رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
النوع الثالث
في بيان كون المشهورات من جملة القضايا الواجب
قبولها
وغيره قد تقدم بطلان هذا الفرق ولكن نحن نسلم ان من القضايا ما يكون
بديهيا أوليا لبعض الناس أو لكلهم ويكون مجرد تصور طرفى القضية موجبا للحكم
لكن ليس علة ذلك كون المحمول لازما للموضوع بلا وسط في نفس الامر كما ذكر
ذلك الرازي ونحوه وإن كان هذا لم نجده في كلام ابن سينا وامثاله بل الوسط
عنده الدليل كما تقدم بل ولا ذاك امرا لازما للقضية بل قد تكون بديهية لزيد
ونظرية لعمرو بحسب المتصور لتمامه ونقضانه
وهذا مما قد تنازع فيه
بعضهم ويدعون أن كل ما كان اوليا لزيد فهو اولى لغيره كما يدل كلامهم على
ذلك وأن الادميين يشتركون في العلم بكل ما هو أولى لكل شخص منهم لانها موجب
العقل والعقل مشترك وهذا القول إن كنا نبطله ونقول القضية قد تكون ضرورية
لزيد نظرية لعمرو كذلك غير ذلك من القضايا قد تكون المتواترة لهذا محسوسة
لهذا والمجربة لهذا معلومة بالاستدلال لهذا ونحو ذلك
وإذا كان كذلك
فنحن ليس مقصودنا أن هذه القضايا المشهورة أولية أو ليست أولية ولا انها
اوليه لجميع الناس أو لبعضهم بل المقصود انها من جملة القضايا الواجب
قبولها التي يجب التصديق بها وتكون مادة للبرهان فانهم جعلوا المعتقدات
ثلاثة الواجب قبوها والمشهورات والوهميات والمقصود هنا ان المشهورات العامة
مثل حسن العدل وقبح الظلم هى من الواجب قبولها وإن لم نقل هى اولية فان
الواجب قبولها قد جعلوها اصناقا اوليات ومشاهدات ومجربات وحدسيات ومتواترات
وقضايا قياساتها معها
وهذه المشهورات إذا لم تكن اولية لم تكن بدون
كثير من المجربات والحدسيات ونحو ذلك فتكون مادة للبرهان اليقيني
كالمتواترات والمجربات فان المتواترات
والمجربات ليست اوليات وهذه
المشهورات ابلغ من كثير من المجربات والعلم بها والتصديق بها في نفوس الامم
قاطبة أقوى واثبت من العلم بكثير من المجربات والمتواترات التي تواترت عند
بعض الامم دون بعض
وبهذا الاعتبار فلم يذكروا حجة على انها ليست من
اليقينيات فان قولهم موجب الحكم بها العادات او الاحوال النفسانية أو مصلحة
النظام هذا لا ينافي كونها يقينية بل هو دليل على ذلك كما سنذكره إن شاء
الله تعالى فان المجربات كلها عاديات فكونها عاديات لا ينافى كونها يقينيات
وكذلك كون قوى النفس تقتضيها فان هذا يدل على الملائمة والمنافرة وهذا هو
معنى الحسن والقبح فلذلك لا ينافى كونها قضايا صادقة معلومة الصدق وكذلك
كون نظام العالم مربوطا بها لا ينافى كونها صادقة معلومة فليس فيما ذكروه
ما ينافي العلم بها ولا يدعى كونها أولية بالمعنى الذي ذكروه كما لا يدعى
ذلك في المجربات والمتواترات وذلك لا ينافى كونها من اليقينيات النوع
الرابع
خاصة العقل والفطرة استحسان الحسن واستقباح القبيح
النوع الرابع أن يقال قوله لا عمدة لها إلا الشهرة وهو أنه لو خلى الانسان
وعقله المجرد ووهمه وحسه الى قوله لم يقض بها الانسان طاعة لعقله أو وهمه
أو حسه مثل حكمنا بأن سلب مال الانسان قبيح وأن الكذب قبيح لا ينبغي ان
يقدم عليه
فيقال لا نسلم هذا فان هذا دعوى مجردة وقوله سلب مال
الانسان قبيح لفظ عام وقد يسلب ماله بعدل وقد يسلب بظلم والكلام فيما إذا
علم الانسان أنه سلب ماله ظلما مثل أن يعلم ان الاثنين المشتركين في المال
من كل وجه استولى أحدهما على الاخر فسلبه أكثر من نصف ونحو ذلك فان عقول
العقلاء قاطبة
وأوهامهم تقضى بقبح هذا
أما الوهم فانه قد فسره
بقوله في الاشارات
وايضا فان الحيوانات ناطقها وغير ناطقها تدرك في
المحسوسات الجزئية معانى جزئية غير محسوسة ولا متأدية من طريق الحواس مثل
إدراك الشاة معنى في الذئب غير محسوس وإدراك الكبش معنى في النعجة غير
محسوس إدراكا جزئيا يحكم به كما يحكم الحس بما يشاهده فعندك قوة هذا شأنها
فهذه القوة التي سموها الوهم هى التي يدرك بها الانسان صداقة الصديق
وعدواة العدو ويدرك بها كل من الزوجين ما في الزوج الاخر من الامر المحبوب
وبها يميل الانسان الى غيره وبها ينفر عنه ولهذا يقولون اكبر حاكم على
النفوس الوهم
ومعلوم أن هذه القوة تميل الى الشخص الذي تعلم انه عادل
صادق محسن وتنفر عن الشخص الذي تعلم انه كاذب ظالم مسئ بل تميل الى هذا
الشخص وإن لم يصل اليها من جهته نفع وضرر والنفوس مجبولة على محبة العدل
وأهله وبغض الظلم وأهله وهذه المحبة التي في الفطرة هو المعنى بكونه حسنا
وهذا البغض هو المعنى بكونه قبيحا كما يقال في الصورة الظاهرة هذا حسن وهذا
قبيح فالحسن الظاهر ما يحسه الحس الظاهر والحسن الباطن ما يحسه القلب
الباطن وإذا كانت النفوس مجبولة على محبة هذا وبغض هذا فهذا معنى الحسن
والقبح فكيف يقال لو ترك الانسان وحسه وعقله ووهمه لم يقض بها ونفوس بنى
آدم مجبولة على استحسان هذا واستقباح هذا
وأما العقل فأخص صفات العقل
عند الانسان ان يعلم الانسان ما ينفعه ويفعله ويعلم ما يضره ويتركه والمراد
بالحسن هو النافع والمراد بالقبيح هو الضار فكيف يقال إن عقل الانسان لا
يميز بين الحسن وبين القبيح وهل اعظم تفاضل
العقلاء إلا بمعرفة هذا
من هذا بل وجنس الناس يميل الى من يتصف بالصفات الجميلة وينفر عمن يتصف
بالقبائح فذاك يميل جنس الانسان الى سمع كلامه ورؤيته وهذا ينفر عن رؤيته
وسمع كلامه النوع الخامس
في بيان كون هذه المشورات معلومة
بالفطرة
في
بيان كون الموجب لاعتقاد هذه المشهورات من لوازم الانسانية
رد ابن سينا على نفسه في
قوله بأن المشهورات لا تدرك بقوى النفس
علم العقل بأنه إذا
ظلم أبغضه الناس وعادوه وغير علمه بأن الله يعاقبه
فان قيل الانسان
يلتذ بما يراه قبيحا كما قد يلتذ بما يأخذه ظلما فيأكله ويشربه قيل وإن
التذ بدنه فان قلبه وعقله لا يلتذ بذلك بل يلتذ إذا عدل وإن قدر انه يلتذ
به لذة حاضرة فانه يتألم بقبح عاقبته عنده وإذا لم يتألم فلغيبة عقله عن
إدراك المؤلم كما قد يحصل للسكران وغيره من أمور تؤلمه ولا يتألم بها لغيبة
عقله عن إدراكها
وهذا مما قد ذكره ابن سينا نفسه فقال في نمط البهجة
والسعادة
إنه قد يسبق الى الاوهام العامية أن اللذات القوية المستعلية
هي الحسية وأن ما عداها لذات ضعيفة وكلها خيالات غير حقيقة
وقد يمكن
ان ينبه من جملتهم من له تمييز ما فيقال له اليس الذ ما يصفونه من هذا
القبيل هو المنكوحات والمطعومات وأمور تجرى مجراها وانتم تعلمون ان المتمكن
من غلبة ما ولو في امر خسيس كالشطرنج والنرد قد يعرض له منكوح ومطعوم
فيرفضه لما يعتاضه من لذة الغلبة الوهمية وقد يعرض منكوح ومطعوم لطالب
العفة والرياسة مع صحة جسمه في صحبة حشمه فينفض اليد منهما مراعاة للحشمة
فيكون مراعاة الحشمة آثر وألذ لا محالة هناك من المنكوح والمطعوم
وإذا
عرض للكرام من الناس الالتذاذ بانعام يصيبون موضعه أثروه على الالتذاذ
بمشتهى حيوانى متنافس فيه وآثروا فيه غيرهم على انفسهم مسرعين الى الانعام
به
وكذلك فان كبير النفس يستصغر الجوع والعطش عند المحافظة على ماء
الوجه ويستحقر هول الموت ومفاجاة العطب عند مناجزة المبارزين وربما اقتحم
الواحد على عدد دهم ممتطيا ظهر الخطر لما يتوقعه من لذة الحمد ولو بعد
الموت كأن تلك تصل اليه وهو ميت
فقد بان ان اللذات الباطنة مستعلية
على اللذات الحسية وليس ذلك في العاقل فقط بل وفي العجم من الحيوانات فان
من كلاب الصيد ما يقنص الصيد على الجوع ثم يمسكه على صاحبه وربما حمله اليه
والراضعة من الحيوانات تؤثر ما ولدته على نفسها وربما خاطرت محامية عليه
اعظم من مخاطرتها في ذات حمايتها نفسها
فاذا كانت اللذات الباطنة اعظم
من الظاهرة وإن لم تكن عقلية فما قولك في العقلية
فيقال له هذا كله
حجة عليك في قولك إن استحسان الحسن واستقباح القبيح لا يدركه الانسان لا
بحسه ولا بعقله ولا بوهمه وانت قد ذكرت ان الانسان بل الحيوان يلتذ بالحمد
والثناء ويلتذ بالغلبة ويلتذ بالانعام والاحسان والرحمة أعظم من التذاذة
بالأكل والشرب ومعلوم ان لذة الاكل والشرب مما يعلم بالحس الظاهر فهذه
اللذه الباطنة يعلم بالحس الباطن وبالوهم فكيف تقول إن الحسن والوهم والعقل
لا يعلم به حسن الحسن وقبح القبيح وما ذكرته من التذاذ الانسان بالايثار
وتركه الطعام الشهى مراعاة الحشمة ونحو ذلك إنما هو لكونه يرى ذاك قبيحا
وهذا جميلا ويلتذ بفعل الجميل لذة باطنة يحس بها فكيف يقال إن الحسن
والقبيح لا ينال بشئ من قوى النفس وإنما يصدق به لمجرد الشهرة فقط من غير
موجب حسي ولا وهمى ولا عقلى
النوع الثامن
رد
قولهم إن العقل بمجرده لا يقضى في المشهورات بشئ
كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلا رمية بقوسه
وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فانهن من الحق وقوله الوتر حق فمن شاء أوتر
بركعة ومن شاء اوتر بثلاث ومن شاء اوتر بخمس او سبع ومثل هذا موجود في غير
موضع من كلامه ومن هذا الباب قوله اصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ألا كل
شئ ما خلا الله باطل
ومنه قوله تعالى ذلك بأن الله هو الحق وأن ما
يدعون من دونه هو الباطل الحج وقوله فدلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق
إلا الضلال يونس ومعلوم أن ما عبد من دونه موجود مخلوق ولكن عبادته باطلة
وهو باطل لان المقصود منه بالعبادة معدوم ولهذا يقول الفقهاء بطلت العبادة
وبطل العقد وقد قال تعالى ولا تبطلوا اعمالكم محمد والابطال ضد الاحقاق
وقال تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله اضل أعمالهم والذين امنوا
وعملوا الصلحت وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سياتهم
واصلح بالهم ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وان الذين امنوا اتبعوا
الحق من ربهم
وقد بين الله ان الاعمال السيئة القبيحة باطلة في مثل
قوله والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتى إذا جاءه لم
يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمت في بحر
لجي يغشه موج النور فهذا الثاني مثل ما يصدر عن الجهل البسيط والاول الجهل
المركب وقال تعالى يايها الذين امنوا لا تبطلوا صدقتكم بالمن والادى كالذي
ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الاخر فمثله كمثل صفوان عليه
تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدون على شئ مما كسبوا البقرة فهذا مثل
إبطال العمل بالمن والاذى وبالرياء والكفر والمقصود انها لم تبق نافعة
بخلاف العمل الحق المحمود فانه نافع ومنه قوله تعالى وقدمنا الى ما عملوا
من علم فجعلنه هباء منثورا الفرقان
وبالجملة فما ذكروه تصريح منهم بأن
العقل يميز بين الجميل والقبيح وأن العاقل يلتذ بالجميل ويتألم بالقبيح
وأن الجميل كمال وخير للقوة العاقلة من حيث هى كذلك وهذا مناقض لقولهم إن
العقل بمجرده لا يقضى في أمثال هذا بشئ لا بحسن ولا بقبيح وهكذا تناقضوا في
نفس الوهميات كما سنذكره إن شاء الله وسبب ذلك انهم تارة يقولون بموجب
الفطرة فيكون كلامهم صحيحا وتارة يقولون بمقتضى الفطرة الفاسدة التي قد
فسدت بالاعتقادات الفاسدة فيقولون باطلا كون الوجود كله مبنيا على
الحق والعدل
وأعطيه حقه وإذا حكم بينهما بعدل وقسم بانصاف يقولون هذا حق وإن حكم
بخلاف ذلك يقولون هذا ظلم وجور وإذا لم يكن عنده شيء حق بل هو يدعى الباطل
فيسمون الصدق حقا والكذب باطلا كما في كلام الله ورسوله قال النبي ص - إن
لصاحب الحق مقالا وفي لفظ إن لصاحب الحق اللسان واليد وقال ص - لكعب بن
مالك لما طلب غريمه أي كعب دع الشطر قال قد فعلت يا رسول الله قال قم فاقضه
وذلك لان الامور الحسنة تتضمن امرا موجودا ماضيا ومستقبلا ففيها وجود
وكمال الوجود والامور القبيحة تتضمن عدما ماضيا او مستقبلا ففيها نفى
الوجود أو كمال الوجود فان كان موجودا كان العلم بوجوده حقا مطابقا له
والاخبار عن وجوده كذلك وأما الكذب المتضمن نفيه والجهل الذي هو عدم العلم
به فهو عدم علم وعدم قول حق بل الكذب من جنس الجهل المركب وأيضا العلم كمال
وجود والصدق كمال وجود والجهل والكذب صفة نقص
وكذلك العدل كالتسوية
بين المتماثلين والتفصيل بين المختلفين هو تحقيق الامور على ما هى عليه
وتكميلها ولهذا مبنى الوجود كله على العدل حتى في المطاعم والملابس
والابنية ونحو ذلك فالبيت المبنى إن لم تكن حيطانه معتدلة بل كان بعضها
اطول من بعض طولا فاحشا او كان منحنيا غير مستقيم فسد السقف وكذلك الثياب
إن لم تكن على مقدار لا بسيها معادلة لهم وإلا لم ينتفعوا بها وكذلك ما يضع
من المطاعم والادوية إن لم أجزاؤه معتدلة في الصفة والقدر في الكم والكيف
فسد وكان مضرا لا نافعا فهذا موجود في الامور المحسوسة ان العدل فيها حسن
أي تحصل به المنفعة والمصلحة والظلم فيها قبيح أي تحصل به المضرة والفساد
وعلم الاخلاق والسياسة عندهم وعند سائر العقلاء مبنى على العدل ولهذا
جعلوا كمال الانسان العملى اربعة امور إصلاح الشهوة والغضب والعدل بينهما
وفي العلم بذلك والذي ذكروه هو بعض صفات الكمال التي أرسل الله بها رسله
وانزل بها كتبه والاقتصار على ما ذكروه لا تحصل به السعادة التي هى كمال
الانسان ولكنه من الامور المعتبرة فيها
وقد بسطنا هذه الامور وبينا
قصور فلسفتهم عن حصول السعادة والكمال بها وأنها ابلغ في القصور من دين
اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل وان ما عندهم إذا اخذ منه الحق وترك
الباطل كان جزءا من الاجزاء المحصلة للسعادة وفيه امور كثيرة باطلة وأمور
هي حق لكن ليس مما تحصل به السعادة والكمال
في بيان كون المشهورات من جملة القضايا الواجب
قبولها
قولهم هذه القضايا ليست بأولية لما ذكروه من الفرق بين الاولى
وغيره قد تقدم بطلان هذا الفرق ولكن نحن نسلم ان من القضايا ما يكون
بديهيا أوليا لبعض الناس أو لكلهم ويكون مجرد تصور طرفى القضية موجبا للحكم
لكن ليس علة ذلك كون المحمول لازما للموضوع بلا وسط في نفس الامر كما ذكر
ذلك الرازي ونحوه وإن كان هذا لم نجده في كلام ابن سينا وامثاله بل الوسط
عنده الدليل كما تقدم بل ولا ذاك امرا لازما للقضية بل قد تكون بديهية لزيد
ونظرية لعمرو بحسب المتصور لتمامه ونقضانه
وهذا مما قد تنازع فيه
بعضهم ويدعون أن كل ما كان اوليا لزيد فهو اولى لغيره كما يدل كلامهم على
ذلك وأن الادميين يشتركون في العلم بكل ما هو أولى لكل شخص منهم لانها موجب
العقل والعقل مشترك وهذا القول إن كنا نبطله ونقول القضية قد تكون ضرورية
لزيد نظرية لعمرو كذلك غير ذلك من القضايا قد تكون المتواترة لهذا محسوسة
لهذا والمجربة لهذا معلومة بالاستدلال لهذا ونحو ذلك
وإذا كان كذلك
فنحن ليس مقصودنا أن هذه القضايا المشهورة أولية أو ليست أولية ولا انها
اوليه لجميع الناس أو لبعضهم بل المقصود انها من جملة القضايا الواجب
قبولها التي يجب التصديق بها وتكون مادة للبرهان فانهم جعلوا المعتقدات
ثلاثة الواجب قبوها والمشهورات والوهميات والمقصود هنا ان المشهورات العامة
مثل حسن العدل وقبح الظلم هى من الواجب قبولها وإن لم نقل هى اولية فان
الواجب قبولها قد جعلوها اصناقا اوليات ومشاهدات ومجربات وحدسيات ومتواترات
وقضايا قياساتها معها
وهذه المشهورات إذا لم تكن اولية لم تكن بدون
كثير من المجربات والحدسيات ونحو ذلك فتكون مادة للبرهان اليقيني
كالمتواترات والمجربات فان المتواترات
والمجربات ليست اوليات وهذه
المشهورات ابلغ من كثير من المجربات والعلم بها والتصديق بها في نفوس الامم
قاطبة أقوى واثبت من العلم بكثير من المجربات والمتواترات التي تواترت عند
بعض الامم دون بعض
وبهذا الاعتبار فلم يذكروا حجة على انها ليست من
اليقينيات فان قولهم موجب الحكم بها العادات او الاحوال النفسانية أو مصلحة
النظام هذا لا ينافي كونها يقينية بل هو دليل على ذلك كما سنذكره إن شاء
الله تعالى فان المجربات كلها عاديات فكونها عاديات لا ينافى كونها يقينيات
وكذلك كون قوى النفس تقتضيها فان هذا يدل على الملائمة والمنافرة وهذا هو
معنى الحسن والقبح فلذلك لا ينافى كونها قضايا صادقة معلومة الصدق وكذلك
كون نظام العالم مربوطا بها لا ينافى كونها صادقة معلومة فليس فيما ذكروه
ما ينافي العلم بها ولا يدعى كونها أولية بالمعنى الذي ذكروه كما لا يدعى
ذلك في المجربات والمتواترات وذلك لا ينافى كونها من اليقينيات النوع
الرابع
خاصة العقل والفطرة استحسان الحسن واستقباح القبيح
النوع الرابع أن يقال قوله لا عمدة لها إلا الشهرة وهو أنه لو خلى الانسان
وعقله المجرد ووهمه وحسه الى قوله لم يقض بها الانسان طاعة لعقله أو وهمه
أو حسه مثل حكمنا بأن سلب مال الانسان قبيح وأن الكذب قبيح لا ينبغي ان
يقدم عليه
فيقال لا نسلم هذا فان هذا دعوى مجردة وقوله سلب مال
الانسان قبيح لفظ عام وقد يسلب ماله بعدل وقد يسلب بظلم والكلام فيما إذا
علم الانسان أنه سلب ماله ظلما مثل أن يعلم ان الاثنين المشتركين في المال
من كل وجه استولى أحدهما على الاخر فسلبه أكثر من نصف ونحو ذلك فان عقول
العقلاء قاطبة
وأوهامهم تقضى بقبح هذا
أما الوهم فانه قد فسره
بقوله في الاشارات
وايضا فان الحيوانات ناطقها وغير ناطقها تدرك في
المحسوسات الجزئية معانى جزئية غير محسوسة ولا متأدية من طريق الحواس مثل
إدراك الشاة معنى في الذئب غير محسوس وإدراك الكبش معنى في النعجة غير
محسوس إدراكا جزئيا يحكم به كما يحكم الحس بما يشاهده فعندك قوة هذا شأنها
فهذه القوة التي سموها الوهم هى التي يدرك بها الانسان صداقة الصديق
وعدواة العدو ويدرك بها كل من الزوجين ما في الزوج الاخر من الامر المحبوب
وبها يميل الانسان الى غيره وبها ينفر عنه ولهذا يقولون اكبر حاكم على
النفوس الوهم
ومعلوم أن هذه القوة تميل الى الشخص الذي تعلم انه عادل
صادق محسن وتنفر عن الشخص الذي تعلم انه كاذب ظالم مسئ بل تميل الى هذا
الشخص وإن لم يصل اليها من جهته نفع وضرر والنفوس مجبولة على محبة العدل
وأهله وبغض الظلم وأهله وهذه المحبة التي في الفطرة هو المعنى بكونه حسنا
وهذا البغض هو المعنى بكونه قبيحا كما يقال في الصورة الظاهرة هذا حسن وهذا
قبيح فالحسن الظاهر ما يحسه الحس الظاهر والحسن الباطن ما يحسه القلب
الباطن وإذا كانت النفوس مجبولة على محبة هذا وبغض هذا فهذا معنى الحسن
والقبح فكيف يقال لو ترك الانسان وحسه وعقله ووهمه لم يقض بها ونفوس بنى
آدم مجبولة على استحسان هذا واستقباح هذا
وأما العقل فأخص صفات العقل
عند الانسان ان يعلم الانسان ما ينفعه ويفعله ويعلم ما يضره ويتركه والمراد
بالحسن هو النافع والمراد بالقبيح هو الضار فكيف يقال إن عقل الانسان لا
يميز بين الحسن وبين القبيح وهل اعظم تفاضل
العقلاء إلا بمعرفة هذا
من هذا بل وجنس الناس يميل الى من يتصف بالصفات الجميلة وينفر عمن يتصف
بالقبائح فذاك يميل جنس الانسان الى سمع كلامه ورؤيته وهذا ينفر عن رؤيته
وسمع كلامه النوع الخامس
في بيان كون هذه المشورات معلومة
بالفطرة
النوع الخامس إن مبادى هذه القضايا أمر ضروري في النفوس
فانها مفطورة على حب ما يلائمها وبغض ما يضرها والمراد بالحسن ما يلائمها
وبالقبيح ما يضرها وإذا كانت مفطورة على حب هذا وبغض هذا فالمراد بقولنا
حسن إنه ملائم نافع والمراد بقولنا قبيح إنه ضار مؤذ وهذا أمر فطري فعلم ان
الناس بفطرتهم يعلمون هذه القضايا المشهورة بينهم
النوع السادسفانها مفطورة على حب ما يلائمها وبغض ما يضرها والمراد بالحسن ما يلائمها
وبالقبيح ما يضرها وإذا كانت مفطورة على حب هذا وبغض هذا فالمراد بقولنا
حسن إنه ملائم نافع والمراد بقولنا قبيح إنه ضار مؤذ وهذا أمر فطري فعلم ان
الناس بفطرتهم يعلمون هذه القضايا المشهورة بينهم
في
بيان كون الموجب لاعتقاد هذه المشهورات من لوازم الانسانية
النوع
السادس ان يقال لو لم يكن لهذه القضايا مبدأ في قوى الانسان لم تشتهر في
جميع الامم فان المشهور في جميع الامم لا بد ان يكون له موجب في الفطرة
المشتركة بين جميع الامم فعلم أن الموجب لاعتقاد هذه القضايا امر اشتركت
فيه الامم وذلك لا يكون إلا من لوازم الانسانية فان الامم لم تشترك كلها في
غير لوازم الانسانية
النوع السابعالسادس ان يقال لو لم يكن لهذه القضايا مبدأ في قوى الانسان لم تشتهر في
جميع الامم فان المشهور في جميع الامم لا بد ان يكون له موجب في الفطرة
المشتركة بين جميع الامم فعلم أن الموجب لاعتقاد هذه القضايا امر اشتركت
فيه الامم وذلك لا يكون إلا من لوازم الانسانية فان الامم لم تشترك كلها في
غير لوازم الانسانية
رد ابن سينا على نفسه في
قوله بأن المشهورات لا تدرك بقوى النفس
النوع السابع قوله لو توهم
الانسان بنفسه أنه خلق دفعة تام العقل ولم يسمع ادبا ولم يطع انفعالا
نفسانيا ولا خلقا لم يقض في امثاله بشئ هذا ممنوع بل إن كان تام العقل علم
ان العلم والعدل والصدق ينفعه وتصلح به نفسه وتلتذ وأن الكذب والظلم يضره
ويفسد نفسه ويؤلمها ولو قدر أنه لا يعلم به أحد غير
الانسان بنفسه أنه خلق دفعة تام العقل ولم يسمع ادبا ولم يطع انفعالا
نفسانيا ولا خلقا لم يقض في امثاله بشئ هذا ممنوع بل إن كان تام العقل علم
ان العلم والعدل والصدق ينفعه وتصلح به نفسه وتلتذ وأن الكذب والظلم يضره
ويفسد نفسه ويؤلمها ولو قدر أنه لا يعلم به أحد غير
علم العقل بأنه إذا
ظلم أبغضه الناس وعادوه وغير علمه بأن الله يعاقبه
فان قيل الانسان
يلتذ بما يراه قبيحا كما قد يلتذ بما يأخذه ظلما فيأكله ويشربه قيل وإن
التذ بدنه فان قلبه وعقله لا يلتذ بذلك بل يلتذ إذا عدل وإن قدر انه يلتذ
به لذة حاضرة فانه يتألم بقبح عاقبته عنده وإذا لم يتألم فلغيبة عقله عن
إدراك المؤلم كما قد يحصل للسكران وغيره من أمور تؤلمه ولا يتألم بها لغيبة
عقله عن إدراكها
وهذا مما قد ذكره ابن سينا نفسه فقال في نمط البهجة
والسعادة
إنه قد يسبق الى الاوهام العامية أن اللذات القوية المستعلية
هي الحسية وأن ما عداها لذات ضعيفة وكلها خيالات غير حقيقة
وقد يمكن
ان ينبه من جملتهم من له تمييز ما فيقال له اليس الذ ما يصفونه من هذا
القبيل هو المنكوحات والمطعومات وأمور تجرى مجراها وانتم تعلمون ان المتمكن
من غلبة ما ولو في امر خسيس كالشطرنج والنرد قد يعرض له منكوح ومطعوم
فيرفضه لما يعتاضه من لذة الغلبة الوهمية وقد يعرض منكوح ومطعوم لطالب
العفة والرياسة مع صحة جسمه في صحبة حشمه فينفض اليد منهما مراعاة للحشمة
فيكون مراعاة الحشمة آثر وألذ لا محالة هناك من المنكوح والمطعوم
وإذا
عرض للكرام من الناس الالتذاذ بانعام يصيبون موضعه أثروه على الالتذاذ
بمشتهى حيوانى متنافس فيه وآثروا فيه غيرهم على انفسهم مسرعين الى الانعام
به
وكذلك فان كبير النفس يستصغر الجوع والعطش عند المحافظة على ماء
الوجه ويستحقر هول الموت ومفاجاة العطب عند مناجزة المبارزين وربما اقتحم
الواحد على عدد دهم ممتطيا ظهر الخطر لما يتوقعه من لذة الحمد ولو بعد
الموت كأن تلك تصل اليه وهو ميت
فقد بان ان اللذات الباطنة مستعلية
على اللذات الحسية وليس ذلك في العاقل فقط بل وفي العجم من الحيوانات فان
من كلاب الصيد ما يقنص الصيد على الجوع ثم يمسكه على صاحبه وربما حمله اليه
والراضعة من الحيوانات تؤثر ما ولدته على نفسها وربما خاطرت محامية عليه
اعظم من مخاطرتها في ذات حمايتها نفسها
فاذا كانت اللذات الباطنة اعظم
من الظاهرة وإن لم تكن عقلية فما قولك في العقلية
فيقال له هذا كله
حجة عليك في قولك إن استحسان الحسن واستقباح القبيح لا يدركه الانسان لا
بحسه ولا بعقله ولا بوهمه وانت قد ذكرت ان الانسان بل الحيوان يلتذ بالحمد
والثناء ويلتذ بالغلبة ويلتذ بالانعام والاحسان والرحمة أعظم من التذاذة
بالأكل والشرب ومعلوم ان لذة الاكل والشرب مما يعلم بالحس الظاهر فهذه
اللذه الباطنة يعلم بالحس الباطن وبالوهم فكيف تقول إن الحسن والوهم والعقل
لا يعلم به حسن الحسن وقبح القبيح وما ذكرته من التذاذ الانسان بالايثار
وتركه الطعام الشهى مراعاة الحشمة ونحو ذلك إنما هو لكونه يرى ذاك قبيحا
وهذا جميلا ويلتذ بفعل الجميل لذة باطنة يحس بها فكيف يقال إن الحسن
والقبيح لا ينال بشئ من قوى النفس وإنما يصدق به لمجرد الشهرة فقط من غير
موجب حسي ولا وهمى ولا عقلى
النوع الثامن
رد
قولهم إن العقل بمجرده لا يقضى في المشهورات بشئ
النوع الثامن انه قال
تنبيه إن اللذة هى إدراك ونيل ما لوصول ما هو عند المدرك كمال وخير
من حيث هو كذلك والالم هو إدراك ونيل ما لوصول ما هو عند المدرك نقص وشر من
حيث هو كذلك وقد يختلف الخير والشر بحسب القياس فالشئ الذي هو عند الشهوة
خير هو مثل المطعم الملائم والملمس الملائم والذي هو عند الغضب خير فهو
الغلبة والذي عند العقل فتارة وباعتبار فالحق وتارة وباعتبار فالجميل ومن
العقليات نيل الشكر ووفور الحمد والمدح والكرامة وبالجملة فان همم ذوي
العقول في ذلك مختلفة
وكل خير بالقياس4 الى شيء ما فهو الكمال الذي
يختص به وينحوه باستعداده الأول وكل لذة فانها تتعلق بأمرين بكمال خيري
وبادراك له من حيث هو كذلك
فيقال هذا تصريح بان العقل يحب الحق ويلتذ
به ويحب الجميل ويلتذ به وان محبة الحمد والشكر والكرم هي من العقليات وهذا
صحيح فان للانسان قوتين قوة علمية فهى تحب الحق وقوة عملية فهى تحب الجميل
والجميل هو الحسن والقبيح ضده
وتفريقه بين الحق والجميل هو بحسب
اصطلاحه وإلا فاللغة التي جاء بها القرآن وتكلم بها الرسول لفظ الحق منها
يتضمن النوعين كقوله ص
تنبيه إن اللذة هى إدراك ونيل ما لوصول ما هو عند المدرك كمال وخير
من حيث هو كذلك والالم هو إدراك ونيل ما لوصول ما هو عند المدرك نقص وشر من
حيث هو كذلك وقد يختلف الخير والشر بحسب القياس فالشئ الذي هو عند الشهوة
خير هو مثل المطعم الملائم والملمس الملائم والذي هو عند الغضب خير فهو
الغلبة والذي عند العقل فتارة وباعتبار فالحق وتارة وباعتبار فالجميل ومن
العقليات نيل الشكر ووفور الحمد والمدح والكرامة وبالجملة فان همم ذوي
العقول في ذلك مختلفة
وكل خير بالقياس4 الى شيء ما فهو الكمال الذي
يختص به وينحوه باستعداده الأول وكل لذة فانها تتعلق بأمرين بكمال خيري
وبادراك له من حيث هو كذلك
فيقال هذا تصريح بان العقل يحب الحق ويلتذ
به ويحب الجميل ويلتذ به وان محبة الحمد والشكر والكرم هي من العقليات وهذا
صحيح فان للانسان قوتين قوة علمية فهى تحب الحق وقوة عملية فهى تحب الجميل
والجميل هو الحسن والقبيح ضده
وتفريقه بين الحق والجميل هو بحسب
اصطلاحه وإلا فاللغة التي جاء بها القرآن وتكلم بها الرسول لفظ الحق منها
يتضمن النوعين كقوله ص
كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلا رمية بقوسه
وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فانهن من الحق وقوله الوتر حق فمن شاء أوتر
بركعة ومن شاء اوتر بثلاث ومن شاء اوتر بخمس او سبع ومثل هذا موجود في غير
موضع من كلامه ومن هذا الباب قوله اصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ألا كل
شئ ما خلا الله باطل
ومنه قوله تعالى ذلك بأن الله هو الحق وأن ما
يدعون من دونه هو الباطل الحج وقوله فدلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق
إلا الضلال يونس ومعلوم أن ما عبد من دونه موجود مخلوق ولكن عبادته باطلة
وهو باطل لان المقصود منه بالعبادة معدوم ولهذا يقول الفقهاء بطلت العبادة
وبطل العقد وقد قال تعالى ولا تبطلوا اعمالكم محمد والابطال ضد الاحقاق
وقال تعالى الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله اضل أعمالهم والذين امنوا
وعملوا الصلحت وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سياتهم
واصلح بالهم ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وان الذين امنوا اتبعوا
الحق من ربهم
وقد بين الله ان الاعمال السيئة القبيحة باطلة في مثل
قوله والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتى إذا جاءه لم
يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمت في بحر
لجي يغشه موج النور فهذا الثاني مثل ما يصدر عن الجهل البسيط والاول الجهل
المركب وقال تعالى يايها الذين امنوا لا تبطلوا صدقتكم بالمن والادى كالذي
ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الاخر فمثله كمثل صفوان عليه
تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدون على شئ مما كسبوا البقرة فهذا مثل
إبطال العمل بالمن والاذى وبالرياء والكفر والمقصود انها لم تبق نافعة
بخلاف العمل الحق المحمود فانه نافع ومنه قوله تعالى وقدمنا الى ما عملوا
من علم فجعلنه هباء منثورا الفرقان
وبالجملة فما ذكروه تصريح منهم بأن
العقل يميز بين الجميل والقبيح وأن العاقل يلتذ بالجميل ويتألم بالقبيح
وأن الجميل كمال وخير للقوة العاقلة من حيث هى كذلك وهذا مناقض لقولهم إن
العقل بمجرده لا يقضى في أمثال هذا بشئ لا بحسن ولا بقبيح وهكذا تناقضوا في
نفس الوهميات كما سنذكره إن شاء الله وسبب ذلك انهم تارة يقولون بموجب
الفطرة فيكون كلامهم صحيحا وتارة يقولون بمقتضى الفطرة الفاسدة التي قد
فسدت بالاعتقادات الفاسدة فيقولون باطلا كون الوجود كله مبنيا على
الحق والعدل
وهذه القضايا التي اتفقت الامم عليها مثل حسن الصدق
والعدل وقبح الكذب والظلم داخلة في مسمى الحق كما تقدم في كلام الله ورسوله
وكذلك كلام العقلاء قاطبة يسمون هذا كله حقا ويقولون لصاحب الدين له عليه
حق
والعدل وقبح الكذب والظلم داخلة في مسمى الحق كما تقدم في كلام الله ورسوله
وكذلك كلام العقلاء قاطبة يسمون هذا كله حقا ويقولون لصاحب الدين له عليه
حق
وأعطيه حقه وإذا حكم بينهما بعدل وقسم بانصاف يقولون هذا حق وإن حكم
بخلاف ذلك يقولون هذا ظلم وجور وإذا لم يكن عنده شيء حق بل هو يدعى الباطل
فيسمون الصدق حقا والكذب باطلا كما في كلام الله ورسوله قال النبي ص - إن
لصاحب الحق مقالا وفي لفظ إن لصاحب الحق اللسان واليد وقال ص - لكعب بن
مالك لما طلب غريمه أي كعب دع الشطر قال قد فعلت يا رسول الله قال قم فاقضه
وذلك لان الامور الحسنة تتضمن امرا موجودا ماضيا ومستقبلا ففيها وجود
وكمال الوجود والامور القبيحة تتضمن عدما ماضيا او مستقبلا ففيها نفى
الوجود أو كمال الوجود فان كان موجودا كان العلم بوجوده حقا مطابقا له
والاخبار عن وجوده كذلك وأما الكذب المتضمن نفيه والجهل الذي هو عدم العلم
به فهو عدم علم وعدم قول حق بل الكذب من جنس الجهل المركب وأيضا العلم كمال
وجود والصدق كمال وجود والجهل والكذب صفة نقص
وكذلك العدل كالتسوية
بين المتماثلين والتفصيل بين المختلفين هو تحقيق الامور على ما هى عليه
وتكميلها ولهذا مبنى الوجود كله على العدل حتى في المطاعم والملابس
والابنية ونحو ذلك فالبيت المبنى إن لم تكن حيطانه معتدلة بل كان بعضها
اطول من بعض طولا فاحشا او كان منحنيا غير مستقيم فسد السقف وكذلك الثياب
إن لم تكن على مقدار لا بسيها معادلة لهم وإلا لم ينتفعوا بها وكذلك ما يضع
من المطاعم والادوية إن لم أجزاؤه معتدلة في الصفة والقدر في الكم والكيف
فسد وكان مضرا لا نافعا فهذا موجود في الامور المحسوسة ان العدل فيها حسن
أي تحصل به المنفعة والمصلحة والظلم فيها قبيح أي تحصل به المضرة والفساد
وعلم الاخلاق والسياسة عندهم وعند سائر العقلاء مبنى على العدل ولهذا
جعلوا كمال الانسان العملى اربعة امور إصلاح الشهوة والغضب والعدل بينهما
وفي العلم بذلك والذي ذكروه هو بعض صفات الكمال التي أرسل الله بها رسله
وانزل بها كتبه والاقتصار على ما ذكروه لا تحصل به السعادة التي هى كمال
الانسان ولكنه من الامور المعتبرة فيها
وقد بسطنا هذه الامور وبينا
قصور فلسفتهم عن حصول السعادة والكمال بها وأنها ابلغ في القصور من دين
اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل وان ما عندهم إذا اخذ منه الحق وترك
الباطل كان جزءا من الاجزاء المحصلة للسعادة وفيه امور كثيرة باطلة وأمور
هي حق لكن ليس مما تحصل به السعادة والكمال
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الوجه العاشر
لا حجة على تكذيبهم بأخبار الانبياء الخارجة عن
قياسهم
فلا يكون المنطق آلة قانونية تعصم
مراعاتها من الخطأ فانه إذا ذكر له قضايا يمكن العلم بها بغير هذه الطرق لم
يمكن وزنها بهذه الالة وعامة هؤلاء المنطقيون يكذبون بما لم يستدل عليه
بقياسهم وهذا في غاية الجهل لا سيما إن كان الذي كذبوا به من أخبار
الانبياء فيكونون ممن قال الله فيه بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما
يأتهم تأويله يونس وهذا صار بمنزلة المنجم إذا كذب بعلم الطب أو الطبيب إذا
كذب بعلم النجوم والناس أعداء ما جهلوا ومن جهل شيئا عاداه
فاذا كان
اشرف العلوم لا سبيل الى معرفتها بطريقهم لزم امران أحدهما انه لا حجة لهم
على ما يكذبون به مما ليس في قياسهم دليل عليه والثاني أن ما علموه خسيس
بالنسبة الى ما جهلوه فكيف إذا علم انه لا يفيد النجاة ولا السعادة الوجه
الحادى عشر
بطلان قولهم إن البرهانى والخطابي والجدلى هي
المذكورة في قوله تعالى ادع
وأحكامها مثل النقيض والعكس المستوى وعكس النقيض
فانها إذا صحت بطل نقيضها وصح عكسها وعكس نقيضها فاذا قيل كل إنسان حيوان
فنقيضه باطل وهو انه ليس شيء من الانسان حيوان وصح عكسه وهو ان بعض الحيوان
إنسان وعكس نقيضه وهو ان ما ليس بحيوان فليس بانسان فإن التناقض اختلاف
القضيتين بالسلب والايجاب على وجه يلزم من صدق احدهما كذب الأخرى وإن العكس
جعل الموضوع محمولا والمحمول موضوعا مع بقاء الصدق وعكس النقيض والسالبة
هو ان يجعل الموضوع محمولا مع جعل الايجاب سلبا
واقسامها الكلية
والجزئية والموجبة والسالبة أي العامة والخاصة والمثبتة والنافية وقبل ذلك
يتكلمون في مفردات القضية وهي المعاني المفردة مثل الكلام في الكلي والجزئي
والذاتي والعرضى وقبل ذلك في الالفاظ الدالة على المعاني كدلالة المطابقة
والتضمن والالتزام
والمقصود في هذا كله هو الحد والقياس والقياس هو
المطلوب الاعظم والمطلوب الاعظم من انواع القياس هو القياس البرهاني قالوا
والبرهان ما كانت مواده يقينية وهي التي يجب قبولها كما تقدم واما الخطابي
فمواده هي المشهورات التي تصلح لخطاب الجمهور سواء كانت علمية او ظنية
والجدلي هو الذي مواده ما يسلمها المجادل سواء كانت علمية او ظنية او
مشهورة او غير مشهورة وهذا احسن ما تفسر به هذه الاصناف الثلاثة
وكثير
منهم يقول بل البرهاني ما كانت مقدماته واجبة القبول كما تقدم والجدلي ما
كانت مقدماته مشهورة سواء كانت حقا او باطلا او واجبة او ممتنعة او ممكنة
والخطابي ما كانت مقدماته ظنية كيف كانت فالخطابي هو الذي يفيد الظن مطلقا
سواء كانت مقدماته مسلمة او مشهورة والجدلي ما يكون مقدماته مشهورة
ومنهم من يقول بل البرهاني مؤلف من الواجبات والجدلي من الاكثريات
والخطابي من المتساويات والشعري من الممتنعات وهذا ليس بشيء فان الشعري ما
تشعر به النفس فيقصد به تنفيرها وترغيبها وترهيبها وقد يكون صدقا وقد يكون
كذبا ولكن المقصود بالشعريات تحريك النفس لا لإفادتها علما
وابن سينا
رد هذا القول فقال ولا يلفت الى ما يقال من ان البرهانيات واجبة والجدلية
ممكنة اكثرية والخطابية ممكنة متساوية لا مثل فيها ولا قدرة والشعرية كاذبة
ممتنعة فليس الاعتبار بذلك ولا اشار اليه صاحب المنطق لكنه مع رده لهذا
ذكر القول الثاني فقال القياسات البرهانية مؤلفة من المقدمات الواجب قبولها
والجدلية مؤلفة من المشهورات والتقريرية ما كانت واجبة او ممكنة او ممتنعة
والخطابية مؤلفة من المظنونات والمقبولات التي ليست بمشهورة وما يشبهها
كيف كانت ولو ممتنعة والشعرية مؤلفة من المقدمات المخيلة من حيث يشعر من
يخيلها كانت صادقة او كاذبة واما السوفسطائية فهي التي تستعمل الشبهة
ويشاركها في ذلك الممتحنة المجربة على سبيل التغليط فان كان التشبيه
بالواجبات ونحو استعمالها سمي صاحبها سوفسطائيا وان كان بالمشهورات سمي
صاحبها مشاغبا ومماريا والمشاغب بازاء الجدلي والسوفسطائي بازاء الحليم
وهذا الذي ذكره في مواد الجدلي والخطابي ضعيف ايضا بل مواد الجدلي هي
المسلمات التي يسلمها المجادل سواء كانت مشهورة او لم تكن وسواء كانت حقا
او باطلا ومواد الخطابي هي المشهورات ونحوها التي يخاطب بها الجمهور وكل من
ذلك يكون برهانيا وغير برهاني ويكون صادقا وكاذبا هذا مراد قدمائهم وهو
اشبه باللفظ والتقسيم 8
واما كون الخطابيات هي الظنيات مطلقا فهذا خطا
عند القوم فانه اذا كانت الجدليات قد تكون علمية فالخطابيات التي هي اشرف
منها اولى انها قد تكون علمية فان
الخطاب ارفع من الجدل عندهم
والتفسير الاول تفسير محققيهم المتقدمين فانه ليس من شرط الخطابي ولا
الجدلي ان لا يكون علميا كما انه ليس من شرط البرهاني ان لا يخاطب به
الجمهور وان لا يجادل به المنازع بل البرهاني اذا كان مشهورا صلح للبرهان
والخطابة والجدلي اذا كان برهانيا صلح للبرهان والجدل واذا كانت القضية
مبرهنة وهي مشهورة مسلمة من المناظر صلحت للبرهان والخطابة والجدل بخلاف
الشعري فان المقصود به تحريك النفس ليس المراد به ان يفيد لا علما ولا ظنا
فلهذا لم يدخل مع الثلاثة وايضا فالخطابيات يراد بها خطاب الجمهور وهذا
انما يكون بالقضايا المشهورة عند الجمهور وان كانت ظنية واذا كانت علمية
فهو اجود فليس من شرطها ان لا تكون علمية واما الجدلي فانما هو خطاب لناس
معينين فاذا سلموا تلك المقدمات حصل مقصود الجدلي وان لم تكن مشهورة
واما السوفسطائي فهو المشبه الملبس وهو الباطل الذي اخرج في صورة الحق
والمراد بيان فساده والا فليس لاحد ان يتكلم به فانه كذب في صورة صدق وباطل
في صورة حق لكن المقصود بذكره تعريفه وامتحان الاذهان بحل شبه السوفسطائية
ثم قد يقول من يقول من حذاقهم ومن يروم ان يقرن بين طريقهم وطريق
الانبياء ان الاقسام الثلاثة البرهان والجدل والخطابة هي المذكورة في قوله
تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن
النحل كلام اهل الفلسفة في الانبياء عليهم السلام
الظلم واما العلميات فيقولون ان الانبياء لم يذكروا حقائق الامور في معرفة
الله والمعاد وانما اخبروا الجمهور بما يتخيلونه في ذلك لينتفعوا به في
اقامة مصلحة دنياهم لا ليعرفوا بذلك الحق ويقولون انهم ارادوا بخطابهم
للناس ان يعتقدوا الامور على خلاف ما هي عليه وهي من جنس الكذب لمصلحة
الناس وهم يعلمون هذه المرتبة ثم النبي عندهم هل يعرف الامور العلمية فيه
نزاع بينهم
وهم يعظمون محمدا ص - يقولون لم يأت الى العالم ناموس افضل
من ناموسه ويفضله كثير منهم على الفيلسوف ومنهم من يفضل الفيلسوف عليه وهم
حائرون في امور الانبياء ولهذا كلامهم في الانبياء في غاية الاضطراب ولم
ينقلوا عن ارسطو واتباعه فيهم شيئا بل ذكروا من كلام افلاطون وغيره في
النواميس ما جعلوا به واضعى النواميس من اليونان وغيرهم من جنس الانبياء
الذين ذكرهم الله في القران ونحن نعلم ان الرسل جميعهم دعوا الى عبادة الله
وحده لا شريك له كما قال تعالى وسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من
دون الرحمن الهة يعبدون الزخرف وقال تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان
اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت النحل والنواميس التي يذكرونها فيها شرك لا
يأمر به احد من انبياء الله فعلم ان كل من ذكروه من واضعى النواميس
المخالفة لما اتفقت عليه الرسل فليس بني ولا متبع لنبي بل هو من جنس واضعي
النواميس من ملوك الكفار ووزرائهم وعقلائهم وعلمائهم وعبادهم
وهم وان
عظموا الانبياء ونواميسهم فلاجل انهم اقاموا قانون العدل الذي لا تقوم
مصلحة العالم الا به ويوجبون طاعة الانبياء والعمل بنواميسهم وهي الشرائع
التي جاؤا بها ولكنهم لم يأتوا بالامور العلمية بل بالعمليات النافعة
والعلميات عندهم اما ان تكون التي علمها وما امكنه اظهارها بل اظهر ما
يخالف الحق عنده لمصلحة الجمهور واما انه لم يعلمها والا فهم يجوزون للرجل
ان يتمسك بأي ناموس كان ولا يوجبون اتباع نبي بعينه لا محمد ولا غيره الا
من جهة مصلحة دنياهم بذلك
لا لانه يعذب في الاخرة على مخالفة شريعة
محمد او غيره
ولهذا لما ظهرت الترك الكفار واراد من أراد منهم ان
يدخل في الاسلام قبل ظهور الاسلام عليهم اشار عليه بعض من كان معه من
الفلاسفة بأن لا يفعل فان ذاك لسانه عربي ولا يحتاجون الى شريعته ونحو هذا
الكلام يبين ان الشريعة التي جاء بها محمد لا يحتاج اليها مثلكم وامثالكم
وقد قيل ان الذي اراد الدخول في الاسلام وقال له منجمه هذا هو هولاكو ولما
قدم هلاكو الشام وتقلد القضاء من جهته بعض قضاة الشام الذين كانوا يعظمون
صوفية الفلاسفة كابن عربي ونحوه ودخل الى البلد اخذ يثني على ملك الكفار
ويعظمه ويذكر ما يذكر من فضائله بزعمه فقال له بعض الحاضرين ياليته كان
مسلما فقال القاضي واي حاجة لهذا الى الاسلام سواء كان مسلما او لم يكن
وهذا بناء على هذا الاصل
فالنبي عندهم يشبه من بعض الوجوه ائمة
المذاهب عند المتكلمين كأبي حنيفة ومالك والشافعي واحمد بن حنبل واسحاق بن
راهويه وسفيان الثوري والليث بن سعد والاوزاعي وداود بن علي وغير هؤلاء من
ائمة الفقهاء
فان المتكلمين يعظمون هؤلاء في علم الشريعة العملية
والقضايا الفقهية واما في الكلام واصول الدين مثل مسائل التوحيد والصفات
والقدر والنبوات والمعاد فلا يلتزمون موافقة هؤلاء بل قد يجعلون شيوخهم
المتكلمين افضل منهم في ذلك وقد يقولون انهم وان علموا ذلك لكن لم يبسطوا
القول فيه ولم يبينوه كما فعل ذلك شيوخ المتكلمين
فالنبي عند هؤلاء
المتفلسفة يشبه المجتهد المتبوع عند المتكلمين ولهذا يقول من يقرنهم
بالانبياء كأصحاب رسائل اخوان الصفا وامثالهم اتفقت الانبياء والحكماء او
يقولون الانبياء والفلاسفة كما يقول الاصوليون اتفق الفقهاء والمتكلمون
وهذا قول الفقهاء والمتكلمين ونحو ذلك والذين يعظمونهم يريدون التوفيق بين
ما يقولونه وبين ما جاءت به الانبياء كما تقدم انهم يجعلون الاقيسة الثلاثة
هي المذكورة في صورة النحل ويجعلون الملائكة هي هي العقول والنفوس ومنهم
طائفة ادعت كثرة الملائكة كأبي البركات صاحب المعتبر وهؤلاء اقرب عندهم فان
الانبياء صرحوا بكثرة الملائكة وقد يجعلون الجن والشياطين هي قوى النفوس
الصالحة والفلسفة وقد بسط القول عليهم في غير هذا الموضع وبين ان الملائكة
التي اخبرت بها الرسل من ابعد الاشياء عما يدعونه من العقول والنفوس وان
الجن والشياطين احياء ناطقون موجودون ليسوا اعراضا قائمة بغيرها الكلام
على جعلهم الاقيسة الثلاثة من القران
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم
بالتي هي احسن النحل ليس المراد به ما يذكونه من القياس البرهاني والخطابي
والجدلي فان الاقيسة التي هي عندهم برهانية قد تقدم بعض وصفها وانها لا
تفيد قط الا امرا كليا لا يدل على شيء معين وتلك الكليات غالبها انما توجد
في الاذهان لا في الاعيان والذي جاء به الرسول امران خبر وامر
فأما
الخبر فانه اخبر عن الله بأسمائه وصفاته المعينة وهذا امر يعترفون هم انه
لا يعرف ببرهانهم وما اخبر به الرسول عن ربه عز و جل فهم من ابعد الناس عن
معرفته وكفار اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل اقرب الى الرسول فيه منهم
اليه وكذلك ما اخبر به عن الملائكة والعرش والكرسي والحنة والنار ليس في
ذلك شيء يمكن معرفته بقياسهم وليس المراد بالعرش الفلك التاسع ولا بالكرسي
الثامن كما قد بسط في موضع اخر ولو قدر انه كذلك فليس هذا مما يعلم بالقياس
المنطقي
والرسول اخبر عن امور معينة مثل نوح وخطابه لقومه واحواله
المعينة ومثل ابراهيم واحواله المعينة ومثل موسى وعيسى واحوالهما المعينة
وليس شيء من ذلك يمكن معرفته بقياسهم لا البرهاني ولا غيره فان اقيستهم لا
تفيد الا امورا كلية وهذه امور خاصة
وكذلك اخبر عما كان وعما سيكون
بعده من الحوادث المعينة حتى اخبر عن التتر بما ثبت في الصحيحين عنه من غير
وجه انه قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الاعين ذلف الانوف حمر
الخدود ينتعلون الشعر كأن وجوههم المجان المطرقة فهل يتصور ان قياسهم
وبرهانهم يدل على ادمي معين او امة معينة فضلا عن ان يوصف بهذه الصفات قبل
ظهورهم بنحو سبعمائة سنة
وكذلك قوله الثابت في الصحيح لا تقوم
الساعة حتى تخرج نار من ارض الحجاز تضيء بها اعناق الابل ببصرى وهذه النار
قد خرجت قبل مجيء اكثر الكفار الى بغداد سنة خمس وخمسين وستمائة وقد تواتر
عن اهل بصرى انهم راوا ببصرى اعناق الابل من ضوء تلك النار وخبر هذه النار
مشهور متواتر بعد ان خرجت بجبال الحجاز وكانت تحرق الحجر ولا تنضج اللحم
وفزع لها الناس فزعا شديدا فهل يدل قياس برهاني او غير برهاني على هذا
الامر المعين ويخبر به المخبر قبل حدوثه بأكثر من ستمائة وخمسين سنة فان
هذا اخبر به النبي ص - في اخر ايام النبوة وابو هريرة انما اسلم عام خير
سنة سبع من الهجرة وصحب النبي ص - اقل من اربع سنين فأخباره كلها متأخرة
وكذلك سائر ما اخبر به من الامور الماضية والمستقبلة والامور الحاضرة مما
يعلمون هم انه يمتنع ان يعرف ذلك بالقياس البرهاني وغيره فان ذاك انما يدل
على امر مطلق كلي لا على شيء معين
واما العمليات التي امر بها فهم وان
ادعوا ان ما عندهم من الحكمة الخلفية والمنزلة والمدنية تشبه ما جاء به من
الشريعة العملية فهذا من اعظم البهتان وذاك ان حكمتهم العملية انما مبناها
على انهم عرفوا ان النفس لها قوة الشهوة والغضب الشهوة لجلب
الملائم والغضب لدفع المنافي فجعلوا الحكمة الخلقية مبناها على ذلك فقالوا
ينبغي تهذيب الشهوة والغضب لكون كل منهما بين الافراط والتفريط وهذا يسمى
عفة وهذا يسمى شجاعة والتعديل بينهما عدلا وهذه الثلث تطلب لتكميل النفس
بالحكمة النظرية العلمية فصار الكمال عندهم هذه الامور العفة والشجاعة
والعدل والعلم
وقد تكلم في هذا طوائف من الداخلين في الاسلام
واستشهدوا على ذلك بما وجدوه في القران والحديث وكلام السلف في مدح هذه
الامور والذين صنفوا في الاخلاق والاعمال على طريق هؤلاء مثل كتاب موازين
الاعمال لابي حامد ومثل اصحاب رسائل اخوان الصفا ومثل كتب محمد بن يوسف
العامري وغيره يبنون كلامهم على هذا الاصل
لكن غلطوا فان مراد الله
ورسوله بالعلم الذي يمدحه ليس هو العلم النظري الذي هو عند فلاسفة اليونان
بل الحكمة اسم يجمع العلم والعمل به في كل امة قال ابن قتيبة وغيره الحكمة
عند العرب العلم والعمل به وسئل مالك عن الحكمة فقال هو معرفة الدين والعمل
به وكل امة لها حكمة بحسب علمها ودينها فالهند لهم حكمة مع انهم مشركون
كفار والعرب قبل الاسلام كانت لهم حكمة وكان فيهم حكماء العرب مع كونهم
مشركين يعبدون الاوثان فكذلك اليونان لهم حكمة كحكمتهم
وحكماء كل
طائفة هم افضل تلك الطائفة علما وعملا لكن لا يلزم من ذلك ان يكونوا
ممدوحين عند الله وعند رسوله فان الممدوح عند الله وعند رسوله لا يكون قط
الا من المؤمنين المسلمين الذين امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث
بعد الموت وعبدوا الله وحده لم يشركوا به شيئا ولم يكذبوا نبيا من انبيائه
ولا كتابا من كتبه
ولا يثنى الله قط الا على هؤلاء كما قال تعالى
ان الذين امنوا والذين هادوا والنصرى والصبئين من آمن بالله واليوم الآخر
وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يجزنون البقرة وقال
تعالى وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصرى تلك امانيهم قل هاتوا
برهانكم ان كنتم صدقين بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا
خوف عليهم ولا هم يحزنون البقرة وقال ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو
محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا النساء
وقد
ذكر الله عن الانبياء واتباعهم انهم كانوا مسلمين مؤمنين من نوح الى
الحواريين وقال تعالى ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في
الاخرة من الخسرين ال عمران وهذا عام في الاولين والاخرين وقال ان الدين
عند الله الاسلام ال عمران وقال ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله
واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة النحل
وقوله تعالى اسلم وجهة لله وهو محسن أي اخلص قصده وعمله لله وهو محسن يفعل
الصالحات وهذا هو الاسلام وهو ان يكون عمله عملا صالحا ويعمله لله تعالى
وهذا هو عبادة الله وحده لا شريك له وبهذا بعث الله الرسل جميعهم
لا حجة على تكذيبهم بأخبار الانبياء الخارجة عن
قياسهم
الوجه العاشر ان الانبياء والاولياء لهم من علم الوحي والالهام
ما هو خارج عن قياسهم الذي ذكروه بل الفراسة ايضا وامثالها فان ادخلوا ذلك
فيما ذكروه من الحسيات والعقليات لم يمكنهم نفى ما لم يدركوه ولم يبق لهم
ضابط وهذا موضع ينبغى تحقيقه
وهم اعنى ابن سينا واتباعه جعلوا القضايا
من جهة ما يصدق بها المستعملة بين القائسن ومن يجرى مجراهم أربعة اصناف
الاول الواجب قبولها التي هى مادة البرهان وهي الاوليات والحسيات والمجربات
والحدسيات والمتواترات وربما ضموا الى ذلك قضايا معها حدودها ولم يذكروا
دليلا على هذا الحصر ولهذا اعترف المنتضرون لهم ان هذا التقسيم منتشر غير
منحصر يتعذر إقامة دليل عليه
وإذا كان كذلك لم يلزم ان كل ما لم يدخل
في قياسهم أن لا يكون معلوما وحينئذ
ما هو خارج عن قياسهم الذي ذكروه بل الفراسة ايضا وامثالها فان ادخلوا ذلك
فيما ذكروه من الحسيات والعقليات لم يمكنهم نفى ما لم يدركوه ولم يبق لهم
ضابط وهذا موضع ينبغى تحقيقه
وهم اعنى ابن سينا واتباعه جعلوا القضايا
من جهة ما يصدق بها المستعملة بين القائسن ومن يجرى مجراهم أربعة اصناف
الاول الواجب قبولها التي هى مادة البرهان وهي الاوليات والحسيات والمجربات
والحدسيات والمتواترات وربما ضموا الى ذلك قضايا معها حدودها ولم يذكروا
دليلا على هذا الحصر ولهذا اعترف المنتضرون لهم ان هذا التقسيم منتشر غير
منحصر يتعذر إقامة دليل عليه
وإذا كان كذلك لم يلزم ان كل ما لم يدخل
في قياسهم أن لا يكون معلوما وحينئذ
فلا يكون المنطق آلة قانونية تعصم
مراعاتها من الخطأ فانه إذا ذكر له قضايا يمكن العلم بها بغير هذه الطرق لم
يمكن وزنها بهذه الالة وعامة هؤلاء المنطقيون يكذبون بما لم يستدل عليه
بقياسهم وهذا في غاية الجهل لا سيما إن كان الذي كذبوا به من أخبار
الانبياء فيكونون ممن قال الله فيه بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما
يأتهم تأويله يونس وهذا صار بمنزلة المنجم إذا كذب بعلم الطب أو الطبيب إذا
كذب بعلم النجوم والناس أعداء ما جهلوا ومن جهل شيئا عاداه
فاذا كان
اشرف العلوم لا سبيل الى معرفتها بطريقهم لزم امران أحدهما انه لا حجة لهم
على ما يكذبون به مما ليس في قياسهم دليل عليه والثاني أن ما علموه خسيس
بالنسبة الى ما جهلوه فكيف إذا علم انه لا يفيد النجاة ولا السعادة الوجه
الحادى عشر
بطلان قولهم إن البرهانى والخطابي والجدلى هي
المذكورة في قوله تعالى ادع
الى سبيل ربك بالحكمة الاية
الوجه
الحادي عشر إنهم يجعلون ما هو حق وعلم يجب تصديقه ليس علما وما هو باطل ليس
بعلم علما وذلك أن هؤلاء جعلوا اجناس الاقيسة باعتبار مادتها خمسة البرهان
والخطابة والجدل والشعر والسفسطة اصله سوفسطيقا وكذلك سائرها لها اسماء
باليونانية ولسائر اجناس المنطق لكنها الفاظ طويلة مثل قاطيغورياس
وانولوطيقا الى غير ذلك واللغة العربية اوجز وأبين فهى أكمل بيانا واوجز
لفظا
ويجعلون القياس باعتبار صورته قسمين الاقترانى والاستثنائى
لتأليفه من الحمليات والشرطيات المتصلة والمنفصلة ويتكلمون قبل القياس في
القضايا واقسامها
الوجه
الحادي عشر إنهم يجعلون ما هو حق وعلم يجب تصديقه ليس علما وما هو باطل ليس
بعلم علما وذلك أن هؤلاء جعلوا اجناس الاقيسة باعتبار مادتها خمسة البرهان
والخطابة والجدل والشعر والسفسطة اصله سوفسطيقا وكذلك سائرها لها اسماء
باليونانية ولسائر اجناس المنطق لكنها الفاظ طويلة مثل قاطيغورياس
وانولوطيقا الى غير ذلك واللغة العربية اوجز وأبين فهى أكمل بيانا واوجز
لفظا
ويجعلون القياس باعتبار صورته قسمين الاقترانى والاستثنائى
لتأليفه من الحمليات والشرطيات المتصلة والمنفصلة ويتكلمون قبل القياس في
القضايا واقسامها
وأحكامها مثل النقيض والعكس المستوى وعكس النقيض
فانها إذا صحت بطل نقيضها وصح عكسها وعكس نقيضها فاذا قيل كل إنسان حيوان
فنقيضه باطل وهو انه ليس شيء من الانسان حيوان وصح عكسه وهو ان بعض الحيوان
إنسان وعكس نقيضه وهو ان ما ليس بحيوان فليس بانسان فإن التناقض اختلاف
القضيتين بالسلب والايجاب على وجه يلزم من صدق احدهما كذب الأخرى وإن العكس
جعل الموضوع محمولا والمحمول موضوعا مع بقاء الصدق وعكس النقيض والسالبة
هو ان يجعل الموضوع محمولا مع جعل الايجاب سلبا
واقسامها الكلية
والجزئية والموجبة والسالبة أي العامة والخاصة والمثبتة والنافية وقبل ذلك
يتكلمون في مفردات القضية وهي المعاني المفردة مثل الكلام في الكلي والجزئي
والذاتي والعرضى وقبل ذلك في الالفاظ الدالة على المعاني كدلالة المطابقة
والتضمن والالتزام
والمقصود في هذا كله هو الحد والقياس والقياس هو
المطلوب الاعظم والمطلوب الاعظم من انواع القياس هو القياس البرهاني قالوا
والبرهان ما كانت مواده يقينية وهي التي يجب قبولها كما تقدم واما الخطابي
فمواده هي المشهورات التي تصلح لخطاب الجمهور سواء كانت علمية او ظنية
والجدلي هو الذي مواده ما يسلمها المجادل سواء كانت علمية او ظنية او
مشهورة او غير مشهورة وهذا احسن ما تفسر به هذه الاصناف الثلاثة
وكثير
منهم يقول بل البرهاني ما كانت مقدماته واجبة القبول كما تقدم والجدلي ما
كانت مقدماته مشهورة سواء كانت حقا او باطلا او واجبة او ممتنعة او ممكنة
والخطابي ما كانت مقدماته ظنية كيف كانت فالخطابي هو الذي يفيد الظن مطلقا
سواء كانت مقدماته مسلمة او مشهورة والجدلي ما يكون مقدماته مشهورة
ومنهم من يقول بل البرهاني مؤلف من الواجبات والجدلي من الاكثريات
والخطابي من المتساويات والشعري من الممتنعات وهذا ليس بشيء فان الشعري ما
تشعر به النفس فيقصد به تنفيرها وترغيبها وترهيبها وقد يكون صدقا وقد يكون
كذبا ولكن المقصود بالشعريات تحريك النفس لا لإفادتها علما
وابن سينا
رد هذا القول فقال ولا يلفت الى ما يقال من ان البرهانيات واجبة والجدلية
ممكنة اكثرية والخطابية ممكنة متساوية لا مثل فيها ولا قدرة والشعرية كاذبة
ممتنعة فليس الاعتبار بذلك ولا اشار اليه صاحب المنطق لكنه مع رده لهذا
ذكر القول الثاني فقال القياسات البرهانية مؤلفة من المقدمات الواجب قبولها
والجدلية مؤلفة من المشهورات والتقريرية ما كانت واجبة او ممكنة او ممتنعة
والخطابية مؤلفة من المظنونات والمقبولات التي ليست بمشهورة وما يشبهها
كيف كانت ولو ممتنعة والشعرية مؤلفة من المقدمات المخيلة من حيث يشعر من
يخيلها كانت صادقة او كاذبة واما السوفسطائية فهي التي تستعمل الشبهة
ويشاركها في ذلك الممتحنة المجربة على سبيل التغليط فان كان التشبيه
بالواجبات ونحو استعمالها سمي صاحبها سوفسطائيا وان كان بالمشهورات سمي
صاحبها مشاغبا ومماريا والمشاغب بازاء الجدلي والسوفسطائي بازاء الحليم
وهذا الذي ذكره في مواد الجدلي والخطابي ضعيف ايضا بل مواد الجدلي هي
المسلمات التي يسلمها المجادل سواء كانت مشهورة او لم تكن وسواء كانت حقا
او باطلا ومواد الخطابي هي المشهورات ونحوها التي يخاطب بها الجمهور وكل من
ذلك يكون برهانيا وغير برهاني ويكون صادقا وكاذبا هذا مراد قدمائهم وهو
اشبه باللفظ والتقسيم 8
واما كون الخطابيات هي الظنيات مطلقا فهذا خطا
عند القوم فانه اذا كانت الجدليات قد تكون علمية فالخطابيات التي هي اشرف
منها اولى انها قد تكون علمية فان
الخطاب ارفع من الجدل عندهم
والتفسير الاول تفسير محققيهم المتقدمين فانه ليس من شرط الخطابي ولا
الجدلي ان لا يكون علميا كما انه ليس من شرط البرهاني ان لا يخاطب به
الجمهور وان لا يجادل به المنازع بل البرهاني اذا كان مشهورا صلح للبرهان
والخطابة والجدلي اذا كان برهانيا صلح للبرهان والجدل واذا كانت القضية
مبرهنة وهي مشهورة مسلمة من المناظر صلحت للبرهان والخطابة والجدل بخلاف
الشعري فان المقصود به تحريك النفس ليس المراد به ان يفيد لا علما ولا ظنا
فلهذا لم يدخل مع الثلاثة وايضا فالخطابيات يراد بها خطاب الجمهور وهذا
انما يكون بالقضايا المشهورة عند الجمهور وان كانت ظنية واذا كانت علمية
فهو اجود فليس من شرطها ان لا تكون علمية واما الجدلي فانما هو خطاب لناس
معينين فاذا سلموا تلك المقدمات حصل مقصود الجدلي وان لم تكن مشهورة
واما السوفسطائي فهو المشبه الملبس وهو الباطل الذي اخرج في صورة الحق
والمراد بيان فساده والا فليس لاحد ان يتكلم به فانه كذب في صورة صدق وباطل
في صورة حق لكن المقصود بذكره تعريفه وامتحان الاذهان بحل شبه السوفسطائية
ثم قد يقول من يقول من حذاقهم ومن يروم ان يقرن بين طريقهم وطريق
الانبياء ان الاقسام الثلاثة البرهان والجدل والخطابة هي المذكورة في قوله
تعالى ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن
النحل كلام اهل الفلسفة في الانبياء عليهم السلام
ثم يقولون
ان ما جاءت به الانبياء فهو من جنس الخطابة التي قصد بها خطاب الجمهور لم
يقصد به تعريف الحقائق هذا في الامور العملية فان مبادى الامور العلمية قد
لا يجعلونها من البرهانيات بل من المشهورات كالعلم بحسن العدل وقبح
ان ما جاءت به الانبياء فهو من جنس الخطابة التي قصد بها خطاب الجمهور لم
يقصد به تعريف الحقائق هذا في الامور العملية فان مبادى الامور العلمية قد
لا يجعلونها من البرهانيات بل من المشهورات كالعلم بحسن العدل وقبح
الظلم واما العلميات فيقولون ان الانبياء لم يذكروا حقائق الامور في معرفة
الله والمعاد وانما اخبروا الجمهور بما يتخيلونه في ذلك لينتفعوا به في
اقامة مصلحة دنياهم لا ليعرفوا بذلك الحق ويقولون انهم ارادوا بخطابهم
للناس ان يعتقدوا الامور على خلاف ما هي عليه وهي من جنس الكذب لمصلحة
الناس وهم يعلمون هذه المرتبة ثم النبي عندهم هل يعرف الامور العلمية فيه
نزاع بينهم
وهم يعظمون محمدا ص - يقولون لم يأت الى العالم ناموس افضل
من ناموسه ويفضله كثير منهم على الفيلسوف ومنهم من يفضل الفيلسوف عليه وهم
حائرون في امور الانبياء ولهذا كلامهم في الانبياء في غاية الاضطراب ولم
ينقلوا عن ارسطو واتباعه فيهم شيئا بل ذكروا من كلام افلاطون وغيره في
النواميس ما جعلوا به واضعى النواميس من اليونان وغيرهم من جنس الانبياء
الذين ذكرهم الله في القران ونحن نعلم ان الرسل جميعهم دعوا الى عبادة الله
وحده لا شريك له كما قال تعالى وسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من
دون الرحمن الهة يعبدون الزخرف وقال تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان
اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت النحل والنواميس التي يذكرونها فيها شرك لا
يأمر به احد من انبياء الله فعلم ان كل من ذكروه من واضعى النواميس
المخالفة لما اتفقت عليه الرسل فليس بني ولا متبع لنبي بل هو من جنس واضعي
النواميس من ملوك الكفار ووزرائهم وعقلائهم وعلمائهم وعبادهم
وهم وان
عظموا الانبياء ونواميسهم فلاجل انهم اقاموا قانون العدل الذي لا تقوم
مصلحة العالم الا به ويوجبون طاعة الانبياء والعمل بنواميسهم وهي الشرائع
التي جاؤا بها ولكنهم لم يأتوا بالامور العلمية بل بالعمليات النافعة
والعلميات عندهم اما ان تكون التي علمها وما امكنه اظهارها بل اظهر ما
يخالف الحق عنده لمصلحة الجمهور واما انه لم يعلمها والا فهم يجوزون للرجل
ان يتمسك بأي ناموس كان ولا يوجبون اتباع نبي بعينه لا محمد ولا غيره الا
من جهة مصلحة دنياهم بذلك
لا لانه يعذب في الاخرة على مخالفة شريعة
محمد او غيره
ولهذا لما ظهرت الترك الكفار واراد من أراد منهم ان
يدخل في الاسلام قبل ظهور الاسلام عليهم اشار عليه بعض من كان معه من
الفلاسفة بأن لا يفعل فان ذاك لسانه عربي ولا يحتاجون الى شريعته ونحو هذا
الكلام يبين ان الشريعة التي جاء بها محمد لا يحتاج اليها مثلكم وامثالكم
وقد قيل ان الذي اراد الدخول في الاسلام وقال له منجمه هذا هو هولاكو ولما
قدم هلاكو الشام وتقلد القضاء من جهته بعض قضاة الشام الذين كانوا يعظمون
صوفية الفلاسفة كابن عربي ونحوه ودخل الى البلد اخذ يثني على ملك الكفار
ويعظمه ويذكر ما يذكر من فضائله بزعمه فقال له بعض الحاضرين ياليته كان
مسلما فقال القاضي واي حاجة لهذا الى الاسلام سواء كان مسلما او لم يكن
وهذا بناء على هذا الاصل
فالنبي عندهم يشبه من بعض الوجوه ائمة
المذاهب عند المتكلمين كأبي حنيفة ومالك والشافعي واحمد بن حنبل واسحاق بن
راهويه وسفيان الثوري والليث بن سعد والاوزاعي وداود بن علي وغير هؤلاء من
ائمة الفقهاء
فان المتكلمين يعظمون هؤلاء في علم الشريعة العملية
والقضايا الفقهية واما في الكلام واصول الدين مثل مسائل التوحيد والصفات
والقدر والنبوات والمعاد فلا يلتزمون موافقة هؤلاء بل قد يجعلون شيوخهم
المتكلمين افضل منهم في ذلك وقد يقولون انهم وان علموا ذلك لكن لم يبسطوا
القول فيه ولم يبينوه كما فعل ذلك شيوخ المتكلمين
فالنبي عند هؤلاء
المتفلسفة يشبه المجتهد المتبوع عند المتكلمين ولهذا يقول من يقرنهم
بالانبياء كأصحاب رسائل اخوان الصفا وامثالهم اتفقت الانبياء والحكماء او
يقولون الانبياء والفلاسفة كما يقول الاصوليون اتفق الفقهاء والمتكلمون
وهذا قول الفقهاء والمتكلمين ونحو ذلك والذين يعظمونهم يريدون التوفيق بين
ما يقولونه وبين ما جاءت به الانبياء كما تقدم انهم يجعلون الاقيسة الثلاثة
هي المذكورة في صورة النحل ويجعلون الملائكة هي هي العقول والنفوس ومنهم
طائفة ادعت كثرة الملائكة كأبي البركات صاحب المعتبر وهؤلاء اقرب عندهم فان
الانبياء صرحوا بكثرة الملائكة وقد يجعلون الجن والشياطين هي قوى النفوس
الصالحة والفلسفة وقد بسط القول عليهم في غير هذا الموضع وبين ان الملائكة
التي اخبرت بها الرسل من ابعد الاشياء عما يدعونه من العقول والنفوس وان
الجن والشياطين احياء ناطقون موجودون ليسوا اعراضا قائمة بغيرها الكلام
على جعلهم الاقيسة الثلاثة من القران
والمقصود هنا كلامهم في المنطق
فنقول قوله تعالى ادع الى سبيل ربك
فنقول قوله تعالى ادع الى سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم
بالتي هي احسن النحل ليس المراد به ما يذكونه من القياس البرهاني والخطابي
والجدلي فان الاقيسة التي هي عندهم برهانية قد تقدم بعض وصفها وانها لا
تفيد قط الا امرا كليا لا يدل على شيء معين وتلك الكليات غالبها انما توجد
في الاذهان لا في الاعيان والذي جاء به الرسول امران خبر وامر
فأما
الخبر فانه اخبر عن الله بأسمائه وصفاته المعينة وهذا امر يعترفون هم انه
لا يعرف ببرهانهم وما اخبر به الرسول عن ربه عز و جل فهم من ابعد الناس عن
معرفته وكفار اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل اقرب الى الرسول فيه منهم
اليه وكذلك ما اخبر به عن الملائكة والعرش والكرسي والحنة والنار ليس في
ذلك شيء يمكن معرفته بقياسهم وليس المراد بالعرش الفلك التاسع ولا بالكرسي
الثامن كما قد بسط في موضع اخر ولو قدر انه كذلك فليس هذا مما يعلم بالقياس
المنطقي
والرسول اخبر عن امور معينة مثل نوح وخطابه لقومه واحواله
المعينة ومثل ابراهيم واحواله المعينة ومثل موسى وعيسى واحوالهما المعينة
وليس شيء من ذلك يمكن معرفته بقياسهم لا البرهاني ولا غيره فان اقيستهم لا
تفيد الا امورا كلية وهذه امور خاصة
وكذلك اخبر عما كان وعما سيكون
بعده من الحوادث المعينة حتى اخبر عن التتر بما ثبت في الصحيحين عنه من غير
وجه انه قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الاعين ذلف الانوف حمر
الخدود ينتعلون الشعر كأن وجوههم المجان المطرقة فهل يتصور ان قياسهم
وبرهانهم يدل على ادمي معين او امة معينة فضلا عن ان يوصف بهذه الصفات قبل
ظهورهم بنحو سبعمائة سنة
وكذلك قوله الثابت في الصحيح لا تقوم
الساعة حتى تخرج نار من ارض الحجاز تضيء بها اعناق الابل ببصرى وهذه النار
قد خرجت قبل مجيء اكثر الكفار الى بغداد سنة خمس وخمسين وستمائة وقد تواتر
عن اهل بصرى انهم راوا ببصرى اعناق الابل من ضوء تلك النار وخبر هذه النار
مشهور متواتر بعد ان خرجت بجبال الحجاز وكانت تحرق الحجر ولا تنضج اللحم
وفزع لها الناس فزعا شديدا فهل يدل قياس برهاني او غير برهاني على هذا
الامر المعين ويخبر به المخبر قبل حدوثه بأكثر من ستمائة وخمسين سنة فان
هذا اخبر به النبي ص - في اخر ايام النبوة وابو هريرة انما اسلم عام خير
سنة سبع من الهجرة وصحب النبي ص - اقل من اربع سنين فأخباره كلها متأخرة
وكذلك سائر ما اخبر به من الامور الماضية والمستقبلة والامور الحاضرة مما
يعلمون هم انه يمتنع ان يعرف ذلك بالقياس البرهاني وغيره فان ذاك انما يدل
على امر مطلق كلي لا على شيء معين
واما العمليات التي امر بها فهم وان
ادعوا ان ما عندهم من الحكمة الخلفية والمنزلة والمدنية تشبه ما جاء به من
الشريعة العملية فهذا من اعظم البهتان وذاك ان حكمتهم العملية انما مبناها
على انهم عرفوا ان النفس لها قوة الشهوة والغضب الشهوة لجلب
الملائم والغضب لدفع المنافي فجعلوا الحكمة الخلقية مبناها على ذلك فقالوا
ينبغي تهذيب الشهوة والغضب لكون كل منهما بين الافراط والتفريط وهذا يسمى
عفة وهذا يسمى شجاعة والتعديل بينهما عدلا وهذه الثلث تطلب لتكميل النفس
بالحكمة النظرية العلمية فصار الكمال عندهم هذه الامور العفة والشجاعة
والعدل والعلم
وقد تكلم في هذا طوائف من الداخلين في الاسلام
واستشهدوا على ذلك بما وجدوه في القران والحديث وكلام السلف في مدح هذه
الامور والذين صنفوا في الاخلاق والاعمال على طريق هؤلاء مثل كتاب موازين
الاعمال لابي حامد ومثل اصحاب رسائل اخوان الصفا ومثل كتب محمد بن يوسف
العامري وغيره يبنون كلامهم على هذا الاصل
لكن غلطوا فان مراد الله
ورسوله بالعلم الذي يمدحه ليس هو العلم النظري الذي هو عند فلاسفة اليونان
بل الحكمة اسم يجمع العلم والعمل به في كل امة قال ابن قتيبة وغيره الحكمة
عند العرب العلم والعمل به وسئل مالك عن الحكمة فقال هو معرفة الدين والعمل
به وكل امة لها حكمة بحسب علمها ودينها فالهند لهم حكمة مع انهم مشركون
كفار والعرب قبل الاسلام كانت لهم حكمة وكان فيهم حكماء العرب مع كونهم
مشركين يعبدون الاوثان فكذلك اليونان لهم حكمة كحكمتهم
وحكماء كل
طائفة هم افضل تلك الطائفة علما وعملا لكن لا يلزم من ذلك ان يكونوا
ممدوحين عند الله وعند رسوله فان الممدوح عند الله وعند رسوله لا يكون قط
الا من المؤمنين المسلمين الذين امنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث
بعد الموت وعبدوا الله وحده لم يشركوا به شيئا ولم يكذبوا نبيا من انبيائه
ولا كتابا من كتبه
ولا يثنى الله قط الا على هؤلاء كما قال تعالى
ان الذين امنوا والذين هادوا والنصرى والصبئين من آمن بالله واليوم الآخر
وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يجزنون البقرة وقال
تعالى وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصرى تلك امانيهم قل هاتوا
برهانكم ان كنتم صدقين بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا
خوف عليهم ولا هم يحزنون البقرة وقال ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو
محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا النساء
وقد
ذكر الله عن الانبياء واتباعهم انهم كانوا مسلمين مؤمنين من نوح الى
الحواريين وقال تعالى ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في
الاخرة من الخسرين ال عمران وهذا عام في الاولين والاخرين وقال ان الدين
عند الله الاسلام ال عمران وقال ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله
واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة النحل
وقوله تعالى اسلم وجهة لله وهو محسن أي اخلص قصده وعمله لله وهو محسن يفعل
الصالحات وهذا هو الاسلام وهو ان يكون عمله عملا صالحا ويعمله لله تعالى
وهذا هو عبادة الله وحده لا شريك له وبهذا بعث الله الرسل جميعهم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
سبب نزول قوله ان الذين آمنوا والذين هادوا الآية
عن اهل دين كنت معهم فذكر من
صلاتهم وعبادتهم فنزلت ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصرى والصابئين من
آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا وكذلك ذكر السدي عن اشياخه في تفسيره
المعروف قال نزلت هذه الاية في اصحاب سلمان الفارسي بينا هو يحدث النبي ص -
اذ ذكر اصحابه فأخبره فقال كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك ويشهدون انك
ستبعث نبيا فأنزل الله هذه الاية ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصرى
والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر فقال كان ايمان اليهود انه من تمسك
بالتوراة وبسنة موسى حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة واخذ
بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا وايمان النصارى ان من تمسك
بالانجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد ص - فمن لم
يتبع محمدا ص - منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والانجيل كان هالكا قال
ابن ابي حاتم وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا
و الذين آمنوا أولا المراد
بهم امة محمد
واما ما يذكره طائفة من المفسرين في قوله ان الذين
آمنوا ان فيهم اقوالا احدها انهم هم الذين آمنوا بعيسى قبل ان يبعث محمد
قاله ابن عباس والثاني انهم الذين آمنوا بموسى وعملوا بشريعته الى ان جاء
عيسى فآمنوا به وعملوا
بشريعته لما أن جاء محمد وقالوا هذا قول
السدى عن اشياخه والثالث انهم طلاب الدين كحبيب النجار وقس بن ساعدة وسلمان
الفارسي وابي ذر وبحيرا الراهب آمنو بالنبي قبل مبعثه فمنهم من ادركه
وتابعه ومنهم من لم يدركه والخامس انهم المنافقون والسادس انهم الذين آمنوا
بالانبياء الماضين والكتب المتقدمة فلا يؤمنوا بك ولا بكتابك
فهذه
الاقوال ذكرها الثعلبي وامثاله ولم يسموا قائلها وذكرها ابو الفرج ابن
لجوزي الا السادس وسمي قائل الاولين وذكر انهم المنافقون عن الثورى وهذه
الاقوال كلها مبتدعة لم يقل الصحابة والتابعون لهم باحسان شيئا منها وما
نقل عن السدي غلط عليه وقد ذكرنا لفظه الموجود في تفسيره المنقول بالاسناد
الثابت في تفاسير الذين يذكرون الاسانيد كتفسير عبد الرحمن بن ابي حاتم
وتفسير ابي بكر بن المنذر وتفسير محمد بن جرير الطبري وامثال هذه التفاسير
وما
نقل عن ابن عباس لا يثبت
وهي أقوال باطلة فان من كان
متمسكا بشريعة عيسى قبل ان يبعث محمد ص - من غير تبديل فهم النصارى الذين
اثنى الله عليهم وكذلك من تمسك بشريعة موسى قبل النسخ و التبديل فهم اليهود
الذين اثنى الله عليهم و طلاب الدين كحبيب النجار كان على دين المسيح و
كذلك بحيرا الراهب و غيره و كل من تقدم من الانبياء و امتهم يؤمنون بمحمد
فليس هذا من خصائص هذا النفر القليل الكلام على اخذ الله ميثاق
النبيين على الايمان بمحمد
و قد قيل ان المراد باخذ الميثاق على
الأنبياء هو اخذه على قومهم فإنهم هم الذين يدركون النبي الآتي وقالوا هي
في قراءة ابن مسعود و ابي بن كعب وإذ اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب
وزعم بعضهم ان هذه القراءة هي الصواب والأولى غلط من الكتاب وهذا قول باطل
ولولا انه ذكر لما حكيته فإن ما بين لوحي المصحف متواتر والقرآن صريح في ان
الله اخذ الميثاق على النبيين فلا يلتفت الى من قال إنما اخذ على اممهم
لكن الأنبياء امروا ان يلتزموا هذا الميثاق مع علم الله وعلم من اعلمه
منهم انهم لا يدركونه كما نؤمن نحن بما تقدمنا من الأنبياء والكتب وإن لم
ندركهم وأمر الجميع بتقدير إدراكه ان يؤمنوا به وينصروه كما ان النبي ص -
اخبرنا بنزول عيسى ابن مريم من السماء على المنارة البيضاء شرقي دمشق واخبر
انه يقتل المسيح الدجال فنحن مأمورون بالايمان بالمسيح ابن مريم وطاعته إن
ادركناه وإن كان لا يأمرنا إلا بشريعة محمد و مامورون بتكذيب المسيح
الدجال و اكثر المسلمين لا يدركون ذلك بل انما يدركه بعضهم
قال طاوس
اخذ الله ميثاق النبيين بعضهم على بعض ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن
به و لتنصرنه فقال هذه الاية لاهل الكتاب اخذ الله ميثاقهم ان يؤمنوا بمحمد
و يصدقوه يعني بذلك ان من ادرك نبوة محمد منهم يعنى هم الذين ادركهم العمل
بالاية و الا فذكر ان الميثاق اخذ على النبيين بعضهم على بعض لكن ذلك عهد
واقرار مع العلم بانهم لا يدركونه و كذلك عن السدى لم يبعث الله نبيا قط من
لدن نوح الا اخذ ميثاقه ليؤمنن بمحمد و لينصرنه ان خرج و هو حى و الا اخذ
على قومه ان يؤمنوا به و ينصروه ان خرج و هم احياء و قال محمد بن اسحق ثم
ذكر ما اخذ عليهم و على انبيائهم الميثاق بتصديقه اذا هو جاءهم ه
واقرارهم به على انفسهم فقال واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتب
وحكمة ثم جاءكم الاية
وقوله رسول مصدق لما معكم متناول لمحمد
بالاتفاق فان رسالته كانت عامة وقد قال الله له وانزلنا اليك بالحق مصدقا
لما بين يديه من الكتب ومهيمنا عليه المائدة فكتابه مهيمن على ما بين يديه
من كتب السماء وقد اوجب الله على اهل الكتابين وسائر اهل الارض الايمان به
وهذا مذكور في غير موضع من القران والحديث وهو مع انه اجماع من المسلمين
فهو معلوم بالاضطرار من دينه متواتر عنه كما تواتر عنه غزوه اليهود
والنصارى
وهل يدخل في ذلك غيره من الرسل فيه قولان قيل ان الله اخذ
ميثاق الاول من الانبياء ان يصدق الثاني وينصره وامره ان يأخذ الميثاق على
قومه بذلك وقيل بل هذا الرسول هو محمد خاصة وهذا قول الجمهور وهو الصواب
لان الانبياء قبله انما كانت دعوتهم خاصة لم يكونوا مبعوثين الى كل احد
فاذا لم يدخل في دعوته جميع اهل زمنهم ومن بعدهم كيف يدخل فيها من ادركهم
من الانبياء قبلهم والله تعالى قد بعث في كل قوم نبيا كما قال تعالى انا
ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وان من امة الا خلافيها نذير فاطر وقال ولقد
بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبو الطاغوت النحل وكذلك قوله
لتؤمنن به ولتنصرنه والنصرة مع الايمان به هو الجهاد ونوح وهود ونحوهم من
الرسل لم يؤمروا بجهاد ولكن موسى وبنوا اسرائيل امروا بالجهاد
وقوله
لما هذه اللام تسمى الموطئة للقسم فان الكلام اذا كان فيه شرط متقدم وقسم
كان جواب القسم يسد مسد جواب الشرط والقسم جميعا وادخلت اللام الموطئة على
اداة الشرط وما هنا شرطية واللام في قوله لتؤمنن به هي جواب القسم ونظير
اللام المؤطئة في قوله ولئن اتيت الذين اوتوا الكتب بكل آية ما تبعوا قبلتك
البقرة ونظير هذه الآية قوله ولئن
جآء نصر من ربك ليقولن انا كنا
معكم العنكبوت وقوله ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك الاسراء ولئن
اخرنا عنهم العذاب الى امة معدودة ليقولن ما يحبسه هود
ولهذا قال
النحاة كالمبرد والزجاج هذه لام التحقيق دخلت على ما الجزاء أي الشرطية كما
تدخل على ان ومعناه لمهما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما
معكم لتؤمنن به واللام في لتؤمنن به جواب الجزاء وكذلك قال الفراء من فتح
اللام جعلها لاما زائدة بمنزلة اليمين اذا وقعت على جزاء صرف بعد ذلك
الجزاء على جهة فعل وحرف جوابه كجواب اليمين والمعنى أي كتاب اتيتكم ثم
جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به وجواب الجزاء في قوله لتؤمن به ومعنى
قولهم جواب الجزاء في هذا أي جواب القسم تضمن ايضا جواب الجزاء فهو جواب
لهما في المعنى
والمقصود ان ما عليه جميع الامم من حكمة علمية وعملية
اذا لم يكونوا ممن يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحا فان الله لا يمدحهم
ولا يثني عليهم وهؤلاء الفلاسفة ارسطو وقومه كانوا مشركين يعبدون الاوثان
ويبنون الهياكل للكواكب فليست حكمتهم من الحكمة التي اثنى الله عليها وعلى
اهلها ومن كان من الفلاسفة الصابئة المشركين فهو من جنسهم الصابئة
وصواب التحقيق عنهم
قبل النسخ والتبديل من اليهود
والنصارى وهؤلاء ممن حمدهم الله واثنى عليهم وبعض الناس يقول ان بقراط كان
من هؤلاء
ووهب بن منبه من اعلم الناس بأخبار الامم المتقدمة وقد روى
ابن ابي حاتم بالاسناد الثابت انه قيل لوهب بن منبه ما الصابئون قال الذي
يعرف الله وحده وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا وكذلك روى عن الثورى
عن ليث عن مجاهد قال هم قوم من المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين قال
وروى عن علماء نحو ذلك أي ليس لهم شريعة مأخوذة عن نبي ولم يرد بذلك انهم
كفار فان الله قد اثنى على بعضهم فهم متمسكون بالاسلام المشترك وهو عبادة
الله وحده وايجاب الصدق والعدل وتحريم الفواحش والظلم ونحو ذلك مما اتفقت
الرسل على ايجابه وتحريمه فان هذا دخل في الاسلام العام الذي لا يقبل الله
دينا غيره وكذلك قال عبد الرحمن بن زيد هم قد يقولون لا اله الا الله فقط
وليس لهم كتاب ولا نبي
وهذا كما كانت العرب عليه قبل ان يبتدع عمرو بن
لحي الشرك وعبادة الاوثان فانهم كانوا حنفاء يعبدون الله وحده ويعظمون
ابراهيم واسماعيل ولم يكن لهم كتاب يقرؤنه ويتبعون شريعته وكان موسى قد بعث
الى بني اسرائيل بشريعة التوراة وحج البيت العتيق ولم يبعث الى العرب لا
عدنان ولد اسماعيل ولا قحطان والناس
متفقون على ان عدنان ولد
اسماعيل وربيعة ومضر واما قحطان فقال بعضهم هم ايضا من ولد اسماعيل والصحيح
انهم كانوا موجودين قبل ابراهيم بأرض اليمن ومنهم جرهم الذين سكنوا مكة
ومنهم تعلم اسماعيل العربية
واما من قال من السلف الصابئون فرقة من
اهل الكتاب يقرؤن الزبور كما نقل ذلك عن ابي العالية والضحاك والسدي وجابر
بن يزيد والربيع ابن انس فهؤلاء ارادوا من دخل في دين اهل الكتاب منهم
وكذلك من قال هم صنف من النصارى كما يروى عن ابن عباس انه قال هم صنف من
النصارى وهم السائحون المحلقة اوساط رؤسهم فهؤلاء عرفوا منهم من دخل في اهل
الكتاب
ومن قال انهم يعبدون الملائكة كما يروي عن الحسن قال هم قوم
يعبدون الملائكة وعن ابي جعفر الرازي قال بلغني ان الصابئين قوم يعبدون
الملائكة ويقرؤن الزبور ويصلون فهذا ايضا صحيح وهم صنف منهم وهؤلاء كثير من
الصابئين يعبدون الروحانيات العلوية لكن هؤلاء من المشركين منهم ليسوا من
الحنفاء
وكذلك اختلاف الفقهاء في الصابئين هل هم من اهل الكتاب ام لا
ويذكر فيه عن احمد روايتان وكذلك قولان للشافعي والذي عليه محققوا الفقهاء
انهم صنفان فمن دان بدين اهل الكتاب كان منهم والا فلا
وقال ابو
الزناد الصابئون قوم مما يلى العراق وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون من
كل سنة ثلاثين يوما ويصلون الى الشمس كل يوم خمس صلوات فهؤلاء الصابئة
الذين ادركهم الاسلام وكانوا بأرض حران والذين خبروهم عرفوا انهم ليسوا من
اهل الكتاب بل مشركون يعبدون الكواكب ولا يحل اكل
ذبائحهم ولا نكاح
نسائهم وان اظهروا الايمان بالنبيين فهو من جنس ايمان الفلاسفة بالنبيين
والفلاسفة الصابئون من هؤلاء
واما قبول الجزية منهم فهو على خلاف
المشهور فمن قبلها من غير اهل الكتاب كما يقبل من المجوس قبلها من هؤلاء
وهذا مذهب مالك وابي حنيفة واحمد في احدى الروايتين ومن لم يقبلها الا من
اهل الكتاب لم يقبلها من هؤلاء كما اذا لم يدخلوا في دين اهل الكتاب كما هو
قول الشافعي واحمد في الرواية الاخرى عنه وكان ابو سعيد الاصطخري افتى بأن
لا تقبل منهم الجزية ونازعه في ذلك جماعة من الفقهاء كون ايمان
الفلاسفة كايمان المنافقين
الحق فلا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا
يعملون صالحا فكيف هؤلاء قال تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا
باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يد ينون دين الحق من الذين
اوتوا الكتب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صغرون التوبة مع ان النصارى يقرون
بمعاد الابدان لكن لما انكروا ما اخبر به الرسول من الاكل والشرب ونحو ذلك
صاروا ممن لا يؤمن بالله واليوم الآخر وهؤلاء الفلاسفة لا يقرون بمعاد
الابدان
ولهم في معاد النفوس ثلاثة اقوال والثلاثة تذكر عن الفارابي
نفسه انه كان يقول تارة هذا وتارة هذا وتارة هذا منهم من يقر بمعاد الانفس
مطلقا ومنهم من يقول انما تعاد النفوس العالمة دون الجاهلة فان العالمة
تبقى بالعلم فان النفس تبقى ببقاء معلومها والجاهلة التي ليس لها معلوم باق
تفسد وهذا قول طائفة من اعيانهم ولهم فيه مصنفات ومنهم من ينكر معاد
الانفس كما ينكر معاد الابدان وهو قول طوائف منهم وكثير منهم يقول بالتناسخ
وكذلك لما ذكر
الملل الاربعة الذين فيهم من هو محمود سعيد قال تعالى من آمن بالله واليوم
الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يزنون البقرة
وروى الناس كابن أبي حاتم وغيره بالاسانيد الثابتة عن سفيان عن ابن ابي
نجيح عن مجاهد قال قال سلمان سألت النبي ص
الملل الاربعة الذين فيهم من هو محمود سعيد قال تعالى من آمن بالله واليوم
الآخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يزنون البقرة
وروى الناس كابن أبي حاتم وغيره بالاسانيد الثابتة عن سفيان عن ابن ابي
نجيح عن مجاهد قال قال سلمان سألت النبي ص
عن اهل دين كنت معهم فذكر من
صلاتهم وعبادتهم فنزلت ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصرى والصابئين من
آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا وكذلك ذكر السدي عن اشياخه في تفسيره
المعروف قال نزلت هذه الاية في اصحاب سلمان الفارسي بينا هو يحدث النبي ص -
اذ ذكر اصحابه فأخبره فقال كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك ويشهدون انك
ستبعث نبيا فأنزل الله هذه الاية ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصرى
والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر فقال كان ايمان اليهود انه من تمسك
بالتوراة وبسنة موسى حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة واخذ
بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا وايمان النصارى ان من تمسك
بالانجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد ص - فمن لم
يتبع محمدا ص - منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والانجيل كان هالكا قال
ابن ابي حاتم وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا
و الذين آمنوا أولا المراد
بهم امة محمد
واما ما يذكره طائفة من المفسرين في قوله ان الذين
آمنوا ان فيهم اقوالا احدها انهم هم الذين آمنوا بعيسى قبل ان يبعث محمد
قاله ابن عباس والثاني انهم الذين آمنوا بموسى وعملوا بشريعته الى ان جاء
عيسى فآمنوا به وعملوا
بشريعته لما أن جاء محمد وقالوا هذا قول
السدى عن اشياخه والثالث انهم طلاب الدين كحبيب النجار وقس بن ساعدة وسلمان
الفارسي وابي ذر وبحيرا الراهب آمنو بالنبي قبل مبعثه فمنهم من ادركه
وتابعه ومنهم من لم يدركه والخامس انهم المنافقون والسادس انهم الذين آمنوا
بالانبياء الماضين والكتب المتقدمة فلا يؤمنوا بك ولا بكتابك
فهذه
الاقوال ذكرها الثعلبي وامثاله ولم يسموا قائلها وذكرها ابو الفرج ابن
لجوزي الا السادس وسمي قائل الاولين وذكر انهم المنافقون عن الثورى وهذه
الاقوال كلها مبتدعة لم يقل الصحابة والتابعون لهم باحسان شيئا منها وما
نقل عن السدي غلط عليه وقد ذكرنا لفظه الموجود في تفسيره المنقول بالاسناد
الثابت في تفاسير الذين يذكرون الاسانيد كتفسير عبد الرحمن بن ابي حاتم
وتفسير ابي بكر بن المنذر وتفسير محمد بن جرير الطبري وامثال هذه التفاسير
وما
نقل عن ابن عباس لا يثبت
وهي أقوال باطلة فان من كان
متمسكا بشريعة عيسى قبل ان يبعث محمد ص - من غير تبديل فهم النصارى الذين
اثنى الله عليهم وكذلك من تمسك بشريعة موسى قبل النسخ و التبديل فهم اليهود
الذين اثنى الله عليهم و طلاب الدين كحبيب النجار كان على دين المسيح و
كذلك بحيرا الراهب و غيره و كل من تقدم من الانبياء و امتهم يؤمنون بمحمد
فليس هذا من خصائص هذا النفر القليل الكلام على اخذ الله ميثاق
النبيين على الايمان بمحمد
قال تعالى و اذا اخذ الله ميثاق النبيين
لما اتيتكم من كتب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه
قال اقررتم و اخذتم على ذلكم اصرى قالوا اقررنا قال فاشهدوا و انا معكم من
الشهدين و عن علي بن ابى طالب انه قال لم يبعث الله نبيا ادم و من بعده
الا اخذ عليه العهد فى محمد و امره و اخذ العهد على قومه ليؤمنن به و لئن
بعث و هم احياء لينصرنه و كذلك عن ابن عباس انه قال ما بعث الله نبيا الا
اخذ عليه العهد لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به و امره ان ياخذ الميثاق على
أمته ان بعث محمد و هم احياء ليؤمنن به و لينصرنه
و قال بعض العلماء
اخذ الميثاق على النبيين و امتهم فاجتزا بذكر الانبياء عن ذكر الامم لان فى
اخذ الميثاق على المتبوع دلالة على اخذه على التابع و حقيقة الامر ان
الميثاق اذا اخذ على الانبياء دخل فيه غيرهم لكونه تابعا لهم و لانه اذا
وجب على الانبياء الايمان به و نصره فوجوب ذلك على من اتبعهم اولى و احرى و
لهذا ذكر عن الانبياء فقط
لما اتيتكم من كتب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه
قال اقررتم و اخذتم على ذلكم اصرى قالوا اقررنا قال فاشهدوا و انا معكم من
الشهدين و عن علي بن ابى طالب انه قال لم يبعث الله نبيا ادم و من بعده
الا اخذ عليه العهد فى محمد و امره و اخذ العهد على قومه ليؤمنن به و لئن
بعث و هم احياء لينصرنه و كذلك عن ابن عباس انه قال ما بعث الله نبيا الا
اخذ عليه العهد لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به و امره ان ياخذ الميثاق على
أمته ان بعث محمد و هم احياء ليؤمنن به و لينصرنه
و قال بعض العلماء
اخذ الميثاق على النبيين و امتهم فاجتزا بذكر الانبياء عن ذكر الامم لان فى
اخذ الميثاق على المتبوع دلالة على اخذه على التابع و حقيقة الامر ان
الميثاق اذا اخذ على الانبياء دخل فيه غيرهم لكونه تابعا لهم و لانه اذا
وجب على الانبياء الايمان به و نصره فوجوب ذلك على من اتبعهم اولى و احرى و
لهذا ذكر عن الانبياء فقط
و قد قيل ان المراد باخذ الميثاق على
الأنبياء هو اخذه على قومهم فإنهم هم الذين يدركون النبي الآتي وقالوا هي
في قراءة ابن مسعود و ابي بن كعب وإذ اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب
وزعم بعضهم ان هذه القراءة هي الصواب والأولى غلط من الكتاب وهذا قول باطل
ولولا انه ذكر لما حكيته فإن ما بين لوحي المصحف متواتر والقرآن صريح في ان
الله اخذ الميثاق على النبيين فلا يلتفت الى من قال إنما اخذ على اممهم
لكن الأنبياء امروا ان يلتزموا هذا الميثاق مع علم الله وعلم من اعلمه
منهم انهم لا يدركونه كما نؤمن نحن بما تقدمنا من الأنبياء والكتب وإن لم
ندركهم وأمر الجميع بتقدير إدراكه ان يؤمنوا به وينصروه كما ان النبي ص -
اخبرنا بنزول عيسى ابن مريم من السماء على المنارة البيضاء شرقي دمشق واخبر
انه يقتل المسيح الدجال فنحن مأمورون بالايمان بالمسيح ابن مريم وطاعته إن
ادركناه وإن كان لا يأمرنا إلا بشريعة محمد و مامورون بتكذيب المسيح
الدجال و اكثر المسلمين لا يدركون ذلك بل انما يدركه بعضهم
قال طاوس
اخذ الله ميثاق النبيين بعضهم على بعض ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن
به و لتنصرنه فقال هذه الاية لاهل الكتاب اخذ الله ميثاقهم ان يؤمنوا بمحمد
و يصدقوه يعني بذلك ان من ادرك نبوة محمد منهم يعنى هم الذين ادركهم العمل
بالاية و الا فذكر ان الميثاق اخذ على النبيين بعضهم على بعض لكن ذلك عهد
واقرار مع العلم بانهم لا يدركونه و كذلك عن السدى لم يبعث الله نبيا قط من
لدن نوح الا اخذ ميثاقه ليؤمنن بمحمد و لينصرنه ان خرج و هو حى و الا اخذ
على قومه ان يؤمنوا به و ينصروه ان خرج و هم احياء و قال محمد بن اسحق ثم
ذكر ما اخذ عليهم و على انبيائهم الميثاق بتصديقه اذا هو جاءهم ه
واقرارهم به على انفسهم فقال واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتب
وحكمة ثم جاءكم الاية
وقوله رسول مصدق لما معكم متناول لمحمد
بالاتفاق فان رسالته كانت عامة وقد قال الله له وانزلنا اليك بالحق مصدقا
لما بين يديه من الكتب ومهيمنا عليه المائدة فكتابه مهيمن على ما بين يديه
من كتب السماء وقد اوجب الله على اهل الكتابين وسائر اهل الارض الايمان به
وهذا مذكور في غير موضع من القران والحديث وهو مع انه اجماع من المسلمين
فهو معلوم بالاضطرار من دينه متواتر عنه كما تواتر عنه غزوه اليهود
والنصارى
وهل يدخل في ذلك غيره من الرسل فيه قولان قيل ان الله اخذ
ميثاق الاول من الانبياء ان يصدق الثاني وينصره وامره ان يأخذ الميثاق على
قومه بذلك وقيل بل هذا الرسول هو محمد خاصة وهذا قول الجمهور وهو الصواب
لان الانبياء قبله انما كانت دعوتهم خاصة لم يكونوا مبعوثين الى كل احد
فاذا لم يدخل في دعوته جميع اهل زمنهم ومن بعدهم كيف يدخل فيها من ادركهم
من الانبياء قبلهم والله تعالى قد بعث في كل قوم نبيا كما قال تعالى انا
ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وان من امة الا خلافيها نذير فاطر وقال ولقد
بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبو الطاغوت النحل وكذلك قوله
لتؤمنن به ولتنصرنه والنصرة مع الايمان به هو الجهاد ونوح وهود ونحوهم من
الرسل لم يؤمروا بجهاد ولكن موسى وبنوا اسرائيل امروا بالجهاد
وقوله
لما هذه اللام تسمى الموطئة للقسم فان الكلام اذا كان فيه شرط متقدم وقسم
كان جواب القسم يسد مسد جواب الشرط والقسم جميعا وادخلت اللام الموطئة على
اداة الشرط وما هنا شرطية واللام في قوله لتؤمنن به هي جواب القسم ونظير
اللام المؤطئة في قوله ولئن اتيت الذين اوتوا الكتب بكل آية ما تبعوا قبلتك
البقرة ونظير هذه الآية قوله ولئن
جآء نصر من ربك ليقولن انا كنا
معكم العنكبوت وقوله ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك الاسراء ولئن
اخرنا عنهم العذاب الى امة معدودة ليقولن ما يحبسه هود
ولهذا قال
النحاة كالمبرد والزجاج هذه لام التحقيق دخلت على ما الجزاء أي الشرطية كما
تدخل على ان ومعناه لمهما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما
معكم لتؤمنن به واللام في لتؤمنن به جواب الجزاء وكذلك قال الفراء من فتح
اللام جعلها لاما زائدة بمنزلة اليمين اذا وقعت على جزاء صرف بعد ذلك
الجزاء على جهة فعل وحرف جوابه كجواب اليمين والمعنى أي كتاب اتيتكم ثم
جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به وجواب الجزاء في قوله لتؤمن به ومعنى
قولهم جواب الجزاء في هذا أي جواب القسم تضمن ايضا جواب الجزاء فهو جواب
لهما في المعنى
والمقصود ان ما عليه جميع الامم من حكمة علمية وعملية
اذا لم يكونوا ممن يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحا فان الله لا يمدحهم
ولا يثني عليهم وهؤلاء الفلاسفة ارسطو وقومه كانوا مشركين يعبدون الاوثان
ويبنون الهياكل للكواكب فليست حكمتهم من الحكمة التي اثنى الله عليها وعلى
اهلها ومن كان من الفلاسفة الصابئة المشركين فهو من جنسهم الصابئة
وصواب التحقيق عنهم
واما الصابئون الحنفاء فهم في الصابئين بمنزلة من
كان متبعا لشريعة التوراة والانجيل
كان متبعا لشريعة التوراة والانجيل
قبل النسخ والتبديل من اليهود
والنصارى وهؤلاء ممن حمدهم الله واثنى عليهم وبعض الناس يقول ان بقراط كان
من هؤلاء
ووهب بن منبه من اعلم الناس بأخبار الامم المتقدمة وقد روى
ابن ابي حاتم بالاسناد الثابت انه قيل لوهب بن منبه ما الصابئون قال الذي
يعرف الله وحده وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا وكذلك روى عن الثورى
عن ليث عن مجاهد قال هم قوم من المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين قال
وروى عن علماء نحو ذلك أي ليس لهم شريعة مأخوذة عن نبي ولم يرد بذلك انهم
كفار فان الله قد اثنى على بعضهم فهم متمسكون بالاسلام المشترك وهو عبادة
الله وحده وايجاب الصدق والعدل وتحريم الفواحش والظلم ونحو ذلك مما اتفقت
الرسل على ايجابه وتحريمه فان هذا دخل في الاسلام العام الذي لا يقبل الله
دينا غيره وكذلك قال عبد الرحمن بن زيد هم قد يقولون لا اله الا الله فقط
وليس لهم كتاب ولا نبي
وهذا كما كانت العرب عليه قبل ان يبتدع عمرو بن
لحي الشرك وعبادة الاوثان فانهم كانوا حنفاء يعبدون الله وحده ويعظمون
ابراهيم واسماعيل ولم يكن لهم كتاب يقرؤنه ويتبعون شريعته وكان موسى قد بعث
الى بني اسرائيل بشريعة التوراة وحج البيت العتيق ولم يبعث الى العرب لا
عدنان ولد اسماعيل ولا قحطان والناس
متفقون على ان عدنان ولد
اسماعيل وربيعة ومضر واما قحطان فقال بعضهم هم ايضا من ولد اسماعيل والصحيح
انهم كانوا موجودين قبل ابراهيم بأرض اليمن ومنهم جرهم الذين سكنوا مكة
ومنهم تعلم اسماعيل العربية
واما من قال من السلف الصابئون فرقة من
اهل الكتاب يقرؤن الزبور كما نقل ذلك عن ابي العالية والضحاك والسدي وجابر
بن يزيد والربيع ابن انس فهؤلاء ارادوا من دخل في دين اهل الكتاب منهم
وكذلك من قال هم صنف من النصارى كما يروى عن ابن عباس انه قال هم صنف من
النصارى وهم السائحون المحلقة اوساط رؤسهم فهؤلاء عرفوا منهم من دخل في اهل
الكتاب
ومن قال انهم يعبدون الملائكة كما يروي عن الحسن قال هم قوم
يعبدون الملائكة وعن ابي جعفر الرازي قال بلغني ان الصابئين قوم يعبدون
الملائكة ويقرؤن الزبور ويصلون فهذا ايضا صحيح وهم صنف منهم وهؤلاء كثير من
الصابئين يعبدون الروحانيات العلوية لكن هؤلاء من المشركين منهم ليسوا من
الحنفاء
وكذلك اختلاف الفقهاء في الصابئين هل هم من اهل الكتاب ام لا
ويذكر فيه عن احمد روايتان وكذلك قولان للشافعي والذي عليه محققوا الفقهاء
انهم صنفان فمن دان بدين اهل الكتاب كان منهم والا فلا
وقال ابو
الزناد الصابئون قوم مما يلى العراق وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون من
كل سنة ثلاثين يوما ويصلون الى الشمس كل يوم خمس صلوات فهؤلاء الصابئة
الذين ادركهم الاسلام وكانوا بأرض حران والذين خبروهم عرفوا انهم ليسوا من
اهل الكتاب بل مشركون يعبدون الكواكب ولا يحل اكل
ذبائحهم ولا نكاح
نسائهم وان اظهروا الايمان بالنبيين فهو من جنس ايمان الفلاسفة بالنبيين
والفلاسفة الصابئون من هؤلاء
واما قبول الجزية منهم فهو على خلاف
المشهور فمن قبلها من غير اهل الكتاب كما يقبل من المجوس قبلها من هؤلاء
وهذا مذهب مالك وابي حنيفة واحمد في احدى الروايتين ومن لم يقبلها الا من
اهل الكتاب لم يقبلها من هؤلاء كما اذا لم يدخلوا في دين اهل الكتاب كما هو
قول الشافعي واحمد في الرواية الاخرى عنه وكان ابو سعيد الاصطخري افتى بأن
لا تقبل منهم الجزية ونازعه في ذلك جماعة من الفقهاء كون ايمان
الفلاسفة كايمان المنافقين
وهذا كما ان كثيرا من الفلاسفة وغيرهم من
الزنادقة يدخلون في دين المسلمين واليهود والنصارى من الشرائع الظاهرة وان
لم يكونوا في الباطن مقرين بحقيقة ما جاءت به الانبياء كالمنافقين في
المسلمين يجري عليهم احكام الاسلام في الظاهر وهم في الاخرة في الدرك
الاسفل من النار
فان قيل هؤلاء الفلاسفة يؤمنون بالله واليوم الاخر
فانهم يقرون بواجب الوجود وبمعاد الارواح قيل النصارى خير منهم ومن اسلافهم
وهم مع هذا لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله
ورسوله ولا يدينون دين
الزنادقة يدخلون في دين المسلمين واليهود والنصارى من الشرائع الظاهرة وان
لم يكونوا في الباطن مقرين بحقيقة ما جاءت به الانبياء كالمنافقين في
المسلمين يجري عليهم احكام الاسلام في الظاهر وهم في الاخرة في الدرك
الاسفل من النار
فان قيل هؤلاء الفلاسفة يؤمنون بالله واليوم الاخر
فانهم يقرون بواجب الوجود وبمعاد الارواح قيل النصارى خير منهم ومن اسلافهم
وهم مع هذا لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله
ورسوله ولا يدينون دين
الحق فلا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا
يعملون صالحا فكيف هؤلاء قال تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا
باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يد ينون دين الحق من الذين
اوتوا الكتب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صغرون التوبة مع ان النصارى يقرون
بمعاد الابدان لكن لما انكروا ما اخبر به الرسول من الاكل والشرب ونحو ذلك
صاروا ممن لا يؤمن بالله واليوم الآخر وهؤلاء الفلاسفة لا يقرون بمعاد
الابدان
ولهم في معاد النفوس ثلاثة اقوال والثلاثة تذكر عن الفارابي
نفسه انه كان يقول تارة هذا وتارة هذا وتارة هذا منهم من يقر بمعاد الانفس
مطلقا ومنهم من يقول انما تعاد النفوس العالمة دون الجاهلة فان العالمة
تبقى بالعلم فان النفس تبقى ببقاء معلومها والجاهلة التي ليس لها معلوم باق
تفسد وهذا قول طائفة من اعيانهم ولهم فيه مصنفات ومنهم من ينكر معاد
الانفس كما ينكر معاد الابدان وهو قول طوائف منهم وكثير منهم يقول بالتناسخ
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
اليوم الآخر كما هو مذكور في القران
للمكذبين هذا يوم
لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل جمعنكم
والاولين فان كان لكم كيد فكيدون ويل يومئذ للمكذبين المرسلت وقوله تعالى
ان في ذلك لاية لمن خاف عذاب الاخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود
وما نؤخره الا لاجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقي وسعيد
هود وقوله ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم
او وزنوهم يخسرون الا يظن اولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب
العلمين المطففين وفي الصحيح عن النبي ص - انه قال يوم يقوم الناس لرب
العالمين يقوم احدهم في العرق الى انصاف اذنيه
وقوله القارعة ما
القارعة ومآ ادراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال
كالعهن المنفوش القارعة وقوله فاذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الارض
والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ
واهية والملك على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمنية يومئذ تعرضون لا
تخفى منكم خافية الحاقة وقوله اذا متنا وكنا ترابا وعظاما انا لمبعثون او
آبآؤنا الاولون قل نعم وانتم داخرون فانما هي زجرة واحدة فاذا هم ينظرون
وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون احشروا
الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم الى صراط
الجحيم وقفوهم انهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون
الصافات وقوله تعالى سأل سآئل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي
المعارج تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره
الى قوله يوم
تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسئل حميم حميما يبصرونهم يود
المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه المعارج وقوله تعالى فذرهم يخوضوا
ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذين يوعودن يوم يخرجون من الاجداث سراعا كأنهم
الى نصب يوفضون خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون
وقوله فتول عنهم يوم يدع الداع الى شيء نكر خشعا ابصارهم يخرجون من الاجداث
كأنهم جراد منتشر مهطعين الى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر وقوله تعالى
فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا وقوله
تعالى ان زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع
كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكرى ولكن عذاب الله شديد ومثل
هذا في القران كثير
فهولاء لا يؤمنون باليوم الاخر فلم يدخلوا في من
مدح من الصابئين بيان بعض ضلالات من معتقدات الفلاسفة
معلومها وهم يعتقدون بقاء
الأفلاك والعقول والنفوس فجعلوا كمالها في العلم بالموجودات التي اعتقدوا
بقاءها ومن تقرب الى الاسلام منهم يقول بل كمالها في العلم بواجب الوجود
وهذا يشبه قول الجهم بن صفوان ومن وافقه في ان الايمان مجرد العلم بالله
وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع في جواب المسئلة الصفدية وغير
ذلك وبينا انهم غلطوا من وجوه منها ظنهم ان كمال النفس في مجرد العلم
ومنها ظنهم ان هذا الكمال يحصل بمعرفة امور كلية لا موجودات معينة ومنها
ظنهم ان ما عندهم في الالهيات علم واكثر جهل ولهذا كان الغاية عندهم التشبه
بالفلك
ولهذا يصنف من يصنف منهم في الصلوة فليس المقصود منها عبادة
الله ولا دعاؤه فانه لا يعلم الجزئيات عندهم ولا يميز بين المصلي وغير
المصلي بل مقصود الصلوة هو العلم بالوجود المطلق الذي يزعمون انه كمال
النفس والصلوة الظاهرة يطلب منها سياسة البدن ورياضته وانما قالوا ان يسأل
القمر ويستعيذه فانه يدبر هذا العالم بواسطة العقل الفعال فهو عندهم الرب
الذي يسأل ويستعاذ به ومنه فاضت العلوم على الانبياء وغيرهم
وربما
قالو المقصود بالصلوة تذكر الشرع الذي شرعه الشارع ليحفظ به القانون الذي
شرعه لهم لمصلحة الدنيا كما يذكر ذلك ابن سينا وغيره وذلك انهم لا يثبتون
ان الله يسمع كلام العباد ولا يرى افعالهم ولا يجيب دعاءهم بل الدعاء عندهم
هو تصرف النفس في هيولي العالم فيحصل لها بما تهتم به من تجردها عن البدن
نوع تجريد حتى تتصرف في هيولي العالم واما الرب تعالى فليس هو عندهم لا بكل
شيء عليم ولا على كل شيء قدير ولا يعلم لا السر ولا النجوى ولا غير ذلك من
احوال العباد ولا له ملئكة كثير ينزلون ويصعدون اليه عندهم ولا
يصعد اليه لا الكلم الطيب ولا العمل الصالح وغاية الانفس عندهم ان تكون
متصلة بالعقل الفعال الذي هو ربها عندهم لا تصعد الى الله
واذا قالوا
سعادة النفس ان تشهد الله وتراه فحقيقة ذلك عندهم هو العلم بما تصورته من
الوجود المطلق او من وجود واجب الوجود وصاحب الكتب المضنون بها على غير
اهلها اذا تكلم في رؤية الحق ورؤية وجهه في كتابه الاحياء او غيره قال هذا
يعود مراده وهو معرفة النفس الناطقة بربها هذه هي الرؤية عندهم كما قد بين
ذلك في غير موضع لان الاصول التي اعتقدوها من اقوال النفاة المعلطلة
الجأتهم الى هذه العقائد الفاسدة كما قد بسط في موضعه فكيف تكون الحكمة
العلمية التي امر الله بها ورسوله موافقة لحكمة هؤلاء ضلالهم في
نفي علم الله وغيره من الصفات ورده
وبينا فسادها ولهذا لما تفطن
ابو البركات لفساد قول ارسطو افرد مقالة في العلم وتكلم على بعض ما قاله في
المعتبر وانتصف منه بعض الانتصاف مع ان الامر اعظم مما ذكره ابو البركات
واعظم عمدهم في نفيه انه يستلزم التكثر والتغير
ف التكثر يريدون به
اثبات الصفات ثم ابن سينا وغيره اثبتوا علمه بنفسه وبلوازم نفسه معينا
كالافلاك كليا كغيرها فيلزمهم ما فروا منه من تعدد الصفات وهم يقولون انه
عاقل ومعقول وعقل وعاشق ومعشوق وعشق ولذيذ وملتذ ولذة وربما قالوا مبتهج
وهي معان متعددة ثم يكابرون فيقولون العلم هو الحب وهو القدرة وهو اللذة
فيجعلون كل صفة هي الصفة الاخرى ويزيدون مكابرة اخرى فيقولون العلم هو
العالم والحب هو المحب والذة هو الملتذ فيجعلون الصفات عين الموصوف ولما
راى الطوسي شارح الاشارات ما لزم صاحبها سلك طريقة اخرى جعل فيها العلم
بالمعقولات هو نفس المعقولات مع انهم ليس لهم قط حجة على نفي الصفات الا ما
تخيلوه من ان هذا تركيب وقد بينا فساده من وجوه كثيرة
اما التغير
فقالوا العلم بالمتغيرات يستلزم ان يكون علمه بأن الشيء سيكون غير علمه بأن
قد كان فيلزم ان يكون محلا للحوادث وهم ليس عندهم على نفي هذه اللوازم حجة
اصلا لا بينة ولا شبهة وانما نفوه لنفيهم الصفات لا لامر يختص بذلك بخلاف
من نفي ذلك من الكلابية ونحوهم فانهم لما اعتقدوا ان القديم لا تقوم به
الحوادث قالوا لانها لو قامت به لم يخل منها وما لم يخل من الحوادث فهو
حادث وقد بين اتباعهم كالرازي والامدي وغيرهم فساد المقدمة الاولى التي
يخالفهم فيها جمهور العقلاء ويقولون بل القابل للشيء قد يخلو عنه وعن ضده
اما المقدمة الثانية فهي حجة المتكلمين الجهمية والقدرية ومن وافقهم من اهل
الكلام على اثبات حدوث الاجسام باستلزامها للحوادث وقالوا ما لا يخلو عن
الحوادث او ما لا يسبقها فهو حادث لبطلان حوادث لا اول لها وهو التسلسل في
الاثار
والفلاسفة لا يقولون بشيء من ذلك بل عندهم القديم تحله
الحوادث ويجوزون الحوادث لا اول لها ولهذا كان كثير من اساطينهم ومتأخريهم
كأبي البركات يخالفونهم في اثبات الصفات وقيام الحوادث بالواجب وقالوا لا
خوانهم الفلاسفة ليس معكم حجة على نفي ذلك بل هذه الحجة اثبتموها من جهة
التنزيه والتعظيم بلا حجة والرب لا يكون مدبرا للعالم الا بهذه القضية فكان
من تنزيه الرب واجلاله تنزيهه عن هذا التنزيه واجلاله عن هذا الاجلال
وللنظار في جوابهم عن هذا طريقان منهم من يمنع المقدمة الاولى ومنهم من
يمنع الثانية فالاول جواب كثير من المعتزلة والاشعري واصحابه وغيرهم ممن
ينفي حلول الحوادث فادعى هؤلاء ان العلم بأن الشيء سيكون هو عين العلم بأنه
قد كان وان المتجدد انما هو نسبته بين المعلوم والعلم لا امر ثبوتي
والثاني جواب هشام وابن كرام وابي الحسين البصري وابي عبد الله بن الخطيب
وطوائف غير هؤلاء قالوا لا محذور في هذا وانما المحذور في ان لا يعلم الشيء
حتى يكون فان هذا يستلزم انه لم يكن عالما وانه احدث بلا علم وهذا قول
باطل ادلة القران والحديث على اثبات العلم لله تعالى
نعلم يتوهم
ان هذا ينفي علمه السابق بأن سيكون وهذا جهل فان القران قد اخبر بأنه يعلم
ما سيكون في غير موضع بل ابلغ من ذلك انه قدر مقادير الخلائق كلها وكتب ذلك
قبل ان يخلقها فقد علم ما سيخلقه علما مفصلا وكتب ذلك واخبر بما اخبر به
من ذلك قبل ان يكون وقد اخبر بعلمه المتقدم على وجوده ثم لما خلقه علمه
كائنا مع علمه الذي تقدم انه سيكون فهذا هو الكمال وبذلك جاء القران في غير
موضع بل وباثبات رؤية الرب له بعد وجوده كما قال تعالى وقل اعملوا فسيرى
الله عملكم ورسوله والمؤمنون التوبة فأخبر انه سيرى اعمالهم
وقد دل
الكتاب والسنة واتفاق سلف الامة ودلائل العقل على انه سميع بصير والسمع
والبصر لا يتعلق بالمعدوم فاذا خلق الاشياء راها سبحانه واذا دعاه عباده
سمع دعاءهم وسمع نجواهم كما قال تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في
زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاور كما المجادلة أي تشتكي اليه وهو
يسمع التحاور والتحاور تراجع الكلام بينها وبين الرسول قالت عائشة سبحان
الذي وسع سمعه الاصوات لقد كانت المجادلة تشتكي الى النبي ص - في جانب
البيت وانه ليخفي على بعض كلامها فأنزل الله قد سمع الله قول التي تجادلك
في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما وكما قال تعالى لموسى وهارون
لا تخافا انني معكما اسمع وارى طه وقال ام يحسبون انا لا نسمع سرهم
ونجويهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون الزخرف
وقد ذكر الله علمه بما سيكون
بعد ان يكون في بضعة عشر موضعا في القران مع اخباره في مواضع اكثر من ذلك
انه يعلم ما يكون قبل ان يكون وقد اخبر في القران من المستقبلات التي لم
تكن بعد بما شاء الله بل اخبر بذلك نبيه وغير
نبيه ولا يحيطون بشيء
من علمه الا بما شاء بل هو سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لو كان كيف
كان يكون كقوله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه الانعام بل وقد يعلم بعض
عباده بما شاء ان يعلمه من هذا وهذا وهذا ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما
شاء
قال تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع
الرسول ممن ينقلب على عقبيه البقرة وقال ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما
يعلم الله الذين جهدوا منكم ويعلم الصبرين ال عمران وقوله وتلك الايام
نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء ال عمران
وقوله ومآ اصابكم يوم التقي الجمعن فباذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم
الذين نافقوا ال عمران وقوله ام حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين
جهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة التوبة
وقوله ثم بعثنهم لنعلم أي الحز بين احصى لما لبثوا امدا الكهف وقوله ولقد
فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكذبين الى قوله
وليعلمن الله الذين امنوا وليعلمن المنفقين العنكبوت وقوله ولنبلونكم حتى
نعلم المجهدين منكم والصبرين ونبلو اخباركم محمد وغير ذلك من المواضع
روى عن ابن عباس في قوله الا لنعلم أي لنرى وروي لنميز وهكذا قال عامة
المفسرين الا لنرى ونميز وكذلك قال جماعة من اهل العلم قالوا لنعلمه موجودا
واقعا بعد ان كان قد علم انه سيكون ولفظ بعضهم قال العلم على منزلتين علم
بالشيء قبل وجوده وعلم به بعد وجوده والحكم للعلم به بعد وجوده لانه يوجب
الثواب والعقاب قال فمعنى قوله لنعلم أي لنعلم العلم الذي يستحق به العامل
الثواب والعقاب ولا ريب انه كان عالما سبحانه بأنه سيكون لكن لم يكن
المعلوم قد وجد وهذا كقوله قل اتنبئون الله بما لا يعلم في
السموات
ولا في الارض يونس أي بما لم يوجد فانه لو وجد لعلمه فعلمه بأنه موجود
ووجوده متلازمان يلزم من ثبوت احدهما ثبوت الآخر ومن انتفائه انتفاوه
والكلام على هذا مبسوط في موضع اخر
والمقصود ان يعرف الانسان انهم
يقولون من الجهل والكفر ما هو في غاية الضلال فرارا من لازم ليس لهم قط
دليل على نفيه ولو قدر شبهة تعارض ثبوت العلم فأين هذا من هذا واين الادلة
الدالة على ثبوت علمه والمحذور في نفي علمه مما يظن انه يدل على نفي الصفات
او نفي بعضها دليلا ومحذورا
بطلان قولهم الثلاثة المذكورة في النحل
هي البرهان والخطابة والجدل
والمقصود هنا ان ما يجعلونه من القران
مطابقا لاصولهم ليس كما يقولون فان قيل لا ريب ان ما جاء به الرسول من
الحكمة والموعظة الحسنة والجدل يخالف اقوال هؤلاء الفلاسفة اعظم من مخالفته
لاقوال اليهود والنصارى لكن المقصود ان الثلاثة المذكورة في القران هي
البرهان الصحيح والخطابة الصحيحة والجدل الصحيح وان لم تكن هي عين ما ذكره
اليونان اذ المنطق لا يتعرض لشيء من المواد وانما الغرض ان هذه الثلاثة هي
جنس هذه الثلاثة
قيل وهذا ايضا باطل فان الخطابة عندهم ما كان مقدماته
مشهورة سواء كانت علما مجردا او علما يقينيا والوعظ في القران هو الامر
والنهي والترغيب والترهيب كقوله تعالى ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان
خيرا لهم واشد تثبيتا واذا لآتينهم من لدنا اجرا عظيما ولهدينهم صراطا
مستقيما النساء فقوله ما يوعظون به أي ما يؤمرون به وقال يعظكم الله ان
تعودوا لمثله ابدا ان كنتم مؤمنين النور أي ينهاكم عن ذلك
وايضا
فالقرآن ليس فيه انه قال ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل
بل قال ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم وذلك
لان
الانسان له ثلاثة احوال اما ان يعرف الحق ويعمل به واما ان يعرفه ولا يعمل
به واما ان يجحده فأفضلها ان يعرف الحق ويعمل به والثاني أن يعرفه لكن
نفسه تخافه فلا توافقه على العمل به والثالث من لا يعرفه بل يعارضه فصاحب
الحال الاول هو الذي يدعى بالحكمة فأن الحكمة هي اللم بالحق والعمل به
فالنوع الاكمل من الناس من يعرف الحق ويعمل به فيدعون بالحكمة والثاني من
يعرف الحق لكن تخالفه نفسه فهذا يوعظ الموعضة الحسنة فهاتان هما الطريقان
الحكمة والموعظة وعامة الناس يحتاجون الى هذا وهذا فأن النفس لها اهواء
تدعوها الى خلاف الحق وان عرفته فالناس يحتاجون الى الموعظة الحسنة والى
الحكمة فلا بد من الدعوة بهذا وهذا
واما الجدل فلا يدعى به بل هو من
باب دفع الصائل فاذا عارض الحق معارض جودل بالتي هى أحسن ولهذا قال وجادلهم
فجعله فعلا مأمورا به مع قوله ادعهم فأمره بالدعوة بالحكمة والموعظة
الحسنة وأمره ان يجادل بالتي هى أحسن وقال في الجدال بالتي هى أحسن ولم يقل
بالحسنة كما قال في الموعظة لان الجدال فيه مدافعة ومغاضبة فيحتاج أن يكون
بالتي هي احسن حتى يصلح ما فيه من الممانعة والمدافعة والموعظة لا تدافع
كما يدافع المجادل فما دام الرجل قابلا للحكمة أو الموعظة الحسنة أو لهما
جميعا لم يحتج الى مجادلة فاذا مانع جودل بالتي هى أحسن
والمجادلة
يعلم كما أن الحكمة بعلم وقد ذم الله من يجادل بغير علم فقال تعالى هأنتم
هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ال عمران
والله لا يأمر المؤمنين أن يجادلوا بمقدمة يسلمها الخصم إن لم تكن علما فلو
قدر انه قال باطلا لم يأمر الله ان يحتج عليهم بالباطل لكن هذا قدر يفعل
لبيان فساد قوله وبيان تناقضه لا لبيان الدعوة الى القول الحق والقرآن
مقصوده بيان الحق ودعوة العباد إليه وليس المقصود ذكر ما تناقضوا فيه من
أقوالهم ليبين
خطأ احدهما لا بعينه فالمقدمات الجدلية التي ليست
علما هذا فائدتها وهذا يصلح لبيان خطأ الناس مجملا
ثم إنهم تارة
يجعلون النبوة إنما هى من باب الخطابة وتارة يجعلون الخطابة احد انواع
كلامها فيتناقضون وسبب ذلك أن القرآن أمر عظيم باهر لم يعرفوا قدره ولا
دروا ما فيه من العلم والحكمة وأرادوا أن يشبهوا به كلام قوم كفار اليهود
والنصارى أقل ضلالا منهم في معرفة الله ومعرفة أنبيائه وكتبه وامره ونهيه
ووعده ووعيده ولو شبه مشبه القرآن بالتوارة والانجيل لظهر خطأه غاية الظهور
والجميع كلام الله تعالى فكيف بكلام هؤلاء الملاحدة
وليس شيء من ذلك ايمانا
باليوم الاخر فان اليوم الاخر هو الذي ذكره الله في قوله تعالى ربنا انك
جامع الناس ليوم لا ريب فيه ال عمران وقوله تعالى قل إن الأولينوالآخرين
لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم الواقعة وقوله تعالى زعم الذين كفروا ان لن
يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير فامنوا
بالله ورسوله والنور الذي انزلنا والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم ليوم
الجمع ذلك يوم التغابن التغابن وقوله تعالى واذا الرسل اقتت لاي يوم اجلت
ليوم الفصل وما ادراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين الى قوله انطلقوا
الى ما كنتم به تكذبون انطلقوا الى ظل ذي ثلث شعب لا ظليل ولا يغنى من
اللهب انها ترمي بشرر كالقصر كأنه جملت صفر ويل يومئذ
باليوم الاخر فان اليوم الاخر هو الذي ذكره الله في قوله تعالى ربنا انك
جامع الناس ليوم لا ريب فيه ال عمران وقوله تعالى قل إن الأولينوالآخرين
لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم الواقعة وقوله تعالى زعم الذين كفروا ان لن
يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير فامنوا
بالله ورسوله والنور الذي انزلنا والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم ليوم
الجمع ذلك يوم التغابن التغابن وقوله تعالى واذا الرسل اقتت لاي يوم اجلت
ليوم الفصل وما ادراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين الى قوله انطلقوا
الى ما كنتم به تكذبون انطلقوا الى ظل ذي ثلث شعب لا ظليل ولا يغنى من
اللهب انها ترمي بشرر كالقصر كأنه جملت صفر ويل يومئذ
للمكذبين هذا يوم
لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل جمعنكم
والاولين فان كان لكم كيد فكيدون ويل يومئذ للمكذبين المرسلت وقوله تعالى
ان في ذلك لاية لمن خاف عذاب الاخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود
وما نؤخره الا لاجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقي وسعيد
هود وقوله ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم
او وزنوهم يخسرون الا يظن اولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب
العلمين المطففين وفي الصحيح عن النبي ص - انه قال يوم يقوم الناس لرب
العالمين يقوم احدهم في العرق الى انصاف اذنيه
وقوله القارعة ما
القارعة ومآ ادراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال
كالعهن المنفوش القارعة وقوله فاذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الارض
والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ
واهية والملك على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمنية يومئذ تعرضون لا
تخفى منكم خافية الحاقة وقوله اذا متنا وكنا ترابا وعظاما انا لمبعثون او
آبآؤنا الاولون قل نعم وانتم داخرون فانما هي زجرة واحدة فاذا هم ينظرون
وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون احشروا
الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم الى صراط
الجحيم وقفوهم انهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون
الصافات وقوله تعالى سأل سآئل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي
المعارج تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره
الى قوله يوم
تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسئل حميم حميما يبصرونهم يود
المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه المعارج وقوله تعالى فذرهم يخوضوا
ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذين يوعودن يوم يخرجون من الاجداث سراعا كأنهم
الى نصب يوفضون خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون
وقوله فتول عنهم يوم يدع الداع الى شيء نكر خشعا ابصارهم يخرجون من الاجداث
كأنهم جراد منتشر مهطعين الى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر وقوله تعالى
فكيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا وقوله
تعالى ان زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع
كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكرى ولكن عذاب الله شديد ومثل
هذا في القران كثير
فهولاء لا يؤمنون باليوم الاخر فلم يدخلوا في من
مدح من الصابئين بيان بعض ضلالات من معتقدات الفلاسفة
وايضا
لأنبياء واتباعهم بل وجماهير الأمم متفقون على ان الله خلق السموات والأرض
فهي محدثة بعد ان لم تكن وكذلك اساطين الفلاسفة والقول بقدمها هو عن ارسطو
وشيعته ومن وافقهم فكيف يجوز ان يقال إن الحكمة التي امر الله نبيه ان يدعو
الخلق بها هو هذا
وايضا فحكمتهم غايتها تعديل اخلاق النفس لتستعد
للعلم الذي هو كمالها وهذا من اقل ما جاء به الرسل ومن توابعه والمقصود
بالعبادات التي امرت بها الرسل تكميل النفس بمحبة الله تعالى وتألهه فإن
النفس لها قوتان علمية وعملية وهؤلاء جعلوا كمالها في العلم فقط ثم ظنوا
ذلك هو العلم بالوجود المطلق حتى يصير الانسان عالما معقولا موازيا للعالم
الموجود ومنهم من يقول النفس إنما تبقى ببقاء
لأنبياء واتباعهم بل وجماهير الأمم متفقون على ان الله خلق السموات والأرض
فهي محدثة بعد ان لم تكن وكذلك اساطين الفلاسفة والقول بقدمها هو عن ارسطو
وشيعته ومن وافقهم فكيف يجوز ان يقال إن الحكمة التي امر الله نبيه ان يدعو
الخلق بها هو هذا
وايضا فحكمتهم غايتها تعديل اخلاق النفس لتستعد
للعلم الذي هو كمالها وهذا من اقل ما جاء به الرسل ومن توابعه والمقصود
بالعبادات التي امرت بها الرسل تكميل النفس بمحبة الله تعالى وتألهه فإن
النفس لها قوتان علمية وعملية وهؤلاء جعلوا كمالها في العلم فقط ثم ظنوا
ذلك هو العلم بالوجود المطلق حتى يصير الانسان عالما معقولا موازيا للعالم
الموجود ومنهم من يقول النفس إنما تبقى ببقاء
معلومها وهم يعتقدون بقاء
الأفلاك والعقول والنفوس فجعلوا كمالها في العلم بالموجودات التي اعتقدوا
بقاءها ومن تقرب الى الاسلام منهم يقول بل كمالها في العلم بواجب الوجود
وهذا يشبه قول الجهم بن صفوان ومن وافقه في ان الايمان مجرد العلم بالله
وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع في جواب المسئلة الصفدية وغير
ذلك وبينا انهم غلطوا من وجوه منها ظنهم ان كمال النفس في مجرد العلم
ومنها ظنهم ان هذا الكمال يحصل بمعرفة امور كلية لا موجودات معينة ومنها
ظنهم ان ما عندهم في الالهيات علم واكثر جهل ولهذا كان الغاية عندهم التشبه
بالفلك
ولهذا يصنف من يصنف منهم في الصلوة فليس المقصود منها عبادة
الله ولا دعاؤه فانه لا يعلم الجزئيات عندهم ولا يميز بين المصلي وغير
المصلي بل مقصود الصلوة هو العلم بالوجود المطلق الذي يزعمون انه كمال
النفس والصلوة الظاهرة يطلب منها سياسة البدن ورياضته وانما قالوا ان يسأل
القمر ويستعيذه فانه يدبر هذا العالم بواسطة العقل الفعال فهو عندهم الرب
الذي يسأل ويستعاذ به ومنه فاضت العلوم على الانبياء وغيرهم
وربما
قالو المقصود بالصلوة تذكر الشرع الذي شرعه الشارع ليحفظ به القانون الذي
شرعه لهم لمصلحة الدنيا كما يذكر ذلك ابن سينا وغيره وذلك انهم لا يثبتون
ان الله يسمع كلام العباد ولا يرى افعالهم ولا يجيب دعاءهم بل الدعاء عندهم
هو تصرف النفس في هيولي العالم فيحصل لها بما تهتم به من تجردها عن البدن
نوع تجريد حتى تتصرف في هيولي العالم واما الرب تعالى فليس هو عندهم لا بكل
شيء عليم ولا على كل شيء قدير ولا يعلم لا السر ولا النجوى ولا غير ذلك من
احوال العباد ولا له ملئكة كثير ينزلون ويصعدون اليه عندهم ولا
يصعد اليه لا الكلم الطيب ولا العمل الصالح وغاية الانفس عندهم ان تكون
متصلة بالعقل الفعال الذي هو ربها عندهم لا تصعد الى الله
واذا قالوا
سعادة النفس ان تشهد الله وتراه فحقيقة ذلك عندهم هو العلم بما تصورته من
الوجود المطلق او من وجود واجب الوجود وصاحب الكتب المضنون بها على غير
اهلها اذا تكلم في رؤية الحق ورؤية وجهه في كتابه الاحياء او غيره قال هذا
يعود مراده وهو معرفة النفس الناطقة بربها هذه هي الرؤية عندهم كما قد بين
ذلك في غير موضع لان الاصول التي اعتقدوها من اقوال النفاة المعلطلة
الجأتهم الى هذه العقائد الفاسدة كما قد بسط في موضعه فكيف تكون الحكمة
العلمية التي امر الله بها ورسوله موافقة لحكمة هؤلاء ضلالهم في
نفي علم الله وغيره من الصفات ورده
ونحن قد بسطنا الكلام على فساد
قولهم في العلم وغيره من الصفات وبينا اصولهم التي اوجبت ان قالوا مثل هذه
الاقوال التي هي من اعظم الفرية على الله
قولهم في العلم وغيره من الصفات وبينا اصولهم التي اوجبت ان قالوا مثل هذه
الاقوال التي هي من اعظم الفرية على الله
وبينا فسادها ولهذا لما تفطن
ابو البركات لفساد قول ارسطو افرد مقالة في العلم وتكلم على بعض ما قاله في
المعتبر وانتصف منه بعض الانتصاف مع ان الامر اعظم مما ذكره ابو البركات
واعظم عمدهم في نفيه انه يستلزم التكثر والتغير
ف التكثر يريدون به
اثبات الصفات ثم ابن سينا وغيره اثبتوا علمه بنفسه وبلوازم نفسه معينا
كالافلاك كليا كغيرها فيلزمهم ما فروا منه من تعدد الصفات وهم يقولون انه
عاقل ومعقول وعقل وعاشق ومعشوق وعشق ولذيذ وملتذ ولذة وربما قالوا مبتهج
وهي معان متعددة ثم يكابرون فيقولون العلم هو الحب وهو القدرة وهو اللذة
فيجعلون كل صفة هي الصفة الاخرى ويزيدون مكابرة اخرى فيقولون العلم هو
العالم والحب هو المحب والذة هو الملتذ فيجعلون الصفات عين الموصوف ولما
راى الطوسي شارح الاشارات ما لزم صاحبها سلك طريقة اخرى جعل فيها العلم
بالمعقولات هو نفس المعقولات مع انهم ليس لهم قط حجة على نفي الصفات الا ما
تخيلوه من ان هذا تركيب وقد بينا فساده من وجوه كثيرة
اما التغير
فقالوا العلم بالمتغيرات يستلزم ان يكون علمه بأن الشيء سيكون غير علمه بأن
قد كان فيلزم ان يكون محلا للحوادث وهم ليس عندهم على نفي هذه اللوازم حجة
اصلا لا بينة ولا شبهة وانما نفوه لنفيهم الصفات لا لامر يختص بذلك بخلاف
من نفي ذلك من الكلابية ونحوهم فانهم لما اعتقدوا ان القديم لا تقوم به
الحوادث قالوا لانها لو قامت به لم يخل منها وما لم يخل من الحوادث فهو
حادث وقد بين اتباعهم كالرازي والامدي وغيرهم فساد المقدمة الاولى التي
يخالفهم فيها جمهور العقلاء ويقولون بل القابل للشيء قد يخلو عنه وعن ضده
اما المقدمة الثانية فهي حجة المتكلمين الجهمية والقدرية ومن وافقهم من اهل
الكلام على اثبات حدوث الاجسام باستلزامها للحوادث وقالوا ما لا يخلو عن
الحوادث او ما لا يسبقها فهو حادث لبطلان حوادث لا اول لها وهو التسلسل في
الاثار
والفلاسفة لا يقولون بشيء من ذلك بل عندهم القديم تحله
الحوادث ويجوزون الحوادث لا اول لها ولهذا كان كثير من اساطينهم ومتأخريهم
كأبي البركات يخالفونهم في اثبات الصفات وقيام الحوادث بالواجب وقالوا لا
خوانهم الفلاسفة ليس معكم حجة على نفي ذلك بل هذه الحجة اثبتموها من جهة
التنزيه والتعظيم بلا حجة والرب لا يكون مدبرا للعالم الا بهذه القضية فكان
من تنزيه الرب واجلاله تنزيهه عن هذا التنزيه واجلاله عن هذا الاجلال
وللنظار في جوابهم عن هذا طريقان منهم من يمنع المقدمة الاولى ومنهم من
يمنع الثانية فالاول جواب كثير من المعتزلة والاشعري واصحابه وغيرهم ممن
ينفي حلول الحوادث فادعى هؤلاء ان العلم بأن الشيء سيكون هو عين العلم بأنه
قد كان وان المتجدد انما هو نسبته بين المعلوم والعلم لا امر ثبوتي
والثاني جواب هشام وابن كرام وابي الحسين البصري وابي عبد الله بن الخطيب
وطوائف غير هؤلاء قالوا لا محذور في هذا وانما المحذور في ان لا يعلم الشيء
حتى يكون فان هذا يستلزم انه لم يكن عالما وانه احدث بلا علم وهذا قول
باطل ادلة القران والحديث على اثبات العلم لله تعالى
وعامة من
يستشكل الايات الواردة في هذا المعنى كقوله الا لنعلم حتى
يستشكل الايات الواردة في هذا المعنى كقوله الا لنعلم حتى
نعلم يتوهم
ان هذا ينفي علمه السابق بأن سيكون وهذا جهل فان القران قد اخبر بأنه يعلم
ما سيكون في غير موضع بل ابلغ من ذلك انه قدر مقادير الخلائق كلها وكتب ذلك
قبل ان يخلقها فقد علم ما سيخلقه علما مفصلا وكتب ذلك واخبر بما اخبر به
من ذلك قبل ان يكون وقد اخبر بعلمه المتقدم على وجوده ثم لما خلقه علمه
كائنا مع علمه الذي تقدم انه سيكون فهذا هو الكمال وبذلك جاء القران في غير
موضع بل وباثبات رؤية الرب له بعد وجوده كما قال تعالى وقل اعملوا فسيرى
الله عملكم ورسوله والمؤمنون التوبة فأخبر انه سيرى اعمالهم
وقد دل
الكتاب والسنة واتفاق سلف الامة ودلائل العقل على انه سميع بصير والسمع
والبصر لا يتعلق بالمعدوم فاذا خلق الاشياء راها سبحانه واذا دعاه عباده
سمع دعاءهم وسمع نجواهم كما قال تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في
زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاور كما المجادلة أي تشتكي اليه وهو
يسمع التحاور والتحاور تراجع الكلام بينها وبين الرسول قالت عائشة سبحان
الذي وسع سمعه الاصوات لقد كانت المجادلة تشتكي الى النبي ص - في جانب
البيت وانه ليخفي على بعض كلامها فأنزل الله قد سمع الله قول التي تجادلك
في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما وكما قال تعالى لموسى وهارون
لا تخافا انني معكما اسمع وارى طه وقال ام يحسبون انا لا نسمع سرهم
ونجويهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون الزخرف
وقد ذكر الله علمه بما سيكون
بعد ان يكون في بضعة عشر موضعا في القران مع اخباره في مواضع اكثر من ذلك
انه يعلم ما يكون قبل ان يكون وقد اخبر في القران من المستقبلات التي لم
تكن بعد بما شاء الله بل اخبر بذلك نبيه وغير
نبيه ولا يحيطون بشيء
من علمه الا بما شاء بل هو سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لو كان كيف
كان يكون كقوله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه الانعام بل وقد يعلم بعض
عباده بما شاء ان يعلمه من هذا وهذا وهذا ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما
شاء
قال تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع
الرسول ممن ينقلب على عقبيه البقرة وقال ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما
يعلم الله الذين جهدوا منكم ويعلم الصبرين ال عمران وقوله وتلك الايام
نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء ال عمران
وقوله ومآ اصابكم يوم التقي الجمعن فباذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم
الذين نافقوا ال عمران وقوله ام حسبتم ان تتركوا ولما يعلم الله الذين
جهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة التوبة
وقوله ثم بعثنهم لنعلم أي الحز بين احصى لما لبثوا امدا الكهف وقوله ولقد
فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكذبين الى قوله
وليعلمن الله الذين امنوا وليعلمن المنفقين العنكبوت وقوله ولنبلونكم حتى
نعلم المجهدين منكم والصبرين ونبلو اخباركم محمد وغير ذلك من المواضع
روى عن ابن عباس في قوله الا لنعلم أي لنرى وروي لنميز وهكذا قال عامة
المفسرين الا لنرى ونميز وكذلك قال جماعة من اهل العلم قالوا لنعلمه موجودا
واقعا بعد ان كان قد علم انه سيكون ولفظ بعضهم قال العلم على منزلتين علم
بالشيء قبل وجوده وعلم به بعد وجوده والحكم للعلم به بعد وجوده لانه يوجب
الثواب والعقاب قال فمعنى قوله لنعلم أي لنعلم العلم الذي يستحق به العامل
الثواب والعقاب ولا ريب انه كان عالما سبحانه بأنه سيكون لكن لم يكن
المعلوم قد وجد وهذا كقوله قل اتنبئون الله بما لا يعلم في
السموات
ولا في الارض يونس أي بما لم يوجد فانه لو وجد لعلمه فعلمه بأنه موجود
ووجوده متلازمان يلزم من ثبوت احدهما ثبوت الآخر ومن انتفائه انتفاوه
والكلام على هذا مبسوط في موضع اخر
والمقصود ان يعرف الانسان انهم
يقولون من الجهل والكفر ما هو في غاية الضلال فرارا من لازم ليس لهم قط
دليل على نفيه ولو قدر شبهة تعارض ثبوت العلم فأين هذا من هذا واين الادلة
الدالة على ثبوت علمه والمحذور في نفي علمه مما يظن انه يدل على نفي الصفات
او نفي بعضها دليلا ومحذورا
بطلان قولهم الثلاثة المذكورة في النحل
هي البرهان والخطابة والجدل
والمقصود هنا ان ما يجعلونه من القران
مطابقا لاصولهم ليس كما يقولون فان قيل لا ريب ان ما جاء به الرسول من
الحكمة والموعظة الحسنة والجدل يخالف اقوال هؤلاء الفلاسفة اعظم من مخالفته
لاقوال اليهود والنصارى لكن المقصود ان الثلاثة المذكورة في القران هي
البرهان الصحيح والخطابة الصحيحة والجدل الصحيح وان لم تكن هي عين ما ذكره
اليونان اذ المنطق لا يتعرض لشيء من المواد وانما الغرض ان هذه الثلاثة هي
جنس هذه الثلاثة
قيل وهذا ايضا باطل فان الخطابة عندهم ما كان مقدماته
مشهورة سواء كانت علما مجردا او علما يقينيا والوعظ في القران هو الامر
والنهي والترغيب والترهيب كقوله تعالى ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان
خيرا لهم واشد تثبيتا واذا لآتينهم من لدنا اجرا عظيما ولهدينهم صراطا
مستقيما النساء فقوله ما يوعظون به أي ما يؤمرون به وقال يعظكم الله ان
تعودوا لمثله ابدا ان كنتم مؤمنين النور أي ينهاكم عن ذلك
وايضا
فالقرآن ليس فيه انه قال ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل
بل قال ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم وذلك
لان
الانسان له ثلاثة احوال اما ان يعرف الحق ويعمل به واما ان يعرفه ولا يعمل
به واما ان يجحده فأفضلها ان يعرف الحق ويعمل به والثاني أن يعرفه لكن
نفسه تخافه فلا توافقه على العمل به والثالث من لا يعرفه بل يعارضه فصاحب
الحال الاول هو الذي يدعى بالحكمة فأن الحكمة هي اللم بالحق والعمل به
فالنوع الاكمل من الناس من يعرف الحق ويعمل به فيدعون بالحكمة والثاني من
يعرف الحق لكن تخالفه نفسه فهذا يوعظ الموعضة الحسنة فهاتان هما الطريقان
الحكمة والموعظة وعامة الناس يحتاجون الى هذا وهذا فأن النفس لها اهواء
تدعوها الى خلاف الحق وان عرفته فالناس يحتاجون الى الموعظة الحسنة والى
الحكمة فلا بد من الدعوة بهذا وهذا
واما الجدل فلا يدعى به بل هو من
باب دفع الصائل فاذا عارض الحق معارض جودل بالتي هى أحسن ولهذا قال وجادلهم
فجعله فعلا مأمورا به مع قوله ادعهم فأمره بالدعوة بالحكمة والموعظة
الحسنة وأمره ان يجادل بالتي هى أحسن وقال في الجدال بالتي هى أحسن ولم يقل
بالحسنة كما قال في الموعظة لان الجدال فيه مدافعة ومغاضبة فيحتاج أن يكون
بالتي هي احسن حتى يصلح ما فيه من الممانعة والمدافعة والموعظة لا تدافع
كما يدافع المجادل فما دام الرجل قابلا للحكمة أو الموعظة الحسنة أو لهما
جميعا لم يحتج الى مجادلة فاذا مانع جودل بالتي هى أحسن
والمجادلة
يعلم كما أن الحكمة بعلم وقد ذم الله من يجادل بغير علم فقال تعالى هأنتم
هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ال عمران
والله لا يأمر المؤمنين أن يجادلوا بمقدمة يسلمها الخصم إن لم تكن علما فلو
قدر انه قال باطلا لم يأمر الله ان يحتج عليهم بالباطل لكن هذا قدر يفعل
لبيان فساد قوله وبيان تناقضه لا لبيان الدعوة الى القول الحق والقرآن
مقصوده بيان الحق ودعوة العباد إليه وليس المقصود ذكر ما تناقضوا فيه من
أقوالهم ليبين
خطأ احدهما لا بعينه فالمقدمات الجدلية التي ليست
علما هذا فائدتها وهذا يصلح لبيان خطأ الناس مجملا
ثم إنهم تارة
يجعلون النبوة إنما هى من باب الخطابة وتارة يجعلون الخطابة احد انواع
كلامها فيتناقضون وسبب ذلك أن القرآن أمر عظيم باهر لم يعرفوا قدره ولا
دروا ما فيه من العلم والحكمة وأرادوا أن يشبهوا به كلام قوم كفار اليهود
والنصارى أقل ضلالا منهم في معرفة الله ومعرفة أنبيائه وكتبه وامره ونهيه
ووعده ووعيده ولو شبه مشبه القرآن بالتوارة والانجيل لظهر خطأه غاية الظهور
والجميع كلام الله تعالى فكيف بكلام هؤلاء الملاحدة
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الوجه الثاني عشر
كون نفيهم وجود الجن والمئلكة والوحي قولا
بلا علم
الظاهر ولا معهم
ان النفس قد ترى غيرهما ما هو من أحوالها مثل ان ترى عند الموت امورا
موجودة لم تكن تراها وهي متعلقة بالبدن وكذلك النائم وإن كان قد يتخيل فليس
معهم علم بأن كل ما يراه يكون تخيلا مع إمكان أن يرى في منامه من جنس ما
يراه الميت عند مفارقة روحه بدنه فان النفس الناطقة هى الرائية وإنما
يمنعها من ذلك تعلقها بالبدن فاذا تم تجردها بالموت رأت ما لم تكن تراه كما
قال تعالى فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ق وقال تعالى فلولا إذا بلغت
الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون الواقعة
قال المفسرون يعنى الملائكة وكذلك بالنوم قد يحصل لها نوع تجريد ولهذا من
الناس من يرى في منامه شيئا فيأتى كما يراه من غير تغيير أصلا بل يكون
المرئى في المنام هو الموجود في اليقظة
وأما رؤية كثير من الناس للجن
حال الصرع وغير الصرع فهذا أكثر وأشهر من أن يذكر وما يدعيه الاطباء من أن
الصرع كله من الاخلاط فغلطه ظاهر فان دخول الجنى بدن الانسى وتكلمه على
لسانه بأنواع من الكلام وغير ذلك أمر قد علمه كثير من الناس بالضرورة وقد
اتفق عليه أئمة الاسلام كما اتفقوا على وجود الجن وقد رآهم غير واحد من
الناس وخاطبوهم فهذا باب واسع فما الظن بالملائكة الكرام التي يراهم
الانبياء صلوات الله عليهم يرونهم بباطنهم وظاهرهم
وايضا فقد تواتر في
الكتب الالهية والاحاديث النبوية ان الملائكة تتصور بصورة البشر وكذلك
الجن ويرون في تلك الصورة كما أخبر الله عن ضيف إبراهيم في غير موضع من
كتابه وكما اخبر عن مريم انه ارسل اليها الروح وهو جبريل فتمثل لها بشرا
سويا قالت إنى اعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لاهب لك
غلما زكيا مريم
وجميع هذه الامور ليس معهم على نفيها إلا ما هو من
أضعف الشبه فنفيهم مثل هذه الحسيات الباطنة والظاهرة قول بلا علم ولهذا
صاروا يحملون ما جاءت به
الانبياء على أنه من باب التخيل في النفس
ويجعلون الملئكة وكلام الله الذي بلغوه هو ما يتخيل في نفس النبي من الصور
والاصوات كما يتخيل للنائم وذلك من أعراضه القائمة به ليس هناك عندهم ملك
منفصل ولا كلام نزل به الملك من الله عندهم
وكل ما ينفونه من هذا ليس
معهم فيه إلا الجهل المحض فهم يكذبون بما لم يحيطوا بعلمه ولم يأتهم تأويله
مع ان عامه أساطين الفلاسفة كانوا يقرون بهذه الاشياء وكذلك ائمة الاطباء
كأبقراط وغيره يقر بالجن ويجعل الصرع نوعين صرعا من الخلط وصرعا من الجن
ويقول في بعض الادوية هذا ينفع من الصرع الذي يعالجه الاطباء لا الصرع الذي
يعالجه أرباب الهياكل ونقل عنه أنه قال طبنا بالنسبة الى طب أرباب الهياكل
كطب العجائز بالنسبة الى طبنا وهذه الامور لبسطها موضع آخر
وإنما
المقصود أن ما تلقوه من القواعد الفاسدة المنطقية من نفى ما لم يعلم نفيه
اوجب لهم من الجهل والكفر ما صاروا به اسوأ حالا من كفار اليهود والنصارى
وادعى ابن سينا وموافقوه ان اسباب العجائب في العالم إما قوة فلكية وإما
قوة نفسانية وإما قوة طبيعية وأهل السحر منهم والطلسمات يعلمون من وجود
الجن ومعاونتهم لهم على الامور العجيبة ما هو متواتر مشهور عندهم فضلا عما
يعلمه المسلمون وسائر أهل الملل من ذلك فضلا عن العلم بالملئكة وما وكلهم
الله من الامور التي يدبرونها كما قال فيهم المدبرات امرا النازعات وقال ف
المقسمات امرا الذاريات وهم الملئكة باتفاق السلف وغيرهم من علماء المسلمين
لم يقل أحد من السلف إنها الكواكب الوجه الثالث عشر
طريقهم
لا يفرق بين الحق والباطل بخلاف طريقة الانبياء
للمستدل بها وكونها
جدلية معناه كونها مسلمة وكونها خطابية معناه كونها مشهورة او مقبولة او
مظنونة وجميع هذه الفروق هى نسب وإضافات عارضة للقضية ليس فيها ما هو صفة
ملازمة لها فضلا عن ان تكون ذاتية لها على أصلهم بل ليس فيها ما هو صفة لها
في نفسها بل هذه صفات نسبية باعتبار شعور الشاعر بها ومعلوم أن القضية قد
تكون حقا والانسان لا يشعر بها فضلا عن أن يظنها او يعلمها وكذلك قد تكون
خطابية او جدلية وهى حق في نفسها بل قد تكون برهانية ايضا كما قد سلموا ذلك
وإذا كان كذلك فالرسل صلوات الله عليهم أخبروا بالقضايا التي هى حق
في نفسها لا تكون كذبا باطلا قط وبينوا من الطرق العلمية التي يعرف بها صدق
تلك القضايا ما هو مشترك ينتفع به جنس بني آدم وهذا هو العلم النافع للناس
وأما هؤلاء المتفلسفة فلم يسلكوا هذا المسلك بل سلكوا في القضايا
الامر النسبى فجعلوا البرهانيات ما علمه المستدل وغير ذلك لم يجعلوه
برهانيات وإن علمه مستدل آخر والجدليات ما سلمه المنازع وإن لم يسلمه غيره
وعلى هذا فتكون من البرهانيات عند إنسان وطائفة ما ليس من البرهانيات عند
إنسان وطائفة أخرى فلا يمكن ان تحد القضايا العلمية بحد جامع مانع بل تختلف
باختلاف احوال من علمها ومن لم يعلمها حتى إن اهل الصناعات عند أهل كل
صناعة من القضايا التي يعلمونها ما لا يعلمها غيرهم
وحينئذ فيمتنع أن
تكون طريقهم مميزة للحق من الباطل والصدق من الكذب باعتبار ما هو الامر
عليه في نفسه ويمتنع أن تكون منفعتها مشتركة بين الادميين بخلاف طريقة
الانبياء فانهم اخبروا بالقضايا الصادقة التي تفرق بين الحق والباطل والصدق
والكذب فكل ما ناقض الصدق فهو كذب وكل ما ناقض الحق فهو باطل فلهذا جعل
الله ما انزله من الكتاب حاكما بين الناس فيما اختلفوا فيه وانزل ايضا
الميزان وهو ما يوزن به ويعرف به الحق من الباطل ولكل حق ميزان
يوزن به بخلاف ما فعله الفلاسفة المنطقيون فانه لا يمكن ان يكون هاديا للحق
ولا مفرقا بين الحق والباطل ولا هو ميزان يعرف بها الحق من الباطل واما
المتكلمون فما كان في كلامهم موافقا لما جاءت به الانبياء فهو منه وما
خالفه فهو من البدع الباطلة شرعا وعقلا
فان قيل نحن نجعل البرهانيات
اضافية فكل ما علمه الانسان بمقدماته فهو برهاني عنده وان لم يكن برهانيا
عند غيره قيل لم يفعلوا ذلك فان من سلك هذا السبيل لم يجد مواد البرهان في
اشياء معينة مع امكان علم كثير من الناس لامور اخر بغيرتلك المواد المعينة
التي عينوها واذا قالوا نحن لا نعين المواد فقد بطل احد اجزاء المنطق وهو
المطلوب الوجه الرابع عشر
فساد جعلهم علوم الانبياء تحصل
بواسطة القياس المنطقي
وشعيب وسائر الرسل
وكذلك ما أخبر به النبي ص - من المستقبلات فعلم بذلك أن ما علمه الرسول لم
يكن بواسطة القياس المنطقي
بل قد جعل ابن سينا علم الرب بمفعولاته من
هذا الباب فانه يعلم نفسه والعلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول فجعل علمه
يحصل بهذه الواسطة وهذا يصلح ان يكون دليلا على علمه بمخلوقاته لا ان يكون
علمه بمخلوقاته يفتقر الى حد اوسط مع انه لم يعط هذا البرهان موجبه بل انكر
علمه بالجزئيات التي في الموجودات الاخرى فان لم يعلم الجزئيات لم يعلم
شيئا من المخلوقات مع ان العقول والنفوس والافلاك كلها جزئية ونفسه أيضا
معينة ولهذا أراد بعضهم جبر هذا التناقض فقال إنما نفى علمه بالجزئيات في
الامور الممتغيرة فيقال التغير من لوازم الفلك فلا يكون الفلك إلا متغيرا
وصدور المعلول المتغير عن علة غير متغيرة ممتنع بالضرورة كما قد بسط في
موضعه جعلهم معرفة النبي بالغيب مستفادة من النفس الفلكية وبيان
فساده من عشرة
العقول ونفوس البشر عندهم تتصل بها وتنقش في نفوس
البشر ما فيها
ولهذا يقول بعض الشيوخ الذين يتكلمون باللوح المحفوظ
على طريقة هؤلاء إما عن معرفة بأن هذا قولهم وإما عن متابعة منهم لمن قال
ذلك من شيوخهم الذين أخذوا ذلك عن الفلاسفة كما يوجد في كلام أبن عربي وابن
سبعين والشاذلى وغيرهم يقولون إن العارف قد يطلع على اللوح المحفوظ وأنه
يعلم أسماء مريديه من اللوح المحفوظ أو انه يعلم كل ولى كان ويكون من اللوح
المحفوظ ونحو هذه الدعاوى التي مضمونها انهم يعلمون ما في اللوح المحفوظ
وهذا باطل مخالف لدين المسلمين وغيرهم من أتباع الرسل
والمقصود هنا
أنهم يقولون إن النفس إذا حصل لها تجرد عن البدن إما بالنوم وإما بالرياضة
وإما بقوتها في نفسها اتصلت بالنفس الفلكية وانتقش فيها ما في النفس
الفلكية من العلم بالحوادث الارضية ثم ذلك العلم العقلى قد تخبر به النفس
مجردا وقد تصوره القوة المخيلة في صور مناسبة له ثم تلك الصور تنتقش في
الحس المشترك كما أنه إذا احس اشياء بالظاهر ثم تخيلها فانها تنتقش في الحس
المشترك فالحس المشترك يرتسم فيه ما يوجد من الحواس الظاهرة وينتقش فيه ما
تصوره القوة المتخيلة في الباطن وما يراه الانسان في منامه والمحرور في
حال مرضه من الصور الباطنة هو من هذا لكن نفس النبي عليه السلام لها قوة
كاملة فيحصل لها تجرد في اليقظة فتعلم وتتخيل وترى ما يحصل لغيرها في النوم
قيل هذا الكلام أولا ليس من كلام قدماء الفلاسفة كارسطو واصحابه ولا
جمهورهم إنما هو معروف عن ابن سينا وأمثاله وقد انكر ذلك عليه إخوانه
الفلاسفة كابن رشد وغيره وزعموه أن هذا كلام باطل لم يتبع فيه سلفه وثانيا
إنه مبنى على أصول فاسدة كثيرة
الاول إنه لا سبب للحوادث إلا الحركة
الفلكية وهذا من ابطل الاصول
الثاني إثبات العقول والنفوس التي
يثبتونها وهو باطل هل منبع الفيض هو النفس الفلكية أو العقل الفعال
الثالث إثبات كون الفيض يحصل من النفس الفلكية فانهم لو سلم لهم ما
يذكرونه من أصولهم فعندهم ما يفيض على النفوس إنما هو من العقل الفعال
المدبر لكل ما تحت فلك القمر ومنه تفيض العلوم عندهم على نفوس البشر
الانبياء وغيرهم والعقل الفعال لا يتمثل فيه شئ من الجزئيات المتغيرة بل
إنما فيه امر كلى لكنه بزعمهم دائم الفيض فاذا استعدت النفس لان يفيض عليها
منه شئ فاض وذلك الفيض لا يكون بجزئي فانه لا جزئى فيه فكيف يقولون هنا إن
الفيض على النفوس هو من النفس الفلكية
فان قيل هم يقولون إن الجزئيات
معلومة للعقول على وجه كلى وللنفوس الفلكية على وجه جزئي قيل العلم بالكلى
وهو القدر المشترك بين الجزئيات لا يفيد العلم بشئ من الجزئيات البتة فان
علم الانسان بمسمى الوجود أو بمسمى الجسم او بمسمى الحيوان أو الانسان او
البياض او السواد لا يفيده العلم قط بموجود معين ولا بجسم معين ولا حيوان
معين ولا إنسان معين ولا بياض معين ولا سواد معين ولو كانت الجزئيات تعلم
من الكليات لكان من علم مسمى شئ قد علم كل شئ فانها كلها جزئيات هذا المسمى
وهذا أيضا مما يدل على فساد قول ابن سينا ومن وافقه على ان الباري
يعلم الجزئيات على وجه كلى بحيث لا يعزب عن علمه مثقال ذره في السموات 1ولا
في الارض فان هذا تناقض بين لمن تصور حقيقة الأمر فان من لم يتصور إلا
كليا ويمتنع عنده ان يتصور جزئيا معينا إما مطلقا وإما إذا كان متغيرا كان
قد عزب عن علمه كل شئ في الوجود إما مطلقا واما إذا كان متغيرا وعلمه الكلى
لا
يفيده شيئا من معرفة المعينات وهم دائما ما يشبعون انفسهم بالمحال
بمثل هذه الكليات
ولهذا كان موضوع الفلسفة الاولى والحكمة العليا هو
الوجود الكلى المشترك بين الموجودات المنقسم الى جوهر وعرض وعلة ومعلول
وهذا الموضوع ليس له وجود في الخارج ولا يعلم بمعرفة الوجود المطلق شئ من
الموجودات الثابته في نفس الامر اصلا فان كل موجود فانه موجود خاص متميز
عما سواه وصفاته القائمة به إن كانت جوهرا فهى مختصة به وإن كان عرضا فهو
عرض معين في محل معين فمن لم يعرف إلا الكلى المشترك لم يعرف شيئا من
الموجودات التي هى في نفسها موجودات وانما علم امرا كليا لا يكون كليا إلا
في الاذهان لا في الاعيان إن نفس فلك القمر لا تعلم إلا جزءا من
الحوادث
وإذا قيل إن حركات العناصر والمتولدات إنما
تختلف لاختلاف حركة الافلاك فالعلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول قيل تختلف
باختلاف القوابل كما تختلف باختلاف الفواعل والعناصر موجودة قبل حركات
الافلاك فلا يلزم من العلم بها العلم بنفس العناصر ومقاديرها ليعلم بحركات
الافلاك العلم بالحوادث الارضية وقول القائل العلم بالعلة يوجب العلم
بالمعلول إنما يستقيم في العلة التامة المستلزمة للمعلول وحركات الافلاك
غايتها أن تكون جزءا صغيرا من أسباب الحوادث لا يلزم علم النفس
الفلكية بكل ما يحدث من الامور
الفلكية
التفصيل فانه لو كان معلوما للنفس على سبيل التفصيل
للزم وجود ما لا نهاية له في آن واحد فان الحوادث الماضية لا نهاية لها فلو
كان العلم بكل منها موجودا على سبيل التفصيل في النفس الفلكية للزم وجود
أمور لا نهاية لها في آن واحد وهذا ممتنع
فان قيل هم يجوزون هذا كما
يجوزون وجود نفوس لا نهاية لها في آن واحد فان قاعدتهم في هذا ان ما هو
مجتمع وله ترتيب طبيعي كالفلك أو وضعي كالاجسام يمتنع وجود ما لا نهاية فيه
فاذا انتفى احد القيدين جوزوا وجود ما لا نهاية له إما بأن لا يكون مجتمعا
كالحوادث المتعاقبة وإما ان يكون مجتمعا غير مترتب كالنفوس الفلكية قيل
الجواب من وجوه أحدها إن هذا قول طائفة منهم كابن سينا وغيره وقد انكر عليه
ذلك إخوانه الفلاسفة كابن رشد وغيره وزعموا أن هذا ليس هو قول أئمتهم
الفلاسفة وبينهم في ذلك مشاجرات ليس هذا موضعها الثاني إن الحركات الفلكية
مترتبة كل واحد على ما قبلها فاذا قدر اجتماع العلم المفصل بها كان قد
اجتمع حوادث مترتبة والعلوم ايضا مجتمعة في النفس الفلكية والجزئيات عندهم
لا تنطبع عندهم إلا في قوى جسمانية فيلزم وجود ما لا يتناهى من الاعراض في
صورة جسمانية وهذا هو أعظم ما ينكرونه فان القوة الجسمانية عندهم لا تقوى
على أفعال لا تتناهى فضلا عن ان تقوى عى أعراض لا نهاية لها الثالث أن يقال
إن قالوا إن جميع ما يحدث لم تزل نفس الفلك عالمة به على التفصيل كان
علمها قديما أزليا والحركات حادثة شيئا بعد شئ والحوادث الجزئية لا بد لها
من تصورات جزئية حادثة معها وهم يسلمون ذلك وإن قالوا إنها لم تعلمها مفصلة
إلا شيئا بعد شئ حصل المقصود ايضا وعلى التقديرين لا بد عندهم للنفس
الفلكية من علوم متعاقبه كما يحصل لنفس الانسان وحينئذ فان كانت علومها
باقية لم تزل الامور المرتبة تحدث شيئا بعد شئ وهى مجتمعه في محل واحد بل
في قوة جسمانية فيلزم وجود أعراض مجتمعة لا نهاية لها في محل واحد بل في
قوة جسمانية وهذا من أعظم الامور إحالة عندهم في نفس الامر
وإذا
كان كذلك تبين ان الحوادث الماضية ليست منتقشة في النفس الفلكية
والانبياء بل وغير الانبياء يخبرون بالحوادث المتقدمة كالاخبار بما جرى في
زمن نوح وقبل نوح وبعد نوح فيمتنع ان يكون الخبر بذلك استفادة من النفس
الفلكية التي يسميها الملاحدة الذين ينزلون الكتاب والسنة على أصول هؤلاء
المشركين المعطلين يسمونها اللوح المحفوظ وهكذا العلم بالحوادث المستقبلة
قبل أن تكون بمئين من السنين او بألوف من السنين فان تلك لم تنتقش بعد
عندهم في النفس الفلكية وقد يخبر بها الانبياء كما بشر متقدموهم بممحد وكما
أخبر محمد بما سيأتي بل ويعلم ايضا بالرؤيا وغير ذلك لا سبيل لنفى
كون الارواح تلقى الاخبار في نفوس البشر
أخبرته بذلك
وكثير منها صحيح كإخبار بدخول المسلمين بلاد حران وغيرها وفتحهم البلاد
وإهانتهم لطائفته وكان بحران بئر يقال لها بئر عزون يعظمونها تعظيما كثيرا
وكان يذكر ان الارواح تجتمع اليها ويذكر أنواعا من هذه الامور في مصحف له
وهو موجود قد قرأته أنا وغيرى
وهذه الارواح منهم من يطلق عليها اسم
الارواح والروحانيات ولا يفصل ومنهم من يسميها جميعها الملائكة ولا يفرقون
بين الجن والملائكة لا سيما وطائفة من أهل الكلام وغيرهم يجعلون الجن
والملائكة جنسا واحدا وإنما يفرقون بالاعمال الصالحة والفاسدة كالادميين
ومن هذا تنازع العلماء في إبليس هل كان من الملائكة ام لا وقد بسط الكلام
عليه في غير هذا الموضع وأما من يعرف حقيقة الامر من علماء المسلمين
فيعلمون ان الارواح التي تعين المشركين هى الشياطين ويفرقون بين الملائكة
وبين الجن كما هو ثابت بالكتاب والسنة والاجماع بيان كون الغلط في
هذه الاخبارات أكثر من الصواب
وأما الرؤيا فقد
ثبت في الصحيح عن النبي ص - انه قال الرؤيا ثلاثة رؤيا من الله ورؤيا مما
يحدث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام ورؤيا من الشيطان فقد بين
الصادق المصدوق أن من الرؤيا ما هو من حديث النفس ومنها ما هو من وسوسة
الشيطان وقد امرنا سبحانه أن نستعيذ من هذين الواسواسين في قوله قل أعوذ
برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور
الناس من الجنة والناس الناس
ولا بد من التمييز بين الصدق والكذب وليس
فيما ذكروه ولا فيما يذكره غيرهم ما يميز بين هذا وهذا ولا يميز بين هذا
وهذا مطلقا إلا الانبياء ولهذا أمرنا الله ان نؤمن بكل ما جاؤا به الانبياء
فانهم معصومون لا يقرون على الخطأ فيما يبلغونهه عن الله باتفاق المسلمين
قال تعالى قولوا آمنا بالله وما انزل إلينا وما انزل الى ابراهيم واسمعيل
واسحق ويعقوب والاسباط وما اوتى موسى وعيسى وما اوتى النبيون من ربهم
البقرة وقال تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملئكة والكتب
والنبيين البقرة
ولهذا كان اهل الرياضة والزهد والعبادة من الصوفية
وغيرهم يرون اشياء في الباطن يظنونها حقا ويكون باطلا ولهذا يقول من يقول
من أهل العلم كأبى القاسم السهيلى وغيره نعوذ بالله من قياس فلسفى وخيال
صوفى وهذا مما كان يقوله شيخه ابو بكر بن العربي وكان مع تعظيمه لشيخه ابى
حامد الغزالي يقول
شيخنا ابو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم اراد ان
يخرج منهم فما قدر وكان يذكر عنه انه كان يقول أنا مزجى البضاعة في الحديث
وهؤلاء المتفلسفة يقولون إن غاية ما عند النبي قياس من جنس القياس الفلسفي
او خيال من جنس الخيال الصوفي فان ما ذكروه للنبي يتصف به آحاد الناس فان
اتصال النفوس بالنفس الفلكية وانعقاد الاقيسة العقلية في النفس هو قدر
مشترك بين الناس إنما هو بحسب استعداد النفوس ثم هم أعنى ابن سينا وأمثاله
يقولون إن النفوس الناطقة متماثلة بحسب الحقيقة وإنما اختلفت باعتبار
أبدانها فهى كماء واحد وضعته في آنية مختلفة فاختلف لاختلاف الاوعية واسباب
صفات النفس عندهم إما المزاج وإما العادة وإما ما يتبع ذلك ويا ليت شعري
كم مقدار ما يوجب التفاوت بين النفوس إن لم يكن التفاوت إلا بهذا السبب
فيلزم من هذا ان تكون نفس اخس الناس مشاركة في الحقيقة لنفس ابراهيم وموسى
وعيسى ومحمد وانما امتازت عنها بأمور عارضة وأن تكون نفس كثير من الناس
قريبة من نفوسهم او افضل وتكون مستعدة لان يحصل لها ما حصل لنفوسهم
ولهذا كانت النبوة عندهم مكتسبة وصار كثير منهم يطلب ان يؤتى مثل ما اوتى
رسل الله وأن يؤتى صحفا منشرة كما طلب ذلك غير واحد في زماننا وكما طلبه
السهروردي المقتول وابن سبعين وغيرهما وسبب ذلك أن هذه النبوة التي أثبتوها
امرها من جنس منامات الناس
ولهذا كان عمدتهم في إثبات النبوة هو
المنامات ولما أراد ابن سينا وأمثاله ان
كون نفيهم وجود الجن والمئلكة والوحي قولا
بلا علم
الوجه الثاني عشر أن يقال هم معترفون بالحسيات الظاهرة
وبالحسيات الباطنة التي يحس بها الانسان ما في نفسه كاحساسه بجوعه وعطشه
ولذته وألمه وشهوته وغضبه وفرحه وغمه وكذلك ما يتخيله في نفسه من أمثلة
الحسيات التي أحسها فانه يتخيل ذلك من نفسه
وقد فرقوا بين قوة التخيل
والوهم فالتخيل ان يتخيل الحسيات والوهم أن يتصور في الحسيات معنى غير
محسوس كما يتصور الصداقة والعداوة فان الشاة تتصور في الذئب معنى هو
العداوة وهو غير محسوس ولا تتخيل وتتصور في التيس معنى الصداقة فالموالات
والمعادات يسمون الشعور بها توهما وهم لم يتكلموا في ذلك بلغة العرب فان
الوهم في لغة العرب معنى آخر كما قد بين في موضعه
ولسي معهم ما ينفى
وجود ما يمكن أن يختص برؤيته بعض الناس بالباطن كالملائكة والجن بل ولا
معهم ما ينفى تمثل هذه الارواح أجساما حتى ترى بالحس
وبالحسيات الباطنة التي يحس بها الانسان ما في نفسه كاحساسه بجوعه وعطشه
ولذته وألمه وشهوته وغضبه وفرحه وغمه وكذلك ما يتخيله في نفسه من أمثلة
الحسيات التي أحسها فانه يتخيل ذلك من نفسه
وقد فرقوا بين قوة التخيل
والوهم فالتخيل ان يتخيل الحسيات والوهم أن يتصور في الحسيات معنى غير
محسوس كما يتصور الصداقة والعداوة فان الشاة تتصور في الذئب معنى هو
العداوة وهو غير محسوس ولا تتخيل وتتصور في التيس معنى الصداقة فالموالات
والمعادات يسمون الشعور بها توهما وهم لم يتكلموا في ذلك بلغة العرب فان
الوهم في لغة العرب معنى آخر كما قد بين في موضعه
ولسي معهم ما ينفى
وجود ما يمكن أن يختص برؤيته بعض الناس بالباطن كالملائكة والجن بل ولا
معهم ما ينفى تمثل هذه الارواح أجساما حتى ترى بالحس
الظاهر ولا معهم
ان النفس قد ترى غيرهما ما هو من أحوالها مثل ان ترى عند الموت امورا
موجودة لم تكن تراها وهي متعلقة بالبدن وكذلك النائم وإن كان قد يتخيل فليس
معهم علم بأن كل ما يراه يكون تخيلا مع إمكان أن يرى في منامه من جنس ما
يراه الميت عند مفارقة روحه بدنه فان النفس الناطقة هى الرائية وإنما
يمنعها من ذلك تعلقها بالبدن فاذا تم تجردها بالموت رأت ما لم تكن تراه كما
قال تعالى فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ق وقال تعالى فلولا إذا بلغت
الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون الواقعة
قال المفسرون يعنى الملائكة وكذلك بالنوم قد يحصل لها نوع تجريد ولهذا من
الناس من يرى في منامه شيئا فيأتى كما يراه من غير تغيير أصلا بل يكون
المرئى في المنام هو الموجود في اليقظة
وأما رؤية كثير من الناس للجن
حال الصرع وغير الصرع فهذا أكثر وأشهر من أن يذكر وما يدعيه الاطباء من أن
الصرع كله من الاخلاط فغلطه ظاهر فان دخول الجنى بدن الانسى وتكلمه على
لسانه بأنواع من الكلام وغير ذلك أمر قد علمه كثير من الناس بالضرورة وقد
اتفق عليه أئمة الاسلام كما اتفقوا على وجود الجن وقد رآهم غير واحد من
الناس وخاطبوهم فهذا باب واسع فما الظن بالملائكة الكرام التي يراهم
الانبياء صلوات الله عليهم يرونهم بباطنهم وظاهرهم
وايضا فقد تواتر في
الكتب الالهية والاحاديث النبوية ان الملائكة تتصور بصورة البشر وكذلك
الجن ويرون في تلك الصورة كما أخبر الله عن ضيف إبراهيم في غير موضع من
كتابه وكما اخبر عن مريم انه ارسل اليها الروح وهو جبريل فتمثل لها بشرا
سويا قالت إنى اعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لاهب لك
غلما زكيا مريم
وجميع هذه الامور ليس معهم على نفيها إلا ما هو من
أضعف الشبه فنفيهم مثل هذه الحسيات الباطنة والظاهرة قول بلا علم ولهذا
صاروا يحملون ما جاءت به
الانبياء على أنه من باب التخيل في النفس
ويجعلون الملئكة وكلام الله الذي بلغوه هو ما يتخيل في نفس النبي من الصور
والاصوات كما يتخيل للنائم وذلك من أعراضه القائمة به ليس هناك عندهم ملك
منفصل ولا كلام نزل به الملك من الله عندهم
وكل ما ينفونه من هذا ليس
معهم فيه إلا الجهل المحض فهم يكذبون بما لم يحيطوا بعلمه ولم يأتهم تأويله
مع ان عامه أساطين الفلاسفة كانوا يقرون بهذه الاشياء وكذلك ائمة الاطباء
كأبقراط وغيره يقر بالجن ويجعل الصرع نوعين صرعا من الخلط وصرعا من الجن
ويقول في بعض الادوية هذا ينفع من الصرع الذي يعالجه الاطباء لا الصرع الذي
يعالجه أرباب الهياكل ونقل عنه أنه قال طبنا بالنسبة الى طب أرباب الهياكل
كطب العجائز بالنسبة الى طبنا وهذه الامور لبسطها موضع آخر
وإنما
المقصود أن ما تلقوه من القواعد الفاسدة المنطقية من نفى ما لم يعلم نفيه
اوجب لهم من الجهل والكفر ما صاروا به اسوأ حالا من كفار اليهود والنصارى
وادعى ابن سينا وموافقوه ان اسباب العجائب في العالم إما قوة فلكية وإما
قوة نفسانية وإما قوة طبيعية وأهل السحر منهم والطلسمات يعلمون من وجود
الجن ومعاونتهم لهم على الامور العجيبة ما هو متواتر مشهور عندهم فضلا عما
يعلمه المسلمون وسائر أهل الملل من ذلك فضلا عن العلم بالملئكة وما وكلهم
الله من الامور التي يدبرونها كما قال فيهم المدبرات امرا النازعات وقال ف
المقسمات امرا الذاريات وهم الملئكة باتفاق السلف وغيرهم من علماء المسلمين
لم يقل أحد من السلف إنها الكواكب الوجه الثالث عشر
طريقهم
لا يفرق بين الحق والباطل بخلاف طريقة الانبياء
الوجه الثالث عشر ان
يقال كون القضية برهانية معناه عندهم انها معلومة
يقال كون القضية برهانية معناه عندهم انها معلومة
للمستدل بها وكونها
جدلية معناه كونها مسلمة وكونها خطابية معناه كونها مشهورة او مقبولة او
مظنونة وجميع هذه الفروق هى نسب وإضافات عارضة للقضية ليس فيها ما هو صفة
ملازمة لها فضلا عن ان تكون ذاتية لها على أصلهم بل ليس فيها ما هو صفة لها
في نفسها بل هذه صفات نسبية باعتبار شعور الشاعر بها ومعلوم أن القضية قد
تكون حقا والانسان لا يشعر بها فضلا عن أن يظنها او يعلمها وكذلك قد تكون
خطابية او جدلية وهى حق في نفسها بل قد تكون برهانية ايضا كما قد سلموا ذلك
وإذا كان كذلك فالرسل صلوات الله عليهم أخبروا بالقضايا التي هى حق
في نفسها لا تكون كذبا باطلا قط وبينوا من الطرق العلمية التي يعرف بها صدق
تلك القضايا ما هو مشترك ينتفع به جنس بني آدم وهذا هو العلم النافع للناس
وأما هؤلاء المتفلسفة فلم يسلكوا هذا المسلك بل سلكوا في القضايا
الامر النسبى فجعلوا البرهانيات ما علمه المستدل وغير ذلك لم يجعلوه
برهانيات وإن علمه مستدل آخر والجدليات ما سلمه المنازع وإن لم يسلمه غيره
وعلى هذا فتكون من البرهانيات عند إنسان وطائفة ما ليس من البرهانيات عند
إنسان وطائفة أخرى فلا يمكن ان تحد القضايا العلمية بحد جامع مانع بل تختلف
باختلاف احوال من علمها ومن لم يعلمها حتى إن اهل الصناعات عند أهل كل
صناعة من القضايا التي يعلمونها ما لا يعلمها غيرهم
وحينئذ فيمتنع أن
تكون طريقهم مميزة للحق من الباطل والصدق من الكذب باعتبار ما هو الامر
عليه في نفسه ويمتنع أن تكون منفعتها مشتركة بين الادميين بخلاف طريقة
الانبياء فانهم اخبروا بالقضايا الصادقة التي تفرق بين الحق والباطل والصدق
والكذب فكل ما ناقض الصدق فهو كذب وكل ما ناقض الحق فهو باطل فلهذا جعل
الله ما انزله من الكتاب حاكما بين الناس فيما اختلفوا فيه وانزل ايضا
الميزان وهو ما يوزن به ويعرف به الحق من الباطل ولكل حق ميزان
يوزن به بخلاف ما فعله الفلاسفة المنطقيون فانه لا يمكن ان يكون هاديا للحق
ولا مفرقا بين الحق والباطل ولا هو ميزان يعرف بها الحق من الباطل واما
المتكلمون فما كان في كلامهم موافقا لما جاءت به الانبياء فهو منه وما
خالفه فهو من البدع الباطلة شرعا وعقلا
فان قيل نحن نجعل البرهانيات
اضافية فكل ما علمه الانسان بمقدماته فهو برهاني عنده وان لم يكن برهانيا
عند غيره قيل لم يفعلوا ذلك فان من سلك هذا السبيل لم يجد مواد البرهان في
اشياء معينة مع امكان علم كثير من الناس لامور اخر بغيرتلك المواد المعينة
التي عينوها واذا قالوا نحن لا نعين المواد فقد بطل احد اجزاء المنطق وهو
المطلوب الوجه الرابع عشر
فساد جعلهم علوم الانبياء تحصل
بواسطة القياس المنطقي
الوجه الرابع عشر إنهم لما ظنوا ان طريقهم كلية
محيطة بطرق العلم الحاصل لبني آدم مع ان الامر ليس كذلك وقد علم الناس إما
بالحس وإما بالعقل وإما بالاخبار الصادقة علوما كثيرة لا تعلم بطرقهم التي
ذكروها ومن ذلك ما علمته الانبياء صلوات الله عليهم من المعلوم فأرادوا
إجراء ذلك على قانونهم الفاسد فقالوا النبي له قوة أقوى من قوة غيره في
العلم والعمل وربما سموها قوة قدسية وهو أن يكون بحيث ينال الحد الاوسط من
غير تعليم معلم له فاذا تصور طرفي القضية أدراك بتلك القوة القدسية الحد
الاوسط الذي قد يتعسر أو يتعذر على غيره إدراكه بلا تعليم لان قوى الانفس
في الادراك غير محدودة فجعلوا ما تخبر به الانبياء من أنباء الغيب إنما هو
بواسطة القياس المنطقي وهذا في غاية الفساد
فان القياس المنطقي إنما
يعرف به أمور كلية كما تقدم وهم يسلمون ذلك والرسل أخبروا بأمور معينة
شخصية جزئية ماضية وحاضرة ومستقبلة كما في القرآن من قصة نوح والخطاب
والاحوال التي جرت بينه وبين قومه وكذلك هود وصالح
محيطة بطرق العلم الحاصل لبني آدم مع ان الامر ليس كذلك وقد علم الناس إما
بالحس وإما بالعقل وإما بالاخبار الصادقة علوما كثيرة لا تعلم بطرقهم التي
ذكروها ومن ذلك ما علمته الانبياء صلوات الله عليهم من المعلوم فأرادوا
إجراء ذلك على قانونهم الفاسد فقالوا النبي له قوة أقوى من قوة غيره في
العلم والعمل وربما سموها قوة قدسية وهو أن يكون بحيث ينال الحد الاوسط من
غير تعليم معلم له فاذا تصور طرفي القضية أدراك بتلك القوة القدسية الحد
الاوسط الذي قد يتعسر أو يتعذر على غيره إدراكه بلا تعليم لان قوى الانفس
في الادراك غير محدودة فجعلوا ما تخبر به الانبياء من أنباء الغيب إنما هو
بواسطة القياس المنطقي وهذا في غاية الفساد
فان القياس المنطقي إنما
يعرف به أمور كلية كما تقدم وهم يسلمون ذلك والرسل أخبروا بأمور معينة
شخصية جزئية ماضية وحاضرة ومستقبلة كما في القرآن من قصة نوح والخطاب
والاحوال التي جرت بينه وبين قومه وكذلك هود وصالح
وشعيب وسائر الرسل
وكذلك ما أخبر به النبي ص - من المستقبلات فعلم بذلك أن ما علمه الرسول لم
يكن بواسطة القياس المنطقي
بل قد جعل ابن سينا علم الرب بمفعولاته من
هذا الباب فانه يعلم نفسه والعلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول فجعل علمه
يحصل بهذه الواسطة وهذا يصلح ان يكون دليلا على علمه بمخلوقاته لا ان يكون
علمه بمخلوقاته يفتقر الى حد اوسط مع انه لم يعط هذا البرهان موجبه بل انكر
علمه بالجزئيات التي في الموجودات الاخرى فان لم يعلم الجزئيات لم يعلم
شيئا من المخلوقات مع ان العقول والنفوس والافلاك كلها جزئية ونفسه أيضا
معينة ولهذا أراد بعضهم جبر هذا التناقض فقال إنما نفى علمه بالجزئيات في
الامور الممتغيرة فيقال التغير من لوازم الفلك فلا يكون الفلك إلا متغيرا
وصدور المعلول المتغير عن علة غير متغيرة ممتنع بالضرورة كما قد بسط في
موضعه جعلهم معرفة النبي بالغيب مستفادة من النفس الفلكية وبيان
فساده من عشرة
وجوه
فان قيل هم يذكرون لمعرفة النبي بالغيب سببا
آخر وهو انهم يقولون إن الحوادث التي في الارض تعلمها النفس الفلكية
ويسميها من أراد الجمع بين الفلسفة والشريعة ب اللوح المحفوظ كما يوجد في
كلام أبى حامد ونحوه وهذا فاسد فان اللوح المحفوظ الذي وردت به الشريعة كتب
الله فيه مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين الف سنة كما
ثبت ذلك في الصحيح عن النبي ص - واللوح المحفوظ لا يطلع عليه غير الله
والنفس الفكلية تحت
فان قيل هم يذكرون لمعرفة النبي بالغيب سببا
آخر وهو انهم يقولون إن الحوادث التي في الارض تعلمها النفس الفلكية
ويسميها من أراد الجمع بين الفلسفة والشريعة ب اللوح المحفوظ كما يوجد في
كلام أبى حامد ونحوه وهذا فاسد فان اللوح المحفوظ الذي وردت به الشريعة كتب
الله فيه مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين الف سنة كما
ثبت ذلك في الصحيح عن النبي ص - واللوح المحفوظ لا يطلع عليه غير الله
والنفس الفكلية تحت
العقول ونفوس البشر عندهم تتصل بها وتنقش في نفوس
البشر ما فيها
ولهذا يقول بعض الشيوخ الذين يتكلمون باللوح المحفوظ
على طريقة هؤلاء إما عن معرفة بأن هذا قولهم وإما عن متابعة منهم لمن قال
ذلك من شيوخهم الذين أخذوا ذلك عن الفلاسفة كما يوجد في كلام أبن عربي وابن
سبعين والشاذلى وغيرهم يقولون إن العارف قد يطلع على اللوح المحفوظ وأنه
يعلم أسماء مريديه من اللوح المحفوظ أو انه يعلم كل ولى كان ويكون من اللوح
المحفوظ ونحو هذه الدعاوى التي مضمونها انهم يعلمون ما في اللوح المحفوظ
وهذا باطل مخالف لدين المسلمين وغيرهم من أتباع الرسل
والمقصود هنا
أنهم يقولون إن النفس إذا حصل لها تجرد عن البدن إما بالنوم وإما بالرياضة
وإما بقوتها في نفسها اتصلت بالنفس الفلكية وانتقش فيها ما في النفس
الفلكية من العلم بالحوادث الارضية ثم ذلك العلم العقلى قد تخبر به النفس
مجردا وقد تصوره القوة المخيلة في صور مناسبة له ثم تلك الصور تنتقش في
الحس المشترك كما أنه إذا احس اشياء بالظاهر ثم تخيلها فانها تنتقش في الحس
المشترك فالحس المشترك يرتسم فيه ما يوجد من الحواس الظاهرة وينتقش فيه ما
تصوره القوة المتخيلة في الباطن وما يراه الانسان في منامه والمحرور في
حال مرضه من الصور الباطنة هو من هذا لكن نفس النبي عليه السلام لها قوة
كاملة فيحصل لها تجرد في اليقظة فتعلم وتتخيل وترى ما يحصل لغيرها في النوم
قيل هذا الكلام أولا ليس من كلام قدماء الفلاسفة كارسطو واصحابه ولا
جمهورهم إنما هو معروف عن ابن سينا وأمثاله وقد انكر ذلك عليه إخوانه
الفلاسفة كابن رشد وغيره وزعموه أن هذا كلام باطل لم يتبع فيه سلفه وثانيا
إنه مبنى على أصول فاسدة كثيرة
الاول إنه لا سبب للحوادث إلا الحركة
الفلكية وهذا من ابطل الاصول
الثاني إثبات العقول والنفوس التي
يثبتونها وهو باطل هل منبع الفيض هو النفس الفلكية أو العقل الفعال
الثالث إثبات كون الفيض يحصل من النفس الفلكية فانهم لو سلم لهم ما
يذكرونه من أصولهم فعندهم ما يفيض على النفوس إنما هو من العقل الفعال
المدبر لكل ما تحت فلك القمر ومنه تفيض العلوم عندهم على نفوس البشر
الانبياء وغيرهم والعقل الفعال لا يتمثل فيه شئ من الجزئيات المتغيرة بل
إنما فيه امر كلى لكنه بزعمهم دائم الفيض فاذا استعدت النفس لان يفيض عليها
منه شئ فاض وذلك الفيض لا يكون بجزئي فانه لا جزئى فيه فكيف يقولون هنا إن
الفيض على النفوس هو من النفس الفلكية
فان قيل هم يقولون إن الجزئيات
معلومة للعقول على وجه كلى وللنفوس الفلكية على وجه جزئي قيل العلم بالكلى
وهو القدر المشترك بين الجزئيات لا يفيد العلم بشئ من الجزئيات البتة فان
علم الانسان بمسمى الوجود أو بمسمى الجسم او بمسمى الحيوان أو الانسان او
البياض او السواد لا يفيده العلم قط بموجود معين ولا بجسم معين ولا حيوان
معين ولا إنسان معين ولا بياض معين ولا سواد معين ولو كانت الجزئيات تعلم
من الكليات لكان من علم مسمى شئ قد علم كل شئ فانها كلها جزئيات هذا المسمى
وهذا أيضا مما يدل على فساد قول ابن سينا ومن وافقه على ان الباري
يعلم الجزئيات على وجه كلى بحيث لا يعزب عن علمه مثقال ذره في السموات 1ولا
في الارض فان هذا تناقض بين لمن تصور حقيقة الأمر فان من لم يتصور إلا
كليا ويمتنع عنده ان يتصور جزئيا معينا إما مطلقا وإما إذا كان متغيرا كان
قد عزب عن علمه كل شئ في الوجود إما مطلقا واما إذا كان متغيرا وعلمه الكلى
لا
يفيده شيئا من معرفة المعينات وهم دائما ما يشبعون انفسهم بالمحال
بمثل هذه الكليات
ولهذا كان موضوع الفلسفة الاولى والحكمة العليا هو
الوجود الكلى المشترك بين الموجودات المنقسم الى جوهر وعرض وعلة ومعلول
وهذا الموضوع ليس له وجود في الخارج ولا يعلم بمعرفة الوجود المطلق شئ من
الموجودات الثابته في نفس الامر اصلا فان كل موجود فانه موجود خاص متميز
عما سواه وصفاته القائمة به إن كانت جوهرا فهى مختصة به وإن كان عرضا فهو
عرض معين في محل معين فمن لم يعرف إلا الكلى المشترك لم يعرف شيئا من
الموجودات التي هى في نفسها موجودات وانما علم امرا كليا لا يكون كليا إلا
في الاذهان لا في الاعيان إن نفس فلك القمر لا تعلم إلا جزءا من
الحوادث
الرابع إن النفوس عندهم تسعة بعدد الافلاك وحركات الافلاك
عندهم هى تسبب الحوادث ومعلوم ان كل نفس تعلم حركة فلكها فنفس فلك القمر لا
تعلم ما في نفس الفلك الاطلس وفلك الثوابت وغيره والنفوس البشرية إنما
تتصل إن اتصلت بنفس فلك القمر كما أنه إنما يفيض عليها ما يفيض من العقل
الفعال وحينئذ فلا تعلم إلا جزءا يسيرا من أسباب الحوادث فمن اين تعلم
الحوادث المنفصلة
ليست حركة الافلاك علة تامة للحوادثعندهم هى تسبب الحوادث ومعلوم ان كل نفس تعلم حركة فلكها فنفس فلك القمر لا
تعلم ما في نفس الفلك الاطلس وفلك الثوابت وغيره والنفوس البشرية إنما
تتصل إن اتصلت بنفس فلك القمر كما أنه إنما يفيض عليها ما يفيض من العقل
الفعال وحينئذ فلا تعلم إلا جزءا يسيرا من أسباب الحوادث فمن اين تعلم
الحوادث المنفصلة
الخامس إنه
لو قدر انها تعلم حركات الافلاك كلها وانه لا سبب للحوادث إلا حركة الافلاك
فحركة الافلاك ليست علة تامة للحوادث بل تختلف افعالها باختلاف القوابل
فتؤثر في كل شئ بحسبه فمن لم يعلم احوال القوابل مع الفواعل لم يعلم
الحوادث فلا يكون عالما بها والنفوس الفلكية غايتها ان تعلم حركات أفلاكها
لا تعلم ما ليس داخلا فيها
لو قدر انها تعلم حركات الافلاك كلها وانه لا سبب للحوادث إلا حركة الافلاك
فحركة الافلاك ليست علة تامة للحوادث بل تختلف افعالها باختلاف القوابل
فتؤثر في كل شئ بحسبه فمن لم يعلم احوال القوابل مع الفواعل لم يعلم
الحوادث فلا يكون عالما بها والنفوس الفلكية غايتها ان تعلم حركات أفلاكها
لا تعلم ما ليس داخلا فيها
وإذا قيل إن حركات العناصر والمتولدات إنما
تختلف لاختلاف حركة الافلاك فالعلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول قيل تختلف
باختلاف القوابل كما تختلف باختلاف الفواعل والعناصر موجودة قبل حركات
الافلاك فلا يلزم من العلم بها العلم بنفس العناصر ومقاديرها ليعلم بحركات
الافلاك العلم بالحوادث الارضية وقول القائل العلم بالعلة يوجب العلم
بالمعلول إنما يستقيم في العلة التامة المستلزمة للمعلول وحركات الافلاك
غايتها أن تكون جزءا صغيرا من أسباب الحوادث لا يلزم علم النفس
الفلكية بكل ما يحدث من الامور
السادس إنه بتقدير ان تكون للفلك نفس
فلكية متحركة كما تحرك نفس الانسان لبدنه فانها تتصور ما تريد فعله كما
يتصور الانسان ما يريد فعله وأما الامور المتولدة الحاصلة بأسباب منفصلة مع
فعله فلا يجب أن يكون شاعرا بها فمن أين يلزم علم النفس الفلكية بكل ما
يحدث من الامور الحاصلة لحركاتها وبأمور اخر فانهم يقولون الفلك إذا تحرك
حرك العناصر فامتزجت نوعا من الامتزاج وتحرك العناصر وامتزاجها ليس هو نفس
حركة الفلك ولا حركة الفلك تامة له ثم إذا امتزجت فاض عليها من العقل
الفعال ما يفيض فبتقدير أن تستعد نفس الانسان لان يفيض عليها من العقل
الفعال ما يفيض لا يجب ان تعلم النفس الفلكية ذلك مع ان كلامهم في هذا
الموضع قد عرف تناقضه وفساده فان العقل إن كان يفيض عنه ما ليس هو فيه كان
في المعلول ما ليس في العلة وإن كان لا يفيض إلا ما فيه فليس فيه إلا
الكليات ليس فيه صور جسمانية ولا علم بجزئيات ولا مزاج ولا غير ذلك مما
يدعون فيضه عن العقل
بيان أن الحوادث الماضية ليست منتقشة في النفس فلكية متحركة كما تحرك نفس الانسان لبدنه فانها تتصور ما تريد فعله كما
يتصور الانسان ما يريد فعله وأما الامور المتولدة الحاصلة بأسباب منفصلة مع
فعله فلا يجب أن يكون شاعرا بها فمن أين يلزم علم النفس الفلكية بكل ما
يحدث من الامور الحاصلة لحركاتها وبأمور اخر فانهم يقولون الفلك إذا تحرك
حرك العناصر فامتزجت نوعا من الامتزاج وتحرك العناصر وامتزاجها ليس هو نفس
حركة الفلك ولا حركة الفلك تامة له ثم إذا امتزجت فاض عليها من العقل
الفعال ما يفيض فبتقدير أن تستعد نفس الانسان لان يفيض عليها من العقل
الفعال ما يفيض لا يجب ان تعلم النفس الفلكية ذلك مع ان كلامهم في هذا
الموضع قد عرف تناقضه وفساده فان العقل إن كان يفيض عنه ما ليس هو فيه كان
في المعلول ما ليس في العلة وإن كان لا يفيض إلا ما فيه فليس فيه إلا
الكليات ليس فيه صور جسمانية ولا علم بجزئيات ولا مزاج ولا غير ذلك مما
يدعون فيضه عن العقل
الفلكية
السابع إن النفس الفلكية تحرك الفلك دائما فيلزم أن تعلم كل
وقت الحركة التي تريدها وإذا سلم له انها تعلم ما تولد عنها وعن غيرها قيل
لهم لا ريب أن ما مضى قبل تلك الحركة المعينة من الجزئيات لا يكون معلوما
للنفس على سبيل
وقت الحركة التي تريدها وإذا سلم له انها تعلم ما تولد عنها وعن غيرها قيل
لهم لا ريب أن ما مضى قبل تلك الحركة المعينة من الجزئيات لا يكون معلوما
للنفس على سبيل
التفصيل فانه لو كان معلوما للنفس على سبيل التفصيل
للزم وجود ما لا نهاية له في آن واحد فان الحوادث الماضية لا نهاية لها فلو
كان العلم بكل منها موجودا على سبيل التفصيل في النفس الفلكية للزم وجود
أمور لا نهاية لها في آن واحد وهذا ممتنع
فان قيل هم يجوزون هذا كما
يجوزون وجود نفوس لا نهاية لها في آن واحد فان قاعدتهم في هذا ان ما هو
مجتمع وله ترتيب طبيعي كالفلك أو وضعي كالاجسام يمتنع وجود ما لا نهاية فيه
فاذا انتفى احد القيدين جوزوا وجود ما لا نهاية له إما بأن لا يكون مجتمعا
كالحوادث المتعاقبة وإما ان يكون مجتمعا غير مترتب كالنفوس الفلكية قيل
الجواب من وجوه أحدها إن هذا قول طائفة منهم كابن سينا وغيره وقد انكر عليه
ذلك إخوانه الفلاسفة كابن رشد وغيره وزعموا أن هذا ليس هو قول أئمتهم
الفلاسفة وبينهم في ذلك مشاجرات ليس هذا موضعها الثاني إن الحركات الفلكية
مترتبة كل واحد على ما قبلها فاذا قدر اجتماع العلم المفصل بها كان قد
اجتمع حوادث مترتبة والعلوم ايضا مجتمعة في النفس الفلكية والجزئيات عندهم
لا تنطبع عندهم إلا في قوى جسمانية فيلزم وجود ما لا يتناهى من الاعراض في
صورة جسمانية وهذا هو أعظم ما ينكرونه فان القوة الجسمانية عندهم لا تقوى
على أفعال لا تتناهى فضلا عن ان تقوى عى أعراض لا نهاية لها الثالث أن يقال
إن قالوا إن جميع ما يحدث لم تزل نفس الفلك عالمة به على التفصيل كان
علمها قديما أزليا والحركات حادثة شيئا بعد شئ والحوادث الجزئية لا بد لها
من تصورات جزئية حادثة معها وهم يسلمون ذلك وإن قالوا إنها لم تعلمها مفصلة
إلا شيئا بعد شئ حصل المقصود ايضا وعلى التقديرين لا بد عندهم للنفس
الفلكية من علوم متعاقبه كما يحصل لنفس الانسان وحينئذ فان كانت علومها
باقية لم تزل الامور المرتبة تحدث شيئا بعد شئ وهى مجتمعه في محل واحد بل
في قوة جسمانية فيلزم وجود أعراض مجتمعة لا نهاية لها في محل واحد بل في
قوة جسمانية وهذا من أعظم الامور إحالة عندهم في نفس الامر
وإذا
كان كذلك تبين ان الحوادث الماضية ليست منتقشة في النفس الفلكية
والانبياء بل وغير الانبياء يخبرون بالحوادث المتقدمة كالاخبار بما جرى في
زمن نوح وقبل نوح وبعد نوح فيمتنع ان يكون الخبر بذلك استفادة من النفس
الفلكية التي يسميها الملاحدة الذين ينزلون الكتاب والسنة على أصول هؤلاء
المشركين المعطلين يسمونها اللوح المحفوظ وهكذا العلم بالحوادث المستقبلة
قبل أن تكون بمئين من السنين او بألوف من السنين فان تلك لم تنتقش بعد
عندهم في النفس الفلكية وقد يخبر بها الانبياء كما بشر متقدموهم بممحد وكما
أخبر محمد بما سيأتي بل ويعلم ايضا بالرؤيا وغير ذلك لا سبيل لنفى
كون الارواح تلقى الاخبار في نفوس البشر
الوجه الثامن إنه لو قدر ان
النفوس الفلكية تعلم الجزئيات فالجزم بكون ما يحدث في نفوس البشر من العلم
بالجزئيات هو منها او من العقل الفعال لو قدر وجوده إنما يجوز إذا علم
انتفاء سبب آخر وهذا لا سبيل لهم الى العلم بنفيه فلم لا يجوز ان يكون ذلك
مما يلقيه الملائكة بل ومما يلقيه الجن أيضا كما تواترت الاخبار عن
الانبياء صلوات الله عليهم بأنهم يذكرون أن الملائكة تخبرهم بما تخبرهم به
وكما تواتر إخبار الجن لبنى آدم تارة بما يسترقونه من خبر السماء وتارة
بغير ذلك والعلم بالمغيبات من هذا الوجه هو مما اتفق عليه الانبياء
وأتباعهم المسلمون واليهود والنصارى واتفق عليه جماهير بنى آدم من غير أهل
الملل كالمشركين من العرب ومن الهند ومن الكلدانيين وغيرهم كلهم يذكرون ما
تخبر به الارواح إما مطلقا وإما إن تعين
وقد ذكرنا ان الصابئة نوعان
حنفاء ومشركون فالحنفاء هم من المسلمين المؤمنين وأما المشركون كالصابئة
الذين بعث الله اليهم الخيل عليه السلام وغيرهم فهؤلاء يقرون بهذا والصابئة
الحرانيون لهم نبي على أصلهم يقال له البابا وله مصحف يذكر فيه كثيرا من
الاخبار المستقبلة ويذكرون أن سيدته يعنى روحانية الزهرة
النفوس الفلكية تعلم الجزئيات فالجزم بكون ما يحدث في نفوس البشر من العلم
بالجزئيات هو منها او من العقل الفعال لو قدر وجوده إنما يجوز إذا علم
انتفاء سبب آخر وهذا لا سبيل لهم الى العلم بنفيه فلم لا يجوز ان يكون ذلك
مما يلقيه الملائكة بل ومما يلقيه الجن أيضا كما تواترت الاخبار عن
الانبياء صلوات الله عليهم بأنهم يذكرون أن الملائكة تخبرهم بما تخبرهم به
وكما تواتر إخبار الجن لبنى آدم تارة بما يسترقونه من خبر السماء وتارة
بغير ذلك والعلم بالمغيبات من هذا الوجه هو مما اتفق عليه الانبياء
وأتباعهم المسلمون واليهود والنصارى واتفق عليه جماهير بنى آدم من غير أهل
الملل كالمشركين من العرب ومن الهند ومن الكلدانيين وغيرهم كلهم يذكرون ما
تخبر به الارواح إما مطلقا وإما إن تعين
وقد ذكرنا ان الصابئة نوعان
حنفاء ومشركون فالحنفاء هم من المسلمين المؤمنين وأما المشركون كالصابئة
الذين بعث الله اليهم الخيل عليه السلام وغيرهم فهؤلاء يقرون بهذا والصابئة
الحرانيون لهم نبي على أصلهم يقال له البابا وله مصحف يذكر فيه كثيرا من
الاخبار المستقبلة ويذكرون أن سيدته يعنى روحانية الزهرة
أخبرته بذلك
وكثير منها صحيح كإخبار بدخول المسلمين بلاد حران وغيرها وفتحهم البلاد
وإهانتهم لطائفته وكان بحران بئر يقال لها بئر عزون يعظمونها تعظيما كثيرا
وكان يذكر ان الارواح تجتمع اليها ويذكر أنواعا من هذه الامور في مصحف له
وهو موجود قد قرأته أنا وغيرى
وهذه الارواح منهم من يطلق عليها اسم
الارواح والروحانيات ولا يفصل ومنهم من يسميها جميعها الملائكة ولا يفرقون
بين الجن والملائكة لا سيما وطائفة من أهل الكلام وغيرهم يجعلون الجن
والملائكة جنسا واحدا وإنما يفرقون بالاعمال الصالحة والفاسدة كالادميين
ومن هذا تنازع العلماء في إبليس هل كان من الملائكة ام لا وقد بسط الكلام
عليه في غير هذا الموضع وأما من يعرف حقيقة الامر من علماء المسلمين
فيعلمون ان الارواح التي تعين المشركين هى الشياطين ويفرقون بين الملائكة
وبين الجن كما هو ثابت بالكتاب والسنة والاجماع بيان كون الغلط في
هذه الاخبارات أكثر من الصواب
التاسع إنه بتقدير أن يكون سبب
الاخبارات هو اتصال النفس بالقوة النفسانية الفلكية أو هو إخبار الارواح
كما تقدم فمعلوم ان الغلط في هذا أكثر من الصواب أما على اصلهم فلأن الخيال
يصور للحس المشترك ما علمته النفس من الصور المناسبة والخيال يكذب اكثر
مما يصدق وأما على قول المسلمين وغيرهم فلأن الجن يكذبون كثيرا في إخبارهم
وقد ثبت في الصحيح عن النبي ص - انه لما ذكر إخبار الكهان قال إنهم يسمعون
الكلمة فيكذبون مائة كذبة وهذا امر معلوم بالتجربة والتواتر فان الذين
يخبرون بما يخبرون به عن الجن يكثر الكذب في إخبارهم
الاخبارات هو اتصال النفس بالقوة النفسانية الفلكية أو هو إخبار الارواح
كما تقدم فمعلوم ان الغلط في هذا أكثر من الصواب أما على اصلهم فلأن الخيال
يصور للحس المشترك ما علمته النفس من الصور المناسبة والخيال يكذب اكثر
مما يصدق وأما على قول المسلمين وغيرهم فلأن الجن يكذبون كثيرا في إخبارهم
وقد ثبت في الصحيح عن النبي ص - انه لما ذكر إخبار الكهان قال إنهم يسمعون
الكلمة فيكذبون مائة كذبة وهذا امر معلوم بالتجربة والتواتر فان الذين
يخبرون بما يخبرون به عن الجن يكثر الكذب في إخبارهم
وأما الرؤيا فقد
ثبت في الصحيح عن النبي ص - انه قال الرؤيا ثلاثة رؤيا من الله ورؤيا مما
يحدث به الرجل نفسه في اليقظة فيراه في المنام ورؤيا من الشيطان فقد بين
الصادق المصدوق أن من الرؤيا ما هو من حديث النفس ومنها ما هو من وسوسة
الشيطان وقد امرنا سبحانه أن نستعيذ من هذين الواسواسين في قوله قل أعوذ
برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور
الناس من الجنة والناس الناس
ولا بد من التمييز بين الصدق والكذب وليس
فيما ذكروه ولا فيما يذكره غيرهم ما يميز بين هذا وهذا ولا يميز بين هذا
وهذا مطلقا إلا الانبياء ولهذا أمرنا الله ان نؤمن بكل ما جاؤا به الانبياء
فانهم معصومون لا يقرون على الخطأ فيما يبلغونهه عن الله باتفاق المسلمين
قال تعالى قولوا آمنا بالله وما انزل إلينا وما انزل الى ابراهيم واسمعيل
واسحق ويعقوب والاسباط وما اوتى موسى وعيسى وما اوتى النبيون من ربهم
البقرة وقال تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملئكة والكتب
والنبيين البقرة
ولهذا كان اهل الرياضة والزهد والعبادة من الصوفية
وغيرهم يرون اشياء في الباطن يظنونها حقا ويكون باطلا ولهذا يقول من يقول
من أهل العلم كأبى القاسم السهيلى وغيره نعوذ بالله من قياس فلسفى وخيال
صوفى وهذا مما كان يقوله شيخه ابو بكر بن العربي وكان مع تعظيمه لشيخه ابى
حامد الغزالي يقول
شيخنا ابو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم اراد ان
يخرج منهم فما قدر وكان يذكر عنه انه كان يقول أنا مزجى البضاعة في الحديث
وهؤلاء المتفلسفة يقولون إن غاية ما عند النبي قياس من جنس القياس الفلسفي
او خيال من جنس الخيال الصوفي فان ما ذكروه للنبي يتصف به آحاد الناس فان
اتصال النفوس بالنفس الفلكية وانعقاد الاقيسة العقلية في النفس هو قدر
مشترك بين الناس إنما هو بحسب استعداد النفوس ثم هم أعنى ابن سينا وأمثاله
يقولون إن النفوس الناطقة متماثلة بحسب الحقيقة وإنما اختلفت باعتبار
أبدانها فهى كماء واحد وضعته في آنية مختلفة فاختلف لاختلاف الاوعية واسباب
صفات النفس عندهم إما المزاج وإما العادة وإما ما يتبع ذلك ويا ليت شعري
كم مقدار ما يوجب التفاوت بين النفوس إن لم يكن التفاوت إلا بهذا السبب
فيلزم من هذا ان تكون نفس اخس الناس مشاركة في الحقيقة لنفس ابراهيم وموسى
وعيسى ومحمد وانما امتازت عنها بأمور عارضة وأن تكون نفس كثير من الناس
قريبة من نفوسهم او افضل وتكون مستعدة لان يحصل لها ما حصل لنفوسهم
ولهذا كانت النبوة عندهم مكتسبة وصار كثير منهم يطلب ان يؤتى مثل ما اوتى
رسل الله وأن يؤتى صحفا منشرة كما طلب ذلك غير واحد في زماننا وكما طلبه
السهروردي المقتول وابن سبعين وغيرهما وسبب ذلك أن هذه النبوة التي أثبتوها
امرها من جنس منامات الناس
ولهذا كان عمدتهم في إثبات النبوة هو
المنامات ولما أراد ابن سينا وأمثاله ان
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى