صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
ابطال القول بأن الدوران والتقسيم لا يفيدان الا الظن
تعلم ان الحكم في هذا
الاصل المعين لم يثبت لما يختص به بل لوصف مشترك بينه وبين غيره فائدتان
في تعليل الحكم ب علة قاصرة
الاحكام يثبت بالنص
يقول انها معللة ب علل قاصرة لكن انما يعلل ب العلة المتعدية نص يتناول بعض
انواع الحكم فيعلل ذلك الحكم بعلة تتعدى الى سائر النوع الذي دل على ثبوت
الحكم فيه نص اخر
والفائدة الثانية معرفة حكم الشرع وما اشتمل عليه من
مصالح العباد في المعاش والمعاد فان ذلك مما يزيد به الايمان والعلم ويكون
اعون على التصديق والطاعة واقطع لشبه اهل الالحاد والشناعة وانصر لقول من
يقول ان الشرع جميعه انما شرع لحكمة ورحمة لم يشرع لا لحكمة ورحمة بل لمجرد
قهر التعبد ومحض المشيئة
واذا كانت الاوصاف في الاصل قد تكون مختصة
بذات الاصل وقد تكون مشتركة بينه وبين غيره خارجة عنه لم يلزم اذا كان هذا
الاصل ثبت الحكم فيه لخارج مشترك ان يكون الحكم في كل اصل لخارج مشترك جواب
قولهم
لكلي
عقلي بل الوجود اعم الكليات واذا امكن العقل ان يحصر اقسامه فحصر اقسام بعض
انواعه اولى وهم يسلمون هذا كله وهذا هو العلم الاعلى عندهم فكيف يقولون
ان السبر والتقسيم لا يفيد اليقين تمثيل التقسيم الحاصر في مسئلة
الرؤية
مسماها حتى تنفى بالشرع وإنما ينفيها من ينفيها فيستفسر
عن مراده إذ البحث في المعاني المعقولة لا في مجرد هذه الالفاظ
فيقال
ما تريد بأن المرئي لا بد أن يكون متحيزا فان المتحيز في لغة العرب التي
نزل بها القرآن يعنى به ما يحوزه غيره كما في قوله تعالى أو متحيزا الى فئة
الانفال فهذا تحيز موجود يحيط به موجود غيره الى موجودات تحيط به وسمى
متحيزا لانه تحيز من هؤلاء الى هؤلاء والمتكلمون يريدون ب التحيز ما شغل
الحيز والحيز عندهم تقدير مكان ليس أمرا موجودا فالعالم عندهم متحيز وليس
في حيز وجودى والمكان عند أكثرهم وجودى
فاذا أريد ب المتحيز ما يكون
في حيز وجودى منعت المقدمة الاولى وهو قوله كل مرئى متحيز فان سطح العالم
يمكن أن يرى وليس في عالم آخر وإن قال بل أريد به لا بد أن يكون في حيز وإن
كان عدميا قيل له العدم ليس بشئ فمن جعله في الحيز العدمى لم يجعله في شئ
موجود ومعلوم انه ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق فاذا كان الخالق بائنا
عن المخلوقات كلها لم يكن في شئ موجود وإذا قيل هو في حيز معدوم كان حقيقته
انه ليس في شئ فلم قلت إن هذا محال
وكذلك إذا قال يلزم ان يكون جسما
ففيه إجمال التنبيه عليه
وكذلك إذا قال في جهة فان الجهة يراد بها شئ
موجود وشئ معدوم فان شرط في المرئي ان يكون في جهة موجودة كان هذا باطلا
برؤية سطح العالم وإن جعل العدم جهة قيل له إذا كان بائنا عن العالم ليس
معه هناك غيره فليس في جهة وجودية وإذا سميت ما هنالك جهة وقلت هو في جهة
على هذا التقدير منعت انتفاء اللازم وقيل لك العقل والسمع يدلان على ثبوت
هذا اللازم لا
على انتفائه
وهذا التقسيم مثلنا به في مسئلة
الرؤية فانها من أشكل المسائل العلقية وأبعدها من قبول التقسيم المنحصر ومع
هذا فان حصر الاقسام فيها ممكن فكيف يغيرها
وحيئنذ فاذا احتج عليها ب
قياس التمثيل فقيل المخلوقات الموجودة يمكن رؤيتها فالخالق احق بامكان
الرؤية لان المصحح للرؤية في المخلوقات امر مشترك بين الخالق والمخلوق لا
يختص بالمخلوق وإذا كان المشترك مستلزما لصحة الرؤية ثبتت صحة الرؤية
ولا يجعل المشترك المصحح هو مجرد الوجود كما يسلكه الاشعري ومن اتبعه
كالقاضي أبى بكر وطائفة من أصحاب أحمد وغيرهم كالقاضي ابى يعلى بل يجعله
القيام بالنفس كما يسلكه ابن كلاب وغيره من مثبتي الرؤية من اصحاب احمد
وغيرهم كأبي الحسن الزاغونى أو لا يعين المصحح بل يجعل قدرا مشتركا
كالتقسيم الحاصر وهو أيضا يفيد اليقين كما قد بسط في موضعه
وإذا كانت
مسئلة الرؤية والمصحح لها أمكن تقريره على هذا الوجه فكيف فيما هو أوضح
منها إذا قيل الفاعل منا مريد وهو متصور لما يفعله فالخالق آولى أن يعلم ما
خلق او قيل إذا كان الفعل الاختياري فينا مشروطا بالعلم فهو في حق الخالق
أولى لأن ما به استلزمت الإرادة العلم إما أن يختص بالعبد أو يكون مشتركا
والاول باطل فتعين الثاني لان استلزام الارادة العلم كمال للفاعل لا نقص
فيه والواجب احق بالكمال الذي لا نقص فيه من الممكن المخلوق فاذا كان العبد
يعلم ما يفعل فالباري آولى أن يعلم ما يفعل
وإذا قيل إذا كان الرب
حيا امكن كونه سميعا بصيرا متكلما وما جاز له من الصفات وجب له لان ثبوت
صفاته له لا تتوقف على غيره ولا يجعله غيره متصفا بصفات الكمال لان من جعل
غيره كاملا فهو أحق بالكمال منه وغيره مخلوقه ويمتنع ان يكون مخلوقه اكمل
منه بل ويمتنع ان يكون هو الذي اعطاه صفات الكمال لان ذلك يستلزم الدور
القبلي او غير ذلك من الادلة التي بسطت في غير هذا الموضع
وهم في
كلامهم في جنس القياس لم يتعرضوا لآحاد المسائل ونحن لا نحتاج الى ذلك لكن
الغرض التمثيل لمسائل قد يشكل على كثير من الناس استعمال القياس فيها لأجل
المادة فتبين أن لها مادة يمكن ان يستخرج منها أدلة تلك المطالب وتلك
المادة تصور بصورة الشمول تارة وبصورة التمثيل أخرى لكن إذا صورت بصورة
الشمول علم ان افرادها لا تتساوى وإذا صورت بصورة التمثيل علم أن الرب أحق
بكل كمال لا نقص فيه ان يثبت له واحق بنفى كل نقص عنه من نفيه عن سائر
الموجودات
ابطال القول بأن الدوران والتقسيم لا يفيدان الا الظن
وما ذكروه
من ان قياس التمثيل انما يثبت ب الدوران او التقسيم وكلاهما لا يفيد الا
الظن قول باطل ويلزمهم مثل ذلك في قياس الشمول
اما التقسيم فانهم
يسلمون انه يفيد اليقين اذا كان حاصرا واذا كان كذلك فانه يمكن حصر المشترك
في اقسام لا يزيد عليها وابطال التعليل بجميعها الا بواحد وان لم يمكن ذلك
لم يمكن جعل ذلك المشترك حدا اوسط فلا يفيد اليقين ولو استعمل فيه قياس
الشمول
جواب اعتراضهم على السبر والتقسيم بقولهممن ان قياس التمثيل انما يثبت ب الدوران او التقسيم وكلاهما لا يفيد الا
الظن قول باطل ويلزمهم مثل ذلك في قياس الشمول
اما التقسيم فانهم
يسلمون انه يفيد اليقين اذا كان حاصرا واذا كان كذلك فانه يمكن حصر المشترك
في اقسام لا يزيد عليها وابطال التعليل بجميعها الا بواحد وان لم يمكن ذلك
لم يمكن جعل ذلك المشترك حدا اوسط فلا يفيد اليقين ولو استعمل فيه قياس
الشمول
واما قوله يجوز
ان يكون الحكم ثابتا في الاصل لذات الاصل والا لزم التسلسل فنقول لا يلزم
التسلسل الا اذا كان لا يثبت الا لخارج اما اذا كان تارة يثبت لخارج وتارة
لغير خارج لم يلزم التسلسل وحينئذ فلا يمتنع ان
ان يكون الحكم ثابتا في الاصل لذات الاصل والا لزم التسلسل فنقول لا يلزم
التسلسل الا اذا كان لا يثبت الا لخارج اما اذا كان تارة يثبت لخارج وتارة
لغير خارج لم يلزم التسلسل وحينئذ فلا يمتنع ان
تعلم ان الحكم في هذا
الاصل المعين لم يثبت لما يختص به بل لوصف مشترك بينه وبين غيره فائدتان
في تعليل الحكم ب علة قاصرة
وهذا كما يقول الفقهاء ان الحكم يعلل
تارة ب علة متعدية وتارة ب علة قاصرة والتعليل ب القاصرة اذا كانت منصوصة
جائز باتفاق الفقهاء وانما تنازعوا فيما اذا كانت مستنبطة والاكثرون على
جواز ذلك وهو الصحيح وهو مذهب مالك والشافعي واحمد بن حنبل في المنصوص عنه
فانه دائما يعلل ب العلل القاصرة وهو اختيار ابي الخطاب وغيره من اصحابه
ولكن القاضي ابو يعلى وطائفه وافقوا اصحاب ابي حنيفة في منعهم التعليل ب
القاصرة وهذا من كلام متأخريهم وسبب ذلك النزاع في مسئلة تعليل الربو في
المذهب والفضة وامثالهما هل العلة فيه متعدية او قاصرة واما ابو حنيفة نفسه
وصاحباه لم ينقل عنهم في ذلك شيء والذي يليق بعقلهم وفضلهم انهم لا يمنعون
ذلك مطلقا كما لا يمتنع في المنصوصة
وفي ذلك فائدتان قصر الحكم على
مورد النص ومنع الالحاق لئلا يظن الظان ان الحكم يثبت فيما سوى مورد النص
كما يعلل تحريم الميته بعلة تمنع دخول المذكي فيها ويعلل تحريم الدم بعلة
تمنع دخول العرق والريق وغيرهما فيها ويعلل اختصاص الهدى والاضحية بالانعام
بعلة تمنع دخول غيرها فيها ويعلل وجوب الحد في الخمر بعلة تمنع دخول الدم
والميتة فيها وامثال ذلك كثيرة بل من يقول ان جميع
تارة ب علة متعدية وتارة ب علة قاصرة والتعليل ب القاصرة اذا كانت منصوصة
جائز باتفاق الفقهاء وانما تنازعوا فيما اذا كانت مستنبطة والاكثرون على
جواز ذلك وهو الصحيح وهو مذهب مالك والشافعي واحمد بن حنبل في المنصوص عنه
فانه دائما يعلل ب العلل القاصرة وهو اختيار ابي الخطاب وغيره من اصحابه
ولكن القاضي ابو يعلى وطائفه وافقوا اصحاب ابي حنيفة في منعهم التعليل ب
القاصرة وهذا من كلام متأخريهم وسبب ذلك النزاع في مسئلة تعليل الربو في
المذهب والفضة وامثالهما هل العلة فيه متعدية او قاصرة واما ابو حنيفة نفسه
وصاحباه لم ينقل عنهم في ذلك شيء والذي يليق بعقلهم وفضلهم انهم لا يمنعون
ذلك مطلقا كما لا يمتنع في المنصوصة
وفي ذلك فائدتان قصر الحكم على
مورد النص ومنع الالحاق لئلا يظن الظان ان الحكم يثبت فيما سوى مورد النص
كما يعلل تحريم الميته بعلة تمنع دخول المذكي فيها ويعلل تحريم الدم بعلة
تمنع دخول العرق والريق وغيرهما فيها ويعلل اختصاص الهدى والاضحية بالانعام
بعلة تمنع دخول غيرها فيها ويعلل وجوب الحد في الخمر بعلة تمنع دخول الدم
والميتة فيها وامثال ذلك كثيرة بل من يقول ان جميع
الاحكام يثبت بالنص
يقول انها معللة ب علل قاصرة لكن انما يعلل ب العلة المتعدية نص يتناول بعض
انواع الحكم فيعلل ذلك الحكم بعلة تتعدى الى سائر النوع الذي دل على ثبوت
الحكم فيه نص اخر
والفائدة الثانية معرفة حكم الشرع وما اشتمل عليه من
مصالح العباد في المعاش والمعاد فان ذلك مما يزيد به الايمان والعلم ويكون
اعون على التصديق والطاعة واقطع لشبه اهل الالحاد والشناعة وانصر لقول من
يقول ان الشرع جميعه انما شرع لحكمة ورحمة لم يشرع لا لحكمة ورحمة بل لمجرد
قهر التعبد ومحض المشيئة
واذا كانت الاوصاف في الاصل قد تكون مختصة
بذات الاصل وقد تكون مشتركة بينه وبين غيره خارجة عنه لم يلزم اذا كان هذا
الاصل ثبت الحكم فيه لخارج مشترك ان يكون الحكم في كل اصل لخارج مشترك جواب
قولهم
قوله وان ثبت لخارج فمن الجائز ان يكون لغير ما ابدى وان لم
يطلع عليه مع البحث عنه بخلاف الحسيات فيقال اما ان يكون التقسيم في
العقليات قد يفيد اليقين واما ان لا يفيده بحال فان كان الاول بطل جعلهم
الشرطى المنفصل من صور القياس والبرهان وان كان الثاني بطل كلامهم هذا
ومعلوم ان هذا احق بالبطلان من ذاك فان القائل اذا قال الوجود اما ان يكون
واجبا واما ان يكون ممكنا واما ان يكون قديما واما ان يكون حادثا واما ان
يكون قائما بنفسه واما ان يكون قائما بغيره واما ان يكون مخلوقا واما ان
يكون خالقا ونحو ذلك من التقسيم الحاصر لجنس الوجود كان هذا حصرا
يطلع عليه مع البحث عنه بخلاف الحسيات فيقال اما ان يكون التقسيم في
العقليات قد يفيد اليقين واما ان لا يفيده بحال فان كان الاول بطل جعلهم
الشرطى المنفصل من صور القياس والبرهان وان كان الثاني بطل كلامهم هذا
ومعلوم ان هذا احق بالبطلان من ذاك فان القائل اذا قال الوجود اما ان يكون
واجبا واما ان يكون ممكنا واما ان يكون قديما واما ان يكون حادثا واما ان
يكون قائما بنفسه واما ان يكون قائما بغيره واما ان يكون مخلوقا واما ان
يكون خالقا ونحو ذلك من التقسيم الحاصر لجنس الوجود كان هذا حصرا
لكلي
عقلي بل الوجود اعم الكليات واذا امكن العقل ان يحصر اقسامه فحصر اقسام بعض
انواعه اولى وهم يسلمون هذا كله وهذا هو العلم الاعلى عندهم فكيف يقولون
ان السبر والتقسيم لا يفيد اليقين تمثيل التقسيم الحاصر في مسئلة
الرؤية
ثم اذا اختلف الناس في ما يجوز رؤيته فقال بعضهم المصحح للرؤية
امر لا يكون الا وجوديا محضا فما كان وجوده اكمل كان احق ان يرى وقال اخر
بل المصحح لها ما يختص بالوجود الناقص الذي هو اولى بالعدم مثل كون كل
الشيء محدثا مسبوقا بالعدم او ممكنا يقبل العدم كان قول من علل امكان
الرؤية بما يشترك فيه القديم والحادث والواجب والممكن اولى من هذا فان
الرؤية وجود محض وهي انما تتعلق بموجود لا بمعدوم فما كان اكمل وجودا بل
كان وجوده واجبا فهو احق بها مما يلازمه العدم ولهذا يشترط فيها النور الذي
هو بالوجود اولى من الظلمة والنور الاشد كالشمس لم يمتنع رؤيته لذاته بل
لضعف الابصار فهذا يقتضى انا نعجز عن رؤية الله مع ضعف ابصارنا ولهذا لم
يطق موسى رؤية الله في الدنيا لكن لا يمتنع ان تكون رؤيته ممكنه والله قادر
على تقوية ابصارنا لنراه
واذا قيل هي مشروطة ب اللون و الجهة ونحو
ذلك مما يمتنع على الله قيل له كل ما لا بد منه في الرؤية لا يمتنع في حق
الله فاذا قال القائل لو رؤى للزم كذا واللازم منتف كانت احدى مقدمتيه
كاذبة وهكذا كل ما اخبر به الصادق الذي اخبر بأن المؤمنين يرون ربهم كما
يرون الشمس والقمر كل ما اخبر به وظن الظان ان في العقل ما يناقضة لا بد ان
يكون احدى مقدماته باطلة
فاذا قال لو رؤى لكان متحيزا او جسما او كان
في جهة او كان ذا لون وذلك منتف عن الله قيل له جميع هذه الالفاظ مجملة لم
يأت شرع بنفي
امر لا يكون الا وجوديا محضا فما كان وجوده اكمل كان احق ان يرى وقال اخر
بل المصحح لها ما يختص بالوجود الناقص الذي هو اولى بالعدم مثل كون كل
الشيء محدثا مسبوقا بالعدم او ممكنا يقبل العدم كان قول من علل امكان
الرؤية بما يشترك فيه القديم والحادث والواجب والممكن اولى من هذا فان
الرؤية وجود محض وهي انما تتعلق بموجود لا بمعدوم فما كان اكمل وجودا بل
كان وجوده واجبا فهو احق بها مما يلازمه العدم ولهذا يشترط فيها النور الذي
هو بالوجود اولى من الظلمة والنور الاشد كالشمس لم يمتنع رؤيته لذاته بل
لضعف الابصار فهذا يقتضى انا نعجز عن رؤية الله مع ضعف ابصارنا ولهذا لم
يطق موسى رؤية الله في الدنيا لكن لا يمتنع ان تكون رؤيته ممكنه والله قادر
على تقوية ابصارنا لنراه
واذا قيل هي مشروطة ب اللون و الجهة ونحو
ذلك مما يمتنع على الله قيل له كل ما لا بد منه في الرؤية لا يمتنع في حق
الله فاذا قال القائل لو رؤى للزم كذا واللازم منتف كانت احدى مقدمتيه
كاذبة وهكذا كل ما اخبر به الصادق الذي اخبر بأن المؤمنين يرون ربهم كما
يرون الشمس والقمر كل ما اخبر به وظن الظان ان في العقل ما يناقضة لا بد ان
يكون احدى مقدماته باطلة
فاذا قال لو رؤى لكان متحيزا او جسما او كان
في جهة او كان ذا لون وذلك منتف عن الله قيل له جميع هذه الالفاظ مجملة لم
يأت شرع بنفي
مسماها حتى تنفى بالشرع وإنما ينفيها من ينفيها فيستفسر
عن مراده إذ البحث في المعاني المعقولة لا في مجرد هذه الالفاظ
فيقال
ما تريد بأن المرئي لا بد أن يكون متحيزا فان المتحيز في لغة العرب التي
نزل بها القرآن يعنى به ما يحوزه غيره كما في قوله تعالى أو متحيزا الى فئة
الانفال فهذا تحيز موجود يحيط به موجود غيره الى موجودات تحيط به وسمى
متحيزا لانه تحيز من هؤلاء الى هؤلاء والمتكلمون يريدون ب التحيز ما شغل
الحيز والحيز عندهم تقدير مكان ليس أمرا موجودا فالعالم عندهم متحيز وليس
في حيز وجودى والمكان عند أكثرهم وجودى
فاذا أريد ب المتحيز ما يكون
في حيز وجودى منعت المقدمة الاولى وهو قوله كل مرئى متحيز فان سطح العالم
يمكن أن يرى وليس في عالم آخر وإن قال بل أريد به لا بد أن يكون في حيز وإن
كان عدميا قيل له العدم ليس بشئ فمن جعله في الحيز العدمى لم يجعله في شئ
موجود ومعلوم انه ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق فاذا كان الخالق بائنا
عن المخلوقات كلها لم يكن في شئ موجود وإذا قيل هو في حيز معدوم كان حقيقته
انه ليس في شئ فلم قلت إن هذا محال
وكذلك إذا قال يلزم ان يكون جسما
ففيه إجمال التنبيه عليه
وكذلك إذا قال في جهة فان الجهة يراد بها شئ
موجود وشئ معدوم فان شرط في المرئي ان يكون في جهة موجودة كان هذا باطلا
برؤية سطح العالم وإن جعل العدم جهة قيل له إذا كان بائنا عن العالم ليس
معه هناك غيره فليس في جهة وجودية وإذا سميت ما هنالك جهة وقلت هو في جهة
على هذا التقدير منعت انتفاء اللازم وقيل لك العقل والسمع يدلان على ثبوت
هذا اللازم لا
على انتفائه
وهذا التقسيم مثلنا به في مسئلة
الرؤية فانها من أشكل المسائل العلقية وأبعدها من قبول التقسيم المنحصر ومع
هذا فان حصر الاقسام فيها ممكن فكيف يغيرها
وحيئنذ فاذا احتج عليها ب
قياس التمثيل فقيل المخلوقات الموجودة يمكن رؤيتها فالخالق احق بامكان
الرؤية لان المصحح للرؤية في المخلوقات امر مشترك بين الخالق والمخلوق لا
يختص بالمخلوق وإذا كان المشترك مستلزما لصحة الرؤية ثبتت صحة الرؤية
ولا يجعل المشترك المصحح هو مجرد الوجود كما يسلكه الاشعري ومن اتبعه
كالقاضي أبى بكر وطائفة من أصحاب أحمد وغيرهم كالقاضي ابى يعلى بل يجعله
القيام بالنفس كما يسلكه ابن كلاب وغيره من مثبتي الرؤية من اصحاب احمد
وغيرهم كأبي الحسن الزاغونى أو لا يعين المصحح بل يجعل قدرا مشتركا
كالتقسيم الحاصر وهو أيضا يفيد اليقين كما قد بسط في موضعه
وإذا كانت
مسئلة الرؤية والمصحح لها أمكن تقريره على هذا الوجه فكيف فيما هو أوضح
منها إذا قيل الفاعل منا مريد وهو متصور لما يفعله فالخالق آولى أن يعلم ما
خلق او قيل إذا كان الفعل الاختياري فينا مشروطا بالعلم فهو في حق الخالق
أولى لأن ما به استلزمت الإرادة العلم إما أن يختص بالعبد أو يكون مشتركا
والاول باطل فتعين الثاني لان استلزام الارادة العلم كمال للفاعل لا نقص
فيه والواجب احق بالكمال الذي لا نقص فيه من الممكن المخلوق فاذا كان العبد
يعلم ما يفعل فالباري آولى أن يعلم ما يفعل
وإذا قيل إذا كان الرب
حيا امكن كونه سميعا بصيرا متكلما وما جاز له من الصفات وجب له لان ثبوت
صفاته له لا تتوقف على غيره ولا يجعله غيره متصفا بصفات الكمال لان من جعل
غيره كاملا فهو أحق بالكمال منه وغيره مخلوقه ويمتنع ان يكون مخلوقه اكمل
منه بل ويمتنع ان يكون هو الذي اعطاه صفات الكمال لان ذلك يستلزم الدور
القبلي او غير ذلك من الادلة التي بسطت في غير هذا الموضع
وهم في
كلامهم في جنس القياس لم يتعرضوا لآحاد المسائل ونحن لا نحتاج الى ذلك لكن
الغرض التمثيل لمسائل قد يشكل على كثير من الناس استعمال القياس فيها لأجل
المادة فتبين أن لها مادة يمكن ان يستخرج منها أدلة تلك المطالب وتلك
المادة تصور بصورة الشمول تارة وبصورة التمثيل أخرى لكن إذا صورت بصورة
الشمول علم ان افرادها لا تتساوى وإذا صورت بصورة التمثيل علم أن الرب أحق
بكل كمال لا نقص فيه ان يثبت له واحق بنفى كل نقص عنه من نفيه عن سائر
الموجودات
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تقابلهم لمنكري تأثير حركات الفلك في الحوادث مطلقا
بل يطردون هذا
في جميع الموجودات فلا يجعلون الله خلق شيئا لسبب ولا لحكمة ولا يجعلون
للانسان قدرة تؤثر في مقدورها ولا لشيء من الاجسام طبيعة ولا غريزة بل
يقولون فعل عنده لا به وخالفوا بذلك الكتاب والسنة واجماع السلف والائمة
وصرائح العقول
فان الله تعالى يقول ان في خلق السموات والارض واختلف
اليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من
السماء من ماء فأخيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح
والسحاب المسخر بين السماء والارض لايت لقوم يعقلون البقرة وقال تعالى وهو
الذي يرسل الريح بشرا بين يدى رحمته حتى اذا أقلت سحابا ثقالا سقنه لبلد
ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم
تذكرون الاعراف وقال ونزلنا من السماء ماء مبركا فانبتنا به جنت وحب الحصيد
ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة يذكر سبحانه انه فعل هذا بهذا كما ذكر انه
انزل الماء بالسحاب وانه احيا الارض بالماء
والعلماء متفقون على
اثبات حكمة الله في خلقه وامره واثبات الاسباب والقوى كما قد ذكرنا اقوالهم
في موضعها وليس من السلف من انكر كون حركات الكواكب قد تكون من تمام اسباب
الحوادث كما ان الله جعل هبوب الرياح ونور الشمس والقمر من اسباب الحوادث
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي ص - انه قال ان الشمس والقمر ايتان من ايات
الله لا تنكسفان لموت احد ولا لحياته ولكنهما ايتان من ايات الله يخوف الله
بهما عباده فاذا رايتموهما فافزعوا الى الصلوة
وامر رسول الله ص -
عند الكسوف بالصلوة والذكر والدعاء والصدقة والعتاقة والاستغفار وكذلك عند
سائر الايات التي يخوف الله بها عباده
وقوله لا تنكسفان لموت احد ولا
لحياته رد لما كان قد توهمه بعض الناس من ان كسوف الشمس كان لاجل موت
ابراهيم ابن النبي ص - وكان قد مات وكسفت الشمس فتوهم بعض الجهال من
المسلمين ان الكسوف كان لاجل هذا فبين لهم النبي ص - ان الكسوف لا يكون
سببه موت احد من اهل الارض ونفى بذلك ان يكون الكسوف معلولا عن ذلك وظنوا
ان هذا من جنس اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ كما ثبت ذلك في الصحيح فنفى
النبي ص - ذلك وبين ان ذلك من ايات الله التي يخوف بها عباده
والتخويف
انما يكون بما يكون سببا للشر قال تعالى وما نرسل بالايت الا تخويفا فلو
كان الكسوف وجوده كعدمه بالنسبة الى الحوادث لم يكن سببا لشر وهو خلاف نص
الرسول
وايضا في السير ان النبي ص - نظر الى القمر وقال لعائشة يا
عائشة تعوذي بالله من شر هذا فان هذا هو الغاسق اذا وقب والاستعاذة انما
تكون مما يحدث عنه شر
وامر ص - عند انعقاد اسباب الشر بما يدفع موجبها
بمشيئتة الله تعالى وقدرته من الصلوة والدعاء والذكر والاستغفار والتوبة
والاحسان بالصدقة والعتاقة فان هذه الاعمال الصالحة تعارض الشر الذي انعقد
سببه كما في الحديث
ان الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والارض
فيعتلجان
وهذا كما لو جاء عدو فانه يدفع بالدعاء وفعل الخير وبالجهاد
له واذا هجم البرد يدفع باتخاذ الدفء فكذلك الاعمال الصالحة والدعاء
وهذا ما اتفق عليه الملل واساطين الفلاسفة حتى يذكر عن بطلميوس انه قال
واعلم ان ضجيج الاصوات في هياكل العبادات بفنون اللغات يحلل ما عقدته
الافلاك الدائرات
وكسوف الشمس انما يكون وقت استسرار القمر اخر الشهر
وخسوف القمر انما يكون ليالي الابدار الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر
كما ان الهلال قد يكون ليلة الثلاثين او الحادي والثلاثين هذا الذي اجرى
الله به عادته في حركات الشمس والقمر
وما ذكره بعض الفقهاء من تقدير
اجتماع الكسوف وصلوة العيد فهذا لم يقله احد من الصحابة ولا ذكره اكثر
العلماء لا احمد ولا غيره ولكن ذكره طائفة من الفقهاء من اصحاب الشافعي
واحمد وغيرهما تبعا لما ذكره الشافعي وانه رضي الله عنه لما تكلم فيما اذا
اجتمع صلوتان كيف يصنع وذكر انه يقدم ما يفوت على ما لا يفوت ذكر من جملة
التقدير صلوة العيد والكسوف طردا للقاعدة مع اعراضه عن كون ذلك يقع او لا
يقع كما يقدر الفقهاء مسائل كثيرة لطرد القياس مع اعراضهم عن وقوع ذلك في
الوجود بل يقدرون ما يعلمون انه لا يقع عادة كعشرين جدة وفروع الوصايا فجاء
بعض الفقهاء فأخذ يكابر ويقول ان هذا قد يقع
وذكروا عن الواقدي
انه قال ابراهيم مات يوم العاشر وذلك اليوم كسفت الشمس وهذا كله باطل
والواقدي ليس بحجة بالاجماع اذا اسند ما ينقله فكيف اذا كان مقطوعا وقول
القائل انها كسفت يوم العاشر بمنزلة قوله طلع الهلال في عشرين من الشهر لكن
هذه عادة ظاهرة يعرفها الناس كلهم وتلك عادة يعرفها من استقراها وعرف
اسبابها ومجاري النيرين من الناس التكلم بلاعلم في الشرعيات وفي
العقليات وضرره
اجهل الناس
بالعقليات والشرعيات واكثر ما عندهم من العقليات امور قلدوا من قالها لو
سئلوا عن دليل عقلي يدل عليها لعجزوا عن بيانه والجواب عما يعارضه ثم من
العجائب انهم يتركون اتباع الرسل المعصومين الذين لا يقولون الا الحق
ويعرضون عن تقليدهم ثم يقلدون في مخالفة 2ما جاءوا به من يعلمون هم انه ليس
بمعصوم وانه قد يخطىء تارة ويصيب اخرى
وهؤلاء عندهم امور معلومة من
الحسابيات مثل وقت الكسوف والخسوف ومثل كرية الافلاك ووجود السحاب من
البخاري ونحو ذلك من الامور الطبيعية والرياضية فيحتجون بها على من يظن انه
من اهل الشرع فيسرع ذلك المنتسب الى الشرع برد ما يقولونه بجهله فيكون رد
ما قالوه من الحق سببا لتنفيرهم عما جاء به الرسول من الحق بسبب مناظرة هذا
الجاهل
والله تعالى امرنا ان لا نكذب ولا نكذب بحق وانما مدح سبحانه
من يصدق فيتكلم بعلم ويصدق ما يقال له من الحق قال تعالى ومن اظلم ممن
افترى على الله كذبا او كذب بالحق لما جاءه اليس في جهنم مثوى للكفرين
العنكبوت والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون الزمر وهاتان صفتان
لنوع واحد وهو من يجى بالصدق ويصدق بالحق اذا جاءه فهذا هو المحمود عند
الله واما من كذب او كذب بما جاءه من الحق فذلك مذموم عند الله تعالى
وكذلك قال تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم أي لا تقل ما ليس لك به علم ان
السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا الاسراء
وقال تعالى
قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والائم والبغي بغير الحق وان
تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون
الاعراف وقال تعالى ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا
النجم ومثل هذا متعدد في كتاب الله تعالى حقيقة ملائكة الله تعالى
وعقول الفلاسفة
ومع هذا فلفظه اول ما خلق
الله العقل قال له اقبل فأقبل فقال له ادبر فأدبر فقال وعزتي ما خلقت خلقا
اكرم على منك فبك اخذ ربك اعطى وبك الثواب وبك العقاب فان كان الحديث صحيحا
فهو حجة عليهم لان معناه انه خاطب العقل في اول اوقات خلقه بهذا الخطاب
وفيه انه لم يخلق خلقا اكرم عليه منه فهذا يدل على انه خلق قبله غيره
وايضا ف العقل في لغة الرسول وأصحابه وامته عرض من الاعراض يكون مصدر عقل
يعقل عقلا كما في قوله لعلهم يعقلون ولعلكم تعقلون ولهم قلوب لا يعقلون بها
ونحو ذلك وقد يراد به الغريزة التي في الانسان قال احمد بن حنبل والحارث
المحاسبي وغيرهما ان العقل غريزة
والعقل في لغة فلاسفة اليونان جوهر
قائم بنفسه فأين هذا من هذا ولهذا قال في الحديث فبك اخذ وبك اعطى وبك
الثواب وبك العقاب وهذا يقال في عقل بني ادم
وهم يزعمون ان اول ما صدر
عن رب العالمين جوهر قائم بنفسه وانه رب جميع العالم وان العقل العاشر هو
رب كل ما تحت فلك القمر ومنه تنزلت الكتب على الانبياء
وعندهم ان
الله لا يعرف عين موسى ولا عيسى ولا محمد ولا غير ذلك من جزئيات هذا العالم
فضلا عن علمه بتفاصيل ما جرى يوم بدر ويوم احد ويوم الاحزاب وغير ذلك من
الاحوال التي يذكرها الله في القران ويخبر بما كان ويكون من الامور المعينة
الجزئية
ولهذا كان قولهم في النبوة انها مكتسبة وانها فيض يفيض على
روح النبي اذا استعدت نفسه لذلك فمن راض نفسه حتى استعدت فاض ذلك عليه وان
الملائكة هي ما يتخيل في نفسه من الخيالات النورانية وكلام الله هو ما
يسمعه في نفسه من الاصوات بمنزلة ما يراه النائم في منامه
ومن عرف ما
اخبر الله به عن ملائكته جبريل وغيره في غير موضع علم ان هذا الذي قالوه
اشد مخالفة لما جاءت به الرسل من اقوال الكفار المبدلين من اليهود والنصارى
فان الله اخبر عن الملائكة لما جاءوا الى ابراهيم في صورة البشر اضيافا ثم
ذهبوا الى لوط في غير موضع واخبر عن جبريل حين ذهب الى مريم وتمثل لها
بشرا سويا ونفخ فيها
وكان جبريل يأتي النبي ص - في صورة دحية الكلبي
غير مرة واتاه مرة في صورة اعرابي وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ان
الحرث بن هشام قال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي قال يأتيني احيانا
في مثل صلصلة الجرس وهو اشد على فيفصم عني وقد وعيت ما قال واحيانا يتمثل
لي الملك رجلا فيكلمني فأعى ما يقول قالت عائشة لقد رايته ينزل عليه في
اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد عرقا
وقد قال تعالى
انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم امين وما صاحبكم
بمجنون ولقد راه بالافق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان
رجيم التكوير واكثر القراء يقرءون بظنين يعني بمتهم وقد قرى بضنين أي ببخيل
وزعم بعض المتفلسفة ان هذا هو العقل الفعال لانه دائم الفيض فيقال قد قال
لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم والعقل الفعال لو قدر
وجوده فلا تأثير له فيما ثم وانما تأثيره فيما تحت فلك القمر فكيف ولا
حقيقة له
بل ما يدعونه من المجردات والمفارقات غير النفس الناطقة ك
العقول والنفوس انما وجودها في الاذهان لا في الاعيان كما بسط الكلام عليها
في الصفدية وغيرها فان ما يقولونه من العقليات في الطبيعيات غالبه صحيح
وكذلك في الحساب المجرد حساب العدد والمقدار الكم والكيف فان هذا كله صحيح
وانما يغلط الانسان فيه من نفسه ابن سينا والعبيديون الاسماعيلية
واما الالهيات فكلام ارسطو واصحابه فيها قليل جدا ومع قلته فكثير منه بل
اكثره خطأ ولكن ابن سينا اخذ ما ذكروه وضم اليه امورا اخر من اصول
المتكلمين واخذ يقول ما ذكره على بعض الفاظ الشرع وكان هو 8واهل
بيته
من الملاحدة الباطنية اتباع الحاكم وعيرة من العبيديين الاسماعيلية وأولئك
كانوا يستعملون التأويل الباطن في جميع امور الشريعة علميها وعمليها حتى
تأولوا الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت لكن كانوا يأمرون بالشريعة
لعوامهم فانهم كانوا يتظاهرون بالتشيع
وكانت الرافضة الاثناعشرية
تدعى ان الامامة بعد جعفر في ابنه موسى بن جعفر فادعى هؤلاء انها في ابنه
إسمعيل بن جعفر وانتقلت الى ابنه محمد بن إسمعيل وادعوا ان ميمون القداح بن
محمد هذا وسموا محمد هذا هو الامام المخفى وإنما كان ميمون هذا يعرف
بالانتساب الى باهلة وقد ذكر غير واحد من اهل المعرفة أنه كان يهوديا وكان
من أبناء المجوس كما ذكر ذلك القاضي ابو بكر ابن الطيب في كتاب كشف اسرارهم
وهتك أستارهم وغيره من علماء المسلمين
وأما قرامطة البحرين ابو سعيد
بن الجنابى واصحابه فأولئك كانوا يتظاهرون بالكفر الصريح ولهذا قتلوا
الحجاج والقوهم في بئر زمزم واخذوا الحجر
الاسود وبقى عندهم مدة
بخلاف العبيديين فانهم كانوا يتظاهرون بالاسلام ويقولون إنهم شيعة فالظاهر
عنهم الرفض لكن كان باطنهم الالحاد والزندقة كما قال ابو حامد الغزالي في
كتاب المستظهري ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض وهذا الذي قاله ابو حامد
فيهم هو متفق عليه بين علماء المسلمين وكانوا يأمرون عامتهم بالعبادات وهم
على درجات مرتبة عندهم كلما ارتفع درجة عبروا الشريعة عنده فاذا انتهى
اسقطوا عنه الشرع
وكان ابن صباح من أتباعهم احنا عن المستنصر الذي جرى
في ايامه فتنه البساسيرى وهو الذي احدث السكين واصحاب الالموت من اتباعه
والذين كانوا بالشام كسنان ونحوه هم من اتباع اولئك وباطنهم مركب من مذهب
4المجوس والفلاسفة واخذوا عن المجوس الاصلين النور والظلمة واخذوا عن
الفلاسفة العقل والنفس وعبروا هم عن ذلك ب السابق والتالي
فلما دخل
معهم المتفلسفة كابن سينا وأمثاله تبين لهم ان ما يدعونه على الرسول من
التأويلات مما يعلم بطلان كثير منها بالضرورة والفيلسوف من حيث هو فيلسوف
ليس له غرض فيما يعلم أنه باطل فسلكوا مسلكا بين مسلك هؤلاء الملاحدة وبين
دين المسلمين فالشرائع الظاهرة أقروها ولم يتأولوها لكن قد يقولون إن بعضها
يسقط عن الخاصة ودخل معهم في هذا طائفة من متصوفة الفلاسفة كابن عربي وابن
سبعين وغيرهما وأما العلميات فتأولوا بعضها كاللوح قالوا هو النفس الكلية
والقلم هو العقل الفعال وربما قالوا عن الكوكب والشمس والقمر التي رآها
إبراهيم إنها النفس والعقل الفعال والعقل الاول وتأولوا الملئكة ونحو ذلك
وأما صفات الرب ومعاد الابدان وغير ذلك فمذهب محققيهم كابن سينا وأمثاله
أنها لا تتأول وأن ما دلت عليه ليس ثابتا في نفس الامر ولا يستفاد منها علم
قالوا بل المراد منها خطاب الجمهور بما يخيل اليهم ما يعتقدونه في امر
الايمان بالله واليوم الاخر لينتفعوا بذلك الاعتقاد وإن كان باطلا لا حقيقة
له في نفس الامر فان هذا غايته ان الانبياء كذبوا لمصلحة الجمهور وهم يرون
مثل ذلك من تمام حكمتهم وهم يعظمون شرائع الانبياء العملية وأما العلمية
فعندهم العلم في ذلك بما يقوله الفلاسفة وأما الانبياء فلا يستفاد من جهتهم
علم بذلك
ثم منهم من يقول النبي أعظم من الفيلسوف فيقولون النبي كان
في الباطن على مذهب هؤلاء الفلاسفة لكن خاصته التخييل وإن كان كذبا في
الحقيقة لمصلحة الجمهور ومنهم من يقول بل الفيلسوف أعظم من النبى والنبي قد
لا يكون عارفا في الباطن بما يجوز على الله وما لا يجوز وحقيقة الامر في
المعاد لكن هو حاذق في وضع الشرائع العملية
وكثير من ملاحدة المتصوفة
كابن عربي وابن سبعين والقونوي
والتلمساني وغيرهم يوافقونهم في
أصولهم لكن يغيرون العبارات فيعبرون بالعبارات الاسلامية عما هو قولهم وفي
الكتب المضنون بها على غير اهلها وغيرها من كتب مصنفيها قطعة من هذا وبسبب
ذلك وقع ابن عربي وامثاله من ملاحدة المتصوفة مع هؤلاء ولهذا كثر كلام
علماء المسلمين في مصنفيها ومن الناس من ينكر ان تكون من كلام ابي حامد لما
رأى ما فيها من المصائب العظيمة وآخرون يقولون بل رجع عن ذلك وختم له
بالاشتغال بالبخاري ومسلم كما قد ذكر ذلك في سيرته
وهؤلاء المتفلسفة
ومتصوفوهم كابن سبعين وأتباعه يجوزون ان يكون الرجل يهوديا او نصرانيا او
مشركا يعبد الاوثان فليس الاسلام عندهم واجبا ولا التهود والتنصر والشرك
محرما لكن قد يرجحون شريعة الاسلام على غيرها وإذا جاء المريد الى شيخ من
شيوخهم وقال اريد ان اسلك على يديك يقول له على دين المسلمين أو اليهود أو
النصارى فاذا قال له المريد اليهود والنصارى أما هم كفار يقول لا ولكن
المسلمون خير منهم وهذا من جنس جهال التتر أول ما أسلموا فان الاسلام عندهم
خير من غيره وإن كان غيره جائزا لا يوالون عليه ويعادون عليه
وهذا
أيضا اكثر اعتقاد علماء النصارى أو كثير من اليهود يرون دين المسلمين
واليهود والنصارى بمنزلة المذاهب في دين المسليمن فيجوز للرجل عندهم ان
ينتقل من هذه الملة الى تلك إما لرجحانها عنده في الدين وإما لمصلحة دنياه
كما ينتقل الانسان من مذهب بعض ائمة المسلمين الى مذهب إمام آخر كما ينتقل
من مذهب مالك إلى الشافعي ومن مذهب ابي حنيفة الى مذهب احمد ونحو ذلك
وهذا الاصل قد
تقابلوا فيه هم والمبتدعة من اهل الكلام فأولئك يقولون ليس لشيء من حركات
الفلك تأثير في هذا العالم ولا شيء منها سبب في حدوث شيء
تقابلوا فيه هم والمبتدعة من اهل الكلام فأولئك يقولون ليس لشيء من حركات
الفلك تأثير في هذا العالم ولا شيء منها سبب في حدوث شيء
بل يطردون هذا
في جميع الموجودات فلا يجعلون الله خلق شيئا لسبب ولا لحكمة ولا يجعلون
للانسان قدرة تؤثر في مقدورها ولا لشيء من الاجسام طبيعة ولا غريزة بل
يقولون فعل عنده لا به وخالفوا بذلك الكتاب والسنة واجماع السلف والائمة
وصرائح العقول
فان الله تعالى يقول ان في خلق السموات والارض واختلف
اليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من
السماء من ماء فأخيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح
والسحاب المسخر بين السماء والارض لايت لقوم يعقلون البقرة وقال تعالى وهو
الذي يرسل الريح بشرا بين يدى رحمته حتى اذا أقلت سحابا ثقالا سقنه لبلد
ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم
تذكرون الاعراف وقال ونزلنا من السماء ماء مبركا فانبتنا به جنت وحب الحصيد
ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة يذكر سبحانه انه فعل هذا بهذا كما ذكر انه
انزل الماء بالسحاب وانه احيا الارض بالماء
والعلماء متفقون على
اثبات حكمة الله في خلقه وامره واثبات الاسباب والقوى كما قد ذكرنا اقوالهم
في موضعها وليس من السلف من انكر كون حركات الكواكب قد تكون من تمام اسباب
الحوادث كما ان الله جعل هبوب الرياح ونور الشمس والقمر من اسباب الحوادث
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي ص - انه قال ان الشمس والقمر ايتان من ايات
الله لا تنكسفان لموت احد ولا لحياته ولكنهما ايتان من ايات الله يخوف الله
بهما عباده فاذا رايتموهما فافزعوا الى الصلوة
وامر رسول الله ص -
عند الكسوف بالصلوة والذكر والدعاء والصدقة والعتاقة والاستغفار وكذلك عند
سائر الايات التي يخوف الله بها عباده
وقوله لا تنكسفان لموت احد ولا
لحياته رد لما كان قد توهمه بعض الناس من ان كسوف الشمس كان لاجل موت
ابراهيم ابن النبي ص - وكان قد مات وكسفت الشمس فتوهم بعض الجهال من
المسلمين ان الكسوف كان لاجل هذا فبين لهم النبي ص - ان الكسوف لا يكون
سببه موت احد من اهل الارض ونفى بذلك ان يكون الكسوف معلولا عن ذلك وظنوا
ان هذا من جنس اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ كما ثبت ذلك في الصحيح فنفى
النبي ص - ذلك وبين ان ذلك من ايات الله التي يخوف بها عباده
والتخويف
انما يكون بما يكون سببا للشر قال تعالى وما نرسل بالايت الا تخويفا فلو
كان الكسوف وجوده كعدمه بالنسبة الى الحوادث لم يكن سببا لشر وهو خلاف نص
الرسول
وايضا في السير ان النبي ص - نظر الى القمر وقال لعائشة يا
عائشة تعوذي بالله من شر هذا فان هذا هو الغاسق اذا وقب والاستعاذة انما
تكون مما يحدث عنه شر
وامر ص - عند انعقاد اسباب الشر بما يدفع موجبها
بمشيئتة الله تعالى وقدرته من الصلوة والدعاء والذكر والاستغفار والتوبة
والاحسان بالصدقة والعتاقة فان هذه الاعمال الصالحة تعارض الشر الذي انعقد
سببه كما في الحديث
ان الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والارض
فيعتلجان
وهذا كما لو جاء عدو فانه يدفع بالدعاء وفعل الخير وبالجهاد
له واذا هجم البرد يدفع باتخاذ الدفء فكذلك الاعمال الصالحة والدعاء
وهذا ما اتفق عليه الملل واساطين الفلاسفة حتى يذكر عن بطلميوس انه قال
واعلم ان ضجيج الاصوات في هياكل العبادات بفنون اللغات يحلل ما عقدته
الافلاك الدائرات
وكسوف الشمس انما يكون وقت استسرار القمر اخر الشهر
وخسوف القمر انما يكون ليالي الابدار الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر
كما ان الهلال قد يكون ليلة الثلاثين او الحادي والثلاثين هذا الذي اجرى
الله به عادته في حركات الشمس والقمر
وما ذكره بعض الفقهاء من تقدير
اجتماع الكسوف وصلوة العيد فهذا لم يقله احد من الصحابة ولا ذكره اكثر
العلماء لا احمد ولا غيره ولكن ذكره طائفة من الفقهاء من اصحاب الشافعي
واحمد وغيرهما تبعا لما ذكره الشافعي وانه رضي الله عنه لما تكلم فيما اذا
اجتمع صلوتان كيف يصنع وذكر انه يقدم ما يفوت على ما لا يفوت ذكر من جملة
التقدير صلوة العيد والكسوف طردا للقاعدة مع اعراضه عن كون ذلك يقع او لا
يقع كما يقدر الفقهاء مسائل كثيرة لطرد القياس مع اعراضهم عن وقوع ذلك في
الوجود بل يقدرون ما يعلمون انه لا يقع عادة كعشرين جدة وفروع الوصايا فجاء
بعض الفقهاء فأخذ يكابر ويقول ان هذا قد يقع
وذكروا عن الواقدي
انه قال ابراهيم مات يوم العاشر وذلك اليوم كسفت الشمس وهذا كله باطل
والواقدي ليس بحجة بالاجماع اذا اسند ما ينقله فكيف اذا كان مقطوعا وقول
القائل انها كسفت يوم العاشر بمنزلة قوله طلع الهلال في عشرين من الشهر لكن
هذه عادة ظاهرة يعرفها الناس كلهم وتلك عادة يعرفها من استقراها وعرف
اسبابها ومجاري النيرين من الناس التكلم بلاعلم في الشرعيات وفي
العقليات وضرره
فليس لاحد ان يتكلم بلا علم بل يحذر ممن يتكلم في
الشرعيات بلا علم وفي العقليات بلا علم فان قوما ارادوا بزعمهم نصر الشرع
بعقولهم الناقصة واقيستهم الفاسدة فكان ما فعلوه مما جرا الملحدين اعداء
الدين عليه فلا للاسلام نصروا ولا لاعدائه كسروا
واقوام يدعون انهم
يعرفون العلوم العقلية وانها قد تخالف الشريعة وهم من
الشرعيات بلا علم وفي العقليات بلا علم فان قوما ارادوا بزعمهم نصر الشرع
بعقولهم الناقصة واقيستهم الفاسدة فكان ما فعلوه مما جرا الملحدين اعداء
الدين عليه فلا للاسلام نصروا ولا لاعدائه كسروا
واقوام يدعون انهم
يعرفون العلوم العقلية وانها قد تخالف الشريعة وهم من
اجهل الناس
بالعقليات والشرعيات واكثر ما عندهم من العقليات امور قلدوا من قالها لو
سئلوا عن دليل عقلي يدل عليها لعجزوا عن بيانه والجواب عما يعارضه ثم من
العجائب انهم يتركون اتباع الرسل المعصومين الذين لا يقولون الا الحق
ويعرضون عن تقليدهم ثم يقلدون في مخالفة 2ما جاءوا به من يعلمون هم انه ليس
بمعصوم وانه قد يخطىء تارة ويصيب اخرى
وهؤلاء عندهم امور معلومة من
الحسابيات مثل وقت الكسوف والخسوف ومثل كرية الافلاك ووجود السحاب من
البخاري ونحو ذلك من الامور الطبيعية والرياضية فيحتجون بها على من يظن انه
من اهل الشرع فيسرع ذلك المنتسب الى الشرع برد ما يقولونه بجهله فيكون رد
ما قالوه من الحق سببا لتنفيرهم عما جاء به الرسول من الحق بسبب مناظرة هذا
الجاهل
والله تعالى امرنا ان لا نكذب ولا نكذب بحق وانما مدح سبحانه
من يصدق فيتكلم بعلم ويصدق ما يقال له من الحق قال تعالى ومن اظلم ممن
افترى على الله كذبا او كذب بالحق لما جاءه اليس في جهنم مثوى للكفرين
العنكبوت والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون الزمر وهاتان صفتان
لنوع واحد وهو من يجى بالصدق ويصدق بالحق اذا جاءه فهذا هو المحمود عند
الله واما من كذب او كذب بما جاءه من الحق فذلك مذموم عند الله تعالى
وكذلك قال تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم أي لا تقل ما ليس لك به علم ان
السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا الاسراء
وقال تعالى
قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والائم والبغي بغير الحق وان
تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون
الاعراف وقال تعالى ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا
النجم ومثل هذا متعدد في كتاب الله تعالى حقيقة ملائكة الله تعالى
وعقول الفلاسفة
ثم ان حركات الافلاك وان كانت من جملة الاسباب فليس
الحوادث كلها صادرة عن حركة الفلك بل فوق ذلك من مخلوقات الله امور اخر
وملائكة الله الذين يدبر بهم امر السماء والارض وهم المدبرات امرا
والمقسمات امرا التي اقسم الله بها في كتابه ليست هي الكواكب عند احد من
سلف الامة وليست الملائكة هي العقول والنفوس التي تثبتها الفلاسفة المشاون
اتباع ارسطو ونحوهم كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع وبين خطأ من
يظن ذلك ويجمع بين ما قالوه وبين ما جاءت به الرسل
ويقول ان قوله اول
ما خلق الله العقل هو حجة لهم على العقل الاول ويسمونه القلم ليجعلوا ذلك
مطابقا لقوله اول ما خلق الله القلم بسطنا الكلام على ذلك في نحو مجلد في
الكلام على السبعينية وغيرها وذكرنا ان حديث العقل ضعيف باتفاق اهل المعرفة
بالحديث كأبي حاتم بن حبان وابي جعفر العقيلي وابي الحسن الدار قطني وابي
الفرج بن الجوزي وغيرهم بل هو موضوع عندهم
الحوادث كلها صادرة عن حركة الفلك بل فوق ذلك من مخلوقات الله امور اخر
وملائكة الله الذين يدبر بهم امر السماء والارض وهم المدبرات امرا
والمقسمات امرا التي اقسم الله بها في كتابه ليست هي الكواكب عند احد من
سلف الامة وليست الملائكة هي العقول والنفوس التي تثبتها الفلاسفة المشاون
اتباع ارسطو ونحوهم كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع وبين خطأ من
يظن ذلك ويجمع بين ما قالوه وبين ما جاءت به الرسل
ويقول ان قوله اول
ما خلق الله العقل هو حجة لهم على العقل الاول ويسمونه القلم ليجعلوا ذلك
مطابقا لقوله اول ما خلق الله القلم بسطنا الكلام على ذلك في نحو مجلد في
الكلام على السبعينية وغيرها وذكرنا ان حديث العقل ضعيف باتفاق اهل المعرفة
بالحديث كأبي حاتم بن حبان وابي جعفر العقيلي وابي الحسن الدار قطني وابي
الفرج بن الجوزي وغيرهم بل هو موضوع عندهم
ومع هذا فلفظه اول ما خلق
الله العقل قال له اقبل فأقبل فقال له ادبر فأدبر فقال وعزتي ما خلقت خلقا
اكرم على منك فبك اخذ ربك اعطى وبك الثواب وبك العقاب فان كان الحديث صحيحا
فهو حجة عليهم لان معناه انه خاطب العقل في اول اوقات خلقه بهذا الخطاب
وفيه انه لم يخلق خلقا اكرم عليه منه فهذا يدل على انه خلق قبله غيره
وايضا ف العقل في لغة الرسول وأصحابه وامته عرض من الاعراض يكون مصدر عقل
يعقل عقلا كما في قوله لعلهم يعقلون ولعلكم تعقلون ولهم قلوب لا يعقلون بها
ونحو ذلك وقد يراد به الغريزة التي في الانسان قال احمد بن حنبل والحارث
المحاسبي وغيرهما ان العقل غريزة
والعقل في لغة فلاسفة اليونان جوهر
قائم بنفسه فأين هذا من هذا ولهذا قال في الحديث فبك اخذ وبك اعطى وبك
الثواب وبك العقاب وهذا يقال في عقل بني ادم
وهم يزعمون ان اول ما صدر
عن رب العالمين جوهر قائم بنفسه وانه رب جميع العالم وان العقل العاشر هو
رب كل ما تحت فلك القمر ومنه تنزلت الكتب على الانبياء
وعندهم ان
الله لا يعرف عين موسى ولا عيسى ولا محمد ولا غير ذلك من جزئيات هذا العالم
فضلا عن علمه بتفاصيل ما جرى يوم بدر ويوم احد ويوم الاحزاب وغير ذلك من
الاحوال التي يذكرها الله في القران ويخبر بما كان ويكون من الامور المعينة
الجزئية
ولهذا كان قولهم في النبوة انها مكتسبة وانها فيض يفيض على
روح النبي اذا استعدت نفسه لذلك فمن راض نفسه حتى استعدت فاض ذلك عليه وان
الملائكة هي ما يتخيل في نفسه من الخيالات النورانية وكلام الله هو ما
يسمعه في نفسه من الاصوات بمنزلة ما يراه النائم في منامه
ومن عرف ما
اخبر الله به عن ملائكته جبريل وغيره في غير موضع علم ان هذا الذي قالوه
اشد مخالفة لما جاءت به الرسل من اقوال الكفار المبدلين من اليهود والنصارى
فان الله اخبر عن الملائكة لما جاءوا الى ابراهيم في صورة البشر اضيافا ثم
ذهبوا الى لوط في غير موضع واخبر عن جبريل حين ذهب الى مريم وتمثل لها
بشرا سويا ونفخ فيها
وكان جبريل يأتي النبي ص - في صورة دحية الكلبي
غير مرة واتاه مرة في صورة اعرابي وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ان
الحرث بن هشام قال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي قال يأتيني احيانا
في مثل صلصلة الجرس وهو اشد على فيفصم عني وقد وعيت ما قال واحيانا يتمثل
لي الملك رجلا فيكلمني فأعى ما يقول قالت عائشة لقد رايته ينزل عليه في
اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد عرقا
وقد قال تعالى
انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم امين وما صاحبكم
بمجنون ولقد راه بالافق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان
رجيم التكوير واكثر القراء يقرءون بظنين يعني بمتهم وقد قرى بضنين أي ببخيل
وزعم بعض المتفلسفة ان هذا هو العقل الفعال لانه دائم الفيض فيقال قد قال
لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم والعقل الفعال لو قدر
وجوده فلا تأثير له فيما ثم وانما تأثيره فيما تحت فلك القمر فكيف ولا
حقيقة له
بل ما يدعونه من المجردات والمفارقات غير النفس الناطقة ك
العقول والنفوس انما وجودها في الاذهان لا في الاعيان كما بسط الكلام عليها
في الصفدية وغيرها فان ما يقولونه من العقليات في الطبيعيات غالبه صحيح
وكذلك في الحساب المجرد حساب العدد والمقدار الكم والكيف فان هذا كله صحيح
وانما يغلط الانسان فيه من نفسه ابن سينا والعبيديون الاسماعيلية
واما الالهيات فكلام ارسطو واصحابه فيها قليل جدا ومع قلته فكثير منه بل
اكثره خطأ ولكن ابن سينا اخذ ما ذكروه وضم اليه امورا اخر من اصول
المتكلمين واخذ يقول ما ذكره على بعض الفاظ الشرع وكان هو 8واهل
بيته
من الملاحدة الباطنية اتباع الحاكم وعيرة من العبيديين الاسماعيلية وأولئك
كانوا يستعملون التأويل الباطن في جميع امور الشريعة علميها وعمليها حتى
تأولوا الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت لكن كانوا يأمرون بالشريعة
لعوامهم فانهم كانوا يتظاهرون بالتشيع
وكانت الرافضة الاثناعشرية
تدعى ان الامامة بعد جعفر في ابنه موسى بن جعفر فادعى هؤلاء انها في ابنه
إسمعيل بن جعفر وانتقلت الى ابنه محمد بن إسمعيل وادعوا ان ميمون القداح بن
محمد هذا وسموا محمد هذا هو الامام المخفى وإنما كان ميمون هذا يعرف
بالانتساب الى باهلة وقد ذكر غير واحد من اهل المعرفة أنه كان يهوديا وكان
من أبناء المجوس كما ذكر ذلك القاضي ابو بكر ابن الطيب في كتاب كشف اسرارهم
وهتك أستارهم وغيره من علماء المسلمين
وأما قرامطة البحرين ابو سعيد
بن الجنابى واصحابه فأولئك كانوا يتظاهرون بالكفر الصريح ولهذا قتلوا
الحجاج والقوهم في بئر زمزم واخذوا الحجر
الاسود وبقى عندهم مدة
بخلاف العبيديين فانهم كانوا يتظاهرون بالاسلام ويقولون إنهم شيعة فالظاهر
عنهم الرفض لكن كان باطنهم الالحاد والزندقة كما قال ابو حامد الغزالي في
كتاب المستظهري ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض وهذا الذي قاله ابو حامد
فيهم هو متفق عليه بين علماء المسلمين وكانوا يأمرون عامتهم بالعبادات وهم
على درجات مرتبة عندهم كلما ارتفع درجة عبروا الشريعة عنده فاذا انتهى
اسقطوا عنه الشرع
وكان ابن صباح من أتباعهم احنا عن المستنصر الذي جرى
في ايامه فتنه البساسيرى وهو الذي احدث السكين واصحاب الالموت من اتباعه
والذين كانوا بالشام كسنان ونحوه هم من اتباع اولئك وباطنهم مركب من مذهب
4المجوس والفلاسفة واخذوا عن المجوس الاصلين النور والظلمة واخذوا عن
الفلاسفة العقل والنفس وعبروا هم عن ذلك ب السابق والتالي
فلما دخل
معهم المتفلسفة كابن سينا وأمثاله تبين لهم ان ما يدعونه على الرسول من
التأويلات مما يعلم بطلان كثير منها بالضرورة والفيلسوف من حيث هو فيلسوف
ليس له غرض فيما يعلم أنه باطل فسلكوا مسلكا بين مسلك هؤلاء الملاحدة وبين
دين المسلمين فالشرائع الظاهرة أقروها ولم يتأولوها لكن قد يقولون إن بعضها
يسقط عن الخاصة ودخل معهم في هذا طائفة من متصوفة الفلاسفة كابن عربي وابن
سبعين وغيرهما وأما العلميات فتأولوا بعضها كاللوح قالوا هو النفس الكلية
والقلم هو العقل الفعال وربما قالوا عن الكوكب والشمس والقمر التي رآها
إبراهيم إنها النفس والعقل الفعال والعقل الاول وتأولوا الملئكة ونحو ذلك
وأما صفات الرب ومعاد الابدان وغير ذلك فمذهب محققيهم كابن سينا وأمثاله
أنها لا تتأول وأن ما دلت عليه ليس ثابتا في نفس الامر ولا يستفاد منها علم
قالوا بل المراد منها خطاب الجمهور بما يخيل اليهم ما يعتقدونه في امر
الايمان بالله واليوم الاخر لينتفعوا بذلك الاعتقاد وإن كان باطلا لا حقيقة
له في نفس الامر فان هذا غايته ان الانبياء كذبوا لمصلحة الجمهور وهم يرون
مثل ذلك من تمام حكمتهم وهم يعظمون شرائع الانبياء العملية وأما العلمية
فعندهم العلم في ذلك بما يقوله الفلاسفة وأما الانبياء فلا يستفاد من جهتهم
علم بذلك
ثم منهم من يقول النبي أعظم من الفيلسوف فيقولون النبي كان
في الباطن على مذهب هؤلاء الفلاسفة لكن خاصته التخييل وإن كان كذبا في
الحقيقة لمصلحة الجمهور ومنهم من يقول بل الفيلسوف أعظم من النبى والنبي قد
لا يكون عارفا في الباطن بما يجوز على الله وما لا يجوز وحقيقة الامر في
المعاد لكن هو حاذق في وضع الشرائع العملية
وكثير من ملاحدة المتصوفة
كابن عربي وابن سبعين والقونوي
والتلمساني وغيرهم يوافقونهم في
أصولهم لكن يغيرون العبارات فيعبرون بالعبارات الاسلامية عما هو قولهم وفي
الكتب المضنون بها على غير اهلها وغيرها من كتب مصنفيها قطعة من هذا وبسبب
ذلك وقع ابن عربي وامثاله من ملاحدة المتصوفة مع هؤلاء ولهذا كثر كلام
علماء المسلمين في مصنفيها ومن الناس من ينكر ان تكون من كلام ابي حامد لما
رأى ما فيها من المصائب العظيمة وآخرون يقولون بل رجع عن ذلك وختم له
بالاشتغال بالبخاري ومسلم كما قد ذكر ذلك في سيرته
وهؤلاء المتفلسفة
ومتصوفوهم كابن سبعين وأتباعه يجوزون ان يكون الرجل يهوديا او نصرانيا او
مشركا يعبد الاوثان فليس الاسلام عندهم واجبا ولا التهود والتنصر والشرك
محرما لكن قد يرجحون شريعة الاسلام على غيرها وإذا جاء المريد الى شيخ من
شيوخهم وقال اريد ان اسلك على يديك يقول له على دين المسلمين أو اليهود أو
النصارى فاذا قال له المريد اليهود والنصارى أما هم كفار يقول لا ولكن
المسلمون خير منهم وهذا من جنس جهال التتر أول ما أسلموا فان الاسلام عندهم
خير من غيره وإن كان غيره جائزا لا يوالون عليه ويعادون عليه
وهذا
أيضا اكثر اعتقاد علماء النصارى أو كثير من اليهود يرون دين المسلمين
واليهود والنصارى بمنزلة المذاهب في دين المسليمن فيجوز للرجل عندهم ان
ينتقل من هذه الملة الى تلك إما لرجحانها عنده في الدين وإما لمصلحة دنياه
كما ينتقل الانسان من مذهب بعض ائمة المسلمين الى مذهب إمام آخر كما ينتقل
من مذهب مالك إلى الشافعي ومن مذهب ابي حنيفة الى مذهب احمد ونحو ذلك
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
أرسطو ومشركوا اليونان
واما ارسطو واصحابه فكانوا مشركين يعبدون الاصنام والكواكب وهكذا كان دين اليونان والروم قبل ظهور دين المسيح فيهم وكان ارسطو قبل المسيح بنحو ثلثمائة سنة وكان وزير الاسكندر بن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ له اليهود والنصارى التأريخ الرومي وكان قد ذهب الى ارض الفرس واستولى عليها
وطائفة من الناس تظن انه كان وزير الاسكندر ذي القرنين المذكور في القران وهذا جهل فان ذا القرنين كان مقدما على ارسطو بمدة عظيمة وكان مسلما يعبد الله وحده لم يكن مشركا بخلاف المقدوني وذو القرنين بلغ اقصى المشرق والمغرب وبنى سد يأجوج ومأجوج كما ذكر الله في كتابه والمقدوني لم يصل لا الى هذا ولا الى هذا ولا وصل الى السد
واخر ملوكهم كان بطلميوس صاحب المجسطي وبعده صاروا نصارى وكانت اليونان والروم مشركين كما ذكر يعبدون الشمس والقمر والكواكب ويبنون لها هياكل في الارض ويصورون لها اصناما يجعلون لها طلاسم من جنس شرك النمرود بن كنعان وقومه الذين بعث اليهم ابراهيم الخليل صلوات الله
وسلامه عليه
وبقايا هذا الشرك في بلاد الشرق في بلاد الخطا والترك يصنعون الاصنام على صورة النمرود ويكون الصنم كبيرا جدا ويعلقون السبح في اعناقهم ويسبحون باسم النمرود ويشتمون ابراهيم الخليل
وكان من النفر القادمين الى دمشق سنة 699 تسع وتسعين وستمائة بعض هؤلاء وهو يجمع بين أن يصلي الصلوات الخمس وبين ان يسبح باسم نمرود وهذا ايضا مذهب كثير من هؤلاء المتفلسفة وعلمائهم وعبادهم يصلون الصلوات الخمس ويعبدون الشمس والقر او غيرهما من الكواكب ومن هؤلاء طوائف موجودون في الشام ومصر والعراق وغير ذلك
وسبب ذلك انه يحصل لهم احيانا من جنس ما يظهر للمشركين الذين كانو يعبدون الكواكب والاصنام فأنه كانت من الشياطين تدخل في الصنم وتكلم عابديه فتخبرهم بأمور مكاشفة لهم وتأمرهم بأمور يطلبون منهم قضاء حوائجهم
قال الله تعالى ان يدعون من دونه الا انثا وان يدعون الا شيطنا مريدا قال ابن عباس كان في كل صنم شيطان يترااى للسدنة فيكلمهم وقال ابي بن كعب مع كل صنم جنية
ولهذا لما ارسل النبي ص - خالد بن الوليد الى العزى وكانت العزى عند عرفات خرجت منها عجوز ناشرة شعرها وقال النبي ص - هذه شيطانة العزى وقد يئست العزى ان تعبد بأرض العرب وكان خالد يقول يا عزى كفرانك لا سبحانك اني رايت الله قد اهانك وأما اللات فكانت عند الطائف ومناة الثالثة الاخرى كانت حذو قديد بالساحل
فان المدائن التي للمشركين بأرض الحجاز كانت ثالاثة مكة والمدينة والطائف وكان لكل أهل مدينة طاغوت من هذه الثلاثة ولهذا خصصها سبحانه بالذكر في قوله آفرءيتم اللت والعزى ومنوة الثالثة الاخرى آلكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى أي قسمة جائرة أن هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطن النجم فانهم كانوا يجعلون لله أولادا إناثا وشركاء إناثا فقال الكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى
اصل الشرك من تعظيم القبور وعبادة الكواكب
والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين
أولهما تعظيم قبور الصالحين وتصوير تماثيلهم للتبرك بها وهذا اول الاسباب التي بها ابتدع الادميون الشرك وهو شرك قوم نوح قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام وقد ثبت في الصحيح عن النبي ص - ان نوحا اول رسول بعث الى اهل الارض ولهذا لم يذكر الله في القرآن قبله رسولا فان الشرك إنما ظهر في زمانه
وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس وذكره اهل التفسير والسير من غير واحد من السلف في قوله تعالى وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا نوح أن هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم وأن هذه الاصنام صارت الى العرب وذكر ابن عباس قبائل العرب التي كانت فيهم مثل هذه الاصنام
والسبب الثاني عبادة الكواكب فكانوا يصنعون للاصنام طلاسم للكواكب ويتحرون الوقت المناسب لصنعة ذلك الطلسم ويصنعونه من مادة تناسب ما يرونه من طبيعة ذلك الكوكب ويتكلمون عليها بالشرك والكفر فتأتى الشياطين فتكلمهم وتقضى بعض حوائجهم ويسمونها روحانية الكواكب وهي الشيطان او الشيطانة التي تضلهم
والكتاب الذي صنفه بعض الناس وسماه السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم فان هذا كان شرك الكلدانيين والكشدانيين وهم الذين بعث إليهم الخليل صلوات الله عليه وهذا أعظم انواع السحر ولهذا قال النبي ص - في الحديث الذي رواه ابو داود وغيره من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد
ولهذا صنف تنكلوشاه البابلي كتابه في درجات الفلك وكذلك
شرك الهند وسحرهم من هذا مثل كتاب طمطم الهندي وكذلك ابو معشر البلغي له كتاب سماه مصحف القمر وكذلك ثابت بن قرة الحراني صاحب الزيج
حران دار الصابئة
فان حران كانت دار هؤلاء الصابئة وفيها ولد إبراهيم أو انتقل اليها من العراق على اختلاف القولين
وكان بها هيكل العلة الاولى هيكل العقل الاول هيكل النفس الكلية هيكل زحل هيكل المشتري هيكل المريخ هيكل الشمس وكذلك الزهرة وعطارد والقمر
وكان هذا دينهم قبل ظهور النصرانيه فيهم ثم ظهرت النصرانيه فيهم مع بقاء أولئك الصابئة المشركين حتى جاء الاسلام ولم يزل بها الصابئة والفلاسفة في دولة الاسلام الى آخر وقت ومنهم الصابئة الذين كانوا ببغداد وغيرها أطباء وكتابا وبعضهم لم يسلم
ولما قدم الفارابي حران في اثناء المائة الرابعة دخل عليهم وتعلم منهم وأخذ
عنهم ما أخذ من المتفلسفة وكان ثابت بن قرة قد شرح كلام ارسطو في الالهيات وقد رايته وبينت بعض ما فيه من الفساد فان فيه ضلالا كثيرا
وكذلك كان دين اهل دمشق وغيرها قبل ظهور دين النصرانية وكانوا يصلون الىالقطب الشمالي ولهذا توجد في دمشق مساجد قديمة فيها قبله الى القطب الشمالي وتحت جامع دمشق معبد كبيرله قبلة الى القطب الشمالي كان لهؤلاء
فان الصابئة نوعان صابئة حنفاء موحدون وصابئة مشركون فالاولون هم الذين اثنى الله عليهم بقوله تعالى ان الذين أمنوا والذين هادوا والنصرى والصبئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون البقرة فأثنى على من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا من هذه الملل الاربع المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين
فهؤلاء كانوا يدينون بالتوراة قبل النسخ و التبديل و كذلك الذين دانوا بالانجيل قبل النسخ و التبديل و الصابئون الذين كانوا قبل هؤلاء كالمتبعين لملة ابراهيم امام الحنفاء صلى الله عليه وصلى الله على محمد وعلى ال محمد كما صلى على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انه حميد مجيد قبل نزول التوراة والانجيل
وهذا بخلاف المجوس والمشركين فأنه ليس فيهم مؤمن فلهذا قال الله تعالى ان الذين امنوا والذين هادوا الصابئين والنصرى والمجوس والذين اشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد فذكر الملل الست هؤلاء واخبرانه يفصل بينهم يوم القيمة لم يذكر في الست من كان مؤمنا انما ذكر ذلك في الاربعة فقط
ثم ان الصابئين ابتدعوا الشرك فصاروا مشركين والفلاسفة المشركون من هؤلاء المشركين اما قدماء الفلاسفة الذين كانوا يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئا ويؤمنون بأن الله محدث لهذا العالم ويقرون بمعاد الابدان فأولئك من الصابئة الحنفاء الذين اثنى الله عليهم
ثم المشركون من الصابئة كانوا يقرون بحدوث هذا العالم كما كان المشركون من العرب تقر بحدوثه وكذلك المشركون من الهند وقد ذكر اهل المقالات ان اول من ظهر عنه القول بقدمه من هؤلاء الفلاسفة المشركين هم ارسطو
قسطنطين اول ملك اظهر دين النصارى
وكان دين المسيح لما دخل فيه طائفة من أهل حران وفيهم هيلانة الحرانية الفندقانية فهولها ملك الروم أبو قسطنطين فتزوجها فولدت له قسطنطين فنصرت ابنها قسطنطين وهو الذي اظهر دين النصارى وبنى القسطنطينية وفي زمنه ابتدع النصارى هذه الامانة التي اتفقت عليها طوائفهم اليوم فانه اتفق عليها ثلثمائة وبضعة عشرة من علمائهم وعبادهم
قالوا وهو الذي ابتدع الصلوة الى الشرق وإلا فلم يصل قط أحد من انبيائهم وأتباعهم الى الشرق ولم يشرع الله مكانا يصلى اليه إلا الكعبة
والانبياء الخليل ومن قبله إنما كانوا يصلون الى الكعبة وموسى ص - لم يكن يصلى الى بيت المقدس بل قالوا إنه كان ينصب قبة العهد الى
العرب ويصلى إليها في التيه فلما فتح يوشع بيت المقدس بعد موت موسى نصب القبة على الصخرة فكانوا يصلون اليها فلما خرب بيت المقدس وذهبت القبة صارت اليهود يصلون الى الصخرة لانه موضع القبة والسامرة يصلون الى جبل هناك قالوا لانه كان عليه التابوت
ولما رأى علماء النصارى وعبادهم أن الروم واليونان مشركون واستصعبوا نقلهم الى التوحيد المحض وضعوا لهم دينا مركبا من دين الانبياء ودين المشركين فكان اولئك اليونان والروم يتخذون الاصنام المجسدة التي لها ظل فاتخذ النصارى الصور المرقومة في الحيطان والسقوف التي لا ظل لها وكان أولئك يسجدون للشمس والقمر فصارت النصارى يسجدون اليها وجعلوا السجود اليها بدلا من السجود لها
فضل محمد ص
- إمام التوحيد وأمته على من تقدم
ولهذا لما بعث الله خاتم المرسلين وافضل النبيين محمدا ص - إمام التوحيد الذي بعث الله به الرسل قبلة وأظهره وخلصه من شوائب الشرك فظهر التوحيد بسببه ظهورا فضله الله به وفضل به امته على سائر من تقدم
الانبياء كلهم كانوا مسلمين
فان الانبياء جميعهم وأممهم كانوا مسلمين مؤمنين موحدين لم يكن قط دين يقبله الله غير الاسلام وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى وسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون الزخرف وقال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون الانبياء وقال تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت النحل
وفي الصحيحين عن النبي ص - انه قال انا معشر الانبياء ديننا واحد وإن أولى الناس بابن مريم لأنا إنه ليس بيني وبينه نبي وقد أخبر
الله في القرآن عن جميع الانبياء وأممهم من نوح الى الحواريين أنهم كانوا مسلمين مؤمنين كما قد بسط في موضع آخر
وقد قال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه الشورى فأمر الرسل أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه وهؤلاء الخمسة هم أولوا العزم وذكرهم الله في آيتين من كتابه هذه السورة وفي قوله واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم واخذنا منهم ميثاقا غليظا الاحزاب
وقال تعالى يايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا انى بما تعملون عليم وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون فتقطعوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون المؤمنون
وقال تعالى فاقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون منيبين اليه واتقوه واقيموا الصلوة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون الروم
وقال تعالى كان الناس امة واحدة فاختلفوا كما قال في يونس فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما
اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم البقرة
فالمرسلون صلوات الله عليهم أجمعين أولهم وأخرهم بعثوا بدين الاسلام وهو عبادة الله وحدة لا شريك له يعبد في كل وقت بما امر ان يعبد به في ذلك الوقت فالصلوة الى بيت المقدس كان لما امر الله به من دين الاسلام ثم لما نهى عنه وأمر بالصلوة الى الكعبة صارت الصلوة الى الكعبة من دين الاسلام دون الصلوة الى الصخرة
فتنوع شرائع الانبياء كتنوع الشريعة الواحدة ولهذا قال تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا المائدة فالشرعة الشريعة والمنهاج الطريق والسبيل فالشرعة كالباب الذي يدخل منه والمنهاج كالطريق الذي يسلك فيه والمقصود هو حقيقة الدين بان يعبد الله وحده لا شريك له وهذه الحقيقة الدينية التي اتفق عليها الرسل هي دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره والشرك الذي حرمه على السن رسله ان يعبد مع الله غيره
ومن لم يعبد الله اصلا كفرعون ونحوه ممن قال الله فيهم ان الذي يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين المؤمن فهولاء معطلة وهم شر الكفار ومع هذا يكون لهم ما يعبدونه دون الله كما قال تعالى في قوم فرعون ويذرك والهتك الاعراف فقال غير واحد من السلف كان له آلهة يعبدها
ومن عبد مع الله إلها آخر فهو مشرك الشرك الاكبر الذي لا يغفره الله وإن
كان مع ذلك يعتقد ان الله وحده خالق العالم وهذا كان شرك العرب كما أخبر الله عنهم في غير موضع من القرآن انهم كانوا يقولون إن الله خلق العالم ولكن كانوا يتخذون الالهة شفعاء يشفعون لهم يتقربون بهم الى الله كما قال تعالى لئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله الزمر ولقمان
وقال تعالى ويعبدن من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل اتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الارض يونس وقال تعالى والدين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى الزمر وبسط هذا له موضع آخر
والمقصود هنا ان الحوادث كان لها أسباب وإن كانت حركات الفلك من جملة الاسباب
واما ارسطو واصحابه فكانوا مشركين يعبدون الاصنام والكواكب وهكذا كان دين اليونان والروم قبل ظهور دين المسيح فيهم وكان ارسطو قبل المسيح بنحو ثلثمائة سنة وكان وزير الاسكندر بن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ له اليهود والنصارى التأريخ الرومي وكان قد ذهب الى ارض الفرس واستولى عليها
وطائفة من الناس تظن انه كان وزير الاسكندر ذي القرنين المذكور في القران وهذا جهل فان ذا القرنين كان مقدما على ارسطو بمدة عظيمة وكان مسلما يعبد الله وحده لم يكن مشركا بخلاف المقدوني وذو القرنين بلغ اقصى المشرق والمغرب وبنى سد يأجوج ومأجوج كما ذكر الله في كتابه والمقدوني لم يصل لا الى هذا ولا الى هذا ولا وصل الى السد
واخر ملوكهم كان بطلميوس صاحب المجسطي وبعده صاروا نصارى وكانت اليونان والروم مشركين كما ذكر يعبدون الشمس والقمر والكواكب ويبنون لها هياكل في الارض ويصورون لها اصناما يجعلون لها طلاسم من جنس شرك النمرود بن كنعان وقومه الذين بعث اليهم ابراهيم الخليل صلوات الله
وسلامه عليه
وبقايا هذا الشرك في بلاد الشرق في بلاد الخطا والترك يصنعون الاصنام على صورة النمرود ويكون الصنم كبيرا جدا ويعلقون السبح في اعناقهم ويسبحون باسم النمرود ويشتمون ابراهيم الخليل
وكان من النفر القادمين الى دمشق سنة 699 تسع وتسعين وستمائة بعض هؤلاء وهو يجمع بين أن يصلي الصلوات الخمس وبين ان يسبح باسم نمرود وهذا ايضا مذهب كثير من هؤلاء المتفلسفة وعلمائهم وعبادهم يصلون الصلوات الخمس ويعبدون الشمس والقر او غيرهما من الكواكب ومن هؤلاء طوائف موجودون في الشام ومصر والعراق وغير ذلك
وسبب ذلك انه يحصل لهم احيانا من جنس ما يظهر للمشركين الذين كانو يعبدون الكواكب والاصنام فأنه كانت من الشياطين تدخل في الصنم وتكلم عابديه فتخبرهم بأمور مكاشفة لهم وتأمرهم بأمور يطلبون منهم قضاء حوائجهم
قال الله تعالى ان يدعون من دونه الا انثا وان يدعون الا شيطنا مريدا قال ابن عباس كان في كل صنم شيطان يترااى للسدنة فيكلمهم وقال ابي بن كعب مع كل صنم جنية
ولهذا لما ارسل النبي ص - خالد بن الوليد الى العزى وكانت العزى عند عرفات خرجت منها عجوز ناشرة شعرها وقال النبي ص - هذه شيطانة العزى وقد يئست العزى ان تعبد بأرض العرب وكان خالد يقول يا عزى كفرانك لا سبحانك اني رايت الله قد اهانك وأما اللات فكانت عند الطائف ومناة الثالثة الاخرى كانت حذو قديد بالساحل
فان المدائن التي للمشركين بأرض الحجاز كانت ثالاثة مكة والمدينة والطائف وكان لكل أهل مدينة طاغوت من هذه الثلاثة ولهذا خصصها سبحانه بالذكر في قوله آفرءيتم اللت والعزى ومنوة الثالثة الاخرى آلكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى أي قسمة جائرة أن هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطن النجم فانهم كانوا يجعلون لله أولادا إناثا وشركاء إناثا فقال الكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى
اصل الشرك من تعظيم القبور وعبادة الكواكب
والشرك في بني آدم أكثره عن أصلين
أولهما تعظيم قبور الصالحين وتصوير تماثيلهم للتبرك بها وهذا اول الاسباب التي بها ابتدع الادميون الشرك وهو شرك قوم نوح قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام وقد ثبت في الصحيح عن النبي ص - ان نوحا اول رسول بعث الى اهل الارض ولهذا لم يذكر الله في القرآن قبله رسولا فان الشرك إنما ظهر في زمانه
وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس وذكره اهل التفسير والسير من غير واحد من السلف في قوله تعالى وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا نوح أن هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم وأن هذه الاصنام صارت الى العرب وذكر ابن عباس قبائل العرب التي كانت فيهم مثل هذه الاصنام
والسبب الثاني عبادة الكواكب فكانوا يصنعون للاصنام طلاسم للكواكب ويتحرون الوقت المناسب لصنعة ذلك الطلسم ويصنعونه من مادة تناسب ما يرونه من طبيعة ذلك الكوكب ويتكلمون عليها بالشرك والكفر فتأتى الشياطين فتكلمهم وتقضى بعض حوائجهم ويسمونها روحانية الكواكب وهي الشيطان او الشيطانة التي تضلهم
والكتاب الذي صنفه بعض الناس وسماه السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم فان هذا كان شرك الكلدانيين والكشدانيين وهم الذين بعث إليهم الخليل صلوات الله عليه وهذا أعظم انواع السحر ولهذا قال النبي ص - في الحديث الذي رواه ابو داود وغيره من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد
ولهذا صنف تنكلوشاه البابلي كتابه في درجات الفلك وكذلك
شرك الهند وسحرهم من هذا مثل كتاب طمطم الهندي وكذلك ابو معشر البلغي له كتاب سماه مصحف القمر وكذلك ثابت بن قرة الحراني صاحب الزيج
حران دار الصابئة
فان حران كانت دار هؤلاء الصابئة وفيها ولد إبراهيم أو انتقل اليها من العراق على اختلاف القولين
وكان بها هيكل العلة الاولى هيكل العقل الاول هيكل النفس الكلية هيكل زحل هيكل المشتري هيكل المريخ هيكل الشمس وكذلك الزهرة وعطارد والقمر
وكان هذا دينهم قبل ظهور النصرانيه فيهم ثم ظهرت النصرانيه فيهم مع بقاء أولئك الصابئة المشركين حتى جاء الاسلام ولم يزل بها الصابئة والفلاسفة في دولة الاسلام الى آخر وقت ومنهم الصابئة الذين كانوا ببغداد وغيرها أطباء وكتابا وبعضهم لم يسلم
ولما قدم الفارابي حران في اثناء المائة الرابعة دخل عليهم وتعلم منهم وأخذ
عنهم ما أخذ من المتفلسفة وكان ثابت بن قرة قد شرح كلام ارسطو في الالهيات وقد رايته وبينت بعض ما فيه من الفساد فان فيه ضلالا كثيرا
وكذلك كان دين اهل دمشق وغيرها قبل ظهور دين النصرانية وكانوا يصلون الىالقطب الشمالي ولهذا توجد في دمشق مساجد قديمة فيها قبله الى القطب الشمالي وتحت جامع دمشق معبد كبيرله قبلة الى القطب الشمالي كان لهؤلاء
فان الصابئة نوعان صابئة حنفاء موحدون وصابئة مشركون فالاولون هم الذين اثنى الله عليهم بقوله تعالى ان الذين أمنوا والذين هادوا والنصرى والصبئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون البقرة فأثنى على من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا من هذه الملل الاربع المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين
فهؤلاء كانوا يدينون بالتوراة قبل النسخ و التبديل و كذلك الذين دانوا بالانجيل قبل النسخ و التبديل و الصابئون الذين كانوا قبل هؤلاء كالمتبعين لملة ابراهيم امام الحنفاء صلى الله عليه وصلى الله على محمد وعلى ال محمد كما صلى على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انه حميد مجيد قبل نزول التوراة والانجيل
وهذا بخلاف المجوس والمشركين فأنه ليس فيهم مؤمن فلهذا قال الله تعالى ان الذين امنوا والذين هادوا الصابئين والنصرى والمجوس والذين اشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شيء شهيد فذكر الملل الست هؤلاء واخبرانه يفصل بينهم يوم القيمة لم يذكر في الست من كان مؤمنا انما ذكر ذلك في الاربعة فقط
ثم ان الصابئين ابتدعوا الشرك فصاروا مشركين والفلاسفة المشركون من هؤلاء المشركين اما قدماء الفلاسفة الذين كانوا يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئا ويؤمنون بأن الله محدث لهذا العالم ويقرون بمعاد الابدان فأولئك من الصابئة الحنفاء الذين اثنى الله عليهم
ثم المشركون من الصابئة كانوا يقرون بحدوث هذا العالم كما كان المشركون من العرب تقر بحدوثه وكذلك المشركون من الهند وقد ذكر اهل المقالات ان اول من ظهر عنه القول بقدمه من هؤلاء الفلاسفة المشركين هم ارسطو
قسطنطين اول ملك اظهر دين النصارى
وكان دين المسيح لما دخل فيه طائفة من أهل حران وفيهم هيلانة الحرانية الفندقانية فهولها ملك الروم أبو قسطنطين فتزوجها فولدت له قسطنطين فنصرت ابنها قسطنطين وهو الذي اظهر دين النصارى وبنى القسطنطينية وفي زمنه ابتدع النصارى هذه الامانة التي اتفقت عليها طوائفهم اليوم فانه اتفق عليها ثلثمائة وبضعة عشرة من علمائهم وعبادهم
قالوا وهو الذي ابتدع الصلوة الى الشرق وإلا فلم يصل قط أحد من انبيائهم وأتباعهم الى الشرق ولم يشرع الله مكانا يصلى اليه إلا الكعبة
والانبياء الخليل ومن قبله إنما كانوا يصلون الى الكعبة وموسى ص - لم يكن يصلى الى بيت المقدس بل قالوا إنه كان ينصب قبة العهد الى
العرب ويصلى إليها في التيه فلما فتح يوشع بيت المقدس بعد موت موسى نصب القبة على الصخرة فكانوا يصلون اليها فلما خرب بيت المقدس وذهبت القبة صارت اليهود يصلون الى الصخرة لانه موضع القبة والسامرة يصلون الى جبل هناك قالوا لانه كان عليه التابوت
ولما رأى علماء النصارى وعبادهم أن الروم واليونان مشركون واستصعبوا نقلهم الى التوحيد المحض وضعوا لهم دينا مركبا من دين الانبياء ودين المشركين فكان اولئك اليونان والروم يتخذون الاصنام المجسدة التي لها ظل فاتخذ النصارى الصور المرقومة في الحيطان والسقوف التي لا ظل لها وكان أولئك يسجدون للشمس والقمر فصارت النصارى يسجدون اليها وجعلوا السجود اليها بدلا من السجود لها
فضل محمد ص
- إمام التوحيد وأمته على من تقدم
ولهذا لما بعث الله خاتم المرسلين وافضل النبيين محمدا ص - إمام التوحيد الذي بعث الله به الرسل قبلة وأظهره وخلصه من شوائب الشرك فظهر التوحيد بسببه ظهورا فضله الله به وفضل به امته على سائر من تقدم
الانبياء كلهم كانوا مسلمين
فان الانبياء جميعهم وأممهم كانوا مسلمين مؤمنين موحدين لم يكن قط دين يقبله الله غير الاسلام وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى وسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن الهة يعبدون الزخرف وقال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون الانبياء وقال تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت النحل
وفي الصحيحين عن النبي ص - انه قال انا معشر الانبياء ديننا واحد وإن أولى الناس بابن مريم لأنا إنه ليس بيني وبينه نبي وقد أخبر
الله في القرآن عن جميع الانبياء وأممهم من نوح الى الحواريين أنهم كانوا مسلمين مؤمنين كما قد بسط في موضع آخر
وقد قال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه الشورى فأمر الرسل أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه وهؤلاء الخمسة هم أولوا العزم وذكرهم الله في آيتين من كتابه هذه السورة وفي قوله واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم واخذنا منهم ميثاقا غليظا الاحزاب
وقال تعالى يايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا انى بما تعملون عليم وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون فتقطعوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون المؤمنون
وقال تعالى فاقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون منيبين اليه واتقوه واقيموا الصلوة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون الروم
وقال تعالى كان الناس امة واحدة فاختلفوا كما قال في يونس فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما
اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم البقرة
فالمرسلون صلوات الله عليهم أجمعين أولهم وأخرهم بعثوا بدين الاسلام وهو عبادة الله وحدة لا شريك له يعبد في كل وقت بما امر ان يعبد به في ذلك الوقت فالصلوة الى بيت المقدس كان لما امر الله به من دين الاسلام ثم لما نهى عنه وأمر بالصلوة الى الكعبة صارت الصلوة الى الكعبة من دين الاسلام دون الصلوة الى الصخرة
فتنوع شرائع الانبياء كتنوع الشريعة الواحدة ولهذا قال تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا المائدة فالشرعة الشريعة والمنهاج الطريق والسبيل فالشرعة كالباب الذي يدخل منه والمنهاج كالطريق الذي يسلك فيه والمقصود هو حقيقة الدين بان يعبد الله وحده لا شريك له وهذه الحقيقة الدينية التي اتفق عليها الرسل هي دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره والشرك الذي حرمه على السن رسله ان يعبد مع الله غيره
ومن لم يعبد الله اصلا كفرعون ونحوه ممن قال الله فيهم ان الذي يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين المؤمن فهولاء معطلة وهم شر الكفار ومع هذا يكون لهم ما يعبدونه دون الله كما قال تعالى في قوم فرعون ويذرك والهتك الاعراف فقال غير واحد من السلف كان له آلهة يعبدها
ومن عبد مع الله إلها آخر فهو مشرك الشرك الاكبر الذي لا يغفره الله وإن
كان مع ذلك يعتقد ان الله وحده خالق العالم وهذا كان شرك العرب كما أخبر الله عنهم في غير موضع من القرآن انهم كانوا يقولون إن الله خلق العالم ولكن كانوا يتخذون الالهة شفعاء يشفعون لهم يتقربون بهم الى الله كما قال تعالى لئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله الزمر ولقمان
وقال تعالى ويعبدن من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل اتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الارض يونس وقال تعالى والدين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى الزمر وبسط هذا له موضع آخر
والمقصود هنا ان الحوادث كان لها أسباب وإن كانت حركات الفلك من جملة الاسباب
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى