صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل
القياس مع صحته لا يستفاد به علم بالموجودات
فصورة
القياس لا يدفع صحتها لكن يبين أنه لا يستفاد به علم بالموجودات كما أن
اشتراطهم للمقدمتين دون الزيادة والنقص شرط باطل فهو وإن حصل به يقين فلا
يستفاد بخصوصه نفس مطلوب شئ من الموجودات بل ما يحصل به قد يحصل بدونه وقد
يحصل بدونه ما لا يحصل به
فنقول إن صورة القياس إذا كانت مواده معلومة
فلا ريب أنه يفيد اليقين وإذا قيل كل أ ب وكل ب ج وكانت المقدمتان
معلومتين فلا ريب ان هذا التأليف يفيد العلم بأن كل أ ج وهذا لا نزاع فيه
فصورة القياس لا يتكلم على صحتها فان ذلك ظاهر سواء في ذلك الاقترانى
المؤلف من الحمليات الذي هو قياس التداخل والاستثنائي المؤلف
فصورة
القياس لا يدفع صحتها لكن يبين أنه لا يستفاد به علم بالموجودات كما أن
اشتراطهم للمقدمتين دون الزيادة والنقص شرط باطل فهو وإن حصل به يقين فلا
يستفاد بخصوصه نفس مطلوب شئ من الموجودات بل ما يحصل به قد يحصل بدونه وقد
يحصل بدونه ما لا يحصل به
فنقول إن صورة القياس إذا كانت مواده معلومة
فلا ريب أنه يفيد اليقين وإذا قيل كل أ ب وكل ب ج وكانت المقدمتان
معلومتين فلا ريب ان هذا التأليف يفيد العلم بأن كل أ ج وهذا لا نزاع فيه
فصورة القياس لا يتكلم على صحتها فان ذلك ظاهر سواء في ذلك الاقترانى
المؤلف من الحمليات الذي هو قياس التداخل والاستثنائي المؤلف
من
الشرطيات المتصلة الذي هو التلازم والتقسيم
وكذلك ما ذكروه من أن
الشكل الاول من الاقتران يفيد المطالب الاربعة النتائج الاربعة الموجبة
والسالبة والجزئية والكلية وان الثاني يفيد السالبة الكلية والجزئية وأن
الثالث يفيد الجزئية سالبة كانت أو موجبة
وفي التلازم استثناء عين
المقدم ينتج عين التالي واستثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم وهو قول
نظار المسلمين وجود الملزوم يقتضي وجود اللازم وانتفاء اللازم يقتضى انتفاء
الملزوم بل هذا مع اختصاره فانه يشمل جميع أنواع الادلة سواء سميت براهين
او اقيسة او غير ذلك فان كل ما يستدل به على غيره فانه مستلزم له فيلزم من
تحقق الملزوم الذي هو الدليل تحقق اللازم الذي هو المطلوب المدلول عليه
ويلزم من انتفاء اللازم الذي هو المدلول عليه انتفاء الملزوم الذي هو
الدليل
ولهذا كان من عرف ان المدعى باطل علم انه لا يقوم عليه دليل
صحيح فانه يمتنع ان يقوم على الباطل دليل صحيح ومن عرف ان الدليل صحيح علم
ان لازمه الذي هو المطلوب حق فانه يجب إذا كان الدليل حقا ان يكون المطلوب
المدلول عليه حقا وإن تنوعت صور الادلة ومقدماتها وترتيبها
ولهذا كان
الدليل الذي يصور بصورة القياس الاقترانى يصور ايضا بصورة الاستثنائي ويصور
بصورة اخرى غيرما ذكروه من الالفاظ وترتيبها والمقصود هنا الكلام على ما
ذكروه كما ذكرنا الكلام على الشرطي المتصل
والتقسيم قد يكون مانعا من
الجمع والخلو كما يقال العدد إما شفع وإما وتر وهما في معنى النقيضين الذين
لا يجتمعان ولا يرتفعان فقد يكون مانعا من الجمع دون الخلو كالضدين الذين
لا يجتمعان وقد يرتفعان كما يقال هذا إما أسود وإما أحمر وقد يخلو منهما
وقد يكون مانعا من الخلو دون الجمع كعدم المشروط ووجود الشرط والمراد
بالشرط هنا ما يلزم من عدمه عدم الحكم سواء عرف ذلك بالشرع او بالعقل مثل
كون الطهارة شرطا في الصلوة والحيوة شرطا في العلم ليس المراد ما يسميه
النحاة شرطا كالجملة الشرطية المعلقة ب إن واخواتها فان هذا في المعنى سبب
لوجود الجزاء ولفظ الشرط يقال على هذا وهذا بالاشتراك
ومن جعل لفظ
الشرط ينقسم الى الثلاثة فقد غلط فانه قد يجتمع عدم المشروط ووجود الشرط إذ
وجود الشرط لا يستلزم وجود المشروط ولكن لا يرتفعان جميعا فلا يرتفع وجود
الشرط وعدم المشروط لانه حينئذ يعدم الشرط ويوجد المشروط وهذا لا يكون كما
إذا قيل هذا غرق بغير ماء او صحت صلوته بغير وضوء او وجب رجمه بغير زناء
فيقال هذا إما أن يكون في ماء وإما أن لا يغرق وإما أن يكون متطهرا وإما ان
لا تصح صلوته وإما ان يكون زانيا وإما أن لا يجوز رجمه
وكذلك لو قيل
ليس في الوجود واجب ولا ممكن ولا قديم ولا محدث فقيل لا بد في الوجود من
واجب او ممكن او قديم او محدث فهذان لا يجتمعان ولا يرتفعان
وكذلك إذا
قيل الوجود إما قائم بنفسه ك الجسم وإما قائم بغيره ك العرض فهذان لا
يرتفعان وقد يجتمعان فكل ما لا يخلو الوجود عنهما مع إمكان اجتماعهما او لا
يخلو بعض الانواع عنهما مع إمكان اجتماعهما فهو من هذا الباب كما إذا قيل
الوارث بطريق الاصالة إما أن يرث بفرض وإما ان يرث بتعصيب وقد يجتمع في
الشخص الواحد ان يكون ذا فرض وعصبة كالزوج إذا كان ابن عم او معتقا
فالشرطى المتصل هو من التلازم والمنفصل هو في الثاني كما في الضدين
والنقيضين وهذه الصورة صورة التقسيم الذي هو الشرطي المنفصل هي
أيضا تعود الى اللزوم فانه يلزم من وجود احد الضدين عدم الاخر ومن عدمه
وجوده وهذه مانعة الجمع والخلو
فهذه الاشكال وإن تكثرت فجميعها يعود
الى ان الدليل يستلزم المدلول ويمكن تصوير ذلك بصور متعددة مما ذكروه ومما
لم يذكروه
فهم يقولون البرهان ينحصر في الاقترانى والاستثنائى فان
الاقترانى ينحصر في أربعة اشكال والاستثناي ينحصر في الشرطى المتصل والشرطى
المنفصل فيعود الى ستة أشكال وجمهورهم لا يذكرون الشكل الرابع من
الاقترانيات لبعده عن الطبع وحصروها في أربعة بناء على حصرهم الدليل في
مقدمتين تشتركان في حد أوسط ثم الاوسط إن كان محمولا في الصغرى موضوعا في
الكبرى فهو الشكل الاول المنتج للمطالب الاربعة وإن كان موضوعا فيهما فهو
الثاني المنتج للسلبيات وإن كان محمولا فيهما فهو الثالث المنتج للايجابيات
وإن كان محمولا في الكبرى موضوعا في الصغرى عكس الاول فهو الرابع وهو
أبعدها عن الطبع وأكثرهم لا يذكونه فيجعلون الاشكال خمسة هذه الثلاثة مع
الاستثنائي الشرطى المتصل والشرطى المنفصل
فهذه الاشكال إذا قدر
إفادتها فهى صورة من صور الادلة لا ينحصر تصوير الادلة في هذه الاشكال كما
لا ينحصر تصوير الدليل في مقدمتين بل هذا الحصر خطأ في النفي والاثبات فقد
يكون الدليل مقدمة وقد يكون مقدمات وهذه الاشكال تكثر تصوير الدليل على
أشكال اخر غير هذه فللا تنحصر في خمسة أو سته وقد يؤتى بالدليل بدون هذه
الاشكال جميعها وبدون المقدمتين إذا كان مقدمة واحدة
وإذا قالوا إن
جميع ما يذكر من الادلة يرجع الى هذه الاشكال قيل لهم بل جميع الادلة يرجع
الى ان الدليل مستلزم للمدلول وحينئذ فاما أن يكون الاعتبار بما ذكروه من
صور الاشكال ولفظها أو بما ذكروه من المعنى فان كانت العبرة
بالصورة لم يكن تخصيص صورة الدليل بخمسة أو ستة صوابا كما لم يكن تخصيصه
بمقدمتين صوابا إذ كان يمكن تصويره بصور كثيرة متنوعة ليس فيها لفظ شرط لا
متصل ولا منفصل ولا هو على صورة القياس الحملى كما ذكروه وإن كانت العبرة
بالمعنى كان ذلك أدل عل فساد ما ذكروه فان المعنى هو ان يكون ما يستدل به
مستلزما لما يستدل به عليه سواء كان مقدمة او مقدمتان او اكثر وسواء كان
على الشكل والترتيب الذي ذكروه او غيره
والصواب في هذا الباب ان يقال
ما ذكروه إذا كان صوابا فانه تطويل للطريق وتبعيد للمطلوب وعكس للمقصود
فانهم زعموا انهم جعلوه آلة قانونية تمنع الذهن أن يزل في فكره وما ذكروه
إذا كلفوا الناظر المستدل ان يلزمه في تصوراته وتصديقاته كان اقرب الى زلله
في فكره وضلاله عن مطلوبه كما هو الواقع فلا تجد أحدا التزم وضع هؤلاء
واصطلاحهم إلا كان أكثر خطأ واقل صوابا ممن لم يلتزم وضعهم وسلك الى
المطلوب بفطرة الله التي فطر عباده عليها ولهذا لا يوجد أحد ممن حقق علما
من العلوم كان ملتزما لوضعه
ولهذا يقال كثرة هذه الأشكال وشروط نتاجها
تطويل قليل الفائدة كثير التعب فهو لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل
فيرتقي ولا سمين فينتقل فانه متى كانت المادة صحيحة أمكن تصويرها بالشكل
الأول الفطري فبقية الأشكال لا يحتاج إليها وإنما تفيد بالرد إلى الشكل
الأول إما بابطال النقيض الذي يتضمنه قياس الخلف وإما بالعكس المستوي أو
عكس النقيض فان ثبوت أحد المتناقضين يستلزم نفي الآخر إداء روعي التناقض من
كل وجه فهم يستدلون بصحة القضية على بطلان نقيضها وعلى ثبوت عكسها المستوي
وعكس نقيضها بل تصور الذهن بصورة الدليل يشبه حساب الانسان لما معه من
الرقيق والعقار
والفطرة تصور القياس الصحيح من غير تعليم والناس
بفطرهم يتكلمون بالأنواع الثلاثة التداخل والتلازم والتقسيم كما يتكلمون
بالحساب ونحوه والمنطقيون
قد يسلمون ذلك
ويقولون إن المقدمتين
لا بد منها لا أكثر ولا اقل ويقولون اكثر الناس يحذفون احدى المقدمتين
لظهورها اختصارا ويسمون هذا قياس الضمير وإن احتجاج المطلوب إلى مقدمات
جعلوا القياس معنى أقيسة متعددة بناء على قولهم إنه لابد في القياس من
مقدمتين ويسمونه القياس المركب ويقسمونه الى موصول وهو ما لا يذكر فيه إلا
نتيجة واحدة والى مفصول وهو ما يذكر فيه عقب كل مقدمتين نتيجة فالاول كقولك
هذا نبيذ وكل نبيذ مسكر وكل مسكر خمر وكل خمر حرام فهذا حرام والثاني
كقولك هذا نبيذ وكل نبيذ مسكر فهذا مسكر ثم تقول وكل مسكر خمر وكل خمر حرام
فكل مسكر حرام ثم تقول هذا مسكر وكل مسكر حرام فهذا حرام
وهذا كله
مما غلطوا فيه والصواب الذي عليه جماهير النظار من المسلمين وغيرهم أن
الدليل قد يتوقف على مقدمة تارة وقد يتوقف على مقدمتين تارة وعلى ثلاث تارة
وعلى أكثر من تلك فما كان من المقدمات معلوما لم يحتج ان يستدل عليه وإنما
يستدل على المجهول والمطلوب المجهول يعلم بدليله ودليله ما استلزمه وكل
ملزوم فانه يصح الاستدلال به على لازمه وحينئذ فاذا كان المطلوب ملزوم يعلم
لزومه له استدل عليه به وكفى ذلك وإن لم يكن المستدل يعلم إلا ملزوم
ملزومه احتاج الى مقدمتين وإن لم يعلم إلا ملزوم ملزوم ملزومه احتجاج الى
ثلاث وهلم جرا بيان ان حصول العلم لا يتوقف على القياس المنطقي
وإذا كان كذلك فنقول لا ننكر أن القياس يحصل به علم إذا كانت مواده يقينية
لكن نحن نبين ان العلم الحاصل به لا يحتاج فيه الى القياس المنطقي بل يحصل
بدون ذلك فلا يكون شئ من العلم متوقفا على هذا القياس
ونبين ان المواد
اليقينية التي ذكروها لا يحصل بها علم بالامور الموجودة فلا يحصل بها
مقصود تزكو به النفوس
بل ولا علم بالحقائق الموجودة في الخارج على ما
هي عليه إلا من جنس ما يحصل ب قياس التمثيل فلا يمكن قط ان يحصل ب القياس
الشمولى المنطقي الذي يسمونه البرهاني علم إلا وذلك يحصل ب قياس التمثيل
الذي يستضعفونه فان ذلك القياس لا بد فيه من قضية كلية والعلم بكون الكلية
كلية لا يمكن الجزم به إلا مع الجزم بتماثل أفراده في القدر المشترك وهذا
يحصل ب قياس التمثيل
وكلا القياسين ينتفع به إذا تلقت بعض مقدماته
الكلية عن خبر المعصوم إذا استعملت في الالهيات بطريق الاولى كما جاء به
القران واما بدون هذين فلا ينفع في الالهيات ولا ينفع ايضا في الطبيعيات
منفعة علمية برهانية وإنما يفيد قضايا عادية قد تنحرف فتكون من باب الاغلب
وأما الرياضي المجرد عن المادة كالحساب والهندسة فهذا حق في نفسه لكن ليس
له معلوم في الخارج وإنما هو تقدير عدد ومقدار في النفس لكن ذلك يطابق أي
معدود ومقدر واقعه في الخارج والبرهان لا يقوم إلا على ما في النفس لا يقوم
على ما في الخارج واكثر ما تعبوا في الهندسة ليتوصلوا بذلك الى علم الهيئة
كصفة الافلاك والكواكب ومقادير ذلك وحركاته وهذا بعضه معلوم ب البرهان
وأكثره غير معلوم ب البرهان وبينهم فيه من الاختلاف ما يطول وصفه فصار
المعلوم ببراهينهم من الرياضي وغيره امر لا تزكو به النفوس ولا يعلم به
الامور الموجودة إلا كما يعلم ب قياس الثمثيل
وهذا يظهر بالكلام في
مادة القياس فنقول هم لا ريب عندهم انه لا بد في كل قياس من قضية كلية ولا
قياس في جميع الاشكال لا عن سالبتين ولا عن جزئيتين ولا عن صغرى سالبة مع
كبرى جزئية لكن قد يكون عن صغرى جزئية مع كبرى سالبه كلية والمقصود انه لا
بد في القياس في جميع صورة من قضية كلية وفي أكثر
القياس لا بد من
موجبة كلية بل النتيجة الكلية لا تكون إلا عن موجبة كلية والسالبة الكلية
لا تفيد حكما كليا إلا مع موجبه كلية بيان أصناف اليقينيات عندهم
التي ليس فيها قضية كلية
فاذا كان لا بد في كل قياس من قضية كلية
فنقول المواد اليقينيات قد حصروها في الاصناف المعروفة عندهم
أحدها
الحسيات ومعلوم ان الحس لا يدرك امرا كليا عاما أصلا فليس في الحسيات
المجردة قضية كلية عامة تصلح ان تكون مقدمة في البرهان اليقيني وإذا مثلوا
ذلك ب ان النار تحرق ونحو ذلك لم يكن لهم علم بعموم هذه القضية وإنما معهم
التجربة والعادة التي هي من جنس قياس التمثيل لما يعلمونه من الحكم الكلى
لا فرق بينه وبين قياس الشمول وقياس التمثيل وإن علم ذلك بواسطة اشتمال
النار على قوة محرقة فالعلم بأن كل نار لا بد فيها من هذه القوة هو ايضا
حكم كلى
وإن قيل إن الصورة النارية لا بد ان تشتمل على هذه القوة وأن
ما لا قوة فيه ليس بنار فهذا الكلام إذا قيل إنه صحيح قيل إنه لا يفيد
الجزم بأن كل ما فيه هذه القوة تحرق كل ما لاقاه وإن كان هو الغالب فهذا
يشترك فيه قياس والتمثيل والشمول والعادة والاستقراء الناقص ومعلوم ان كل
من قال إن كل نار تحرق كل ما لاقته فقد أخطأ فانه لا بد من كون المحل قابلا
للاحراق إذ قد علم انها لا تحرق كل شئ كما لا تحرق السمندل والياقوت وكما
لا تحرق الاجسام المطلية بأمور مصبوغة وأما خرق العادة فمقام آخر
ولا
أعلم في القضايا الحسية كلية لا يمكن نقضها مع ان القضية الكلية ليست حسية
وإنما القضية الحسية ان هذه النار تحرق فان الحس لا يدرك إلا شيئا خاصا
وأما الحكم العقلي فيقولون إن النفس عند رؤيتها هذه المعينات تستعد لان
فنقول المواد اليقينيات قد حصروها في الاصناف المعروفة عندهم
أحدها
الحسيات ومعلوم ان الحس لا يدرك امرا كليا عاما أصلا فليس في الحسيات
المجردة قضية كلية عامة تصلح ان تكون مقدمة في البرهان اليقيني وإذا مثلوا
ذلك ب ان النار تحرق ونحو ذلك لم يكن لهم علم بعموم هذه القضية وإنما معهم
التجربة والعادة التي هي من جنس قياس التمثيل لما يعلمونه من الحكم الكلى
لا فرق بينه وبين قياس الشمول وقياس التمثيل وإن علم ذلك بواسطة اشتمال
النار على قوة محرقة فالعلم بأن كل نار لا بد فيها من هذه القوة هو ايضا
حكم كلى
وإن قيل إن الصورة النارية لا بد ان تشتمل على هذه القوة وأن
ما لا قوة فيه ليس بنار فهذا الكلام إذا قيل إنه صحيح قيل إنه لا يفيد
الجزم بأن كل ما فيه هذه القوة تحرق كل ما لاقاه وإن كان هو الغالب فهذا
يشترك فيه قياس والتمثيل والشمول والعادة والاستقراء الناقص ومعلوم ان كل
من قال إن كل نار تحرق كل ما لاقته فقد أخطأ فانه لا بد من كون المحل قابلا
للاحراق إذ قد علم انها لا تحرق كل شئ كما لا تحرق السمندل والياقوت وكما
لا تحرق الاجسام المطلية بأمور مصبوغة وأما خرق العادة فمقام آخر
ولا
أعلم في القضايا الحسية كلية لا يمكن نقضها مع ان القضية الكلية ليست حسية
وإنما القضية الحسية ان هذه النار تحرق فان الحس لا يدرك إلا شيئا خاصا
وأما الحكم العقلي فيقولون إن النفس عند رؤيتها هذه المعينات تستعد لان
تفيض عليها قضية كلي بالعموم ومعلوم ان هذا من جنس قياس التمثيل ولا يوثق
بعمومه إن لم يعلم أن الحكم العام لازم للقدر للمشترك وهذا إذا علم علم في
جميع المعينات فلم يكن العلم بالمعينات موقوفا على هذا
مع انه ليس من
القضايا العاديات قضية كلية لا يمكن نقضها باتفاق العقلاء بل والفلاسفة
يجوزون خرق العادات لكن يذكرون أن لها أسبابا فلكية او قوى نفسانية أو
أسبابا طبيعية فهذه الثلاثة هي أسباب خرق العادات عندهم والى ذلك ينسبون
معجزات الانبياء وكرامات الاولياء والسحر وغير ذلك وقد بسطنا الكلام على
ذلك في مسئلة معجزات الانبياء هل هي قوى نفسانية ام لا وبينا فساد قولهم
هذا حتى عند جماهير أساطين الفلاسفة بالادلة الصحيحة بما ليس هذا موضعه وهي
المعروفة ب مسئلة الصفدية
والثاني الوجديات الباطنة كادراك كل احد
جوعه وعطشه وحبه وبغضه وألمه ولذته وهذه كلها جزئيات وإنما يعلم الانسان
حال غيره والقضية الكلية ب قياس التمثيل بل هذه لا يشترك الناس في إدراك كل
جزئي منها كما قد يشتركون في إدراك بعض الحسيات المنفصلة كالشمس والقمر
ففيها من الخصوص في المدرك والمدرك ما ليس في الحسيات المنفصلة وإن اشتركوا
في نوعها فهى تشبه العاديات
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
زعمهم تساوي النفوس سبب ضلالهم في معرفة النبوات
ثم بلغهم
أمور أخرى خارجة عن قياسهم فأرادوا إجراء تلك على ذلك القياس فرأوا ان لبعض
النفوس قوة حدسية وانه قد يكون لها تأثير في بعض الامور وقد يتخيل اليها
ما تعلمه كما يتخيل الى النائم ما يراه فظنوا ان جميع ما يحصل للنفوس من
الوحي ونزول الملائكة وسمع كلام الله هو من هذا الباب وجعلوا خاصة النبوة
هي هذه الثلاث فمن وجدت فيه كان نبيا وقالوا النبوة مكتسبة وصار فضلاؤهم
تتعرض لان يصيروا انبياء كما جرى للسهرودي المقتول ولابن سبعين وغيرهم
وابن عربي لما علم انه لا يمكن دعوى النبوة ادعى ختم الولاية وادعى ان
خاتم الاولياء اكمل في العلم بالله من خاتم الانبياء وانه يأخذ من المعدن
الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به الى النبي وكان سبب هذا اعتقاد قول هؤلاء
المتفلسفة الملاحدة ان النبي يأخذ عن جبريل الذي هو خيال في نفسه وذلك
الخيال يأخذ عن العقل قال فالنبي يأخذ عن هذا الخيال وانا اخذ عن العقل
الذي يأخذ منه الخيال
وضموا هذا الى ان جميع الحوادث انما تحدث عن
حركة الفلك وهو من افسد اصولهم التي ضلوا بها
والثالث المجريات وهي
كلها جزئية فان التجربة انما تقع على امور معينة وكذلك المتواترات فان
المتواترات انما هو ما علم بالحس من مسموع او مرئي فالمسموع قول معين
والمرئي جسم معين او لون معين او عمل معين او امر ما معين
واما
الحدسيات ان جعلت يقينية فهي نظير المجريات اذا الفرق بينهما لا يعود الى
العموم والخصوص وانما يعود الى ان المجريات تتعلق بما هو من افعال المجربين
والحدسيات تكون عن افعالهم وبعض الناس يسمى الكل تجربيات لا
تستعمل القضايا الكلية في شيء من الموجودات
والاشياء
المساوية لشيء واحد متساوية ونحو ذلك وهذه مقدرات في الذهن ليست في الخارج
كلية
فقد تبين ان القضايا الكلية البرهانية التي يجب القطع بكليتها
التي يستعملونها في قياسهم لا تستعمل في شيء من الامور الموجودة المعينة
وانما تستعمل في مقدرات ذهنية فاذا لا يمكنهم معرفة الامور الموجودة
المعينة ب القياس البرهاني وهذا هو المطلوب لا دليل لهم على حصر
اقسام الوجود في المقولات العشر
لهم على حصر الموجودات في الجواهر الخمسة
الافلاك فلا يمكن الحصر فيما ذكر حتى يعلم
انتفاء ذلك وهم لا يعلمون انتفاءه فكيف وقد قامت الادلة على ثبوت اعيان
قائمة بأنفسها فوق الافلاك كما قد بسط في موضعه
وهم منازعون في واجب
الوجود هل هو داخل في مقولة الجوهر فأرسطو والقدماء كانوا يجعلونه من مقولة
الجوهر وابن سينا امتنع من ذلك لكن ارسطو واتباعه لم يكونوا يقولون واجب
الوجود انما يقولون العلة الاولى والمبدا وليس في كلام ارسطو تقسيم
الموجودات الى واجب بنفسه وممكن بنفسه مع كونه قديما ازليا بل كان الممكن
عندهم الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون الا محدثا وانما قسمه هذه القسمة
متأخروهم من الملاحدة الذين انتسبوا الى الاسلام كابن سينا وامثاله وجعلوا
هذا عوضا عن تقسيم المتكلمين الموجود الى قديم وحادث وسلكوا طريقة وركبوها
من كلام المتكلمين ومن كلام سلفهم مثل استدلال اولئك ب التركيب على الحدوث
فاستدل هو ب التركيب على الامكان الكلام على قول الخليل عليه
السلام هذا ربي
وابراهيم ص - لم يرد هذا ولا هذا كما قد بسط في غير هذا
الموضع وبين ان كل واحد من الاستدلال بالحركة على الحدوث او الامكان دليل
باطل كما يقول ذلك اكثر العقلاء من اتباع الانبياء واهل الكلام واساطين
الفلاسفة
ولكن كان قومه يعبدون الكواكب مع اعترافهم بوجود رب العالمين
وكانوا مشركين يتخذ احدهم له كوكبا يعبده ويطلب حوائجه منه كما تقدم
الاشارة اليه ولهذا قال الخليل عليه السلام افرء يتم ما كنتم تعبدون انتم
واباؤكم الاقدمون فانهم عدو لي الا رب العالمين الشعراء
وقال تعالى
ايضا قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا
برءؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا و بينكم العداوة
والبغضاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده الا قول ابراهيم لا بيه لاستغفرن لك
وما املك لك من الله من شيء الممتحنة فأمر سبحانه بالتأسي بابراهيم والذين
معه في قولهم لقومهم انا برآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله
وكذلك
ذكر الله عنه في سورة الصافات انه قال لقومه فما ظنكم برب العالمين الصفت
وقال لهم اتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون الصفت
فالقوم لم
يكونوا جاحدين لرب العالمين ولا كان قوله هذا ربي الانعام هذا الذي هو خلق
السموات والارض على أي وجه قاله سواء قاله الزاما لقومه او تقديرا او غير
ذلك ولا قال احد قط من الادميين ان كوكبا من الكواكب او ان الشمس والقمر
ابدعت السموات كلها
ولا يقول هذا عاقل بل عباد الشمس والقمر
والكواكب يعبدونها كما يعبد عباد الاصنام للاصنام وكما يعبد عباد الانبياء
والصالحين لهم ولتماثيلهم وكما يعبدون اخرون الملائكة واخرون يعبدون الجن
لما يرجون بعبادتها من جلب منفعة او دفع مضرة لا لاعتقادهم انها خلقت
العالم
بل قد يجعلونها شفعاء ووسائط بينهم وبين رب العالمين كما قال
تعالى ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا
عند الله قل ااتنبتون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الارض يونس وقال
تعالى والذين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى
الزمر وقال تعالى وانذر به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم ليس لهم من
دونه ولي ولا شفيع الانعام وقال تعالى ان تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون
الله ولي ولا شفيع الانعام وقال تعالى الله الذي خلق السموات والارض وما
بينهما في ستة ايام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع
السجدة
والشفاعة التي اخبرت بها الرسل هي ان يأذن الله للشفيع فيشفع
فيكون الامر كله لله كما قال تعالى من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه البقرة
وقال لا يشفعون الا لمن ارتضى الانبياء وهذا بخلاف ما اتخذه المشركون من
الشفعاء
واما الفلاسفة القائلون بقدم العالم فالشفاعة عندهم ان يفيض
على المستشفع من الشفيع ما يقصده من غير قصد الشفيع ولا سؤال منه كما ينعكس
شعاع الشمس من المرآة على الحائط وقد ذكر ذلك ابن سينا ومن تلقى عنه كصاحب
الكتب المضنون بها على غير اهلها ومن اخذ عنه
وهذا الشرك اعظم من
شرك مشركي العرب والنصارى ونحوهم فان اولئك كانوا يقولون صانع العلم فاعل
مختار وان الشافع يستله ويدعوه لكن يثبتون شفاعة بغير اذنه وشفاعة لما ليس
له شفاعة ويعبدون الشافع ويسألونه من دون الله ويصورون على تمثاله صورة
يعبدونها وكانت الشياطين تدخل في تلك الاصنام وتكلمهم وتتراأي للسدنة
احيانا كما يوجد نظير ذلك في هذا الزمان مواضع كثيرة بقية الكلام
على الجواهر الخمسة
لقول من زعم ان عالم الغيب هو العالم العقلي
نفسا وما فارقها بالكلية فلم يتعلق بها لا تعلق تدبير ولا
غيره عقلا ولا ريب ان النفس الناطقة قائمة بنفسها باقية بعد الموت منعمة او
معذبة كما دل على ذلك نصوب الكتاب والسنة وإجماع سلف الامة وائمتها ثم
تعاد الى الابدان ومن قال من أهل الكلام إن النفس عرض من أعراض البدن أو
جزء من أجزائه فقوله بدعة ولم يقل ذلك أحد من سلف الامة
ولكن ما يدعون
ثبوته في الخارج من المجردات العقلية لا يثبت على السير العقلي له تحقق
إلا في الذهن إثبات المجردات في الخارج هو مبدأ فلسفتهم
والمقصود هنا ان ما يثبتونه من العقليات إذا حققت لم تكن إلا ما ثبت في
عقل الانسان كالامور الكلية فانها عقلية مطابقة لأفرادها الموجودة في
الخارج وكذلك العدد المجرد عن المعدود والمقدار المجرد عن المقدور والماهية
المجردة عن الوجود والزمان المجرد عن الحركة والمكان المجرد عن الجسم
وأعراضهم
ولهذا كان منتهى محققيهم الوجود المطلق وهو الوجود المشترك
بين الموجودات وهذا انما يكون مطلقا في الاذهان لا في الاعيان والمتفلسفة
يجعلون الكلي المشترك موضوع العلم الالهي
واما الوجود الواجب فتارة
يقولون هو الوجود المقيد بالقيود السلبية كما يقوله ابن سينا وتارة يجعلونه
المجرد عن كل قيد سلبي وثبوتي كما يقوله بعض الملاحدة من باطنية الرافضة
والاتحادية وتارة يجعلونه نفس وجود الموجودات فلا يجعلون للممكنات وجودا
غير الوجود الواجب وقد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع
وغايتهم
انهم يجعلون في انفسهم شيئا ويظنون ان ذلك موجود في الخارج ولهذا تمدهم
الشياطين فان الشياطين تتصرف في الخيال وتلقى في خيالات الناس امورا لا
حقيقة لها ومحققو هؤلاء يقولون ارض الحقيقة هي ارض الخيال كون امور
الغيب موجودة ثابتة مشهودة
التي تشهدها ان تلك غيب وهذه شهادة قال تعالى الذين يؤمنون
بالغيب البقرة
وكون الشيء غائبا وشاهدا امر اضافي بالنسبة الينا فاذا
غاب عنا كان غيبا واذا شهدناه كان شهادة وليس هو فرقا يعود الى ان ذاته
تعقل ولا تشهد ولا تحس بل كل ما يعقل ولا يمكن ان يشهد بحال فانما يكون في
الذهن
والملائكة يمكن ان يشهدوا ويروا والرب تعالى يمكن رؤيته
بالابصار والمؤمنون يرونه يوم القيامة وفي الجنة كما تواترت النصوص في ذلك
عن النبي ص - واتفق على ذلك سلف الامة وائمتها
وامكان رؤيته يعلم
بالدلائل العقلية القاطعة لكن ليس هو الدليل الذي سلكه طائفة من اهل الكلام
كأبي الحسن وامثاله حيث ادعوا ان كل موجود يمكن رؤيته بل قالوا ويمكن ان
تتعلق به الحواس الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس فان هذا مما يعلم
فساده بالضرورة عند جماهير العقلاء
ولم يقيموا حجة
على وجوب تساوي النفوس في هذه الاحوال بل ولا على النفس الناطقة أنها
مستوية الافراد وهذا من أسباب ضلالهم في معرفة النبوات فانهم عرفوا كثيرا
من الاحكام التي تشترك فيها النفوس عادة وإن جاز أنخرامها
على وجوب تساوي النفوس في هذه الاحوال بل ولا على النفس الناطقة أنها
مستوية الافراد وهذا من أسباب ضلالهم في معرفة النبوات فانهم عرفوا كثيرا
من الاحكام التي تشترك فيها النفوس عادة وإن جاز أنخرامها
ثم بلغهم
أمور أخرى خارجة عن قياسهم فأرادوا إجراء تلك على ذلك القياس فرأوا ان لبعض
النفوس قوة حدسية وانه قد يكون لها تأثير في بعض الامور وقد يتخيل اليها
ما تعلمه كما يتخيل الى النائم ما يراه فظنوا ان جميع ما يحصل للنفوس من
الوحي ونزول الملائكة وسمع كلام الله هو من هذا الباب وجعلوا خاصة النبوة
هي هذه الثلاث فمن وجدت فيه كان نبيا وقالوا النبوة مكتسبة وصار فضلاؤهم
تتعرض لان يصيروا انبياء كما جرى للسهرودي المقتول ولابن سبعين وغيرهم
وابن عربي لما علم انه لا يمكن دعوى النبوة ادعى ختم الولاية وادعى ان
خاتم الاولياء اكمل في العلم بالله من خاتم الانبياء وانه يأخذ من المعدن
الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به الى النبي وكان سبب هذا اعتقاد قول هؤلاء
المتفلسفة الملاحدة ان النبي يأخذ عن جبريل الذي هو خيال في نفسه وذلك
الخيال يأخذ عن العقل قال فالنبي يأخذ عن هذا الخيال وانا اخذ عن العقل
الذي يأخذ منه الخيال
وضموا هذا الى ان جميع الحوادث انما تحدث عن
حركة الفلك وهو من افسد اصولهم التي ضلوا بها
والثالث المجريات وهي
كلها جزئية فان التجربة انما تقع على امور معينة وكذلك المتواترات فان
المتواترات انما هو ما علم بالحس من مسموع او مرئي فالمسموع قول معين
والمرئي جسم معين او لون معين او عمل معين او امر ما معين
واما
الحدسيات ان جعلت يقينية فهي نظير المجريات اذا الفرق بينهما لا يعود الى
العموم والخصوص وانما يعود الى ان المجريات تتعلق بما هو من افعال المجربين
والحدسيات تكون عن افعالهم وبعض الناس يسمى الكل تجربيات لا
تستعمل القضايا الكلية في شيء من الموجودات
فلم يبق معهم الا الاوليات
التي هي البديهيات العقلية والاوليات الكلية انما هي قضايا مطلقة في
الاعداد والمقادير ونحوها مثل قولهم الواحد نصف الاثنين
التي هي البديهيات العقلية والاوليات الكلية انما هي قضايا مطلقة في
الاعداد والمقادير ونحوها مثل قولهم الواحد نصف الاثنين
والاشياء
المساوية لشيء واحد متساوية ونحو ذلك وهذه مقدرات في الذهن ليست في الخارج
كلية
فقد تبين ان القضايا الكلية البرهانية التي يجب القطع بكليتها
التي يستعملونها في قياسهم لا تستعمل في شيء من الامور الموجودة المعينة
وانما تستعمل في مقدرات ذهنية فاذا لا يمكنهم معرفة الامور الموجودة
المعينة ب القياس البرهاني وهذا هو المطلوب لا دليل لهم على حصر
اقسام الوجود في المقولات العشر
ولهذا لم يكن لهم علم بحصر اقسام
الوجود بل أرسطو لما حصر أجناس الموجودات من المقولات العشر الجوهر والكم
والكيف والاين ومتى والوضع وأن يفعل وان ينفعل والملك وقد مجعها بعضهم في
بيتين فقال ... زيد الطويل الاسود ابن مالك ... في داره بالامس كان يتكى
... في يده سيف نضاه فانتضى ... فهذه عشر مقولات سوى ...
لما حصرهم
المعلم الاول في الجوهر والاعراض التسعة اتفقوا على انه لا سبيل الى معرفة
صحة هذا الحصر حتى جعل بعضهم اجناس الاعراض ثلاثة وقيل غير ذلك
لا دليلالوجود بل أرسطو لما حصر أجناس الموجودات من المقولات العشر الجوهر والكم
والكيف والاين ومتى والوضع وأن يفعل وان ينفعل والملك وقد مجعها بعضهم في
بيتين فقال ... زيد الطويل الاسود ابن مالك ... في داره بالامس كان يتكى
... في يده سيف نضاه فانتضى ... فهذه عشر مقولات سوى ...
لما حصرهم
المعلم الاول في الجوهر والاعراض التسعة اتفقوا على انه لا سبيل الى معرفة
صحة هذا الحصر حتى جعل بعضهم اجناس الاعراض ثلاثة وقيل غير ذلك
لهم على حصر الموجودات في الجواهر الخمسة
وكذلك لما قسموا الجوهر الى
خمسة اقسام العقل والنفس والمادة والصورة والجسم وجعلوا الجسم قسمين فلكيا
وعنصريا و العنصري الاركان التي هي الاستقصاآت والمولدات الحيوان والنبات
والمعدن كان هذا التقسيم مع فساده في الاثبات ليس حصر الموجودات فيه معلوما
فانه لا دليل لهم على حصر الاجسام في الفلكيات والعنصريات وهم معترفون
بامكان وجود اجسام وراء
خمسة اقسام العقل والنفس والمادة والصورة والجسم وجعلوا الجسم قسمين فلكيا
وعنصريا و العنصري الاركان التي هي الاستقصاآت والمولدات الحيوان والنبات
والمعدن كان هذا التقسيم مع فساده في الاثبات ليس حصر الموجودات فيه معلوما
فانه لا دليل لهم على حصر الاجسام في الفلكيات والعنصريات وهم معترفون
بامكان وجود اجسام وراء
الافلاك فلا يمكن الحصر فيما ذكر حتى يعلم
انتفاء ذلك وهم لا يعلمون انتفاءه فكيف وقد قامت الادلة على ثبوت اعيان
قائمة بأنفسها فوق الافلاك كما قد بسط في موضعه
وهم منازعون في واجب
الوجود هل هو داخل في مقولة الجوهر فأرسطو والقدماء كانوا يجعلونه من مقولة
الجوهر وابن سينا امتنع من ذلك لكن ارسطو واتباعه لم يكونوا يقولون واجب
الوجود انما يقولون العلة الاولى والمبدا وليس في كلام ارسطو تقسيم
الموجودات الى واجب بنفسه وممكن بنفسه مع كونه قديما ازليا بل كان الممكن
عندهم الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون الا محدثا وانما قسمه هذه القسمة
متأخروهم من الملاحدة الذين انتسبوا الى الاسلام كابن سينا وامثاله وجعلوا
هذا عوضا عن تقسيم المتكلمين الموجود الى قديم وحادث وسلكوا طريقة وركبوها
من كلام المتكلمين ومن كلام سلفهم مثل استدلال اولئك ب التركيب على الحدوث
فاستدل هو ب التركيب على الامكان الكلام على قول الخليل عليه
السلام هذا ربي
واولئك زعموا ان قول ابراهيم لا احب الآفلين الانعام
المراد به المتحركين لان الحركة حادثة والحادث لا يقوم الا بحادث فهي سمة
الحدوث فاستدل بالحدوث على حدوث المتحرك والمعنى لا احب المحدثين الذين
تقوم بهم الحوادث
فقال هؤلاء بل الافول الذي هو الحركة دليل على ان
المتحرك ممكن وان كان قديما ازليا قالوا و الافول هوى في حظيرة الامكان
وقوله لا احب الافلين أي الممكنين وان كان الممكن قديما
وكان قدماء
المتكلمين يمثلون الدليل العقلي بقولهم كل متغير محدث والعالم متغير فهو
محدث فجاء الرازي في محصله فجعل يمثل ذلك بقوله كل متغير ممكن والعالم
متغير فهو ممكن
المراد به المتحركين لان الحركة حادثة والحادث لا يقوم الا بحادث فهي سمة
الحدوث فاستدل بالحدوث على حدوث المتحرك والمعنى لا احب المحدثين الذين
تقوم بهم الحوادث
فقال هؤلاء بل الافول الذي هو الحركة دليل على ان
المتحرك ممكن وان كان قديما ازليا قالوا و الافول هوى في حظيرة الامكان
وقوله لا احب الافلين أي الممكنين وان كان الممكن قديما
وكان قدماء
المتكلمين يمثلون الدليل العقلي بقولهم كل متغير محدث والعالم متغير فهو
محدث فجاء الرازي في محصله فجعل يمثل ذلك بقوله كل متغير ممكن والعالم
متغير فهو ممكن
وابراهيم ص - لم يرد هذا ولا هذا كما قد بسط في غير هذا
الموضع وبين ان كل واحد من الاستدلال بالحركة على الحدوث او الامكان دليل
باطل كما يقول ذلك اكثر العقلاء من اتباع الانبياء واهل الكلام واساطين
الفلاسفة
ولكن كان قومه يعبدون الكواكب مع اعترافهم بوجود رب العالمين
وكانوا مشركين يتخذ احدهم له كوكبا يعبده ويطلب حوائجه منه كما تقدم
الاشارة اليه ولهذا قال الخليل عليه السلام افرء يتم ما كنتم تعبدون انتم
واباؤكم الاقدمون فانهم عدو لي الا رب العالمين الشعراء
وقال تعالى
ايضا قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا
برءؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا و بينكم العداوة
والبغضاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده الا قول ابراهيم لا بيه لاستغفرن لك
وما املك لك من الله من شيء الممتحنة فأمر سبحانه بالتأسي بابراهيم والذين
معه في قولهم لقومهم انا برآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله
وكذلك
ذكر الله عنه في سورة الصافات انه قال لقومه فما ظنكم برب العالمين الصفت
وقال لهم اتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون الصفت
فالقوم لم
يكونوا جاحدين لرب العالمين ولا كان قوله هذا ربي الانعام هذا الذي هو خلق
السموات والارض على أي وجه قاله سواء قاله الزاما لقومه او تقديرا او غير
ذلك ولا قال احد قط من الادميين ان كوكبا من الكواكب او ان الشمس والقمر
ابدعت السموات كلها
ولا يقول هذا عاقل بل عباد الشمس والقمر
والكواكب يعبدونها كما يعبد عباد الاصنام للاصنام وكما يعبد عباد الانبياء
والصالحين لهم ولتماثيلهم وكما يعبدون اخرون الملائكة واخرون يعبدون الجن
لما يرجون بعبادتها من جلب منفعة او دفع مضرة لا لاعتقادهم انها خلقت
العالم
بل قد يجعلونها شفعاء ووسائط بينهم وبين رب العالمين كما قال
تعالى ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا
عند الله قل ااتنبتون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الارض يونس وقال
تعالى والذين اتخذوا من دونه اولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى
الزمر وقال تعالى وانذر به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم ليس لهم من
دونه ولي ولا شفيع الانعام وقال تعالى ان تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون
الله ولي ولا شفيع الانعام وقال تعالى الله الذي خلق السموات والارض وما
بينهما في ستة ايام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع
السجدة
والشفاعة التي اخبرت بها الرسل هي ان يأذن الله للشفيع فيشفع
فيكون الامر كله لله كما قال تعالى من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه البقرة
وقال لا يشفعون الا لمن ارتضى الانبياء وهذا بخلاف ما اتخذه المشركون من
الشفعاء
واما الفلاسفة القائلون بقدم العالم فالشفاعة عندهم ان يفيض
على المستشفع من الشفيع ما يقصده من غير قصد الشفيع ولا سؤال منه كما ينعكس
شعاع الشمس من المرآة على الحائط وقد ذكر ذلك ابن سينا ومن تلقى عنه كصاحب
الكتب المضنون بها على غير اهلها ومن اخذ عنه
وهذا الشرك اعظم من
شرك مشركي العرب والنصارى ونحوهم فان اولئك كانوا يقولون صانع العلم فاعل
مختار وان الشافع يستله ويدعوه لكن يثبتون شفاعة بغير اذنه وشفاعة لما ليس
له شفاعة ويعبدون الشافع ويسألونه من دون الله ويصورون على تمثاله صورة
يعبدونها وكانت الشياطين تدخل في تلك الاصنام وتكلمهم وتتراأي للسدنة
احيانا كما يوجد نظير ذلك في هذا الزمان مواضع كثيرة بقية الكلام
على الجواهر الخمسة
وايضا فدعواهم ان الجوهر جنس تحته اربعة وهي العقل
والنفس والمادة والصورة والخامس هو الجسم اذا حقق الامر عليهم كان ما
يثبتونه من العقليات إنما هو موجود في الذهن والعقل بمنزلة الكليات لا وجود
لها في الخارج وقداعترف بهذا من ينصرهم ويعظمهم كابن حزم وغيره
رد والنفس والمادة والصورة والخامس هو الجسم اذا حقق الامر عليهم كان ما
يثبتونه من العقليات إنما هو موجود في الذهن والعقل بمنزلة الكليات لا وجود
لها في الخارج وقداعترف بهذا من ينصرهم ويعظمهم كابن حزم وغيره
لقول من زعم ان عالم الغيب هو العالم العقلي
ومن زعم ان عالم الغيب
أخبرت به الرسل هو العالم العقلي الذي يثبته هؤلاء فهو من اضل الناس فان
ابن سينا ومن سلك سبيله في هذا كالشهرستاني ستانى والرازي وغيرهما يقولون
إن الالهيين يثبتون العالم العقلي ويردون على الطبيعيين منهم الذين لا
يثبتون إلا العالم الحسي ويدعون ان العالم العقلي الذي يثبتونه هو ما اخبرت
به الرسل من الغيب الذي امروا بالايمان به مثل وجود الرب والملئكة والجنة
وليس الامر كذلك فان ما يثبتونه من العقليات إذا حقق الامر لم يكن لها
وجود إلا في العقل وسميت مجردات ومفارقات لان العقل يجرد الامور الكلية على
المعينات
وأما تسميتها مفارقات فكان أصله أن النفس الناطقة تفارق
البدن وتصير حينئذ عقلا وكانوا يسمون ما جامع المادة بالتدبير لها كالنفس
قبل الموت
أخبرت به الرسل هو العالم العقلي الذي يثبته هؤلاء فهو من اضل الناس فان
ابن سينا ومن سلك سبيله في هذا كالشهرستاني ستانى والرازي وغيرهما يقولون
إن الالهيين يثبتون العالم العقلي ويردون على الطبيعيين منهم الذين لا
يثبتون إلا العالم الحسي ويدعون ان العالم العقلي الذي يثبتونه هو ما اخبرت
به الرسل من الغيب الذي امروا بالايمان به مثل وجود الرب والملئكة والجنة
وليس الامر كذلك فان ما يثبتونه من العقليات إذا حقق الامر لم يكن لها
وجود إلا في العقل وسميت مجردات ومفارقات لان العقل يجرد الامور الكلية على
المعينات
وأما تسميتها مفارقات فكان أصله أن النفس الناطقة تفارق
البدن وتصير حينئذ عقلا وكانوا يسمون ما جامع المادة بالتدبير لها كالنفس
قبل الموت
نفسا وما فارقها بالكلية فلم يتعلق بها لا تعلق تدبير ولا
غيره عقلا ولا ريب ان النفس الناطقة قائمة بنفسها باقية بعد الموت منعمة او
معذبة كما دل على ذلك نصوب الكتاب والسنة وإجماع سلف الامة وائمتها ثم
تعاد الى الابدان ومن قال من أهل الكلام إن النفس عرض من أعراض البدن أو
جزء من أجزائه فقوله بدعة ولم يقل ذلك أحد من سلف الامة
ولكن ما يدعون
ثبوته في الخارج من المجردات العقلية لا يثبت على السير العقلي له تحقق
إلا في الذهن إثبات المجردات في الخارج هو مبدأ فلسفتهم
وهذا
كان مبدأ فلسفة هؤلاء فانهم نظروا في الاجسام الطبيعية فعلموا القدر
المشترك الكلى فصاروا يظنون ثبوته في الخارج فكان اولهم فيثاغورس وشيعته
أثبتوا أعدادا مجردة في الخارج ثم رد ذلك عليهم أفلاطون وشيعته وأثبتوا
ماهيات كلية مجردة مثل إنسان كلى وفرس كلى أزلى ابدى خارج الذهن وأثبتوا
ايضا زمانا مجردا سموه الدهر وأثبتوا مكانا مجردا سموه الخلاء واثبتوا مادة
مجردة عن الصور وهي المادة الاولى والهيولى الاولى عندهم
فجاء أرسطو
وشيعته فردوا ذلك كله عليهم ولكن أثبتوا هذه المجردات في الخارج مقارنة
للاعيان وفرقوا بين الشئ الموجود في الخارج وبين ماهيتة الكلية المقارنة
لافرادها في الخارج كما ذكر ذلك ابن سينا وأمثاله وغلط هؤلاء في هذا وكذلك
أثبتوا العقول العشرة وظنوا وجودها في الخارج وهم غالطون في ذلك وأدلتهم
عليها في غاية الفساد واما النفوس الفلكية فكان قدماؤهم يجعلونها أعراضنا
لكن ابن سينا وطائفة رجحوا أنها جواهر قائمة بنفسها كنفس الانسان وهذا
لبسطه موضع آخر
كون منتهى محققيهم الوجود المطلق الكلى الخياليكان مبدأ فلسفة هؤلاء فانهم نظروا في الاجسام الطبيعية فعلموا القدر
المشترك الكلى فصاروا يظنون ثبوته في الخارج فكان اولهم فيثاغورس وشيعته
أثبتوا أعدادا مجردة في الخارج ثم رد ذلك عليهم أفلاطون وشيعته وأثبتوا
ماهيات كلية مجردة مثل إنسان كلى وفرس كلى أزلى ابدى خارج الذهن وأثبتوا
ايضا زمانا مجردا سموه الدهر وأثبتوا مكانا مجردا سموه الخلاء واثبتوا مادة
مجردة عن الصور وهي المادة الاولى والهيولى الاولى عندهم
فجاء أرسطو
وشيعته فردوا ذلك كله عليهم ولكن أثبتوا هذه المجردات في الخارج مقارنة
للاعيان وفرقوا بين الشئ الموجود في الخارج وبين ماهيتة الكلية المقارنة
لافرادها في الخارج كما ذكر ذلك ابن سينا وأمثاله وغلط هؤلاء في هذا وكذلك
أثبتوا العقول العشرة وظنوا وجودها في الخارج وهم غالطون في ذلك وأدلتهم
عليها في غاية الفساد واما النفوس الفلكية فكان قدماؤهم يجعلونها أعراضنا
لكن ابن سينا وطائفة رجحوا أنها جواهر قائمة بنفسها كنفس الانسان وهذا
لبسطه موضع آخر
والمقصود هنا ان ما يثبتونه من العقليات إذا حققت لم تكن إلا ما ثبت في
عقل الانسان كالامور الكلية فانها عقلية مطابقة لأفرادها الموجودة في
الخارج وكذلك العدد المجرد عن المعدود والمقدار المجرد عن المقدور والماهية
المجردة عن الوجود والزمان المجرد عن الحركة والمكان المجرد عن الجسم
وأعراضهم
ولهذا كان منتهى محققيهم الوجود المطلق وهو الوجود المشترك
بين الموجودات وهذا انما يكون مطلقا في الاذهان لا في الاعيان والمتفلسفة
يجعلون الكلي المشترك موضوع العلم الالهي
واما الوجود الواجب فتارة
يقولون هو الوجود المقيد بالقيود السلبية كما يقوله ابن سينا وتارة يجعلونه
المجرد عن كل قيد سلبي وثبوتي كما يقوله بعض الملاحدة من باطنية الرافضة
والاتحادية وتارة يجعلونه نفس وجود الموجودات فلا يجعلون للممكنات وجودا
غير الوجود الواجب وقد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع
وغايتهم
انهم يجعلون في انفسهم شيئا ويظنون ان ذلك موجود في الخارج ولهذا تمدهم
الشياطين فان الشياطين تتصرف في الخيال وتلقى في خيالات الناس امورا لا
حقيقة لها ومحققو هؤلاء يقولون ارض الحقيقة هي ارض الخيال كون امور
الغيب موجودة ثابتة مشهودة
واما ما اخبرت به الرسل ص - من الغيب فهو
امور موجودة ثابتة اكمل واعظم مما نشهده نحن في هذه الدار وتلك امور محسوسة
تشاهد وتحس ولكن بعد الموت وفي الدار الاخرة ويمكن ان يشهدها في هذه الدار
من يختصه الله بذلك ليست عقلية قائمة بالعقل ولهذا كان الفرق بينها وبين
الحسيات
امور موجودة ثابتة اكمل واعظم مما نشهده نحن في هذه الدار وتلك امور محسوسة
تشاهد وتحس ولكن بعد الموت وفي الدار الاخرة ويمكن ان يشهدها في هذه الدار
من يختصه الله بذلك ليست عقلية قائمة بالعقل ولهذا كان الفرق بينها وبين
الحسيات
التي تشهدها ان تلك غيب وهذه شهادة قال تعالى الذين يؤمنون
بالغيب البقرة
وكون الشيء غائبا وشاهدا امر اضافي بالنسبة الينا فاذا
غاب عنا كان غيبا واذا شهدناه كان شهادة وليس هو فرقا يعود الى ان ذاته
تعقل ولا تشهد ولا تحس بل كل ما يعقل ولا يمكن ان يشهد بحال فانما يكون في
الذهن
والملائكة يمكن ان يشهدوا ويروا والرب تعالى يمكن رؤيته
بالابصار والمؤمنون يرونه يوم القيامة وفي الجنة كما تواترت النصوص في ذلك
عن النبي ص - واتفق على ذلك سلف الامة وائمتها
وامكان رؤيته يعلم
بالدلائل العقلية القاطعة لكن ليس هو الدليل الذي سلكه طائفة من اهل الكلام
كأبي الحسن وامثاله حيث ادعوا ان كل موجود يمكن رؤيته بل قالوا ويمكن ان
تتعلق به الحواس الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس فان هذا مما يعلم
فساده بالضرورة عند جماهير العقلاء
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
اغاليط المتكلمين والمتفلسفة
مخلوقات الله وما في شرعه من الحكم
التي خلق وامر لاجلها
فان غلط هؤلاء مما سلط اولئك المتفلسفة وظنوا ان
ما يقول هؤلاء وامثالهم هو دين المسلمين او قول الرسول واصحابه ولهذا كانت
مناظرة ابن سينا وامثاله في كتبهم لمبتدعة اهل الكلام فعامة مناظرة ابن
سينا هي للمعتزلة وابن رشد للكلابية وكانوا اذا بينوا فساد بعض ما يقوله
مبتدعة اهل الكلام يظنون انه لم يبق حق إلا ما يقولونه هم وذلك بالعكس وليس
الأمر كذلك بل ما يقوله مبتدعة اهل الكلام فيه خطأ مخالف للشرع والعقل
والخطأ فيما تقوله المتفلسفة في الالهيات والنبوات والمعاد والشرائع اعظم
من خطأ المتكلمين وأما فيما يقولونه في العلوم الطبيعية والرياضية فقد يكون
صواب المتفلسفة اكثر من صواب من رد عليهم من اهل الكلام فإن اكثر كلام اهل
الكلام في هذه الأمور بلا علم ولا عقل ولا شرع
ونحن لم نقدح فيما علم
من الأمور الطبيعية والرياضية لكن ذكرنا ان ما يدعونه من البرهان الذي
يفيد علوما يقينية كلية بالأمور الطبيعية ليس كما يدعونه بل غالب الطبيعيات
إنما هي عادات تقبل التغير ولها شروط وموانع وهم لايريدون بالقضايا
البرهانية الواجب قبولها إلا ما يكون لزوم المحمول منها للموضوع لزوما
ذاتيا لايقبل التغير بحال فاذا قالوا كل ا ب لم يريدوا ان كل ما هو في
الوجود ا فهو ب ولا كل ما جد او سيوجد وإنما يريدون ان كل ما يفرض ويقدر في
العقل بل في نفس الأمر مع قطع النظر عن الوجودين الذهني والخارجي فهو ب
كما قالوا كل انسان حيوان فالطبيعة الانسانية من حيث هي تستلزم الحيوانية
وهم يدعون ان الماهية قد تنفك عن الوجودين الخارجي والذهني وهي من
اغاليطهم ومعلوم ان هذا إن اريد به الإنسان المعروف فالانسان المعروف لا
يكون إلا حيوانا وهذا امر واضح ليس هو مما يطلب علمه بالبراهين فالصفات
اللازمة للموصوف التي لايكون له حقيقة إلا بها لاتوجد بدونها
وقد بسط
الكلام على فرقهم بين اللازمة وبين الذاتية المقومة الداخلة في الماهية
وبين اللازمة للماهية واللازمة لوجودها وبين ان هذا كله باطل إلا اذا اريد ب
الماهية ما يتصور في الذهن وبالوجود ما يكون في الخارج فالفرق بين مصورات
الأذهان وموجودات الأعيان فرق صحيح وأما ان يدعي في الخارج جوهرين قائمين
بأنفسهما أحدهما الانسان المحسوس والاخر إنسان معقول ينطبق على كل واحد من
افراد الانسان ويدعي ان الصفات اللازمة التي لا يمكن تحقق الموصوف إلا بها
منها ما هو داخل مقوم لما هيته الموجودة في الخارج ومنها ما هو خارج عارض
لماهيته الموجودة في الخارج فهذا كله باطل كما قد بسط في غير هذا الموضع أقيستهم
مبنية على القضايا الكلية لا علم لهم بها
والواحد البسيط
الذي يصفون به واجب الوجود من جنس الواحد البسيط الذي يجعلونه مبدأ
المركبات اذا قالوا الانسان مركب من الحيوانية والناطقية وينتهي الامر الى
واحد بسيط لا تركيب فيه فان هذا الواحد لا يوجد الا في الذهن لا في الخارج
فان قولهم انسان مركب من الحيوان والناطق والحيوانية والناطقية لا يصح منه
الا ما يتصور في الذهن فان المتصور يتصور في نفسه انسانا ناطقا وجسما
حساسا متحركا بالارادة ناطقا فيكون كل من هذه الاجزاء جزءا مما تصوره في
نفسه واللفظ الدال على جميعها يدل عليها بالمطابقة وعلى ابعاضها بالتضمن
وعلى لازمها بالالتزام ومجموعها هي تمام الماهية المتصورة في الذهن والداخل
فيها هو الداخل في تلك الماهية والخارج عنها هو الخارج عن تلك الماهية
وتلك الماهية بحسب ما يتصوره الذهن فاذا تصور انسانا ضاحكا كان الضاحك جزء
هذه الماهية
واما دعوى المدعي ان الانسان الموجود في الخارج مركب من
وهذا فلا يصح الا اذا اريد به انه متصف بهذين الوصفين وهما قائمان به وهو
حامل لهما كما يحمل الجوهر اعراضه والموصوف صفاته
واما ان يقال ان
الجوهر مركب من اعراض او مركب من جواهر احدها جسم والاخر حساس والاخر نام
والاخر متحرك بالارادة وان هذا الانسان المعين فيه جواهر متعددة بتعدد هذه
الاسماء وان الجوهر الذي هو الحساس ليس هو الذي هو متحركا بالارادة ولا
الذي هو جسم ولا الذي هو ناطق ولا الناطق هو الحساس فهذا مما يعلم فساده
بعد تصوره بالصورة توحيد واجب الوجود عند الفلاسفة
الصفات الثبوتية
ليس له حياوة ولا علم ولا قدرة ولا كلام ويقولون مع ذلك هو عاقل ومعقول
وعقل ولذيذ وملتذ ولذة وعاشق ومعشوق وعشق ويقولون ان كل صفة من هذه الصفات
هي الاخرى فاللذة هي العقل والعقل هي العشق ويقولون ان كل صفة من هذه
الصفات هي الموصوف والعلم هو العالم واللذة واللذة هي الملتذ والعشق هو
العاشق فهذا ونحوه من اقوالهم في صفات واجب الوجود مما اذا تصوره المتصور
تصورا صحيحا كان مجرد تصوره يوجب العلم الضروي بفساده
وقد بسطنا
الكلام عليه وبينا ما الجاهم الى القول بهذا وكلامهم في التركيب وبينا ان
اكثر الفلاسفة المتقدمين قبل ارسطو وكثير من المتأخرين كأبي البركات صاحب
المعتبر وغيره لا يقولون بهذا بل ردوا على من قاله واصل هذا كله ما ادعوه
من ان اثبات الصفات تركيب ممتنع وهذا اخذوه عن المعتزلة ليس هذا من كلام
ارسطو وذويه وقد تكلمنا في بيان فساده في مصنف مفرد في توحيد الفلاسفة وفي
شرح الاصبهانية والصفدية وغير ذلك
ثم بنوا هذا على ان الواحد لا يكون
فاعلا وقابلا لان ذلك يستلزم التركيب وان الواحد لا يصدر عنه الا واحد لان
صدور اثنين يقتضى تعدد المصدر فمصدر ج غير مصدر ب وذلك يستلزم التركيب
الممتنع
فمدار كلامهم في التوحيد والصفات كله على لفظ التركيب وقد
بسطنا القول فيه وبينا ما في هذا اللفظ من اجمال فان التركيب خمسة انواع
احدها تركب الذات من وجود وماهية والثاني تركيبها من وصف عام
ووصف
خاص كالمركب من الجنس والفصل والثالث تركيب من ذات وصفات والرابع تركيب
الجسم من المادة والصورة والخامس تركيبه من الجواهر المنفردة
وقد بينا
أن ما يدعونه من التركيب من الوجود والماهية ومن الجنس والفصل باطل واما
تركيب الجسم من هذا وهذا فاكثر العقلاء يقولون الجسم ليس مركبا لا من
المادة والصورة ولا من الجواهر المنفردة لم يبق الا ذات لها صفات
وقد
بينا ان المركب يقال على ما ركبه غيره وعلى ما كانت اجزاؤه متفرقة فاجتمعت
وعلى ما يقبل مفارقة بعضه بعضا وهذه الانواع الثلاثة منتفية عن رب العالمين
باتفاق المسلمين
وهم جعلوا ما يوصف بالصفات تركيبا وهذا اصطلاح لهم
وحقيقة الامر تعود الى موصوف له صفات متعددة فتسمية المسمى هذا تركيبا
اصطلاح لهم والنظر انما هو في المعاني العقلية واما الالفاظ فان وردت عن
صاحب الشرع المعصوم كان لها حرمة والا لم يلتفت الى من اخذ يعبر عن المعاني
الصحيحة المعلومة بالعقل والشرع بعبارة مجملة توهم معاني فاسدة وقيل لهم
البحث في المعاني لا في الالفاظ كما بسط في موضعه الوجه الثاني
ان المعين المطلوب علمه بالقضايا الكلية يعلم قبلها وبدونها
الوجه
الثاني ان يقال اذا كان لا بد في كل قياس من قضية كلية فتلك القضية
الكلية لا بد ان تنتهي الى ان تعلم بغير قياس والا لزم الدور والتسلسل فاذا
كان لا بد ان تكون لهم قضايا كلية معلومة بغير قياس فنقول
ليس في
الموجودات ما تعلم الفطرة له قضية كلية بغير قياس الا وعلمها بالمفردات
المعينة من تلك القضية الكلية اقوى من علمها بتلك القضية الكلية مثل قولنا
الواحد نصف الاثنين والجسم لا يكون في مكانين والضدان لا يجتمعان فان العلم
بأن هذا الواحد نصف هذين الاثنين اقدم في الفطرة من العلم بأن كل واحد نصف
كل اثنين وهكذا كل ما يفرض من الاحاد
فيقال المقصود بهذه القضايا
الكلية اما ان يكون العلم بالموجود الخارجي او العلم بالمقدرات الذهنية اما
الثاني ففائدته قليلة واما الاول فما من موجود معين الا وحكمه بعلم تعينه
اظهر واقوى من العلم به عن قياس كلى يتناوله فلا يحصل بالقياس كثير فائدة
بل يكون ذلك تطويلا وانما يستعمل القياس في مثل ذلك لاجل الغالط والمعاند
فيضرب له المثل وتذكر الكلية ردا لغلطه وعناده بخلاف من كان سليم الفطرة
وكذلك قولهم الضدان لا يجتمعان فأي شيئين علم تضادهما فانه يعلم انها لا
يجتمعان قبل استحضار قضية كلية بأن كل ضدين لا يجتمعان وما من جسم معين الا
يعلم انه لا يكون في مكانين قبل العلم بأن كل جسم لا يكون في مكانين وكذلك
قولهم النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان فان مرادهم بذلك ان وجود الشيء
وعدمه لا يجتمعان ولا يرتفعان فما من شيء معين الا ويعلم انه لا يكون
موجودا معدوما وانه لا يخلو عن الوجود والعدم قبل العلم بهذه القضية العامة
وامثال ذلك كثير لمن تدبره
ويعلم ان المعين المطلوب علمه بهذه
القضايا الكلية الاولية يعلم قبل ان تعلم هذه القضية الكلية ويعلم بدونها
ولا يحتاج العلم به الى القضية الكلية وانما يعلم بالقضية الكلية ما يقدر
في الذهن من امثال ذلك مما لم يوجد في الخارج واما الموجودات
الخارجية فتعلم بدون هذا القياس قياس الشمول مبناه على قياس
التمثيل
ومن هنا يغلط كثيرا ممن يسلك سبيلهم حيث يظن ان ما عنده من القضايا الكلية
صحيح ويكون عند التحقيق ليس كذلك وهم يتصورون الشيء بعقولهم ويكون ما
تصوروه معقولا بالعقل فيتكلمون عليه ويظنون انهم تكلموا في ماهية مجردة
بنفسها من حيث هي هي من غير ان تكون ثابتة في الخارج ولا في الذهن فيقولون
الانسان من حيث هو هو والوجود من حيث هو هو والسواد من حيث هو هو ونحو ذلك
ويظنون ان هذه الماهية التي جردوها عن جميع القيود السلبية والثبوتية محققة
في الخارج على هذا التجريد وذلك غلط كغلط اوليهم فيما جردوه
من العدد و
المثل الافلاطونية وغيرها بل هذه المجردات المسلوب عنها كل قيد ثبوتي
وسلبي لا تكون الا مقدرة في الذهن
واذا قال القائل فأنا افرض الانسان
مجردا عن الوجودين الخارجي والذهني قيل له هذا الفرض في الذهن ايضا كما
تفرض سائر الممتنعات في الذهن مثل ان يفرض موجودا لا واجبا ولا ممكنا ولا
قائما بنفسه ولا بغيره ولا مبائنا لغيره ولا مجانبا له وهذا كله مفروض في
الذهن وليس كل ما فرضه الذهن امكن وجوده في الخارج وليس كل ما حكم به
الانسان على ما يقدره ويفرضه في ذهنه يكون حكما صحيحا على ما يوجد في
الخارج ولا كل ما امكن تصور الذهن له يكون وجوده في الخارج
بل الذهن
يتصور اشياء ويقدرها مع علمه بامتناعها ومع علمه بامكانها في الخارج ومع
عدم علمه بالامتناع الخارجي والامكان الخارجي وهذا الذي يسمى الامكان
الذهني فان الامكان يستعمل على وجهين امكان ذهني وامكان خارجي ف الامكان
الذهني ان يعرض الشيء على الذهن فلا يعلم امتناعه بل يقول يمكن هذا لا
لعلمه بامكانه بل لعدم علمه بامتناعه مع ان ذاك الشيء قد يكون ممتنعا في
الخارج
واما الامكان الخارجي فأن يعلم امكان الشيء في الخارج وهذا
يكون بأن يعلم وجوده في الخارج او وجود نظيره او وجود ما هو ابعد عن الوجود
منه فاذا كان الابعد عن قبول الوجود موجودا ممكن الوجود فالاقرب الى
الوجود منه اولى
وهذا من اغاليط بعض المتكلمين كغلطهم
في قولهم ان الاعراض يمتنع بقاؤها وان الاجسام متماثلة وانها مركبة من
الجواهر المنفردة التي لا تقبل قسمة ولا يتميز منها جانب من جانب فان هذا
غلط وقول المتفلسفة بأنها مركبة من المادة والصورة العقليين ايضا غلط كما
قد بسط هذا كله في غير هذا الموضع
وكذلك غلط من غلط من المتكلمين
وادعى ان الله لم يخلق شيئا لسبب ولا لحكمة ولا خص شيئا من الاجسام بقوى
وطبائع وادعى ان كل ما يحدث فان الفاعل المختار الذي يخص احد المتماثلين
بلا تخصيص اصلا يحدثه وانكر ما في
في قولهم ان الاعراض يمتنع بقاؤها وان الاجسام متماثلة وانها مركبة من
الجواهر المنفردة التي لا تقبل قسمة ولا يتميز منها جانب من جانب فان هذا
غلط وقول المتفلسفة بأنها مركبة من المادة والصورة العقليين ايضا غلط كما
قد بسط هذا كله في غير هذا الموضع
وكذلك غلط من غلط من المتكلمين
وادعى ان الله لم يخلق شيئا لسبب ولا لحكمة ولا خص شيئا من الاجسام بقوى
وطبائع وادعى ان كل ما يحدث فان الفاعل المختار الذي يخص احد المتماثلين
بلا تخصيص اصلا يحدثه وانكر ما في
مخلوقات الله وما في شرعه من الحكم
التي خلق وامر لاجلها
فان غلط هؤلاء مما سلط اولئك المتفلسفة وظنوا ان
ما يقول هؤلاء وامثالهم هو دين المسلمين او قول الرسول واصحابه ولهذا كانت
مناظرة ابن سينا وامثاله في كتبهم لمبتدعة اهل الكلام فعامة مناظرة ابن
سينا هي للمعتزلة وابن رشد للكلابية وكانوا اذا بينوا فساد بعض ما يقوله
مبتدعة اهل الكلام يظنون انه لم يبق حق إلا ما يقولونه هم وذلك بالعكس وليس
الأمر كذلك بل ما يقوله مبتدعة اهل الكلام فيه خطأ مخالف للشرع والعقل
والخطأ فيما تقوله المتفلسفة في الالهيات والنبوات والمعاد والشرائع اعظم
من خطأ المتكلمين وأما فيما يقولونه في العلوم الطبيعية والرياضية فقد يكون
صواب المتفلسفة اكثر من صواب من رد عليهم من اهل الكلام فإن اكثر كلام اهل
الكلام في هذه الأمور بلا علم ولا عقل ولا شرع
ونحن لم نقدح فيما علم
من الأمور الطبيعية والرياضية لكن ذكرنا ان ما يدعونه من البرهان الذي
يفيد علوما يقينية كلية بالأمور الطبيعية ليس كما يدعونه بل غالب الطبيعيات
إنما هي عادات تقبل التغير ولها شروط وموانع وهم لايريدون بالقضايا
البرهانية الواجب قبولها إلا ما يكون لزوم المحمول منها للموضوع لزوما
ذاتيا لايقبل التغير بحال فاذا قالوا كل ا ب لم يريدوا ان كل ما هو في
الوجود ا فهو ب ولا كل ما جد او سيوجد وإنما يريدون ان كل ما يفرض ويقدر في
العقل بل في نفس الأمر مع قطع النظر عن الوجودين الذهني والخارجي فهو ب
كما قالوا كل انسان حيوان فالطبيعة الانسانية من حيث هي تستلزم الحيوانية
وهم يدعون ان الماهية قد تنفك عن الوجودين الخارجي والذهني وهي من
اغاليطهم ومعلوم ان هذا إن اريد به الإنسان المعروف فالانسان المعروف لا
يكون إلا حيوانا وهذا امر واضح ليس هو مما يطلب علمه بالبراهين فالصفات
اللازمة للموصوف التي لايكون له حقيقة إلا بها لاتوجد بدونها
وقد بسط
الكلام على فرقهم بين اللازمة وبين الذاتية المقومة الداخلة في الماهية
وبين اللازمة للماهية واللازمة لوجودها وبين ان هذا كله باطل إلا اذا اريد ب
الماهية ما يتصور في الذهن وبالوجود ما يكون في الخارج فالفرق بين مصورات
الأذهان وموجودات الأعيان فرق صحيح وأما ان يدعي في الخارج جوهرين قائمين
بأنفسهما أحدهما الانسان المحسوس والاخر إنسان معقول ينطبق على كل واحد من
افراد الانسان ويدعي ان الصفات اللازمة التي لا يمكن تحقق الموصوف إلا بها
منها ما هو داخل مقوم لما هيته الموجودة في الخارج ومنها ما هو خارج عارض
لماهيته الموجودة في الخارج فهذا كله باطل كما قد بسط في غير هذا الموضع أقيستهم
مبنية على القضايا الكلية لا علم لهم بها
والمقصود ان ما يذكرونه من
الألهية في العلوم الاهية والطبيعية ومايتعلق بها فلا يفيد يقينا إلا كما
يفيد قياس التمثيل إذ هي مبنية على قضية كلية لا يقين عندهم بأنها كلية إلا
كاليقين الذي عندهم بقياس التمثيل ولا سبيل لهم الى ذلك مثل قولهم في
العلم الالهي الواحد لايصدر عنه إلا واحد والشيء الواحد لايكون فاعلا
وقابلا وامثال هذه القضايا الكلية التي لاعلم لهم بها ولا يستدلون على ذلك
إلا بقياس فيه قضية كلية لاعلم لهم بها وإن كان يمكن إبطالها
لكن
المقصود هنا بيان انه لاعلم بالموجود يحصل عن قياسهم وهذا باب واسع يظهر
بالتدبر
الكلام على الواحد البسيط الذي يجعلونه مبدأ المركباتالألهية في العلوم الاهية والطبيعية ومايتعلق بها فلا يفيد يقينا إلا كما
يفيد قياس التمثيل إذ هي مبنية على قضية كلية لا يقين عندهم بأنها كلية إلا
كاليقين الذي عندهم بقياس التمثيل ولا سبيل لهم الى ذلك مثل قولهم في
العلم الالهي الواحد لايصدر عنه إلا واحد والشيء الواحد لايكون فاعلا
وقابلا وامثال هذه القضايا الكلية التي لاعلم لهم بها ولا يستدلون على ذلك
إلا بقياس فيه قضية كلية لاعلم لهم بها وإن كان يمكن إبطالها
لكن
المقصود هنا بيان انه لاعلم بالموجود يحصل عن قياسهم وهذا باب واسع يظهر
بالتدبر
فإن
قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قضية كلية وهم لم يعرفوا في الوجود قط
شيئا واحدا من كل وجه صدر عنه شيء لا واحد ولا اثنان
قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قضية كلية وهم لم يعرفوا في الوجود قط
شيئا واحدا من كل وجه صدر عنه شيء لا واحد ولا اثنان
والواحد البسيط
الذي يصفون به واجب الوجود من جنس الواحد البسيط الذي يجعلونه مبدأ
المركبات اذا قالوا الانسان مركب من الحيوانية والناطقية وينتهي الامر الى
واحد بسيط لا تركيب فيه فان هذا الواحد لا يوجد الا في الذهن لا في الخارج
فان قولهم انسان مركب من الحيوان والناطق والحيوانية والناطقية لا يصح منه
الا ما يتصور في الذهن فان المتصور يتصور في نفسه انسانا ناطقا وجسما
حساسا متحركا بالارادة ناطقا فيكون كل من هذه الاجزاء جزءا مما تصوره في
نفسه واللفظ الدال على جميعها يدل عليها بالمطابقة وعلى ابعاضها بالتضمن
وعلى لازمها بالالتزام ومجموعها هي تمام الماهية المتصورة في الذهن والداخل
فيها هو الداخل في تلك الماهية والخارج عنها هو الخارج عن تلك الماهية
وتلك الماهية بحسب ما يتصوره الذهن فاذا تصور انسانا ضاحكا كان الضاحك جزء
هذه الماهية
واما دعوى المدعي ان الانسان الموجود في الخارج مركب من
وهذا فلا يصح الا اذا اريد به انه متصف بهذين الوصفين وهما قائمان به وهو
حامل لهما كما يحمل الجوهر اعراضه والموصوف صفاته
واما ان يقال ان
الجوهر مركب من اعراض او مركب من جواهر احدها جسم والاخر حساس والاخر نام
والاخر متحرك بالارادة وان هذا الانسان المعين فيه جواهر متعددة بتعدد هذه
الاسماء وان الجوهر الذي هو الحساس ليس هو الذي هو متحركا بالارادة ولا
الذي هو جسم ولا الذي هو ناطق ولا الناطق هو الحساس فهذا مما يعلم فساده
بعد تصوره بالصورة توحيد واجب الوجود عند الفلاسفة
وكذلك
الواحد الذي يصفون به واجب الوجود وانه مجرد عن جميع
الواحد الذي يصفون به واجب الوجود وانه مجرد عن جميع
الصفات الثبوتية
ليس له حياوة ولا علم ولا قدرة ولا كلام ويقولون مع ذلك هو عاقل ومعقول
وعقل ولذيذ وملتذ ولذة وعاشق ومعشوق وعشق ويقولون ان كل صفة من هذه الصفات
هي الاخرى فاللذة هي العقل والعقل هي العشق ويقولون ان كل صفة من هذه
الصفات هي الموصوف والعلم هو العالم واللذة واللذة هي الملتذ والعشق هو
العاشق فهذا ونحوه من اقوالهم في صفات واجب الوجود مما اذا تصوره المتصور
تصورا صحيحا كان مجرد تصوره يوجب العلم الضروي بفساده
وقد بسطنا
الكلام عليه وبينا ما الجاهم الى القول بهذا وكلامهم في التركيب وبينا ان
اكثر الفلاسفة المتقدمين قبل ارسطو وكثير من المتأخرين كأبي البركات صاحب
المعتبر وغيره لا يقولون بهذا بل ردوا على من قاله واصل هذا كله ما ادعوه
من ان اثبات الصفات تركيب ممتنع وهذا اخذوه عن المعتزلة ليس هذا من كلام
ارسطو وذويه وقد تكلمنا في بيان فساده في مصنف مفرد في توحيد الفلاسفة وفي
شرح الاصبهانية والصفدية وغير ذلك
ثم بنوا هذا على ان الواحد لا يكون
فاعلا وقابلا لان ذلك يستلزم التركيب وان الواحد لا يصدر عنه الا واحد لان
صدور اثنين يقتضى تعدد المصدر فمصدر ج غير مصدر ب وذلك يستلزم التركيب
الممتنع
فمدار كلامهم في التوحيد والصفات كله على لفظ التركيب وقد
بسطنا القول فيه وبينا ما في هذا اللفظ من اجمال فان التركيب خمسة انواع
احدها تركب الذات من وجود وماهية والثاني تركيبها من وصف عام
ووصف
خاص كالمركب من الجنس والفصل والثالث تركيب من ذات وصفات والرابع تركيب
الجسم من المادة والصورة والخامس تركيبه من الجواهر المنفردة
وقد بينا
أن ما يدعونه من التركيب من الوجود والماهية ومن الجنس والفصل باطل واما
تركيب الجسم من هذا وهذا فاكثر العقلاء يقولون الجسم ليس مركبا لا من
المادة والصورة ولا من الجواهر المنفردة لم يبق الا ذات لها صفات
وقد
بينا ان المركب يقال على ما ركبه غيره وعلى ما كانت اجزاؤه متفرقة فاجتمعت
وعلى ما يقبل مفارقة بعضه بعضا وهذه الانواع الثلاثة منتفية عن رب العالمين
باتفاق المسلمين
وهم جعلوا ما يوصف بالصفات تركيبا وهذا اصطلاح لهم
وحقيقة الامر تعود الى موصوف له صفات متعددة فتسمية المسمى هذا تركيبا
اصطلاح لهم والنظر انما هو في المعاني العقلية واما الالفاظ فان وردت عن
صاحب الشرع المعصوم كان لها حرمة والا لم يلتفت الى من اخذ يعبر عن المعاني
الصحيحة المعلومة بالعقل والشرع بعبارة مجملة توهم معاني فاسدة وقيل لهم
البحث في المعاني لا في الالفاظ كما بسط في موضعه الوجه الثاني
ان المعين المطلوب علمه بالقضايا الكلية يعلم قبلها وبدونها
الوجه
الثاني ان يقال اذا كان لا بد في كل قياس من قضية كلية فتلك القضية
الكلية لا بد ان تنتهي الى ان تعلم بغير قياس والا لزم الدور والتسلسل فاذا
كان لا بد ان تكون لهم قضايا كلية معلومة بغير قياس فنقول
ليس في
الموجودات ما تعلم الفطرة له قضية كلية بغير قياس الا وعلمها بالمفردات
المعينة من تلك القضية الكلية اقوى من علمها بتلك القضية الكلية مثل قولنا
الواحد نصف الاثنين والجسم لا يكون في مكانين والضدان لا يجتمعان فان العلم
بأن هذا الواحد نصف هذين الاثنين اقدم في الفطرة من العلم بأن كل واحد نصف
كل اثنين وهكذا كل ما يفرض من الاحاد
فيقال المقصود بهذه القضايا
الكلية اما ان يكون العلم بالموجود الخارجي او العلم بالمقدرات الذهنية اما
الثاني ففائدته قليلة واما الاول فما من موجود معين الا وحكمه بعلم تعينه
اظهر واقوى من العلم به عن قياس كلى يتناوله فلا يحصل بالقياس كثير فائدة
بل يكون ذلك تطويلا وانما يستعمل القياس في مثل ذلك لاجل الغالط والمعاند
فيضرب له المثل وتذكر الكلية ردا لغلطه وعناده بخلاف من كان سليم الفطرة
وكذلك قولهم الضدان لا يجتمعان فأي شيئين علم تضادهما فانه يعلم انها لا
يجتمعان قبل استحضار قضية كلية بأن كل ضدين لا يجتمعان وما من جسم معين الا
يعلم انه لا يكون في مكانين قبل العلم بأن كل جسم لا يكون في مكانين وكذلك
قولهم النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان فان مرادهم بذلك ان وجود الشيء
وعدمه لا يجتمعان ولا يرتفعان فما من شيء معين الا ويعلم انه لا يكون
موجودا معدوما وانه لا يخلو عن الوجود والعدم قبل العلم بهذه القضية العامة
وامثال ذلك كثير لمن تدبره
ويعلم ان المعين المطلوب علمه بهذه
القضايا الكلية الاولية يعلم قبل ان تعلم هذه القضية الكلية ويعلم بدونها
ولا يحتاج العلم به الى القضية الكلية وانما يعلم بالقضية الكلية ما يقدر
في الذهن من امثال ذلك مما لم يوجد في الخارج واما الموجودات
الخارجية فتعلم بدون هذا القياس قياس الشمول مبناه على قياس
التمثيل
واذا قيل ان من الناس من يعلم بعض الاعيان الخارجية بهذا
القياس فيكون مبناه على قياس التمثيل الذي ينكرون انه يقيني فهم بين امرين
ان اعترفوا بأن قياس التمثيل من جنس قياس الشمول ينقسم الى يقيني وظني بطل
تفريقهم وان ادعوا الفرق بينهما وان قياس الشمول يكون يقينيا دون التمثيل
منعوا ذلك وبين لهم ان اليقين لا يحصل في مثل هذه الامور الا ان يحصل ب
التمثيل فيكون العلم بما لم يعلم من المفردات الموجودة في الخارج قياسا على
ما علم منها وهذا حق لا ينازع فيه عاقل
بل هذا من اخص صفات العقل
التي فارق بها الحس اذا الحس لا يعلم الا معينا والعقل يدركه كليا مطلقا
لكن بواسطة التمثيل ثم العقل يدركها كلها مع عزوب الامثلة المعينة عنه لكن
هي في الاصل انما صارت في ذهنه كلية عامة بعد تصوره لامثال معينة من
افرادها واذا بعد عهد الذهن بالمفردات المعينة فقد يغلط كثيرا بأن يجعل
الحكم اما اعم واما اخص وهذا يعرض للناس كثيرا
انواع المفروضات الذهنيةالقياس فيكون مبناه على قياس التمثيل الذي ينكرون انه يقيني فهم بين امرين
ان اعترفوا بأن قياس التمثيل من جنس قياس الشمول ينقسم الى يقيني وظني بطل
تفريقهم وان ادعوا الفرق بينهما وان قياس الشمول يكون يقينيا دون التمثيل
منعوا ذلك وبين لهم ان اليقين لا يحصل في مثل هذه الامور الا ان يحصل ب
التمثيل فيكون العلم بما لم يعلم من المفردات الموجودة في الخارج قياسا على
ما علم منها وهذا حق لا ينازع فيه عاقل
بل هذا من اخص صفات العقل
التي فارق بها الحس اذا الحس لا يعلم الا معينا والعقل يدركه كليا مطلقا
لكن بواسطة التمثيل ثم العقل يدركها كلها مع عزوب الامثلة المعينة عنه لكن
هي في الاصل انما صارت في ذهنه كلية عامة بعد تصوره لامثال معينة من
افرادها واذا بعد عهد الذهن بالمفردات المعينة فقد يغلط كثيرا بأن يجعل
الحكم اما اعم واما اخص وهذا يعرض للناس كثيرا
ومن هنا يغلط كثيرا ممن يسلك سبيلهم حيث يظن ان ما عنده من القضايا الكلية
صحيح ويكون عند التحقيق ليس كذلك وهم يتصورون الشيء بعقولهم ويكون ما
تصوروه معقولا بالعقل فيتكلمون عليه ويظنون انهم تكلموا في ماهية مجردة
بنفسها من حيث هي هي من غير ان تكون ثابتة في الخارج ولا في الذهن فيقولون
الانسان من حيث هو هو والوجود من حيث هو هو والسواد من حيث هو هو ونحو ذلك
ويظنون ان هذه الماهية التي جردوها عن جميع القيود السلبية والثبوتية محققة
في الخارج على هذا التجريد وذلك غلط كغلط اوليهم فيما جردوه
من العدد و
المثل الافلاطونية وغيرها بل هذه المجردات المسلوب عنها كل قيد ثبوتي
وسلبي لا تكون الا مقدرة في الذهن
واذا قال القائل فأنا افرض الانسان
مجردا عن الوجودين الخارجي والذهني قيل له هذا الفرض في الذهن ايضا كما
تفرض سائر الممتنعات في الذهن مثل ان يفرض موجودا لا واجبا ولا ممكنا ولا
قائما بنفسه ولا بغيره ولا مبائنا لغيره ولا مجانبا له وهذا كله مفروض في
الذهن وليس كل ما فرضه الذهن امكن وجوده في الخارج وليس كل ما حكم به
الانسان على ما يقدره ويفرضه في ذهنه يكون حكما صحيحا على ما يوجد في
الخارج ولا كل ما امكن تصور الذهن له يكون وجوده في الخارج
بل الذهن
يتصور اشياء ويقدرها مع علمه بامتناعها ومع علمه بامكانها في الخارج ومع
عدم علمه بالامتناع الخارجي والامكان الخارجي وهذا الذي يسمى الامكان
الذهني فان الامكان يستعمل على وجهين امكان ذهني وامكان خارجي ف الامكان
الذهني ان يعرض الشيء على الذهن فلا يعلم امتناعه بل يقول يمكن هذا لا
لعلمه بامكانه بل لعدم علمه بامتناعه مع ان ذاك الشيء قد يكون ممتنعا في
الخارج
واما الامكان الخارجي فأن يعلم امكان الشيء في الخارج وهذا
يكون بأن يعلم وجوده في الخارج او وجود نظيره او وجود ما هو ابعد عن الوجود
منه فاذا كان الابعد عن قبول الوجود موجودا ممكن الوجود فالاقرب الى
الوجود منه اولى
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
طريقة القران في بيان امكان المعاد
وكما اخبر عن المضروب بالبقرة بقوله فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله
الموتى البقرة وكما اخبر عن الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال
لهم الله موتوا ثم احياهم البقرة
وكما اخبر عن الذي مر على قرية وهي
خاوية على عروشها قال انى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم
بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما او بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر
الى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر الى حمارك ولنجعلك اية للناس وانظر الى
العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم ان الله على كل
شيء قدير البقرة وعن ابراهيم اذ قال رب ارني كيف تحي الموتى قال اولم تؤمن
قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على
كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن ياتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم البقرة
وكما اخبر عن المسيح عليه السلام انه كان يحيى الموتى باذن الله
وكما
اخبر عن اصحاب الكهف انهم لبثوا نياما في كهغهم ثلث مائة سنين وازدادوا
تسعا وقال تعالى وكذلك اعثرنا عليهم ليعلموا ان وعد الله حق وان الساعة لا
ريب فيها اذ يتنازعون بينهم امرهم الكهف وقد ذكر غير واحد من العلماء ان
الناس كانوا قد تنازعوا في زمانهم هل يبعث الله الارواح فقط او يبعث
الارواح والاجساد فأعثر الله هؤلاء على اهل الكهف وعلموا انهم بقوا نياما
لا يأكلون ولا يشربون ثلثمائة سنة شمسية وهي ثلثمائة وتسع هلالية فأعلمهم
الله بذلك امكان اعادة الابدان
فهذه احدى الطرق التي يبين الله بها
امكان المعاد
وتارة يستدل على ذلك بالنشأة الاولى وان الاعادة اهون
من الابتداء كما في قوله يا يها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا
خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين
لكم الحج وكما في قوله وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحي العظام وهي رميم
قل يحييها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم ياسين وكما قوله وقالوا
اذا كنا عظاما ورفاتا انا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة او حديدا او
خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطر كم اول مرة
الاسراء وكما في قوله تعالى وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه
الروم
وتارة يستدل على امكان ذلك بخلق السموات والارض فان خلقها اعظم
من اعادة الانسان كما في قوله وقالوا اذا كنا عظاما ورفاتا انا لمبعوثون
خلقا جديدا او لم يروا ان الله الذي خلق السموات والارض قادر على ان يخلق
مثلهم وجعل لهم اجلا لا ريب فيه الاسراء وكما في قوله تعالى او ليس الذي
خلق السموات والارض بقدر على ان يخلق مثلهم بلى وهو الخلق العليم ياسين
وقوله او لم يروا ان الله الذي خلق السموات والارض ولم يعى بخلقهن بقدر على
ان يحي الموتى بلى انه على كل شيء قدير الاحقاف
وتارة يستدل على
امكانه بخلق النبات كما في قوله وهو الذي يرسل الريح بشرا بين يدى رحمته
حتى اذا أقلت سحابا ثقالا سقنه لبلد ميت
فأنزلنا به الماء فأخرجنا
به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون الاعراف وكما في قوله
والله الذي ارسل الريح فتثير سحابا فسقنه الى بلد ميت فاحيينا به الارض بعد
موتها كذلك النشور فاطر
وقد بسطنا الكلام على هذا وأمثاله في غير هذا
الموضع وبين أن ما عند ائمة النظار اهل الكلام والفلسفة من الدلائل
العقلية على المطالب الالهية فقد جاء القران بما فيها من الحق وما هو اكمل
وابلغ منها على احسن وجه مع تنزهه عن الاغاليط الكبيرة الموجودة عند هؤلاء
فأن خطأهم فيها كثير جدا ولعل ضلالهم اكثر من هداهم وجهلهم اكثر من علمهم
ولهذا قال أبو عبدالله الرازي في اخر عمره فىكتا به اقسام اللذات لقد
تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروى
غليلا ورايت اقرب الطرق طريقة القران اقرأ في الاثبات الرحمن على العرش
استوى إليه يصعد الكلم الطيب واقرأ في النفي ليس كمثله شيء ولا يحيطون به
علما ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي فساد اثبات الامكان
الخارجي بمجرد عدم العلم والامتناع
قدرنا هذا لم يلزم منه ممتنع فأن
هذه القضية الشرطية غير معلومة فان كونه لا يلزم منه محذور ليس معلوما
بالبديهة ولا اقام عليه دليلا نظريا
وابعد من اثباته الامكان الخارجي
بالامكان الذهني ما يسلكه طائفة من المتفلسفة والمتكلمة كابن سينا والرازي
وغيرهما في اثبات الامكان الخارجي بمجرد امكان تصوره في الذهن كما ان ابن
سينا واتباعه لما أداروا اثبات موجودفي الخارج معقول لا يكون محسوسا بحال
استدلوا على ذلك بتصور الانسان الكلي المطلق المتناول للافراد الموجودة في
الخارج وهذا انما يفيد امكان وجود هذه المعقولات في الذهن فإن الكلي لا
يوجد كليا إلا في الذهن وهذا ليس مورود النزاع وإنما النزاع في امكان وجود
مثل هذا المعقول في الخارج وليس كل ما تصوره الذهن يكون موجودا في الخارج
كما يتصور الذهن فأن الذهن يتصور ما يمتنع وجوده في الخارج كما يتصور الجمع
بين النقيضين والضدين
وقد تبعه الرازي على الاستدلال بهذا واستدل هو
غيره على امكان ذلك بأن قال يمكن ان يقال الموجود اما ان يكون مجانبا لغيره
و اما ان يكون مبائنا لغيره و اما ان لا يكون لا مجانبا لا مبائنا فظنوا
انه بامكان هذا التقسيم العقلى يستدل على امكان وجود كل من الاقسام فى
الخارج وهذا غلط فان هذا التقسيم كقو ل القائل الموجود اما ان يكون واجبا و
اما ان يكون ممكنا وإما ان لا يكون واجبا ولا ممكنا وإما ان يكون قديما
وإما ان يكون محدثا وإما ان لا يكون قديما ولا محدثا وإما ان يكون قائما
بنفسه وإما ان يكون قائما بغيره وإما ان لا يكون قائما بنفسه ولا بغيره
وأمثال ذلك من التقسيمات التي يقدرها الذهن ومعلوم ان هذا لا يدل على إمكان
وجود موجود لا واجب ولا ممكن ولا قديم ولا حادث ولا قائم بنفسه ولا بغيره
وكذلك ما تقدم فأين طرق هؤلاء في إثبات الامكان الخارجي من طريقة القران
محاولتهم معارضة الفطر وتعاليم الرسل
تعليم الأنبياء جامعا للأدلة العقلية والسمعية جميعا
وليس تعليم
الأنبياء ص مقصورا على مجرد الخبر كما يظنه كثير من النظار بل هم بينوا من
البراهين العقلية التي بها يعلم العلوم الالهية ما لا يوجد عند هؤلاء البتة
فتعليمهم ص جامع للادلة العقلية والسمعية جميعا بخلاف الذين خالفوهم فان
تعليمهم غير مفيد للادلة العقلية والسمعية مع ما في نفوسهم من الكبر الذي
ما هم ببالغيه كما قال تعالى ان الذين يجادلون في ايت الله بغير سلطن اتهم
ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله انه هو السميع البصير
المؤمن وقال الذين يجادلون في ايت الله بغير سلطن اتهم كبر مقتا عند الله
وعند الذين امنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار المؤمن وقال تعالى
فلما جاءتهم رسلهم بالبينت فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به
يستهزءون المؤمن ومثل هذا كثير في القران وقد بسطنا القول فيه في بيان درء
تعارض الشرع والعقل
ولهذا لما كانوا يتصورون في اذهانهم ما يظنون
وجوده في الخارج جعلوا علومهم ثلاثة انواع ادناها عندهم الطبيعي وهو ما لا
يتجرد عن المادة لا في الذهن ولا في الخارج وهو الكلام في الجسم واحكامه
واقسامه واوسطها الرياضي وهو ما بتجرد عن المادة في الذهن لا في الخارج مثل
الحساب والهندسة فانه
لا يوجد في الخارج ذو مقدار إلا جسما ولكن
يجرد المقدار في النفس واعلاها عندهم ما يسمونه علم ما بعد الطبيعة باعتبار
الوجود العيني وقد يسمونه العلم الالهي ويسمونه الفلسفة الأولى والحكمة
العليا وهو ما تجرد عن المادة في الذهن والخارج
وإذا تأمل الخبير
بالحقائق كلامهم في هذه الأنواع لم يجد عندهم علما بمعلومات موجودة في
الخارج إلا القسم الذي يسمونه الطبيعي وما يتبعه من الرياضي وأما الرياضي
المجرد في الذهن فهو الحكم بمقادير ذهنية لا وجود لها في الخارج والذي سموه
علم ما بعد الطبيعة وهو ما جردوه عن المادة في الذهن والخارج إذا تدبر لم
يوجد فيه علم بمعلوم موجود في الخارج وإنما تصوروا أمورا مقدرة في أذهانهم
لا حقيقة لها في الخارج ولهذا كان منتهى نظرهم وآخر فلسفتهم وحكمتهم هو
الوجود المطلق الكلى او المشروط بسلب جميع الامور الوجودية
فموضوع
العلم الالهى الناظر في الوجود ولواحقه هو الوجود الكلى المنقسم الى جوهر
وعرض وعلة ومعلول وقديم وحادث وهذا لا وجود له في الخارج وإنما يوجد في
الذهن وهو العلم الاعلى عندهم فهذا العلم الاعلى مقدر في الذهن والعلى
الاعلى الموجود في الخارج هو الله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل قوله سبح
اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي اخرج المرعى فجعله
غثاءا احوى الاعلى
وأما واجب الوجود الذي يثبتونه فاما ان يجعلوه
وجودا مجردا عن كل قيد ثبوتي وعدمى وإما أن يقولوا بل هو مقيد بالامور
السلبية دون الثبوتية كقول ابن سينا وأمثاله وهذا إنما يوجد في الذهن لا في
الخارج فانه يمتنع ثبوث موجود خارجي لا يوصف بشئ من الامور الثبوتية أو لا
من الثبوتية ولا السلبية بل أي موجود حقير فرضته كان خيرا من هذا الذي لا
يوصف بشئ ثبوتي فانه قد شارك ذلك الموجود الحقير في مسمى الوجود ولم يمتز
عنه إلا بوصف عدمى
وذلك الموجود الحقير امتاز عنه بأمر وجودى
الوجود خير من العدم فكان ما امتاز به ذلك الموجود الحقير خيرا مما ميزوا
به واجب الوجود يزعمهم وقد بسط هذا في موضع آخر وبين أن ما يثبتونه
ويجعلونه واجب الوجود هو ممتنع الوجود ولكن يفرض في الذهن كما يفرض سائر
الممتنعات
والمقصود هنا أنهم كثيرا ما يدعون في المطالب البرهانية من
الامور العقلية ما يكونوا قد قدروه في أذهانهم ويقولن نحن نتكم في الامور
الكلية والعقليات المحضة وإذا ذكر لهم شئ قالوا نتكلم فيما هو أعم من ذلك
وفي الحقيقة من حيث هى هى ونحو هذه العبارات فيطالبون بتحقيق ما ذكروه في
الخارج ويقال يبنوا هذا أي شئ هو فهنالك يظهر بجهلهم وأن ما يقولونه هو امر
مقدر في الاذهان لا حقيقة له في الاعيان وهذا مثل ان يقال لهم اذكروا مثال
ذلك والمثال امر جزئي فاذا عجزوا عن التمثيل وقالوا نحن نتكم في الامور
الكلية فاعلم انهم يتكلمون بلا علم وفيما لا يعلمون ان له معلوما في الخارج
بل فيما ليس له معلوم في الخارج وفيما قد يمتنع ان يكون له معلوم في
الخارج وإلا فالعلم بالامور الموجودة إذا كان كليا كان له معلومات ثابتة في
الخارج
ولفظ الكلى يريدون به ما لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه ثم
قد يكون ممتنعا في الخارج كشريك الباري وقد يكون معدوما وإنما يقدره الذهن
كما يقدر عنز ايل وهذا تمثيل أرسطو
وقد يكون موجودا في الخارج لكن لا
يقبل الشركة وقد يمكن وقوع الشركة فيه ولم تقع وهم يمثلون هذا باسم الاله
والشمس ويجعلون مسمى هذا كليا لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وإنما
امتنعت الشركة فيه لسبب خارجي فانحصر نوعه في شخصه لا لمجرد تصور معناه
وهذا مشهور بينهم
وإنما يصح هذا إذا كان لفظ الاله ولفظ الشمس اسم جنس
بحيث لا يقصد به الشمس المعينة ولا الاله المعين المعروف فان الكلى عندهم
مثل
اسم جنس في اصطلاح النحاة وهو ما علق على الشئ وعلى كل ما
اشبهه والناس لا يقصدون بلفظ الشمس إلا الشمس المعينة واللام فيها لتعريف
العهد لا للجنس كما قال تعالى وهو الذي خلق اليل والنهار والشمس والقمر كل
في فلك يسبحون الانبياء فمسمى الشمس والقمر هنا جزئي لا كلى بخلاف لفظ
الكوكب والنجم ونحو ذلك فانه كلى وكذلك اسم الاله عند المسلمين إنما يريدون
به إلههم وهو الله لا إله إلا هو
وعلى هذا فليس هذا ولا هذا كليا
مشتركا بل نفس تصور معناه يمنع من وقوع الشركة فيه فهو معين مختص وهو الذي
يسمونه الجزئي ليس مطلقا مشتركا وهو الذي يسمونه الكلى
وكان الخسر
وشاهى من أعيانهم وأعيان اصحاب الرازي وكان يقول ما عثرنا إلا على هذه
الكليات وكان قد وقع في حيرة وشك حتى كان يقول والله ما أدرى ما أعتقد
والله ما أدرى ما أعتقد والله ما أدري ما اعتقد الاستدلال بالكيات
على أفرادها استدلال بالخفي على الجلي
نقيضها فانها بهذه المنزلة واما ما لا يكون كذلك بل يكون مؤلفا من القضايا
التجريبة العادية كالقضايا الطبيعية والطبية والنحوية ونحو ذلك فهذه كثيرا
ما تكون منتقضة ولا يجزم العقل بامتناع انتقاضها إلا بشروط فان العاديات
يجوز انتقاضها والقضية الكلية إذا جاز انتقاضها لم يكن عندهم مادة للبرهان
بل للجدل والخطابة
فان قيل وأنتم تجزمون بمراد المتكلم بكلامه في غالب
المواضع كما تجزمون بمراد الرسول ومراد علماء الشرع والطب والنحو والعلم
باللغات مبناه على القضايا العادية قيل الجزم بمراد الشخص المعين ليس هو
قضية كلية بل هو علم بمراد شخص معين وهذا وإن كان علمنا بلغته وعادته هو
مما يعين على العلم بمراده فلا بد مع ذلك من علم يختص به يعرف أنه إنما
تكلمه بتلك العادة ليفهمنا مراده وحينئذ فليس هذا مما نحن فيه ولهذا لا
نستدل على هذا بمجرد ما ذكروه من برهانهم
وهم يعيبون في صناعة الحد أن
يعرف الجلى بالخفي وهذا في صناعة البرهان اشد عيبا فان البرهان لا يراد به
إلا به إلا بيان المدلول عليه وتعريفه وكشفه وإيضاحه فاذا كان هو أوضح
وأظهر كان هذا بيانا للجلى بالخفي وأما الحد فالصواب أن المراد به التمييز
بينه وبين المحدود لا تعريف الماهية وإذا كان مطلوبه هو التمييز فقد يكون
المميز اخفى وقد يكون أجلى المقدمات الخفية قد تنفع بعض الناس وفي
المناظرة
إلا ما حصل له بعد بحث ونظر بل
وجدل ومنع ومعارضة فحينئذ يعرف به ويقبله ويسلمه وإن كان عند اكثر الناس من
الامور الواضحة البينة لا تحتاج الى بحث ونظر فالطريق الطويلة والمقدمات
الخفية التي يذكرها كثير من النظار تنفع لمثل هؤلاء في النظر وتنفع في
المناظرة لقطع المعاند وتبكيت الجاحد
فان السفسطة امر يعرض لكثير من
النفوس وهي جحد الحق وهي لفظه معربة من اليونانية أصلها سوفسطيا أي حكمه
مموهة فلما عربت قيل سفسطة
وأما ما يذكره طائفة من أهل الكلام وناقلي
المقالات أن في الناس رجل يقال له سوفسطا وانه وأصحابه ينكرون جميع الحقائق
والعلوم فهذا باطل لا حقيقة له ولا يتصور ان يعيش احد من بني آدم بل ولا
من البهائم مع جحد جميع الحقائق والشعور بها فان الانسان مدنى بالطبع فلا
بد ان يعرف بعض الناس بعضا ويعرف الانسان جوعه وشبعه وعطشه وريه ولذته
وألمه ويميز بين ما يأكله وما لا يأكله وما يلبسه وما لا يلبسه وبين مسكنه
ومسكن جاره وبين الليل والنهار وغير ذلك من الامور التي هي ضرورية في
الحياة
وكذلك ما يذكرونه ان في السمنية قوم ينكرون من العلوم ما سوى
الحسيات حتى ينكروا المتواترات غلط على القوم فانهم انكروا وجود ما لا يمكن
الاحساس به لم ينكروا وجود ما لا يحسونه مم به وقد ذكر الامام احمد
مناظرتهم للجهم بن صفوان وهي تقتضى ذلك وإلا فهؤلاء من عقلاء
الهند
وحكمائهم وإن كانوا مشركين يعبدون الاصنام فلا يتصور ان احدهم ينكر ما كان
قبل مولده فلا ينكر وجود البلاد والانهار والجبال والدور التي لم يرها ولا
ينكر وجود كل إنسان أو بهمة لم يرها فان هذا ليس عليه أحد من بنى آدم بل
بنو آدم كلهم متفقون على ان ما شاهدوه علموه بالمشاهدة وما غاب عنهم علموه
بالاخبار فلا يتصور ان كل طائفة من الطوائف تتفق على حجد جنس الاخبار
ولكن قد تعرض السفسطة لبعض الطوائف ولبعض الاشخاص في بعض المعارف فان أمراض
القلوب كأمراض الاجسام فكما أنها ليس في الوجود أمة ولا شخص يمرض بكل مرض
فليس فيهم من هو جاهل بكل شئ وفاسد الاعتقاد في كل شئ وفاسد القصد في كل شئ
بل قد يوجد فيهم من هو مريض ببعض الامراض بل قد يوجد بعض الطوائف يكثر
فيهم بعض الامراض وهؤلاء المرضى لا ينتفعون بالاغذية الفطرية بل يحتاجون
الى علاج وادوية تناسب مزاجهم
وكذلك من كان به سفسطة ومرضت فطرته في
بعض المعارف لا يستعمل معه الادلة النظرية بل يستعمل معه نوع من العلاج
والادوية فقد تكون الحدود والادلة التي تحوجه الى النظر والفكر إذا تصورها
مقدمة مما يزيل
سفسطته وتحوجه الى الاعتراف بالحق وهذا بمنزلة من
يغلط في الحساب والحساب لا يحتمل وجهين وقد يكون غلطه ظاهرا وهو لا يعرفه
أو لا يعترف به فيسلك معه طريق طويل يعرف بها الحق ويقال له أخذت كذا وأخذت
كذا فصار كذا وأخذت كذا واخذت كذا فصار كذا
وكذلك للمناظر قد تضرب له
الامثال فان المثال يكشف الحال حتى في المعلومات بالحس والبديهة وقد
تستسلف معه المقدمات وإلا فقد يجحد إذا عرف أنه يلزمه الاعتراف بما ينكره
وهي طريقة المتقدمين من نظار المسلمين وقدماء اليونان في المناظرة يكون
المستدل هو السائل لا المعترض فيستسلف المقدمات ويقول ما تقول في كذا وفي
كذا أو يقول ليبين كذا وكذا مقدمة مقدمة فاذا اعترف بتلك المقدمات بين ما
تستلزمه من النتائج المطلوبه
فيجب الفرق بين ما يقف معرفة الحق عليه
ويحتاج اليه وبين ما يعرف الحق بدونه ولكن قد يزال به بعض الامراض ويقطع به
بعض المعاندين والله سبحانه اعلم
وكثير من النظار يسلك في معرفة
المطلوب طريقا يقولون لا طريق إلا هو وكذلك في الحدود وقد تكون تلك الطريق
فاسدة وقد تكون صحيحة ولكن للناس طرق اخرى كما قد يقوله كثير منهم في معرفة
الصانع أو معرفة صدق رسوله إنه لا طريق إليها إلا هذه الطريق ويكون للناس
طرق خير منها كتاب الآراء والديانات للنوبختي
ذكر كلام أرسطوا
مختصرا اختلاف الفلاسفة فيما بينهم
الرسل أبعد كان اختلافهم اكثر
ولهذا قال تعالى يايها الذن امنوا اطيعوا الله واطيعوا
الرسول واولى الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول ان كنتم
تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا النساء وقد أنزل مع رسله
الكتاب والميزان كما قال تعالى لقد ارسلنا رسلنا بالبينت وانزلنا معهم
الكتب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع
للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوى عزيز الحديد وقال
الله الذي انزل الكتب بالحق والميزان
والميزان قال كثير من المفسرين
هو العدل وقال بعضهم هو ما به توزن الامور وهو ما به يعرف العدل وكذلك
قالوا في قوله والسماء رفعها ووضع الميزان الرحمن الامثال المضروبة
والاقيسة العقلية التي تجمع بين المتماثلات وتفرق بين المختلفات وإذا أطلق
لفظ الكتاب كما في قوله وانزلنا معهم الكتب بالحق ليحكم بين الناس فيما
اختلفوا فيه البقرة دخل فيه الميزان لان الله تعالى بين في كتابه من
الامثال المضروبة والمقاييس العقلية ما يعرف به الحق والباطل
وهذا
كلفظ الحكمة تارة يقرن ب الكتاب كما في قوله وانزل الله عليك الكتب والحكمة
النساء وتارة يفرد الكتاب كقوله الحمد لله الذي انزل على عبده الكتب الكهف
وإذا افرد دخلت الحكم في معناه وكذلك في لفظ القرآن والايمان قال تعالى
وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدرى ما الكتب ولا الايمان ولكن
جعلنه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم
الشورى وإذا أفرد لفظ القرآن فهو يدل على الايمان كما الايمان يدل على
القرآن فهما متلازمان وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذا وقد امر الله
بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف فقال تعالى واعتصموا بحبل
الله جميعا ولا تفرقوا ال عمران وقال تعالى ان الذين فرقوا دينهم وكانوا
شيعا لست منهم في شئ الانعام وقال ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من
بعد ما جاءهم البينت ال عمران وقد اخبر ان اهل الرحمة لا يختلفون فقال
تعالى ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك هود
ولهذا يوجد اتبع الناس
للرسول اقلهم اختلافا كأهل الحديث والسنة فانهم اقل اختلافا من جميع
الطوائف ثم من كان إليهم اقرب من جميع الطوائف المنتسبة الى السنة كانوا
أقل أختلافا فأما من بعد من السنة كالمعتزلة والرافضة فتجدهم اكثر الطوائف
اختلافا كثرة اختلاف الفلاسفة
وهذه طريقة القران في بيان
امكان المعاد يبين ذلك بهذه الطريق
فتارة يخبر عمن اماتهم ثم احياهم
كما اخبر عن قوم موسى بقوله واذ قلتم يموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
فاخذتكم الصعقة وانتم تنظرون ثم بعثنكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون البقرة
امكان المعاد يبين ذلك بهذه الطريق
فتارة يخبر عمن اماتهم ثم احياهم
كما اخبر عن قوم موسى بقوله واذ قلتم يموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
فاخذتكم الصعقة وانتم تنظرون ثم بعثنكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون البقرة
وكما اخبر عن المضروب بالبقرة بقوله فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله
الموتى البقرة وكما اخبر عن الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال
لهم الله موتوا ثم احياهم البقرة
وكما اخبر عن الذي مر على قرية وهي
خاوية على عروشها قال انى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم
بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما او بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر
الى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر الى حمارك ولنجعلك اية للناس وانظر الى
العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم ان الله على كل
شيء قدير البقرة وعن ابراهيم اذ قال رب ارني كيف تحي الموتى قال اولم تؤمن
قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على
كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن ياتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم البقرة
وكما اخبر عن المسيح عليه السلام انه كان يحيى الموتى باذن الله
وكما
اخبر عن اصحاب الكهف انهم لبثوا نياما في كهغهم ثلث مائة سنين وازدادوا
تسعا وقال تعالى وكذلك اعثرنا عليهم ليعلموا ان وعد الله حق وان الساعة لا
ريب فيها اذ يتنازعون بينهم امرهم الكهف وقد ذكر غير واحد من العلماء ان
الناس كانوا قد تنازعوا في زمانهم هل يبعث الله الارواح فقط او يبعث
الارواح والاجساد فأعثر الله هؤلاء على اهل الكهف وعلموا انهم بقوا نياما
لا يأكلون ولا يشربون ثلثمائة سنة شمسية وهي ثلثمائة وتسع هلالية فأعلمهم
الله بذلك امكان اعادة الابدان
فهذه احدى الطرق التي يبين الله بها
امكان المعاد
وتارة يستدل على ذلك بالنشأة الاولى وان الاعادة اهون
من الابتداء كما في قوله يا يها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا
خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين
لكم الحج وكما في قوله وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحي العظام وهي رميم
قل يحييها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم ياسين وكما قوله وقالوا
اذا كنا عظاما ورفاتا انا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة او حديدا او
خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطر كم اول مرة
الاسراء وكما في قوله تعالى وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه
الروم
وتارة يستدل على امكان ذلك بخلق السموات والارض فان خلقها اعظم
من اعادة الانسان كما في قوله وقالوا اذا كنا عظاما ورفاتا انا لمبعوثون
خلقا جديدا او لم يروا ان الله الذي خلق السموات والارض قادر على ان يخلق
مثلهم وجعل لهم اجلا لا ريب فيه الاسراء وكما في قوله تعالى او ليس الذي
خلق السموات والارض بقدر على ان يخلق مثلهم بلى وهو الخلق العليم ياسين
وقوله او لم يروا ان الله الذي خلق السموات والارض ولم يعى بخلقهن بقدر على
ان يحي الموتى بلى انه على كل شيء قدير الاحقاف
وتارة يستدل على
امكانه بخلق النبات كما في قوله وهو الذي يرسل الريح بشرا بين يدى رحمته
حتى اذا أقلت سحابا ثقالا سقنه لبلد ميت
فأنزلنا به الماء فأخرجنا
به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون الاعراف وكما في قوله
والله الذي ارسل الريح فتثير سحابا فسقنه الى بلد ميت فاحيينا به الارض بعد
موتها كذلك النشور فاطر
وقد بسطنا الكلام على هذا وأمثاله في غير هذا
الموضع وبين أن ما عند ائمة النظار اهل الكلام والفلسفة من الدلائل
العقلية على المطالب الالهية فقد جاء القران بما فيها من الحق وما هو اكمل
وابلغ منها على احسن وجه مع تنزهه عن الاغاليط الكبيرة الموجودة عند هؤلاء
فأن خطأهم فيها كثير جدا ولعل ضلالهم اكثر من هداهم وجهلهم اكثر من علمهم
ولهذا قال أبو عبدالله الرازي في اخر عمره فىكتا به اقسام اللذات لقد
تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروى
غليلا ورايت اقرب الطرق طريقة القران اقرأ في الاثبات الرحمن على العرش
استوى إليه يصعد الكلم الطيب واقرأ في النفي ليس كمثله شيء ولا يحيطون به
علما ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي فساد اثبات الامكان
الخارجي بمجرد عدم العلم والامتناع
والمقصود هنا ان الامكان الخارجي
يعرف بالوجود لا بمجرد عدم العلم بالامتناع كما يقوله طائفة منهم الامدى
اذا ارادوا واثبات امكان امر قالوا لو
يعرف بالوجود لا بمجرد عدم العلم بالامتناع كما يقوله طائفة منهم الامدى
اذا ارادوا واثبات امكان امر قالوا لو
قدرنا هذا لم يلزم منه ممتنع فأن
هذه القضية الشرطية غير معلومة فان كونه لا يلزم منه محذور ليس معلوما
بالبديهة ولا اقام عليه دليلا نظريا
وابعد من اثباته الامكان الخارجي
بالامكان الذهني ما يسلكه طائفة من المتفلسفة والمتكلمة كابن سينا والرازي
وغيرهما في اثبات الامكان الخارجي بمجرد امكان تصوره في الذهن كما ان ابن
سينا واتباعه لما أداروا اثبات موجودفي الخارج معقول لا يكون محسوسا بحال
استدلوا على ذلك بتصور الانسان الكلي المطلق المتناول للافراد الموجودة في
الخارج وهذا انما يفيد امكان وجود هذه المعقولات في الذهن فإن الكلي لا
يوجد كليا إلا في الذهن وهذا ليس مورود النزاع وإنما النزاع في امكان وجود
مثل هذا المعقول في الخارج وليس كل ما تصوره الذهن يكون موجودا في الخارج
كما يتصور الذهن فأن الذهن يتصور ما يمتنع وجوده في الخارج كما يتصور الجمع
بين النقيضين والضدين
وقد تبعه الرازي على الاستدلال بهذا واستدل هو
غيره على امكان ذلك بأن قال يمكن ان يقال الموجود اما ان يكون مجانبا لغيره
و اما ان يكون مبائنا لغيره و اما ان لا يكون لا مجانبا لا مبائنا فظنوا
انه بامكان هذا التقسيم العقلى يستدل على امكان وجود كل من الاقسام فى
الخارج وهذا غلط فان هذا التقسيم كقو ل القائل الموجود اما ان يكون واجبا و
اما ان يكون ممكنا وإما ان لا يكون واجبا ولا ممكنا وإما ان يكون قديما
وإما ان يكون محدثا وإما ان لا يكون قديما ولا محدثا وإما ان يكون قائما
بنفسه وإما ان يكون قائما بغيره وإما ان لا يكون قائما بنفسه ولا بغيره
وأمثال ذلك من التقسيمات التي يقدرها الذهن ومعلوم ان هذا لا يدل على إمكان
وجود موجود لا واجب ولا ممكن ولا قديم ولا حادث ولا قائم بنفسه ولا بغيره
وكذلك ما تقدم فأين طرق هؤلاء في إثبات الامكان الخارجي من طريقة القران
محاولتهم معارضة الفطر وتعاليم الرسل
ثم إنهم بمثل هذه الطرق
الفاسدة يريدون خروج الناس عما فطروا عليه من المعارف اليقينية والبراهين
العقلية وما جاءت به الرسل من الأخبار الالهية عن الله تعالى واليوم الاخر
وبينوا لرب العالمين من الوجود ما يستلزم الجمع بين النقيضين فيكذبوا
بصريح المعقول وصحيح المنقول كقولهم لاهو مبائن للمخلوقات ولا مجانب لها
ولا يشار إليه ونحو ذلك من القضايا السلبية التي يصفون بها رب العالمين مما
لا يتضمن وصفه بصفة كمال بل يشاركه فيها الممتنعات والمعدومات وتستلزم كون
الموصوف بها معدوما بل ممتنعا
ويريدون ان يجعلوا مثل هذه القضايا
الكاذبة والخيالات الفاسدة اصولا عقلية يعارض بها ما ارسل الله به رسله
وأنزل به كتبه من الايات وما فطر الله عليه عباده وما تقوم عليه الأدلة
العقلية التي لا شبهة فيها
ولهذا كان أساطين الفلاسفة القدماء وكثير
من المتأخرين منهم على خلاف قول هؤلاء النفاة وكانوا أقرب إلى موافقة
الأنبياء وأتباع الأنبياء من هؤلاء النفاة من المتفلسفة والجهمية والمتكلمة
كما قد بسطت اقوالهم في غير هذا الموضع
والمقصود هنا التنبيه على
اصول سلموها أفسدوا بها العلوم العقلية والسمعية فإن مبنى العقل على صحة
الفطرة وسلامتها ومبنى السمع على تصديق الأنبياء صلواة الله عليهم
كون الفاسدة يريدون خروج الناس عما فطروا عليه من المعارف اليقينية والبراهين
العقلية وما جاءت به الرسل من الأخبار الالهية عن الله تعالى واليوم الاخر
وبينوا لرب العالمين من الوجود ما يستلزم الجمع بين النقيضين فيكذبوا
بصريح المعقول وصحيح المنقول كقولهم لاهو مبائن للمخلوقات ولا مجانب لها
ولا يشار إليه ونحو ذلك من القضايا السلبية التي يصفون بها رب العالمين مما
لا يتضمن وصفه بصفة كمال بل يشاركه فيها الممتنعات والمعدومات وتستلزم كون
الموصوف بها معدوما بل ممتنعا
ويريدون ان يجعلوا مثل هذه القضايا
الكاذبة والخيالات الفاسدة اصولا عقلية يعارض بها ما ارسل الله به رسله
وأنزل به كتبه من الايات وما فطر الله عليه عباده وما تقوم عليه الأدلة
العقلية التي لا شبهة فيها
ولهذا كان أساطين الفلاسفة القدماء وكثير
من المتأخرين منهم على خلاف قول هؤلاء النفاة وكانوا أقرب إلى موافقة
الأنبياء وأتباع الأنبياء من هؤلاء النفاة من المتفلسفة والجهمية والمتكلمة
كما قد بسطت اقوالهم في غير هذا الموضع
والمقصود هنا التنبيه على
اصول سلموها أفسدوا بها العلوم العقلية والسمعية فإن مبنى العقل على صحة
الفطرة وسلامتها ومبنى السمع على تصديق الأنبياء صلواة الله عليهم
تعليم الأنبياء جامعا للأدلة العقلية والسمعية جميعا
ثم الأنبياء ص
كملوا للناس الأمرين فدلوهم على الأدلة العقلية التي بها تعلم المطالب
الالهية التي يمكنهم علمهم بها بالنظر والاستدلال وأخبروهم مع ذلك من
تفاصيل الغيب بما يعجزون عن معرفته بمجرد نظرهم واستدلالهم
كملوا للناس الأمرين فدلوهم على الأدلة العقلية التي بها تعلم المطالب
الالهية التي يمكنهم علمهم بها بالنظر والاستدلال وأخبروهم مع ذلك من
تفاصيل الغيب بما يعجزون عن معرفته بمجرد نظرهم واستدلالهم
وليس تعليم
الأنبياء ص مقصورا على مجرد الخبر كما يظنه كثير من النظار بل هم بينوا من
البراهين العقلية التي بها يعلم العلوم الالهية ما لا يوجد عند هؤلاء البتة
فتعليمهم ص جامع للادلة العقلية والسمعية جميعا بخلاف الذين خالفوهم فان
تعليمهم غير مفيد للادلة العقلية والسمعية مع ما في نفوسهم من الكبر الذي
ما هم ببالغيه كما قال تعالى ان الذين يجادلون في ايت الله بغير سلطن اتهم
ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله انه هو السميع البصير
المؤمن وقال الذين يجادلون في ايت الله بغير سلطن اتهم كبر مقتا عند الله
وعند الذين امنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار المؤمن وقال تعالى
فلما جاءتهم رسلهم بالبينت فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به
يستهزءون المؤمن ومثل هذا كثير في القران وقد بسطنا القول فيه في بيان درء
تعارض الشرع والعقل
ولهذا لما كانوا يتصورون في اذهانهم ما يظنون
وجوده في الخارج جعلوا علومهم ثلاثة انواع ادناها عندهم الطبيعي وهو ما لا
يتجرد عن المادة لا في الذهن ولا في الخارج وهو الكلام في الجسم واحكامه
واقسامه واوسطها الرياضي وهو ما بتجرد عن المادة في الذهن لا في الخارج مثل
الحساب والهندسة فانه
لا يوجد في الخارج ذو مقدار إلا جسما ولكن
يجرد المقدار في النفس واعلاها عندهم ما يسمونه علم ما بعد الطبيعة باعتبار
الوجود العيني وقد يسمونه العلم الالهي ويسمونه الفلسفة الأولى والحكمة
العليا وهو ما تجرد عن المادة في الذهن والخارج
وإذا تأمل الخبير
بالحقائق كلامهم في هذه الأنواع لم يجد عندهم علما بمعلومات موجودة في
الخارج إلا القسم الذي يسمونه الطبيعي وما يتبعه من الرياضي وأما الرياضي
المجرد في الذهن فهو الحكم بمقادير ذهنية لا وجود لها في الخارج والذي سموه
علم ما بعد الطبيعة وهو ما جردوه عن المادة في الذهن والخارج إذا تدبر لم
يوجد فيه علم بمعلوم موجود في الخارج وإنما تصوروا أمورا مقدرة في أذهانهم
لا حقيقة لها في الخارج ولهذا كان منتهى نظرهم وآخر فلسفتهم وحكمتهم هو
الوجود المطلق الكلى او المشروط بسلب جميع الامور الوجودية
فموضوع
العلم الالهى الناظر في الوجود ولواحقه هو الوجود الكلى المنقسم الى جوهر
وعرض وعلة ومعلول وقديم وحادث وهذا لا وجود له في الخارج وإنما يوجد في
الذهن وهو العلم الاعلى عندهم فهذا العلم الاعلى مقدر في الذهن والعلى
الاعلى الموجود في الخارج هو الله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل قوله سبح
اسم ربك الاعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي اخرج المرعى فجعله
غثاءا احوى الاعلى
وأما واجب الوجود الذي يثبتونه فاما ان يجعلوه
وجودا مجردا عن كل قيد ثبوتي وعدمى وإما أن يقولوا بل هو مقيد بالامور
السلبية دون الثبوتية كقول ابن سينا وأمثاله وهذا إنما يوجد في الذهن لا في
الخارج فانه يمتنع ثبوث موجود خارجي لا يوصف بشئ من الامور الثبوتية أو لا
من الثبوتية ولا السلبية بل أي موجود حقير فرضته كان خيرا من هذا الذي لا
يوصف بشئ ثبوتي فانه قد شارك ذلك الموجود الحقير في مسمى الوجود ولم يمتز
عنه إلا بوصف عدمى
وذلك الموجود الحقير امتاز عنه بأمر وجودى
الوجود خير من العدم فكان ما امتاز به ذلك الموجود الحقير خيرا مما ميزوا
به واجب الوجود يزعمهم وقد بسط هذا في موضع آخر وبين أن ما يثبتونه
ويجعلونه واجب الوجود هو ممتنع الوجود ولكن يفرض في الذهن كما يفرض سائر
الممتنعات
والمقصود هنا أنهم كثيرا ما يدعون في المطالب البرهانية من
الامور العقلية ما يكونوا قد قدروه في أذهانهم ويقولن نحن نتكم في الامور
الكلية والعقليات المحضة وإذا ذكر لهم شئ قالوا نتكلم فيما هو أعم من ذلك
وفي الحقيقة من حيث هى هى ونحو هذه العبارات فيطالبون بتحقيق ما ذكروه في
الخارج ويقال يبنوا هذا أي شئ هو فهنالك يظهر بجهلهم وأن ما يقولونه هو امر
مقدر في الاذهان لا حقيقة له في الاعيان وهذا مثل ان يقال لهم اذكروا مثال
ذلك والمثال امر جزئي فاذا عجزوا عن التمثيل وقالوا نحن نتكم في الامور
الكلية فاعلم انهم يتكلمون بلا علم وفيما لا يعلمون ان له معلوما في الخارج
بل فيما ليس له معلوم في الخارج وفيما قد يمتنع ان يكون له معلوم في
الخارج وإلا فالعلم بالامور الموجودة إذا كان كليا كان له معلومات ثابتة في
الخارج
ولفظ الكلى يريدون به ما لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه ثم
قد يكون ممتنعا في الخارج كشريك الباري وقد يكون معدوما وإنما يقدره الذهن
كما يقدر عنز ايل وهذا تمثيل أرسطو
وقد يكون موجودا في الخارج لكن لا
يقبل الشركة وقد يمكن وقوع الشركة فيه ولم تقع وهم يمثلون هذا باسم الاله
والشمس ويجعلون مسمى هذا كليا لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه وإنما
امتنعت الشركة فيه لسبب خارجي فانحصر نوعه في شخصه لا لمجرد تصور معناه
وهذا مشهور بينهم
وإنما يصح هذا إذا كان لفظ الاله ولفظ الشمس اسم جنس
بحيث لا يقصد به الشمس المعينة ولا الاله المعين المعروف فان الكلى عندهم
مثل
اسم جنس في اصطلاح النحاة وهو ما علق على الشئ وعلى كل ما
اشبهه والناس لا يقصدون بلفظ الشمس إلا الشمس المعينة واللام فيها لتعريف
العهد لا للجنس كما قال تعالى وهو الذي خلق اليل والنهار والشمس والقمر كل
في فلك يسبحون الانبياء فمسمى الشمس والقمر هنا جزئي لا كلى بخلاف لفظ
الكوكب والنجم ونحو ذلك فانه كلى وكذلك اسم الاله عند المسلمين إنما يريدون
به إلههم وهو الله لا إله إلا هو
وعلى هذا فليس هذا ولا هذا كليا
مشتركا بل نفس تصور معناه يمنع من وقوع الشركة فيه فهو معين مختص وهو الذي
يسمونه الجزئي ليس مطلقا مشتركا وهو الذي يسمونه الكلى
وكان الخسر
وشاهى من أعيانهم وأعيان اصحاب الرازي وكان يقول ما عثرنا إلا على هذه
الكليات وكان قد وقع في حيرة وشك حتى كان يقول والله ما أدرى ما أعتقد
والله ما أدرى ما أعتقد والله ما أدري ما اعتقد الاستدلال بالكيات
على أفرادها استدلال بالخفي على الجلي
والمقصود أن الذي يدعونه من
الكليات هو إذا كان علما فهو مما يعرف ب قياس التمثيل لا يقف على القياس
المنطقى الشمولي أصلا بل ما يدعون توقفه على هذا القياس تعلم أفراده التي
يستدل عليها بدون هذا القياس وذلك أيسر وأسهل فيكون الاستدلال عليها
بالقياس الذي يسمونه البرهاني استدلالا على الاجلى بالاخفى
وإذا قيل
فالبرهان يفيد قضية كلية قيل اما البرهان الذي يستحق اسم البرهان عندهم وهو
ما كان مؤلفا من المقدمات اليقينية المحضة الواجب قبولها التي يمتنع
الكليات هو إذا كان علما فهو مما يعرف ب قياس التمثيل لا يقف على القياس
المنطقى الشمولي أصلا بل ما يدعون توقفه على هذا القياس تعلم أفراده التي
يستدل عليها بدون هذا القياس وذلك أيسر وأسهل فيكون الاستدلال عليها
بالقياس الذي يسمونه البرهاني استدلالا على الاجلى بالاخفى
وإذا قيل
فالبرهان يفيد قضية كلية قيل اما البرهان الذي يستحق اسم البرهان عندهم وهو
ما كان مؤلفا من المقدمات اليقينية المحضة الواجب قبولها التي يمتنع
نقيضها فانها بهذه المنزلة واما ما لا يكون كذلك بل يكون مؤلفا من القضايا
التجريبة العادية كالقضايا الطبيعية والطبية والنحوية ونحو ذلك فهذه كثيرا
ما تكون منتقضة ولا يجزم العقل بامتناع انتقاضها إلا بشروط فان العاديات
يجوز انتقاضها والقضية الكلية إذا جاز انتقاضها لم يكن عندهم مادة للبرهان
بل للجدل والخطابة
فان قيل وأنتم تجزمون بمراد المتكلم بكلامه في غالب
المواضع كما تجزمون بمراد الرسول ومراد علماء الشرع والطب والنحو والعلم
باللغات مبناه على القضايا العادية قيل الجزم بمراد الشخص المعين ليس هو
قضية كلية بل هو علم بمراد شخص معين وهذا وإن كان علمنا بلغته وعادته هو
مما يعين على العلم بمراده فلا بد مع ذلك من علم يختص به يعرف أنه إنما
تكلمه بتلك العادة ليفهمنا مراده وحينئذ فليس هذا مما نحن فيه ولهذا لا
نستدل على هذا بمجرد ما ذكروه من برهانهم
وهم يعيبون في صناعة الحد أن
يعرف الجلى بالخفي وهذا في صناعة البرهان اشد عيبا فان البرهان لا يراد به
إلا به إلا بيان المدلول عليه وتعريفه وكشفه وإيضاحه فاذا كان هو أوضح
وأظهر كان هذا بيانا للجلى بالخفي وأما الحد فالصواب أن المراد به التمييز
بينه وبين المحدود لا تعريف الماهية وإذا كان مطلوبه هو التمييز فقد يكون
المميز اخفى وقد يكون أجلى المقدمات الخفية قد تنفع بعض الناس وفي
المناظرة
ومع هذا فلما كان الجلاء والخفاء من الامور النسبية فقد
ينتفع بالدليل الخفي والحد الخفي بعض الناس وكثير من الناس إذا ذكر له
الواضح لم يعبا به وقد لا يسلمه حتى يذكر له دليل مستلزم ثبوته فانه يسلمه
وكذلك إذا ذكر له حد يميزه وهذا في الغالب يكون من معاند أو ممن تعودت نفسه
انها لا تعلم إلا ما تعنت عليه وفكرت فيه وانتقلت فيه من مقدمة الى مقدمة
فان العادة طبيعة ثانية فكثير ممن تعود البحث والنظر صارت عادة نفسه
كالطبيعة له لا يعرف ولا يقبل ولا يسلم
ينتفع بالدليل الخفي والحد الخفي بعض الناس وكثير من الناس إذا ذكر له
الواضح لم يعبا به وقد لا يسلمه حتى يذكر له دليل مستلزم ثبوته فانه يسلمه
وكذلك إذا ذكر له حد يميزه وهذا في الغالب يكون من معاند أو ممن تعودت نفسه
انها لا تعلم إلا ما تعنت عليه وفكرت فيه وانتقلت فيه من مقدمة الى مقدمة
فان العادة طبيعة ثانية فكثير ممن تعود البحث والنظر صارت عادة نفسه
كالطبيعة له لا يعرف ولا يقبل ولا يسلم
إلا ما حصل له بعد بحث ونظر بل
وجدل ومنع ومعارضة فحينئذ يعرف به ويقبله ويسلمه وإن كان عند اكثر الناس من
الامور الواضحة البينة لا تحتاج الى بحث ونظر فالطريق الطويلة والمقدمات
الخفية التي يذكرها كثير من النظار تنفع لمثل هؤلاء في النظر وتنفع في
المناظرة لقطع المعاند وتبكيت الجاحد
فان السفسطة امر يعرض لكثير من
النفوس وهي جحد الحق وهي لفظه معربة من اليونانية أصلها سوفسطيا أي حكمه
مموهة فلما عربت قيل سفسطة
وأما ما يذكره طائفة من أهل الكلام وناقلي
المقالات أن في الناس رجل يقال له سوفسطا وانه وأصحابه ينكرون جميع الحقائق
والعلوم فهذا باطل لا حقيقة له ولا يتصور ان يعيش احد من بني آدم بل ولا
من البهائم مع جحد جميع الحقائق والشعور بها فان الانسان مدنى بالطبع فلا
بد ان يعرف بعض الناس بعضا ويعرف الانسان جوعه وشبعه وعطشه وريه ولذته
وألمه ويميز بين ما يأكله وما لا يأكله وما يلبسه وما لا يلبسه وبين مسكنه
ومسكن جاره وبين الليل والنهار وغير ذلك من الامور التي هي ضرورية في
الحياة
وكذلك ما يذكرونه ان في السمنية قوم ينكرون من العلوم ما سوى
الحسيات حتى ينكروا المتواترات غلط على القوم فانهم انكروا وجود ما لا يمكن
الاحساس به لم ينكروا وجود ما لا يحسونه مم به وقد ذكر الامام احمد
مناظرتهم للجهم بن صفوان وهي تقتضى ذلك وإلا فهؤلاء من عقلاء
الهند
وحكمائهم وإن كانوا مشركين يعبدون الاصنام فلا يتصور ان احدهم ينكر ما كان
قبل مولده فلا ينكر وجود البلاد والانهار والجبال والدور التي لم يرها ولا
ينكر وجود كل إنسان أو بهمة لم يرها فان هذا ليس عليه أحد من بنى آدم بل
بنو آدم كلهم متفقون على ان ما شاهدوه علموه بالمشاهدة وما غاب عنهم علموه
بالاخبار فلا يتصور ان كل طائفة من الطوائف تتفق على حجد جنس الاخبار
ولكن قد تعرض السفسطة لبعض الطوائف ولبعض الاشخاص في بعض المعارف فان أمراض
القلوب كأمراض الاجسام فكما أنها ليس في الوجود أمة ولا شخص يمرض بكل مرض
فليس فيهم من هو جاهل بكل شئ وفاسد الاعتقاد في كل شئ وفاسد القصد في كل شئ
بل قد يوجد فيهم من هو مريض ببعض الامراض بل قد يوجد بعض الطوائف يكثر
فيهم بعض الامراض وهؤلاء المرضى لا ينتفعون بالاغذية الفطرية بل يحتاجون
الى علاج وادوية تناسب مزاجهم
وكذلك من كان به سفسطة ومرضت فطرته في
بعض المعارف لا يستعمل معه الادلة النظرية بل يستعمل معه نوع من العلاج
والادوية فقد تكون الحدود والادلة التي تحوجه الى النظر والفكر إذا تصورها
مقدمة مما يزيل
سفسطته وتحوجه الى الاعتراف بالحق وهذا بمنزلة من
يغلط في الحساب والحساب لا يحتمل وجهين وقد يكون غلطه ظاهرا وهو لا يعرفه
أو لا يعترف به فيسلك معه طريق طويل يعرف بها الحق ويقال له أخذت كذا وأخذت
كذا فصار كذا وأخذت كذا واخذت كذا فصار كذا
وكذلك للمناظر قد تضرب له
الامثال فان المثال يكشف الحال حتى في المعلومات بالحس والبديهة وقد
تستسلف معه المقدمات وإلا فقد يجحد إذا عرف أنه يلزمه الاعتراف بما ينكره
وهي طريقة المتقدمين من نظار المسلمين وقدماء اليونان في المناظرة يكون
المستدل هو السائل لا المعترض فيستسلف المقدمات ويقول ما تقول في كذا وفي
كذا أو يقول ليبين كذا وكذا مقدمة مقدمة فاذا اعترف بتلك المقدمات بين ما
تستلزمه من النتائج المطلوبه
فيجب الفرق بين ما يقف معرفة الحق عليه
ويحتاج اليه وبين ما يعرف الحق بدونه ولكن قد يزال به بعض الامراض ويقطع به
بعض المعاندين والله سبحانه اعلم
وكثير من النظار يسلك في معرفة
المطلوب طريقا يقولون لا طريق إلا هو وكذلك في الحدود وقد تكون تلك الطريق
فاسدة وقد تكون صحيحة ولكن للناس طرق اخرى كما قد يقوله كثير منهم في معرفة
الصانع أو معرفة صدق رسوله إنه لا طريق إليها إلا هذه الطريق ويكون للناس
طرق خير منها كتاب الآراء والديانات للنوبختي
وكنت قد علقت
الكلام على أهل المنطق في مجلس واحد بسرعة لسبب اقتضى ذلك ثم بعد مدة نظرت
في كتاب الآراء والديانات لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختى فرأيته قد ذكر
نحو هذا المعنى عمن تقدم من متكلمى المسلمين فانه
الكلام على أهل المنطق في مجلس واحد بسرعة لسبب اقتضى ذلك ثم بعد مدة نظرت
في كتاب الآراء والديانات لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختى فرأيته قد ذكر
نحو هذا المعنى عمن تقدم من متكلمى المسلمين فانه
ذكر كلام أرسطوا
مختصرا اختلاف الفلاسفة فيما بينهم
وأرسطو هو المعلم الاول
لاصحاب هذه التعاليم الذي يسمون المشائين وهم اصحاب هذا المنطق اليوناني
الذي وضعه ارسطو وما يتبعه من الطبيعي والالهي فان الفلاسفة ليسوا امة
واحدة لها مقالة في العلم الالهي والطبيعي وغيرهما بل هم أصناف متفرقون
وبينهم من التفرق والاختلاف ما لا يحصيه إلا الله اعظم مما بين الملة
الواحدة كاليهود والنصارى اضعافا للضاعفة
كلما كان القوم عن اتباع لاصحاب هذه التعاليم الذي يسمون المشائين وهم اصحاب هذا المنطق اليوناني
الذي وضعه ارسطو وما يتبعه من الطبيعي والالهي فان الفلاسفة ليسوا امة
واحدة لها مقالة في العلم الالهي والطبيعي وغيرهما بل هم أصناف متفرقون
وبينهم من التفرق والاختلاف ما لا يحصيه إلا الله اعظم مما بين الملة
الواحدة كاليهود والنصارى اضعافا للضاعفة
الرسل أبعد كان اختلافهم اكثر
فان القوم كلما بعدوا عن اتباع الرسل
والكتب المنزلة كان أعظم في تفرقهم واختلافهم فانهم يكونوا أضل كما في
الحديث الذي رواه الترمذي عن ابي امامة عن النبي ص - انه قال ما ضل قوم بعد
هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ قوله ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم
قوم خصمون الزخرف إذ لا يحكم بين الناس فيما تنازعوا فيه إلا كتاب منزل
ونبي مرسل كما قال تعالى كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين
ومنذرين وانزل معهم الكتب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما
اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينت بغيا بينهم فهدى الله
الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدى من يشاء الى صراط
مستقيم البقرة
والكتب المنزلة كان أعظم في تفرقهم واختلافهم فانهم يكونوا أضل كما في
الحديث الذي رواه الترمذي عن ابي امامة عن النبي ص - انه قال ما ضل قوم بعد
هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم قرأ قوله ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم
قوم خصمون الزخرف إذ لا يحكم بين الناس فيما تنازعوا فيه إلا كتاب منزل
ونبي مرسل كما قال تعالى كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين
ومنذرين وانزل معهم الكتب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما
اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينت بغيا بينهم فهدى الله
الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدى من يشاء الى صراط
مستقيم البقرة
ولهذا قال تعالى يايها الذن امنوا اطيعوا الله واطيعوا
الرسول واولى الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول ان كنتم
تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا النساء وقد أنزل مع رسله
الكتاب والميزان كما قال تعالى لقد ارسلنا رسلنا بالبينت وانزلنا معهم
الكتب والميزان ليقوم الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع
للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوى عزيز الحديد وقال
الله الذي انزل الكتب بالحق والميزان
والميزان قال كثير من المفسرين
هو العدل وقال بعضهم هو ما به توزن الامور وهو ما به يعرف العدل وكذلك
قالوا في قوله والسماء رفعها ووضع الميزان الرحمن الامثال المضروبة
والاقيسة العقلية التي تجمع بين المتماثلات وتفرق بين المختلفات وإذا أطلق
لفظ الكتاب كما في قوله وانزلنا معهم الكتب بالحق ليحكم بين الناس فيما
اختلفوا فيه البقرة دخل فيه الميزان لان الله تعالى بين في كتابه من
الامثال المضروبة والمقاييس العقلية ما يعرف به الحق والباطل
وهذا
كلفظ الحكمة تارة يقرن ب الكتاب كما في قوله وانزل الله عليك الكتب والحكمة
النساء وتارة يفرد الكتاب كقوله الحمد لله الذي انزل على عبده الكتب الكهف
وإذا افرد دخلت الحكم في معناه وكذلك في لفظ القرآن والايمان قال تعالى
وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدرى ما الكتب ولا الايمان ولكن
جعلنه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم
الشورى وإذا أفرد لفظ القرآن فهو يدل على الايمان كما الايمان يدل على
القرآن فهما متلازمان وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذا وقد امر الله
بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والاختلاف فقال تعالى واعتصموا بحبل
الله جميعا ولا تفرقوا ال عمران وقال تعالى ان الذين فرقوا دينهم وكانوا
شيعا لست منهم في شئ الانعام وقال ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من
بعد ما جاءهم البينت ال عمران وقد اخبر ان اهل الرحمة لا يختلفون فقال
تعالى ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك هود
ولهذا يوجد اتبع الناس
للرسول اقلهم اختلافا كأهل الحديث والسنة فانهم اقل اختلافا من جميع
الطوائف ثم من كان إليهم اقرب من جميع الطوائف المنتسبة الى السنة كانوا
أقل أختلافا فأما من بعد من السنة كالمعتزلة والرافضة فتجدهم اكثر الطوائف
اختلافا كثرة اختلاف الفلاسفة
وأما اختلاف الفلاسفة فلا يحصره
احد وقد ذكر ابو الحسن الاشعري في كتاب المقالات مقالات غير الاسلاميين
عنهم من المقالات ما لم يذكره الفارابي وابن سينا وامثالهما وكذلك القاضي
ابو بكر بن الطيب في كتاب الدقائق الذي رد فيه على الفلاسفة والمنجدمين
ورجح فيه منطق المتكلمين من العرب على منطق اليونان وكذلك متكلمة المعتزلة
والشيعة وغيرهم في ردهم على الفلاسفة ذكروا انواعا من المقالات وردوها
احد وقد ذكر ابو الحسن الاشعري في كتاب المقالات مقالات غير الاسلاميين
عنهم من المقالات ما لم يذكره الفارابي وابن سينا وامثالهما وكذلك القاضي
ابو بكر بن الطيب في كتاب الدقائق الذي رد فيه على الفلاسفة والمنجدمين
ورجح فيه منطق المتكلمين من العرب على منطق اليونان وكذلك متكلمة المعتزلة
والشيعة وغيرهم في ردهم على الفلاسفة ذكروا انواعا من المقالات وردوها
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ولكن مذهب الفلاسفة الذين نصره الفارابي وابن سينا وأمثالها كالسهروردي
وردى المقتول على الزندقة وكأبي بكر بن الصائغ وابن رشد الحفيد هو مذهب
المشائين اتباع ارسطو صاحب المنطق وهو الذي يذكره الغزالي في كتاب
مقاصد الفلاسفة وعليه رد في التهافت وهو الذي يذكره الرازي في الملخص و
المباحث المشرقية ويذكره الامدى في دقائق الحقائق ورموز الكنوز وغير ذلك
وعلى طريقهم مشى ابو ابركات صاحب المعتبر لكن لم يقلدهم تقليد غيره بل
اعتبر ما ذكروه بحسب نظره وعقله وكذلك الرازي والامدى يعترضان عليهم في
كثير مما يذكرونه بحسب ما يسنح لهم وابن سينا ايضا قد يخالف الاولين في بعض
ما ذكروه ولهذا ذكر في كتابه المسمى ب الشفاء ان الحق الذي ثبت عنده ذكره
في الحكمة المشرقية والسهروردي ذكر ما ثبت عنده في حكمة الاشراق والرازي في
المباحث المشرقية
واتباع ارسطو من الاولين اشهرهم ثلاثة برقلس
والاسكندر الافرديوسي وثامسطيوس صاحب الشروح والترجمة واذا قال الرازي في
كتبه اتفقت الفلاسفة فهم هؤلاء والا فالفلاسفة طوائف كثيرون وبينهم اختلاف
كثير في الطبيعيات والالهيات وفي الهيئة ايضا وقد ذكروا انه اول من قال
منهم بقدم العالم ارسطو
وقد ذكر محمد بن يوسف العامري وهو من
المصنفين في مذاهبم ان قدماءهم دخلوا الشام واخذوا عن اتباع الانبياء داود
وسليمان وان فيثاغورس معلم سقراط اخذ عن لقمان الحكيم وسقراط هو معلم
افلاطن وافلاطن معلم ارسطو
والمقصود هنا ان نظار المسلمين ما زالوا
يصنفون في الرد عليهم في المنطق وغير المنطق ويبينون خطاهم فيما ذكروه في
الحد والقياس جميعا كما يبينون خطأهم في الالهيات وغيرها ولم يكن احد من
نظار المسلمين يلتفت الى طريقتهم بل المعتزلة والاشعرية والكرامية والشيعة
وسائر طوائف النظر كانوا يعيبونها و يثبتون فسادها واول من خلط منطقهم
بأصول المسلمين ابو حامد الغزالي وتكلم فيه علماء المسلمين بما يطول ذكره كلام
النوبختي في الرد على المنطق
وهذا الرد عليهم مذكور في كثير من كتب
اهل الكلام لكن اتفق اني رايت هذا الفصل اولا في كلام النوبختي فانه بعد ان
ذكر طريقة ارسطو في المنطق قال
وقد اعترض قوم من متكلمي اهل الاسلام
على اوضاع المنطق هذه وقالوا اما قول صاحب المنطق ان القياس لا يبنى من
مقدمة واحدة فغلط لان القائل اذا اراد مثلا ان يدل على ان الانسان جوهر
فقال استدل على نفس الشيء المطلوب من غير تقديم المقدمتين وهو ان يقول ان
الدليل على ان الانسان جوهر انه يقبل المتضادات في ازمان مختلفة وليس يحتاج
الى مقدمة ثانية هي قول القائل ان كل قابل للمتضادات في ازمان مختلفة
فجوهر لان دلالته على ان كل قابل للمتضادات في ازمان مختلفة فجوهر هو نفس
ما خولف فيه واراد الدلالة عليه لان الخاص داخل في العام فعلى ايهما دل
استغنى عن الاخر وقد يستدل الانسان اذا شاهد الاثر على ان له مؤثرا
والكتابة على ان لها
اهل الكلام لكن اتفق اني رايت هذا الفصل اولا في كلام النوبختي فانه بعد ان
ذكر طريقة ارسطو في المنطق قال
وقد اعترض قوم من متكلمي اهل الاسلام
على اوضاع المنطق هذه وقالوا اما قول صاحب المنطق ان القياس لا يبنى من
مقدمة واحدة فغلط لان القائل اذا اراد مثلا ان يدل على ان الانسان جوهر
فقال استدل على نفس الشيء المطلوب من غير تقديم المقدمتين وهو ان يقول ان
الدليل على ان الانسان جوهر انه يقبل المتضادات في ازمان مختلفة وليس يحتاج
الى مقدمة ثانية هي قول القائل ان كل قابل للمتضادات في ازمان مختلفة
فجوهر لان دلالته على ان كل قابل للمتضادات في ازمان مختلفة فجوهر هو نفس
ما خولف فيه واراد الدلالة عليه لان الخاص داخل في العام فعلى ايهما دل
استغنى عن الاخر وقد يستدل الانسان اذا شاهد الاثر على ان له مؤثرا
والكتابة على ان لها
كاتبا من غير ان يحتاج في استدلاله على صحة ذلك
الى المقدمتين قالوا فنقول انه لا بد من مقدمتين فاذا ذكرت احداهما استغنى
بمعرفة المخاطب بالاخرى فترك ذكرها لا لانه مستغن عنها
قلنا لسنا نجد
مقدمتين كليتين يستدل بهما على صحة نتيجة لان القائل اذا قال الجوهر لكل حي
والحيوة لكل انسان فتكون النتيجة ان الجوهر لكل انسان فسواء في العقول قول
القائل الجوهر لكل حي وقوله لكل انسان
قلت معنى ذلك انا اذا قلنا كل
انسان حي وكل حي جوهر كما يقولون كل انسان حيوان وكل حيوان جوهر او جسم
فسواء في العقول علمنا بان كل انسان جوهر او جسم وعلمنا بأن كل حيوان جوهر
او جسم فمن علم ان كل حيوان جوهر فقد علم ايضا ان كل إنسان جوهر
ومقصوده أنهم لا يجدون مقدمتين أوليتين بديهيتين يستدل بهما على شئ من
موارد النزاع التي تحتاج الى البرهان بل لا بد ان يكون إحداهما او كلاهما
غير بديهية ومتى قدر أنهما بديهيتان فاحداهما تكفى كما ذكره من المثال وإن
قدرت إحداهما نظرية فهى التي يحتاج الى بيانها وإذا كانتا جميعا نظريتين
احتيج الى بيانهما جميعا كما لو كانت ثلاث مقدمات وما يحتاج الى انه يستدل
عليه ثم يستدل به وإنما يستدل إبتداء بما هو بين بنفسه كالبديهيات
قال
ولا يجدون في المطالب العلمية ان المطلوب يقف على مقدمتين بينتين بأنفسهما
بل إذا كان الامر كذلك كانت إحداهما كافية
قال ونقول لهم أرونا
مقدمتين أوليتين لا تحتاجان الى برهان يتقدمهما يستدل بهما على شئ مختلف
فيه وتكون المقدمتان في العقول أولى بالقبول من النتيجة فاذا كنتم لا تجدون
ذلك بطل ما ادعيتموه
قال أبو محمد الحسن بن موسى النوبخي وقد سألت
غير واحد من رؤسائهم
ان يوجد بينة فما أوجد بينة
قال فما ذكره
أرسطو طاليس غير موجود ولا معروف
قال وأما ما ذكره بعد ذلك من
الشكلين الباقيين فهما غير مستعملين على ما بناهما عليه وإذا كانا يصحان
بقلب مقدماتهما حتى يعودا الى الشكل الاول فالكلام حينئذ في الشكل الاول هو
الكلام فيهما
وذكر كلاما آخر ليس هذا موضعه ومقصوده ان سائر الاشكال
إنما تنتج بالرد إلى الشكل الاول إما بقياس الخلف الذي يتضمن إثبات الشئ
بابطال نقيضه وإما بواسطة حكم نقيض القضية أو عكسها المستوى أو عكس نقيضها
فبيان الاشكال ونتاجها فيه كلفة ومشقة مع انه لا حاجة اليها فان الشكل
الاول يمكن ان يستعمل فيه جميع المواد الثبوتية والسلبية الكلية والجزئية
وقد عرفت انتفاء فائدته فانتفاء فائدة فروعه التي لا تفيد إلا بالرد اليه
أولى وأحرى
والمقصود هنا ان هذه الامة ولله الحمد لم يزل فيها من
يتفظن لما في كلام اهل الباطل من الباطل ويرده وهم لما هداهم الله به
يتوافقون في قبول الحق ورد الباطل رأيا وراية من غر تشاعر ولا تواطؤ بطلان
دعواهم ان النتائج النظرية تحتاج الى مقدمتين
وهذا الذي نبه عليه
هؤلاء النظار يوافق ما نبهنا عليه فان القياس مشتمل على مقدمتين صغرى وكبرى
فالكبرى هي العامة والصغرى اخص منها كما إذا قلت كل نبيذ خمر وكل خمر حرام
فان النبيذ المتنازع فيه اخص من الخمر والخمر اخص من الحرام فالاول هو
الحد الاصغر والاخر هو الحد الاكبر والاوسط المتكرر فيهها هو الحد الاوسط
وحاصل القياس إدراج خاص تحت عام
ومعلوم ان من علم العام فقد علم شموله
لافراده ولكن قد يعزب عنه دخول
هؤلاء النظار يوافق ما نبهنا عليه فان القياس مشتمل على مقدمتين صغرى وكبرى
فالكبرى هي العامة والصغرى اخص منها كما إذا قلت كل نبيذ خمر وكل خمر حرام
فان النبيذ المتنازع فيه اخص من الخمر والخمر اخص من الحرام فالاول هو
الحد الاصغر والاخر هو الحد الاكبر والاوسط المتكرر فيهها هو الحد الاوسط
وحاصل القياس إدراج خاص تحت عام
ومعلوم ان من علم العام فقد علم شموله
لافراده ولكن قد يعزب عنه دخول
بعض الافراد فيه إما لعزوب علمه بالعام
او لعزوب علمه بالخاص كما مثله المنطقيون ابن سينا وغيره فيمن ظن ان هذه
الدابة تحمل فيقال له اما تعلم ان هذه بغلة فيقول نعم ويقال له اما تعلم ان
البغلة لا تحمل فحينئذ يتفطن لانها لم تحمل فهذا وان ذكر بشيء كان غافلا
عنه لم يستفد بذلك علم ما لم يكن يعلمه فان لم يخطر بقلبه هذا لم يلزم من
علمه بأنها بغلة انها لا تحمل
لكن هذا قد لا يحتاج الا الى مقدمة
واحدة وهي التي يذكرها فانه ان كان يعلم ان هذه الدابة بغلة ونسى ان البغلة
لا تحمل بحمل وهو قد جهل او نسى ان هذه بغلة عرف بهذه وحدها
وقد
تنازع في هذا الموضع طائفتان ابن سينا ومن معه والرازي ومن معه وسبب
نزاعهما الاصل الفاسد الذي اخذوه تقليدا لارسطو فقال ابن سينا لا بد مع
المقدمتين من التفطن لاندراج الخاص تحت العام ومثله بهذا فقال قد يكون
الرجل يعلم ان هذه الدابة المعينة بغلة ويعلم ان البغلة لا تحمل لكن يذهل
عن دخول هذا المعين تحت ذلك العام فاذا تفطن لذلك حصل النتاج والا فلا
وقال الرازي وهذا يقتضى انه لا بد من ثلاث مقدمات مقدمة بأن يعلم ان هذه
بغلة ومقدمة ان البغلة لا تحمل ومقدمة ان هذا يتناول هذا واختار انه لا
يحتاج الا الى مقدمتين ان هذه بغلة وان البغلة لا تحمل وانه اذا كان غافلا
عن هذه الكلية لم يكن عالما بها بالفعل فاذا صار عالما بها بالفعل بحيث
تكون حاضرة في ذهنه امتنع مع ذلك ان لا يعلم ان هذه البغلة لا تحمل
وفصل الخطاب ان المطلوب قد يحتاج الى مقدمة والى اثنتين والى ثلاث والى
اربع فأصل الاضطراب دعواهم ان النتائج النظرية تحتاج الى مقدمتين وتكفى
فيها مقدمتان فجعلوا لا بد في كل مطلوب نظري من مقدمتين وادعوا انه يكفى في
كل مطلوب نظري مقدمتان وكلا الامرين باطل
فالشخص المعين إذا راى
دابة وظنها حاملا إن كان ممن لم يعلم أنها بغلة ولم يعلم أن البغال عقم او
يعلم الامرين ونسيهها او نسى احدهما وجهل الاخر فانه يحتاج الى العلم
بمقدمتين وتذكر المنسي نوع من العلم يحتاج ان يعلم انها بغلة ويعلم ان
البغلات لا يحملن وإن كان يعلم ان البغلة لا تحمل لكن لم يعرف انها بغلة
احتاج الى مقدمة واحدة فاذا قيل له هذه بغلة فاذا عرف انها بغلة وفي نفسه
معلوم ان البغلة لا تحمل علم ان هذه المعينة لا تحمل وإن كان يعلم ان هذه
بغلة وقد علم قديما ان البغلة لا تحمل لكن عزب هذا العلم عن ذهنه في هذا
الوقت ونسيه فهذا قد نسى علمه والنسيان من اضداد العلم فاذا ذكر بعلمه ذكره
فاذا ذكر أن البغلة لا تحمل حصل له مقدمة واحدة
والعلم يحصل بالعلم
بالدليل لمن لم يكن عالما به قط ولمن يذكره بعد النسيان إذا كان قد علمه ثم
نسيه ولهذا قال سبحانه أفلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنينها وزينها
وما لها من فروج والارض مددنها والقينا فيها رواسي وأنبتنا فيه من كل زوج
بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ق فبين سبحانه ان آياته تبصرة وتذكرة
فالتبصرة بعد العمى وهو الجهل والتذكرة بعد النسيان وهو ضد العلم
وهؤلاء لما تقلدوا قول من يقول إنه لا بد من مقدمتين وبهما يحصل النتاج
فرأى بعضهم ان المقدمتين معلومتان لهذا الظان أن هذه البغلة حامل مع عدم
العلم قال فلا بد من التفطن فيقال له ما ذكرته من التفطن هو الذي يحتاج
اليه هذا لا يحتاج الى شئ من المقدمات غير هذه وهذا التفطن هو تذكر ما نسيه
وهو مقدمة واحده
ومن قال إن هذا هو إحدى المقدمتين فقد أصاب في ذلك
لكن يقال له لا تحتاج إلا الى هذه المقدمة فقط لا تحتاج الى غيرها وهذا
الظان متى حضر في
ذهنه أن هذه بغلة وان البغلة لا تحمل لزم قطعا ان
يحضر في ذهنه انها لا تحمل
فالمدلول لازم للدليل فمتى تصور الانسان
الدليل ولزوم المدلول له تصور المدلول فاذا تصور انها بغلة وتصور لازم ذلك
وهو نفى الحمل عن البغلة تصور قطعا نفيه عن هذه فأما مجرد الدليل بدون تصور
لزوم المدلول له فلا يحصل به العلم واللوازم البين لزومها للدليل تعلم
بمجرد العلم به وبلزومها له واللوازم الخفية التي يفتقر العلم بلزومها الى
وسط وهو دليل ثان على اللزوم يقف على ذلك والاذهان في هذا متفاوقة فقد
يحتاج هذا الذهن في معرفة اللزوم الى وسط وهو الدليل والاخر لا يحتاج اليه
وقد تنازع النظار في العلم الحاصل بالدليل هل هو لزومه عن الدليل لزوما
عاديا كما يقولونه في الشبع مع الاكل أو لزوما عقليا يسمى التضمن بحيث لا
يمكن الانفكاك عنه كما يمتنع وجود العلم والارادة بدون الحيوة
والاول
قول قدماء النظار كالاشعري وغيره ولهذا جعله المعتزلة من باب التولد وهذا
كالرؤية مع التحديق وكالسمع مع الاصغاء وإلا فحصول العلم بالدليل دون
المدلول عليه ليس ممتنعا لذاته بل الاول سبب للثاني ومقتض له وموجب له بحكم
سنة الله تعالى في عباده بخلاف الحيوة مع العلم فان الاول شرط للثاني
ولهذا كان العلم يوجد مع الحيوة ليست الحيوة متقدمة عليه كما يتقدم العلم
بالدليل على العلم بالمدلول عليه
ونظار المسلمين مع تنازعهم في هذا
متفقون على ان الدليل مقدمة واحدة كما ذكرناه وما ذكروه من البغلة موجود في
سائر النظريات فان الانسان قد يعلم الخاص ولا يعلم العام وقد يعلم العام
ولا يعلم الخاص كما قد يعلم ان هذه بغلة ولا يعلم ان البغلة لا تحمل وقد
يعلم أن البغلة لا تحمل ولا يعلم ان هذه بغلة ولا يجب ان يكون علمه بالخاص
مقدما على العام ولا متاخرا بل قد يتفق في بعض الناس علمه بالخاص قبل العام
وفي بعض الناس يعلم العام قبل الخاص
وكذلك المعينات وذلك أن علمه
بأن هذه البغلة لا تحمل كعلمه بأن هذه لا تحمل وبأن هذه لا تحمل فلا يجب أن
يعلم ان هذا المعين مثل هذا المعين بل قد يعلم احد المعينين ولا يعلم
الاخر ولا يجب ان يكون علمه بالمعينات قبل علمه بالقضية العامة ولا ان يكون
بالمعينات أعلم ولا يجب ان يكون بالقضية العامة الكلية التي يستفيد بها
العلم بحكم الققضايا المعينة اعلم منه بوصف القضايا المعينة أي لا يجب ان
يكون علمه بأن كل بغلة لا تحمل اقوى ولا يجب ان يكون العلم العام الذي
يفيده علم المعينات في نفسه اسبق من علم معين علم به انها بغلة أي العلم
بأن البغلة لا تحمل لا يجب ان يكون اقوى ولا اسبق في الذهن من العلم بأن
هذه الدابة بغلة بل قد يجهل انها بغلة كما قد يجهل أن البغلة لا تحمل فاذا
قدر انه يعلم ان البغلة لا تحمل ومستنده في ذلك ما اشتهر من خبر الناس فذلك
يتناول المعين كتناوله لما هو اعم منه مثل تناوله للبغلات الحمراء
والسوداء ولما تكون امه اتانا فلو خطر له ان ما تكون امه اتانا وابوه حصانا
يحمل قيل له اما تعلم ان هذا البغلة وان البغلة لا تحمل
وان كان
مستنده في ان البغلة لا تحمل هو تجربته فالتجربة لا تكون عامة وانما جرب
ذلك في بغلات معينة فما به يعلم مساواة سائر البغلات لها يعلم مساواة هذه
البغلة لها
واعتبر هذا بنظائره يتبين لك انه يمكن الاستغناء عن القياس
المنطقي بل يكون استعماله تطويلا وتكثيرا للفكر والنظر والكلام بلا فائدة
وان الحاجة الى المقدمات بحسب حال المستدل فقد يحتاج تارة الى مقدمة وتارة
الى ثنتين وتارة الى ثلاث وتارة الى اكثر من ذلك وانه تارة يجهل كون المعين
بغلة واذا كان كذلك فمتى علم ان هذه بغلة علم انها لا تحمل اذا كان قد حصل
في نفسه علم عام يتناول جميع البغلات واذا علم المعين وهو انها بغلة ولم
يعلم المطلق لم يحتج الا الى علم العام وهو ان البغلة لا تحمل واعتبر هذا
بسائر الامور تجده كذلك
صفحة 1 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى