صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
الوجه السابع
الادلة القاطعة على استواء قياسي الشمول
والتمثيل
ومآل الامرين واحد وقد بسط هذا في غير هذا الموضع
ونحن
نذكر هنا ما لم نذكره في غير هذا الموضع فنقول قد تبين فيما تقدم ان قياس
الشمول يمكن جعله قياس تمثيل وبالعكس فاذا قال القائل في مسئلة القتل
بالمثقل قتل عمد عدوان محض لمن يكافئ القاتل فأوجب القود كالقتل بالمحدد
فقد جعل القدر المشترك الذي هو مناط الحكم القتل العمد العدوان المحض
للمكافئ وهذا يسمى العلة والمناط والجامع والمشترك والمقتضى والموجب
والباعث والامارة وغير ذلك من الاسماء فاذا أراد أن يصوغه ب قياس الشمول
قال هذا قتل عمد عدوان محض للمكافئ وما كان كذلك فهوموجب للقود
والنزاع في الصورتين هو في كونه عمدا محضا فان المنازع يقول العمدية لم
تتمحض وليس المقصود هنا ذكر خصوص المسئلة بل التمثيل وهذا نزاع في المقدمة
الصغرى وهو نزاع في ثبوت الوصف في الفرع فان قياس التمثيل قد يمنع فيه ثبوت
الوصف في الاصل ويمنع ثبوته في الفرع وقد يمنع كونه علة الحكم
ويسمى
هذا السؤال سؤال المطالبة وهو اعظم أسئلة القياس وجوابه عمدة القياس فان
عمدة القياس على كون المشترك مناط الحكم وهذا هو المقدمة الكبرى وهو كما لو
قال في هذه المسئلة لا نسلم ان كل ما كان عمدا محضا يوجب القصاص وكذلك منع
الحكم في الاصل أو منع الوصف في الاصل وهو منع للمقدمة الكبرى في قياس
الشمول
أللهم إلا ان يقيم المستدل دليلا على تأثير الوصف في غير أصل
معين وهذا قياس التعليل المحض كما لو قال النبيذ المسكر محرم لان المعنى
الموجب للتحريم
وهو كونها تصد عن ذكر الله وعن الصلوة موجود فيها
وهذا المعنى قد دل النص علىانه علة التحريم وقد وجد فيثبت فيه التحريم
وهم في قياس الشمول إذا أرادوا إثبات المقدمة الكبرى التي هي نظير جعل
المشترك بين الاصل والفرع مناط الحكم فلا بد من دليل يبين ثبوت الحكم لجميع
أفراد المقدمة باعتبار القدر المشترك الكلى بين الافراد وهذا هو القدر
المشترك الجامع في قياس التمثيل فالجامع هو الكلى والكلى هو الجامع
ومن قال من متأخرى النظار كأبي المعالى وأبي حامد والرازي وابي محمد إن
العقليات ليس فيها قياس بل الاعتبار فيها بالدليل فهذا مع انهم خالفوا فيه
جماهير النظار وأئمة النظر فنزاعهم فيها يرجع الى اللفظ فانهم يقولون
العقليات لا تحتاج الى ان يعين فيها أصل يلحق فيه الفرع وليس جعل احدهما
اصلا والاخر فرعا بأولى من العكس بل الاعتبار بالدليل الشامل للصورتين
فيقال لهم لا ريب انه في العقليات والشرعيات لم يقع النزاع في جميع أفراد
المعنى العام الذي يسمى الجامع المشترك بل وقع في بعضها وبعضها متفق عليه
فتسمية هذا أصلا وهذا فرعا أمر إضافي ولو قدر أن بعض الناس علم حكم الفرع
بنص وخفى عليه حكم الاصل لجعل الاصل فرعا والفرع أصلا والجمع إما ان يكون
بالغاء الفارق وإما أن يكون بابداء الجامع وهذا يكون في العقليات قطعيا
وظنيا كما يكون في الشرعيات
فاذا قيل الاحكام والاتقان يدل على علم
الفاعل شاهدا فكذلك غائبا او قيل علة كون العالم عالما قيام العلم به في
الشاهد فكذلك في الغائب أو قيل الحيوة شرط في العلم شاهدا فكذلك غائبا او
قيل حد العالم في الشاهد من قام به العلم فكذلك في الغائب فهذه الجوامع
الاربعة التي تذكرها الصفاتية من الجمع بين الغائب والشاهد في الصفات الحد
والدليل والعلة والشرط فذكر الشاهد حتى يمثل القلب صورة معينة ثم يعلم
بالعقل عموم الحكم وهو ان الاحكام والاتقان مستلزم لعلم الفاعل فان الفعل
المحكم المتقن لا يكون إلا من عالم وكذلك سائرها
وهذا كسائر ما يعلم
من الكليات العادية إذا قيل هذا الدواء مسهل للصفراء ومنضج للخلط الفلاني
ونحو ذلك فان التجربة إنما دلت على اشياء معينة لم تدل على امر عام لكن
العقل يعلم ان المناط هو القدر المشترك بما يعلم من انتفاء ما سواه
ومناسبته او لا يعلم مناسبته وهذا قد يكون معلوما تارة كما يعلم ان أكل
الخبز يشبع وشرب الماء يروي وأن السقمونيا مسهل للصفراء وإن كان قد يتخلف
الحكم بفوات شرطه إذ قدمنا ان الطبيعيات التي هي العاديات ليس فيها كليات
لا تقبل النقض بحال فكان ذكر الاصل في القياس العقلي لتنبيه العقل على
المشترك الكلى المستلزم للحكم لا لأن مجرد ثبوت الحكم في صورة يوجب ثبوته
في أخرى بدون أن يكون هناك جامع يستلزم الحكم
وإذا قيل فمن أين يعلم
أن الجامع مستلزم للحكم قيل من حيث يعلم القضية الكبرى في قياس المشول فاذا
قال القائل هذا فاعل محكم لفعله وكل محكم لفعله فهو عالم فأي شئ ذكر في
علة هذه القضية الكلية فهو موجود في قياس التمثيل وزيادة ان هناك اصلا يمثل
به قد وجد فيه الحكم مع المشترك وفي قياس الشمول لم يذكر شئ من الافراد
التي يثبت الحكم فيها ومعلوم أن ذكر الكلى المشترك مع
بعض افراده
اثبت في العقل من ذكره مجردا عن جميع الافراد باتفاق العقلاء
ولهذا هم
يقولون إن العقل بحسب إحساسه بالجزئيات يدرك العقل بينها قدرا مشتركا كليا
فالكليات في النفس تقع بعد معرفة الجزئيات المعينة فمعرفة الجزئيات
المعينة من أعظم الاسباب في معرفة الكليات فكيف يكون ذكرها مضعفا للقياس
ويكون عدم ذكرها موجبا لقوته وهذه خاصة العقل فان خاصة العقل معرفته
الكليات بتوسط معرفته بالجزئيات فمن أنكرها انكر خاصة عقل الانسان ومن جعل
ذكرها بدون شئ من محالها المعينة أقوى من ذكرها مع التمثيل لمواضعها
المعينة كان مكابرا والعقلاء باتفاقهم يعلمون ان ضرب المثل الكلى مما يعين
على معرفته وانه ليس الحال إذا ذكر مع المثال كالحال إذا ذكر مجردا عن
الامثال
ومن تدبر جميع ما يتكلم فيه الناس من الكليات المعلومة بالعقل
في الطب والحساب والطبيعيات والصناعات والتجارات وغير ذلك وجد الامر كذلك
فاذا قيل يسخن جوف الانسان في الشتاء ويبرد في الصيف لانه في الشتاء يكون
الهواء باردا فيبرد ظاهر البدن فتهرب الحرارة الى باطن البدن لان الضد يهرب
من الضد والشبيه ينجذب الى شبيه فتظهر البرودة الى الظاهر لان شبه الشئ
منجذب اليه كان هذا أمرا كليا مطلقا فاذا قيل ولهذا يسخن جوف الارض في
الشتاء وجوف الحيوان كله ولهذا تبرد الاجواف في الصيف لسخونة الظواهر فتهرب
البرودة الى الاجواف كان كلما تصور الانسان النظائر قويت معرفته بتكلك
الكلية وهو ان الضد يهرب من ضده والنظير ينجذب الى نظيره وهذا معلوم في
الطبيعيات والنفسانيات وغيرهما لكن إذا ذكرت النظائر قوى العلم بذلك وقد
يعبر عن ذلك بأن الجنسية علة الضم
وكذلك إذا قيل الشمس إذا وقعت على
البحر أو غيره تسخنه فتصاعد منه بخار لان الحرارة تحلل الرطوبة ثم قيل كما
يتصاعد البخار من القدر التي فيها الماء الحار
كان هذا المثال مما
يؤكد معرفة الاول
والاقيسة التي يستعملها الفلاسفة في علومهم
ويجعلونها كلية كلها يعتضدون فيها بالامثلة وليس مع القوم إلا ما علموه من
صفات الامور المشاهدة ثم قاسوا الغائب على المشاهد به بالجامع المشترك الذي
يجعلونه كليا فان لم يكن هذا صحيحا لم يكن مع أحد من أهل الارض علم كلى
يشترك فيه ما شهده وما غاب عنه حتى قوله الخبز يشبع والماء يروي ونحو ذلك
فانه لم يعلم بحسه إلا امورا معينة فمن أين له أن الغائب بمنزلة الشاهد إلا
بهذه الطريق والانسان قد ينكر امرا حتى يرى واحدا من جنسه فيقر بالنوع
ويستفيد بذلك حكما كليا
ولهذا يقول سبحانه كذبت قوم نوع المرسلين كذبت
عاد المرسلين كذبت ثمود المرسلين ونحو ذلك وكل من هؤلاء إنما جاءه رسول
واحد لكن كانوا مكذبين بجنس الرسل لم يكن تكذيبهم بالواحد لخصوصه وهذا
بخلاف تكذيب اليهود والنصارى لمحمد ص - فانهم لم يكذبوا جنس الرسل إنما
كذبوا واحدا بعينه بخلاف مشركي العرب الذين لم يعرفوا الرسل فان الله يحتج
عليهم في القرآن باثبات جنس الرسالة
ولهذا يجيب سبحانه عن شبه منكري
جنس الرسالة كقولهم أبعث الله بشرا رسولا الاسراء فيقول وما أرسلنا من قبلك
إلا رجالا نوحى إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون النحل أي هذا
متواتر عند أهل الكتاب فاسئلوهم عن الرسل الذين جاءتهم أكانوا بشرا أم لا
وكذلك قوله وقالوا لو لا انزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الامر ثم لا
ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا و للبسنا عليهم ما يلبسون الانعام
فانهم لا يستطيعون الاخذ عن الملك في صورته فلو أرسلنا اليهم ملكا لجعلناه
رجلا في صورة الانسان وحينئذ كان يلتبس عليهم الامر ويقولون هو رجل والرجل
لا يكون رسولا وكذلك الرسل قبله قال تعالى او عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم
على رجل
منك لينذركم الاعراف كما قال تعالى أكان للناس عجبا أن
اوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس يونس وكما قال تعالى قل ما كنت بدعا من
الرسل الاحقاف ونحو ذلك
فكان علمهم بثبوت معين من هذا النوع يوجب
العلم بقضية مطلقة وهو ان هذا النوع موجود بخلاف ما إذا اثبت ذلك ابتداء
بلا وجود نظير فانه يكون اصعب وإن كان ممكنا فان نوحا اول رسول بعثه الله
الى اهل الارض ولم يكن قبله رسول بعث الى الكفار المشركين يدعوهم الى
الانتقال عن الشرك الى التوحيد وآدم والذين كانوا بعده كان الناس في زمهنم
مسلمين كما قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشر قرون كلهم على الاسلام لكن
لما بعث الله نوحا وانجى من آمن به وأهلك من كذبه صار هذا المعين يثبت هذا
النوع أقوى مما كان يثبت ابتداء
والذين قالوا الواحد لا يصدر عنه إلا
واحد كان مبدأ كلامهم في الامور الطبيعية فانهم رأوا البارد إنما يقتضى
التبريد فقط والحار إنما يقتضي التسخين فقط وكذلك سائرها لكن هذا ليس فيه
إحداث واحد لواحد فان البرودة الحاصلة لا بد لها مع السبب من محل قابل
وارتفاع موانع فلم يحصل السبب إلا عن شيئين لا عن واحد لكن هذا كان مبدأ
كلامهم
وأما احتجاج ابن سينا وامثاله بأنه لو صدر اثنان لكان مصدر هذا
غير مصدر هذا ولزم التركيب المنافي للوحدة فهذه الحجة تبع لحجة التركيب
وهذه اخذوها من أهل الكلام من المعتزلة ونحوهم ليست هذه من كلام أئمة
الفلاسفة كأرسطو وأتباعه لا سيما أكثر أساطين الفلاسفة فانهم كانوا يقولون
باثبات الصفات لله تعالى بل وبقيام الامور الاختيارية كما ذكرنا كلامهم في
غير هذا الموضع وهو اختيار ابي البركات صاحب المعتبر ومن قال إنه خالف اكثر
الفلاسفة فمراده المشائين وأما الاساطين قبل هؤلاء فكلام كثير منهم يدل
على هذا الاصل كما هو مذكور في موضعه
ومن أعظم صفات العقل معرفة
التماثل والاختلاف فاذا رأى الشيئين المتماثلين علم ان هذا مثل هذا يجعل
حكمهما واحدا كما إذا رأى الماء والماء والتراب والتراب والهواء والهواء ثم
حكم بالحكم الكلى على القدر المشترك وإذا حكم على بعض الاعيان ومثله
بالنظير وذكر المشترك كان أحسن في البيان فهذا قياس الطرد إذا رأى
المختلفين كالماء والتراب فرق بينهما وهذا قياس العكس
وما أمر الله به
من الاعتبار في كتابه يتناول قياس الطرد وقياس العكس فانه لما أهلك
المكذبين للرسل بتكذيبهم كان من الاعتبار ان يعلم ان من فعل ما فعلوا أصابه
ما أصابهم فيتقى تكذيب الرسل حذرا من العقوبة وهذا قياس الطرد ويعلم أن من
لم يكذب الرسل بل أتبعهم لا يصيبه ما اصاب هؤلاء وهذا قياس العكس وهو
المقصود من الاعتبار بالمعذبين فان المقصود ثبت في الفرع عكس حكم الاصل لا
نظيره والاعتبار يكون بهذا وبهذا قال تعالى لقد كان في قصصهم عبرة لاولى
الالباب يوسف وقال قد كان لكم أية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله
وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك
لعبرة لاولى الابصار ال عمران الميزان المنزل من الله هو القياس
الصحيح
بقدر هذه تعرف بموازينها وكذلك معرفة أن هذا
الكيل مثل هذا يعرف بميزانه وهو المكاييل وكذلك معرفة أن هذا الزمان مثل
هذا الزمان يعرف بموازينه التي يقدر بها الاوقات كما يعرف به مظلال وكما
يعرف بجرى من ماء ورمل وغير ذلك وكذلك معرفة أن هذا بطول هذا يعرف بميزانه
وهو الذارع فلا بد بين كل متماثلين من قدر مشترك كلى يعرف به ان احدهما مثل
الاخر
فكذلك الفروع المقيسة على اصولها في الشرعيات والعقليات تعرف
بالموازين المشتركة بينهما وهي الوصف الجامع المشترك الذي يسمى الحد الاوسط
فانا إذا علمنا أن الله حرم خمر العنب لما ذكره من انها تصد عن ذكر الله
وعن الصلوة وتوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء ثم رأينا نبيذ الحبوب من
الحنطة والشعير والرز وغير ذلك يماثلها في المعنى الكلى المشترك الذي هو
علة التحريم كان هذا القدر المشترك الذي هو العلة هو الميزان التي انزلها
الله في قلوبنا لنزن بها هذا ونجعله مثل هذا فلا نفرق بين المتماثلين
والقياس الصحيح هو من العدل الذي امر الله تعالى به
ومن علم الكليات
من غير معرفة المعين فمعه الميزان فقط والمقصود بها وزن الامور الموجودة في
الخارج وإلا فالكليات لولا جزئياتها المعينات لم يكن بها اعتبار كما أنه
لولا الموزونات لم يكن الى الميزان من حاجة ولا ريب أنه إذا احضر احد
الموزونين واعتبر بالاخر بالميزان كان اتم في الوزن من ان يكون الميزان وهو
الوصف المشترك الكلى في العقل أي شئ حضر من الاعيان المفردة وزن بها فان
هذا ايضا وزن صحيح وذلك احسن في الوزن فانك إذا وزنت بالصنجة
قدرا
من النقدين ثم وزنت بها نظيره والاول شاهد والناس يشهدون ان هذا وزن به هذا
فظهر مثله او اكثر او اقل كان احسن من ان يوزن احدهما في مغيب الاخر فانه
قد يظن ان الوازن لم يعدل في الوزن كما يعدل إذا وزنها معا فان هذا يعتبر
بأن يوزن أحدهما بالاخر بلا صنجة وهكذا الموزونات بالعقل
وقد بسطنا
الكلام في هذا في غير هذا الموضع وبينا ان القياس الصحيح هو من العدل الذي
انزله وانه لا يجوز قط ان يختلف الكتاب والميزان فلا يختلف نص ثابت عن
الرسل وقياس صحيح لا قياس شرعي ولا عقلي ولا يجوز قط ان الادلة الصحيحة
النقلية تخالف الادلة الصحيحة العقلية وأن القياس الشرعي الذي روعيت شروط
صحته يخالف نصا من النصوص وليس في الشريعة شئ على خلاف القياس الصحيح بل
على خلاف القياس الفاسد كما قد بسطنا ذلك في مصنف مفرد وذكرنا في كتاب درء
تعارض العقل والنقل ومتى تعارض في ظن الظان الكتاب والميزان النص والقياس
الشرعي او العقلي فأحد الامرين لازم إما فساد دلالة ما احتج به من النص إما
بأن لا يكون ثابتا عن المعصوم او لا يكون دالا على ما ظنه او فساد دلالة
ما احتج به من القياس سواء كان شرعيا او عقليا بفساد بعض مقدماته او كلها
لما يقع في الاقيسة من الالفاظ المجملة المشتبهة
وأبو حامد ذكر في
القسطاس المستقيم الموازين الخمسة وهي منطق اليونان بعينة غير عبارته ولا
يجوز لعاقل ان يظن ان الميزان العقلي الذي انزل الله هو منطق اليونان لوجوه
احدها إن الله انزل الموازين مع كتبه قبل أن يخلق اليونان من عهد نوح
وابراهيم وموسى وغيرهم وهذا المنطق اليوناني وضعه أرسطو قبل المسيح
بثلثمائة سنة فكيف كانت الامم المتقدمة تزن بهذا الثاني إن امتنا أهل
الاسلام ما زالوا يزنون بالموازين العقلية ولم يسمع سلفنا بذكر هذا المنطق
اليوناني وإنما ظهر في الاسلام لما عربت الكتب الرومية في دولة المأمون او
قريبا منها الثالث انه ما زال نظار المسلمين بعد ان عرب وعرفوه يعيبونه
ويذمونه ولا يلتفتون إليه ولا الى اهله في موازينهم العقلية والشرعية
ولا يقول القائل ليس فيه مما انفردوا به إلا إصطلاحات لفظية وإلا فالمعاني
العقلية مشتركة بين الامم فانه ليس الامر كذلك بل فيه معان كثير فاسدة ثم
هذا جعلوه ميزان الموازين العقلية التي هي الاقيسة العقلية وزعموا انه آله
قانونية
تعصم مراعاتها الذهن ان يزل في فكره وليس الامر كذلك فانه
لو احتاج الميزان الى ميزان لزم التسلسل وايضا فالفطرة إن كانت صحيحة وزنت
بالميزان العقلي وإن كانت بليدة او فاسدة لم يزدها المنطق لوكان صحيحا إلا
بلادة وفسادا ولهذا يوجد عامة من يزن به علومه لا بد ان يتخبط ولا يأتي
بالادلة العقلية على الوجه المحمود ومتى اتى بها على الوجه المحمود اعرض عن
اعتبارها بالمنطق لما فيه من العجز والتطويل وتبعيد الطريق وجعل الواضحات
خفيات وكثرة الغلط والتغليط كل قياس في العالم يمكن رده الى القياس
الاقتراني
المقدم وهذا معنى قولنا إذا وجد
الملزوم وجد اللازم وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم فان المقدم هو
الملزوم والتالي هو اللازم وهكذا كل شرط وجزاء فالشرط ملزوم والجزاء لازم
له
وهذا إذا جعل بصيغة الاقترانى فقيل هذا مصل وكل مصل متطهر فهذا
متطهر أو قيل هذا ليس بمتطهر ومن لا يكون متطهرا ليس بمصل فهذا ليس بمصل
والقضية الكلية فيه ان كل مصل متطهر وأن كل من ليس بمتطهر فليس بمصل
فالسالبة والموجبة كلاهما كليتان وهذه الكلية معروفة بنص الشارع ليست مما
عرفت بالعقل ولو كانت مما تعرف بالعقل المجرد لعرفت ب قياس التمثيل مع انها
تصاغ ب قياس التمثيل فيقال هذا مصل فهو متطهر كسائر المصلين او هذا ليس
بمتطهر فليس بمصل كسائر من ليس بمتطهر ثم يبين أن الجامع المشترك مستلزم
للحكم كما في الاول
وكذلك الشرطي المنفصل الذي هو التقسيم والترديد
إذا قيل هذا إما أن يكون شفعا أو وترا ونحو ذلك قيل هذا لا يخلو من كونه
شفعا او وترا ولا يجتمع هذاوهذا معا وهو شفع فلا يكون وترا أو هو وتر فلا
يكون شفعا وهذه القضية معلومة بالبديهة لكن تصور أفرادها أبين من تصور
كليتها فلا يحتاج شئ من أفرادها أن يبين بالقياس الكلى المنطقي فانه أي شئ
علم انه شفع علم انه ليس بوتر بدون ان يوزن بامر كلى عنده ولا بقياس على
نظيره فلا يحتاج ان يقال وكل شفع فليس بوتر أو كل وتر فليس بشفع
وهذا
كما تقدم التنبيه عليه ان ما يثبتونه بالقضايا الكلية تعلم مفرداتها بدون
تلك القضايا بل وتعرف بدون قياس التمثيل فاذا عرف ان هذا الثوب او غيرة
اسود عرف انه ليس بأبيض بدون أن يقال كل اسود فانه ليس بابيض وهذه الكلية
من أن كل أسود لا يكون ابيض يعرف بدون أن يعرف أن كل ضدين لا يجتمعان ولو
أثبت تلك المعينات بهذه الكلية لا حتيج أن يبين أنهما ضدان فانه لا يعلم
انهما
ضدان حتى يعلم انهما لا يجتمعان وإذا علم انهما لا يجتمعان
أغنى ذلك عن الاستدلال عليه بكونهما ضدين
فعلم انه لا يحتاج أن يبين
ما يندرج في هذا الكلى لا من الانواع ولا من الاعيان المعينة به بل العلم
بها أبين من العلم بهذه الكلية بل إذا أرادوا أن يبينوا ان الضدين لا
يجتمعان قالوا المراد بالضدين هما الوصفان الوجوديان الذان لا يجتمعان في
محل واحد كالسواد والبياض فيعود الامر الى تعريفهم مرادهم بهذا اللفظ وأما
بيان ما دل عليه من المعاني المعقولة فلا يحتاج الى الاستدلال عليه بالكلى
وكذلك في النقيضين وكذلك في الشرط والمشروط والعلة والمعلول وسائر هذه
الامور الكلية إبطال القول باقتران العلة والمعلول في الزمان
ولهذا من لم يحكم معرفة هذا وإلا التبست عليه المعقولات ودخل عليه غلطهم
سواء كانوا قد غلطوا هم في التصور وهو الغالب على أئمتهم أو كانوا يقصدون
التغليط كما يفعله بعضهم
مثال ذلك انه إذا قيل لهم في مسئلة حدوث
العالم كيف يكون العالم مفعولا مصنوعا للرب وهو مساوق له أزلا وأبدا مقارن
له في الزمان هذا مما يعلم فساده بضرورة العقل فان المفعول لا يكون مقارنا
للفاعل في الزمان قالوا بل هذا ممكن وهو أن تقدم العلة على المعلول تقدما
عقليا لازما كتقدم حركة اليد على حركة الخاتم الذي فيها وتقدم الشمس على
الشعاع وتقدم الحركة على الصوت الناشئ عنها ثم إن كان ممن تكلم في العلة
والمعلول المذكور في الصفات والاحوال وهو يقول العلم علة كون العالم عالما
كما يقوله مثبتوا الاحوال من النظار كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي في أول
قوليه والقاضي أبي يعلى وأمثالهم فانه قد ألف أن العلة والمعلول متلازمان
مقترنان فلا يستنكر مثل هذا هنا
ولهذا غلط بسبب متابعتهم في هذا طوائف
من الفقهاء في الفقه كأبي المعالي واتباعه ابي حامد والرافعي وغيرهم فادعوا
شيئا خالفوا فيه جميع أئمة الفقه المتقدمين من اصحاب الائمة الاربعة
وغيرهم ولم يقله الشافعي ولا احد من ائمة أصحابه ولا غيرهم وهو انه إذا قال
لامرأته إذا شربت أو زنيت أو فعلت كذا فأنت طالق وقصده أن يقع بها الطلاق
إذا وجد ذلك الشرط أو قال إذا أعطيتني الفا فأنت طالق أو قال إذا طلقتك
فانت طالق طلقة أخرى أو إذا وقع عليك طلاقي فانت طالق أو قال مثل ذلك في
العتق فزعموا ان الحكم المعلق بشرط يقع هو والشرط معا في زمن واحد بناء على
أن الشرط علة للحكم والمعلول يقارن العلة في الزمان
وهذا خطأ شرعا
ولغة وعقلا أما الشرع فان جميع الاحكام المعلقة بالشروط لا تقع شئ منها إلا
عقيب الشروط لا تقع مع الشروط والفروع المنقولة عن الائمة تبين ذلك واما
لغة فإن الجزاء عند أهل اللغة يكون عقب الشرط وبعده ولا يكون الجزاء مع
الشرط في الزمان ولهذا قد يكون الجزاء مما يتأخر زمانه كقوله تعالى ف من
يعلم مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره الزلزال وفي النذر إذا
قال إن شفى الله مريضى فعلى صوم سنة فلا يجب عليه الصوم إلا بعد الشفاء لا
مقارنا للشفاء ولا في زمن الشفاء وكذلك إذا قال إن سلم الله مالى الغائب
وكذلك إذا قال من رد عبدي الآبق أو بنى لى هذا الحائط ونحو ذلك وأيضا فهذا
يذكر بحرف الفاء والفاء للتعقيب يوجب ان يكون الثاني عقيب الاول لا معه
وأما عقلا فلأن الاول هنا كالفاعل
الموجب للثاني ولا يعرف قط أن
الفاعل يقارنه مفعوله
وما ذكروه من اقتران العلة العقلية لمعلولها ك
العلم والعالمية فجوابه أنه عند جماهير العقلاء ليس هنا علة ومعلول بل
العلم هو العالمية وهذا مذهب جمهور نظار اهل السنة والبدعة وهو نفي الاحوال
فلا علة ولا معلول وإن جعلت المعلول الحكم بكونه عالما والخبر عنه بكونه
عالما فهذا قد يتأخر عن العلم وعلى قول من أثبت الحال هو يقول إنها ليست
موجودة ولا معدومة فليست نظير المعلولات الوجودية
وأيضا فهولاء يقولون
إن العالم فاعل للعالمية ولا هو جاعل العالمية ولا هذا عنده من باب تأثير
الوجود كالاسباب والعلل فان كونه عالما لازم للعلم بما يلزم العلم انه علم
ليس هذا مثل كون قطع الرقبة سببا للموت ولا كون الاكل سببا للشبع من
الاسباب التي خلقها الله فكيف بالاسباب التي يصنعها العباد كقوله إذا زنيت
فأنت طالق فهنا علق حادثا بحادث وحكم بكون ذلك الاول سببا للثاني فأين هذا
من العلم والعالمية وإنما غرهم الاشتراك في لفظ العلة
وكذلك المتفلسفة
ليس في جميع ما مثلوا به علة فاعله قارنت مفعولها في الزمان فحركة اليد
ليست هي الفاعلة لحركة الخاتم بل المحرك لهما واحد ولكن حركتهما متلازمة
لاتصال الخاتم باليد كحركة بعض اليد مع بعض وكما يقال حركت يدى فتحرك
الخاتم وكما يقال حركت كفى فتحركت اصابعي وليست حركة الكف فاعلة لحركة
الاصابع وإن قدر انها بعدها لم يسلم اقترانهما في الزمان بل تكون كأجزاء
الزمان المتصل بعضها ببعض فانه لا فصل بينهما وإن كان الجزء الثاني متصلا
بالاول كذلك أجزاء الحركة كحركة الظل وغيره كل جزء منها يحدث بعد الاخر وفي
الزمان الذي يلى حركة الجزء الاول فأما أن يقال الحركتان وجدتا معا
وأحدهما فاعلة للاخرى فهذا باطل
وأيضا فان المعروف أنه إذا قيل حركت
يدى فتحرك خاتمى او المفتاح في
كمى ونحو ذلك إذا تحرك بحركة تخصه
مثل ان يكون الخاتم ملقى فاذا حرك يده علق في يده فتحرك وهذه الحركة بعد
حركة اليد في الزمان واما إذا كان الخاتم متصلا بالاصبع ثابتا فيها وإنما
يتحرك كما تتحرك الاصابع فالمحرك للجميع واحد ولو كان الانسان نائما او
ميتا فرفع رجل يده وفيها الخاتم لكانت أيضا متحركة بحركة اليد وهى حركة
واحدة شملت الجميع لاتصال بعضه ببعض ليس هنا حركتان إحداهما سبب الاخرى
فضلا عن ان تكون فاعلة لها ومن قال في مثل هذا حركت يده فتحرك خاتمه فانما
هو كقوله فتحركت اليد فانما يريد بذلك أن الحركة شملت الجميع ولم يرد بذلك
أن حركة اليد كانت سببا للحركة الاولى ولا نعرف عاقلا يقول هذا ويقصد هذا
وإن قدر انه وجد فليس قوله حجة على سائر العقلاء ومن رفع يد ميت أو نائم
وفيها خاتم لم تكن حركة بعض ذلك سببا لبعض بل الجميع موجود في زمان واحد
لفاعل واحد وسبب واحد
فبطل أن يكون في الوجود سبب يقارن مسببه في
الزمان بل لا يكون إلا قبله فكيف بالفاعل المستقل وإنما الذي يقارن الشئ في
الزمان شرطه وتقدم الواحد على الاثنين هو من هذا الباب لا من باب تقدم
الشرط على المشروط وحركة الخاتم مع اليد هي من باب المشروط مع الشرط ليست
من باب المفعول مع الفاعل ولكن لفظ العلة فيه إجمال
وكذلك الصوت مع
الحركة فان الصوت يحدث عقيب الحركة وغايته أن يكون معها كالجزء الثاني من
الحركة مع الاول والحركة المتصلة والزمان المتصل ليس بعضه مع بعض في الزمان
فغاية الصوت مع الحركة أن تكون كذلك وكذلك الشعاع مع ظهور الشمس مع أن
الشمس ليست فاعلة للشعاع بل الشعاع يحدث في الارض إذا قابل الشمس ما ينعكس
الشعاع عليه وكذلك الحركة ليست
هى الفاعلة للصوت ولكن الشمس شرط في
الشعاع والحركة شرط في الصوت
وأما فاعل يبدع مفعوله ويكون مقارنا له
في الزمان فهذا لا يوجد قط لكن لفظ العلة فيه إجمال ف العلة الفاعلة شئ
والعلة التي هي شرط شئ آخر والشرط قد يقارن المشروط في زمانه بخلاف الفاعل
فانه لا بد ان يتقدم فعله على المعين وإذا قدر انه لم يزل فاعلا فكل جزء من
أجزاء الفعل مسبوق بجزء آخر وإن كان نوع الفعل لم يزل فلا يتصور أن يكون
فعله أو مفعوله معينا مع الله أزلا وابدا وإن قيل إنه لم يزل فاعلا بمشيئته
فدوام نوع الفعل شئ ودوام الفعل المعين والمفعول المعين شئ آخر
والذي
أخبرت به الرسل ودلت عليه العقول واتفق عليه جماهير العقلاء من الاولين
والاخرين أن الله خالق كل شئ وأن كل ما سواه فهو مخلوق له وكل مخلوق محدث
مسبوق بالعدم وأما تغيير هولاء للفظ المحدث وقولهم إنا نقول إنه محدث حدوثا
ذاتيا بمعنى أنه معلول فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه فان المحدث معلوم
انه قد كان بعد أن لم يكن وأنه مفعول أحدثه محدث إحداثا وما لم يزل ولا
يزال فلا يسميه أحد من العقلاء في لغة من اللغات محدثا بل ولا يقول أحد من
العقلاء أنه مفول مصنوع مخلوق ولا يقول أحد أنه ممكن يمكن وجوده ويمكن عدمه
إلا هذه الشرذمة من الفلاسفة
الوجه السابع
الادلة القاطعة على استواء قياسي الشمول
والتمثيل
الوجه السابع أن يقال هم يدعون ان المفيد لليقين هو قياس
الشمول فأما قياس التمثيل فيزعمون انه لا يفيد اليقين ونحن نعلم ان من
التمثيل ما يفيد اليقين ومنه ما لا يفيده ك الشمول فان الشيئين قد يكون
تماثلهما معلوما وقد يكون مظنونا كالعموم وإن جمع بينهما بالعلة فالعلة في
معنى عموم الشمول
يوضح هذا أن يقال قياس الشمول يؤول في الحقيقة الى
قياس التمثيل كما ان الاخر في الحقيقة يؤول الى الاول ولهذا تنازع الناس في
مسمى القياس فقيل هو قياس التمثيل فقط وهو قول اكثر الاصوليين وقيل قياس
الشمول فقط وهو قول اكثر المنطقيين وقيل بل القياسان جميعا وهو قول اكثر
الفقهاء والمتكلمين وذلك أن قياس الشمول مبناه على اشتراك الافراد في الحكم
العام وشموله لها وقياس التمثيل مبناه على اشتراك الاثنين في الحكم الذي
يعمهما
الشمول فأما قياس التمثيل فيزعمون انه لا يفيد اليقين ونحن نعلم ان من
التمثيل ما يفيد اليقين ومنه ما لا يفيده ك الشمول فان الشيئين قد يكون
تماثلهما معلوما وقد يكون مظنونا كالعموم وإن جمع بينهما بالعلة فالعلة في
معنى عموم الشمول
يوضح هذا أن يقال قياس الشمول يؤول في الحقيقة الى
قياس التمثيل كما ان الاخر في الحقيقة يؤول الى الاول ولهذا تنازع الناس في
مسمى القياس فقيل هو قياس التمثيل فقط وهو قول اكثر الاصوليين وقيل قياس
الشمول فقط وهو قول اكثر المنطقيين وقيل بل القياسان جميعا وهو قول اكثر
الفقهاء والمتكلمين وذلك أن قياس الشمول مبناه على اشتراك الافراد في الحكم
العام وشموله لها وقياس التمثيل مبناه على اشتراك الاثنين في الحكم الذي
يعمهما
ومآل الامرين واحد وقد بسط هذا في غير هذا الموضع
ونحن
نذكر هنا ما لم نذكره في غير هذا الموضع فنقول قد تبين فيما تقدم ان قياس
الشمول يمكن جعله قياس تمثيل وبالعكس فاذا قال القائل في مسئلة القتل
بالمثقل قتل عمد عدوان محض لمن يكافئ القاتل فأوجب القود كالقتل بالمحدد
فقد جعل القدر المشترك الذي هو مناط الحكم القتل العمد العدوان المحض
للمكافئ وهذا يسمى العلة والمناط والجامع والمشترك والمقتضى والموجب
والباعث والامارة وغير ذلك من الاسماء فاذا أراد أن يصوغه ب قياس الشمول
قال هذا قتل عمد عدوان محض للمكافئ وما كان كذلك فهوموجب للقود
والنزاع في الصورتين هو في كونه عمدا محضا فان المنازع يقول العمدية لم
تتمحض وليس المقصود هنا ذكر خصوص المسئلة بل التمثيل وهذا نزاع في المقدمة
الصغرى وهو نزاع في ثبوت الوصف في الفرع فان قياس التمثيل قد يمنع فيه ثبوت
الوصف في الاصل ويمنع ثبوته في الفرع وقد يمنع كونه علة الحكم
ويسمى
هذا السؤال سؤال المطالبة وهو اعظم أسئلة القياس وجوابه عمدة القياس فان
عمدة القياس على كون المشترك مناط الحكم وهذا هو المقدمة الكبرى وهو كما لو
قال في هذه المسئلة لا نسلم ان كل ما كان عمدا محضا يوجب القصاص وكذلك منع
الحكم في الاصل أو منع الوصف في الاصل وهو منع للمقدمة الكبرى في قياس
الشمول
أللهم إلا ان يقيم المستدل دليلا على تأثير الوصف في غير أصل
معين وهذا قياس التعليل المحض كما لو قال النبيذ المسكر محرم لان المعنى
الموجب للتحريم
وهو كونها تصد عن ذكر الله وعن الصلوة موجود فيها
وهذا المعنى قد دل النص علىانه علة التحريم وقد وجد فيثبت فيه التحريم
وهم في قياس الشمول إذا أرادوا إثبات المقدمة الكبرى التي هي نظير جعل
المشترك بين الاصل والفرع مناط الحكم فلا بد من دليل يبين ثبوت الحكم لجميع
أفراد المقدمة باعتبار القدر المشترك الكلى بين الافراد وهذا هو القدر
المشترك الجامع في قياس التمثيل فالجامع هو الكلى والكلى هو الجامع
ومن قال من متأخرى النظار كأبي المعالى وأبي حامد والرازي وابي محمد إن
العقليات ليس فيها قياس بل الاعتبار فيها بالدليل فهذا مع انهم خالفوا فيه
جماهير النظار وأئمة النظر فنزاعهم فيها يرجع الى اللفظ فانهم يقولون
العقليات لا تحتاج الى ان يعين فيها أصل يلحق فيه الفرع وليس جعل احدهما
اصلا والاخر فرعا بأولى من العكس بل الاعتبار بالدليل الشامل للصورتين
فيقال لهم لا ريب انه في العقليات والشرعيات لم يقع النزاع في جميع أفراد
المعنى العام الذي يسمى الجامع المشترك بل وقع في بعضها وبعضها متفق عليه
فتسمية هذا أصلا وهذا فرعا أمر إضافي ولو قدر أن بعض الناس علم حكم الفرع
بنص وخفى عليه حكم الاصل لجعل الاصل فرعا والفرع أصلا والجمع إما ان يكون
بالغاء الفارق وإما أن يكون بابداء الجامع وهذا يكون في العقليات قطعيا
وظنيا كما يكون في الشرعيات
فاذا قيل الاحكام والاتقان يدل على علم
الفاعل شاهدا فكذلك غائبا او قيل علة كون العالم عالما قيام العلم به في
الشاهد فكذلك في الغائب أو قيل الحيوة شرط في العلم شاهدا فكذلك غائبا او
قيل حد العالم في الشاهد من قام به العلم فكذلك في الغائب فهذه الجوامع
الاربعة التي تذكرها الصفاتية من الجمع بين الغائب والشاهد في الصفات الحد
والدليل والعلة والشرط فذكر الشاهد حتى يمثل القلب صورة معينة ثم يعلم
بالعقل عموم الحكم وهو ان الاحكام والاتقان مستلزم لعلم الفاعل فان الفعل
المحكم المتقن لا يكون إلا من عالم وكذلك سائرها
وهذا كسائر ما يعلم
من الكليات العادية إذا قيل هذا الدواء مسهل للصفراء ومنضج للخلط الفلاني
ونحو ذلك فان التجربة إنما دلت على اشياء معينة لم تدل على امر عام لكن
العقل يعلم ان المناط هو القدر المشترك بما يعلم من انتفاء ما سواه
ومناسبته او لا يعلم مناسبته وهذا قد يكون معلوما تارة كما يعلم ان أكل
الخبز يشبع وشرب الماء يروي وأن السقمونيا مسهل للصفراء وإن كان قد يتخلف
الحكم بفوات شرطه إذ قدمنا ان الطبيعيات التي هي العاديات ليس فيها كليات
لا تقبل النقض بحال فكان ذكر الاصل في القياس العقلي لتنبيه العقل على
المشترك الكلى المستلزم للحكم لا لأن مجرد ثبوت الحكم في صورة يوجب ثبوته
في أخرى بدون أن يكون هناك جامع يستلزم الحكم
وإذا قيل فمن أين يعلم
أن الجامع مستلزم للحكم قيل من حيث يعلم القضية الكبرى في قياس المشول فاذا
قال القائل هذا فاعل محكم لفعله وكل محكم لفعله فهو عالم فأي شئ ذكر في
علة هذه القضية الكلية فهو موجود في قياس التمثيل وزيادة ان هناك اصلا يمثل
به قد وجد فيه الحكم مع المشترك وفي قياس الشمول لم يذكر شئ من الافراد
التي يثبت الحكم فيها ومعلوم أن ذكر الكلى المشترك مع
بعض افراده
اثبت في العقل من ذكره مجردا عن جميع الافراد باتفاق العقلاء
ولهذا هم
يقولون إن العقل بحسب إحساسه بالجزئيات يدرك العقل بينها قدرا مشتركا كليا
فالكليات في النفس تقع بعد معرفة الجزئيات المعينة فمعرفة الجزئيات
المعينة من أعظم الاسباب في معرفة الكليات فكيف يكون ذكرها مضعفا للقياس
ويكون عدم ذكرها موجبا لقوته وهذه خاصة العقل فان خاصة العقل معرفته
الكليات بتوسط معرفته بالجزئيات فمن أنكرها انكر خاصة عقل الانسان ومن جعل
ذكرها بدون شئ من محالها المعينة أقوى من ذكرها مع التمثيل لمواضعها
المعينة كان مكابرا والعقلاء باتفاقهم يعلمون ان ضرب المثل الكلى مما يعين
على معرفته وانه ليس الحال إذا ذكر مع المثال كالحال إذا ذكر مجردا عن
الامثال
ومن تدبر جميع ما يتكلم فيه الناس من الكليات المعلومة بالعقل
في الطب والحساب والطبيعيات والصناعات والتجارات وغير ذلك وجد الامر كذلك
فاذا قيل يسخن جوف الانسان في الشتاء ويبرد في الصيف لانه في الشتاء يكون
الهواء باردا فيبرد ظاهر البدن فتهرب الحرارة الى باطن البدن لان الضد يهرب
من الضد والشبيه ينجذب الى شبيه فتظهر البرودة الى الظاهر لان شبه الشئ
منجذب اليه كان هذا أمرا كليا مطلقا فاذا قيل ولهذا يسخن جوف الارض في
الشتاء وجوف الحيوان كله ولهذا تبرد الاجواف في الصيف لسخونة الظواهر فتهرب
البرودة الى الاجواف كان كلما تصور الانسان النظائر قويت معرفته بتكلك
الكلية وهو ان الضد يهرب من ضده والنظير ينجذب الى نظيره وهذا معلوم في
الطبيعيات والنفسانيات وغيرهما لكن إذا ذكرت النظائر قوى العلم بذلك وقد
يعبر عن ذلك بأن الجنسية علة الضم
وكذلك إذا قيل الشمس إذا وقعت على
البحر أو غيره تسخنه فتصاعد منه بخار لان الحرارة تحلل الرطوبة ثم قيل كما
يتصاعد البخار من القدر التي فيها الماء الحار
كان هذا المثال مما
يؤكد معرفة الاول
والاقيسة التي يستعملها الفلاسفة في علومهم
ويجعلونها كلية كلها يعتضدون فيها بالامثلة وليس مع القوم إلا ما علموه من
صفات الامور المشاهدة ثم قاسوا الغائب على المشاهد به بالجامع المشترك الذي
يجعلونه كليا فان لم يكن هذا صحيحا لم يكن مع أحد من أهل الارض علم كلى
يشترك فيه ما شهده وما غاب عنه حتى قوله الخبز يشبع والماء يروي ونحو ذلك
فانه لم يعلم بحسه إلا امورا معينة فمن أين له أن الغائب بمنزلة الشاهد إلا
بهذه الطريق والانسان قد ينكر امرا حتى يرى واحدا من جنسه فيقر بالنوع
ويستفيد بذلك حكما كليا
ولهذا يقول سبحانه كذبت قوم نوع المرسلين كذبت
عاد المرسلين كذبت ثمود المرسلين ونحو ذلك وكل من هؤلاء إنما جاءه رسول
واحد لكن كانوا مكذبين بجنس الرسل لم يكن تكذيبهم بالواحد لخصوصه وهذا
بخلاف تكذيب اليهود والنصارى لمحمد ص - فانهم لم يكذبوا جنس الرسل إنما
كذبوا واحدا بعينه بخلاف مشركي العرب الذين لم يعرفوا الرسل فان الله يحتج
عليهم في القرآن باثبات جنس الرسالة
ولهذا يجيب سبحانه عن شبه منكري
جنس الرسالة كقولهم أبعث الله بشرا رسولا الاسراء فيقول وما أرسلنا من قبلك
إلا رجالا نوحى إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون النحل أي هذا
متواتر عند أهل الكتاب فاسئلوهم عن الرسل الذين جاءتهم أكانوا بشرا أم لا
وكذلك قوله وقالوا لو لا انزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الامر ثم لا
ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا و للبسنا عليهم ما يلبسون الانعام
فانهم لا يستطيعون الاخذ عن الملك في صورته فلو أرسلنا اليهم ملكا لجعلناه
رجلا في صورة الانسان وحينئذ كان يلتبس عليهم الامر ويقولون هو رجل والرجل
لا يكون رسولا وكذلك الرسل قبله قال تعالى او عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم
على رجل
منك لينذركم الاعراف كما قال تعالى أكان للناس عجبا أن
اوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس يونس وكما قال تعالى قل ما كنت بدعا من
الرسل الاحقاف ونحو ذلك
فكان علمهم بثبوت معين من هذا النوع يوجب
العلم بقضية مطلقة وهو ان هذا النوع موجود بخلاف ما إذا اثبت ذلك ابتداء
بلا وجود نظير فانه يكون اصعب وإن كان ممكنا فان نوحا اول رسول بعثه الله
الى اهل الارض ولم يكن قبله رسول بعث الى الكفار المشركين يدعوهم الى
الانتقال عن الشرك الى التوحيد وآدم والذين كانوا بعده كان الناس في زمهنم
مسلمين كما قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشر قرون كلهم على الاسلام لكن
لما بعث الله نوحا وانجى من آمن به وأهلك من كذبه صار هذا المعين يثبت هذا
النوع أقوى مما كان يثبت ابتداء
والذين قالوا الواحد لا يصدر عنه إلا
واحد كان مبدأ كلامهم في الامور الطبيعية فانهم رأوا البارد إنما يقتضى
التبريد فقط والحار إنما يقتضي التسخين فقط وكذلك سائرها لكن هذا ليس فيه
إحداث واحد لواحد فان البرودة الحاصلة لا بد لها مع السبب من محل قابل
وارتفاع موانع فلم يحصل السبب إلا عن شيئين لا عن واحد لكن هذا كان مبدأ
كلامهم
وأما احتجاج ابن سينا وامثاله بأنه لو صدر اثنان لكان مصدر هذا
غير مصدر هذا ولزم التركيب المنافي للوحدة فهذه الحجة تبع لحجة التركيب
وهذه اخذوها من أهل الكلام من المعتزلة ونحوهم ليست هذه من كلام أئمة
الفلاسفة كأرسطو وأتباعه لا سيما أكثر أساطين الفلاسفة فانهم كانوا يقولون
باثبات الصفات لله تعالى بل وبقيام الامور الاختيارية كما ذكرنا كلامهم في
غير هذا الموضع وهو اختيار ابي البركات صاحب المعتبر ومن قال إنه خالف اكثر
الفلاسفة فمراده المشائين وأما الاساطين قبل هؤلاء فكلام كثير منهم يدل
على هذا الاصل كما هو مذكور في موضعه
ومن أعظم صفات العقل معرفة
التماثل والاختلاف فاذا رأى الشيئين المتماثلين علم ان هذا مثل هذا يجعل
حكمهما واحدا كما إذا رأى الماء والماء والتراب والتراب والهواء والهواء ثم
حكم بالحكم الكلى على القدر المشترك وإذا حكم على بعض الاعيان ومثله
بالنظير وذكر المشترك كان أحسن في البيان فهذا قياس الطرد إذا رأى
المختلفين كالماء والتراب فرق بينهما وهذا قياس العكس
وما أمر الله به
من الاعتبار في كتابه يتناول قياس الطرد وقياس العكس فانه لما أهلك
المكذبين للرسل بتكذيبهم كان من الاعتبار ان يعلم ان من فعل ما فعلوا أصابه
ما أصابهم فيتقى تكذيب الرسل حذرا من العقوبة وهذا قياس الطرد ويعلم أن من
لم يكذب الرسل بل أتبعهم لا يصيبه ما اصاب هؤلاء وهذا قياس العكس وهو
المقصود من الاعتبار بالمعذبين فان المقصود ثبت في الفرع عكس حكم الاصل لا
نظيره والاعتبار يكون بهذا وبهذا قال تعالى لقد كان في قصصهم عبرة لاولى
الالباب يوسف وقال قد كان لكم أية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله
وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك
لعبرة لاولى الابصار ال عمران الميزان المنزل من الله هو القياس
الصحيح
وقد قال سبحانه وتعالى الله الذي انزل الكتب بالحق والميزان
الشورى وقال لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتب والميزان ليقوم
الناس بالقسط الحديد والميزان يفسره السلف بالعدل ويفسره بعضهم بما يوزن به
وهما متلازمان وقد أخبر انه انزل ذلك مع رسله كما أنزل معهم الكتاب ليقوم
الناس بالقسط
فما يعرف به تماثل المتماثلات من الصفات والمقادير هو من
الميزان وكذلك ما يعرف به اختلاف المختلفات فمعرفة أن هذه الدارهم أو
غيرها من الاجسام الثقيلة
الشورى وقال لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتب والميزان ليقوم
الناس بالقسط الحديد والميزان يفسره السلف بالعدل ويفسره بعضهم بما يوزن به
وهما متلازمان وقد أخبر انه انزل ذلك مع رسله كما أنزل معهم الكتاب ليقوم
الناس بالقسط
فما يعرف به تماثل المتماثلات من الصفات والمقادير هو من
الميزان وكذلك ما يعرف به اختلاف المختلفات فمعرفة أن هذه الدارهم أو
غيرها من الاجسام الثقيلة
بقدر هذه تعرف بموازينها وكذلك معرفة أن هذا
الكيل مثل هذا يعرف بميزانه وهو المكاييل وكذلك معرفة أن هذا الزمان مثل
هذا الزمان يعرف بموازينه التي يقدر بها الاوقات كما يعرف به مظلال وكما
يعرف بجرى من ماء ورمل وغير ذلك وكذلك معرفة أن هذا بطول هذا يعرف بميزانه
وهو الذارع فلا بد بين كل متماثلين من قدر مشترك كلى يعرف به ان احدهما مثل
الاخر
فكذلك الفروع المقيسة على اصولها في الشرعيات والعقليات تعرف
بالموازين المشتركة بينهما وهي الوصف الجامع المشترك الذي يسمى الحد الاوسط
فانا إذا علمنا أن الله حرم خمر العنب لما ذكره من انها تصد عن ذكر الله
وعن الصلوة وتوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء ثم رأينا نبيذ الحبوب من
الحنطة والشعير والرز وغير ذلك يماثلها في المعنى الكلى المشترك الذي هو
علة التحريم كان هذا القدر المشترك الذي هو العلة هو الميزان التي انزلها
الله في قلوبنا لنزن بها هذا ونجعله مثل هذا فلا نفرق بين المتماثلين
والقياس الصحيح هو من العدل الذي امر الله تعالى به
ومن علم الكليات
من غير معرفة المعين فمعه الميزان فقط والمقصود بها وزن الامور الموجودة في
الخارج وإلا فالكليات لولا جزئياتها المعينات لم يكن بها اعتبار كما أنه
لولا الموزونات لم يكن الى الميزان من حاجة ولا ريب أنه إذا احضر احد
الموزونين واعتبر بالاخر بالميزان كان اتم في الوزن من ان يكون الميزان وهو
الوصف المشترك الكلى في العقل أي شئ حضر من الاعيان المفردة وزن بها فان
هذا ايضا وزن صحيح وذلك احسن في الوزن فانك إذا وزنت بالصنجة
قدرا
من النقدين ثم وزنت بها نظيره والاول شاهد والناس يشهدون ان هذا وزن به هذا
فظهر مثله او اكثر او اقل كان احسن من ان يوزن احدهما في مغيب الاخر فانه
قد يظن ان الوازن لم يعدل في الوزن كما يعدل إذا وزنها معا فان هذا يعتبر
بأن يوزن أحدهما بالاخر بلا صنجة وهكذا الموزونات بالعقل
وقد بسطنا
الكلام في هذا في غير هذا الموضع وبينا ان القياس الصحيح هو من العدل الذي
انزله وانه لا يجوز قط ان يختلف الكتاب والميزان فلا يختلف نص ثابت عن
الرسل وقياس صحيح لا قياس شرعي ولا عقلي ولا يجوز قط ان الادلة الصحيحة
النقلية تخالف الادلة الصحيحة العقلية وأن القياس الشرعي الذي روعيت شروط
صحته يخالف نصا من النصوص وليس في الشريعة شئ على خلاف القياس الصحيح بل
على خلاف القياس الفاسد كما قد بسطنا ذلك في مصنف مفرد وذكرنا في كتاب درء
تعارض العقل والنقل ومتى تعارض في ظن الظان الكتاب والميزان النص والقياس
الشرعي او العقلي فأحد الامرين لازم إما فساد دلالة ما احتج به من النص إما
بأن لا يكون ثابتا عن المعصوم او لا يكون دالا على ما ظنه او فساد دلالة
ما احتج به من القياس سواء كان شرعيا او عقليا بفساد بعض مقدماته او كلها
لما يقع في الاقيسة من الالفاظ المجملة المشتبهة
وأبو حامد ذكر في
القسطاس المستقيم الموازين الخمسة وهي منطق اليونان بعينة غير عبارته ولا
يجوز لعاقل ان يظن ان الميزان العقلي الذي انزل الله هو منطق اليونان لوجوه
احدها إن الله انزل الموازين مع كتبه قبل أن يخلق اليونان من عهد نوح
وابراهيم وموسى وغيرهم وهذا المنطق اليوناني وضعه أرسطو قبل المسيح
بثلثمائة سنة فكيف كانت الامم المتقدمة تزن بهذا الثاني إن امتنا أهل
الاسلام ما زالوا يزنون بالموازين العقلية ولم يسمع سلفنا بذكر هذا المنطق
اليوناني وإنما ظهر في الاسلام لما عربت الكتب الرومية في دولة المأمون او
قريبا منها الثالث انه ما زال نظار المسلمين بعد ان عرب وعرفوه يعيبونه
ويذمونه ولا يلتفتون إليه ولا الى اهله في موازينهم العقلية والشرعية
ولا يقول القائل ليس فيه مما انفردوا به إلا إصطلاحات لفظية وإلا فالمعاني
العقلية مشتركة بين الامم فانه ليس الامر كذلك بل فيه معان كثير فاسدة ثم
هذا جعلوه ميزان الموازين العقلية التي هي الاقيسة العقلية وزعموا انه آله
قانونية
تعصم مراعاتها الذهن ان يزل في فكره وليس الامر كذلك فانه
لو احتاج الميزان الى ميزان لزم التسلسل وايضا فالفطرة إن كانت صحيحة وزنت
بالميزان العقلي وإن كانت بليدة او فاسدة لم يزدها المنطق لوكان صحيحا إلا
بلادة وفسادا ولهذا يوجد عامة من يزن به علومه لا بد ان يتخبط ولا يأتي
بالادلة العقلية على الوجه المحمود ومتى اتى بها على الوجه المحمود اعرض عن
اعتبارها بالمنطق لما فيه من العجز والتطويل وتبعيد الطريق وجعل الواضحات
خفيات وكثرة الغلط والتغليط كل قياس في العالم يمكن رده الى القياس
الاقتراني
فان قيل ما ذكرته من أن قياس الشمول يرجع الى قياس التمثيل
يتوجه في قياس الاقترانى دون الاستثنائى فان الاستثنائى ما تكون النتيجة
او نقيضها مذكورة فيه بالفعل بخلاف الاقترانى فان النتيجة إنما هي فيه
بالقوة والاستثنائي مولف من الشرطيات المتصلة وهو التلازم ومن المنفصلة وهو
التقسيم ولا ريب أن الحد الاوسط في الاقترانى يمكن جعله الجامع المشترك في
القياس التمثيلي بخلاف الاستثنائى قيل الجواب من وجوه
منها ان
التلازم والتقسيم إذا قيل هذا مستلزم لهذا حيث وجد وجد فان هذا قضية كلية
فتستعمل على وجه التمثيل وعلى وجه الشمول بأن يقاس بعض أفرادها ببعض ويجعل
القدر المشترك هو مناط الحكم وكذلك إذا قيل هذا إما كذا وإما كذا فهو أيضا
كلى يبين بصيغة التمثيل وبصيغة الشمول ولهذا كانت الاحكام الثابتة بصيغة
العموم يمكن استعمال قياس التمثيل فيها بأن يقاس بعض أفرادها ببعض ويجعل
المعنى المشترك هو مناط الحكم
ومنها أن كل قياس في العالم يمكن رده
الى الاقترانى فاذا قيل بصيغة الشرط إن كانت الصلوة صحيحة فالمصلى متطهر
أمكن أن يقال كل مصل فهو متطهر وأن يقال الصلوة مستلزمة الطهارة ونحو ذلك
من صور القياس الاقتراني والحد الاوسط فيه ان استثناء عين المقدم ينتج عين
التالي واستثناء نقيض التالي ينتج نقيض
يتوجه في قياس الاقترانى دون الاستثنائى فان الاستثنائى ما تكون النتيجة
او نقيضها مذكورة فيه بالفعل بخلاف الاقترانى فان النتيجة إنما هي فيه
بالقوة والاستثنائي مولف من الشرطيات المتصلة وهو التلازم ومن المنفصلة وهو
التقسيم ولا ريب أن الحد الاوسط في الاقترانى يمكن جعله الجامع المشترك في
القياس التمثيلي بخلاف الاستثنائى قيل الجواب من وجوه
منها ان
التلازم والتقسيم إذا قيل هذا مستلزم لهذا حيث وجد وجد فان هذا قضية كلية
فتستعمل على وجه التمثيل وعلى وجه الشمول بأن يقاس بعض أفرادها ببعض ويجعل
القدر المشترك هو مناط الحكم وكذلك إذا قيل هذا إما كذا وإما كذا فهو أيضا
كلى يبين بصيغة التمثيل وبصيغة الشمول ولهذا كانت الاحكام الثابتة بصيغة
العموم يمكن استعمال قياس التمثيل فيها بأن يقاس بعض أفرادها ببعض ويجعل
المعنى المشترك هو مناط الحكم
ومنها أن كل قياس في العالم يمكن رده
الى الاقترانى فاذا قيل بصيغة الشرط إن كانت الصلوة صحيحة فالمصلى متطهر
أمكن أن يقال كل مصل فهو متطهر وأن يقال الصلوة مستلزمة الطهارة ونحو ذلك
من صور القياس الاقتراني والحد الاوسط فيه ان استثناء عين المقدم ينتج عين
التالي واستثناء نقيض التالي ينتج نقيض
المقدم وهذا معنى قولنا إذا وجد
الملزوم وجد اللازم وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم فان المقدم هو
الملزوم والتالي هو اللازم وهكذا كل شرط وجزاء فالشرط ملزوم والجزاء لازم
له
وهذا إذا جعل بصيغة الاقترانى فقيل هذا مصل وكل مصل متطهر فهذا
متطهر أو قيل هذا ليس بمتطهر ومن لا يكون متطهرا ليس بمصل فهذا ليس بمصل
والقضية الكلية فيه ان كل مصل متطهر وأن كل من ليس بمتطهر فليس بمصل
فالسالبة والموجبة كلاهما كليتان وهذه الكلية معروفة بنص الشارع ليست مما
عرفت بالعقل ولو كانت مما تعرف بالعقل المجرد لعرفت ب قياس التمثيل مع انها
تصاغ ب قياس التمثيل فيقال هذا مصل فهو متطهر كسائر المصلين او هذا ليس
بمتطهر فليس بمصل كسائر من ليس بمتطهر ثم يبين أن الجامع المشترك مستلزم
للحكم كما في الاول
وكذلك الشرطي المنفصل الذي هو التقسيم والترديد
إذا قيل هذا إما أن يكون شفعا أو وترا ونحو ذلك قيل هذا لا يخلو من كونه
شفعا او وترا ولا يجتمع هذاوهذا معا وهو شفع فلا يكون وترا أو هو وتر فلا
يكون شفعا وهذه القضية معلومة بالبديهة لكن تصور أفرادها أبين من تصور
كليتها فلا يحتاج شئ من أفرادها أن يبين بالقياس الكلى المنطقي فانه أي شئ
علم انه شفع علم انه ليس بوتر بدون ان يوزن بامر كلى عنده ولا بقياس على
نظيره فلا يحتاج ان يقال وكل شفع فليس بوتر أو كل وتر فليس بشفع
وهذا
كما تقدم التنبيه عليه ان ما يثبتونه بالقضايا الكلية تعلم مفرداتها بدون
تلك القضايا بل وتعرف بدون قياس التمثيل فاذا عرف ان هذا الثوب او غيرة
اسود عرف انه ليس بأبيض بدون أن يقال كل اسود فانه ليس بابيض وهذه الكلية
من أن كل أسود لا يكون ابيض يعرف بدون أن يعرف أن كل ضدين لا يجتمعان ولو
أثبت تلك المعينات بهذه الكلية لا حتيج أن يبين أنهما ضدان فانه لا يعلم
انهما
ضدان حتى يعلم انهما لا يجتمعان وإذا علم انهما لا يجتمعان
أغنى ذلك عن الاستدلال عليه بكونهما ضدين
فعلم انه لا يحتاج أن يبين
ما يندرج في هذا الكلى لا من الانواع ولا من الاعيان المعينة به بل العلم
بها أبين من العلم بهذه الكلية بل إذا أرادوا أن يبينوا ان الضدين لا
يجتمعان قالوا المراد بالضدين هما الوصفان الوجوديان الذان لا يجتمعان في
محل واحد كالسواد والبياض فيعود الامر الى تعريفهم مرادهم بهذا اللفظ وأما
بيان ما دل عليه من المعاني المعقولة فلا يحتاج الى الاستدلال عليه بالكلى
وكذلك في النقيضين وكذلك في الشرط والمشروط والعلة والمعلول وسائر هذه
الامور الكلية إبطال القول باقتران العلة والمعلول في الزمان
ولهذا من لم يحكم معرفة هذا وإلا التبست عليه المعقولات ودخل عليه غلطهم
سواء كانوا قد غلطوا هم في التصور وهو الغالب على أئمتهم أو كانوا يقصدون
التغليط كما يفعله بعضهم
مثال ذلك انه إذا قيل لهم في مسئلة حدوث
العالم كيف يكون العالم مفعولا مصنوعا للرب وهو مساوق له أزلا وأبدا مقارن
له في الزمان هذا مما يعلم فساده بضرورة العقل فان المفعول لا يكون مقارنا
للفاعل في الزمان قالوا بل هذا ممكن وهو أن تقدم العلة على المعلول تقدما
عقليا لازما كتقدم حركة اليد على حركة الخاتم الذي فيها وتقدم الشمس على
الشعاع وتقدم الحركة على الصوت الناشئ عنها ثم إن كان ممن تكلم في العلة
والمعلول المذكور في الصفات والاحوال وهو يقول العلم علة كون العالم عالما
كما يقوله مثبتوا الاحوال من النظار كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي في أول
قوليه والقاضي أبي يعلى وأمثالهم فانه قد ألف أن العلة والمعلول متلازمان
مقترنان فلا يستنكر مثل هذا هنا
ولهذا غلط بسبب متابعتهم في هذا طوائف
من الفقهاء في الفقه كأبي المعالي واتباعه ابي حامد والرافعي وغيرهم فادعوا
شيئا خالفوا فيه جميع أئمة الفقه المتقدمين من اصحاب الائمة الاربعة
وغيرهم ولم يقله الشافعي ولا احد من ائمة أصحابه ولا غيرهم وهو انه إذا قال
لامرأته إذا شربت أو زنيت أو فعلت كذا فأنت طالق وقصده أن يقع بها الطلاق
إذا وجد ذلك الشرط أو قال إذا أعطيتني الفا فأنت طالق أو قال إذا طلقتك
فانت طالق طلقة أخرى أو إذا وقع عليك طلاقي فانت طالق أو قال مثل ذلك في
العتق فزعموا ان الحكم المعلق بشرط يقع هو والشرط معا في زمن واحد بناء على
أن الشرط علة للحكم والمعلول يقارن العلة في الزمان
وهذا خطأ شرعا
ولغة وعقلا أما الشرع فان جميع الاحكام المعلقة بالشروط لا تقع شئ منها إلا
عقيب الشروط لا تقع مع الشروط والفروع المنقولة عن الائمة تبين ذلك واما
لغة فإن الجزاء عند أهل اللغة يكون عقب الشرط وبعده ولا يكون الجزاء مع
الشرط في الزمان ولهذا قد يكون الجزاء مما يتأخر زمانه كقوله تعالى ف من
يعلم مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره الزلزال وفي النذر إذا
قال إن شفى الله مريضى فعلى صوم سنة فلا يجب عليه الصوم إلا بعد الشفاء لا
مقارنا للشفاء ولا في زمن الشفاء وكذلك إذا قال إن سلم الله مالى الغائب
وكذلك إذا قال من رد عبدي الآبق أو بنى لى هذا الحائط ونحو ذلك وأيضا فهذا
يذكر بحرف الفاء والفاء للتعقيب يوجب ان يكون الثاني عقيب الاول لا معه
وأما عقلا فلأن الاول هنا كالفاعل
الموجب للثاني ولا يعرف قط أن
الفاعل يقارنه مفعوله
وما ذكروه من اقتران العلة العقلية لمعلولها ك
العلم والعالمية فجوابه أنه عند جماهير العقلاء ليس هنا علة ومعلول بل
العلم هو العالمية وهذا مذهب جمهور نظار اهل السنة والبدعة وهو نفي الاحوال
فلا علة ولا معلول وإن جعلت المعلول الحكم بكونه عالما والخبر عنه بكونه
عالما فهذا قد يتأخر عن العلم وعلى قول من أثبت الحال هو يقول إنها ليست
موجودة ولا معدومة فليست نظير المعلولات الوجودية
وأيضا فهولاء يقولون
إن العالم فاعل للعالمية ولا هو جاعل العالمية ولا هذا عنده من باب تأثير
الوجود كالاسباب والعلل فان كونه عالما لازم للعلم بما يلزم العلم انه علم
ليس هذا مثل كون قطع الرقبة سببا للموت ولا كون الاكل سببا للشبع من
الاسباب التي خلقها الله فكيف بالاسباب التي يصنعها العباد كقوله إذا زنيت
فأنت طالق فهنا علق حادثا بحادث وحكم بكون ذلك الاول سببا للثاني فأين هذا
من العلم والعالمية وإنما غرهم الاشتراك في لفظ العلة
وكذلك المتفلسفة
ليس في جميع ما مثلوا به علة فاعله قارنت مفعولها في الزمان فحركة اليد
ليست هي الفاعلة لحركة الخاتم بل المحرك لهما واحد ولكن حركتهما متلازمة
لاتصال الخاتم باليد كحركة بعض اليد مع بعض وكما يقال حركت يدى فتحرك
الخاتم وكما يقال حركت كفى فتحركت اصابعي وليست حركة الكف فاعلة لحركة
الاصابع وإن قدر انها بعدها لم يسلم اقترانهما في الزمان بل تكون كأجزاء
الزمان المتصل بعضها ببعض فانه لا فصل بينهما وإن كان الجزء الثاني متصلا
بالاول كذلك أجزاء الحركة كحركة الظل وغيره كل جزء منها يحدث بعد الاخر وفي
الزمان الذي يلى حركة الجزء الاول فأما أن يقال الحركتان وجدتا معا
وأحدهما فاعلة للاخرى فهذا باطل
وأيضا فان المعروف أنه إذا قيل حركت
يدى فتحرك خاتمى او المفتاح في
كمى ونحو ذلك إذا تحرك بحركة تخصه
مثل ان يكون الخاتم ملقى فاذا حرك يده علق في يده فتحرك وهذه الحركة بعد
حركة اليد في الزمان واما إذا كان الخاتم متصلا بالاصبع ثابتا فيها وإنما
يتحرك كما تتحرك الاصابع فالمحرك للجميع واحد ولو كان الانسان نائما او
ميتا فرفع رجل يده وفيها الخاتم لكانت أيضا متحركة بحركة اليد وهى حركة
واحدة شملت الجميع لاتصال بعضه ببعض ليس هنا حركتان إحداهما سبب الاخرى
فضلا عن ان تكون فاعلة لها ومن قال في مثل هذا حركت يده فتحرك خاتمه فانما
هو كقوله فتحركت اليد فانما يريد بذلك أن الحركة شملت الجميع ولم يرد بذلك
أن حركة اليد كانت سببا للحركة الاولى ولا نعرف عاقلا يقول هذا ويقصد هذا
وإن قدر انه وجد فليس قوله حجة على سائر العقلاء ومن رفع يد ميت أو نائم
وفيها خاتم لم تكن حركة بعض ذلك سببا لبعض بل الجميع موجود في زمان واحد
لفاعل واحد وسبب واحد
فبطل أن يكون في الوجود سبب يقارن مسببه في
الزمان بل لا يكون إلا قبله فكيف بالفاعل المستقل وإنما الذي يقارن الشئ في
الزمان شرطه وتقدم الواحد على الاثنين هو من هذا الباب لا من باب تقدم
الشرط على المشروط وحركة الخاتم مع اليد هي من باب المشروط مع الشرط ليست
من باب المفعول مع الفاعل ولكن لفظ العلة فيه إجمال
وكذلك الصوت مع
الحركة فان الصوت يحدث عقيب الحركة وغايته أن يكون معها كالجزء الثاني من
الحركة مع الاول والحركة المتصلة والزمان المتصل ليس بعضه مع بعض في الزمان
فغاية الصوت مع الحركة أن تكون كذلك وكذلك الشعاع مع ظهور الشمس مع أن
الشمس ليست فاعلة للشعاع بل الشعاع يحدث في الارض إذا قابل الشمس ما ينعكس
الشعاع عليه وكذلك الحركة ليست
هى الفاعلة للصوت ولكن الشمس شرط في
الشعاع والحركة شرط في الصوت
وأما فاعل يبدع مفعوله ويكون مقارنا له
في الزمان فهذا لا يوجد قط لكن لفظ العلة فيه إجمال ف العلة الفاعلة شئ
والعلة التي هي شرط شئ آخر والشرط قد يقارن المشروط في زمانه بخلاف الفاعل
فانه لا بد ان يتقدم فعله على المعين وإذا قدر انه لم يزل فاعلا فكل جزء من
أجزاء الفعل مسبوق بجزء آخر وإن كان نوع الفعل لم يزل فلا يتصور أن يكون
فعله أو مفعوله معينا مع الله أزلا وابدا وإن قيل إنه لم يزل فاعلا بمشيئته
فدوام نوع الفعل شئ ودوام الفعل المعين والمفعول المعين شئ آخر
والذي
أخبرت به الرسل ودلت عليه العقول واتفق عليه جماهير العقلاء من الاولين
والاخرين أن الله خالق كل شئ وأن كل ما سواه فهو مخلوق له وكل مخلوق محدث
مسبوق بالعدم وأما تغيير هولاء للفظ المحدث وقولهم إنا نقول إنه محدث حدوثا
ذاتيا بمعنى أنه معلول فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه فان المحدث معلوم
انه قد كان بعد أن لم يكن وأنه مفعول أحدثه محدث إحداثا وما لم يزل ولا
يزال فلا يسميه أحد من العقلاء في لغة من اللغات محدثا بل ولا يقول أحد من
العقلاء أنه مفول مصنوع مخلوق ولا يقول أحد أنه ممكن يمكن وجوده ويمكن عدمه
إلا هذه الشرذمة من الفلاسفة
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الطريق التاسع
الحادي عشر
بين اللوازم القريبة والبعيدة بأن
القريبة ما كان بين اللزوم وادعيت ان ما كان بين اللزوم وهو ما ثبت بغير
وسط يجب ان يعلم إذا تصور الملزوم فلا يفتقر الى وسط وقد فسرت ذلك في آخر
الأمر بأن المراد إذا تصور الملزوم واللازم جميعا فيجب ان يعلم الملزوم
فيقال لك وهكذا ايضا إذا تصور اللازم الأول ولازمه الثاني فقد تصور الملزوم
ولازمه القريب فيجب ان يتصور لزومه له وقد كان تصور لزوم الأول فيلزم ما
فررت منه من انه إذا عرف لزوم الأول عرف لزوم سائر اللوازم فإذا شرطت في
العلم بلزوم الأول حضورهما جميعا فكذلك فاشرطه في العلم بلزوم الثاني وإن
حذفت الشرط في الثاني فاحذفه من الأول حتى يكون الكلام عدلا
وعلى
التقديرين يلزم بطلان الفرق بين لازم ولازم بأن هذا بوسط وبأن هذا بغير وسط
اذا فسر الوسط بوسط في نفس الأمر وبطلان ما ادعوه من ان اللازم بغير وسط
يجب العلم به بلا دليل وان اللازم بوسط لا يعلم إلا بالعلم بالوسط فما
ادعوه من هذا وهذا باطل فبطل ما ذكروه من دليل الفرق بين الأوليات
والمشهورات وهو المطلوب الطريق الثاني عشر
حصول له فضلا عن ان يفتقر الى علة لحصوله ولكن تصورها
في الذهن يتوقف على المضافين وهذا مما قدمنا انه حق وهو مبطل لما قاله الطريق
الثالث عشر
ثم ذكر برهانا اخر على ما ادعاه من ان ما كان لزومه بغير وسط كان بينا
فقال برهان اخر وهو انا اذا عقلنا ماهية فانه تبقى بعض لوازمها مجهولة
ويمكننا تعرف تلك اللوازم المجهولة فلو لا وجود لوازم بينه الثبوت للشيء
والا لزم التسلسل واما عدم تعرف تلك اللوازم وكلاهما باطلان
قال وهذا
البرهان كاف في اثبات اصل المقصود من ان الصفات اللازمة في نفسها يلزم
بعضها بوسط في نفس الامر وبعضها بغير وسط وانما يدل هذا على ان الانسان قد
يتبين له لزوم بعض اللوازم بلا دليل وبعضها لا يتبين الا بدليل
وهذا
لا ريب فيه لكن الدليل كل ما كان مستلزما للمدلول لا يختص بما يكون علة
للمدلول ولا بعض اللوازم في نفس الامر علة لبعض ولا كل ما كان بينا لزيد
يجب ان يكون بينا لعمرو
فتبين ان الفرق الذي ذكره بين الاوليات
والمشهورات من ان الاولى هو الذي يكون حمله على موضوعه اولا في الوجودين
حملا ثانيا غلط لا يستقيم الا
في الوجود الخارجي فانه ليس في اللوازم
ترتيب حتى يكون بعضها اولا وبعضها ثانيا ولا في الذهن فان الوسط انما هو
الدليل فيعود الفرق الى ان الاوليات ما لا يفتقر الى دليل والنظريات ما
يفتقر الى دليل وهذا كلام صحيح متفق عليه لا يحتاج الى ما ذكروه ولكن هذا
يوجب كون القضية اولية ونظرية هو من الامور الاضافية فقد تكون بديهية لزيد
نظرية لعمرو باعتبار تمام التصور فمتى تصور الشيء تصورا اتم من تصور غيره
تصور من لوازمه ما لم يتصوره ذو التصور الناقص فلم يحتج في معرفته بتلك
اللوازم الى وسط واحتاج صاحب التصور الناقص الى وسط وايضا فهذا لا يوجب كون
المشهورات ليست يقينية كما سنذكره ان شاء الله رد ابن سينا
تفريقهم بين الصفات الذاتية واللازمة
لازم بغير وسط وقد بان انه
ممتنع الرفع في الوهم فلا يلتفت اذا الى ما يقال ان كل ما ليس بمقوم فقد
يصح رفعه من الوهم ومن امثلة كون كل عدد مساويا للاخر او مفاوتا
قلت
مقصوده بهذا الرد على من قال من المنطقيين ان الفرق بين الصفة الذاتية
والعرضية اللازمة ان ما ليس بذاتي يمكن رفعه في الوهم فيمكن تصور الموصوف
بدون تصوره بخلاف الذاتي فتبين ان اللوازم لا بد ان تنتهي الى لازم بين لا
يفتقر الى وسط وذاك يمتنع رفعه في الوهم اذا تصور الموصوف وهذا الذي قاله
جيد وهو يبطل الفرق الذي هو عمدتهم
ولهم فرق ثان بأن الذاتي ما لا
يفتقر الى علة واللازم ما يفتقر الى علة والعلة هي الوسط وهذا الفرق افسد
من الذي قبله فان كون بعض الصفات اللازمة تفتقر الى علة دون بعض باطل ثم
سواء قيل يفتقر الى علة او وسط وسواء جعل ذلك هو الدليل او هو ايضا علة
لثبوته في الخارج فان من اللوازم ما لا يفتقر الى علة فبطل هذا الفرق
الثاني
والفرق الثالث التقدم في الذهن او في الخارج وهو ان الذاتي ما
لا يمكن تصور الموصوف الا بعد تصوره بخلاف اللازم العرضي فانه متصور بعد
تصور الملزوم والذاتي هو المقوم وهذا الفرق ايضا فاسد فان الصفة لا تتقدم
على الموصوف في الخارج اصلا واما في الذهن فقد تتصور الصفة والموصوف جميعا
فلا يتقدم تصور الصفة وبتقدير التقدم فهذا يختلف باختلاف التصور التام
والناقص لا باختلاف اللوازم نفسها
فعلى هذه الفروق الثلاثة او احدها
يعتمدون حتى الذين صاروا يجعلون المنطق في اول اصول الفقه من المتأخرين هذا
عمدتهم كما يذكر ذلك الامدي وابن الحاجب وغيرهما وكلها باطلة اما التقدم
الخارجي فمن المعلوم بصريح العقل
ان الصفة القائمة بالموصوف والعرض
القائم بالجوهر لا يعقل تقدمه عليه بوجه من الوجوه بل اذا اعتبر تقدم عقلي
او غيره فالذات متقدمة على الصفات
واما في التصور فالتصور مراتب
متعددة يكون مجملا ومفصلا فالانسان قد يخطر له الانسان ولا يستحضر شيئا من
صفاته فهذا تصوره تصورا مجملا وقد يخطر له مع ذلك انه ناطق كما قد يخطر له
مع ذلك انه ضاحك واذا تصور الحيوان قد يخطر له انه حساس كما قد يخطر له انه
متحرك بالارادة وكما يخطر له انه متألم او متلذذ وانه يحب ويبغض واذا تصور
ان الانسان حيوان ناطق ولم يتصور الحيوان مفصلا لم يكن قد تصور الانسان
مفصلا فما من صفة لازمة الا ويمكن وجودها في التصور المفصل وحذفها في
التصور المجمل
وحينئذ فقول القائل ان الذاتي ما لا يتصور الموصوف الا
بعد تصوره ان ادعاه في كل تصور فهذا باطل وهو ممن يسلم بطلانه فانه يقول
قولك عن الانسان انه حيوان ناطق حمد تام يفيد تصور حقيقته ومع هذا لم يتصور
الذاتيات مفصلة فانه لم يستحضر في ذهنه ان الحيوان هو الجسم الحساس النامي
المتحرك بالارادة فثبت انهم يجعلونه متصور الحقيقة بدون استحضار الذاتيات
على وجه التفصيل فلا يجب في كل ذاتي ان يتقدم تصوره المفصل
واما
التصور المجمل فلا يجب فيه استحضار شيء من الصفات وتصور الانسان مجملا
كتصور الحيوان مجملا ومعلوم ان الموصوف يشاركه غيره في صفات ويفارقه في
صفات فاذا لم يجب ذكر جميع الصفات المشتركة على وجه التفصيل فدعوى الاكتفاء
ببعضها دون بعض تحكم محض واذا كانت حقيقة الانسان عندهم متصورة بدون تصور
الصفات الذاتية المشتركة على وجه التفصيل علم ان ما ذكروه من ان
الذاتي ما لا يمكن تصور الموصوف بدونه باطل وان اكتفوا بالتصور المجمل فمن
تصور الانسان مطلقا فقد دخل في جميع ذلك صفاته وبسط هذا له موضع اخر
والمقصود هنا الكلام على ما فرقوا به بين الاوليات والمشهورات من ان
الاوليات ليس بين الموصوف وصفته وسط في نفس الامر بخلاف غيره وقد تبين
بطلان هذا الفرق طردا وعكسا وانه قد يكون من اللوازم التي لا وسط لها في
نفس الامر ما يفتقر الى دليل ومن اللوازم التي يدعون افتقارها الى وسط ما
يعلم ثبوته بلا دليل وان التفريق بين اللوازم بوسط في نفس الامر باطل وان
الوسط الذي هو الدليل يختلف باختلاف احوال الناس ليس هو امرا لازما للقضايا
فهذه عدة اوجه من هذا الطريق الاول النوع الثاني
لا دليل
على دعواهم ان المشهورات ليست من اليقينيات
والنفاة للحسن والقبح العقليين
من ائمة
اصحاب احمد كأبي علي بن ابي هريرة و ابي بكر القفال الشاشي وغيرهما من
الشافعية وكذلك من اصحاب مالك وكذلك اهل الحديث كأبي نضر السجزي وابي
القاسم سعد بن علي الزنجاني وغيرهما
بل هؤلاء ذكروا ان نفي ذلك هو من
البدع التي حدثت في الاسلام في زمن ابي الحسن الاشعري لما ناظر المعتزلة في
القدر بطريق الجهم بن صفوان ونحوه من ائمة الجبر فاحتاج الى هذا النفي
قالوا والا فنفي الحسن والقبح العقليين مطلقا لم يقله احد من سلف الامة ولا
ائمتها بل ما يؤخذ من كلام الائمة والسلف في تعليل الاحكام وبيان حكمة
الله في خلقه وامره وبيان ما فيما امر الله به من الحسن الذي يعلم بالعقل
وما في مناهيه من القبح المعلوم بالعقل ينافي قول النفاة
والنفاة ليس
لهم حجة في النفي اصلا وقد استقصى ابو الحسن الآمدي ما ذكروه من الحجج وبين
انها عامتها فاسدة وذكر هو حجة اضعف من غيرها وهو ان الحسن والقبح عرض
والعرض لا يقوم بالعرض فان اثبات هذا لا
يحتاج الى قيام العرض
بالعرض كما توصف الاعراض بالصفات وجميع ذلك قائم بالعين الموصوفة فنقول هذا
سواد شديد وهذه حركة سريعة وبطيئة وهم يسلمون ان كون الفعل صفة كمال او
صفة نقص او ملائما للفاعل او منافرا له قد يعلم بالعقل وهذه صفات للفعل وهي
قائمة بالموصوف
ومن الناس من يظن ان الحسن والقبح صفة لازمة للموصوف
وان معنى كون الحسن صفة ذاتية له هذا معناه وليس الامر كذلك بل قد يكون
الشيء حسنا في حال قبيحا في حال كما يكون نافعا ومحبوبا في حال وضارا
وبغيضا في حال والحسن والقبح يرجع الى هذا وكذلك يكون حسنا في حال وسيئا في
حال باعتبار تغير الصفات
والحسن والقبح من افعال العباد يرجع الى كون
الافعال نافعة لهم وضارة لهم وهذا مما لا ريب فيه انه يعرف بالعقل ولهذا
اختار الرازي في اخر امره ان الحسن والقبح العقليين ثابتان في افعال العباد
واما اثبات ذلك في حق الله تعالى فهو مبني على معنى محبة الله ورضاه وغضبه
وسخطه وفرحه بتوبة التائب ونحو ذلك مما قد بسط في غير هذا الموضع وهل ذلك
صفات ليست هي الارادة كما اتفق عليه السلف والائمة او ذلك هو الارادة
بعينها كما يقوله من يقوله من المعتزلة والجهمية ومن وافقهم بيان
ان قضايا التحسين والتقبيح من اعظم اليقينيات
من
حكى عنهم القول بذلك والتحقيق انهم في ذلك متنازعون مضطربون كما في امثال
ذلك
فنقول دعوى المدعي ان هذه القضايا ليست من اليقينيات دعوى باطلة
بل هذه من اعظم اليقينيات المعلومة بالعقل وذلك ان التصديق مسبوق بالتصور
فينبغي ان ننظر معنى قولنا العدل حسن والظلم قبيح ثم ننظر في ثبوت هذا
المحمول لهذا الموضوع ولنتكلم في عدل الناس وظلمهم
فنقول الناس اذا
قالوا العدل حسن والظلم قبيح فهم يعنون بهذا ان العدل محبوب للفطرة يحصل
لها بوجوده لذة وفرح نافع لصاحبه ولغير صاحبه يحصل به اللذة والفرح وما
تتنعم به النفوس واذا قالوا الظلم قبيح فهم يعنون به انه ضار لصاحبه ولغير
صاحبه وانه بغيض يحصل به الالم والغم وما تتعذب به النفوس ومعلوم ان هذه
القضايا هي في علم الناس لها بالفطرة وبالتجربة اعظم من اكثر قضايا الطب
مثل كون السقمونيا تسهل الصفراء فلم كانت التجربيات يقينية وهذه التي هي
اشهر منها وقد جربها الناس اكثر من تلك لا تكون يقينية مع ان المجربين لها
اكثر واعلم واصدق وجزئياتها في العالم اكثر من جزئيات تلك والمخبرون بذلك
عنها ايضا اكثر واعلم واصدق
فان الانسان من نفسه يجد من لذة العدل
والصدق والعلم والاحسان والسرور بذلك ما لا يجده من الظلم والكذب والجهل
والناس الذين وصل اليهم ذلك والذين لم يصل اليهم ذلك يجدون في انفسهم من
اللذة والفرح والسرور بعدل العادل وبصدق الصادق وعلم العالم واحسان المحسن
ما لا يجدونه في الظلم والكذب والجهل والاساءة ولهذا يجدون في انفسهم محبة
لمن فعل ذلك وثناء عليه ودعاء له وهم مفطورون على محبة ذلك واللذة به لا
يمكنهم دفع ذلك من انفسهم كما فطروا على وجود اللذة بالاكل والشرب والالم
بالجوع والعطش فلم كانت تلك القضايا من اليقينيات المعلومة بالحس والعقل
كالتجربة وغيرها ولم تكن هذه من القضايا
العقلية المعلومة ايضا
بالحس والعقل والامر فيها اعظم واللذة التي توجد بهذه لذة روحانية عقلية
شريفة والانسان كلما كمل عقله كانت هذه اللذة احب اليه من تلك اللذة
ثم الفلاسفة اثبتوا معاد الارواح واللذة العقلية وهي مبنية على هذه القضايا
التي سموها المشهورات فان لم تكن معلومة كان ما اثبتوه من ذلك ليس فيه شيء
من العلم بل يقولون ما يقوله غيرهم من ان اللذات الباطنة اقوى واشرف من
اللذات الظاهرة ويدعون الضرورة في اثبات لذة وراء اللذات الحسية الظاهرة
واذا كانت اللذة اما ادراك الملائم كما قد يزعمونه او هي تابعة ولازمة
للادراك الملائم كما يقوله غيرهم وهو الصحيح فمعلوم ان العلم والعدل والصدق
والاحسان ملائم لبني آدم فيكونوا ملتذين بذلك بل يكون التذاذهم بذلك اعظم
من غيره وهذا معنى كون الفعل حسنا ومعنى كونه قبيحا ضد ذلك
واذا تصور
معنى الحسن والقبح علم ان هذه المشهورات من اعظم اليقينيات فانها ما اتفقت
عليها الامم لما علموه بالحس والعقل والتجربة بل اتفاق الناس على هذه اعظم
من اتفاقهم على عامة ما يذكرونه وقد يعيش طوائف من الناس زمانا لا تخطر لهم
القضايا الكلية العقلية التي جعلوها مبادى العلم كقول القائل النفي
والاثبات لا يجتمعان وان يعلم ان هذا الشيء المعين اذا كان موجودا لم يكن
معدوما لكن قد لا تخطر لهم القضية الكلية بل وقد لا يخطر لهم تقدير اجتماع
وجوده وعدمه فان هذا التقدير ممتنع فلا يخطر لاكثر الناس ولا توجد طائفة
الا وهي تحسن العدل والصدق والعلم وتقبح ضد ذلك
وايضا ف الحكمة عندهم
وعند سائر الامم نوعان علم وعمل وهذه الحكمة عند المسلمين قال مالك رحمه
الله الحكمة معرفة الدين والعمل به ولذلك قال ابن قتيبة الحكمة عند العرب
العلم و العمل و الحكمة العملية عندهم و عند غيرهم
تتضمن علم
الأخلاق وسياسة المنزل وسياسة المدنية وبنى ذلك كله على هذه القضايا
المشهورة بل وكل عمل يؤمر به فلا بد فيه من العدل فالعدل مأمور به في جميع
الأعمال والظلم منهى عنه نهيا مطلقا
ولهذا جاءت أفضل الشرائع والمناهج
بتحقيق هذا كله وتكلميه فأوجب الله العدل لكل أحد على كل أحد في كل حال
كما قال تعالى يأيها الذين أمنوا كونوا قومين بالقسط شهداء لله ولو على
أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن فقيرا أو غنيا فالله أولى بهما فلا
تتبعوا الهوى أن تعدلوا و قال تعالى وقال تعالى يأيها الذين امنوا كونوا
قومين لله شهدآء بالقسط ولا يجر منكم شنان قوم أي يحملنكم بغض قوم كعدوكم
الكفار على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى وقال تعالى لقد أرسلنا رسلنا
بالبينت وأنزلنا معهم الكتب والميزان ليقوم الناس بالقسط وقال تعالى إن
الله يأمركم أن تؤدوا الامنت الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا
بالعدل النساء وقال تعالى إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتآئى ذى القربى
وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون النحل ومثل هذا كثير
وكذلك تحريم الظلم بمجموع أنواعه كثير في النصوص الالهية حتى في الحديث
الالهى حديث ابي ذر الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي ص - فيما يرويه عن
ربه تبارك وتعالى أنه قال يا عبادي إنى حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم
محرما فلا تظالموا يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب
جميعا ولا أبالي فاستغفروني اغفر لكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته
فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا
عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرى
فتضروني ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى يا عبادي لو ان أولكم وأخركم وإنسكم
وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكى شيئا يا عبادي
لو ان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص
ذلك من ملكى شيئا يا عبادي لو أن اولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد
واحد فسألونى فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكى إلا كما
ينقص البحر إذا غمس فيه المخيط يا عبادي إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم
اوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه
والمقصود أن الحكمة العملية كلها مبنية على هذه القضايا والنفس لها
قوتان العلمية والعملية والعمل لا بد ان يكون بعلم فان لم يكن هذه القضايا
معلومة لم يكن شئ من الحكمة العملية معلوما ولا شئ من الاعمال والاخلاق
المحمودة والمذمومة معلوما وهذا مع ما فيه من المناقضة لما يقولونه هو
وغيرهم من العقلاء فهو مكابرة ظاهرة مع أنا في هذا النوع من الكلام لم نقصد
إقامة الدليل على فساد قولهم بل صورناه لتعلم حقيقته وطالبناهم بالدليل
على أن هذه المشورات ليست يقينية فانهم لم يذكروا على ذلك دليلا اصلا
وسنتكلم على ما توهموه دليلا من
انه قال ان ذات العلة والمعلول يعني اللازم
والملزوم بغير وسط عند تصورهما يجب حصول التصديق بانتساب احدهما الى الاخر
فيقال هذا اول الدعوى فانه ان اراد بالتصور التام الذي يحصل معه تصور
الملزوم فهذا حق ولكن لا ينفعه فانه ادعى ان مطلق عقل الماهية يوجب ذلك
وايضا فانا نلزمه مثل ذلك في جميع الملزومات انها متى تصورت تصور اللازم
وهو باطل وايضا فانا نحن نلتزم مثل ذلك في التصور التام فنقول في جميع
اللوازم متى تصور الملزوم تصورا تاما يحصل به تصور الملزوم حصل معه العلم
بأن هذا لازم وان لم يحصل هذا التصور لم يجب العلم باللازم في شيء من
الامور كما سيأتي ذكر ذلك
وقوله متى تصورنا حقيقة العلة وحقيقة
المعلول امتنع عند ذلك ان لا نصدق بثبوت احدهما للاخر ان اراد التصور التام
فهذا مشترك بين جميع اللوازم وان اراد غيره فالحكم ممنوع وهو انما ادعى ان
مطلق عقل الماهية يوجب ذلك وقد بينا ان عقلها او تصورها ينقسم الى تام
وغير تام وان ما ذكره انما يلزم في التام
الطريق العاشروالملزوم بغير وسط عند تصورهما يجب حصول التصديق بانتساب احدهما الى الاخر
فيقال هذا اول الدعوى فانه ان اراد بالتصور التام الذي يحصل معه تصور
الملزوم فهذا حق ولكن لا ينفعه فانه ادعى ان مطلق عقل الماهية يوجب ذلك
وايضا فانا نلزمه مثل ذلك في جميع الملزومات انها متى تصورت تصور اللازم
وهو باطل وايضا فانا نحن نلتزم مثل ذلك في التصور التام فنقول في جميع
اللوازم متى تصور الملزوم تصورا تاما يحصل به تصور الملزوم حصل معه العلم
بأن هذا لازم وان لم يحصل هذا التصور لم يجب العلم باللازم في شيء من
الامور كما سيأتي ذكر ذلك
وقوله متى تصورنا حقيقة العلة وحقيقة
المعلول امتنع عند ذلك ان لا نصدق بثبوت احدهما للاخر ان اراد التصور التام
فهذا مشترك بين جميع اللوازم وان اراد غيره فالحكم ممنوع وهو انما ادعى ان
مطلق عقل الماهية يوجب ذلك وقد بينا ان عقلها او تصورها ينقسم الى تام
وغير تام وان ما ذكره انما يلزم في التام
ان يقال
ان كنت تعني باللزوم البين هذا فهكذا يفسر به لازم اللازم فيقال اذا تصور
اللازم الاول وتصور لازم لازمه امتنع حينئذ ان لا بعرف ان احدهما علة للاخر
فيلزم ما فررت منه وهو انه متى تصور شيئا تصور جميع لوازمه
الطريق ان كنت تعني باللزوم البين هذا فهكذا يفسر به لازم اللازم فيقال اذا تصور
اللازم الاول وتصور لازم لازمه امتنع حينئذ ان لا بعرف ان احدهما علة للاخر
فيلزم ما فررت منه وهو انه متى تصور شيئا تصور جميع لوازمه
الحادي عشر
قوله اذا اثبت ان تصور العلة انما يوجب التصديق بثبوت
المعلول القريب عند تصور المعلول ثم من الجائز ان لا يحصل تصور المعلول عند
تصور العلة لا جرم لا يلزم من العلم بحقيقة العلة العلم بكل اللوازم
القريبة والبعيدة فيقال له انت فرقت
المعلول القريب عند تصور المعلول ثم من الجائز ان لا يحصل تصور المعلول عند
تصور العلة لا جرم لا يلزم من العلم بحقيقة العلة العلم بكل اللوازم
القريبة والبعيدة فيقال له انت فرقت
بين اللوازم القريبة والبعيدة بأن
القريبة ما كان بين اللزوم وادعيت ان ما كان بين اللزوم وهو ما ثبت بغير
وسط يجب ان يعلم إذا تصور الملزوم فلا يفتقر الى وسط وقد فسرت ذلك في آخر
الأمر بأن المراد إذا تصور الملزوم واللازم جميعا فيجب ان يعلم الملزوم
فيقال لك وهكذا ايضا إذا تصور اللازم الأول ولازمه الثاني فقد تصور الملزوم
ولازمه القريب فيجب ان يتصور لزومه له وقد كان تصور لزوم الأول فيلزم ما
فررت منه من انه إذا عرف لزوم الأول عرف لزوم سائر اللوازم فإذا شرطت في
العلم بلزوم الأول حضورهما جميعا فكذلك فاشرطه في العلم بلزوم الثاني وإن
حذفت الشرط في الثاني فاحذفه من الأول حتى يكون الكلام عدلا
وعلى
التقديرين يلزم بطلان الفرق بين لازم ولازم بأن هذا بوسط وبأن هذا بغير وسط
اذا فسر الوسط بوسط في نفس الأمر وبطلان ما ادعوه من ان اللازم بغير وسط
يجب العلم به بلا دليل وان اللازم بوسط لا يعلم إلا بالعلم بالوسط فما
ادعوه من هذا وهذا باطل فبطل ما ذكروه من دليل الفرق بين الأوليات
والمشهورات وهو المطلوب الطريق الثاني عشر
انه قال في جواب
السؤال الثاني لا نسلم ان العلية مغايرة لحقيقة ذات العلة لكنا ندعي ان
تصور حقيقة العلة مع تصور حقيقة المعلول القريب يوجب العلم بكون العلة علة
لذلك المعلول فيقال هذا كلام مناقض لما تقدم مع تناقضه في نفسه فان العلية
ان لم تكن مغايرة لذات العلة بطل قولك ان ماهية العلة وحدها لا تكفي في
حصول العلية لان العلية امر اضافي والامور الاضافية لا تكفي في حصولها
الشيء الواحد فانها اذا لم تغايرها لم يكن هناك شيء يكون معلولا لا للعلة
ولا لها ولغيرها بل ولا هناك شيء يتصور اذا تصورت العلة والمعلول وان قيل
هي مغايرة في العلم لا في الاعيان فانها امر عدمي قيل وهذا يبطل قوله فان
العدم المحض لا
السؤال الثاني لا نسلم ان العلية مغايرة لحقيقة ذات العلة لكنا ندعي ان
تصور حقيقة العلة مع تصور حقيقة المعلول القريب يوجب العلم بكون العلة علة
لذلك المعلول فيقال هذا كلام مناقض لما تقدم مع تناقضه في نفسه فان العلية
ان لم تكن مغايرة لذات العلة بطل قولك ان ماهية العلة وحدها لا تكفي في
حصول العلية لان العلية امر اضافي والامور الاضافية لا تكفي في حصولها
الشيء الواحد فانها اذا لم تغايرها لم يكن هناك شيء يكون معلولا لا للعلة
ولا لها ولغيرها بل ولا هناك شيء يتصور اذا تصورت العلة والمعلول وان قيل
هي مغايرة في العلم لا في الاعيان فانها امر عدمي قيل وهذا يبطل قوله فان
العدم المحض لا
حصول له فضلا عن ان يفتقر الى علة لحصوله ولكن تصورها
في الذهن يتوقف على المضافين وهذا مما قدمنا انه حق وهو مبطل لما قاله الطريق
الثالث عشر
انهم قد زعموا ان اللوازم مترتبة في نفسها بالذات مستلزمة
للاول والثاني مستلزم للثالث والثالث للرابع وان ما كان لزومه بغير وسط
كان بينا لا يحتاج الى دليل وقد تناقض تفسيره لذلك لتناقض القول في نفسه
فيقال له أي شيء قلته في لزوم الاول للملزوم الاول يقال في اللازم الثاني
للاول سواء بسواء من كل وجه وحينئذ فأي شيء فسرت به العلم بلزوم الاول لا
يفتقر الى وسط يلزمك مثله في الثاني فيكون موجب برهانك ان من علم شيئا علم
جميع لوازمه وهذا في غاية الفساد
فصل برهان اخر للرازي على هذا التفريقللاول والثاني مستلزم للثالث والثالث للرابع وان ما كان لزومه بغير وسط
كان بينا لا يحتاج الى دليل وقد تناقض تفسيره لذلك لتناقض القول في نفسه
فيقال له أي شيء قلته في لزوم الاول للملزوم الاول يقال في اللازم الثاني
للاول سواء بسواء من كل وجه وحينئذ فأي شيء فسرت به العلم بلزوم الاول لا
يفتقر الى وسط يلزمك مثله في الثاني فيكون موجب برهانك ان من علم شيئا علم
جميع لوازمه وهذا في غاية الفساد
ثم ذكر برهانا اخر على ما ادعاه من ان ما كان لزومه بغير وسط كان بينا
فقال برهان اخر وهو انا اذا عقلنا ماهية فانه تبقى بعض لوازمها مجهولة
ويمكننا تعرف تلك اللوازم المجهولة فلو لا وجود لوازم بينه الثبوت للشيء
والا لزم التسلسل واما عدم تعرف تلك اللوازم وكلاهما باطلان
قال وهذا
البرهان كاف في اثبات اصل المقصود من ان الصفات اللازمة في نفسها يلزم
بعضها بوسط في نفس الامر وبعضها بغير وسط وانما يدل هذا على ان الانسان قد
يتبين له لزوم بعض اللوازم بلا دليل وبعضها لا يتبين الا بدليل
وهذا
لا ريب فيه لكن الدليل كل ما كان مستلزما للمدلول لا يختص بما يكون علة
للمدلول ولا بعض اللوازم في نفس الامر علة لبعض ولا كل ما كان بينا لزيد
يجب ان يكون بينا لعمرو
فتبين ان الفرق الذي ذكره بين الاوليات
والمشهورات من ان الاولى هو الذي يكون حمله على موضوعه اولا في الوجودين
حملا ثانيا غلط لا يستقيم الا
في الوجود الخارجي فانه ليس في اللوازم
ترتيب حتى يكون بعضها اولا وبعضها ثانيا ولا في الذهن فان الوسط انما هو
الدليل فيعود الفرق الى ان الاوليات ما لا يفتقر الى دليل والنظريات ما
يفتقر الى دليل وهذا كلام صحيح متفق عليه لا يحتاج الى ما ذكروه ولكن هذا
يوجب كون القضية اولية ونظرية هو من الامور الاضافية فقد تكون بديهية لزيد
نظرية لعمرو باعتبار تمام التصور فمتى تصور الشيء تصورا اتم من تصور غيره
تصور من لوازمه ما لم يتصوره ذو التصور الناقص فلم يحتج في معرفته بتلك
اللوازم الى وسط واحتاج صاحب التصور الناقص الى وسط وايضا فهذا لا يوجب كون
المشهورات ليست يقينية كما سنذكره ان شاء الله رد ابن سينا
تفريقهم بين الصفات الذاتية واللازمة
ولفظ ابن سينا في اشاراته قال
واما اللازم غير المقوم يخص باسم اللازم فان كان المقوم ايضا لازما فهو
الذي يصحب الماهية ولا يكون جزءا منها مثل كون المثلث مساوي الزوايا
القائمتين
قال وامثال هذا ان كان لزومها بغير وسط كانت معلومة واجبة
اللزوم وكانت ممتنعة الرفع من الوهم مع كونها غير مقومة وان كان لها وسط
بين يبين به علمت واجبة به
قال واعني ب الوسط ما يقرن بقولنا لانه كذا
وهذا الوسط ان كان مقوما للشيء لم يكن اللازم مقوما له لان مقوم المقوم
مقوم بل كان لازما له ايضا فان احتاج الى وسط تسلسل الى غير نهاية فلم يكن
وسطا وان لم يحتج فهناك لازم بين اللزوم بلا وسط وان كان الوسط لازما
متقدما واحتاج الى توسط لازم اخر او مقوم غير منته من ذلك الى لازم بلا وسط
تسلسل الى غير النهاية فلا بد في كل حال من
واما اللازم غير المقوم يخص باسم اللازم فان كان المقوم ايضا لازما فهو
الذي يصحب الماهية ولا يكون جزءا منها مثل كون المثلث مساوي الزوايا
القائمتين
قال وامثال هذا ان كان لزومها بغير وسط كانت معلومة واجبة
اللزوم وكانت ممتنعة الرفع من الوهم مع كونها غير مقومة وان كان لها وسط
بين يبين به علمت واجبة به
قال واعني ب الوسط ما يقرن بقولنا لانه كذا
وهذا الوسط ان كان مقوما للشيء لم يكن اللازم مقوما له لان مقوم المقوم
مقوم بل كان لازما له ايضا فان احتاج الى وسط تسلسل الى غير نهاية فلم يكن
وسطا وان لم يحتج فهناك لازم بين اللزوم بلا وسط وان كان الوسط لازما
متقدما واحتاج الى توسط لازم اخر او مقوم غير منته من ذلك الى لازم بلا وسط
تسلسل الى غير النهاية فلا بد في كل حال من
لازم بغير وسط وقد بان انه
ممتنع الرفع في الوهم فلا يلتفت اذا الى ما يقال ان كل ما ليس بمقوم فقد
يصح رفعه من الوهم ومن امثلة كون كل عدد مساويا للاخر او مفاوتا
قلت
مقصوده بهذا الرد على من قال من المنطقيين ان الفرق بين الصفة الذاتية
والعرضية اللازمة ان ما ليس بذاتي يمكن رفعه في الوهم فيمكن تصور الموصوف
بدون تصوره بخلاف الذاتي فتبين ان اللوازم لا بد ان تنتهي الى لازم بين لا
يفتقر الى وسط وذاك يمتنع رفعه في الوهم اذا تصور الموصوف وهذا الذي قاله
جيد وهو يبطل الفرق الذي هو عمدتهم
ولهم فرق ثان بأن الذاتي ما لا
يفتقر الى علة واللازم ما يفتقر الى علة والعلة هي الوسط وهذا الفرق افسد
من الذي قبله فان كون بعض الصفات اللازمة تفتقر الى علة دون بعض باطل ثم
سواء قيل يفتقر الى علة او وسط وسواء جعل ذلك هو الدليل او هو ايضا علة
لثبوته في الخارج فان من اللوازم ما لا يفتقر الى علة فبطل هذا الفرق
الثاني
والفرق الثالث التقدم في الذهن او في الخارج وهو ان الذاتي ما
لا يمكن تصور الموصوف الا بعد تصوره بخلاف اللازم العرضي فانه متصور بعد
تصور الملزوم والذاتي هو المقوم وهذا الفرق ايضا فاسد فان الصفة لا تتقدم
على الموصوف في الخارج اصلا واما في الذهن فقد تتصور الصفة والموصوف جميعا
فلا يتقدم تصور الصفة وبتقدير التقدم فهذا يختلف باختلاف التصور التام
والناقص لا باختلاف اللوازم نفسها
فعلى هذه الفروق الثلاثة او احدها
يعتمدون حتى الذين صاروا يجعلون المنطق في اول اصول الفقه من المتأخرين هذا
عمدتهم كما يذكر ذلك الامدي وابن الحاجب وغيرهما وكلها باطلة اما التقدم
الخارجي فمن المعلوم بصريح العقل
ان الصفة القائمة بالموصوف والعرض
القائم بالجوهر لا يعقل تقدمه عليه بوجه من الوجوه بل اذا اعتبر تقدم عقلي
او غيره فالذات متقدمة على الصفات
واما في التصور فالتصور مراتب
متعددة يكون مجملا ومفصلا فالانسان قد يخطر له الانسان ولا يستحضر شيئا من
صفاته فهذا تصوره تصورا مجملا وقد يخطر له مع ذلك انه ناطق كما قد يخطر له
مع ذلك انه ضاحك واذا تصور الحيوان قد يخطر له انه حساس كما قد يخطر له انه
متحرك بالارادة وكما يخطر له انه متألم او متلذذ وانه يحب ويبغض واذا تصور
ان الانسان حيوان ناطق ولم يتصور الحيوان مفصلا لم يكن قد تصور الانسان
مفصلا فما من صفة لازمة الا ويمكن وجودها في التصور المفصل وحذفها في
التصور المجمل
وحينئذ فقول القائل ان الذاتي ما لا يتصور الموصوف الا
بعد تصوره ان ادعاه في كل تصور فهذا باطل وهو ممن يسلم بطلانه فانه يقول
قولك عن الانسان انه حيوان ناطق حمد تام يفيد تصور حقيقته ومع هذا لم يتصور
الذاتيات مفصلة فانه لم يستحضر في ذهنه ان الحيوان هو الجسم الحساس النامي
المتحرك بالارادة فثبت انهم يجعلونه متصور الحقيقة بدون استحضار الذاتيات
على وجه التفصيل فلا يجب في كل ذاتي ان يتقدم تصوره المفصل
واما
التصور المجمل فلا يجب فيه استحضار شيء من الصفات وتصور الانسان مجملا
كتصور الحيوان مجملا ومعلوم ان الموصوف يشاركه غيره في صفات ويفارقه في
صفات فاذا لم يجب ذكر جميع الصفات المشتركة على وجه التفصيل فدعوى الاكتفاء
ببعضها دون بعض تحكم محض واذا كانت حقيقة الانسان عندهم متصورة بدون تصور
الصفات الذاتية المشتركة على وجه التفصيل علم ان ما ذكروه من ان
الذاتي ما لا يمكن تصور الموصوف بدونه باطل وان اكتفوا بالتصور المجمل فمن
تصور الانسان مطلقا فقد دخل في جميع ذلك صفاته وبسط هذا له موضع اخر
والمقصود هنا الكلام على ما فرقوا به بين الاوليات والمشهورات من ان
الاوليات ليس بين الموصوف وصفته وسط في نفس الامر بخلاف غيره وقد تبين
بطلان هذا الفرق طردا وعكسا وانه قد يكون من اللوازم التي لا وسط لها في
نفس الامر ما يفتقر الى دليل ومن اللوازم التي يدعون افتقارها الى وسط ما
يعلم ثبوته بلا دليل وان التفريق بين اللوازم بوسط في نفس الامر باطل وان
الوسط الذي هو الدليل يختلف باختلاف احوال الناس ليس هو امرا لازما للقضايا
فهذه عدة اوجه من هذا الطريق الاول النوع الثاني
لا دليل
على دعواهم ان المشهورات ليست من اليقينيات
النوع الثاني ان يقال
المراد ب المشهورات عندهم هي القضايا العلمية كلها مثل كون العدل حسنا
والظلم قبيحا والعلم حسنا والجهل قبيحا والصدق حسنا والكذب قبيحا والاحسان
حسنا ونحو ذلك من الامور التي تنازع الناس هل حسنها وقبحها بالعقل ام لا
المثبتةالمراد ب المشهورات عندهم هي القضايا العلمية كلها مثل كون العدل حسنا
والظلم قبيحا والعلم حسنا والجهل قبيحا والصدق حسنا والكذب قبيحا والاحسان
حسنا ونحو ذلك من الامور التي تنازع الناس هل حسنها وقبحها بالعقل ام لا
والنفاة للحسن والقبح العقليين
واكثر الطوائف على اثبات الحسن والقبح
العقليين لكن لا يثبتونه كما يثبته نفاة القدر من المعتزلة وغيرهم بل
القائلون بالتحسين والتقبيح من اهل السنة والجماعة من السلف والخلف كمن
يقول به من الطوائف الاربعة وغيرهم يثبتون القدر والصفات ونحوهما مما يخالف
فيه المعتزلة اهل السنة ويقولون مع هذا باثبات الحسن والقبح العقليين وهذا
قول الحنفية ونقلوه ايضا عن ابي حنيفة نفسه وهو قول كثير من المالكية
والشافعية والحنبلية كأبي الحسن التميمي وابي الخطاب وغيرهما
العقليين لكن لا يثبتونه كما يثبته نفاة القدر من المعتزلة وغيرهم بل
القائلون بالتحسين والتقبيح من اهل السنة والجماعة من السلف والخلف كمن
يقول به من الطوائف الاربعة وغيرهم يثبتون القدر والصفات ونحوهما مما يخالف
فيه المعتزلة اهل السنة ويقولون مع هذا باثبات الحسن والقبح العقليين وهذا
قول الحنفية ونقلوه ايضا عن ابي حنيفة نفسه وهو قول كثير من المالكية
والشافعية والحنبلية كأبي الحسن التميمي وابي الخطاب وغيرهما
من ائمة
اصحاب احمد كأبي علي بن ابي هريرة و ابي بكر القفال الشاشي وغيرهما من
الشافعية وكذلك من اصحاب مالك وكذلك اهل الحديث كأبي نضر السجزي وابي
القاسم سعد بن علي الزنجاني وغيرهما
بل هؤلاء ذكروا ان نفي ذلك هو من
البدع التي حدثت في الاسلام في زمن ابي الحسن الاشعري لما ناظر المعتزلة في
القدر بطريق الجهم بن صفوان ونحوه من ائمة الجبر فاحتاج الى هذا النفي
قالوا والا فنفي الحسن والقبح العقليين مطلقا لم يقله احد من سلف الامة ولا
ائمتها بل ما يؤخذ من كلام الائمة والسلف في تعليل الاحكام وبيان حكمة
الله في خلقه وامره وبيان ما فيما امر الله به من الحسن الذي يعلم بالعقل
وما في مناهيه من القبح المعلوم بالعقل ينافي قول النفاة
والنفاة ليس
لهم حجة في النفي اصلا وقد استقصى ابو الحسن الآمدي ما ذكروه من الحجج وبين
انها عامتها فاسدة وذكر هو حجة اضعف من غيرها وهو ان الحسن والقبح عرض
والعرض لا يقوم بالعرض فان اثبات هذا لا
يحتاج الى قيام العرض
بالعرض كما توصف الاعراض بالصفات وجميع ذلك قائم بالعين الموصوفة فنقول هذا
سواد شديد وهذه حركة سريعة وبطيئة وهم يسلمون ان كون الفعل صفة كمال او
صفة نقص او ملائما للفاعل او منافرا له قد يعلم بالعقل وهذه صفات للفعل وهي
قائمة بالموصوف
ومن الناس من يظن ان الحسن والقبح صفة لازمة للموصوف
وان معنى كون الحسن صفة ذاتية له هذا معناه وليس الامر كذلك بل قد يكون
الشيء حسنا في حال قبيحا في حال كما يكون نافعا ومحبوبا في حال وضارا
وبغيضا في حال والحسن والقبح يرجع الى هذا وكذلك يكون حسنا في حال وسيئا في
حال باعتبار تغير الصفات
والحسن والقبح من افعال العباد يرجع الى كون
الافعال نافعة لهم وضارة لهم وهذا مما لا ريب فيه انه يعرف بالعقل ولهذا
اختار الرازي في اخر امره ان الحسن والقبح العقليين ثابتان في افعال العباد
واما اثبات ذلك في حق الله تعالى فهو مبني على معنى محبة الله ورضاه وغضبه
وسخطه وفرحه بتوبة التائب ونحو ذلك مما قد بسط في غير هذا الموضع وهل ذلك
صفات ليست هي الارادة كما اتفق عليه السلف والائمة او ذلك هو الارادة
بعينها كما يقوله من يقوله من المعتزلة والجهمية ومن وافقهم بيان
ان قضايا التحسين والتقبيح من اعظم اليقينيات
والمقصود هنا ذكر هذه
القضايا المشهورة من بني ادم كلهم كقولهم العدل حسن وجميل وصاحبه يستحق
المدح والكرامة والظلم قبيح مذموم سيء وصاحبه يستحق الذم والاهانة فان
هؤلاء نفوا كونها من اليقينيات وهذا يستلزم ان لا يقول الفلاسفة بالحسن
والقبح العقليين اذ لم يكن في العقل قضية برهانية عقلية ومن الناس
القضايا المشهورة من بني ادم كلهم كقولهم العدل حسن وجميل وصاحبه يستحق
المدح والكرامة والظلم قبيح مذموم سيء وصاحبه يستحق الذم والاهانة فان
هؤلاء نفوا كونها من اليقينيات وهذا يستلزم ان لا يقول الفلاسفة بالحسن
والقبح العقليين اذ لم يكن في العقل قضية برهانية عقلية ومن الناس
من
حكى عنهم القول بذلك والتحقيق انهم في ذلك متنازعون مضطربون كما في امثال
ذلك
فنقول دعوى المدعي ان هذه القضايا ليست من اليقينيات دعوى باطلة
بل هذه من اعظم اليقينيات المعلومة بالعقل وذلك ان التصديق مسبوق بالتصور
فينبغي ان ننظر معنى قولنا العدل حسن والظلم قبيح ثم ننظر في ثبوت هذا
المحمول لهذا الموضوع ولنتكلم في عدل الناس وظلمهم
فنقول الناس اذا
قالوا العدل حسن والظلم قبيح فهم يعنون بهذا ان العدل محبوب للفطرة يحصل
لها بوجوده لذة وفرح نافع لصاحبه ولغير صاحبه يحصل به اللذة والفرح وما
تتنعم به النفوس واذا قالوا الظلم قبيح فهم يعنون به انه ضار لصاحبه ولغير
صاحبه وانه بغيض يحصل به الالم والغم وما تتعذب به النفوس ومعلوم ان هذه
القضايا هي في علم الناس لها بالفطرة وبالتجربة اعظم من اكثر قضايا الطب
مثل كون السقمونيا تسهل الصفراء فلم كانت التجربيات يقينية وهذه التي هي
اشهر منها وقد جربها الناس اكثر من تلك لا تكون يقينية مع ان المجربين لها
اكثر واعلم واصدق وجزئياتها في العالم اكثر من جزئيات تلك والمخبرون بذلك
عنها ايضا اكثر واعلم واصدق
فان الانسان من نفسه يجد من لذة العدل
والصدق والعلم والاحسان والسرور بذلك ما لا يجده من الظلم والكذب والجهل
والناس الذين وصل اليهم ذلك والذين لم يصل اليهم ذلك يجدون في انفسهم من
اللذة والفرح والسرور بعدل العادل وبصدق الصادق وعلم العالم واحسان المحسن
ما لا يجدونه في الظلم والكذب والجهل والاساءة ولهذا يجدون في انفسهم محبة
لمن فعل ذلك وثناء عليه ودعاء له وهم مفطورون على محبة ذلك واللذة به لا
يمكنهم دفع ذلك من انفسهم كما فطروا على وجود اللذة بالاكل والشرب والالم
بالجوع والعطش فلم كانت تلك القضايا من اليقينيات المعلومة بالحس والعقل
كالتجربة وغيرها ولم تكن هذه من القضايا
العقلية المعلومة ايضا
بالحس والعقل والامر فيها اعظم واللذة التي توجد بهذه لذة روحانية عقلية
شريفة والانسان كلما كمل عقله كانت هذه اللذة احب اليه من تلك اللذة
ثم الفلاسفة اثبتوا معاد الارواح واللذة العقلية وهي مبنية على هذه القضايا
التي سموها المشهورات فان لم تكن معلومة كان ما اثبتوه من ذلك ليس فيه شيء
من العلم بل يقولون ما يقوله غيرهم من ان اللذات الباطنة اقوى واشرف من
اللذات الظاهرة ويدعون الضرورة في اثبات لذة وراء اللذات الحسية الظاهرة
واذا كانت اللذة اما ادراك الملائم كما قد يزعمونه او هي تابعة ولازمة
للادراك الملائم كما يقوله غيرهم وهو الصحيح فمعلوم ان العلم والعدل والصدق
والاحسان ملائم لبني آدم فيكونوا ملتذين بذلك بل يكون التذاذهم بذلك اعظم
من غيره وهذا معنى كون الفعل حسنا ومعنى كونه قبيحا ضد ذلك
واذا تصور
معنى الحسن والقبح علم ان هذه المشهورات من اعظم اليقينيات فانها ما اتفقت
عليها الامم لما علموه بالحس والعقل والتجربة بل اتفاق الناس على هذه اعظم
من اتفاقهم على عامة ما يذكرونه وقد يعيش طوائف من الناس زمانا لا تخطر لهم
القضايا الكلية العقلية التي جعلوها مبادى العلم كقول القائل النفي
والاثبات لا يجتمعان وان يعلم ان هذا الشيء المعين اذا كان موجودا لم يكن
معدوما لكن قد لا تخطر لهم القضية الكلية بل وقد لا يخطر لهم تقدير اجتماع
وجوده وعدمه فان هذا التقدير ممتنع فلا يخطر لاكثر الناس ولا توجد طائفة
الا وهي تحسن العدل والصدق والعلم وتقبح ضد ذلك
وايضا ف الحكمة عندهم
وعند سائر الامم نوعان علم وعمل وهذه الحكمة عند المسلمين قال مالك رحمه
الله الحكمة معرفة الدين والعمل به ولذلك قال ابن قتيبة الحكمة عند العرب
العلم و العمل و الحكمة العملية عندهم و عند غيرهم
تتضمن علم
الأخلاق وسياسة المنزل وسياسة المدنية وبنى ذلك كله على هذه القضايا
المشهورة بل وكل عمل يؤمر به فلا بد فيه من العدل فالعدل مأمور به في جميع
الأعمال والظلم منهى عنه نهيا مطلقا
ولهذا جاءت أفضل الشرائع والمناهج
بتحقيق هذا كله وتكلميه فأوجب الله العدل لكل أحد على كل أحد في كل حال
كما قال تعالى يأيها الذين أمنوا كونوا قومين بالقسط شهداء لله ولو على
أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن فقيرا أو غنيا فالله أولى بهما فلا
تتبعوا الهوى أن تعدلوا و قال تعالى وقال تعالى يأيها الذين امنوا كونوا
قومين لله شهدآء بالقسط ولا يجر منكم شنان قوم أي يحملنكم بغض قوم كعدوكم
الكفار على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى وقال تعالى لقد أرسلنا رسلنا
بالبينت وأنزلنا معهم الكتب والميزان ليقوم الناس بالقسط وقال تعالى إن
الله يأمركم أن تؤدوا الامنت الى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا
بالعدل النساء وقال تعالى إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتآئى ذى القربى
وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون النحل ومثل هذا كثير
وكذلك تحريم الظلم بمجموع أنواعه كثير في النصوص الالهية حتى في الحديث
الالهى حديث ابي ذر الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي ص - فيما يرويه عن
ربه تبارك وتعالى أنه قال يا عبادي إنى حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم
محرما فلا تظالموا يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب
جميعا ولا أبالي فاستغفروني اغفر لكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته
فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا
عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرى
فتضروني ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى يا عبادي لو ان أولكم وأخركم وإنسكم
وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكى شيئا يا عبادي
لو ان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص
ذلك من ملكى شيئا يا عبادي لو أن اولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد
واحد فسألونى فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكى إلا كما
ينقص البحر إذا غمس فيه المخيط يا عبادي إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم
اوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه
والمقصود أن الحكمة العملية كلها مبنية على هذه القضايا والنفس لها
قوتان العلمية والعملية والعمل لا بد ان يكون بعلم فان لم يكن هذه القضايا
معلومة لم يكن شئ من الحكمة العملية معلوما ولا شئ من الاعمال والاخلاق
المحمودة والمذمومة معلوما وهذا مع ما فيه من المناقضة لما يقولونه هو
وغيرهم من العقلاء فهو مكابرة ظاهرة مع أنا في هذا النوع من الكلام لم نقصد
إقامة الدليل على فساد قولهم بل صورناه لتعلم حقيقته وطالبناهم بالدليل
على أن هذه المشورات ليست يقينية فانهم لم يذكروا على ذلك دليلا اصلا
وسنتكلم على ما توهموه دليلا من
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى