننا ابن سينا من
فلاسفة الاسلام فقال ليس للاسلام فلاسفة كان يعقوب يقول في أثناء كلامه
لعدم فقد وجود كذا وأنواع هذه الاضافات
ومن وجد في بعض كلامه فصاحة او
بلاغة كما يوجد في بعض كلام ابن سينا وغيره فلما استفاده من المسلمين من
عقولهم وألسنتهم وإلا فلو مشى على طريقة سلفه وأعرض عما تعلمه من المسلمين
لكان عقله ولسانه يشبه عقولهم وألسنتهم
يتصوروا حقائقه
وهم أكثر ما ينفقون على من لا يفهم ما يقولونه
ويعظمهم بالجهل والوهم
ويعظمهم بالجهل والوهم
أو يفهم بعض ما يقولونه او اكثره او كله مع عدم
تصوره في تلك الحال لحقيقة ما جاء به الرسول ص - وما يعرف بالعقول السليمة
وما قاله سائر العقلاء مناقضا لما قالوه وهو انما وصل الى منتهى امرهم بعد
كلفة ومشقه واقترن بها حسن الظن فتورط من ضلالهم فيما لا يعلمه إلا الله
ثم إن تداركه الله بعد ذلك كما أصاب كثيرا من الفضلاء الذين احسنوا بهم
الظن ابتداء ثم انكشف لهم من ضلالهم ما أوجب رجوعهم عنهم وتبر اهم منهم بل
وردهم عليهم وإلا بقى في الضلال
وضلالهم في الالهيات ظاهر لاكثر الناس
ولهذا كفرهم فيها نظار المسلمين قاطبة وإنما المنطق التبس الامر فيه على
طائفة لم يتصوروا حقائقه ولوازمه ولم يعرفوا ما قال سائر العقلاء في
تناقضهم فيه
واتفق أن فيه امورا ظاهرة مثل الشكل الاول ولا يعرفون ان
ما فيه من الحق لا يحتاج اليهم فيه بل طولوا فيه الطريق وسلكوا الوعر
والضيق ولم يهتدوا فيه الى ما يفيد التحقيق
وليس المقصود في هذا
المقام بيان ما أخطأوا في إثباته بل ما أخطأوا في نفيه حيث زعموا ان العلم
النظري لا يحصل إلا ببرهانهم وهو من القياس تلازم قياس الشمول
وقياس التمثيل وبيانه بالامثلة
وجعلوا أصناف الحجج ثلاثة القياس
والاستقراء والتمثيل وزعموا ان التمثيل لا يفيد اليقين وإنما يفيده القياس
الذي تكون مادته من القضايا التي ذكروها
وقد بينا في غير هذا الموضع
ان قياس التمثيل وقياس الشمول متلازمان وأن ما حصل بأحدهما من علم او ظن
حصل بالاخر مثله إذا كانت المادة واحدة
والاستقراء والتمثيل وزعموا ان التمثيل لا يفيد اليقين وإنما يفيده القياس
الذي تكون مادته من القضايا التي ذكروها
وقد بينا في غير هذا الموضع
ان قياس التمثيل وقياس الشمول متلازمان وأن ما حصل بأحدهما من علم او ظن
حصل بالاخر مثله إذا كانت المادة واحدة
والاعتبار بمادة العلم لا بصورة
القضية بل إذا كانت المادة يقينية سواء كانت صورتها في صورة قياس التمثيل
او صورة قياس الشمول فهى واحدة وسواء كانت صورة القياس اقترانيا
اواستثنائيا بعبارتهم أو بأي عبارة شئت لا سيما في العبارات التي هي خير من
عباراتهم وأبين في العقل وأوجز في اللفظ والمعنى واحد
وحد هذا في
أظهر الامثلة إذا قلت هذا إنسان وكل إنسان مخلوق او حيوان او حساس او متحرك
بالارادة أو ناطق أو ما شئت من لوازم الانسان فان شئت صورت الدليل على هذه
الصورة وإن شئت قلت هو انسان فهو مخلوق او حساس او حيوان او متحرك كغيره
من الناس لاشتراكهما في الانسانية المستلزمة لهذه الصفات وإن شئت قلت هذا
إنسان والانسانية مستلزمة لهذه الاحكام فهى لازمة له وإن شئت قلت إن كان
أنسانا فهو متصف بهذا الصفات اللازمة للانسان وإن شئت قلت إما ان يتصف بهذه
الصفات وإما ان لا يتصف والثاني باطل فتعين الاول لان هذه لازمة للانسان
لا يتصور وجوده بدونها الاستقراء ليس استدلالا بجزئي على كلي
وأما الاستقراء فانما يكون يقينيا إذا كان استقراء تاما وحينئذ فتكون قد
حكمت على القدر المشترك بما وجدته في جميع الافراد وهذا ليس استدلالا يجزئى
على كلى ولا بخاص على عام بل استدلال بأحد المتلازمين على الاخر فان وجود
ذلك الحكم في كل فرد من أفراد الكلى العام يوجب ان يكون لازما لذلك الكلى
العام
فقولهم إن هذا استدلال بخاص جزئي على عام كلي ليس بحق وكيف ذلك
والدليل لا بد أن يكون ملزوما للمدلول فانه لو جاز وجود الدليل مع عدم
المدلول عليه ولم يكن المدلول لازما له لم يكن إذا علمنا ثبوت ذلك الدليل
نعلم ثبوت
المدلول معه إذا علمنا أنه تارة يكون معه وتارة لا يكون معه
فانا إذا علمنا ذلك ثم قلنا إنه معه دائما كنا قد جمعنا بين النقيضين
وهذا اللزوم الذي نذكره هنا يحصل به الاستدلال بأي وجه حصل اللزوم وكلما
كان اللزوم أقوى وأتم وأظهر كانت الدلالة اقوى واتم وأظهر كالمخلوقات
الدالة على الخالق سبحانه وتعالى فانه ما منها مخلوق إلا وهو ملزوم لخالقه
لا يمكن وجوده بدون وجود خالقه بل ولا بدون علمه وقدرته ومشيئته وحكمته
ورحمته فكل مخلوق دال على ذلك كله
واذا كان المدلول لازما للدليل
فمعلوم ان اللازم إما ان يكون مساويا للملزوم وإما أن يكون أعم منه فالدليل
إما أن يكون مساويا للحكم المدلول في العموم والخصوص وإما أن يكون اخص منه
لا يكون الدليل أعم منه
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
القياس استدلال بكلى على ثبوت كلى آخر لجزئيات ذلك الكلى
تحريم هذا
النبيذ مندرجا في تحريم كل مسكر قال من قال إنه استدلال بالكلى على الجزئي
والتحقيق ان ما ثبت للكلى فقد ثبت لكل واحد من جزئياته والتحريم أعم من
الخمر وهو ثابت لها فهو ثابت لكل فرد فرد من جزئياتها فهو استدلال بكلى على
ثبوت كلى آخر لجزئيات ذلك الكلى وذلك الدليل هو كالجزئي بالنسبة الى ذلك
الكلى الذي هو الحكم وهو كلى بالنسبة الى تلك الجزئيات التي هي المحكوم
عليها
وهذا مما لا يتنازعون فيه فان الدليل ه الحد الاوسط وهو اعم من
الاصغر أو مساو له والاكبر اعم منه او مساو له والاكبر هو الحكم والصفة
والخبر وهو محمول النتيجة والاصغر هو المحكوم عليه الموصوف المبتدأ وهو
موضوع النتيجة قياس التمثيل هو اشتراك الجزئيين في علة الحكم
وأما قولهم في التمثيل إنه استدلال بجزئي على جزئي فان أطلق ذلك وقيل إنه
استدلال بمجرد الجزئي على الجزئي فهو غلط فان قياس التمثيل إنما يدل بحد
اوسط وهو اشتراكهما في علة الحكم أو دليل الحكم مع العلة فانه قياس علة او
قياس دلالةلا تعلم صحة القياس في قياس الشبه
يشتركا في الملزوم ولا فيها كان القياس باطلا قطعا لانه حينئذ تكون العلة
مختصة بالاصل وإن لم يعلم ذلك لم تعلم صحة القياس
وقد يعلم صحة القياس
بانتفاء الفارق بين الاصل والفرع وإن لم يعلم عين العلة ولا دليلها فانه
يلزم من انتفاء الفارق اشتراكهما في الحكم
وإذا كان قياس التمثيل إنما
يكون تاما بانتفاء الفارق وإما بابداء جامع وهو كلى يجمعهما يستلزم الحكم
وكل منهما يمكن تصويره بصورة قياس الشمول وهو يتضمن لزوم الحكم للكلى ولزوم
الكلى لجزئياته وهذا حقيقة قياس الشمول ليس ذلك استدلالا بمجرد ثبوته
لجزئي على ثبوته لجزئي آخر
فأما إذا قيل بما يعلم ان المشترك مستلزم
الحكم قيل مما تعلم القضية الكبرى في القياس فبيان الحد الاوسط هو المشترك
الجامع ولزوم الحد الاكبر له هو لزوم الحكم للجامع المشترك كما قد تقدم
التنبيه على هذا
وقد يستدل بجزئي على جزئي إذا كانا متلازمين أو كان
احدهما ملزوم الاخر من غير عكس فان كان اللزوم عن الذات كانت الدلالة على
الذات وإن كان في صفة او حكم كانت الدلالة على الصفة والحكم
فقد تبين
ما في حصرهم من الخلل وأما تقسيمهم الى الانواع الثلاثة فكلها تعود الى ما
ذكروه في استلزام الدليل للمدلول عود الاقترانى والاستثنائى الى
معنى واحد
وهو مادة الدليل والمادة لا تعلم من صور القياس الذي ذكروه بل من عرف
المادة بحيث يعلم أن هذا مستلزم لهذا علم الدلالة سواء صورت بصورة القياس
أو لم تصور وسواء عبر عنها بعباراتهم او بغيرها بل العبارات التي صقلها
عقول المسلمين وألسنتهم خير من عباراتهم بكثير كثير
والاقترانى كله
يعود الى لزوم هذا لهذا وهذا لهذا كما ذكر وهذا بعينه هو الاستثنائي المؤلف
من المتصل والمنفصل
فان الشرطى المتصل استدلال باللزوم بثبوت الملزوم
الذي هو المقدم وهو الشرط على ثبوت اللازم هو التالي وهو الجزاء او
بانتفاء اللازم وهو التالي الذي هو الجزاء على انتفاء الملزوم هو المقدم
وهو الشرط
وأما الشرطي المنفصل وهو الذي يسميه الاصوليون السبر
والتقسيم وقد تسميه ايضا الجدليون التقسيم والترديد فمضمونه الاستدلال
بثبوت احد النقضين على انتفاء الاخر وبانتفائه على ثبوته أو الإستدلال
بثبوت أحد الضدين على انتفاء الآخر واقسامه اربعة ولهذا كان في مانعة الجمع
والخلو الاستثناءات الاربعة وهو أنه إن ثبت هذا انتفى نقيضه وكذلك الآخر
وإن انتفى هذا ثبت نقيضه وكذلك الاخر
ومانعة الجمع الاستدلال بثبوت
احد الضدين على انتفاء الاخر والامران متنافيان
ومانعة الخلو فيها
تناقض ولزوم والنقيضان لا يرتفعان فمنعت الخلو منهما ولكن جزاءها وجود شئ
وعدم آخر ليس هو وجود الشئ وعدمه ووجود شئ وعدم آخر قد يكون أحدهما لازما
للاخر وإن كانا لا يرتفعان لان ارتفاعهما يقتضى ارتفاع وجود شئ وعدمه معا مدار
الاستدلال على مادة العلم لا على صورة القياس
يزل في فكره فاحتجنا ان ننظر في هذه الالة هل
هي كما قالوا او ليس الامر كذلك تزييف القول بأن هذه علوم قد
صقلتها الاذهان الخ
الثالث إن
دين عباد الاصنام اقدم من فلسفتهم وقد دخل فيه من الطوائف اعظم ممن دخل في
فلسفتهم وكذلك دين اليهود المبدل أقدم من فلسفة أرسطو ودين النصارى المبدل
قريب من زمن ارسطو فان ارسطو كان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة فانه كان
في زمن الاسكندر بن فيلبس الذي يؤرخ به تاريخ الروم الذي يستعمله اليهود
والنصارى
الرابع أن يقال فهب ان الامر كذلك فهذه العلوم عقلية محضة
ليس فيها تقليد لقائل وإنما تعلم بمجرد العقل فلا يجوز ان تصحح بالنقل بل
ولا يتكلم فيها إلا بالمعقول المجرد فاذا دل المعقول الصريح على بطلان
الباطل منها لم يجز رده فان أهلها لم يدعوا انها مأخوذة عمن يجب تصديقه بل
عن عقل محض فيجب التحاكم فيها الى موجب العقل الصريح فصل
والناقص كالحكم على الحيوان ب انه إذا أكل تحرك فكه
الاسفل عند المضغ لوجود ذلك في أكثر جزئياته ولعله فيما لم يستقرا على
خلافه كالتمساح والاول ينتفع به في اليقينيات بخلاف الثاني وإن كان منتفعا
به في الجدليات
وأما قياس التمثيل فهو الحكم على شئ بما حكم به على
غيره بناء على جامع مشترك بينهما كقولهم العالم موجود فكان قديما كالباري
او هو جسم فكان محدثا كالانسان وهو مشتمل على فرع واصل وعلة وحكم فالفرع ما
هو مثل العالم في هذا المثال والاصل ما هو مثل الباري او الانسان والعلة
الموجود او الجسم والحكم القديم او المحدث
قالوا ويفارق الاستقراء من
جهة ان المحكوم عليه فيه قد يكون جزئيا والمحكوم عليه في الاستقراء لا يكون
إلا كليا إشكالات أوردها نظار المسلمين على قياس التمثيل
قالوا وهو غير مفيد لليقين فانه ليس من ضرورة اشتراك امرين فيما يعمهما
اشتراكهما فيما حكم به على احدهما إلا ان يبين أن ما به الاشتراك علة لذلك
الحكم وكل ما يدل عليه فظنى فان المساعد على ذلك في العقليات عند القائلين
به لا يخرج عن الطرد والعكس والسبر والتقسيم
أما الطرد والعكس فلا
معنى له غير تلازم الحكم والعلة وجودا وعدما ولا بد في ذلك من الاستقراء
ولا سبيل الى دعواه في الفرع إذ هو غير المطلوب فيكون الاسقراء ناقصا لا
سيما ويجوز ان تكون علة الحكم في الاصل مركبة من أوصاف المشترك ومن غيرها
ويكون وجودها في الاوصاف متحققا فيها فاذا وجد المشترك في الاصل ثبت الحكم
لكمال علته وعند انتفائه فينتفى لنقضان العلة وعند ذلك فلا يلزم من وجود
المشترك في الفرع ثبوت الحكم لجواز تخلف باقي الاوصاف أو بعضها
وأما
السبر والتقسيم فحاصله يرجع الى دعوى حصر اوصاف الاصل في جملة معينة وابطال
كل ما عدى المستبقى وهو ايضا غير يقيني لجواز ان يكون الحكم ثابتا في
الاصل لذات الاصل لا لخارج والا لزم التسلسل وان ثبت لخارج فمن الجائز ان
يكون لغيرها ابدا وان لم يطلع عليه البحث عنه وليس الامر كذلك في العاديات
فانا لا نشك مع سلامة البصر وارتفاع الموانع في عدم بحر من زئبق وجبل من
ذهب بين ايدينا ونحن لا نشاهده وان كان منحصرا فمن الجائز ان يكون معللا
بالمجموع او بالبعض الذي لا تحقق له في الفرع وثبوت الحكم مع المشترك في
صورة مع تحلف غيره من الاوصاف المقارنة له في الاصل مما لا يوجب استقلاله
بالتعليل لجواز ان يكون في تلك معلالا بعلة اخرى ولا امتناع فيه وان كان لا
علة له سواه فجائز ان يكون علة لخصوصه لا لعمومه وان بين ان ذلك الوصف
يلزمه لعموم ذاته الحكم فمع بعده يستغنى عن التمثل
قالوا والفراسة
البدنية هي عين التمثيل غير ان الجامع فيها بين الاصل والفرع دليل العلة لا
نفسها وهو المسمى في عرف الفقهاء ب قياس الدلالة فانها استدلال بمعلول
العلة على ثبوتها ثم الاستدلال بثبوتها على معلولها الاخر اذ مبناها على ان
المزاج علة لخلق باطن وخلق ظاهر فيستدل بالخلق الظاهر على المزاج ثم
بالمزاج على الخلق الباطن كالاستدلال ب عرض الاعلى على الشجاعة بناء على
كونهما معلولي مزاج واحد كما يوجد مثل ذلك في الاسد
ثم اثبات العلة في
الاصل لا بد فيها من الدوران او التقسيم كما تقدم وان قدر ان علة الحكمين
في الاصل واحدة فلا مانع من ثبوت احدهما في الفرع بغير علة الاصل وعند ذلك
فلا يلزم الحكم الاخر
هذا كلامهم على ما حرره لهم نظار المسلمين الذين
اوردوا على قياس التمثيل هذه الاشكالات والا فكلام ائمتهم في قياس التمثيل
ليس فيه هذا التحرير الذي
حرره لهم نظار المسلمين رد
المنصف اشكالاتهم على قياس التمثيل
المشترك لم يكن ذكر الاصل محتاجا اليه
والقياس لا يخلو اما
ان يكون ب ابداء الجامع او ب الغاء الفارق والجامع اما العلة واما دليلها
واما القياس بالغاء الفارق فهنا الغاء الفارق هو الحد الاوسط
فاذا قيل
هذا مساو لهذا ومساوي المساوي مساو كانت المساواة هى الحد الاوسط وإلغاء
الفارق عبارة عن المساواة فاذا قيل لا فرق بين الفرع والاصل إلا كذا وهو
مهدر فهو بمنزلة قولك هذا مساو لهذا وحكم المساوى حكم مساويه
وأما
قولهم كل ما يدل على ان ما به الاشتراك علة للحكم فظنى فيقال لا نسلم فان
هذه دعوى كلية ولم تقيموا عليها دليلا ثم نقول الذي يدل به على عليه
المشترك هو الذي يدل به على صدق القضية الكبرى وكل ما يدل به على صدق
الكبرى في قياس الشمول يدل به على علية المشترك في قياس الثمثيل سواء كان
علميا او ظنيا فان الجامع المشترك في التمثيل هو الحد الاوسط ولزوم الحكم
له هو لزوم الاكبر للاوسط ولزوم الاوسط للاصغر هو لزوم الجامع المشترك
للاصغر وهو ثبوت العلة في الفرع
فاذا كان الوصف المشترك وهو المسمى ب
الجامع والعلة أو دليل العلة او المناط او ما كان من الاسماء إذا كان ذلك
الوصف ثابتا في الفرع لازما له كان ذلك موجبا لصدق المقدمة الصغرى وإذا كان
الحكم ثابتا للوصف لازما له كان ذلك موجبا لصدق المقدمة الكبرى وذكر الاصل
يتوصل به الى إثبات إحدى المقدمتين
فان كان القياس ب إلغاء الفارق
فلا بد من الاصل المعين فان المشترك هو المساواة بينهما وتماثلهما وهو
إلغاء الفارق وهو الحد الاوسط وإن كان
القياس ب إبداء العلة فقد
يستغنى عن ذكر الاصل إذا كان الاستدلال على علية الوصف لا يفتقر اليه وأما
إذا احتاج إثبات علية الوصف اليه فيذكر الاصل لانه من تمام ما يدل على علية
المشترك وهو الحد الاكبر
وهؤلاء الذين فرقوا بين قياس التمثيل و قيلس
الشمول اخذوا يظهرون كون احدهما ظنيا في مواد معينة وتلك المواد التي لا
تفيد الا الظن في قياس التمثيل لا تفيد الا الظن في قياس الشمول والا فاذا
اخذوه فيما يستفاد به اليقين من قياس الشمول افاد اليقين في قياس التمثيل
ايضا وكان ظهور اليقين به هناك اتم
فاذا قيل في قياس الشمول كل انسان
حيوان وكل حيوان جسم فكل انسان جسم كان الحيوان هو الحد الاوسط وهو المشترك
في قياس التمثيل بأن يقال الانسان جسم قياسا على الفرس وغيره من الحيوانات
فان كون تلك الحيوانات حيوانا هو مستلزم لكونها اجساما سواء كان علة او
دليل العلة والحيوانية موجودة في الانسان فيكون جسما
واذا نوزع في
علية الحكم في الاصل فقيل له لا نسلم ان الحيوانية تستلزم الجسمية كان هذا
نزاعا في قوله كل حيوان جسم وذلك ان المشترك بين الاصل والفرع اذا سمى علة
فانما يراد به ما يستلزم الحكم سواء كان هو العلة الموجبة لوجوده في الخارج
او كان مستلزما لذلك يسمى الاول قياس علة والثاني قياس دلالة
ومن
الناس من يسمى الجميع علة لا سيما من يقول ان العلة انما يراد بها المعرف
وهو الامارة والعلامة والدليل لا يراد بها الباعث والداعي
ومن قال انه
قد يراد بها الداعي وهو الباعث وهذا قول ائمة الفقهاء وجمهور المسلمين
فانه يقول ذلك في علل الافعال واما غير الافعال فقد تفسر العلة فيها ب
الوصف المستلزم كاستلزام الانسانية ل الحيوانية والحيوانية
ل
الجسمية وإن لم يكن أحد الوصفين هو المؤثر في الاخر
عل أنا قد بينا في
غير هذا الموضع أن ما به يعلم كون الحيوان جسما به يعلم ان الانسان جسم
حيث بينا ان قياس الشمول الذي يذكرونه قليل الفائدة أو عديمها وأن ما به
يعلم صدق الكبرى في العقليات به يعلم صدق أفرادها التي منها الصغرى بل
وبذلك يعلم صدق النتيجة كما في قول القائل الكل أعظم من الجزء والاشياء
المساوية لشئ واحد متساوية والضدان لا يجتمعان والنقيضان لا يجتمعان ولا
يرتفعان حقيقة توحيد الفلاسفة
وإذا
قالوا في القياس يستدل بالكلى على الجزئي فليس الجزئي هو الحكم المدلول
عليه إنما الجزئي هو الموصوف المخبر عنه محل الحكم فهذا قد يكون أخص من
الدليل وقد يكون مساويا له بخلاف الحكم الذي هو صفة هذا وحكمه الذي اخبر به
عنه فانه لا يكون إلا اعم من الدليل او مساويا له فان ذلك هو المدلول
اللازم للدليل والدليل هو لازم المخبر عنه الموصوف
فاذا قيل النبيذ
حرام لانه خمر كونه خمرا هو الدليل وهو لازم للنبيذ والتحريم لازم للخمر
والقياس المؤلف من المقدمتين إذا قلت النبيذ المتنازع فيه مسكر او خمر وكل
مسكر او كل خمر حرام فأنت لم تستدل ب المسكر او الخمر الذي هو كلى على نفس
محل النزاع الذي هو اخص من الخمر وهو النبيذ فليس هو استدلالا بذلك الكلى
عل هذا الجزئي بل استدللت به على تحريم هذا النبيذ فلما كان
قالوا في القياس يستدل بالكلى على الجزئي فليس الجزئي هو الحكم المدلول
عليه إنما الجزئي هو الموصوف المخبر عنه محل الحكم فهذا قد يكون أخص من
الدليل وقد يكون مساويا له بخلاف الحكم الذي هو صفة هذا وحكمه الذي اخبر به
عنه فانه لا يكون إلا اعم من الدليل او مساويا له فان ذلك هو المدلول
اللازم للدليل والدليل هو لازم المخبر عنه الموصوف
فاذا قيل النبيذ
حرام لانه خمر كونه خمرا هو الدليل وهو لازم للنبيذ والتحريم لازم للخمر
والقياس المؤلف من المقدمتين إذا قلت النبيذ المتنازع فيه مسكر او خمر وكل
مسكر او كل خمر حرام فأنت لم تستدل ب المسكر او الخمر الذي هو كلى على نفس
محل النزاع الذي هو اخص من الخمر وهو النبيذ فليس هو استدلالا بذلك الكلى
عل هذا الجزئي بل استدللت به على تحريم هذا النبيذ فلما كان
تحريم هذا
النبيذ مندرجا في تحريم كل مسكر قال من قال إنه استدلال بالكلى على الجزئي
والتحقيق ان ما ثبت للكلى فقد ثبت لكل واحد من جزئياته والتحريم أعم من
الخمر وهو ثابت لها فهو ثابت لكل فرد فرد من جزئياتها فهو استدلال بكلى على
ثبوت كلى آخر لجزئيات ذلك الكلى وذلك الدليل هو كالجزئي بالنسبة الى ذلك
الكلى الذي هو الحكم وهو كلى بالنسبة الى تلك الجزئيات التي هي المحكوم
عليها
وهذا مما لا يتنازعون فيه فان الدليل ه الحد الاوسط وهو اعم من
الاصغر أو مساو له والاكبر اعم منه او مساو له والاكبر هو الحكم والصفة
والخبر وهو محمول النتيجة والاصغر هو المحكوم عليه الموصوف المبتدأ وهو
موضوع النتيجة قياس التمثيل هو اشتراك الجزئيين في علة الحكم
وأما قولهم في التمثيل إنه استدلال بجزئي على جزئي فان أطلق ذلك وقيل إنه
استدلال بمجرد الجزئي على الجزئي فهو غلط فان قياس التمثيل إنما يدل بحد
اوسط وهو اشتراكهما في علة الحكم أو دليل الحكم مع العلة فانه قياس علة او
قياس دلالة
وأما قياس الشبة
فاذا قيل به لم يخرج عن أحدهما فان الجامع المشترك بين الاصل والفرع إما أن
يكون هو العلة او ما يستلزم العلة وما استلزمها فهو دليلها وإذا كان
الجامع لا علة ولا ما يستلزم العلة لم يكن الاشتراك فيه مقتضيا للاشتراك في
الحكم بل كان المشترك قد يكون معه العلة وقد لا يكون فلا يعلم حينئذ أن
علة الاصل موجودة في الفرع فلا يعلم صحة القياس بل لا يكن صحيحا إلا إذا
اشتركا فيها ونحن لا نعلم الاشتراك فيها إلا إذا علمنا اشتراكهما فيها او
في ملزومها فان ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم فاذا قدرنا انهما لم
فاذا قيل به لم يخرج عن أحدهما فان الجامع المشترك بين الاصل والفرع إما أن
يكون هو العلة او ما يستلزم العلة وما استلزمها فهو دليلها وإذا كان
الجامع لا علة ولا ما يستلزم العلة لم يكن الاشتراك فيه مقتضيا للاشتراك في
الحكم بل كان المشترك قد يكون معه العلة وقد لا يكون فلا يعلم حينئذ أن
علة الاصل موجودة في الفرع فلا يعلم صحة القياس بل لا يكن صحيحا إلا إذا
اشتركا فيها ونحن لا نعلم الاشتراك فيها إلا إذا علمنا اشتراكهما فيها او
في ملزومها فان ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم فاذا قدرنا انهما لم
يشتركا في الملزوم ولا فيها كان القياس باطلا قطعا لانه حينئذ تكون العلة
مختصة بالاصل وإن لم يعلم ذلك لم تعلم صحة القياس
وقد يعلم صحة القياس
بانتفاء الفارق بين الاصل والفرع وإن لم يعلم عين العلة ولا دليلها فانه
يلزم من انتفاء الفارق اشتراكهما في الحكم
وإذا كان قياس التمثيل إنما
يكون تاما بانتفاء الفارق وإما بابداء جامع وهو كلى يجمعهما يستلزم الحكم
وكل منهما يمكن تصويره بصورة قياس الشمول وهو يتضمن لزوم الحكم للكلى ولزوم
الكلى لجزئياته وهذا حقيقة قياس الشمول ليس ذلك استدلالا بمجرد ثبوته
لجزئي على ثبوته لجزئي آخر
فأما إذا قيل بما يعلم ان المشترك مستلزم
الحكم قيل مما تعلم القضية الكبرى في القياس فبيان الحد الاوسط هو المشترك
الجامع ولزوم الحد الاكبر له هو لزوم الحكم للجامع المشترك كما قد تقدم
التنبيه على هذا
وقد يستدل بجزئي على جزئي إذا كانا متلازمين أو كان
احدهما ملزوم الاخر من غير عكس فان كان اللزوم عن الذات كانت الدلالة على
الذات وإن كان في صفة او حكم كانت الدلالة على الصفة والحكم
فقد تبين
ما في حصرهم من الخلل وأما تقسيمهم الى الانواع الثلاثة فكلها تعود الى ما
ذكروه في استلزام الدليل للمدلول عود الاقترانى والاستثنائى الى
معنى واحد
وما ذكروه في الاقترانى يمكن تصويره بصورة الاستثنائي وكذلك
الاستثنائي يمكن تصويره بصورة الاقتراني فيعود الامر الى معنى واحد
الاستثنائي يمكن تصويره بصورة الاقتراني فيعود الامر الى معنى واحد
وهو مادة الدليل والمادة لا تعلم من صور القياس الذي ذكروه بل من عرف
المادة بحيث يعلم أن هذا مستلزم لهذا علم الدلالة سواء صورت بصورة القياس
أو لم تصور وسواء عبر عنها بعباراتهم او بغيرها بل العبارات التي صقلها
عقول المسلمين وألسنتهم خير من عباراتهم بكثير كثير
والاقترانى كله
يعود الى لزوم هذا لهذا وهذا لهذا كما ذكر وهذا بعينه هو الاستثنائي المؤلف
من المتصل والمنفصل
فان الشرطى المتصل استدلال باللزوم بثبوت الملزوم
الذي هو المقدم وهو الشرط على ثبوت اللازم هو التالي وهو الجزاء او
بانتفاء اللازم وهو التالي الذي هو الجزاء على انتفاء الملزوم هو المقدم
وهو الشرط
وأما الشرطي المنفصل وهو الذي يسميه الاصوليون السبر
والتقسيم وقد تسميه ايضا الجدليون التقسيم والترديد فمضمونه الاستدلال
بثبوت احد النقضين على انتفاء الاخر وبانتفائه على ثبوته أو الإستدلال
بثبوت أحد الضدين على انتفاء الآخر واقسامه اربعة ولهذا كان في مانعة الجمع
والخلو الاستثناءات الاربعة وهو أنه إن ثبت هذا انتفى نقيضه وكذلك الآخر
وإن انتفى هذا ثبت نقيضه وكذلك الاخر
ومانعة الجمع الاستدلال بثبوت
احد الضدين على انتفاء الاخر والامران متنافيان
ومانعة الخلو فيها
تناقض ولزوم والنقيضان لا يرتفعان فمنعت الخلو منهما ولكن جزاءها وجود شئ
وعدم آخر ليس هو وجود الشئ وعدمه ووجود شئ وعدم آخر قد يكون أحدهما لازما
للاخر وإن كانا لا يرتفعان لان ارتفاعهما يقتضى ارتفاع وجود شئ وعدمه معا مدار
الاستدلال على مادة العلم لا على صورة القياس
وبالجملة ما من شئ إلا
وله لازم لا يوجد بدونه وله مناف مضاد لوجوده فيستدل عليه بثبوت ملزومه
وعلى انتفائه بانتفاء لازمه
ويستدل على انتفائه بوجود منافيه ويستدل
بانتفاء منافيه على وجوده إذا انحصر الامر فيهما فلم يمكن عدمهما جميعا كما
لم يمكن وجودهما جمعيا
وهذا الاستدلال يحصل من العلم بأحوال الشئ
وملزومها ولوازمها وإذا تصورته الفطرة عبرت عنه بأنواع من العبارات وصورته
في أنواع من صور الادلة لا يختص شيء من ذلك بالصورة التي ذكروها في القياس
فضلا عما سموه البرهان فان البرهان شرطوا له مادة معينة وهي القضايا التي
ذكروها واخرجوا من الاوليات ما سموه وهميات وما سموه مشهورات وحكم الفطرة
بهما لا سيما بما سموه وهميات اعظم من حكمها بكثير من اليقينيات التي
جعلوها مواد البرهان
وقد بسطت القول على هذا وبينت كلامهم في ذلك
وتناقضهم وأن ما اخرجوه يخرج به ما ينال به اشرف العلوم من العلوم النطرية
والعلوم العملية ولا يبقى بأيديهم إلا امور مقدرة في الاذهان لا حقيقة لها
في الاعيان ولولا ان هذا الموضع لا يتسع لحكاية الفاظهم في هذا وما أوردته
عليهم لذكرته فقد ذكرت ذلك كله في مواضعه من العلوم الكلية والالهية فانها
هي المطوبة
والكلام في المنطق إنما وقع لما زعموا انه آلة قانونية
تعصم مراعاتها الذهن أن
وله لازم لا يوجد بدونه وله مناف مضاد لوجوده فيستدل عليه بثبوت ملزومه
وعلى انتفائه بانتفاء لازمه
ويستدل على انتفائه بوجود منافيه ويستدل
بانتفاء منافيه على وجوده إذا انحصر الامر فيهما فلم يمكن عدمهما جميعا كما
لم يمكن وجودهما جمعيا
وهذا الاستدلال يحصل من العلم بأحوال الشئ
وملزومها ولوازمها وإذا تصورته الفطرة عبرت عنه بأنواع من العبارات وصورته
في أنواع من صور الادلة لا يختص شيء من ذلك بالصورة التي ذكروها في القياس
فضلا عما سموه البرهان فان البرهان شرطوا له مادة معينة وهي القضايا التي
ذكروها واخرجوا من الاوليات ما سموه وهميات وما سموه مشهورات وحكم الفطرة
بهما لا سيما بما سموه وهميات اعظم من حكمها بكثير من اليقينيات التي
جعلوها مواد البرهان
وقد بسطت القول على هذا وبينت كلامهم في ذلك
وتناقضهم وأن ما اخرجوه يخرج به ما ينال به اشرف العلوم من العلوم النطرية
والعلوم العملية ولا يبقى بأيديهم إلا امور مقدرة في الاذهان لا حقيقة لها
في الاعيان ولولا ان هذا الموضع لا يتسع لحكاية الفاظهم في هذا وما أوردته
عليهم لذكرته فقد ذكرت ذلك كله في مواضعه من العلوم الكلية والالهية فانها
هي المطوبة
والكلام في المنطق إنما وقع لما زعموا انه آلة قانونية
تعصم مراعاتها الذهن أن
يزل في فكره فاحتجنا ان ننظر في هذه الالة هل
هي كما قالوا او ليس الامر كذلك تزييف القول بأن هذه علوم قد
صقلتها الاذهان الخ
ومن شيوخهم من إذا بين له من فساد اقولهم ما يتبين
به ضلالهم وعجز عن دفع ذلك يقول هذه علوم قد صقلتها الاذهان اكثر من الف
سنة وقبلها الفضلاء فيقال له عن هذا أجوبة
أحدها إنه ليس الامر كذلك
فما زال العقلاء الذين هم افضل من هؤلاء ينكرون عليهم ويبينون خطأهم
وضلالهم
فأما القدماء فالنزاع بينهم كثير معروف وفي كتب اخبارهم
ومقالاتهم من ذلك ما ليس هذا موضع ذكره
وأما ايام الاسلام فان كلام
نظار المسلمين في بيان فساد ما افسدوه من اصولهم المنطقية والالهية بل
والطبيعية بل والرياضية كثير قد صنف فيه كل طائفة من طوائف نظار المسلمين
حتى الرافضة
وأما شهادة سائر العلماء وطوائف أهل الايمان بضلالهم
وكفرهم فهذا البيان عام لا يدفعه إلا معاند والمؤمنون شهداء الله في الارض
فاذا كان اعيان الاذكياء الفضلاء من الطوائف وسائر اهل العلم والايمان
معلنين بتخطئتهم وتضليلهم إما جملة وإما تفصيلا امتنع ان كون العقلاء قاطبة
تلقوا كلامهم بالقبول
الوجه الثاني إن هذا ليس بحجة فان الفلسفة التي
كانت قبل أرسطو وتلقاها من قبلة بالقبول طعن ارسطو في كثير منها وبين
خطأهم وابن سينا وأتباعه خالفوا القدماء في طائفة من اقاويلهم المنطقية
وغيرها وبينوا خطأهم ورد الفلاسفة بعضهم على بعض أكثر من رد كل طائفة بعضهم
على بعض وأبو البركات وأمثاله قد ردوا على أرسطو ما شاء الله لأنهم يقولون
إنما قصدنا الحق ليس قصدنا التعصب لقائل معين ولا لقول معين
به ضلالهم وعجز عن دفع ذلك يقول هذه علوم قد صقلتها الاذهان اكثر من الف
سنة وقبلها الفضلاء فيقال له عن هذا أجوبة
أحدها إنه ليس الامر كذلك
فما زال العقلاء الذين هم افضل من هؤلاء ينكرون عليهم ويبينون خطأهم
وضلالهم
فأما القدماء فالنزاع بينهم كثير معروف وفي كتب اخبارهم
ومقالاتهم من ذلك ما ليس هذا موضع ذكره
وأما ايام الاسلام فان كلام
نظار المسلمين في بيان فساد ما افسدوه من اصولهم المنطقية والالهية بل
والطبيعية بل والرياضية كثير قد صنف فيه كل طائفة من طوائف نظار المسلمين
حتى الرافضة
وأما شهادة سائر العلماء وطوائف أهل الايمان بضلالهم
وكفرهم فهذا البيان عام لا يدفعه إلا معاند والمؤمنون شهداء الله في الارض
فاذا كان اعيان الاذكياء الفضلاء من الطوائف وسائر اهل العلم والايمان
معلنين بتخطئتهم وتضليلهم إما جملة وإما تفصيلا امتنع ان كون العقلاء قاطبة
تلقوا كلامهم بالقبول
الوجه الثاني إن هذا ليس بحجة فان الفلسفة التي
كانت قبل أرسطو وتلقاها من قبلة بالقبول طعن ارسطو في كثير منها وبين
خطأهم وابن سينا وأتباعه خالفوا القدماء في طائفة من اقاويلهم المنطقية
وغيرها وبينوا خطأهم ورد الفلاسفة بعضهم على بعض أكثر من رد كل طائفة بعضهم
على بعض وأبو البركات وأمثاله قد ردوا على أرسطو ما شاء الله لأنهم يقولون
إنما قصدنا الحق ليس قصدنا التعصب لقائل معين ولا لقول معين
الثالث إن
دين عباد الاصنام اقدم من فلسفتهم وقد دخل فيه من الطوائف اعظم ممن دخل في
فلسفتهم وكذلك دين اليهود المبدل أقدم من فلسفة أرسطو ودين النصارى المبدل
قريب من زمن ارسطو فان ارسطو كان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة فانه كان
في زمن الاسكندر بن فيلبس الذي يؤرخ به تاريخ الروم الذي يستعمله اليهود
والنصارى
الرابع أن يقال فهب ان الامر كذلك فهذه العلوم عقلية محضة
ليس فيها تقليد لقائل وإنما تعلم بمجرد العقل فلا يجوز ان تصحح بالنقل بل
ولا يتكلم فيها إلا بالمعقول المجرد فاذا دل المعقول الصريح على بطلان
الباطل منها لم يجز رده فان أهلها لم يدعوا انها مأخوذة عمن يجب تصديقه بل
عن عقل محض فيجب التحاكم فيها الى موجب العقل الصريح فصل
قياس
التمثيل لا يفيد إلا الظن عند المناطقة بخلاف الاستقراء
وقد احتجوا
بما ذكروه من أن الاستقراء دون القياس الذي هو قياس الشمول وأن قياس
التمثيل دون الاستقراء فقالوا إن قياس التمثيل لا يفيد إلا الظن وإن
المحكوم عليه قد يكون جزئيا بخلاف الاستقرا ء فانه قد يفيد اليقين والمحكوم
عليه لا يكون إلا كليا
قالوا وذلك ان الاستقراء هو الحكم على كلى بما
تحقق في جزئياته فان كان في جميع الجزئيات كان الاستقراء تاما كالحكم على
المتحرك ب الجسمية لكونها محكوما بها على جميع جزئيات المتحرك من الحيوان
والجماد والنبات
التمثيل لا يفيد إلا الظن عند المناطقة بخلاف الاستقراء
وقد احتجوا
بما ذكروه من أن الاستقراء دون القياس الذي هو قياس الشمول وأن قياس
التمثيل دون الاستقراء فقالوا إن قياس التمثيل لا يفيد إلا الظن وإن
المحكوم عليه قد يكون جزئيا بخلاف الاستقرا ء فانه قد يفيد اليقين والمحكوم
عليه لا يكون إلا كليا
قالوا وذلك ان الاستقراء هو الحكم على كلى بما
تحقق في جزئياته فان كان في جميع الجزئيات كان الاستقراء تاما كالحكم على
المتحرك ب الجسمية لكونها محكوما بها على جميع جزئيات المتحرك من الحيوان
والجماد والنبات
والناقص كالحكم على الحيوان ب انه إذا أكل تحرك فكه
الاسفل عند المضغ لوجود ذلك في أكثر جزئياته ولعله فيما لم يستقرا على
خلافه كالتمساح والاول ينتفع به في اليقينيات بخلاف الثاني وإن كان منتفعا
به في الجدليات
وأما قياس التمثيل فهو الحكم على شئ بما حكم به على
غيره بناء على جامع مشترك بينهما كقولهم العالم موجود فكان قديما كالباري
او هو جسم فكان محدثا كالانسان وهو مشتمل على فرع واصل وعلة وحكم فالفرع ما
هو مثل العالم في هذا المثال والاصل ما هو مثل الباري او الانسان والعلة
الموجود او الجسم والحكم القديم او المحدث
قالوا ويفارق الاستقراء من
جهة ان المحكوم عليه فيه قد يكون جزئيا والمحكوم عليه في الاستقراء لا يكون
إلا كليا إشكالات أوردها نظار المسلمين على قياس التمثيل
قالوا وهو غير مفيد لليقين فانه ليس من ضرورة اشتراك امرين فيما يعمهما
اشتراكهما فيما حكم به على احدهما إلا ان يبين أن ما به الاشتراك علة لذلك
الحكم وكل ما يدل عليه فظنى فان المساعد على ذلك في العقليات عند القائلين
به لا يخرج عن الطرد والعكس والسبر والتقسيم
أما الطرد والعكس فلا
معنى له غير تلازم الحكم والعلة وجودا وعدما ولا بد في ذلك من الاستقراء
ولا سبيل الى دعواه في الفرع إذ هو غير المطلوب فيكون الاسقراء ناقصا لا
سيما ويجوز ان تكون علة الحكم في الاصل مركبة من أوصاف المشترك ومن غيرها
ويكون وجودها في الاوصاف متحققا فيها فاذا وجد المشترك في الاصل ثبت الحكم
لكمال علته وعند انتفائه فينتفى لنقضان العلة وعند ذلك فلا يلزم من وجود
المشترك في الفرع ثبوت الحكم لجواز تخلف باقي الاوصاف أو بعضها
وأما
السبر والتقسيم فحاصله يرجع الى دعوى حصر اوصاف الاصل في جملة معينة وابطال
كل ما عدى المستبقى وهو ايضا غير يقيني لجواز ان يكون الحكم ثابتا في
الاصل لذات الاصل لا لخارج والا لزم التسلسل وان ثبت لخارج فمن الجائز ان
يكون لغيرها ابدا وان لم يطلع عليه البحث عنه وليس الامر كذلك في العاديات
فانا لا نشك مع سلامة البصر وارتفاع الموانع في عدم بحر من زئبق وجبل من
ذهب بين ايدينا ونحن لا نشاهده وان كان منحصرا فمن الجائز ان يكون معللا
بالمجموع او بالبعض الذي لا تحقق له في الفرع وثبوت الحكم مع المشترك في
صورة مع تحلف غيره من الاوصاف المقارنة له في الاصل مما لا يوجب استقلاله
بالتعليل لجواز ان يكون في تلك معلالا بعلة اخرى ولا امتناع فيه وان كان لا
علة له سواه فجائز ان يكون علة لخصوصه لا لعمومه وان بين ان ذلك الوصف
يلزمه لعموم ذاته الحكم فمع بعده يستغنى عن التمثل
قالوا والفراسة
البدنية هي عين التمثيل غير ان الجامع فيها بين الاصل والفرع دليل العلة لا
نفسها وهو المسمى في عرف الفقهاء ب قياس الدلالة فانها استدلال بمعلول
العلة على ثبوتها ثم الاستدلال بثبوتها على معلولها الاخر اذ مبناها على ان
المزاج علة لخلق باطن وخلق ظاهر فيستدل بالخلق الظاهر على المزاج ثم
بالمزاج على الخلق الباطن كالاستدلال ب عرض الاعلى على الشجاعة بناء على
كونهما معلولي مزاج واحد كما يوجد مثل ذلك في الاسد
ثم اثبات العلة في
الاصل لا بد فيها من الدوران او التقسيم كما تقدم وان قدر ان علة الحكمين
في الاصل واحدة فلا مانع من ثبوت احدهما في الفرع بغير علة الاصل وعند ذلك
فلا يلزم الحكم الاخر
هذا كلامهم على ما حرره لهم نظار المسلمين الذين
اوردوا على قياس التمثيل هذه الاشكالات والا فكلام ائمتهم في قياس التمثيل
ليس فيه هذا التحرير الذي
حرره لهم نظار المسلمين رد
المنصف اشكالاتهم على قياس التمثيل
فيقال تفريقهم بين قياس المشمول
وقياس التمثيل بأن الاول قد يفيد اليقين والثاني لا يفيد الا الظن فرق باطل
بل حيث افاد احدهما اليقين افاد الاخر اليقين وحيث لا يفيد احدهما الا
الظن لا يفيد الاخر الا الظن فان افادة الدليل لليقين او الظن ليس لكونه عل
صورة احدهما دون الاخر بل باعتبار تضمن احدهما لما يفيد اليقين فان كان
احدهما اشتمل على امر مستلزم للحكم يقينا حصل به اليقين وان لم يشتمل الا
على ما يفيد الحكم ظنا لم يفد الا الظن
والذي يسمى في احدهما حدا اوسط
هو في الاخر الوصف المشترك والقضية الكبرى المتضمنة لزوم الحد الاكبر
للاوسط هو بيان تأثير الوصف المشترك بين الاصل والفرع فما به يتبين صدق
القضية الكبرى به يتبين ان الجامع المشترك مستلزم للحكم فلزوم الاكبر
للاوسط هو لزوم الحكم للمشترك
فاذا قلت النبيذ حرام قياسا على الخمر
لان الخمر انما حرمت لكونها مسكرة وهذا الوصف موجود في النبيذ كان بمنزلة
قولك كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام فالنتيجة قولك النبيذ حرام و النبيذ هو
موضوعها وهو الحد الاصغر والحرام محمولها وهو الحد الاكبر والمسكر هو
المتوسط بين الموضوع والمحمول وهو الحد الاوسط المحمول في الصغرى الموضوع
في الكبرى
فاذا قلت النبيذ حرام قياسا على خمر العنب لان العلة في
الاصل هو الاسكار وهو موجود في الفرع فثبت التحريم لوجود علته فانما
استدللت على تحريم النبيذ ب المسكر وهو الحد الاوسط لكن زدت في قياس
التمثيل ذكر الاصل الذي ضربته مثلا للفرع وهذا لان شعور النفس بنظير الفرع
اقوى في المعرفة من مجرد دخوله في الجامع الكلي واذا قام الدليل على تأثير
الوصف
وقياس التمثيل بأن الاول قد يفيد اليقين والثاني لا يفيد الا الظن فرق باطل
بل حيث افاد احدهما اليقين افاد الاخر اليقين وحيث لا يفيد احدهما الا
الظن لا يفيد الاخر الا الظن فان افادة الدليل لليقين او الظن ليس لكونه عل
صورة احدهما دون الاخر بل باعتبار تضمن احدهما لما يفيد اليقين فان كان
احدهما اشتمل على امر مستلزم للحكم يقينا حصل به اليقين وان لم يشتمل الا
على ما يفيد الحكم ظنا لم يفد الا الظن
والذي يسمى في احدهما حدا اوسط
هو في الاخر الوصف المشترك والقضية الكبرى المتضمنة لزوم الحد الاكبر
للاوسط هو بيان تأثير الوصف المشترك بين الاصل والفرع فما به يتبين صدق
القضية الكبرى به يتبين ان الجامع المشترك مستلزم للحكم فلزوم الاكبر
للاوسط هو لزوم الحكم للمشترك
فاذا قلت النبيذ حرام قياسا على الخمر
لان الخمر انما حرمت لكونها مسكرة وهذا الوصف موجود في النبيذ كان بمنزلة
قولك كل نبيذ مسكر وكل مسكر حرام فالنتيجة قولك النبيذ حرام و النبيذ هو
موضوعها وهو الحد الاصغر والحرام محمولها وهو الحد الاكبر والمسكر هو
المتوسط بين الموضوع والمحمول وهو الحد الاوسط المحمول في الصغرى الموضوع
في الكبرى
فاذا قلت النبيذ حرام قياسا على خمر العنب لان العلة في
الاصل هو الاسكار وهو موجود في الفرع فثبت التحريم لوجود علته فانما
استدللت على تحريم النبيذ ب المسكر وهو الحد الاوسط لكن زدت في قياس
التمثيل ذكر الاصل الذي ضربته مثلا للفرع وهذا لان شعور النفس بنظير الفرع
اقوى في المعرفة من مجرد دخوله في الجامع الكلي واذا قام الدليل على تأثير
الوصف
المشترك لم يكن ذكر الاصل محتاجا اليه
والقياس لا يخلو اما
ان يكون ب ابداء الجامع او ب الغاء الفارق والجامع اما العلة واما دليلها
واما القياس بالغاء الفارق فهنا الغاء الفارق هو الحد الاوسط
فاذا قيل
هذا مساو لهذا ومساوي المساوي مساو كانت المساواة هى الحد الاوسط وإلغاء
الفارق عبارة عن المساواة فاذا قيل لا فرق بين الفرع والاصل إلا كذا وهو
مهدر فهو بمنزلة قولك هذا مساو لهذا وحكم المساوى حكم مساويه
وأما
قولهم كل ما يدل على ان ما به الاشتراك علة للحكم فظنى فيقال لا نسلم فان
هذه دعوى كلية ولم تقيموا عليها دليلا ثم نقول الذي يدل به على عليه
المشترك هو الذي يدل به على صدق القضية الكبرى وكل ما يدل به على صدق
الكبرى في قياس الشمول يدل به على علية المشترك في قياس الثمثيل سواء كان
علميا او ظنيا فان الجامع المشترك في التمثيل هو الحد الاوسط ولزوم الحكم
له هو لزوم الاكبر للاوسط ولزوم الاوسط للاصغر هو لزوم الجامع المشترك
للاصغر وهو ثبوت العلة في الفرع
فاذا كان الوصف المشترك وهو المسمى ب
الجامع والعلة أو دليل العلة او المناط او ما كان من الاسماء إذا كان ذلك
الوصف ثابتا في الفرع لازما له كان ذلك موجبا لصدق المقدمة الصغرى وإذا كان
الحكم ثابتا للوصف لازما له كان ذلك موجبا لصدق المقدمة الكبرى وذكر الاصل
يتوصل به الى إثبات إحدى المقدمتين
فان كان القياس ب إلغاء الفارق
فلا بد من الاصل المعين فان المشترك هو المساواة بينهما وتماثلهما وهو
إلغاء الفارق وهو الحد الاوسط وإن كان
القياس ب إبداء العلة فقد
يستغنى عن ذكر الاصل إذا كان الاستدلال على علية الوصف لا يفتقر اليه وأما
إذا احتاج إثبات علية الوصف اليه فيذكر الاصل لانه من تمام ما يدل على علية
المشترك وهو الحد الاكبر
وهؤلاء الذين فرقوا بين قياس التمثيل و قيلس
الشمول اخذوا يظهرون كون احدهما ظنيا في مواد معينة وتلك المواد التي لا
تفيد الا الظن في قياس التمثيل لا تفيد الا الظن في قياس الشمول والا فاذا
اخذوه فيما يستفاد به اليقين من قياس الشمول افاد اليقين في قياس التمثيل
ايضا وكان ظهور اليقين به هناك اتم
فاذا قيل في قياس الشمول كل انسان
حيوان وكل حيوان جسم فكل انسان جسم كان الحيوان هو الحد الاوسط وهو المشترك
في قياس التمثيل بأن يقال الانسان جسم قياسا على الفرس وغيره من الحيوانات
فان كون تلك الحيوانات حيوانا هو مستلزم لكونها اجساما سواء كان علة او
دليل العلة والحيوانية موجودة في الانسان فيكون جسما
واذا نوزع في
علية الحكم في الاصل فقيل له لا نسلم ان الحيوانية تستلزم الجسمية كان هذا
نزاعا في قوله كل حيوان جسم وذلك ان المشترك بين الاصل والفرع اذا سمى علة
فانما يراد به ما يستلزم الحكم سواء كان هو العلة الموجبة لوجوده في الخارج
او كان مستلزما لذلك يسمى الاول قياس علة والثاني قياس دلالة
ومن
الناس من يسمى الجميع علة لا سيما من يقول ان العلة انما يراد بها المعرف
وهو الامارة والعلامة والدليل لا يراد بها الباعث والداعي
ومن قال انه
قد يراد بها الداعي وهو الباعث وهذا قول ائمة الفقهاء وجمهور المسلمين
فانه يقول ذلك في علل الافعال واما غير الافعال فقد تفسر العلة فيها ب
الوصف المستلزم كاستلزام الانسانية ل الحيوانية والحيوانية
ل
الجسمية وإن لم يكن أحد الوصفين هو المؤثر في الاخر
عل أنا قد بينا في
غير هذا الموضع أن ما به يعلم كون الحيوان جسما به يعلم ان الانسان جسم
حيث بينا ان قياس الشمول الذي يذكرونه قليل الفائدة أو عديمها وأن ما به
يعلم صدق الكبرى في العقليات به يعلم صدق أفرادها التي منها الصغرى بل
وبذلك يعلم صدق النتيجة كما في قول القائل الكل أعظم من الجزء والاشياء
المساوية لشئ واحد متساوية والضدان لا يجتمعان والنقيضان لا يجتمعان ولا
يرتفعان حقيقة توحيد الفلاسفة
وهذا كقولهم الواحد لا يصدر عنه
إلا واحد فانه إن ثبت لهم ان الرب تعالى بمعنى الواحد الذي يدعونه وهو انه
ليس له صفة ثبوتية أصلا بل هو مسلوب لكل امر ثبوتي لا يوصف إلا بالسلب
المحض او بما لا يتضمن إلا السلب كالاضافة التي هي معنى السلب وجعلوا
إبداعه للعالم امرا عدميا لكونه إضافة عندهم وجعلوا العلم والعالم والمعلوم
والعشق والعاشق والمعشوق واللذة كل ذلك امورا عدمية ليس فيها امر ثبوتي
وادعوا ان نفس العلم والعناية والقدرة هو نفس العالم القادر المريد ونفس
العلم هو نفس القدرة ونفس القدرة هو نفس العناية وهذا كله هو العشق وهو
اللذة والعشق واللذة هو العاشق الملتذ والعشق واللذة هو نفس العلم ونفس
القدرة وعلمه بنفسه هو علمه بالمعلومات إلى أمثال ذلك مما يتضمنه قولهم
الذي يسمونه توحيد واجب الوجود
إلا واحد فانه إن ثبت لهم ان الرب تعالى بمعنى الواحد الذي يدعونه وهو انه
ليس له صفة ثبوتية أصلا بل هو مسلوب لكل امر ثبوتي لا يوصف إلا بالسلب
المحض او بما لا يتضمن إلا السلب كالاضافة التي هي معنى السلب وجعلوا
إبداعه للعالم امرا عدميا لكونه إضافة عندهم وجعلوا العلم والعالم والمعلوم
والعشق والعاشق والمعشوق واللذة كل ذلك امورا عدمية ليس فيها امر ثبوتي
وادعوا ان نفس العلم والعناية والقدرة هو نفس العالم القادر المريد ونفس
العلم هو نفس القدرة ونفس القدرة هو نفس العناية وهذا كله هو العشق وهو
اللذة والعشق واللذة هو العاشق الملتذ والعشق واللذة هو نفس العلم ونفس
القدرة وعلمه بنفسه هو علمه بالمعلومات إلى أمثال ذلك مما يتضمنه قولهم
الذي يسمونه توحيد واجب الوجود
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
رد قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد
لانه لو صدر عنه اثنان لكان مصدر
الالف غير مصدر الجيم وكان المصدر مع هذا الصادر مخالفا لهذا المصدر مع
هذا الصادر فيكون في المصدر جهتان وذلك ينافى الوحدة وبهذا اثبتوا ان
الواحد لا يكون فاعلا وقابلا لئلا يكون فيه جهتان جهة فعل وجهة قبول فيكون
مركبا
فيقال لهم إذا كان صدور الصادرات عنه هو فعله لها والفعل إضافة
محضة اليه وهو عندكم لا يوصف بصفة ثبوتية بل لا يوصف إلا بما هو سلب وقلتم
إن الاضافة هنا سلب لم يكن ولو صدر عنه الف صادر إلا بمنزلة سلب الاشياء
عنه وإذا قلتم ليس هو بعرض ولا ممكن ولا محدث ونحو ذلك لم تكن كثرة السلوب
توجب أمرا ثبوتيا والابداع عندكم لا يوجب له وصفا ثبوتيا فكثرة الابداعات
منه لا توجب له وصفا ثبوتيا
هذا مع أنهم متناقضون في جعلهم الابداع
أمرا عدميا بل في قولهم هو إضافة والاضافة امرأ عدميا قد قرروا في العلم
الاعلى عندهم القاسم ل الوجود ولواحقه ان الوجود ينقسم الى جوهر وعرض ومن
الاعراض أن يفعل ومنها الاضافة والابداع هو من مقولة أن يفعل وهو أمر وجودى
وإبداع الباري أكمل من كل إبداع فكيف يكون اكمل انواع ان يفعل عدميا
ثم هم جعلوا الاضافة جنسا غير أن يفعل فان ثبت هذا بطل جعل إبداعه للعالم
مجرد إضافة وإن سلم أنه إضافة ف الاضافة عندهم من جملة الاجناس الوجودية
وهذا وأمثاله مما يبين فساد ما قالوه في الالهيات من التعطيل مما يطول وصفه
ثم إذا سلم هذا وسلم ان الاضافة عدمية وكثرة العدميات له لا توجب
تكثر امور ثبوتية فيه مثل تكثر سائر السلوب وإذا قدر انه أبدع كل شئ بلا
واسطة لم يكن في هذا إلا كثرة امور عدمية يتصف بها وتلك لا توجب كثرة في
ذاته مثل سلب جميع المبدعات عنه فاذا قيل ليس بفلك ولا كوكب ولا شمس ولا
جنة ولا نار ولا هواء ولا تراب ولا حيوان ولا انسان ولا نبات كان سلبها عنه
بمنزلة إضافتها اليه عندهم وإذا لم يكن هذا إثبات كثرة في ذاته فكذلك
الاخر
وقولهم مصدر الف غير مصدر باء وهو مع هذا غير كونه مع هذا كما
يقال سلب الف عنه غير سلب باء عنه والشئ مع سلب الف عنه ليس هو ذاك مع سلب
باء عنه واذا قيل كثرة السلوب لا توجب تعدد امر ثبوتى له قيل وكثرة
الاضافات كذلك عندكم
ثم يقال الاضافات اليه مثل كونه علة ومبدعا
وخالقا وفاعلا ونحو ذلك إما أن يوجب كون الفعل أمرا ثبوتيا يقوم به وإما أن
لا يوجب ذلك فان كان الفعل أمرا ثبوتيا قام به بطل نفيكم للصفات ولزم انه
موصوف بالامور الثبوتية التي منها تهربون وإن لم يكن ثبوتيا كان عدميا فلم
يكن في كثرة المفعولات إلا كثرة الافعال التي هي عدمية وكثرة العدميات لا
توجب اتصافه بأمر ثبوتى وإذا كان كونه فاعلا عندكم ليس وصفا ثبوتيا فكونه
قابلا كذلك بطريق الاولى وحينئذ فلا يمتنع كون الشئ فاعلا وقابلا
ومعلوم ان هذا التناقض لزمهم لكونهم جعلوا الامور الوجودية عدما كما جعلوا
نفس الفعل والتأثير ليس إلا إضافة عدمية ثم ادعوا ذلك في اكمل الفاعلين
فعلا وأحقهم بالوجود التام من سائر الموجودات وإلا فهم قد قرروا في العلم
الكلى أن الفعل والانفعال أمران وجوديان وهما من الاعراض الموجودة وهما
مقولة ان يفعل وأن ينفعل وأن يفعل هو الفعل وأن ينفعل هو القبول وأثبتوا في
بعض الافعال الطبيعية انها امور وجودية وأن الفعل هناك وجودى ولكن نقضوا
ما ذكروا هناك في العلم الالهي
وكان ما نفوه احق بالاثبات مما
اثبتوه إذ كانوا معرضين عن الله ومعرفته وعبادته جاهلين بما يجب له ويستحقه
يعبدون المخلوقات ويعظمونها ويعرفون من كمالها ما يتخذونها به آلهة إشراكا
منهم بالله ويدعون رب العالمين لا يعرفونه ولا يعبدونه ولا يعرفون ما
يستحقه من الكمال الذي به يجب ان يعبد بل الذي يعلم به انه لا يستحق
العبادة إلا هو وهذا كله مبسوط في مواضعه
وأرسطو وأصحابه القدماء لم
يثبتوا له فعلا ولا جعلوه مبدعا لبعدهم عن معرفته ولهذا كان في قولهم من
الفساد ما يطول وصفه ولكن ابن سينا وأتباعه لما جعلوه مبدعا ظهر في كلامهم
مثل هذا التناقض
والمقصود هنا الكلام على المنطق ومثلنا بهذا إلا ان
هذا من اشرف المطالب الالهية التي يختصون هم بأثباتها والمقصود ان نبين انه
لا فرق بين القياس الشمولي والتمثيلي إذا اعطى كل منهما حقه ما
أمكن إثباته ب قياس الشمول كان إثباته ب التمثيل أظهر
مثل ان يقولوا ان الواحد في مورد الاجماع إنما لم
يصدر عنه إلا واحد لانه بسيط فلو صدر عنه اثنان لكان مركبا فالنار البسيطة
لا تصدر عنها إلا الحرارة ومتى قدر صدور الحر والبرد جميعا لزم ان تكون
مركبة فهذا إن مشى لهم في قياس التمثيل مشى لهم في قياس الشمول وإن بطل
هناك كان هناك أبطل
وأما إثباته ب قياس الشمول دون التمثيل فممتنع فلا
يمكن احدا ان يثبت قضية كلية ب قياس شمول إلا وإثباتها ب التمثيل أيسر
وأظهر وإن عجزعن إثباتها ب التمثيل فعجزه عن إثباتها ب الشمول اقوى وأشد
فانهم إذا قالوا الحار لا يصدر عنه إلا الحار لانه واحد والواحد لا يصدر
عنه إلا واحد فانه قد يقال لهم ما تعنون ب الصدور أتعنون به استقلاله بصدور
الاثر عنه أو ان يكون سببا في صدور الاثر بحيث إذ انضم الى غيره حصل
المؤثر التام ليس في الوجود واحد يفعل وحده إلا الله وحده
شئ وهو بكل شئ عليم الانعام فنفى التولد عنه لامتناع
التولد من شئ واحد وأن التولد إنما يكون بين اثنين وهو سبحانه لا صاحبة له
وأيضا فانه خلق كل شئ وخلقه لكل شئ يناقض ان يتولد عنه شئ وهو بكل شئ عليم
وعلمه بكل شئ يستلزم ان يكون فاعلا بارادته فان الشعور فارق بين الفاعل
بالارادة والفاعل بالطبع فيمتنع مع كونه عالما ان يكون كالامور الطبيعية
التي يتولد عنها الاشياء بلا شعور كالحار والبارد فلا يجوز إضافة الولد
اليه بوجه سبحانه قال تعالى وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين
وبنات بغير علم سبحنه وتعلى عما يصفون بديع السموات والارض أنى يكون له ولد
ولم تكن له صحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم الانعام
والذين قالوا إن
العقول والنفوس صدرت عنه خرقوا له بنين وبنات بغير علم فان اولئك لم
يكونوا يجعلون شيئا من البنين والبنات مبدعة لكل ما سواه وهؤلاء يجعلون احد
البنين وهو العقل أبدع كل ما سواه ويجعلون العقل كالذكر والنفس كالانثى
وهذا مما صرحوا به وكانت العرب تقر بأنه خلق السموات والارض وأحدثهما بعد
أن لم تكونا ولم يكونوا يقولون إنها قديمة أزلية معه لم تزل معه وهذا مبسوط
في موضع آخر
والمقصود هنا أنهم لم يعلموا في الوجود شيئا واحدا صدر
عنه وحده شئ عل سبيل الاستقلال فصار قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد
باطلا في قياس الشمول وباطلا في قياس التمثيل لكن الغرض انه لو أثبت هذا
وأمثاله ب قياس الشمول لكان إثباته ب قياس التمثيل أولى
وأيضا فهذا
الحار الذي يفعل الحرارة والبارد الذي يفعل برودة إنما يفعل ذلك مع عدم
العلم والارادة بخلاف ما يفعل بعلم واختيار كالانسان فان هذا
يفعل
افعالا متنوعة وتصدر عنه أمور مختلفة وهم يسلمون ذلك ويقولون إن الفاعل
بالطبع يتحد فعله والفاعل الاختيار يتنوع فعله وإذا كان كذلك فمعلوم أن ما
يفعل بالعلم والارادة أكمل مما يفعل بلا علم ولا إرادة فالانسان أكمل من
الجماد وحينئذ فان كان باب القياس صحيحا فقياس الرب بما يفعل بعلم واختيار
اولى من قياسه بما يفعل بلا علم ولا اختيار فما بالهم شبهوا رب العالمين
بالجمادات ونزهوه ان يشبهوه بالاحياء الناطقين
وهذا الخذلان أصابهم في
باب صفاته وأفعاله فهم في باب الصفات يقولون إذا قلنا إنه حي عالم قادر
مريد فقد شبهناه ب النفس الفلكية او الانسانية فيقال لهم إذا نفيم عنه
العلم والحيوة والقدرة والارادة فقد شبهتموه بالجمادات كالتراب والماء فان
كنتم إنما هربتم من التشبيه فالذي اليه شر مما هربتم منه
ثم إنكم
تزعمون ان الفلسفة هي التشبة بالاله على قدر الطاقة وان الفلك يتشبه به
بحسب الامكان فتجعلون مخلوقاته قادرة على التشبه به من بعض الوجوه فان كان
التشبه به منفيا عنه من كل وجه امتنع ان يكون مقدورا للمخلوقات وإن جاز أو
وجب إثباته من بعض الوجوه كان هو أقدر عليه من مخلوقاته فكان إذا كان
التشبه من بعض الوجوه ممكنا أن يخلق ما فيه من صفات الكمال ما يشبهه من بعض
الوجوه اولى من أن يقدر ذلك لمخلوق على ان يحدث لنفسه ما يصير به مشابها
له من بعض الوجوه سواء قيل إنه خالق افعال المخلوقات او لم يقل بذلك فانه
على الاول يكون هو الخالق لما فيه شبه له وحينئذ فيبطل قولهم وعلى الثاني
فيكون المخلوق بدون إعانة الخالق له يقدر على ان يحدث ما يشبه الرب والرب
لا يقدر على ذلك
فتبين ان قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد لا يصح
استدلالهم به في حق الله تعالى بأي قياس استدلوا
وإن قالو إن
الواحد من الوجه الواحد لا يصدر عنه إلا واحد وان صدر منه اثنان فمن وجهين
أو قالوا هذا معلوم بالضرورة فلا يحتاج الى دليل فانه لا بد بين المصدر
والصادر من مناسبة والوجه الواحد لا يناسب اثنين قيل لهم هذا يبطل قولكم في
نفي الصفات فان الرب قد صدر عنه مخلوقات كثيرة واذا كان الواحد لا يصدر
عنه من الوجه الواحد إلا واحد امتنع ان تصدر هذه المخلوقات عن خالقها من
وجه واحد فدل ذلك على انه متصف بامور متنوعه من صفات متنوعه وأفعال متنوعه
صدر عنه باعتبارها ما وجد من المخلوقات فكان اصل ضلالهم توهمهم إمكان صدور
المخلوقات عما قدروه من الواحد الذي لا يوجد إلا في الاذهان لا في الاعيان
ولقد احسن بعض الفضلاء إذ قال الصفع احسن من توحيد الفلاسفة بل قصر فيما
قال
وإذا قالوا هو واحد ليس له صفات وأفعال تقوم به فلو صدر عنه اكثر
من واحد لكان قد صدر عن الواحد من الوجه الواحد اكثر من واحد قيل لهم فذلك
الاول ان كان واحدا من كل وجه لزم ان لا يصدر عنه الا واحد من كل وجه وهذا
خلاف المشاهدة وان كان فيه كثرة بوجه ما فقد صدر عن الواحد من الوجه الواحد
اكثر من واحد وان قالوا تلك الوجوه التي في الصادر الاول امور عدمية قيل
فقد صدر عنه باعتبارها كثرة واذا جاز هذا جاز ان تجعل الامور الاضافية
الكثيرة في الاول مبدا الكثرة فكيفما ادير قولهم تبين انه افسد من قول
النصارى في التثليث
وحقيقة قولهم الذي قرره ابن سينا وامثاله انه أي
موجود فرض في الوجود كان اكمل من رب العالمين وذلك انه قرر انه وجود مشروط
بسلب جميع الامور الثبوتية عنه وهو معنى قولهم هو الوجود المقيد بسلب جميع
الماهيات وقولهم الوجود الذي لا يعرض له شيء من الماهيات فان هذا بناه على
قوله ان وجود الماهيات عارض لها بناء على ان في الخارج لكل ممكن وجودا
وماهية غير
الوجود وان ذلك الوجود عرض لتلك الماهية وان كان لازما
لها ولهذا قالوا ان واجب الوجود وجوده لا يعرض لشيء من الماهيات لئلا يلزم
التركيب والتعليل فيكون وجودا مقيدا بأن لا يعرض لشيء من الماهيات فلا يجوز
ان يكون له حقيقة في نفسه غير الوجود المحض الذي لا يتقيد بأمر ثبوتي
فيقال له فعلى هذا التقدير قد شارك جميع الموجودات في مسمى الوجود وامتاز
عنها بقيد عدمي وهو سلب كل ثبوت وامتاز به كل منها عنه بما يخصه من الحقيقة
الموجودة ومعلوم ان الوجود اكمل من العدم وهم يسلمون ذلك فاذا اشترك اثنان
في الوجود وامتاز احدهما عن الاخر بأمر وجودي والاخر لم يميز الا بأمر
عدمي كان الممتاز بأمر وجودي اكمل من الممتاز بأمر عدمي لانه شارك هذا في
الوجود المشترك وامتاز عنه بالوجود المختص وذلك لم يمتز عنه الا بعدم كل
وجود خاص وسواء جعل الوجود المشترك جنسا او عرضا عاما وجعل المميز بينهما
فصلا او خاصة فعلى كل تقدير يلزم ان يكون ما لم يتميز الا بعدم دون ما تميز
بوجود
وهم يقولون انما فررنا الى هذا من التركيب فيقال ان كان
التركيب نقصا لكان ما فررتم اليه شرا مما فررتم منه فان الذي فررتم اليه
يوجب ان لا يكون له وجود في الخارج لان الموجود الذي لا يختص بأمر ثبوتي لا
يوجد الا في الاذهان لا في الاعيان واذا قدر ثبوته في الخارج فكل موجود
ممكن اكمل منه فيلزم ان يكون كل مخلوق ولو انه ذرة او بعوضة اكمل من رب
العالمين رب الارض والسموات والقول المستلزم هذا في غاية الفساد
فالحمد لله الذي هدانا لمعرفة الحق وبيان ما التبس على هؤلاء الذين يدعون
انهم اكمل الناس وهم اجهل الناس برب العالمين
والله تعالى اخبر عن
المشركين ما ذكره في سورة الشعراء من قوله وازلفت الجنة للمتقين وبرزت
الجحيم للغاوين وقيل لهم اين ما كنتم
تعبدون من دون الله هل
ينصرونكم او ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود ابليس اجمعون قالوا
وهم فيها يختصمون تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين فهذا
حال من سوى المخلوقات برب العالمين فكيف حال من فضل كل مخلوق على رب
العالمين
واذا قيل هم لم يفهموا ولم يقصدوه قيل ونحن لم نقل انهم
تعمدوا مثل هذا الباطل لكن هذا لازم قولهم وهو دليل على غاية فساده وغاية
جهلهم بالله تعالى وانهم اضل من اليهود والنصارى ومشركي العرب وامثالهم من
المشركين الذين يعظمون الخالق أكثر من تعظيم هؤلاء المعطلين ... فان كنت لا
تدري فتلك مصيبة ... وان كنت تدري فالمصيبة اعظم ...
كون لفظ التركيب
مجملا يطلق على معان
وما فروا منه من التركيب قد تكلمنا عليه في غير
هذا الموضع وبينا ان لفظ التركيب مجمل يراد به تركيب الجسم من اجزاء كانت
متفرقة فاجتمعت كتركيب السكنجبين وغيره من الادوية بل ومن الاطعمة والاشربة
والملابس والمساكن من اجزائها التي كانت متفرقة فألف بينها وركب بعضها مع
بعض حتى صارت على الحال المركبة
وقد يراد ب المركب ما لا يمتزج فيه
احد الاثنين بالاخر كما يقال ركب الباب في موضعه وركب المسمار في الباب
وهذا التركيب اخص من الاول وهو المشهور من الكلام وقد قال تعالى في أي صورة
ما شاء ركبك الانفطار ومعلوم ان عاقلا لا يقول ان الله تعالى مركب بهذا
المعنى الاول ولا بالثاني
وقد يقال المركب على ما يمكن مفارقة بعض
اجزائه لبعض كأخلاط الانسان واعضائه فانها وان لم يعقل انها كانت مفترقة
فاجتمعت بل خلقه الله
من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ولكن يمكن
تفريق بعض اعضائه عن بعض ويعقل ايضا انه اذا مات استحال فصار بعضه ترابا
وبعضه هواء فتفرقت اعضائه واخلاطه وكذلك سائر الحيوان والنبات ومعلوم ان
عاقلا لا يقول ان هذا مركب بهذا الاعتبار
واما تسمية الواحد الموصوف
بصفاته مركبا كتسمية الحي العالم القادر الموصوف بالحياة والعلم والقدرة
مركبا فهذا اصطلاح لهم لا يعرف شيء من الشرائع ولا اللغات ولا عقول جماهير
العقلاء جعلوا هذا تركيبا وان تسميته مركبا
فاذا قالوا نحن نسميه
تركيبا لان فيه اثبات معان متعددة لذات واحدة ونحن نسمي ذلك تركيبا ونقيم
الدليل العقلي على امتناعه قيل اذا كان الا كذلك فالنظر في المعاني
المعقولة لا في الالفاظ السمعية ونحن لا نوافقكم على جعل الانسان مركبا من
الحيوانية والناطقية ولا ان في الوجود شيئا مركبا من اجزاء عقلية بل المركب
من الاجزاء العقلية انما يكون في الاذهان لا الاعيان وكل ما في الوجود من
المركبات فانما هو مركب من اجزاء حسية موجودة في الخارج
والناس قد
تنازعوا في الجسم هل هو مركب من اجزاء حسية وهو الجواهر المفردة او من
اجزاء عقلية وهي المادة والصورة او لا من هذا ولا من هذا على ثلاثة اقوال
والصحيح عندنا القول الثالث ثم يليه قول من جعله مركبا من الاجزاء الحسية
وافسد الثلاثة قول من جعله مركبا من الاجزاء العقلية كما قد بسط في موضعه
وحينئذ فمن قال ان الباري جسم وان الجسم مركب من الاجزاء الحسية او
العقلية كان الاستدلال على بطلان هذا التركيب استدلالا مقبولا ممن يقوله
فان مطلوبه صحيح لكن يبقى النظر هل يحسن هذا المستدل الإستدلال عليه او لا
يحسنه
واما من قال انه ليس ب مركب لا هذا التركيب ولا هذا التركيب
وانما اسميه جسما او جوهرا لان الجسم و الجوهر عندي اسم لكل موجود قائم
بنفسه فهذا النزاع معه في اسم الجسم والجوهر نزاع لفظي لا عقلي ولا شرعي
فان الشرع لم ينطق بهذا الاسم لا نفيا ولا اثباتا والعقل انما ينظر في
المعاني لا في مجرد اللفظ فالنظر مع هذا اما في اثبات كون الجسم مركبا احد
التركيبين وهذا بحث عقلي معروف واما في كون لفظ الجسم في اللغة لكل مركب
وهذا مركب وهذا بحث لغوي له موضع اخر
وهؤلاء ليس مقصودهم بنفي التركيب
هذا المعنى فقط فان هذا يوافقهم عليه كثير من مثبتة الصفات لكن مقصودهم
انه لا يتصف بصفة ثبوتية اصلا واخذوا لفظ التركيب الذي وافقتهم بعض اهل
الكلام على نفي معناه وتوسعوا فيه حتى جعلوه اعم مما وافقهم عليه اولئك
المتكلمون ونفوه وصاروا كالجهمية المحضة التي تنفي الاسماء والصفات او
تثبتها على وجه المجاز
فان قدر ثبوت هذا المعنى
الذي يسمونه توحيدا مع ان جماهير العقلاء من جميع الامم إذا تصوروا ذلك
علموا بضرورة العقل ان هذا قول باطل متناقض فان قدر ثبوته قيل حئنئذ الواحد
لا يصدر عنه إلا واحد يقررونه بقولهم
الذي يسمونه توحيدا مع ان جماهير العقلاء من جميع الامم إذا تصوروا ذلك
علموا بضرورة العقل ان هذا قول باطل متناقض فان قدر ثبوته قيل حئنئذ الواحد
لا يصدر عنه إلا واحد يقررونه بقولهم
لانه لو صدر عنه اثنان لكان مصدر
الالف غير مصدر الجيم وكان المصدر مع هذا الصادر مخالفا لهذا المصدر مع
هذا الصادر فيكون في المصدر جهتان وذلك ينافى الوحدة وبهذا اثبتوا ان
الواحد لا يكون فاعلا وقابلا لئلا يكون فيه جهتان جهة فعل وجهة قبول فيكون
مركبا
فيقال لهم إذا كان صدور الصادرات عنه هو فعله لها والفعل إضافة
محضة اليه وهو عندكم لا يوصف بصفة ثبوتية بل لا يوصف إلا بما هو سلب وقلتم
إن الاضافة هنا سلب لم يكن ولو صدر عنه الف صادر إلا بمنزلة سلب الاشياء
عنه وإذا قلتم ليس هو بعرض ولا ممكن ولا محدث ونحو ذلك لم تكن كثرة السلوب
توجب أمرا ثبوتيا والابداع عندكم لا يوجب له وصفا ثبوتيا فكثرة الابداعات
منه لا توجب له وصفا ثبوتيا
هذا مع أنهم متناقضون في جعلهم الابداع
أمرا عدميا بل في قولهم هو إضافة والاضافة امرأ عدميا قد قرروا في العلم
الاعلى عندهم القاسم ل الوجود ولواحقه ان الوجود ينقسم الى جوهر وعرض ومن
الاعراض أن يفعل ومنها الاضافة والابداع هو من مقولة أن يفعل وهو أمر وجودى
وإبداع الباري أكمل من كل إبداع فكيف يكون اكمل انواع ان يفعل عدميا
ثم هم جعلوا الاضافة جنسا غير أن يفعل فان ثبت هذا بطل جعل إبداعه للعالم
مجرد إضافة وإن سلم أنه إضافة ف الاضافة عندهم من جملة الاجناس الوجودية
وهذا وأمثاله مما يبين فساد ما قالوه في الالهيات من التعطيل مما يطول وصفه
ثم إذا سلم هذا وسلم ان الاضافة عدمية وكثرة العدميات له لا توجب
تكثر امور ثبوتية فيه مثل تكثر سائر السلوب وإذا قدر انه أبدع كل شئ بلا
واسطة لم يكن في هذا إلا كثرة امور عدمية يتصف بها وتلك لا توجب كثرة في
ذاته مثل سلب جميع المبدعات عنه فاذا قيل ليس بفلك ولا كوكب ولا شمس ولا
جنة ولا نار ولا هواء ولا تراب ولا حيوان ولا انسان ولا نبات كان سلبها عنه
بمنزلة إضافتها اليه عندهم وإذا لم يكن هذا إثبات كثرة في ذاته فكذلك
الاخر
وقولهم مصدر الف غير مصدر باء وهو مع هذا غير كونه مع هذا كما
يقال سلب الف عنه غير سلب باء عنه والشئ مع سلب الف عنه ليس هو ذاك مع سلب
باء عنه واذا قيل كثرة السلوب لا توجب تعدد امر ثبوتى له قيل وكثرة
الاضافات كذلك عندكم
ثم يقال الاضافات اليه مثل كونه علة ومبدعا
وخالقا وفاعلا ونحو ذلك إما أن يوجب كون الفعل أمرا ثبوتيا يقوم به وإما أن
لا يوجب ذلك فان كان الفعل أمرا ثبوتيا قام به بطل نفيكم للصفات ولزم انه
موصوف بالامور الثبوتية التي منها تهربون وإن لم يكن ثبوتيا كان عدميا فلم
يكن في كثرة المفعولات إلا كثرة الافعال التي هي عدمية وكثرة العدميات لا
توجب اتصافه بأمر ثبوتى وإذا كان كونه فاعلا عندكم ليس وصفا ثبوتيا فكونه
قابلا كذلك بطريق الاولى وحينئذ فلا يمتنع كون الشئ فاعلا وقابلا
ومعلوم ان هذا التناقض لزمهم لكونهم جعلوا الامور الوجودية عدما كما جعلوا
نفس الفعل والتأثير ليس إلا إضافة عدمية ثم ادعوا ذلك في اكمل الفاعلين
فعلا وأحقهم بالوجود التام من سائر الموجودات وإلا فهم قد قرروا في العلم
الكلى أن الفعل والانفعال أمران وجوديان وهما من الاعراض الموجودة وهما
مقولة ان يفعل وأن ينفعل وأن يفعل هو الفعل وأن ينفعل هو القبول وأثبتوا في
بعض الافعال الطبيعية انها امور وجودية وأن الفعل هناك وجودى ولكن نقضوا
ما ذكروا هناك في العلم الالهي
وكان ما نفوه احق بالاثبات مما
اثبتوه إذ كانوا معرضين عن الله ومعرفته وعبادته جاهلين بما يجب له ويستحقه
يعبدون المخلوقات ويعظمونها ويعرفون من كمالها ما يتخذونها به آلهة إشراكا
منهم بالله ويدعون رب العالمين لا يعرفونه ولا يعبدونه ولا يعرفون ما
يستحقه من الكمال الذي به يجب ان يعبد بل الذي يعلم به انه لا يستحق
العبادة إلا هو وهذا كله مبسوط في مواضعه
وأرسطو وأصحابه القدماء لم
يثبتوا له فعلا ولا جعلوه مبدعا لبعدهم عن معرفته ولهذا كان في قولهم من
الفساد ما يطول وصفه ولكن ابن سينا وأتباعه لما جعلوه مبدعا ظهر في كلامهم
مثل هذا التناقض
والمقصود هنا الكلام على المنطق ومثلنا بهذا إلا ان
هذا من اشرف المطالب الالهية التي يختصون هم بأثباتها والمقصود ان نبين انه
لا فرق بين القياس الشمولي والتمثيلي إذا اعطى كل منهما حقه ما
أمكن إثباته ب قياس الشمول كان إثباته ب التمثيل أظهر
ثم إذا قدر ان
ما ذكروه يدلهم على ان الواحد لا يصدر عنه إلا واحد بهذا الطريق أثبت ذلك ب
قياس التمثيل وكان أحسن مثل أن يقال الواحد لا يصدر عنه إلا واحد فالاول
لا يصدر عنه إلا واحد لان الواحد بسيط والبسيط لا يصدر عنه إلا بسيط كما ان
الحار لا يصدر عنه إلا الحرارة والبارد لا يصدر عنه إلا البرودة وأمثال
ذلك مما يذكر في الطبيعيات
ومن هنا قالوا في الالهيات الواحد لا يصدر
عنه إلا واحد لكن إذا أرادوا ان يثبتوا ذلك في الالهيات ب قياس شمولي وقدر
صحته امكن جعله قياسا تمثيلا وإن قدر انهم عجزوا إما مطلقا وإما في رب
العالمين لكون الوحدة التي وصفوه بها تعطيلا له في الحقيقة ونفيا لوجوده
وعجزوا عنه ولم يكن معهم إلا هذا القياس التمثيلي وإذا اثبتوه ب القياس
التمثيلي واثبتوا فيه ان الحكم تعلق بالقدر المشترك فقد افاد هذا ما أفاده
قياس الشمول وزيادة
ما ذكروه يدلهم على ان الواحد لا يصدر عنه إلا واحد بهذا الطريق أثبت ذلك ب
قياس التمثيل وكان أحسن مثل أن يقال الواحد لا يصدر عنه إلا واحد فالاول
لا يصدر عنه إلا واحد لان الواحد بسيط والبسيط لا يصدر عنه إلا بسيط كما ان
الحار لا يصدر عنه إلا الحرارة والبارد لا يصدر عنه إلا البرودة وأمثال
ذلك مما يذكر في الطبيعيات
ومن هنا قالوا في الالهيات الواحد لا يصدر
عنه إلا واحد لكن إذا أرادوا ان يثبتوا ذلك في الالهيات ب قياس شمولي وقدر
صحته امكن جعله قياسا تمثيلا وإن قدر انهم عجزوا إما مطلقا وإما في رب
العالمين لكون الوحدة التي وصفوه بها تعطيلا له في الحقيقة ونفيا لوجوده
وعجزوا عنه ولم يكن معهم إلا هذا القياس التمثيلي وإذا اثبتوه ب القياس
التمثيلي واثبتوا فيه ان الحكم تعلق بالقدر المشترك فقد افاد هذا ما أفاده
قياس الشمول وزيادة
مثل ان يقولوا ان الواحد في مورد الاجماع إنما لم
يصدر عنه إلا واحد لانه بسيط فلو صدر عنه اثنان لكان مركبا فالنار البسيطة
لا تصدر عنها إلا الحرارة ومتى قدر صدور الحر والبرد جميعا لزم ان تكون
مركبة فهذا إن مشى لهم في قياس التمثيل مشى لهم في قياس الشمول وإن بطل
هناك كان هناك أبطل
وأما إثباته ب قياس الشمول دون التمثيل فممتنع فلا
يمكن احدا ان يثبت قضية كلية ب قياس شمول إلا وإثباتها ب التمثيل أيسر
وأظهر وإن عجزعن إثباتها ب التمثيل فعجزه عن إثباتها ب الشمول اقوى وأشد
فانهم إذا قالوا الحار لا يصدر عنه إلا الحار لانه واحد والواحد لا يصدر
عنه إلا واحد فانه قد يقال لهم ما تعنون ب الصدور أتعنون به استقلاله بصدور
الاثر عنه أو ان يكون سببا في صدور الاثر بحيث إذ انضم الى غيره حصل
المؤثر التام ليس في الوجود واحد يفعل وحده إلا الله وحده
فان
أردتم الاول لم نسلم لكم أن في الوجود ما هو مؤثر تام ولا شئ مستقل بالفعل
غير الله تعالى والحار الذي اثر حرارة والبارد الذي أثر برودة إنما اثر في
محل قابل للتسخين والتبريد فكانت الحرارة الحاصلة في القابل بسببه وبسبب
الحار معا وأيضا فذلك مشروط بانتفاء العائق المانع وإلا فلو حصل ما يمنع
وصول الاثر اليه لم يحصل وكذلك الشعاع إذا قيل الشمس مستقله به لم يسلم ذلك
فانه مشروط بالجسم الذي ينعكس الشعاع عليه ومشروط بعدم المانع كالسحاب
والسقف
وعلى هذا فليس في الوجود واحد يفعل وحده إلا الله وحده قال
تعالى ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون الذاريات قال مجاهد وغيره تذكرون
فتعلمون ان خالق الارواح واحد
قال تعالى أنى يكون له ولد ولم تكن له
صاحبة وخلق كل
أردتم الاول لم نسلم لكم أن في الوجود ما هو مؤثر تام ولا شئ مستقل بالفعل
غير الله تعالى والحار الذي اثر حرارة والبارد الذي أثر برودة إنما اثر في
محل قابل للتسخين والتبريد فكانت الحرارة الحاصلة في القابل بسببه وبسبب
الحار معا وأيضا فذلك مشروط بانتفاء العائق المانع وإلا فلو حصل ما يمنع
وصول الاثر اليه لم يحصل وكذلك الشعاع إذا قيل الشمس مستقله به لم يسلم ذلك
فانه مشروط بالجسم الذي ينعكس الشعاع عليه ومشروط بعدم المانع كالسحاب
والسقف
وعلى هذا فليس في الوجود واحد يفعل وحده إلا الله وحده قال
تعالى ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون الذاريات قال مجاهد وغيره تذكرون
فتعلمون ان خالق الارواح واحد
قال تعالى أنى يكون له ولد ولم تكن له
صاحبة وخلق كل
شئ وهو بكل شئ عليم الانعام فنفى التولد عنه لامتناع
التولد من شئ واحد وأن التولد إنما يكون بين اثنين وهو سبحانه لا صاحبة له
وأيضا فانه خلق كل شئ وخلقه لكل شئ يناقض ان يتولد عنه شئ وهو بكل شئ عليم
وعلمه بكل شئ يستلزم ان يكون فاعلا بارادته فان الشعور فارق بين الفاعل
بالارادة والفاعل بالطبع فيمتنع مع كونه عالما ان يكون كالامور الطبيعية
التي يتولد عنها الاشياء بلا شعور كالحار والبارد فلا يجوز إضافة الولد
اليه بوجه سبحانه قال تعالى وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين
وبنات بغير علم سبحنه وتعلى عما يصفون بديع السموات والارض أنى يكون له ولد
ولم تكن له صحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم الانعام
والذين قالوا إن
العقول والنفوس صدرت عنه خرقوا له بنين وبنات بغير علم فان اولئك لم
يكونوا يجعلون شيئا من البنين والبنات مبدعة لكل ما سواه وهؤلاء يجعلون احد
البنين وهو العقل أبدع كل ما سواه ويجعلون العقل كالذكر والنفس كالانثى
وهذا مما صرحوا به وكانت العرب تقر بأنه خلق السموات والارض وأحدثهما بعد
أن لم تكونا ولم يكونوا يقولون إنها قديمة أزلية معه لم تزل معه وهذا مبسوط
في موضع آخر
والمقصود هنا أنهم لم يعلموا في الوجود شيئا واحدا صدر
عنه وحده شئ عل سبيل الاستقلال فصار قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد
باطلا في قياس الشمول وباطلا في قياس التمثيل لكن الغرض انه لو أثبت هذا
وأمثاله ب قياس الشمول لكان إثباته ب قياس التمثيل أولى
وأيضا فهذا
الحار الذي يفعل الحرارة والبارد الذي يفعل برودة إنما يفعل ذلك مع عدم
العلم والارادة بخلاف ما يفعل بعلم واختيار كالانسان فان هذا
يفعل
افعالا متنوعة وتصدر عنه أمور مختلفة وهم يسلمون ذلك ويقولون إن الفاعل
بالطبع يتحد فعله والفاعل الاختيار يتنوع فعله وإذا كان كذلك فمعلوم أن ما
يفعل بالعلم والارادة أكمل مما يفعل بلا علم ولا إرادة فالانسان أكمل من
الجماد وحينئذ فان كان باب القياس صحيحا فقياس الرب بما يفعل بعلم واختيار
اولى من قياسه بما يفعل بلا علم ولا اختيار فما بالهم شبهوا رب العالمين
بالجمادات ونزهوه ان يشبهوه بالاحياء الناطقين
وهذا الخذلان أصابهم في
باب صفاته وأفعاله فهم في باب الصفات يقولون إذا قلنا إنه حي عالم قادر
مريد فقد شبهناه ب النفس الفلكية او الانسانية فيقال لهم إذا نفيم عنه
العلم والحيوة والقدرة والارادة فقد شبهتموه بالجمادات كالتراب والماء فان
كنتم إنما هربتم من التشبيه فالذي اليه شر مما هربتم منه
ثم إنكم
تزعمون ان الفلسفة هي التشبة بالاله على قدر الطاقة وان الفلك يتشبه به
بحسب الامكان فتجعلون مخلوقاته قادرة على التشبه به من بعض الوجوه فان كان
التشبه به منفيا عنه من كل وجه امتنع ان يكون مقدورا للمخلوقات وإن جاز أو
وجب إثباته من بعض الوجوه كان هو أقدر عليه من مخلوقاته فكان إذا كان
التشبه من بعض الوجوه ممكنا أن يخلق ما فيه من صفات الكمال ما يشبهه من بعض
الوجوه اولى من أن يقدر ذلك لمخلوق على ان يحدث لنفسه ما يصير به مشابها
له من بعض الوجوه سواء قيل إنه خالق افعال المخلوقات او لم يقل بذلك فانه
على الاول يكون هو الخالق لما فيه شبه له وحينئذ فيبطل قولهم وعلى الثاني
فيكون المخلوق بدون إعانة الخالق له يقدر على ان يحدث ما يشبه الرب والرب
لا يقدر على ذلك
فتبين ان قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد لا يصح
استدلالهم به في حق الله تعالى بأي قياس استدلوا
وإن قالو إن
الواحد من الوجه الواحد لا يصدر عنه إلا واحد وان صدر منه اثنان فمن وجهين
أو قالوا هذا معلوم بالضرورة فلا يحتاج الى دليل فانه لا بد بين المصدر
والصادر من مناسبة والوجه الواحد لا يناسب اثنين قيل لهم هذا يبطل قولكم في
نفي الصفات فان الرب قد صدر عنه مخلوقات كثيرة واذا كان الواحد لا يصدر
عنه من الوجه الواحد إلا واحد امتنع ان تصدر هذه المخلوقات عن خالقها من
وجه واحد فدل ذلك على انه متصف بامور متنوعه من صفات متنوعه وأفعال متنوعه
صدر عنه باعتبارها ما وجد من المخلوقات فكان اصل ضلالهم توهمهم إمكان صدور
المخلوقات عما قدروه من الواحد الذي لا يوجد إلا في الاذهان لا في الاعيان
ولقد احسن بعض الفضلاء إذ قال الصفع احسن من توحيد الفلاسفة بل قصر فيما
قال
وإذا قالوا هو واحد ليس له صفات وأفعال تقوم به فلو صدر عنه اكثر
من واحد لكان قد صدر عن الواحد من الوجه الواحد اكثر من واحد قيل لهم فذلك
الاول ان كان واحدا من كل وجه لزم ان لا يصدر عنه الا واحد من كل وجه وهذا
خلاف المشاهدة وان كان فيه كثرة بوجه ما فقد صدر عن الواحد من الوجه الواحد
اكثر من واحد وان قالوا تلك الوجوه التي في الصادر الاول امور عدمية قيل
فقد صدر عنه باعتبارها كثرة واذا جاز هذا جاز ان تجعل الامور الاضافية
الكثيرة في الاول مبدا الكثرة فكيفما ادير قولهم تبين انه افسد من قول
النصارى في التثليث
وحقيقة قولهم الذي قرره ابن سينا وامثاله انه أي
موجود فرض في الوجود كان اكمل من رب العالمين وذلك انه قرر انه وجود مشروط
بسلب جميع الامور الثبوتية عنه وهو معنى قولهم هو الوجود المقيد بسلب جميع
الماهيات وقولهم الوجود الذي لا يعرض له شيء من الماهيات فان هذا بناه على
قوله ان وجود الماهيات عارض لها بناء على ان في الخارج لكل ممكن وجودا
وماهية غير
الوجود وان ذلك الوجود عرض لتلك الماهية وان كان لازما
لها ولهذا قالوا ان واجب الوجود وجوده لا يعرض لشيء من الماهيات لئلا يلزم
التركيب والتعليل فيكون وجودا مقيدا بأن لا يعرض لشيء من الماهيات فلا يجوز
ان يكون له حقيقة في نفسه غير الوجود المحض الذي لا يتقيد بأمر ثبوتي
فيقال له فعلى هذا التقدير قد شارك جميع الموجودات في مسمى الوجود وامتاز
عنها بقيد عدمي وهو سلب كل ثبوت وامتاز به كل منها عنه بما يخصه من الحقيقة
الموجودة ومعلوم ان الوجود اكمل من العدم وهم يسلمون ذلك فاذا اشترك اثنان
في الوجود وامتاز احدهما عن الاخر بأمر وجودي والاخر لم يميز الا بأمر
عدمي كان الممتاز بأمر وجودي اكمل من الممتاز بأمر عدمي لانه شارك هذا في
الوجود المشترك وامتاز عنه بالوجود المختص وذلك لم يمتز عنه الا بعدم كل
وجود خاص وسواء جعل الوجود المشترك جنسا او عرضا عاما وجعل المميز بينهما
فصلا او خاصة فعلى كل تقدير يلزم ان يكون ما لم يتميز الا بعدم دون ما تميز
بوجود
وهم يقولون انما فررنا الى هذا من التركيب فيقال ان كان
التركيب نقصا لكان ما فررتم اليه شرا مما فررتم منه فان الذي فررتم اليه
يوجب ان لا يكون له وجود في الخارج لان الموجود الذي لا يختص بأمر ثبوتي لا
يوجد الا في الاذهان لا في الاعيان واذا قدر ثبوته في الخارج فكل موجود
ممكن اكمل منه فيلزم ان يكون كل مخلوق ولو انه ذرة او بعوضة اكمل من رب
العالمين رب الارض والسموات والقول المستلزم هذا في غاية الفساد
فالحمد لله الذي هدانا لمعرفة الحق وبيان ما التبس على هؤلاء الذين يدعون
انهم اكمل الناس وهم اجهل الناس برب العالمين
والله تعالى اخبر عن
المشركين ما ذكره في سورة الشعراء من قوله وازلفت الجنة للمتقين وبرزت
الجحيم للغاوين وقيل لهم اين ما كنتم
تعبدون من دون الله هل
ينصرونكم او ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود ابليس اجمعون قالوا
وهم فيها يختصمون تالله ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسويكم برب العالمين فهذا
حال من سوى المخلوقات برب العالمين فكيف حال من فضل كل مخلوق على رب
العالمين
واذا قيل هم لم يفهموا ولم يقصدوه قيل ونحن لم نقل انهم
تعمدوا مثل هذا الباطل لكن هذا لازم قولهم وهو دليل على غاية فساده وغاية
جهلهم بالله تعالى وانهم اضل من اليهود والنصارى ومشركي العرب وامثالهم من
المشركين الذين يعظمون الخالق أكثر من تعظيم هؤلاء المعطلين ... فان كنت لا
تدري فتلك مصيبة ... وان كنت تدري فالمصيبة اعظم ...
كون لفظ التركيب
مجملا يطلق على معان
وما فروا منه من التركيب قد تكلمنا عليه في غير
هذا الموضع وبينا ان لفظ التركيب مجمل يراد به تركيب الجسم من اجزاء كانت
متفرقة فاجتمعت كتركيب السكنجبين وغيره من الادوية بل ومن الاطعمة والاشربة
والملابس والمساكن من اجزائها التي كانت متفرقة فألف بينها وركب بعضها مع
بعض حتى صارت على الحال المركبة
وقد يراد ب المركب ما لا يمتزج فيه
احد الاثنين بالاخر كما يقال ركب الباب في موضعه وركب المسمار في الباب
وهذا التركيب اخص من الاول وهو المشهور من الكلام وقد قال تعالى في أي صورة
ما شاء ركبك الانفطار ومعلوم ان عاقلا لا يقول ان الله تعالى مركب بهذا
المعنى الاول ولا بالثاني
وقد يقال المركب على ما يمكن مفارقة بعض
اجزائه لبعض كأخلاط الانسان واعضائه فانها وان لم يعقل انها كانت مفترقة
فاجتمعت بل خلقه الله
من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ولكن يمكن
تفريق بعض اعضائه عن بعض ويعقل ايضا انه اذا مات استحال فصار بعضه ترابا
وبعضه هواء فتفرقت اعضائه واخلاطه وكذلك سائر الحيوان والنبات ومعلوم ان
عاقلا لا يقول ان هذا مركب بهذا الاعتبار
واما تسمية الواحد الموصوف
بصفاته مركبا كتسمية الحي العالم القادر الموصوف بالحياة والعلم والقدرة
مركبا فهذا اصطلاح لهم لا يعرف شيء من الشرائع ولا اللغات ولا عقول جماهير
العقلاء جعلوا هذا تركيبا وان تسميته مركبا
فاذا قالوا نحن نسميه
تركيبا لان فيه اثبات معان متعددة لذات واحدة ونحن نسمي ذلك تركيبا ونقيم
الدليل العقلي على امتناعه قيل اذا كان الا كذلك فالنظر في المعاني
المعقولة لا في الالفاظ السمعية ونحن لا نوافقكم على جعل الانسان مركبا من
الحيوانية والناطقية ولا ان في الوجود شيئا مركبا من اجزاء عقلية بل المركب
من الاجزاء العقلية انما يكون في الاذهان لا الاعيان وكل ما في الوجود من
المركبات فانما هو مركب من اجزاء حسية موجودة في الخارج
والناس قد
تنازعوا في الجسم هل هو مركب من اجزاء حسية وهو الجواهر المفردة او من
اجزاء عقلية وهي المادة والصورة او لا من هذا ولا من هذا على ثلاثة اقوال
والصحيح عندنا القول الثالث ثم يليه قول من جعله مركبا من الاجزاء الحسية
وافسد الثلاثة قول من جعله مركبا من الاجزاء العقلية كما قد بسط في موضعه
وحينئذ فمن قال ان الباري جسم وان الجسم مركب من الاجزاء الحسية او
العقلية كان الاستدلال على بطلان هذا التركيب استدلالا مقبولا ممن يقوله
فان مطلوبه صحيح لكن يبقى النظر هل يحسن هذا المستدل الإستدلال عليه او لا
يحسنه
واما من قال انه ليس ب مركب لا هذا التركيب ولا هذا التركيب
وانما اسميه جسما او جوهرا لان الجسم و الجوهر عندي اسم لكل موجود قائم
بنفسه فهذا النزاع معه في اسم الجسم والجوهر نزاع لفظي لا عقلي ولا شرعي
فان الشرع لم ينطق بهذا الاسم لا نفيا ولا اثباتا والعقل انما ينظر في
المعاني لا في مجرد اللفظ فالنظر مع هذا اما في اثبات كون الجسم مركبا احد
التركيبين وهذا بحث عقلي معروف واما في كون لفظ الجسم في اللغة لكل مركب
وهذا مركب وهذا بحث لغوي له موضع اخر
وهؤلاء ليس مقصودهم بنفي التركيب
هذا المعنى فقط فان هذا يوافقهم عليه كثير من مثبتة الصفات لكن مقصودهم
انه لا يتصف بصفة ثبوتية اصلا واخذوا لفظ التركيب الذي وافقتهم بعض اهل
الكلام على نفي معناه وتوسعوا فيه حتى جعلوه اعم مما وافقهم عليه اولئك
المتكلمون ونفوه وصاروا كالجهمية المحضة التي تنفي الاسماء والصفات او
تثبتها على وجه المجاز
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى