لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

كتاب : أسباب رفع العقوبة عن العبد الجزء الاول Empty كتاب : أسباب رفع العقوبة عن العبد الجزء الاول {الأربعاء 15 يونيو - 8:56}

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

أسباب رفع العقوبة عن العبد لشيخ الإسلام ابن تيمية

حققه وعلق عليه
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد :
لقد
خلق الله تعالى الإنسان ، وهو أعلم بخلقه وطبيعته ، ومن طبيعته الوقوع في
المعاصي ، وارتكاب الذنوب ، كما قال صلى الله عليه وسلم " كُلُّ ابْنِ
آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ "(1)
و عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «
وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ
وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ
لَهُمْ » (2).
ومنْ ثمَّ ، فلا يخلو الإنسان من الوقوع في الذنوب ، ففتح
الله تعالى له باب التوبة منها ، فقال تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ
التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا
تَفْعَلُونَ} (25) سورة الشورى
وقال تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر .
وهذه الرسالة التي بين
يدينا ، هي من الرسائل النادرة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ألا
وهي الأسباب الموجبة لرفع العقوبة ، وقد بين أنها عشرة أسباب و ذكر أمثلة عليها ، وهذه الرسالة - على صغر حجمها - من أروع ما كتب في هذا الباب ، وهي غزيرة الفوائد .
وهذه هي اللأسباب العشرة :
" أَحَدُهَا " التَّوْبَةُ …
" السَّبَبُ الثَّانِي " الِاسْتِغْفَارُ :
" السَّبَبُ الثَّالِثُ " : الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ :
( السَّبَبُ الرَّابِعُ الدَّافِعُ لِلْعِقَابِ ) : دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ :…
( السَّبَبُ الْخَامِسُ ) : مَا يُعْمَلُ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ :…
(
السَّبَبُ السَّادِسُ ) : شَفَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُ فِي أَهْلِ الذُّنُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
( السَّبَبُ السَّابِعُ ) : الْمَصَائِبُ الَّتِي يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا فِي الدُّنْيَا:…
( السَّبَبُ الثَّامِنُ ) : مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالضَّغْطَةِ وَالرَّوْعَةِ :…
( السَّبَبُ التَّاسِعُ ) : أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا .…
( السَّبَبُ الْعَاشِرُ ) : رَحْمَةُ اللَّهِ وَعَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ بِلَا سَبَبٍ مِنْ الْعِبَادِ .…
===============
أما عملي في هذه الرسالة فهو كما يلي :
*وضع نص الرسالة من مجموع الفتاوى مشكلة ، ومن أحدث نسخة
*تصحيح الأخطاء المطبعية وهي قليلة جدا
*تخريج الآيات القرآنية كلها وتشكيلها بالرسم العادي ، وشرح غالب الآيات من كتب التفسير المعتمدة
*تخريج
الأحاديث كلها وتشكيلها ، والحكم عليها إذا لم تكن في الصحيحين ، بما
يناسبها باختصار ، وهناك مشكلة في كثير من الأحاديث حيث يرويها شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله من حفظه ، وليس بالنص فتكون بالمعنى وليست باللفظ ،
فنقلت النص بحرفيته من مصدره ، وقمت بشرحها من مصادرها الرئيسة .
*ذكر الأدلة من القرآن والسنة لأشياء أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، دون أن يذكر دليلها صراحة ، فذكرت هذه الأدلة بالهامش
شرح ما يحتاج لشرح من كلامه ،سواء من كتبه الأخرى أو من كتب غيره
*فهرسة الموضوع بشكل دقيق
*ذكر أهم المصادر في آخر هذه الرسالة
قال
تعالى :{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن
يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (54) سورة الزمر .
وأرجو من الله تعالى أن ينفع بها محققها ، وناقلها وقارئها والدال عليها في الدارين آمين
وكتبه
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
9 رجب 1428 هـ الموافق ل 23/7/2007 م
**************************
أسباب رفع العقوبة عن العبد لشيخ الإسلام ابن تيمية(3)

قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
قَدْ
دَلَّتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ : عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ
الذُّنُوبِ تَزُولُ عَنْ الْعَبْدِ بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَسْبَابٍ :
" أَحَدُهَا " التَّوْبَةُ (4)
__________
(1) -المستدرك على الصحيحين للحاكم برقم(7725 ) والترمذي برقم( 2536 ) وهو صحيح لغيره
(2) - صحيح مسلم برقم(7141 )
(3) - مجموع الفتاوى - (ج 7 / ص 487) فما بعدها ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 151و152)
(4) - 1 - التّوبة في اللّغة العود والرّجوع ، يقال : تاب إذا رجع عن ذنبه وأقلع عنه.
وإذا أسند فعلها إلى العبد يراد به رجوعه من الزّلّة إلى النّدم ، يقال : تاب إلى اللّه توبة ومتابا : أناب ورجع عن المعصية ، وإذا أسند فعلها إلى اللّه تعالى يستعمل مع صلة ' على يراد به رجوع لطفه ونعمته على العبد والمغفرة له ، يقال : تاب اللّه عليه : غفر له وأنقذه من المعاصي.
قال اللّه تعالى : «ثمَّ تَابَ عَلَيهمْ لِيَتُوبُوا إنَّ اللَّهَ هو التَّوَّابُ الرَّحيمُ» .
وفي الاصطلاح التّوبة هي : النّدم والإقلاع عن المعصية من حيث هي معصية لا ، لأنّ فيها ضررا لبدنه وماله ، والعزم على عدم العود إليها إذا قدر.
وعرّفها بعضهم بأنّها الرّجوع عن الطّريق المعوجّ إلى الطّريق المستقيم.
وعرّفها الغزاليّ بأنّها
: العلم بعظمة الذّنوب ، والنّدم والعزم على التّرك في الحال والاستقبال
والتّلافي للماضي ، وهذه التّعريفات وإن اختلفت لفظا هي متّحدة معنى.
وقد
تطلق التّوبة على النّدم وحده إذ لا يخلو عن علم أوجبه وأثمره وعن عزم
يتبعه ، ولهذا قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم « النّدم توبة » والنّدم
توجّع القلب وتحزّنه لما فعل وتمنّي كونه لم يفعل.
قال ابن قيّم
الجوزيّة : التّوبة في كلام اللّه ورسوله كما تتضمّن الإقلاع عن الذّنب في
الحال والنّدم عليه في الماضي والعزم على عدم العود في المستقبل ، تتضمّن
أيضا العزم على فعل المأمور والتزامه ، فحقيقة التّوبة : الرّجوع إلى اللّه
بالتزام فعل ما يجب وترك ما يكره ، ولهذا علّق سبحانه وتعالى الفلاح
المطلق على التّوبة حيث قال :
«وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعَاً أيُّهَا المُؤمِنونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» .
الألفاظ ذات الصّلة
«أ - الاعتذار»
2
- الاعتذار في اللّغة مصدر اعتذر أصله من العذر ، وأصل العذر إزالة الشّيء
عن جهته يقال : اعتذر عن فعله أي أظهر عذره ، واعتذر إليّ أي طلب قبول
معذرته ، واعتذر إلى فلان فعذره أي : أزال ما كان في نفسه عليه في الحقيقة
أو في الظّاهر.
وفي الاصطلاح : الاعتذار إظهار ندم على ذنب تقرّ بأنّ لك في إتيانه عذراً ، والتّوبة هي النّدم على ذنب تقرّ بأنّه لا عذر لك في إتيانه فكلّ توبة ندم ولا عكس.
وقد يكون المعتذر محقّا فيما فعله ، بخلاف التّائب من الذّنب.
«ب - الاستغفار»
3 - الاستغفار في اللّغة طلب المغفرة ، وأصل الغفر التّغطية والسّتر ، يقال : غفر اللّه ذنوبه أي سترها.
وفي الاصطلاح طلب المغفرة بالدّعاء والتّوبة أو غيرهما من الطّاعة.
قال
ابن القيّم : الاستغفار إذا ذكر مفردا يراد به التّوبة مع طلب المغفرة من
اللّه ، وهو محو الذّنب وإزالة أثره ووقاية شرّه ، والسّتر لازم لهذا
المعنى ، كما في قوله تعالى : «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّه
كَانَ غَفَّارَاً» ، فالاستغفار بهذا المعنى يتضمّن التّوبة.
أمّا عند
اقتران إحدى اللّفظتين بالأخرى فالاستغفار طلب وقاية شرّ ما مضى ، والتّوبة
الرّجوع وطلب وقاية شرّ ما يخافه في المستقبل من سيّئات أعماله ، كما في
قوله تعالى :
«وَأَن اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثمَّ تُوبُوا إليه» .
«أركان وشروط التّوبة»
4 - ذكر أكثر الفقهاء والمفسّرين أنّ للتّوبة أربعة شروط : الإقلاع عن المعصية حالاً ، والنّدم على فعلها في الماضي ، والعزم عزما جازما أن لا يعود إلى مثلها أبدا.
وإن كانت المعصية تتعلّق بحقّ آدميّ ، فيشترط فيها ردّ المظالم إلى أهلها أو تحصيل البراءة منهم.
وصرّحوا كذلك بأنّ النّدم على المعصية يشترط فيه أن يكون للّه ، ولقبحها شرعاً.
وهذا معنى قولهم : النّدامة على المعصية لكونها معصية ' ، لأنّ
النّدامة على المعصية لإضرارها ببدنه ، وإخلالها بعرضه أو ماله ، أو نحو
ذلك لا تكون توبة ، فلو ندم على شرب الخمر والزّنا للصّداع ، وخفّة العقل ،
وزوال المال ، وخدش العرض لا يكون تائبا.
والنّدم لخوف النّار أو طمع الجنّة يعتبر توبة.
واعتبر
بعض الفقهاء هذه الشّروط أو أكثرها من أركان التّوبة فقالوا : التّوبة
النّدم مع الإقلاع والعزم على عدم العود ، وردّ المظالم ، وقال بعضهم :
النّدم ركن من التّوبة ، وهو يستلزم الإقلاع عن الذّنب والعزم على عدم
العودة ، وأمّا ردّ المظالم لأهلها فواجب مستقلّ ليس شرطا في صحّة التّوبة.
ويؤيّد هذا الرّأي ما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « النّدم توبة » .
وعلى جميع الاعتبارات لا بدّ من التّنبيه على أنّ الإقلاع عن الذّنب لا يتمّ إلا بردّ الحقوق إلى أهلها
، أو باستحلالهم منها في حالة القدرة ، وهذا كما يلزم في حقوق العباد يلزم
كذلك في حقوق اللّه تعالى ، كدفع الزّكوات ، والكفّارات إلى مستحقّيها.
وردّ
الحقوق يكون حسب إمكانه ، فإن كان المسروق أو المغصوب موجودا ردّه بعينه ،
وإلا يردّ المثل إن كانا مثليّين والقيمة إن كانا قيميّين ، وإن عجز عن
ذلك نوى ردّه متى قدر عليه ، وتصدّق به على الفقراء بنيّة الضّمان له إن
وجده.
فإن كان عليه فيها حقّ ، فإن كان حقّا لآدميّ كالقصاص اشترط في
التّوبة التّمكين من نفسه وبذلها للمستحقّ ، وإن كان حقّا للّه تعالى كحدّ
الزّنى وشرب الخمر فتوبته بالنّدم والعزم على عدم العود ، وسيأتي تفصيله في
آثار التّوبة.
«إعلان التّوبة»
5 - قال ابن قدامة : التّوبة
على ضربين باطنة وحكميّة ، فأمّا الباطنة : فهي ما بينه وبين ربّه تعالى ،
فإن كانت المعصية لا توجب حقّا عليه في الحكم كقبلة أجنبيّة أو الخلوة بها ،
وشرب مسكر ، أو كذب ، فالتّوبة منه النّدم والعزم على أن لا يعود وقد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « النّدم توبة » وقيل : التّوبة النّصوح تجمع أربعة أشياء ، النّدم بالقلب ، والاستغفار باللّسان ، وإضمار أن لا
يعود ، ومجانبة خلطاء السّوء ، وإن كانت توجب عليه حقّا للّه تعالى أو
لآدميّ كمنع الزّكاة والغصب ، فالتّوبة منه بما ذكرنا ، وترك المظلمة حسب
إمكانه بأن يؤدّي الزّكاة ويردّ المغصوب أو مثله إن كان مثليّا ، وإلّا قيمته.
وإن
عجز عن ذلك نوى ردّه متى قدر عليه ، فإن كان عليه فيها حقّ في البدن ، فإن
كان حقّا لآدميّ كالقصاص وحدّ القذف اشترط في التّوبة التّمكين من نفسه
وبذلها للمستحقّ ، وإن كان حقّا للّه تعالى كحدّ الزّنى ، وشرب الخمر
فتوبته أيضا بالنّدم ، والعزم على ترك العود ولا يشترط الإقرار به ، فإن
كان ذلك لم يشتهر عنه فالأولى له ستر نفسه ، والتّوبة فيما بينه وبين اللّه
تعالى ، لأنّ
النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من أصاب من هذه القاذورات فليستتر
بستر اللّه تعالى ، فإنّه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب اللّه » « فإنّ
الغامديّة حين أقرّت بالزّنى لم ينكر عليها النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك
» ، وإن كانت معصية مشهورة فذكر القاضي أنّ الأولى الإقرار به ليقام عليه الحدّ ، لأنّه إذا كان مشهورا فلا فائدة في ترك إقامة الحدّ عليه ، والصّحيح أنّ ترك الإقرار أولى ، « لأنّ
النّبيّ صلى الله عليه وسلم عرّض للمقرّ عنده بالرّجوع عن الإقرار فعرّض
لماعز » ، وللمقرّ عنده بالسّرقة بالرّجوع مع اشتهاره عنه بإقراره ، وكره
الإقرار حتّى إنّه قيل لمّا قطع السّارق كأنّما أسف وجهه رماداً ، ولم يرد الأمر بالإقرار ولا الحثّ عليه في كتاب ولا سنّة ،ولا يصحّ له قياس.
إنّما ورد الشّرع بالسّتر والاستتار والتّعريض للمقرّ بالرّجوع عن الإقرار.
« وقال لهزال وكان هو الّذي أمر ماعزاً بالإقرار يا هزال لو سترته بثوبك كان خيراً لك » .
وقال أصحاب الشّافعيّ : توبة هذا إقراره ليقام عليه الحدّ وليس بصحيح لما ذكرنا ، ولأنّ
التّوبة توجد حقيقتها بدون الإقرار وهي تجبّ ما قبلها ، كما ورد في
الأخبار مع ما دلّت عليه الآيات في مغفرة الذّنوب بالاستغفار وترك الإصرار.
وأمّا البدعة فالتّوبة منها بالاعتراف بها ، والرّجوع عنها ، واعتقاد ضدّ ما كان يعتقد منها.
«عدم العودة»
6
- لا يشترط في التّوبة عدم العود إلى الذّنب الّذي تاب منه عند أكثر
الفقهاء ، وإنّما تتوقّف التّوبة على الإقلاع عن الذّنب والنّدم عليه
والعزم الجازم على ترك معاودته ، فإن عاوده مع عزمه حال التّوبة على أن لا يعاوده صار كمن ابتدأ المعصية ، ولم تبطل توبته المتقدّمة ، ولا يعود إليه إثم الذّنب الّذي ارتفع بالتّوبة ، وصار كأن لم يكن وذلك بنصّ الحديث : « التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له » .
وقال بعضهم يعود إليه إثم الذّنب الأوّل ، لأنّ
التّوبة من الذّنب بمنزلة الإسلام من الكفر ، والكافر إذا أسلم هدم إسلامه
ما قبله من إثم الكفر وتوابعه ، فإذا ارتدّ عاد إليه الإثم الأوّل مع
الرّدّة.
والحقّ أنّ عدم معاودة الذّنب واستمرار التّوبة شرط في كمال التّوبة ونفعها الكامل لا في صحّة ما مضى منها.
هذا
واشترط الشّافعيّة في ثبوت بعض أحكام التّوبة إصلاح العمل ، فلا تكفي
التّوبة حتّى تمضي عليه مدّة تظهر فيها آثار التّوبة ويتبيّن فيها صلاحه
على تفصيل يأتي في آثار التّوبة.
«التّوبة من بعض الذّنوب»
7 - تصحّ
التّوبة من ذنب مع الإصرار على غيره عند جمهور الفقهاء ، فالتّوبة تتبعّض
كالمعصية وتتفاضل في كمّيّتها كما تتفاضل في كيفيّتها ، فكلّ ذنب له توبة
تخصّه ، ولا تتوقّف التّوبة من ذنب على التّوبة من بقيّة الذّنوب ، كما لا
يتعلّق أحد الذّنبين بالآخر ، وكما يصحّ إيمان الكافر مع إدامته شرب الخمر
والزّنى تصحّ التّوبة عن ذنب مع الإصرار على آخر.
ونقل ابن القيّم قولا بعدم قبول التّوبة من ذنب مع الإصرار على غيره ، وهو رواية عن أحمد ثمّ قال : والّذي عندي في هذه المسألة أنّ
التّوبة لا تصحّ من ذنب مع الإصرار على غيره من نوعه ، وأمّا التّوبة من
ذنب مع مباشرة ذنب آخر لا تعلّق له به ولا هو من نوعه فتصحّ ، كما إذا تاب
من الرّبا ، ولم يتب من شرب الخمر مثلا فإنّ توبته من الرّبا صحيحة ، وأمّا
إذا تاب من ربا الفضل ولم يتب من ربا النّسيئة أو بالعكس ، أو تاب من
تناول الحشيشة وأصرّ على شرب الخمر أو بالعكس فهذا لا تصحّ توبته ، كمن
يتوب عن زنى بامرأة وهو مصرّ على الزّنى بغيرها.
«أقسام التّوبة»
8 - صرّح بعض فقهاء الشّافعيّة والحنابلة أنّ التّوبة نوعان :
توبة في الباطن ، وتوبة في الظّاهر.
فأمّا
التّوبة في الباطن : فهي ما بينه وبين اللّه عزّ وجلّ ، فينظر في المعصية
فإن لم تتعلّق بها مظلمة لآدميّ ، ولا حدّ للّه تعالى ، كالاستمتاع
بالأجنبيّة فيما دون الفرج ، فالتّوبة منها أن يقلع عنها ويندم على فعل ما فعل ، ويعزم على أن لا يعود إلى مثلها.
والدّليل على ، ذلك قوله تعالى : «وَالَّذِينَ إذا فَعَلُوا فَاحِشَةً أو ظَلَمُوا أنْفُسَهمْ
ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنوبَ
إلا اللَّهُ وَلمْ يُصِرُّوا على مَا فَعَلُوا» الآية.
وإن تعلّق بها حقّ آدميّ ، فالتّوبة منها أن يقلع عنها ، ويندم على ما فعل ، ويعزم على أن لا يعود إلى مثلها ، وأن يبرأ من حقّ الآدميّ ، إمّا بأن يؤدّيه أو يسأله حتّى يبرئه منه ، وإن لم يقدر على صاحب الحقّ نوى أنّه إن قدر أوفاه حقّه.
وإن تعلّق بالمعصية حدّ للّه ، كحدّ الزّنى والشّرب ، فإن لم يظهر ذلك ، فالأولى أن يستره على نفسه لقوله عليه الصلاة والسلام : « من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر اللّه » .
وأمّا
التّوبة في الظّاهر - وهي الّتي تعود بها العدالة والولاية وقبول الشّهادة
، فإن كانت المعصية فعلا كالزّنى والسّرقة لم يحكم بصحّة التّوبة عند
الشّافعيّة حتّى يصلح عمله ، وقدّروها بسنة أو ستّة أشهر ، أو حتّى ظهور
علامات الصّلاح على اختلاف أقوالهم خلافا لجمهور الفقهاء فإنّهم لم يشترطوا
إصلاح العمل بعد التّوبة ، وإن كانت المعصية قذفا أو شهادة زور فلا بدّ من
إكذاب نفسه كما سيأتي.
«التّوبة النّصوح»
9 - أمر اللّه
سبحانه وتعالى المؤمنين بالتّوبة النّصوح ليكفّر عنهم سيّئاتهم فقال : «يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوبَةً نَصُوحَاً عَسَى
رَبُّكُمْ أنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ» .
واختلفت عبارات العلماء فيها ، وأشهرها ما روي عن عمر وابن مسعود وأبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم ، وروي مرفوعا أنّ التّوبة النّصوح هي الّتي لا عودة بعدها كما لا يعود اللّبن إلى الضّرع.
وقيل : هي النّدم بالقلب ، والاستغفار باللّسان ، والإقلاع عن الذّنب ، والاطمئنان على أنّه لا يعود.
«حكم التّوبة»
10 - التّوبة من المعصية واجبة شرعا على الفور باتّفاق الفقهاء ، لأنّها
من أصول الإسلام المهمّة وقواعد الدّين ، وأوّل منازل السّالكين ، قال
اللّه تعالى : «وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعَاً أيُّها المُؤمِنونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» .
«وقت التّوبة»
11 - إذا أخّر المذنب التّوبة إلى آخر حياته ، فإن ظلّ آملا في الحياة غير يائس بحيث لا يعلم قطعا أنّ
الموت يدركه لا محالة فتوبته مقبولة عند جمهور الفقهاء ، وإن كان قريباً
من الموت لقوله تعالى : «وَهو الَّذي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِه
وَيَعْفُو عَن السَّيِّئاتِ» ولقوله عليه الصلاة والسلام : « إنّ اللّه
يقبل توبة العبد ما لم يغرغر » .
وإن
قطع الأمل من الحياة وكان في حالة اليأس - مشاهدة دلائل الموت - فاختلفوا
فيه : قال المالكيّة - وهو قول بعض الحنفيّة : ووجه عند الحنابلة ، ورأي
عند الشّافعيّة ، ونسب إلى مذهب الأشاعرة : إنّه لا تقبل توبة اليائس الّذي
يشاهد دلائل الموت ، بدليل قوله تعالى : «وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذِينَ
يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حتَّى إذا حَضَرَ أحَدَهم المَوتُ قالَ إنِّي
تُبْتُ الآنَ» الآية.
قالوا : إنّ الآية في حقّ المسلمين الّذين
يرتكبون الذّنوب ويؤخّرون التّوبة إلى وقت الغرغرة ، بدليل قوله تعالى بعده
: «وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ» لأنّه تعالى جمع بين من أخّر التّوبة إلى حضور الموت من الفسقة وبين من يموت وهو كافر ، فلا تقبل توبة اليائس كما لا يقبل إيمانه.
ولقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه يقبل التّوبة ما لم يغرغر » وهذا يدلّ على أنّه يشترط لصحّة التّوبة صدورها قبل الغرغرة ، وهي حالة اليأس وبلوغ الرّوح الحلقوم.
وعند بعض الحنفيّة - وهو وجه آخر عند الحنابلة - وعزاه بعضهم إلى مذهب الماتريديّة أنّ المؤمن العاصي تقبل توبته ولو في حالة الغرغرة ، بخلاف إيمان اليائس فإنّه لا يقبل ، ووجه الفرق أنّ الكافر غير عارف باللّه تعالى ، ويبدأ إيمانا وعرفانا ، والفاسق عارف وحاله حال البقاء ، والبقاء أسهل من الابتداء ولإطلاق قوله تعالى : «وَهوَ الَّذي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ» .
ولا
خلاف بين الفقهاء في عدم قبول توبة الكافر بإسلامه في حالة اليأس بدليل
قوله تعالى حكاية عن حال فرعون : «حَتَّى إذَا أَدْرَكَه الغَرَقُ قَالَ
آمَنْتُ أنَّه لا إلهَ إلا الَّذي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ وأنَا مِنَ المُسْلِمينَ الآنَ وَقَدْ عَصَيتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِن المُفْسِدينَ» .
«من تقبل توبتهم ومن لا تقبل»
12 - تقدّم أنّ
اللّه سبحانه وتعالى يقبل التّوبة من الكافر والمسلم العاصي بفضله وإحسانه
كما وعد في كتابه المجيد حيث قال : «وَهوَ الَّذي يَقْبَلُ التَّوبَةَ
عَنْ عِبَادِه وَيَعْفُو عَن السَّيِّئاتِ» لكن هناك بعض الحالات اختلف
الفقهاء في قبول التّوبة فيها نظرا للأدلّة الشّرعيّة الخاصّة بها ومن هذه
الحالات :
«أ - توبة الزّنديق»
13 - الزّنديق هو الّذي لا يتمسّك بشريعة ولا يتديّن بدين.
وجمهور الفقهاء - المالكيّة والحنابلة وهو ظاهر المذهب عند الحنفيّة ورأي عند الشّافعيّة- على أنّه لا تقبل توبة الزّنديق لقوله تعالى : «إلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا» الآية.
والزّنديق لا يظهر منه بالتّوبة خلاف ما كان عليه ، لأنّه كان يظهر الإسلام مسرّاً بالكفر ، ولأنّ التّوبة عند الخوف عين الزّندقة.
لكن المالكيّة صرّحوا بقبول التّوبة من الزّنديق إذا أظهرها قبل الاطّلاع عليه.
وفي رواية عند الحنفيّة وهي رواية عند الشّافعيّة والحنابلة أنّ
الزّنديق تجري عليه أحكام المرتدّ فتقبل توبته بشروطها ، لقوله تعالى :
«قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهمْ مَا قَدْ سَلَفَ»
.
وألحق الشّافعيّة بالزّنادقة الباطنيّة بمختلف فرقهم ، كما
ألحق بهم الحنابلة الحلوليّة والإباحيّة وسائر الطّوائف المارقين من
الدّين.
«ب - توبة من تكرّرت ردّته»
14 - صرّح الحنابلة - وهو رواية عند الحنفيّة ونسب إلى مالك بأنّه
لا تقبل توبة من تكرّرت ردّته ، لقوله تعالى : «إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرَاً
لَمْ يَكُن اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهمْ وَلا لِيَهْدِيهمْ سَبِيلاً» .
ولقوله
سبحانه : «إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا
كُفْرَاً لَنْ تُقْبَلَ تَوبَتُهمْ» والازدياد يقتضي كفرا جديدا لا بدّ من
تقدّم إيمان عليه.
ولما روي أنّ ابن مسعود رضي الله عنه أتي برجل فقال له : إنّه أتي بك مرّة فزعمت أنّك تبت وأراك قد عدت فقتله.
ولأنّ تكرار الرّدّة منه يدلّ على فساد عقيدته وقلّة مبالاته بالدّين فيقتل.
وقال
الشّافعيّة وهو المشهور في مذهب الحنفيّة والمالكيّة : إنّه تقبل توبة
المرتدّ ولو تكرّرت ردّته ، لإطلاق قوله تعالى : «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهمْ مَا قَد سَلَفَ» ولقوله عليه الصلاة
والسلام : « أمرت أن أقاتل
النّاس حتّى يقولوا لا إله إلّا اللّه ، فإذا قالوا لا إله إلّا اللّه
عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على اللّه » .
لكنّهم صرّحوا بأنّ
المرتدّ المتكرّرة منه الرّدّة إذا تاب ثانيا عزّر بالضّرب أو بالحبس ولا
يقتل ، قال ابن عابدين : إذا ارتدّ ثانيا ثمّ تاب ضربه الإمام وخلّى سبيله ،
وإن ارتدّ ثالثا ثمّ تاب ضربه ضربا وجيعا وحبسه حتّى تظهر عليه آثار
التّوبة ويرى أنّه مخلص ثمّ خلّى سبيله ، فإن عاد فعل به هكذا أبدا ما دام حتّى يرجع إلى الإسلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى