رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« خُيِّرْتُ
بَيْنَ الشَّفَاعَةِ أَوْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِى الْجَنَّةَ فَاخْتَرْتُ
الشَّفَاعَةَ لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى أَتَرَوْنَهَا لِلْمُنَقَّيْنَ
لاَ وَلَكِنَّهَا لِلْمُتَلَوِّثِينَ الْخَطَّاءُونَ »(1)
__________
(1) - مسند أحمد برقم( 5581)عن ابن عمر وسنن ابن ماجه برقم( 4453 ) عن أبي موسى وهو صحيح لغيره
وفي مسند أحمد برقم(20145) َ عَنْ أَبِى مُوسَى أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ
يَحْرُسُهُ أَصْحَابُهُ فَقُمْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَمْ أَرَهُ فِى
مَنَامِهِ فَأَخَذَنِى مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ
فَإِذَا أَنَا بِمُعَاذٍ قَدْ لَقِىَ الَّذِى لَقِيتُ فَسَمِعْنَا صَوْتاً
مِثْلَ هَزِيزِ الرَّحَا فَوَقَفْنَا عَلَى مَكَانِهِمَا فَجَاءَ
النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ
قِبَلِ الصَوْتِ فَقَالَ « هَلْ تَدْرُونَ أَيْنَ كُنْتُ وَفِيمَ كُنْتُ
أَتَانِى آتٍ مِنْ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ فَخَيَّرَنِى بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ
نِصْفُ أُمَّتِى الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ فَاخْتَرْتُ
الشَّفَاعَةَ ». فَقَالاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
أَنْ يَجْعَلَنَا فِى شَفَاعَتِكَ. فَقَالَ « أَنْتُمْ وَمَنْ مَاتَ لاَ
يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً فِى شَفَاعَتِى » صحيح .
حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 162)
(
أَتَرَوْنَهَا ) أَيْ تِلْكَ الشَّفَاعَة الَّتِي خُيِّرْت بَيْنهَا
وَبَيْن دُخُول نِصْف الْأُمَّة الْجَنَّة لَيْسَتْ هِيَ لِلْمُتَّقِينَ
وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمُذْنِبِينَ وَيُحْتَمَل أَنَّ الْمُرَاد أَتَرَوْنَ
الشَّفَاعَة مَخْصُوصَة لِلْمُتَّقِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ
شَامِلَة لِلْمُذْنِبِينَ
وفي موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 1676)
شفاعاته صلى الله عليه وسلم
رضا بن محمد السنوسي
مكة المكرمة
أحبابنا
في الله: أخرج مسلم: (202) في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص
رضي الله عنهما قال أن النبي تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: رَبّ
إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ
مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [إبراهيم:26]. وقال عيسى
عليه السلام: إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ
لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]. فرفع يديه،
وقال: ((اللهم أمتي أمتي))، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى
محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله، فأخبره رسول الله بما قال - وهو أعلم - فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك.
الحمد
لله على نعمة الإسلام، والحمد لله أن جعلنا من أمة خير الأنام، نعم إن
الله سيرضيه في أمته، ولا يسوؤه، وذلك فضل الله، تفضل به على هذا الحبيب
وعلى أمته، وذلك يكون بشفاعته التي تنال أمته ، وهي أنواع عدة ذكرها أهل
العلم في ذلك، فمنها شفاعته أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنة، فإنه
أول داخل لها.
أخرج مسلم: (196) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال
النبي : ((أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب
الجنة)). وفي رواية لمسلم: (197) ((فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد،
فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)). اللهم أدخلنا الجنة في زمرته.
ومن
شفاعته شفاعته في أهل الكبائر من أمته ممن دخل النار، فيخرجون منها، وقد
تواترت الأحاديث على ذلك، روى المنذري: (5340) بإسناد حسن عن عبد الله بن
عمر رضي الله عنهما، عن النبي قال: ((خيرت بين الشفاعة أو يدخل نصف أمتي
الجنة، فاخترت الشفاعة))؛ لأنها أعم وأكفى، أما إنها ليست للمؤمنين
المتقين، ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين، وفي الحديث: ((شفاعتي لأهل
الكبائر من أمتي)) [أخرجه أحمد].
وصفة ذلك أن رسول الله يشفع إلى مولانا
الرحيم الكريم في أن يخرج من النار أمته الذين قد دخلوها، فيأذن الله له
في ذلك، أخرج البخاري بسنده: (7440)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث
طويل، منه قال : ((فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته
وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل تسمع،
واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد
يُعلمنيه، قال: ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأخرج فأدخلهم الجنة))، وقال قتادة:
((فأخرج، فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة، فأستأذن على
ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله
أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع
رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يُعلمنيه، قال: ثم أشفع، فيُحد لي حداً،
فأخرج، فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه
القرآن)) أي وجب عليه الخلود، الحديث. حتى أنه من كثرة شفاعته يقول له
خازن النار: يا محمد ما تركت لغضب ربك في أمتك من نقمة. [الترغيب: 5337].
هكذا
يشفع لأمته، إنه الرحمة المهداة، صلوات الله وسلامه عليه حتى أن الله
يناديه: أرضيت يا محمد، روى المنذري: (5338) بإسناد حسن عن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((أشفع لأمتي حتى يناديني ربي تبارك
وتعالى، فيقول: أقد رضيت يا محمد؟ فأقول: أي رب، رضيت)).
ومن شفاعته في
ذلك اليوم شفاعته لعمه أبي طالب، أخرج مسلم في صحيحه: (212) عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو
منتعل بنعلين، يغلي منهما دماغه)).
وفي ذلك اليوم العظيم تتوالى
الشفاعات رحمة من الله بعباده، يقول : ((يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء،
ثم العلماء، ثم الشهداء)) [رواه ابن ماجه: 4313].
وأخرج أحمد بإسناد
حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((ليدخلن الجنة
بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين ربيعة ومضر))، فقال رجل: يا رسول الله، أو
ما ربيعة من مضر، قال: ((إنما أقول ما أقول)).
وما زالت الشفاعة في ذلك اليوم حتى يتفضل الرحمن الرحيم، الحنان المنان، الرؤوف الرحيم - سبحانه - فيخرج من النار أناس قد استحقوا العذاب، فيدخلهم الجنة برحمته.
أخرج مسلم: (183) بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - في حديث طويل - قال
رسول الله : ((حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده، ما منكم
من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة
لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون، ويحجون،
فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتُحرم صورهم على النار، فيُخرجون خلقاً
كثيراً، قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي
فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من
خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً
ممن أمرتنا، ثم فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير
فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن
أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه،
فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً، فيقول الله عز
وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم
الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيُخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد
عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له نهر الحياة، فيخرجون
كما تخرج الحبة في حميل السيل)) الحديث، إلى قوله : ((يعرفهم أهل الجنة،
هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه)).
فاتقوا الله - عباد الله - واسلكوا
نهج نبيكم حتى تكتب لكم السعادة والجنات، اللهم أدخلنا الجنة بسلام، وتفضل
علينا بباب الريان، واشملنا برحمتك وعفوك وعتقك من النيران، اللهم أصلحنا
قبل الموت، وارحمنا عند الموت، واغفر لنا بعد الموت. أقول ما تسمعون
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً. . . أما بعد:
إخوة الإسلام:
أسعد
الناس بشفاعة رسول الله من مات على الإسلام، أخرج البخاري بسنده عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم
القيامة؟ فقال رسول الله : ((لقد ظننت - يا أبا هريرة - أن
لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد
الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو
نفسه)).
اللهم أحينا على لا إله إلا الله، وتوفنا عليها، واجعلها آخر كلامنا من الدنيا.
بَيْنَ الشَّفَاعَةِ أَوْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِى الْجَنَّةَ فَاخْتَرْتُ
الشَّفَاعَةَ لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى أَتَرَوْنَهَا لِلْمُنَقَّيْنَ
لاَ وَلَكِنَّهَا لِلْمُتَلَوِّثِينَ الْخَطَّاءُونَ »(1)
__________
(1) - مسند أحمد برقم( 5581)عن ابن عمر وسنن ابن ماجه برقم( 4453 ) عن أبي موسى وهو صحيح لغيره
وفي مسند أحمد برقم(20145) َ عَنْ أَبِى مُوسَى أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ
يَحْرُسُهُ أَصْحَابُهُ فَقُمْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَمْ أَرَهُ فِى
مَنَامِهِ فَأَخَذَنِى مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ
فَإِذَا أَنَا بِمُعَاذٍ قَدْ لَقِىَ الَّذِى لَقِيتُ فَسَمِعْنَا صَوْتاً
مِثْلَ هَزِيزِ الرَّحَا فَوَقَفْنَا عَلَى مَكَانِهِمَا فَجَاءَ
النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ
قِبَلِ الصَوْتِ فَقَالَ « هَلْ تَدْرُونَ أَيْنَ كُنْتُ وَفِيمَ كُنْتُ
أَتَانِى آتٍ مِنْ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ فَخَيَّرَنِى بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ
نِصْفُ أُمَّتِى الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ فَاخْتَرْتُ
الشَّفَاعَةَ ». فَقَالاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
أَنْ يَجْعَلَنَا فِى شَفَاعَتِكَ. فَقَالَ « أَنْتُمْ وَمَنْ مَاتَ لاَ
يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً فِى شَفَاعَتِى » صحيح .
حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 8 / ص 162)
(
أَتَرَوْنَهَا ) أَيْ تِلْكَ الشَّفَاعَة الَّتِي خُيِّرْت بَيْنهَا
وَبَيْن دُخُول نِصْف الْأُمَّة الْجَنَّة لَيْسَتْ هِيَ لِلْمُتَّقِينَ
وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمُذْنِبِينَ وَيُحْتَمَل أَنَّ الْمُرَاد أَتَرَوْنَ
الشَّفَاعَة مَخْصُوصَة لِلْمُتَّقِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ
شَامِلَة لِلْمُذْنِبِينَ
وفي موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 1676)
شفاعاته صلى الله عليه وسلم
رضا بن محمد السنوسي
مكة المكرمة
أحبابنا
في الله: أخرج مسلم: (202) في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص
رضي الله عنهما قال أن النبي تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: رَبّ
إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ
مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [إبراهيم:26]. وقال عيسى
عليه السلام: إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ
لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118]. فرفع يديه،
وقال: ((اللهم أمتي أمتي))، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى
محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله، فأخبره رسول الله بما قال - وهو أعلم - فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك.
الحمد
لله على نعمة الإسلام، والحمد لله أن جعلنا من أمة خير الأنام، نعم إن
الله سيرضيه في أمته، ولا يسوؤه، وذلك فضل الله، تفضل به على هذا الحبيب
وعلى أمته، وذلك يكون بشفاعته التي تنال أمته ، وهي أنواع عدة ذكرها أهل
العلم في ذلك، فمنها شفاعته أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنة، فإنه
أول داخل لها.
أخرج مسلم: (196) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال
النبي : ((أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب
الجنة)). وفي رواية لمسلم: (197) ((فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد،
فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)). اللهم أدخلنا الجنة في زمرته.
ومن
شفاعته شفاعته في أهل الكبائر من أمته ممن دخل النار، فيخرجون منها، وقد
تواترت الأحاديث على ذلك، روى المنذري: (5340) بإسناد حسن عن عبد الله بن
عمر رضي الله عنهما، عن النبي قال: ((خيرت بين الشفاعة أو يدخل نصف أمتي
الجنة، فاخترت الشفاعة))؛ لأنها أعم وأكفى، أما إنها ليست للمؤمنين
المتقين، ولكنها للمذنبين الخطائين المتلوثين، وفي الحديث: ((شفاعتي لأهل
الكبائر من أمتي)) [أخرجه أحمد].
وصفة ذلك أن رسول الله يشفع إلى مولانا
الرحيم الكريم في أن يخرج من النار أمته الذين قد دخلوها، فيأذن الله له
في ذلك، أخرج البخاري بسنده: (7440)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث
طويل، منه قال : ((فأستأذن على ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته
وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل تسمع،
واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد
يُعلمنيه، قال: ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأخرج فأدخلهم الجنة))، وقال قتادة:
((فأخرج، فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة، فأستأذن على
ربي في داره، فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله
أن يدعني، فيقول: ارفع محمد، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع
رأسي، فأثني على ربي بثناء وتحميد يُعلمنيه، قال: ثم أشفع، فيُحد لي حداً،
فأخرج، فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه
القرآن)) أي وجب عليه الخلود، الحديث. حتى أنه من كثرة شفاعته يقول له
خازن النار: يا محمد ما تركت لغضب ربك في أمتك من نقمة. [الترغيب: 5337].
هكذا
يشفع لأمته، إنه الرحمة المهداة، صلوات الله وسلامه عليه حتى أن الله
يناديه: أرضيت يا محمد، روى المنذري: (5338) بإسناد حسن عن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((أشفع لأمتي حتى يناديني ربي تبارك
وتعالى، فيقول: أقد رضيت يا محمد؟ فأقول: أي رب، رضيت)).
ومن شفاعته في
ذلك اليوم شفاعته لعمه أبي طالب، أخرج مسلم في صحيحه: (212) عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو
منتعل بنعلين، يغلي منهما دماغه)).
وفي ذلك اليوم العظيم تتوالى
الشفاعات رحمة من الله بعباده، يقول : ((يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء،
ثم العلماء، ثم الشهداء)) [رواه ابن ماجه: 4313].
وأخرج أحمد بإسناد
حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((ليدخلن الجنة
بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين ربيعة ومضر))، فقال رجل: يا رسول الله، أو
ما ربيعة من مضر، قال: ((إنما أقول ما أقول)).
وما زالت الشفاعة في ذلك اليوم حتى يتفضل الرحمن الرحيم، الحنان المنان، الرؤوف الرحيم - سبحانه - فيخرج من النار أناس قد استحقوا العذاب، فيدخلهم الجنة برحمته.
أخرج مسلم: (183) بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - في حديث طويل - قال
رسول الله : ((حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده، ما منكم
من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة
لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون، ويحجون،
فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فتُحرم صورهم على النار، فيُخرجون خلقاً
كثيراً، قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي
فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من
خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً
ممن أمرتنا، ثم فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير
فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن
أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه،
فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً، فيقول الله عز
وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم
الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيُخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد
عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له نهر الحياة، فيخرجون
كما تخرج الحبة في حميل السيل)) الحديث، إلى قوله : ((يعرفهم أهل الجنة،
هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه)).
فاتقوا الله - عباد الله - واسلكوا
نهج نبيكم حتى تكتب لكم السعادة والجنات، اللهم أدخلنا الجنة بسلام، وتفضل
علينا بباب الريان، واشملنا برحمتك وعفوك وعتقك من النيران، اللهم أصلحنا
قبل الموت، وارحمنا عند الموت، واغفر لنا بعد الموت. أقول ما تسمعون
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً. . . أما بعد:
إخوة الإسلام:
أسعد
الناس بشفاعة رسول الله من مات على الإسلام، أخرج البخاري بسنده عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم
القيامة؟ فقال رسول الله : ((لقد ظننت - يا أبا هريرة - أن
لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد
الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو
نفسه)).
اللهم أحينا على لا إله إلا الله، وتوفنا عليها، واجعلها آخر كلامنا من الدنيا.
.
( السَّبَبُ السَّابِعُ ) : الْمَصَائِبُ الَّتِي يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا فِي الدُّنْيَا:
كَمَا
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ : « مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ
وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ،
إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ » (1).
( السَّبَبُ الثَّامِنُ ) : مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ(2)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم(5641 ) وصحيح مسلم برقم(6733 )
النَّصب : التعب =الوصب : الألم والسقم الدائم
تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 25)
ظَاهِرُهُ
تَعْمِيمُ جَمِيعِ السَّيِّئَاتِ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ خَصُّوا ذَلِكَ
بِالصَّغَائِرِ لِحَدِيثِ : الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى
الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ
مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ . فَحَمَلُوا الْمُطْلَقَاتِ الْوَارِدَةَ
فِي التَّفْكِيرِ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ .
شرح ابن بطال - (ج 17 / ص 464)
قال
كثير من أهل التأويل فى قوله تعالى: (من يعمل سوءًا يجز به) معناه أن
المسلم يجزى بمصائب الدنيا فتكون له كفارة، روى هذا أبى بن كعب وعائشة
ومجاهد، وروى عن الحسن وابن زيد أنه فى الكفار خاصة، وحديث عائشة وأبى سعيد
وأبى هريرة يشهد بصحة القول الأول، وروى عن ابن مسعود أنه قال: الوجع لا
يكتب به الأجر ولكن تكفر به الخطيئة.
فإن قيل: إن ظاهرة هذه الآثار يدل
على أن المريض إنما يحط عنه بمرضه السيئات فقط دون زيادة. وقد ذكر البخارى
فى كتاب الجهاد فى باب يكتب للمسافر ماكان يعمل فى الإقامة فى حديث أبى
موسى عن النبى عليه السلام أنه قال: « إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان
يعمل مقيمًا صحيحًا » وظاهرة مخالف لآثار هذا الباب لأن فى حديث أبى موسى
أنه يزاد على التكفير. قيل له: ليس ذلك بخلاف وإنما هو زيادة بيان على آثار
هذا الباب التى جاءت بتكفير الخطايا بالوجع لكل مؤمن لقوله عليه السلام: «
مايصيب المؤمن من وصب ولا نصب فعم جميع المؤمنين » .
وفى حديث أبى موسى
معنى آخر وهو أنه من كانت له عادة من عمل صالح ومنعه الله منه بالمرض أو
السفر وكانت نبيته لو كان صحيحًا أو مقيمًا أن يدوم عليه ولايقطعه، فإن
الله تعالى يتفضل عليه بأن يكتب له ثوابه، فأما من لم له تنفل ولاعمل صالح
فلا يدخل فى معنى الحديث لأنه لم يكن يعمل فى صحته أو لإقامته مايكتب له فى
مرضه وسفره، فحديث أبى موسى المراد به الخصوص، وأحاديث هذا الباب المراد
بها العموم.
شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - (ج 1 / ص 121)
في
حديث أبي سعيد وأبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين فيه دليل على
أن الإنسان يكفر عنه بما يصيبه من الهم والنصب والغم وغير ذلك وهذا من نعمة
الله سبحانه وتعالى يبتلي سبحانه وتعالى عبده بالمصائب وتكون تكفيراً
لسيئاته وحطا لذنوبه والإنسان في هذه الدنيا لا يمكن أن يبقى مسروراً دائما
بل هو يوم يسر ويوم يحزن ويوم يأتيه شيء ويوم لا يأتيه فهو مصاب بمصائب في
نفسه ومصائب في بدنه ومصائب في مجتمعه ومصائب في أهله ولا تحصى المصائب
التي تصيب الإنسان ولكن المؤمن أمره كله خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً
له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له فإذا أصبت بالمصيبة فلا تظن أن هذا
الهم الذي يأتيك أو هذا الألم الذي يأتيك ولو كان شوكة لا تظن أنه يذهب سدى
بل ستعوض عنه خيراً منه ستحط عنك الذنوب كما تحط الشجرة ورقها وهذا من
نعمة الله .
وإذا زاد الإنسان على ذلك الصبر الاحتساب أي احتساب الأجر كان له مع هذا أجر فالمصائب تكون على وجهين: 1 - تارة إذا أصيب الإنسان تذكر الأجر واحتسب هذه المصيبة على الله فيكون فيها فائدتان تكفير الذنوب وزيادة الحسنات .
2 - وتارة
يغفل عن هذا فيضيق صدره ويغفل عن نية الاحتساب والأجر على الله فيكون في
ذلك تكفير لسيئاته إذا هو رابح على كل حال في هذه المصائب التي تأتيه فإما
أن يربح تكفير السيئات وحط الذنوب بدون أن يحصل له أجر لأنه لم ينو شيئاً
ولم يصبر ولم يحتسب الأجر وإما أن يربح شيئين كما تقدم .
ولهذا
ينبغي للإنسان إذا أصيب ولو بشوكة فليتذكر الاحتساب من الله على هذه
المصيبة وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى وجوده وكرمه حيث يبتلي المؤمن ثم
يثيبه على هذه البلوى أو يكفر عنه سيئاته فالحمد لله رب العالمين .
(2) - صحيح البخارى برقم(1373) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - تَقُولُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِى يَفْتَتِنُ فِيهَا الْمَرْءُ ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً .
وفي صحيح البخارى برقم(6376 )عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالَتِهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
يَتَعَوَّذُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ
وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ ،
وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ
الْغِنَى ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ
فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ »
وَالضَّغْطَةِ (1)وَالرَّوْعَةِ (2)
__________
(1) - وفي
مشكل الآثار برقم( 234 ) عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : " إنَّ لِلْقَبْرِ لَضَغْطَةً لَوْ
كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ " وهو
صحيح
(2) - مسند أحمد برقم(19121)عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى جِنَازَةٍ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى
الْقَبْرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ
وَهُوَ يُلْحَدُ لَهُ فَقَالَ « أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ
». ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِى
إِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا تَنَزَّلَتْ
إِلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ كَأَنَّ عَلَى وُجُوهِهِمُ الشَّمْسَ مَعَ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَنٌ وَحَنُوطٌ فَجَلَسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ
حَتَّى إِذَا خَرَجَ رُوحُهُ صَلَّى عَلَيْهِ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَكُلُّ مَلَكٍ فِى السَّمَاءِ وَفُتِحَتْ لَهُ
أَبْوَابُ السَّمَاءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلاَّ وَهُمْ يَدْعُونَ
اللَّهَ أَنْ يُعْرَجَ بِرُوحِهِ مِنْ قِبَلِهِمْ فَإِذَا عُرِجَ بِرُوحِهِ
قَالُوا رَبِّ عَبْدُكَ فُلاَنٌ فَيَقُولُ أَرْجِعُوهُ فَإِنِّى عَهِدْتُ
إِلَيْهِمْ أَنِّى مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا
أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. قَالَ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِ
أَصْحَابِهِ إِذَا وَلَّوْا عَنْهُ فَيَأْتِيهِ آتٍ فَيَقُولُ مَنْ رَبُّكَ
مَا دِينُكَ مَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ رَبِّىَ اللَّهُ وَدِينِىَ
الإِسْلاَمُ وَنَبِيِّى مُحَمَّدٌ فَيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ مَنْ رَبُّكَ
مَا دِينُكَ مَنْ نَبِيُّكَ وَهِىَ آخِرُ فِتْنَةٍ تُعْرَضُ عَلَى
الْمُؤْمِنِ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يُثَبِّتُ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ) فَيَقُولُ رَبِّىَ اللَّهُ وَدِينِىَ
الإِسْلاَمُ وَنَبِيِّى مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ لَهُ صَدَقْتَ ثُمَّ يَأْتِيهِ
آتٍ حَسَنُ الْوَجْهِ طَيِّبُ الرِّيحِ حَسَنُ الثِّيَابِ فَيَقُولُ
أَبْشِرْ بِكَرَامَةٍ مِنَ اللَّهِ وَنَعِيمٍ مُقِيمٍ. فَيَقُولُ وَأَنْتَ
فَبَشَّرَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ
الصَّالِحُ كُنْتَ وَاللَّهِ سَرِيعاً فِى طَاعَةِ اللَّهِ بَطِيئاً عَنْ
مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً . ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ
مِنَ الْجَنَّةِ وَبَابٌ مِنَ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ
لَوْ عَصَيْتَ اللَّهَ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ هَذَا فَإِذَا رَأَى مَا
فِى الْجَنَّةِ قَالَ رَبِّ عَجِّلْ قِيَامَ السَّاعَةِ كَيْمَا أَرْجِعَ
إِلَى أَهْلِى وَمَالِى. فَيُقَالُ لَهُ اسْكُنْ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا
كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَتْ
عَلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ فَانْتَزَعُوا رُوحَهُ كَمَا
يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ الْكَثِيرُ الشِّعْبِ مِنَ الصُّوفِ الْمُبْتَلِّ
وَتُنْزَعُ نَفْسُهُ مَعَ الْعُرُوقِ فَيَلْعَنُهُ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَكُلُّ مَلَكٍ فِى السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ
السَّمَاءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلاَّ وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ
أَنْ لاَ تَعْرُجَ رُوحُهُ مِنْ قِبَلِهِمْ فَإِذَا عُرِجَ بِرُوحِهِ
قَالُوا رَبِّ فُلاَنٌ عَبْدُكَ. قَالَ أَرْجِعُوهُ فَإِنِّى عَهِدْتُ
إِلَيْهِمْ أَنِّى مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا
أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. قَالَ فَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِ
أَصْحَابِهِ إِذَا وَلَّوْا عَنْهُ - قَالَ - فَيَأْتِيهِ
آتٍ فَيَقُولُ مَنْ رَبُّكَ مَا دِينُكَ مَنْ نَبِيُّكُ فَيَقُولُ لاَ
أَدْرِى. فَيَقُولُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تلَوْتَ. وَيَأْتِيهِ آتٍ قَبِيحُ
الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ
بِهَوَانٍ مِنَ اللَّهِ وَعَذَابٍ مُقِيمٍ. فَيَقُولُ وَأَنْتَ فَبَشَّرَكَ
اللَّهُ بِالشَّرِّ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ َنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ
كُنْتَ بَطِيئاً عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ سَرِيعاً فِى مَعْصِيَةِ اللَّهِ
فَجَزَاكَ اللَّهُ شَرًّا ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ
فِى يَدِهِ مِرْزَبَّةٌ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ كَانَ تُرَاباً
فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً حَتَّى يَصِيرَ تُرَاباً ثُمَّ يُعِيدُهُ اللَّهُ
كَمَا كَانَ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهُ
كُلُّ شَىْءٍ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ ». قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ثُمَّ
يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ وَيُمَهَّدُ مِنْ فُرُشِ النَّارِ. وهو
صحيح
تلوت : قرأت =الحنوط : ما يخلط من الطيب بأكفان الموتى =السفود : حديدة ذات شعب معقفة
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ الْخَطَايَا .
( السَّبَبُ التَّاسِعُ ) : أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم(7510 ) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ
« إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِى بَعْضٍ
فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ . فَيَقُولُ
لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ
الرَّحْمَنِ . فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ
عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ . فَيَأْتُونَ مُوسَى
فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ
اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ . فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا
وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْتُونِى
فَأَقُولُ أَنَا لَهَا . فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فَيُؤْذَنُ لِى
وَيُلْهِمُنِى مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لاَ تَحْضُرُنِى الآنَ ،
فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا
مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ،
وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيُقَالُ
انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ
إِيمَانٍ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ
الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ
ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيُقَالُ انْطَلِقْ
فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ
خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ
فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا
فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ
تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى .
فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى
أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ
النَّارِ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ » . فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ
أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهْوَ
مُتَوَارٍ فِى مَنْزِلِ أَبِى خَلِيفَةَ فَحَدَّثَنَا بِمَا حَدَّثَنَا
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَنَا
فَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِى الشَّفَاعَةِ ،
فَقَالَ هِيهِ ، فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ فَانْتَهَى إِلَى هَذَا
الْمَوْضِعِ فَقَالَ هِيهِ ، فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا .
فَقَالَ لَقَدْ حَدَّثَنِى وَهْوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلاَ
أَدْرِى أَنَسِىَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا . قُلْنَا يَا أَبَا
سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا ، فَضَحِكَ وَقَالَ خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولاً مَا
ذَكَرْتُهُ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدَّثَنِى كَمَا
حَدَّثَكُمْ بِهِ قَالَ « ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ
بِتِلْكَ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ
رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ .
فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِى فِيمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ .
فَيَقُولُ وَعِزَّتِى وَجَلاَلِى وَكِبْرِيَائِى وَعَظَمَتِى لأُخْرِجَنَّ
مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ »
وفي
مسند أحمد برقم(2595)ٍ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ
عَبَّاسٍ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «
إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ إِلاَّ لَهُ دَعْوَةٌ قَدْ تَنَجَّزَهَا فِى
الدُّنْيَا وَإِنِّى قَدِ اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى
وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ وَأَنَا
أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلاَ فَخْرَ وَبِيَدِى لِوَاءُ
الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِى وَلاَ فَخْرَ
وَيَطُولُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِى الْبَشَرِ فَلْيَشْفَعْ
لَنَا إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا فَيَأْتُونَ
آدَمَ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُونَ
يَا آدَمُ أَنْتَ الَّذِى خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ
جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا.
فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى قَدْ
أُخْرِجْتُ مِنَ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِى وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى
الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحاً رَأْسَ النَّبِيِّينَ.
فَيَأْتُونَ نُوحاٌ فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا
فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى دَعَوْتُ
بِدَعْوَةٍ أَغْرَقَتْ أَهْلَ الأَرْضِ وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ
إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ.
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ اشْفَعْ لَنَا
إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا . فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ
إِنِّى كَذَبْتُ فِى الإِسْلاَمِ ثَلاَثَ كِذْبَاتٍ - وَاللَّهِ
إِنْ جَادَلَ بِهِنَّ إِلاَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ قَوْلُهُ (إِنِّى
سَقِيمٌ) وَقَوْلُهُ ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ
إِنْ كَانَُوا يَنْطِقُونَ) وَقَوْلُهُ لاِمْرَأَتِهِ حِينَ أَتَى عَلَى
الْمَلِكِ أُخْتِى - وَإِنَّهُ
لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى الَّذِى
اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلاَمِهِ. فَيَأْتُونَهُ
فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ
وَكَلَّمَكَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى قَتَلْتُ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ
وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا
عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ
اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى
لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى اتُّخِذْتُ إِلَهاً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَإِنَّهُ
لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنْ أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ
مَتَاعٌ فِى وِعَاءٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ أَكَانَ يُقْدَرُ عَلَى مَا فِى
جَوْفِهِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ قَالَ فَيَقُولُونَ لاَ. قَالَ
فَيَقُولُ إِنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَاتَمُ
النَّبِيِّينَ وَقَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «
فَيَأْتُونِى فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ
فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَأَقُولُ أَنَا لَهَا حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ أَحْمَدُ
وَأُمَّتُهُ فَنَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ نَحْنُ آخِرُ الأُمَمِ
وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ فَتُفْرِجُ لَنَا الأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا
فَنَمْضِى غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الطُّهُورِ فَتَقُولُ الأُمَمُ
كَادَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا. فَآتِى بَابَ
الْجَنَّةِ فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَأَقْرَعُ الْبَابَ فَيُقَالُ
مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ أَنَا مُحَمَّدٌ. فَيُفْتَحُ لِى فَآتِى رَبِّى
عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُرْسِيِّهِ - أَوْ سَرِيرِهِ شَكَّ حَمَّادٌ - فَأَخِرُّ
لَهُ سَاجِداً فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ
كَانَ قَبْلِى وَلَيْسَ يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِى فَيُقَالُ يَا
مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى.
فَيَقُولُ أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا - لَمْ يَحْفَظْ حَمَّادٌ - ثُمَّ
أَعُودُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مَا قُلْتُ فَيُقَالُ ارْفَعْ رَأْسَكَ
وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ
أُمَّتِى أُمَّتِى. فَيَقُولُ أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ
كَذَا وَكَذَا دُونَ الأَوَّلِ ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مِثْلَ
ذَلِكَ فَيُقَالُ لِى ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تَسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ
وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى فَيُقَالُ
أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا دُونَ ذَلِكَ
»حديث حسن .
المحجل : أبيض مواضع الوضوء من اليدين -الغر : جمع الأغر وهو أبيض الوجه
( السَّبَبُ التَّاسِعُ ) : أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم(7510 ) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ
« إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِى بَعْضٍ
فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ . فَيَقُولُ
لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ
الرَّحْمَنِ . فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ
عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ . فَيَأْتُونَ مُوسَى
فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ
اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ . فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا
وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَيَأْتُونِى
فَأَقُولُ أَنَا لَهَا . فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فَيُؤْذَنُ لِى
وَيُلْهِمُنِى مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لاَ تَحْضُرُنِى الآنَ ،
فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا
مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ،
وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيُقَالُ
انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ
إِيمَانٍ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ
الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ
ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ ، فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى . فَيُقَالُ انْطَلِقْ
فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ أَوْ
خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ
فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا
فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ ، وَسَلْ
تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ . فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى .
فَيَقُولُ انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى
أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ
النَّارِ . فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ » . فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ
أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهْوَ
مُتَوَارٍ فِى مَنْزِلِ أَبِى خَلِيفَةَ فَحَدَّثَنَا بِمَا حَدَّثَنَا
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَنَا
فَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِى الشَّفَاعَةِ ،
فَقَالَ هِيهِ ، فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ فَانْتَهَى إِلَى هَذَا
الْمَوْضِعِ فَقَالَ هِيهِ ، فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا .
فَقَالَ لَقَدْ حَدَّثَنِى وَهْوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلاَ
أَدْرِى أَنَسِىَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا . قُلْنَا يَا أَبَا
سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا ، فَضَحِكَ وَقَالَ خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولاً مَا
ذَكَرْتُهُ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدَّثَنِى كَمَا
حَدَّثَكُمْ بِهِ قَالَ « ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ
بِتِلْكَ ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ
رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ .
فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِى فِيمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ .
فَيَقُولُ وَعِزَّتِى وَجَلاَلِى وَكِبْرِيَائِى وَعَظَمَتِى لأُخْرِجَنَّ
مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ »
وفي
مسند أحمد برقم(2595)ٍ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ
عَبَّاسٍ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «
إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ إِلاَّ لَهُ دَعْوَةٌ قَدْ تَنَجَّزَهَا فِى
الدُّنْيَا وَإِنِّى قَدِ اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى
وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ وَأَنَا
أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلاَ فَخْرَ وَبِيَدِى لِوَاءُ
الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِى وَلاَ فَخْرَ
وَيَطُولُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِى الْبَشَرِ فَلْيَشْفَعْ
لَنَا إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا فَيَأْتُونَ
آدَمَ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُونَ
يَا آدَمُ أَنْتَ الَّذِى خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ
جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا.
فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى قَدْ
أُخْرِجْتُ مِنَ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِى وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى
الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحاً رَأْسَ النَّبِيِّينَ.
فَيَأْتُونَ نُوحاٌ فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا
فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى دَعَوْتُ
بِدَعْوَةٍ أَغْرَقَتْ أَهْلَ الأَرْضِ وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ
إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ.
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ اشْفَعْ لَنَا
إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا . فَيَقُولُ إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ
إِنِّى كَذَبْتُ فِى الإِسْلاَمِ ثَلاَثَ كِذْبَاتٍ - وَاللَّهِ
إِنْ جَادَلَ بِهِنَّ إِلاَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ قَوْلُهُ (إِنِّى
سَقِيمٌ) وَقَوْلُهُ ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ
إِنْ كَانَُوا يَنْطِقُونَ) وَقَوْلُهُ لاِمْرَأَتِهِ حِينَ أَتَى عَلَى
الْمَلِكِ أُخْتِى - وَإِنَّهُ
لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى الَّذِى
اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلاَمِهِ. فَيَأْتُونَهُ
فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ
وَكَلَّمَكَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى قَتَلْتُ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ
وَإِنَّهُ لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنِ ائْتُوا
عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ
اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَيَقُولُ إِنِّى
لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّى اتُّخِذْتُ إِلَهاً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَإِنَّهُ
لاَ يُهِمُّنِى الْيَوْمَ إِلاَّ نَفْسِى وَلَكِنْ أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ
مَتَاعٌ فِى وِعَاءٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ أَكَانَ يُقْدَرُ عَلَى مَا فِى
جَوْفِهِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ قَالَ فَيَقُولُونَ لاَ. قَالَ
فَيَقُولُ إِنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَاتَمُ
النَّبِيِّينَ وَقَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «
فَيَأْتُونِى فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ
فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا. فَأَقُولُ أَنَا لَهَا حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ أَحْمَدُ
وَأُمَّتُهُ فَنَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ نَحْنُ آخِرُ الأُمَمِ
وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ فَتُفْرِجُ لَنَا الأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا
فَنَمْضِى غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الطُّهُورِ فَتَقُولُ الأُمَمُ
كَادَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا. فَآتِى بَابَ
الْجَنَّةِ فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَأَقْرَعُ الْبَابَ فَيُقَالُ
مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ أَنَا مُحَمَّدٌ. فَيُفْتَحُ لِى فَآتِى رَبِّى
عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُرْسِيِّهِ - أَوْ سَرِيرِهِ شَكَّ حَمَّادٌ - فَأَخِرُّ
لَهُ سَاجِداً فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ
كَانَ قَبْلِى وَلَيْسَ يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِى فَيُقَالُ يَا
مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ
تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى.
فَيَقُولُ أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا - لَمْ يَحْفَظْ حَمَّادٌ - ثُمَّ
أَعُودُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مَا قُلْتُ فَيُقَالُ ارْفَعْ رَأْسَكَ
وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ
أُمَّتِى أُمَّتِى. فَيَقُولُ أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ
كَذَا وَكَذَا دُونَ الأَوَّلِ ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مِثْلَ
ذَلِكَ فَيُقَالُ لِى ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تَسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ
وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَقُولُ أَىْ رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى فَيُقَالُ
أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا دُونَ ذَلِكَ
»حديث حسن .
المحجل : أبيض مواضع الوضوء من اليدين -الغر : جمع الأغر وهو أبيض الوجه
.
( السَّبَبُ الْعَاشِرُ ) : رَحْمَةُ اللَّهِ وَعَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ بِلَا سَبَبٍ مِنْ الْعِبَادِ (1).
فَإِذَا
ثَبَتَ أَنَّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ قَدْ يُدْفَعُ عَنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ
بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَشَرَةِ كَانَ دَعْوَاهُمْ أَنَّ عُقُوبَاتِ
أَهْلِ الْكَبَائِرِ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ مُخَالِفٌ
لِذَلِكَ .
فَصْلٌ : قولان متناقضان في أهل الكبائر
فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ : قَوْلُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِمُطْلَقِ الذُّنُوبِ وَيُخَلِّدُونَ فِي النَّارِ (2)
__________
(1) - فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 1186) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 2446) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 8 / ص 983) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 10 / ص 686)
(2) - وفي مجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 208)
أَوَّلُ
التَّفَرُّقِ وَالِابْتِدَاعِ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَقْتَلِ "
عُثْمَانَ " وَافْتِرَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَلَمَّا اتَّفَقَ عَلِيٌّ
وَمُعَاوِيَةُ عَلَى التَّحْكِيمِ أَنْكَرَتْ الْخَوَارِجُ وَقَالُوا لَا
حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ وَفَارَقُوا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ فَأَرْسَلَ
إلَيْهِمْ ابْنَ عَبَّاسٍ فَنَاظَرَهُمْ فَرَجَعَ نِصْفُهُمْ وَالْآخَرُونَ
أَغَارُوا عَلَى مَاشِيَةِ النَّاسِ وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَهُمْ
فَقَتَلُوا ابْنَ خباب وَقَالُوا كُلُّنَا قَتَلَهُ فَقَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ
وَأَصْلُ مَذْهَبِهِمْ تَعْظِيمُ الْقُرْآنِ وَطَلَبُ اتِّبَاعِهِ لَكِنْ
خَرَجُوا عَنْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَهُمْ لَا يَرَوْنَ اتِّبَاعَ
السُّنَّةِ الَّتِي يَظُنُّونَ أَنَّهَا تُخَالِفُ الْقُرْآنَ كَالرَّجْمِ
وَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَضَلُّوا ؛ فَإِنَّ الرَّسُولَ
أَعْلَمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ قَدْ أَنْزَلَ
عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَجَوَّزُوا عَلَى النَّبِيِّ أَنْ
يَكُونَ ظَالِمًا فَلَمْ يُنَفِّذُوا لِحُكْمِ النَّبِيِّ وَلَا لِحُكْمِ
الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ بَلْ قَالُوا : إنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَمَنْ
وَالَاهُمَا قَدْ حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ { وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }
فَكَفَّرُوا الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا وَبِغَيْرِهِ وَتَكْفِيرُهُمْ
وَتَكْفِيرُ سَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ
بَاطِلَتَيْنِ :
إحْدَاهُمَا : أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ الْقُرْآنَ .
وَالثَّانِيَةُ
: أَنَّ مَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ يَكْفُرُ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ
مُذْنِبًا مُعْتَقِدًا لِلْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ .
وفي فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 3 / ص 101)
هل الخوارج كفار؟
المجيب د. عبد الله بن عمر الدميجي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 18/12/1424هـ
السؤال
سؤالي حول الخوارج واعتقاد أهل السنة والجماعة بهم، هل هم كفار على العموم أم غلاتهم أم أنهم من أهل المذاهب؟
الجواب
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه،
وبعد: فالخوارج الذين خرجوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه- اختلف الناس في حكمهم هل هم كفار أم لا؟ والصحابة - رضوان الله تعالى عليهم- وهم القدوة لا يكفرونهم. بل إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - والذي ناله من أذاهم ما ناله، من الخروج عليه وقتاله وتكفيرهم إياه، وفي آخر الأمر قتلهم له - رضي الله تعالى عنه - لا يرى تكفيرهم، وهذا قمة الورع والإنصاف منه - رضي الله عنه- لا كما يقوله بعض أصحاب الأهواء " نكفر من كفَّرنا" فلما سئل -رضي الله عنه- عنهم: أكفار هم؟ قال : من الكفر فروا . قيل له : فمنافقون ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً - يعني على عكس الخوارج وما عرف من كثرة عبادتهم وذكرهم لله - تعالى - . قال : فماذا يكونون؟ قال : قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا أو كما قال - رضي الله عنه - وهذا القول طبقه عملياً علي - رضي الله تعالى عنه - ومعه الصحابة -رضي الله عنهم- فلم يعاملهم معاملة المرتدين كما كان في زمن أبي بكر - رضي الله تعالى عنهم- فلم
يبدأهم بقتال ولم يجهز على جريحهم ولم يسب نساءهم ... إلخ. وهذا هو الصحيح
في الحكم على الخوارج، والأحاديث التي وردت فيهم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بأنهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية" رواه البخاري(4351)،ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- وقوله -صلى الله عليه وسلم- :" كلاب أهل النار" رواه ابن ماجة(176) من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-، وأمره- صلى الله عليه وسلم - بقتالهم والثناء على من قتلهم أو قتلوه فيما رواه البخاري(3611)، ومسلم(1066) من حديث علي -رضي الله عنه- فهذه
النصوص لا تدل على كفرهم بأعيانهم، ولا يلزم من الأمر بالقتال أن يكونوا
كفاراً، وإنما هي من نصوص الوعيد الدالة على شنيع جرمهم والتحذير منه .
ومع
ترجيحنا لعدم تكفيرهم فلا يعني ذلك استصغار جريمتهم وانحرافهم، ويكفي في
ذلك من الدلالة على مروقهم وضلالهم وبدعتهم وانحرافهم ما أشرنا إليه آنفاً
من الأحاديث الواردة في ذمهم وتوعدهم بالنار، نسأل الله العافية والسلامة .
وهذا
دليل على إنصاف أهل السنة والجماعة وبعدهم عن التكفير إلا من كفرته النصوص
لا كما هو ديدن بعض الطوائف في تكفير كل من خالفهم في انحرافهم . والله
أعلم وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
؛
وَقَوْلُ مَنْ يُخَلِّدُهُمْ فِي النَّارِ وَيَجْزِمُ بِأَنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ لَهُمْ إلَّا بِالتَّوْبَةِ ،وَيَقُولُ: لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ
الْإِيمَانِ شَيْءٌ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِمَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ
الدِّينِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ ، بَلْ هُمَا مِنْ الْأَقْوَالِ
الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَهْلِ الْبِدَعِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ وَقَفَ فِي
أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ (1)
__________
(1) - وفي شروح الطحاوية - (ج 2 / ص 219)
، حكم أهل الكبائر والفساق والعصاة وأهل البدع من أهل القبلة ومذاهب الناس فيهم، قلنا: إن للناس في هذا مذاهب سبق استعراض المذاهب .
وإن
المذهب الأول مذهب المرجئة، تنفي التكفير نفيا عاما، فتعمم النفي والسلب،
فتقول: لا نكفر من أهل القبلة أحدا، وهذا قول غلاة المرجئة، ولهم شبة ومن
شبههم وأدلتهم عموما نصوص الوعد . نصوص الوعد، مثل: (من قال: لا إله إلا
الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق) ومثل حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى
يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) .
ومثل حديث البطاقة، وفيها:
(يؤتى برجل فيخرج له تسعة وتسعين سجلا كل سجل مد البصر سيئا، ثم يخرج له
بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فتوضع السجلات
في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة) ومنها أحاديث
الشفاعة كحديث: (أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) وحديث أبي
هريرة: (أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول
الله؟ قال من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه) .
ويناقش المرجئة في
قولهم: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يناقش أصل مذهبهم أولا، نقول:
قولكم: لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، يرد عليه بأمرين:
الأمر الأول :
أن في أهل القبلة المنافق، أن في أهل القبلة المنافقين الذين يتظاهرون
بالشهادتين، ويتجهون إلى القبلة في الصلاة والذبح، ويتظاهرون ببعض ما
يمكنهم إظهاره من شعائر الإسلام، وفيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى
بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ
الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} فقولكم: لا نكفر من أهل القبلة أحدا بذنب،
يلزمكم أن لا تكفروا المنافقين، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، هم
من أهل القبلة .
ثانيا: أنه لا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر
إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة والمحرمة، أو المحرمات الظاهرة المتواترة
ونحو ذلك؛ فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرا؛ لأنه أنكر أمرا معلوما من
الدين بالضرورة، أنكر وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الحج، أو أنكر
تحريم الزنا أو تحريم الربا، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرا، ويرد
أيضا عليهم بنصوص الوعيد، فإن نصوص الوعد تدل على بقاء الإيمان معهم، ونصوص
الوعيد تدل على أن الإيمان يضعف وينقص، فقولكم: لا يتأثر إيمانه، هو كامل
الإيمان، باطل ترده نصوص الوعيد .
المذهب الثاني: مذهب الخوارج
والمعتزلة، يطلقون التكفير، فيكفرون بالذنب، ويعتقدون ذنبا ما ليس بذنب،
فإنهم يقولون: يكفر المسلم بكل ذنب، أو بكل ذنب كبير، ويرون اتباع الكتاب
دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب، وإن كانت متواترة، ويكفرون من خالفهم،
ويستحلون منه الارتداد عندهم مالا يستحلونه من الكافر الأصلي، كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) ولهذا
كفروا عثمان وعليا وشيعتهم، وكفروا أهل صفين الطائفتين، في نحو ذلك من
المقالات الخبيثة لهم، ومستندهم شبهتهم نصوص الوعيد، مثل حديث: (لا يزني
الزاني حين يزني وهو مؤمن) .
فإن قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ
مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} وقوله
تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا
إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا
(10)} ويرد عليهم أولا بنصوص الوعد التي استدل بها المرجئة، فيرد على
الخوارج بنصوص الوعد التي استدل بها المرجئة، فإنها تدل على بقاء الإيمان
تدل على بقاء الإيمان، وأنهم لا يكفر، كما أنه يرد على المرجئة القائلين
بأنه مؤمن كامل الإيمان بنصوص الوعد التي استدل بها الخوارج، تدل على أن
الإيمان يضعف وينقص، ويرد أيضا على الخوارج في تكفيرهم أهل الكبائر، نقول:
إن الله أمر بقطع يد السارق دون قتله، ولو كان كافرا مرتدا لوجب قتله، ولا
يقام عليه الحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه)
وقال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إسلام وزنا بعد إحصان
وقتل نفس يقتل بها) وأمر الله بجلد الزانيين وجلد القاذف، وكان النبي صلى
الله عليه وسلم يجلد شارب الخمر، ولم يقتله، فلو كان من ارتكب الكبيرة
كافرا؛ لوجب قتله، ولا تقام عليه الحدود، ويرد عليهم أيضا بالإجماع الإجماع
على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر إذا صلوا إلى القبلة وانتحلوا دعوة
الإسلام من قراباتهم المؤمنين الذين ليسوا بتلك الأحوال، فلو كان الزاني
والسارق وشارب الخمر كافرا لما ورث، لما ورث من أقاربهم المستقيمين، فكونهم
يرثون يدل على أنهم ليسوا كفارا، كما يقول هؤلاء الخوارج، ويرد عليهم أيضا
أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن رجل يشرب الخمر، وكان
اسمه حمارا، وكان يضحك النبي صلى الله عليه وسلم وكان كلما أتي به إليه
جلده، فأتي إليه مرة فلقيه فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا
تلعنه فإنه يحب
الله ورسوله) فنهى عن لعنه في عينه، وشهد له بحب
الله ورسوله مع أنه قد لعن شارب الخمر عموما (لعن الله الخمر وشاربها
وساقيها وعاصرها) لكن بالخصوص بعينه لا يلعن، ويرد عليهم -أيضا- بأن الله -تعالى- قال:
{وَإِنْ طائفتان مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا
الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} إلى قوله: {إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} وقد وصفهم
الله بالإيمان والإخوة، وأمر بالإصلاح بينهم مع أنهم يقتتلون، وهذا من
الكبائر، والقتال من الكبائر، فدل على أن على أن الكبيرة لا تخرجه من
الإسلام .
الطائفة الثالثة: الذين يفرقون بين البدعة بين الأقوال
المبتدعه بين البدعة وبين الأقوال وبين الأعمال، فيقولون: إذا ارتكب إذا
ارتكب بدعة، أو قال قولا مبتدعا، فإنه يكفر أما إذا أما إذا فعل كبيرة من
كبائر الذنوب، فإنه لا يكفر .
فيفرقون بين الأعمال وبين الاعتقادات
البدعية، وهذا ينسب إلى طوائف من أهل الكلام والفقه والحديث، يفرقون بين
الأعمال وبين الاعتقادات البدعية، فلا يكفرون الذين يعملون الكبائر ويكفرون
أصحاب الاعتقادات البدعية، وإن كان صاحبها متأولا، فيقولون يكفر من قال
هذا القول، يكفر من قال هذا القول لا يفرقون بين مجتهد بين مجتهد مخطئ
وغيره، أو يقولون يكفر كل مبتدع، شبهتهم قالوا: إن البدعة مظنتها البدعة
مظنتها النفاق والردة، فهي أصل البدع، مظنتها النفاق والردة، فهي أصل
وسببه، فحملوا النصوص على هذا، وقالوا إنه إذا ارتكب بدعة أو قال قولا
مبتدعا يكفر، أما إذا فعل كبيرة عملية فلا يكفر .
ويرد عليهم .
أولا
أن البدع الاعتقادية من جنس الأعمال، لا فرق بينها، فإن الرجل يكون مؤمنا
باطنا وظاهرا، لكن تأول تأويلا أخطأ فيه، إما مجتهدا وإما مفرطا مذنبا، فلا
يقال: إن إيمانه يحبط بمجرد ذلك الاعتقاد أو العمل بغير دليل شرعي، بل هذا
يوافق قول الخوارج والمعتزلة، ولا يقال: لا يكفر، بل يفرق بين المقالة
والقائل .
ثانيا: أن نصوص كثيرة قد دلت على أنه يخرج من النار من كان في
قلبه مثقال ذرة من إيمان، وهذا يشمل الاعتقادات والأعمال، ولهذا فإن مذهب
أهل السنة: ألا يقال لا نكفر أحدا بذنب، ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن
إطلاق القول: بأنا لا نكفر أحدا بذنب، بل يقال: لا نكفر أحدا من أهل القبلة
بكل ذنب، مناقضة لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب الذين يعممون السلب ،
فيقولون يكفر بكل ذنب أو بكل ذنب كبير .
ثالثا: سلك أهل السنة مسلكا
عدلا، هو الوسط ، وهو الفرق بين الأقوال والقائل المعين، فالأقوال الباطلة
المبتدعة المحرمة المتضمنة نفى ما أثبته الله ما أثبته الرسول، أو إثبات ما
نفاه، أو الأمر بما نهى عنه، أو النهي عما أمر به، يقال فيها الحق ويثبت
لها الوعيد الذي دلت عليه النصوص، ويبين أنها كفر، ويقال من قالها فهو
كافر، وهذا عام لا يعين شخصا بعينه كالقول بخلق القرآن والوعيد في الظلم في
النفس والأموال، فيقال من قال بخلق القرآن، فهو كافر، وأما الشخص المعين،
فلا نشهد عليه أنه من أهل الوعيد، وأنه كافر إلا بأمر تجوز معه الشهادة،
كأن يعلم بأنه منافق، أو ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ويستتاب فلا
يتوب؛ لأن الحكم عليه بالكفر بدون دليل من أعظم البغي، من أعظم البغي أن
نشهد على معين أن الله لا يغفر له، ولا يرحمه، بل يخلده في النار، فإن هذا
حكم الكافر بعد الموت، كما بوب أبو داود في سننه باب النهي عن البغي، وذكر
فيه قصة الرجلين المتواخيين من بني إسرائيل أحدهما مذنب والآخر مجتهد في
العبادة فالشهادة …إلى آخر الحديث، وأن المجتهد كان يأتي المذنب، ويقول:
(اتق الله فرآه يوما على ذنب، فقال له: اتق الله فغضب المذنب، فقال: خلني
وربي، أبعثت علي رقيبا، فقال المجتهد: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك
الجنة، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال: من ذا الذي تألى علي ألا أغفر لفلان
إني قد غفرت له، وأحبطت عملك، قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه
وآخرته) .
فالشهادة على المعين بالكفر من البغي. وثانيا: لأن الشخص
المعين يمكن أن يكون مجتهدا مخطئا مغفورا له. وثالثا: يمكن أن يكون لم
يبلغه ما وراء ذلك القول من النص من النصوص، فيكون معذورا لجهله بالنصوص.
ورابعا:
يمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أوجبت له رحمة الله ، كما غفر الله
للذي قال: (إذا مت فاسحقوني، ثم أذروني) ثم غفر الله له من خشيته، وكان يظن
أن الله لا يقدر على جمعه وإعادته أو شك في ذلك .
وهذا في الصحيحين قصة
الرجل الذي من بني إسرائيل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه في البحر لما
حضرته الوفاة جمع أهله وأخذ عليهم العهد والميثاق أن يحرقوه ويذروه، وقال:
(إن قدر الله علي ليعذبني عذابا شديدا) وفي بعض ألفاظ الحديث أنهم سحقوه
وأحرقوه، وأنه قال: (ذروا بعضي في البحر وبعضي في البر، ففعلوا ذلك فأمر
الله البحر فجمع ما فيه، والبر فجمع ما فيه، فقال: قم فإذا هو قائم قال
الله: ما حملك على ذلك، قال: خشيتك) قال: في الحديث (فما تلافاه بل رحمه)
قال العلماء: إن هذا الرجل إنما فعل ذلك عن جهل ليس معاندا ولا مكذبا ولا
متعنتا، ولكن فعله عن جهل، وحمله على ذلك الخوف العظيم، أما لو أنكر البعث
أو أنكر ثم أيضا، هو لم ينكر البعث، بل هو معترف مقر بالبعث، ولم ينكر قدرة
الله، لكن ظن أنه إذا وصل إلى هذه الحالة وأحرق وسحق وذري في البحر والبر،
إنه يفوت على الله، وإلا فهو معترف ومصدق بأنه لو ترك على حاله لبعثه
الله.
وإن الله يقدر عليه، لكن هذه مسألة دقيقة خفيت عليه، ولهذا قال
العلماء: وأن من أنكر أمرا دقيقا مثله يجهله؛ يكون معذور فلا يكفر في هذه
الحالة، أما لو كان متعمدا أنكر البعث متعمدا عن عناد وعن تكذيب، فهذا لا
شك في كفره، لكن هذا الرجل ما فعل ذلك عامدا ولا متعنتا، ولكن فعل ذلك عن
جهل، وحمله عليه الخوف العظيم، فلهذا ما يحكم على الشخص المعين بالكفر إلا
بعد التثبت ومعرفة حاله .
وخامسا: قد يكون حديث الإسلام، وحديث عهد
بالإسلام، قد يكون نشأ في بادية بعيدة عن الإسلام، ولكن التوقف في أمر
الآخرة في أهل البدع لا يمنعنا أن نعاقبه في الدنيا، لمنع بدعته وأن
نستتيبه فإن تاب وإلا قتلناه، إذا كان مستحقا للقتل، ثم إذا كان القول في
نفسه كفرا، قيل: إنه كفر، والقائل له يكفر إذا وجدت الشروط، وانتفت
الموانع، أما معتقد أهل السنة والجماعة، فكما سبق أنهم لا يكفرون بالكبائر
كما يفعل الخوارج والمعتزلة أو الخوارج، ولا يخرجونهم من الإيمان كما تفعل
الخوارج، ولا يقولون: إنه كامل الإيمان كما تقول المرجئة، بل يقولون: إنه
مؤمن، يثبتون له أصل الإيمان، وينفون عنه مطلق الإيمان، يثبتون أصل
الإيمان، وهو مطلق الإيمان، وينفون عنه الإيمان المطلق، فيقولوا مطلق
الإيمان ثابت له، والإيمان المطلق منفي عنه، فلا بد من التقييد، فيقولون هو
مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن عاص، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وكذلك في النفي
لا ينفون عنه الإيمان، ويسكتون، بل لا بد من التفصيل ليس بصادق الإيمان،
ليس بمؤمن حقا، كما هو الأدلة على هذا كثيرة من الكتاب والسنة والله أعلم.
،وَقَالَ
:لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَدْخُلُ النَّارَ هُوَ أَيْضًا
مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ ؛ بَلْ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ
مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ النُّصُوصُ مِنْ أَنَّهُ لَا
بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ
يَخْرُجُونَ مِنْهَا (1).
وَأَمَّا مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ قَوْلًا لِأَحَدِ .
وَبَعْدَهُ
قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : مَا ثَمَّ عَذَابٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ
تَخْوِيفٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ،وَهَذَا مِنْ أَقْوَالِ الْمَلَاحِدَةِ
وَالْكُفَّارِ . وَرُبَّمَا احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ : {لَهُم مِّن
فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ
يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} (16) سورة
الزمر ،فَيُقَالُ لِهَذَا : التَّخْوِيفُ إنَّمَا يَكُونُ تَخْوِيفًا إذَا
كَانَ هُنَاكَ مَخُوفٌ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ بِالْمَخُوفِ، فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ هُنَاكَ مَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ امْتَنَعَ التَّخْوِيفُ لَكِنْ
يَكُونُ حَاصِلُهُ إيهَامُ الْخَائِفِينَ بِمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ كَمَا
تَوَهَّمَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا
يَحْصُلُ بِهِ تَخْوِيفٌ لِلْعُقَلَاءِ الْمُمَيِّزِينَ . لِأَنَّهُمْ إذَا
عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ مَخُوفٌ زَالَ الْخَوْفُ وَهَذَا
شَبِيهٌ بِمَا تَقُولُ " الْمَلَاحِدَةُ " الْمُتَفَلْسِفَةُ
وَالْقَرَامِطَةُ (2)
:لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَدْخُلُ النَّارَ هُوَ أَيْضًا
مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ ؛ بَلْ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ
مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ النُّصُوصُ مِنْ أَنَّهُ لَا
بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ
يَخْرُجُونَ مِنْهَا (1).
وَأَمَّا مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ قَوْلًا لِأَحَدِ .
وَبَعْدَهُ
قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : مَا ثَمَّ عَذَابٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ
تَخْوِيفٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ،وَهَذَا مِنْ أَقْوَالِ الْمَلَاحِدَةِ
وَالْكُفَّارِ . وَرُبَّمَا احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ : {لَهُم مِّن
فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ
يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} (16) سورة
الزمر ،فَيُقَالُ لِهَذَا : التَّخْوِيفُ إنَّمَا يَكُونُ تَخْوِيفًا إذَا
كَانَ هُنَاكَ مَخُوفٌ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ بِالْمَخُوفِ، فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ هُنَاكَ مَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ امْتَنَعَ التَّخْوِيفُ لَكِنْ
يَكُونُ حَاصِلُهُ إيهَامُ الْخَائِفِينَ بِمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ كَمَا
تَوَهَّمَ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا
يَحْصُلُ بِهِ تَخْوِيفٌ لِلْعُقَلَاءِ الْمُمَيِّزِينَ . لِأَنَّهُمْ إذَا
عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ مَخُوفٌ زَالَ الْخَوْفُ وَهَذَا
شَبِيهٌ بِمَا تَقُولُ " الْمَلَاحِدَةُ " الْمُتَفَلْسِفَةُ
وَالْقَرَامِطَةُ (2)
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
(1) - صحيح البخارى برقم(6559 ) عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ
« يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ ،
فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ
الْجَهَنَّمِيِّينَ » . السفع : حرارة النار
وفي مسند أحمد برقم(11985)عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «
آخِرُ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ رَجُلاَنِ يَقُولُ اللَّهُ
لأَحَدِهِمَا يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ هَلْ
عَمِلْتَ خَيْراً أَوْ رَجَوْتَنِى فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. فَيُؤْمَرُ
بِهِ إِلَى النَّارِ وَهُوَ أَشَدُّ أَهْلِ النَّارِ حَسْرَةً وَيَقُولُ
لِلآخَرِ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ هَلْ عَمِلْتَ
خَيْراً أَوْ رَجَوْتَنِى فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ قَدْ كُنْتُ أَرْجُو
إِذْ أَخْرَجْتَنِى أَنْ لاَ تُعِيدَنِى فِيهَا أَبَداً. فَتُرْفَعُ لَهُ
شَجَرَةٌ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَقِرَّنِى تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ
فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا
. فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا فَيُدْنِيهِ مِنْهَا ثُمَّ
تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى وَأَغْدَقُ مَاءً
فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا أَقِرَّنِى
تَحْتَهَا فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ
مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ
تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ
غَيْرَهَا.
فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ
يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ
الْجَنَّةِ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُوَلَيَيْنِ وَأَغْدَقُ مَاءً فَيَقُولُ
أَىْ رَبِّ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فَأَقِرَّنِى تَحْتَهَا فَأَسْتَظِلَّ
بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ
ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا فَيَقُولُ
أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا
وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ فَلاَ يَتَمَالَكُ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْخِلْنِى
الْجَنَّةَ.
فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَلْ وَتَمَنَّ.
وَيُلَقِّنُهُ اللَّهُ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ فَيَسْأَلَ وَيَتَمَنَّى
مِقْدَارَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ ابْنَ
آدَمَ لَكَ مَا سَأَلْتَ ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ « وَمِثْلُهُ
مَعَهُ ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ « وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ ».
ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ وَأُحَدِّثُ
بِمَا سَمِعْتُ. وهو حسن
(2) - وفي فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 3745)
رقم الفتوى 16666 القرامطة...تعريفهم..ومعتقداتهم
تاريخ الفتوى : 07 ربيع الأول 1423
السؤال
من هم القرامطة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإليك ملخصاً عن القرامطة نقلاً عن كتاب (الموسوعة الميسرة).
بتصرف: هي حركة باطنية هدامة تنسب إلى حمدان بن الأشعث ويلقب " بقرمط " لقصر قامته وساقيه، ومن أهم معتقداتهم ما يلي :
- إلغاء أحكام الإسلام الأساسية كالصوم ، والصلاة ، وسائر الفرائض الأخرى.
- ويعتقدون
بإبطال القول بالمعاد والعقاب، وأن الجنة هي النعيم في الدنيا، والعذاب
هو: اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد.
- يجعلون الناس شركاء في النساء بحجة استئصال أسباب المباغضة.
- ومن
تأويلاتهم أن الصيام هو الإمساك عن كشف السر، والبعث هو الاهتداء إلى
مذهبهم، والنبي : هو عبارة عن شخص فاضت عليه من الإله الأول قوة قدسية
صافية، والقرآن: هو تعبير محمد عن المعارف التي فاضت عليه.
- يقولون بوجود إلهين قديمين، أحدهما عله في وجود الثاني، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه.
ويتسللون بأفكارهم الكفرية تحت شعار حب آل البيت وأنهم ظلموا، ويغررون بالدهماء الذين ينطلي عليهم الأمر.
ولمعرفة مزيد من أخبارهم يكمن مراجعة الكتب التالية :
- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة.
- كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة.
- الملل والنحل للشهرستاني.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
« يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ ،
فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ
الْجَهَنَّمِيِّينَ » . السفع : حرارة النار
وفي مسند أحمد برقم(11985)عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ قَالاَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «
آخِرُ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ رَجُلاَنِ يَقُولُ اللَّهُ
لأَحَدِهِمَا يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ هَلْ
عَمِلْتَ خَيْراً أَوْ رَجَوْتَنِى فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. فَيُؤْمَرُ
بِهِ إِلَى النَّارِ وَهُوَ أَشَدُّ أَهْلِ النَّارِ حَسْرَةً وَيَقُولُ
لِلآخَرِ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ هَلْ عَمِلْتَ
خَيْراً أَوْ رَجَوْتَنِى فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ قَدْ كُنْتُ أَرْجُو
إِذْ أَخْرَجْتَنِى أَنْ لاَ تُعِيدَنِى فِيهَا أَبَداً. فَتُرْفَعُ لَهُ
شَجَرَةٌ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَقِرَّنِى تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ
فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا
. فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا فَيُدْنِيهِ مِنْهَا ثُمَّ
تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى وَأَغْدَقُ مَاءً
فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا أَقِرَّنِى
تَحْتَهَا فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ
مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ
تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ
غَيْرَهَا.
فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ
يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ
الْجَنَّةِ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُوَلَيَيْنِ وَأَغْدَقُ مَاءً فَيَقُولُ
أَىْ رَبِّ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا فَأَقِرَّنِى تَحْتَهَا فَأَسْتَظِلَّ
بِظِلِّهَا وَآكُلَ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ
ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا فَيَقُولُ
أَىْ رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. فَيُقِرُّهُ تَحْتَهَا
وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ فَلاَ يَتَمَالَكُ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْخِلْنِى
الْجَنَّةَ.
فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَلْ وَتَمَنَّ.
وَيُلَقِّنُهُ اللَّهُ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ فَيَسْأَلَ وَيَتَمَنَّى
مِقْدَارَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ ابْنَ
آدَمَ لَكَ مَا سَأَلْتَ ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ « وَمِثْلُهُ
مَعَهُ ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ « وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ ».
ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ وَأُحَدِّثُ
بِمَا سَمِعْتُ. وهو حسن
(2) - وفي فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 3745)
رقم الفتوى 16666 القرامطة...تعريفهم..ومعتقداتهم
تاريخ الفتوى : 07 ربيع الأول 1423
السؤال
من هم القرامطة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإليك ملخصاً عن القرامطة نقلاً عن كتاب (الموسوعة الميسرة).
بتصرف: هي حركة باطنية هدامة تنسب إلى حمدان بن الأشعث ويلقب " بقرمط " لقصر قامته وساقيه، ومن أهم معتقداتهم ما يلي :
- إلغاء أحكام الإسلام الأساسية كالصوم ، والصلاة ، وسائر الفرائض الأخرى.
- ويعتقدون
بإبطال القول بالمعاد والعقاب، وأن الجنة هي النعيم في الدنيا، والعذاب
هو: اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد.
- يجعلون الناس شركاء في النساء بحجة استئصال أسباب المباغضة.
- ومن
تأويلاتهم أن الصيام هو الإمساك عن كشف السر، والبعث هو الاهتداء إلى
مذهبهم، والنبي : هو عبارة عن شخص فاضت عليه من الإله الأول قوة قدسية
صافية، والقرآن: هو تعبير محمد عن المعارف التي فاضت عليه.
- يقولون بوجود إلهين قديمين، أحدهما عله في وجود الثاني، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه.
ويتسللون بأفكارهم الكفرية تحت شعار حب آل البيت وأنهم ظلموا، ويغررون بالدهماء الذين ينطلي عليهم الأمر.
ولمعرفة مزيد من أخبارهم يكمن مراجعة الكتب التالية :
- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة.
- كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة.
- الملل والنحل للشهرستاني.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
وَنَحْوُهُمْ
: مِنْ أَنَّ الرُّسُلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ :
خَاطَبُوا النَّاسَ بِإِظْهَارِ أُمُورٍ مِنْ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ لَا
حَقِيقَةَ لَهَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا هِيَ أَمْثَالٌ مَضْرُوبَةٌ
لِتُفْهَمَ حَالُ النَّفْسِ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ ،وَمَا أَظْهَرُوهُ
لَهُمْ مِنْ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَإِنْ كَانَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ
فَإِنَّمَا يُعَلَّقُ لِمَصْلَحَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا إذْ كَانَ لَا
يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُمْ إلَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ .
وَ " هَذَا
الْقَوْلُ " مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ
الرُّسُلِ ؛ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ خَوَاصُّ الرُّسُلِ
الْأَذْكِيَاءِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَإِذَا عَلِمُوهُ زَالَتْ
مُحَافَظَتُهُمْ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، كَمَا يُصِيبُ خَوَاصَّ
مَلَاحِدَةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْقَرَامِطَةِ : مِنْ الإسْماعيليَّةِ (1)
__________
(1) - وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 4 / ص 13)
الباطنية
فتوى رقم (5508):
س: ما قول علماء الإسلام والفقهاء الكرام في حق فرقة الإسماعيلية - الأغاخانية - التي
يسكن أفرادها في البلاد المختلفة خصوصًا في البلاد الشمالية من باكستان ،
نذكر بعض معتقداتهم وأقوالهم التي تدل على عقائدهم هنا.
(1)
الكلمة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وأشهد أن أمير
المؤمنين علي الله، هذه كلمتهم مقام كلمة الإسلام كلمة التوحيد والشهادة
ويسمونها بـ: الكلمة الإسلامية الحقيقة.
(2) الإمام: وهم يعتقدون
أن أغاخان شاه كريم هو إمامهم، وهو مالك كل شيء من الأرض والسماء وما
فيهما وما بينهما بالخير والشر، ويعتقدون أنه هو الحاكم في العالم بقضه
وقضيضه.
(3) الشريعة: هم لا يرون اتباع الشريعة الإسلامية بل يعتقدون أن
أغاخان هو القرآن الناطق والقرآن الحقيقي الأصلي، وهو الكعبة وهو البيت
المعمور وهو المتبوع المتبع ولا يكون شيء سواه يجب اتباعه، وفي كتبهم أن ما
ذكر في القرآن الظاهري من لفظ الله مصداقه الإمام أغاخان.
(4) الصلاة: هم لا يعتقدون وجوب الصلوات الخمس ويقولون بوجوب الدعوات الثلاثة مكانها.
(5) المسجد: هم يتخذون معبدًا آخر مكان المسجد ويسمونه بـ: جماعت خانة.
(6) الزكاة: هم يجحدون الزكاة الشرعية ويؤدون مكانها من جميع أصناف المال عشرها للأغاخان ويسمونه بـ: مال الواجبات - دوشوند -
(7) الصوم: ينكرون فرضية صوم رمضان.
(8) لا يقولون بفرضية حج البيت يعتقدون أن الأصل أغاخان هو الحج.
(9)
السلام: لهم تحية مخصوصة مكان السلام عليكم يقولون عند اللقاء: (علي مدد)
أي أعانك علي، ويقولون في جوابه: (مولى علي مدد) مكان وعليكم السلام. هذه
نبذة من أقوالهم وعقائدهم، فالآن نسأل عن عدة أمور:
(1) هل هذه الفرقة من فرق الإسلامية أم من فرق الكفرية.
(2) هل يجوز أن يصلى على موتاهم صلاة الجنازة؟
(3) هل يجوز أن يدفنوا في مقابر المسلمين؟
(4) هل تجوز منكاحتهم؟
(5) هل تحل ذبيحتهم؟
(6) هل يعامل معهم معاملة المسلمين؟
نسأل
منكم باسم الله العظيم أن تصدروا جواب الاستفتاء وتزيحوا الشبهات عن قلوب
المسلمين؛ لأن هؤلاء الناس يبطنون عقائدهم إلى الآن ولذا سماهم المتقدمون
من المشائخ بـ: الباطنية ، والآن هم أظهروا عقائدهم ويدعون الناس إليها
جهرًا؛ ابتغاء إزاغة المسلمين في عقائدهم ولوجوه أخر لا نعلمها.
وفي فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 15 / ص 503)
"الإسماعيلية"
المجيب د. علي بن حسن الألمعي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 24/2/1425هـ
السؤال
أرجو توضيح وموقف الشرع من طائفة تسمى "الشيعة الإمامية النزارية الإسماعيلية" وما هي معتقداتهم وأفضل طريقة لدعوتهم؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد:
فإن
فرقة النزارية من فرق الإسماعيلية، وتنسب إلى نزار بن المستنصر الإسماعيلي
(ت:487هـ) وقد خلفه ابناه نزار الأكبر، والمستعلي فصاروا نزارية،
ومستعلية، وكانت الدولة والغلبة للمستعلية الذين حكموا مصر، واليمن وغيرها ،
وينتسب إلى النزارية الحشاشون الذين انتشروا بالشام وبلاد فارس وغيرها،
ومن أبرز رجالهم الحسن ابن الصباح فارسي الأصل، وينتسب إلى النزارية
إسماعليلية الشام ولهم دور خطير وإن لم تكن لهم دولة، ولا يزالون إلى اليوم
في الشام.
عقيدتهم : عقيدة الإسماعيلية ومن أبرزها اعتقادهم بوجود إمام
معصوم منصوص عليه من نسل محمد بن إسماعيل، يضيفون عليه صفات ترفعه إلى
مقام الألوهية، ويخصونه بعلم الباطن، ويدفعون له خمس دخلهم، ولا يقيمون
الصلاة في مساجد عامة المسلمين وصلاتهم للإمام المستور، والكعبة عندهم رمز
للإمام، ويستحلون المحرمات، ويرون أن الله خلق العالم عن طريق العقل الكلي
الذي هو محل لجميع الصفات الإلهية ويسمونه الحجات، وقد حل العقل في الإمام
المستور.
أما الموقف من هذه الطائفة وأخواتها من طوائف الإسماعيلية. فمن
الواضح كما بين العلماء أن هذه العقائد تخالف العقيدة الإسلامية جماعة
وتفصيلا، وأنها عقائد كفرية، وحقيقتها هدم الإسلام، وإن كانت في الظاهر
تتستر بالتشيع لآل البيت، ولذا فليست من الإسلام في شيء.
وأتباعها : يدعون إلى الإسلام ، وتبين لهم أصوله التي من خرج عنها يعد كافرا بالله وغير متبع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقام عليهم الحجة بتوضيح المحجة، وبيان معالم الطريق المستقيم الذي تركنا عليه نبينا -صلى الله عليه وسلم- ،
وأرى أن من الضروري استغلال وسائل العصر المتاحة، ومن أهمها (الإنترنت)،
والدخول معهم عبر هذه الشبكة على أن يكون المناقش له من أهل العلم والخبرة
والتجربة، ومن الذين يعرفون حقيقة ما هم عليه من خلال كتبهم وأنصح بقراءة
الكتب الآتية:
1. الإسماعيلية : للشيخ/ إحسان إلهي ظهير.
2. فضائح الباطنية : لأبي حامد الغزالي.
3. المؤامرة على الإسلام : أنور الجندي.
4. الحركات الباطنية في العالم الإسلامي: د. محمد الخطيب.
والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
وَالْنُصَيْرِيَّة (1)
__________
(1) - وفي مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 428)
وَسُئِلَ
رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ رَعِيَّةِ الْبِلَادِ كَانُوا
يَرَوْنَ مَذْهَبَ النصيرية ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَاخْتَلَفَتْ
أَقْوَالُهُمْ فِيهِ . فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ إلَهٌ وَمِنْهُمْ
مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - يَعْنُونَ الْمَهْدِيَّ - وَأَمَرُوا
مَنْ وَجَدَهُ بِالسُّجُودِ لَهُ وَأَعْلَنُوا بِالْكُفْرِ بِذَلِكَ
وَسَبِّ الصَّحَابَةِ وَأَظْهَرُوا الْخُرُوجَ عَنْ الطَّاعَةِ وَعَزَمُوا
عَلَى الْمُحَارَبَةِ . فَهَلْ يَجِبُ قِتَالُهُمْ وَقَتْلُ
مُقَاتَلَتِهِمْ ؟ وَهَلْ تُبَاحُ ذَرَارِيُّهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ أَمْ لَا
؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ .
هَؤُلَاءِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ حَتَّى
يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ ؛ فَإِنَّ النصيرية مِنْ أَعْظَمِ
النَّاسِ كُفْرًا بِدُونِ اتِّبَاعِهِمْ لِمِثْلِ هَذَا الدَّجَّالِ
فَكَيْفَ إذَا اتَّبَعُوا مِثْلَ هَذَا الدَّجَّالِ . وَهُمْ مُرْتَدُّونَ
مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ رِدَّةً : تُقْتَلُ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتَغْنَمُ
أَمْوَالُهُمْ . وَسَبْيُ الذَّرِّيَّةِ فِيهِ نِزَاعٌ ؛ لَكِنَّ أَكْثَرَ
الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ تُسْبَى الصِّغَارُ مِنْ أَوْلَادِ
الْمُرْتَدِّينَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ سِيرَةُ
الصِّدِّيقِ فِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ . وَكَذَلِكَ قَدْ تَنَازَعَ
الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِرْقَاقِ الْمُرْتَدِّ : فَطَائِفَةٌ تَقُولُ :
إنَّهَا تُسْتَرَقُّ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَطَائِفَةٍ تَقُولُ لَا
تُسْتَرَقُّ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَالْمَعْرُوفُ عَنْ
الصَّحَابَةِ هُوَ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ تُسْتَرَقُّ مِنْهُ
الْمُرْتَدَّاتُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ ؛ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ الَّتِي
تَسَرَّى بِهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُمَّ
ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ سَبْيِ بَنِي حَنِيفَةَ
الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحَابَةُ
لَمَّا بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي قِتَالِهِمْ . وَ " النصيرية "
لَا يَكْتُمُونَ أَمْرَهُمْ ؛ بَلْ هُمْ مَعْرُوفُونَ عِنْدَ جَمِيعِ
الْمُسْلِمِينَ لَا يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَلَا يَصُومُونَ
شَهْرَ رَمَضَانَ ؛ وَلَا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ وَلَا يُؤَدُّونَ
الزَّكَاةَ وَلَا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ وَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ
وَغَيْرَهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِلَهَ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَيَقُولُونَ : نَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا حيدرة
الْأَنْزَعُ الْبَطِينُ وَلَا حِجَابَ عَلَيْهِ إلَّا مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ
الْأَمِينُ وَلَا طَرِيقَ إلَيْهِ إلَّا سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُظْهِرُوا الرَّفْضَ وَأَنَّ هَذَا
الْكَذَّابَ هُوَ الْمَهْدِيُّ الْمُنْتَظَرُ وَامْتَنَعُوا ؛ فَإِنَّهُمْ
يُقَاتَلُونَ أَيْضًا ؛ لَكِنْ يُقَاتَلُونَ كَمَا يُقَاتَلُ الْخَوَارِجُ
الْمَارِقُونَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَكَمَا يُقَاتَلُ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو
بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . فَهَؤُلَاءِ يُقَاتَلُونَ مَا
دَامُوا مُمْتَنِعِينَ وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَلَا تُغْنَمُ
أَمْوَالُهُمْ الَّتِي لَمْ يَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى الْقِتَالِ .
وَأَمَّا مَا اسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خَيْلٍ
وَسِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَفِي أَخْذِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ نَهَبَ عَسْكَرُهُ
مَا فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ . فَإِنْ رَأَى وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ
يَسْتَبِيحَ مَا فِي عَسْكَرِهِمْ مِنْ الْمَالِ كَانَ هَذَا سَائِغًا .
هَذَا مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ . فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ ؛ فَإِنَّهُ
يَجِبُ أَنْ يُفَرِّقَ شَمْلَهُمْ وَتُحْسَمَ مَادَّةُ شَرِّهِمْ
وَإِلْزَامُهُمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَقَتْلُ مَنْ أَصَرَّ عَلَى
الرِّدَّةِ مِنْهُمْ . وَأَمَّا قَتْلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ
وَأَبْطَنَ كُفْرًا مِنْهُ وَهُوَ الْمُنَافِقُ الَّذِي تُسَمِّيهِ
الْفُقَهَاءُ " الزِّنْدِيقُ " : فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ
يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي أَظْهَرْ
الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي
حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَمَنْ كَانَ دَاعِيًا مِنْهُمْ إلَى
الضَّلَالِ لَا يَنْكَفُّ شَرُّهُ إلَّا بِقَتْلِهِ قُتِلَ أَيْضًا ؛
وَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ كَأَئِمَّةِ
الرَّفْضِ الَّذِينَ يُضِلُّونَ النَّاسَ كَمَا قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ
غَيْلَانَ الْقَدَرِيَّ وَالْجَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ وَأَمْثَالَهُمَا مِنْ
الدُّعَاةِ . فَهَذَا الدَّجَّالُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا . وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
وفي مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 217)
وَسُئِلَ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءَ أَئِمَّةُ
الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَعَانَهُمْ عَلَى
إظْهَارِ الْحَقِّ الْمُبِينِ وَإِخْمَادِ شُعَبِ الْمُبْطِلِينَ : فِي "
النصيرية " الْقَائِلِينَ بِاسْتِحْلَالِ الْخَمْرِ وَتَنَاسُخِ
الْأَرْوَاحِ وَقِدَمِ الْعَالِمِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ
وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي غَيْرِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَبِأَنَّ "
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ " عِبَارَةٌ عَنْ خَمْسَةِ أَسْمَاءٍ وَهِيَ :
عَلِيٌّ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ وَمُحْسِنٌ وَفَاطِمَةُ . فَذِكْرُ هَذِهِ
الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ عَلَى رَأْيِهِمْ يُجْزِئُهُمْ عَنْ الْغُسْلِ
مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ وَبَقِيَّةِ شُرُوطِ الصَّلَوَاتِ
الْخَمْسَةِ وَوَاجِبَاتِهَا . وَبِأَنَّ " الصِّيَامَ " عِنْدَهُمْ
عِبَارَةٌ عَنْ اسْمِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا وَاسْمِ ثَلَاثِينَ امْرَأَةً
يَعُدُّونَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ وَيَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ
إبْرَازِهِمْ ؛ وَبِأَنَّ إلَهَهُمْ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ
عِنْدُهُمْ الْإِلَهُ فِي السَّمَاءِ وَالْإِمَامُ فِي الْأَرْضِ
فَكَانَتْ الْحِكْمَةُ فِي ظُهُور اللَّاهُوتِ بِهَذَا النَّاسُوتِ عَلَى
رَأْيِهِمْ أَنْ يُؤْنِسَ خَلْقَهُ وَعَبِيدَهُ ؛ لِيُعَلِّمَهُمْ كَيْفَ
يَعْرِفُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ . وَبِأَنَّ النَّصِيرِيَّ عِنْدَهُمْ لَا
يَصِيرُ نصيريا مُؤْمِنًا يُجَالِسُونَهُ وَيَشْرَبُونَ مَعَهُ الْخَمْرَ
وَيُطْلِعُونَهُ عَلَى أَسْرَارِهِمْ وَيُزَوِّجُونَهُ مِنْ نِسَائِهِمْ :
حَتَّى يُخَاطِبَهُ مُعَلِّمُهُ . وَحَقِيقَةُ الْخِطَابِ عِنْدَهُمْ أَنْ
يُحَلِّفُوهُ عَلَى كِتْمَانِ دِينِهِ وَمَعْرِفَةِ مَشَايِخِهِ
وَأَكَابِرِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ ؛ وَعَلَى أَلَّا يَنْصَحَ مُسْلِمًا وَلَا
غَيْرَهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ وَعَلَى أَنْ يَعْرِفَ
رَبَّهُ وَإِمَامَهُ بِظُهُورِهِ فِي أَنْوَارِهِ وَأَدْوَارِهِ فَيَعْرِفُ
انْتِقَالَ الِاسْمِ وَالْمَعْنَى فِي كُلِّ حِينٍ وَزَمَانٍ . فَالِاسْمُ
عِنْدَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّاسِ آدَمَ وَالْمَعْنَى هُوَ شيث وَالِاسْمُ
يَعْقُوبُ وَالْمَعْنَى هُوَ يُوسُفُ . وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى هَذِهِ
الصُّورَةِ كَمَا يَزْعُمُونَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ حِكَايَةً
عَنْ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَقُولُونَ
: أَمَّا يَعْقُوبُ فَإِنَّهُ كَانَ الِاسْمَ فَمَا قَدَرَ أَنْ
يَتَعَدَّى مَنْزِلَتَهُ فَقَالَ : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي }
وَأَمَّا يُوسُفُ فَكَانَ الْمَعْنَى الْمَطْلُوبَ فَقَالَ : { لَا
تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ } فَلَمْ يُعَلِّقْ الْأَمْرَ بِغَيْرِهِ ؛
لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ الْإِلَهُ الْمُتَصَرِّفُ وَيَجْعَلُونَ مُوسَى
هُوَ الِاسْمَ وَيُوشَعَ هُوَ الْمَعْنَى وَيَقُولُونَ : يُوشَعُ رُدَّتْ
لَهُ الشَّمْسُ لَمَّا أَمَرَهَا فَأَطَاعَتْ أَمْرَهُ ؛ وَهَلْ تُرَدُّ
الشَّمْسُ إلَّا لِرَبِّهَا وَيَجْعَلُونَ سُلَيْمَانَ هُوَ الِاسْمَ وآصف
هُوَ الْمَعْنَى الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ . وَيَقُولُونَ : سُلَيْمَانُ
عَجَزَ عَنْ إحْضَارِ عَرْشِ بلقيس وَقَدَرَ عَلَيْهِ آصف لِأَنَّ
سُلَيْمَانَ كَانَ الصُّورَةَ وآصف كَانَ الْمَعْنَى الْقَادِرَ
الْمُقْتَدِرَ وَقَدْ قَالَ قَائِلُهُمْ : هَابِيلُ شيث يُوسُفُ يُوشَعُ
آصف شمعون الصَّفَا حَيْدَرُ وَيَعُدُّونَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ
وَاحِدًا وَاحِدًا عَلَى هَذَا النَّمَطِ إلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ : مُحَمَّدٌ هُوَ الِاسْمُ
وَعَلِيٌّ هُوَ الْمَعْنَى وَيُوصِلُونَ الْعَدَدَ عَلَى هَذَا
التَّرْتِيبِ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى وَقْتِنَا هَذَا . فَمِنْ حَقِيقَةِ
الْخِطَابِ فِي الدِّينِ عِنْدَهُمْ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الرَّبُّ وَأَنْ
مُحَمَّدًا هُوَ الْحِجَابُ وَأَنَّ سَلْمَانَ هُوَ الْبَابُ وَأَنْشَدَ
بَعْضُ أَكَابِرِ رُؤَسَائِهِمْ وَفُضَلَائِهِمْ لِنَفْسِهِ فِي شُهُورِ
سَنَةِ سَبْعِمِائَةٍ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا حيدرة
الْأَنْزَعُ الْبَطِينُ وَلَا حِجَابَ عَلَيْهِ إلَّا مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ
الْأَمِينُ وَلَا طَرِيقَ إلَيْهِ إلَّا سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ وَيَقُولُونَ إنَّ ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ لَمْ يَزَلْ
وَلَا يَزَالُ وَكَذَلِكَ الْخَمْسَةُ الْأَيْتَامُ وَالِاثْنَا عَشَرَ
نَقِيبًا وَأَسْمَاؤُهُمْ مَشْهُورَةٌ عِنْدَهُمْ وَمَعْلُومَةٌ مِنْ
كُتُبِهِمْ الْخَبِيثَةِ وَأَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ يُظْهِرُونَ مَعَ
الرَّبِّ وَالْحِجَابِ وَالْبَابِ فِي كُلٍّ كَوْرٍ وَدَوْرٍ أَبَدًا
سَرْمَدًا عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَيَقُولُونَ : إنَّ
إبْلِيسَ الْأَبَالِسَةِ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَلِيهِ فِي رُتْبَةِ الإبليسية أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ عُثْمَانُ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَشَرَّفَهُمْ وَأَعْلَى رُتَبَهُمْ عَنْ
أَقْوَالِ الْمُلْحِدِينَ وَانْتِحَالِ أَنْوَاعِ الضَّالِّينَ
وَالْمُفْسِدِينَ - فَلَا
يَزَالُونَ مَوْجُودِينَ فِي كُلِّ وَقْتٍ دَائِمًا حَسْبَمَا ذُكِرَ مِنْ
التَّرْتِيبِ . وَلِمَذَاهِبِهِمْ الْفَاسِدَةِ شُعَبٌ وَتَفَاصِيلُ
تَرْجِعُ إلَى هَذِهِ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ . وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ
الْمَلْعُونَةُ اسْتَوْلَتْ عَلَى جَانِبٍ كَبِيرٍ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ (
وَهُمْ مَعْرُوفُونَ مَشْهُورُونَ مُتَظَاهِرُونَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ
وَقَدْ حَقَّقَ أَحْوَالَهُمْ كُلُّ مَنْ خَالَطَهُمْ وَعَرَفَهُمْ مِنْ
عُقَلَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَائِهِمْ وَمِنْ عَامَّةِ النَّاسِ
أَيْضًا فِي هَذَا الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَهُمْ كَانَتْ مَسْتُورَةً
عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ وَقْتَ اسْتِيلَاءِ الْإِفْرِنْجِ الْمَخْذُولِينَ
عَلَى الْبِلَادِ السَّاحِلِيَّةِ ؛ فَلَمَّا جَاءَتْ أَيَّامُ
الْإِسْلَامِ انْكَشَفَ حَالُهُمْ وَظَهَرَ ضَلَالُهُمْ . وَالِابْتِلَاءُ
بِهِمْ كَثِيرٌ جِدًّا . فَهَلْ يَجُوزُ لِمُسْلِمِ أَنْ يُزَوِّجَهُمْ
أَوْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ ؟ وَهَلْ يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ
وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَمْ لَا ؟ وَمَا حُكْمُ الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ مِنْ
إنْفَحَةِ ذَبِيحَتِهِمْ ؟ وَمَا حُكْمُ أَوَانِيهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ ؟
وَهَلْ يَجُوزُ دَفْنُهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ
يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُمْ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ وَتَسْلِيمُهَا
إلَيْهِمْ ؟ أَمْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ قَطْعُهُمْ
وَاسْتِخْدَامُ غَيْرِهِمْ مِنْ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ الكفاة وَهَلْ
يَأْثَمُ إذَا أَخَّرَ طَرْدَهُمْ ؟ أَمْ يَجُوزُ لَهُ التَّمَهُّلُ مَعَ
أَنَّ فِي عَزْمِهِ ذَلِكَ ؟ وَإِذَا اسْتَخْدَمَهُمْ وَأَقْطَعَهُمْ أَوْ
لَمْ يُقْطِعْهُمْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ صَرْفُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ
عَلَيْهِمْ وَإِذَا صَرَفَهَا وَتَأَخَّرَ لِبَعْضِهِمْ بَقِيَّةٌ مِنْ
مَعْلُومِهِ الْمُسَمَّى ؛ فَأَخَّرَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَنْهُ
وَصَرَفَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمُسْتَحِقِّينَ
أَوْ أَرْصَدَهُ لِذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ هَذِهِ الصُّوَرِ ؟
أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ ؟ وَهَلْ دِمَاءُ النصيرية الْمَذْكُورِينَ مُبَاحَةٌ
وَأَمْوَالُهُمْ حَلَالٌ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا جَاهَدَهُمْ وَلِيُّ
الْأَمْرِ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِخْمَادِ بَاطِلِهِمْ
وَقَطَعَهُمْ مِنْ حُصُونِ الْمُسْلِمِينَ وَحَذَّرَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ
مِنْ مُنَاكَحَتِهِمْ وَأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ وَأَلْزَمَهُمْ بِالصَّوْمِ
وَالصَّلَاةِ وَمَنَعَهُمْ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِمْ الْبَاطِلِ وَهُمْ
الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنْ الْكُفَّارِ : هَلْ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ
أَجْرًا مِنْ التَّصَدِّي وَالتَّرَصُّدِ لِقِتَالِ التَّتَارِ فِي
بِلَادِهِمْ وَهَدْمِ بِلَادِ سَيِسَ وَدِيَارِ الْإِفْرِنْجِ عَلَى
أَهْلِهَا ؟ أَمْ هَذَا أَفْضَلُ مِنْ كَوْنِهِ يُجَاهِدُ النصيرية
الْمَذْكُورِينَ مُرَابِطًا ؟ وَيَكُونُ أَجْرُ مَنْ رَابَطَ فِي
الثُّغُورِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ خَشْيَةَ قَصْدِ الفرنج أَكْبَرُ أَمْ
هَذَا أَكْبَرُ أَجْرًا ؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ عَرَفَ الْمَذْكُورِينَ
وَمَذَاهِبَهُمْ أَنْ يُشْهِرَ أَمْرَهُمْ وَيُسَاعِدَ عَلَى إبْطَالِ
بَاطِلِهِمْ وَإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ بَيْنَهُمْ فَلَعَلَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَ بَعْضَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَجْعَلَ مِنْ
ذُرِّيَّتِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ مُسْلِمِينَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ
ذَلِكَ الْكُفْرِ الْعَظِيمِ أَمْ يَجُوزُ التَّغَافُلُ عَنْهُمْ
وَالْإِهْمَالُ ؟ وَمَا قَدَرَ الْمُجْتَهِدُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُجَاهِدُ
فِيهِ وَالْمُرَابِطُ لَهُ وَالْمُلَازِمُ عَلَيْهِ ؟ وَلْتَبْسُطُوا
الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ مُثَابِينَ مَأْجُورِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد ابْنُ تيمية : الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الْمُسَمَّوْنَ
بالنصيرية هُمْ وَسَائِرُ أَصْنَافِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ
أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؛ بَلْ وَأَكْفَرُ مِنْ كَثِيرٍ
مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ
مِثْلَ كُفَّارِ التَّتَارِ والفرنج وَغَيْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ
يَتَظَاهَرُونَ عِنْدَ جُهَّالِ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّشَيُّعِ
وَمُوَالَاةِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يُؤْمِنُونَ
بِاَللَّهِ وَلَا بِرَسُولِهِ وَلَا بِكِتَابِهِ وَلَا بِأَمْرِ وَلَا
نَهْيٍ وَلَا ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَلَا جَنَّةٍ وَلَا نَارٍ وَلَا
بِأَحَدِ مِنْ الْمُرْسَلِينَ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَا بِمِلَّةِ مِنْ الْمِلَلِ السَّالِفَةِ بَلْ يَأْخُذُونَ
كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى أُمُورٍ يَفْتَرُونَهَا ؛ يَدَّعُونَ أَنَّهَا
عِلْمُ الْبَاطِنِ ؛ مِنْ جِنْسِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَمِنْ غَيْرِ
هَذَا الْجِنْسِ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حَدٌّ مَحْدُودٌ فِيمَا
يَدَّعُونَهُ مِنْ الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَآيَاتِهِ
وَتَحْرِيفِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ ؛ إذْ
مَقْصُودُهُمْ إنْكَارُ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ بِكُلِّ
طَرِيقٍ مَعَ التَّظَاهُرِ بِأَنَّ لِهَذِهِ الْأُمُورِ حَقَائِقُ
يَعْرِفُونَهَا مِنْ جِنْسِ مَا ذَكَرَ السَّائِلُ وَمِنْ جِنْسِ
قَوْلِهِمْ : إنَّ " الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ " مَعْرِفَةُ أَسْرَارِهِمْ و "
الصِّيَامَ الْمَفْرُوضَ " كِتْمَانُ أَسْرَارِهِمْ " وَحَجَّ الْبَيْتِ
الْعَتِيقِ " زِيَارَةُ شُيُوخِهِمْ وَأَنَّ ( يَدَا أَبِي لَهَبٍ هُمَا
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَّ ( النَّبَأَ الْعَظِيمَ وَالْإِمَامَ
الْمُبِينَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؛ وَلَهُمْ فِي مُعَادَاةِ
الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَقَائِعُ مَشْهُورَةٌ وَكُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ
فَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ مُكْنَةٌ سَفَكُوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ؛ كَمَا
قَتَلُوا مَرَّةً الْحُجَّاجَ وَأَلْقَوْهُمْ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ
وَأَخَذُوا مَرَّةً الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَبَقِيَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً
وَقَتَلُوا مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَشَايِخِهِمْ مَا لَا يُحْصِي
عَدَدَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَصَنَّفُوا كُتُبًا كَثِيرَةً مِمَّا
ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَغَيْرُهُ وَصَنَّفَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ
كُتُبًا فِي كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ ؛ وَبَيَّنُوا
فِيهَا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ
الَّذِي هُمْ بِهِ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمِنْ براهمة
الْهِنْدِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ . وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ
فِي وَصْفِهِمْ قَلِيلٌ مِنْ الْكَثِيرِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعُلَمَاءُ
فِي وَصْفِهِمْ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ عِنْدَنَا أَنَّ السَّوَاحِلَ
الشَّامِيَّةَ إنَّمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا النَّصَارَى مِنْ جِهَتِهِمْ
وَهُمْ دَائِمًا مَعَ كُلِّ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ ؛ فَهُمْ مَعَ
النَّصَارَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ
عِنْدَهُمْ فَتْحُ الْمُسْلِمِينَ لِلسَّوَاحِلِ وَانْقِهَارُ النَّصَارَى ؛
بَلْ وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عِنْدَهُمْ انْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ
عَلَى التَّتَارِ . وَمِنْ أَعْظَمِ أَعْيَادِهِمْ إذَا اسْتَوْلَى - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - النَّصَارَى
عَلَى ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ مَا زَالَتْ
بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى جَزِيرَةِ قُبْرُصَ يَسَّرَ اللَّهُ
فَتْحَهَا عَنْ قَرِيبٍ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي خِلَافَةِ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ " عُثْمَانَ بْنِ عفان " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَحَهَا "
مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ " إلَى أَثْنَاءِ الْمِائَةِ
الرَّابِعَةِ . فَهَؤُلَاءِ الْمُحَادُّونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ كَثُرُوا
حِينَئِذٍ بِالسَّوَاحِلِ وَغَيْرِهَا فَاسْتَوْلَى النَّصَارَى عَلَى
السَّاحِلِ ؛ ثُمَّ بِسَبَبِهِمْ اسْتَوْلَوْا عَلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ
وَغَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ أَحْوَالَهُمْ كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ
فِي ذَلِكَ ؛ ثُمَّ لَمَّا أَقَامَ اللَّهُ مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ
الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى " كَنُورِ الدِّينِ
الشَّهِيدِ وَصَلَاحِ الدِّينِ " وَأَتْبَاعِهِمَا وَفَتَحُوا السَّوَاحِلَ
مِنْ النَّصَارَى وَمِمَّنْ كَانَ بِهَا مِنْهُمْ وَفَتَحُوا
أَيْضًا أَرْضَ مِصْرَ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهَا
نَحْوَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَاتَّفَقُوا هُمْ وَالنَّصَارَى فَجَاهَدَهُمْ
الْمُسْلِمُونَ حَتَّى فَتَحُوا الْبِلَادَ وَمِنْ ذَلِكَ التَّارِيخِ
انْتَشَرَتْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ
وَالشَّامِيَّةِ . ثُمَّ إنَّ التَّتَارَ مَا دَخَلُوا بِلَادَ
الْإِسْلَامِ وَقَتَلُوا خَلِيفَةَ بَغْدَادَ وَغَيْرَهُ مِنْ مُلُوكِ
الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِمُعَاوَنَتِهِمْ وَمُؤَازَرَتِهِمْ ؛ فَإِنَّ
مُنَجِّمَ هُولَاكُو الَّذِي كَانَ وَزِيرَهُمْ وَهُوَ " النَّصِيرُ الطوسي
" كَانَ وَزِيرًا لَهُمْ بالألموت وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِقَتْلِ
الْخَلِيفَةِ وَبِوِلَايَةِ هَؤُلَاءِ . وَلَهُمْ " أَلْقَابٌ "
مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ تَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْمَلَاحِدَةَ "
وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْقَرَامِطَةَ " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ "
الْبَاطِنِيَّةَ " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الإسماعيلية " و تَارَةً
يُسَمَّوْنَ " النصيرية " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الخرمية " وَتَارَةً
يُسَمَّوْنَ " الْمُحَمِّرَةَ " وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ مِنْهَا مَا
يَعُمُّهُمْ وَمِنْهَا مَا يَخُصُّ بَعْضَ أَصْنَافِهِمْ كَمَا أَنَّ
الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ وَلِبَعْضِهِمْ اسْمٌ
يَخُصُّهُ : إمَّا لِنَسَبِ وَإِمَّا لِمَذْهَبِ وَإِمَّا لِبَلَدٍ
وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ . وَشَرْحُ مَقَاصِدِهِمْ يَطُولُ وَهُمْ كَمَا
قَالَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ : ظَاهِرُ مَذْهَبِهِمْ الرَّفْضُ وَبَاطِنُهُ
الْكُفْرُ الْمَحْضُ . وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
بِنَبِيِّ مِنْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ؛ لَا بِنُوحِ وَلَا
إبْرَاهِيمَ وَلَا مُوسَى وَلَا عِيسَى وَلَا مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَلَا بِشَيْءِ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ
الْمُنَزَّلَةِ ؛ لَا التَّوْرَاةِ وَلَا الْإِنْجِيلِ وَلَا الْقُرْآنِ .
وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ خَالِقًا خَلَقَهُ ؛ وَلَا بِأَنَّ
لَهُ دِينًا أَمَرَ بِهِ وَلَا أَنَّ لَهُ دَارًا يَجْزِي النَّاسَ فِيهَا
عَلَى أَعْمَالِهِمْ غَيْرَ هَذِهِ الدَّارِ . وَهُمْ تَارَةً يَبْنُونَ
قَوْلَهُمْ عَلَى مَذَاهِبِ الْفَلَاسِفَةِ الطَّبِيعِيِّينَ أَوْ الإلهيين
وَتَارَةً يَبْنُونَهُ عَلَى قَوْلِ الْمَجُوسِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ
النُّورَ وَيَضُمُّونَ إلَى ذَلِكَ الرَّفْضَ . وَيَحْتَجُّونَ لِذَلِكَ
مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّاتِ : إمَّا بِقَوْلِ مَكْذُوبٍ يَنْقُلُونَهُ
كَمَا يَنْقُلُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ : { أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلُ } وَالْحَدِيثُ
مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ؛ وَلَفْظُهُ " {
إنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْعَقْلَ فَقَالَ لَهُ : أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ .
فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ } فَيُحَرِّفُونَ لَفْظَهُ
فَيَقُولُونَ " { أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلُ } لِيُوَافِقُوا
قَوْلَ الْمُتَفَلْسِفَةِ أَتْبَاعِ أَرِسْطُو فِي أَنَّ أَوَّلَ
الصَّادِرَاتِ عَنْ وَاجِبِ الْوُجُودِ هُوَ الْعَقْلُ . وَإِمَّا بِلَفْظِ
ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَيُحَرِّفُونَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ كَمَا يَصْنَعُ أَصْحَابُ " رَسَائِلِ
إخْوَانِ الصَّفَا " وَنَحْوُهُمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ . وَقَدْ
دَخَلَ كَثِيرٌ مِنْ بَاطِلِهِمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
وَرَاجَ عَلَيْهِمْ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ طَوَائِفَ مِنْ
الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ ؛ وَإِنْ كَانُوا لَا
يُوَافِقُونَهُمْ عَلَى أَصْلِ كُفْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ فِي
إظْهَارِ دَعْوَتِهِمْ الْمَلْعُونَةِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا " الدَّعْوَةَ
الْهَادِيَةَ " دَرَجَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَيُسَمُّونَ النِّهَايَةَ "
الْبَلَاغَ الْأَكْبَرَ وَالنَّامُوسَ الْأَعْظَمَ " وَمَضْمُونُ
الْبَلَاغِ الْأَكْبَرِ جَحْدُ الْخَالِقِ تَعَالَى ؛ وَالِاسْتِهْزَاءُ
بِهِ وَبِمَنْ يُقِرُّ بِهِ حَتَّى قَدْ يَكْتُبُ أَحَدُهُمْ اسْمَ اللَّهِ
فِي أَسْفَلِ رِجْلِهِ وَفِيهِ أَيْضًا جَحْدُ شَرَائِعِهِ وَدِينِهِ
وَمَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَدَعْوَى أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ
جِنْسِهِمْ طَالِبِينَ لِلرِّئَاسَةِ فَمِنْهُمْ مِنْ أَحْسَنَ فِي
طَلَبِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَسَاءَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى قُتِلَ
وَيَجْعَلُونَ مُحَمَّدًا وَمُوسَى مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ
وَيَجْعَلُونَ الْمَسِيحَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي . وَفِيهِ مِنْ
الِاسْتِهْزَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَمِنْ
تَحْلِيلِ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَسَائِرِ الْفَوَاحِشِ : مَا
يَطُولُ وَصْفُهُ . وَلَهُمْ إشَارَاتٌ وَمُخَاطَبَاتٌ يَعْرِفُ بِهَا
بَعْضُهُمْ بَعْضًا . وَهُمْ إذَا كَانُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ
الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ فَقَدْ يَخْفَوْنَ عَلَى مَنْ
لَا يَعْرِفُهُمْ وَأَمَّا إذَا كَثُرُوا فَإِنَّهُ يَعْرِفُهُمْ عَامَّةُ
النَّاسِ فَضْلًا عَنْ خَاصَّتِهِمْ .
وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ ؛ وَلَا
يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ مَوْلَاتِهِ مِنْهُمْ وَلَا يَتَزَوَّجَ
مِنْهُمْ امْرَأَةً وَلَا تُبَاحُ ذَبَائِحُهُمْ . وَأَمَّا " الْجُبْنُ
الْمَعْمُولُ بِإِنْفَحَتِهِمْ " فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
لِلْعُلَمَاءِ كَسَائِرِ إنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ وَكَإِنْفَحَةِ ذَبِيحَةِ
الْمَجُوسِ ؛ وَذَبِيحَةِ الفرنج الَّذِينَ يُقَالُ عَنْهُمْ إنَّهُمْ لَا
يُذَكُّونَ الذَّبَائِحَ . فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي
إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَحِلُّ هَذَا الْجُبْنُ ؛ لِأَنَّ
إنْفَحَةَ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّ
الْإِنْفَحَةَ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ الْبَهِيمَةِ وَمُلَاقَاةُ الْوِعَاءِ
النَّجِسِ فِي الْبَاطِنِ لَا يُنَجِّسُ . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ هَذَا
الْجُبْنَ نَجِسٌ لِأَنَّ الْإِنْفَحَةَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ نَجِسَةٌ ؛
لِأَنَّ لَبَنَ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتَهَا عِنْدَهُمْ نَجِسٌ . وَمَنْ
لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ فَذَبِيحَتُهُ كَالْمَيْتَةِ . وَكُلٌّ مِنْ
أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ يَحْتَجُّ بِآثَارِ يَنْقُلُهَا عَنْ الصَّحَابَةِ
فَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَقَلُوا أَنَّهُمْ أَكَلُوا جُبْنَ
الْمَجُوسِ . وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الثَّانِي نَقَلُوا أَنَّهُمْ أَكَلُوا
مَا كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْ جُبْنِ النَّصَارَى . فَهَذِهِ
مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ ؛ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ يُفْتِي
بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ .
وَأَمَّا " أَوَانِيهمْ وَمَلَابِسُهُمْ "
فَكَأَوَانِي الْمَجُوسِ وَمَلَابِسِ الْمَجُوسِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ
مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ . وَالصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَوَانِيَهُمْ لَا
تُسْتَعْمَلُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهَا ؛ فَإِنَّ ذَبَائِحَهُمْ مَيْتَةٌ
فَلَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَ أَوَانِيَهُمْ الْمُسْتَعْمَلَةَ مَا
يَطْبُخُونَهُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ فَتَنْجُسُ بِذَلِكَ فَأَمَّا الْآنِيَةُ
الَّتِي لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُصُولُ النَّجَاسَةِ إلَيْهَا
فَتُسْتَعْمَلُ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ كَآنِيَةِ اللَّبَنِ الَّتِي لَا
يَضَعُونَ فِيهَا طَبِيخَهُمْ أَوْ يَغْسِلُونَهَا قَبْلَ وَضْعِ اللَّبَنِ
فِيهَا وَقَدْ تَوَضَّأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ . فَمَا شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِ لَمْ يُحْكَمْ
بِنَجَاسَتِهِ بِالشَّكِّ . وَلَا يَجُوزُ دَفْنُهُمْ فِي مَقَابِرِ
الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ؛ فَإِنَّ
اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَهَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ : كَعَبْدِ اللَّهِ ابْن
أبي وَنَحْوِهِ ؛ وَكَانُوا يَتَظَاهَرُونَ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ
وَالصِّيَامِ وَالْجِهَادِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَا يُظْهِرُونَ
مَقَالَةً تُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ ؛ لَكِنْ يُسِرُّونَ ذَلِكَ
فَقَالَ اللَّهُ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا
وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } فَكَيْفَ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ مَعَ
الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ يُظْهِرُونَ الْكُفْرَ وَالْإِلْحَادَ .
وَأَمَّا
اسْتِخْدَامُ مِثْلِ هَؤُلَاءِ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ
حُصُونِهِمْ أَوْ جُنْدِهِمْ فَإِنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَهُوَ
بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَسْتَخْدِمُ الذِّئَابَ لِرَعْيِ الْغَنَمِ ؛
فَإِنَّهُمْ مِنْ أَغَشِّ النَّاسِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِوُلَاةِ
أُمُورِهِمْ وَهُمْ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى فَسَادِ الْمَمْلَكَةِ
وَالدَّوْلَةِ وَهُمْ شَرٌّ مِنْ الْمُخَامِرِ الَّذِي يَكُونُ فِي
الْعَسْكَرِ ؛ فَإِنَّ الْمُخَامِرَ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ : إمَّا مَعَ
أَمِيرِ الْعَسْكَرِ وَإِمَّا مَعَ الْعَدُوِّ . وَهَؤُلَاءِ مَعَ
الْمِلَّةِ وَنَبِيِّهَا وَدِينِهَا وَمُلُوكِهَا ؛ وَعُلَمَائِهَا
وَعَامَّتِهَا وَخَاصَّتِهَا وَهُمْ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى تَسْلِيمِ
الْحُصُونِ إلَى عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى إفْسَادِ الْجُنْدِ عَلَى
وَلِيِّ الْأَمْرِ وَإِخْرَاجِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ . وَالْوَاجِبُ عَلَى
وُلَاةِ الْأُمُورِ قَطْعُهُمْ مِنْ دَوَاوِينِ الْمُقَاتِلَةِ فَلَا
يُتْرَكُونَ فِي ثَغْرٍ وَلَا فِي غَيْرِ ثَغْرٍ ؛ فَإِنَّ ضَرَرَهُمْ فِي
الثَّغْرِ أَشَدُّ وَأَنْ يَسْتَخْدِمَ بَدَلَهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى
اسْتِخْدَامِهِ مِنْ الرِّجَالِ الْمَأْمُونِينَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ
وَعَلَى النُّصْحِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ
وَعَامَّتِهِمْ ؛ بَلْ إذَا كَانَ وَلِيُّ الْأَمْرِ لَا يَسْتَخْدِمُ مَنْ
يَغُشُّهُ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَكَيْفَ بِمَنْ يَغُشُّ الْمُسْلِمِينَ
كُلَّهُمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ هَذَا الْوَاجِبِ مَعَ
الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَلْ أَيُّ وَقْتٍ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِبْدَالِ
بِهِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ . وَأَمَّا إذَا اُسْتُخْدِمُوا وَعَمِلُوا
الْعَمَلَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِمْ فَلَهُمْ إمَّا الْمُسَمَّى وَإِمَّا
أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُمْ عوقدوا عَلَى ذَلِكَ . فَإِنْ كَانَ
الْعَقْدُ صَحِيحًا وَجَبَ الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَجَبَتْ
أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتِخْدَامُهُمْ مِنْ جِنْسِ
الْإِجَارَةِ اللَّازِمَةِ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْجَعَالَةِ الْجَائِزَةِ ؛
لَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُمْ فَالْعَقْدُ عَقْدٌ
فَاسِدٌ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ إلَّا قِيمَةَ عَمَلِهِمْ . فَإِنْ لَمْ
يَكُونُوا عَمِلُوا عَمَلًا لَهُ قِيمَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ ؛ لَكِنْ
دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ مُبَاحَةٌ .
وَإِذَا أَظْهَرُوا
التَّوْبَةَ فَفِي قَبُولِهَا مِنْهُمْ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ؛
فَمَنْ قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ إذَا الْتَزَمُوا شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ
أَقَرَّ أَمْوَالَهُمْ عَلَيْهِمْ .
__________
(1) - وفي مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 428)
وَسُئِلَ
رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ رَعِيَّةِ الْبِلَادِ كَانُوا
يَرَوْنَ مَذْهَبَ النصيرية ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَاخْتَلَفَتْ
أَقْوَالُهُمْ فِيهِ . فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ إلَهٌ وَمِنْهُمْ
مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - يَعْنُونَ الْمَهْدِيَّ - وَأَمَرُوا
مَنْ وَجَدَهُ بِالسُّجُودِ لَهُ وَأَعْلَنُوا بِالْكُفْرِ بِذَلِكَ
وَسَبِّ الصَّحَابَةِ وَأَظْهَرُوا الْخُرُوجَ عَنْ الطَّاعَةِ وَعَزَمُوا
عَلَى الْمُحَارَبَةِ . فَهَلْ يَجِبُ قِتَالُهُمْ وَقَتْلُ
مُقَاتَلَتِهِمْ ؟ وَهَلْ تُبَاحُ ذَرَارِيُّهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ أَمْ لَا
؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ .
هَؤُلَاءِ يَجِبُ قِتَالُهُمْ مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ حَتَّى
يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ ؛ فَإِنَّ النصيرية مِنْ أَعْظَمِ
النَّاسِ كُفْرًا بِدُونِ اتِّبَاعِهِمْ لِمِثْلِ هَذَا الدَّجَّالِ
فَكَيْفَ إذَا اتَّبَعُوا مِثْلَ هَذَا الدَّجَّالِ . وَهُمْ مُرْتَدُّونَ
مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ رِدَّةً : تُقْتَلُ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتَغْنَمُ
أَمْوَالُهُمْ . وَسَبْيُ الذَّرِّيَّةِ فِيهِ نِزَاعٌ ؛ لَكِنَّ أَكْثَرَ
الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ تُسْبَى الصِّغَارُ مِنْ أَوْلَادِ
الْمُرْتَدِّينَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ سِيرَةُ
الصِّدِّيقِ فِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ . وَكَذَلِكَ قَدْ تَنَازَعَ
الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِرْقَاقِ الْمُرْتَدِّ : فَطَائِفَةٌ تَقُولُ :
إنَّهَا تُسْتَرَقُّ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَطَائِفَةٍ تَقُولُ لَا
تُسْتَرَقُّ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَالْمَعْرُوفُ عَنْ
الصَّحَابَةِ هُوَ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ تُسْتَرَقُّ مِنْهُ
الْمُرْتَدَّاتُ نِسَاءُ الْمُرْتَدِّينَ ؛ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ الَّتِي
تَسَرَّى بِهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُمَّ
ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ سَبْيِ بَنِي حَنِيفَةَ
الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالصَّحَابَةُ
لَمَّا بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي قِتَالِهِمْ . وَ " النصيرية "
لَا يَكْتُمُونَ أَمْرَهُمْ ؛ بَلْ هُمْ مَعْرُوفُونَ عِنْدَ جَمِيعِ
الْمُسْلِمِينَ لَا يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَلَا يَصُومُونَ
شَهْرَ رَمَضَانَ ؛ وَلَا يَحُجُّونَ الْبَيْتَ وَلَا يُؤَدُّونَ
الزَّكَاةَ وَلَا يُقِرُّونَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ وَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ
وَغَيْرَهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِلَهَ عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَيَقُولُونَ : نَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا حيدرة
الْأَنْزَعُ الْبَطِينُ وَلَا حِجَابَ عَلَيْهِ إلَّا مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ
الْأَمِينُ وَلَا طَرِيقَ إلَيْهِ إلَّا سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُظْهِرُوا الرَّفْضَ وَأَنَّ هَذَا
الْكَذَّابَ هُوَ الْمَهْدِيُّ الْمُنْتَظَرُ وَامْتَنَعُوا ؛ فَإِنَّهُمْ
يُقَاتَلُونَ أَيْضًا ؛ لَكِنْ يُقَاتَلُونَ كَمَا يُقَاتَلُ الْخَوَارِجُ
الْمَارِقُونَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَكَمَا يُقَاتَلُ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو
بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . فَهَؤُلَاءِ يُقَاتَلُونَ مَا
دَامُوا مُمْتَنِعِينَ وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَلَا تُغْنَمُ
أَمْوَالُهُمْ الَّتِي لَمْ يَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى الْقِتَالِ .
وَأَمَّا مَا اسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خَيْلٍ
وَسِلَاحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَفِي أَخْذِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ نَهَبَ عَسْكَرُهُ
مَا فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ . فَإِنْ رَأَى وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ
يَسْتَبِيحَ مَا فِي عَسْكَرِهِمْ مِنْ الْمَالِ كَانَ هَذَا سَائِغًا .
هَذَا مَا دَامُوا مُمْتَنِعِينَ . فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ ؛ فَإِنَّهُ
يَجِبُ أَنْ يُفَرِّقَ شَمْلَهُمْ وَتُحْسَمَ مَادَّةُ شَرِّهِمْ
وَإِلْزَامُهُمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَقَتْلُ مَنْ أَصَرَّ عَلَى
الرِّدَّةِ مِنْهُمْ . وَأَمَّا قَتْلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ
وَأَبْطَنَ كُفْرًا مِنْهُ وَهُوَ الْمُنَافِقُ الَّذِي تُسَمِّيهِ
الْفُقَهَاءُ " الزِّنْدِيقُ " : فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ
يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي أَظْهَرْ
الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي
حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَمَنْ كَانَ دَاعِيًا مِنْهُمْ إلَى
الضَّلَالِ لَا يَنْكَفُّ شَرُّهُ إلَّا بِقَتْلِهِ قُتِلَ أَيْضًا ؛
وَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ كَأَئِمَّةِ
الرَّفْضِ الَّذِينَ يُضِلُّونَ النَّاسَ كَمَا قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ
غَيْلَانَ الْقَدَرِيَّ وَالْجَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ وَأَمْثَالَهُمَا مِنْ
الدُّعَاةِ . فَهَذَا الدَّجَّالُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا . وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
وفي مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 217)
وَسُئِلَ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءَ أَئِمَّةُ
الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَعَانَهُمْ عَلَى
إظْهَارِ الْحَقِّ الْمُبِينِ وَإِخْمَادِ شُعَبِ الْمُبْطِلِينَ : فِي "
النصيرية " الْقَائِلِينَ بِاسْتِحْلَالِ الْخَمْرِ وَتَنَاسُخِ
الْأَرْوَاحِ وَقِدَمِ الْعَالِمِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ
وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ فِي غَيْرِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَبِأَنَّ "
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ " عِبَارَةٌ عَنْ خَمْسَةِ أَسْمَاءٍ وَهِيَ :
عَلِيٌّ وَحَسَنٌ وَحُسَيْنٌ وَمُحْسِنٌ وَفَاطِمَةُ . فَذِكْرُ هَذِهِ
الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ عَلَى رَأْيِهِمْ يُجْزِئُهُمْ عَنْ الْغُسْلِ
مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ وَبَقِيَّةِ شُرُوطِ الصَّلَوَاتِ
الْخَمْسَةِ وَوَاجِبَاتِهَا . وَبِأَنَّ " الصِّيَامَ " عِنْدَهُمْ
عِبَارَةٌ عَنْ اسْمِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا وَاسْمِ ثَلَاثِينَ امْرَأَةً
يَعُدُّونَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ وَيَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ
إبْرَازِهِمْ ؛ وَبِأَنَّ إلَهَهُمْ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ
عِنْدُهُمْ الْإِلَهُ فِي السَّمَاءِ وَالْإِمَامُ فِي الْأَرْضِ
فَكَانَتْ الْحِكْمَةُ فِي ظُهُور اللَّاهُوتِ بِهَذَا النَّاسُوتِ عَلَى
رَأْيِهِمْ أَنْ يُؤْنِسَ خَلْقَهُ وَعَبِيدَهُ ؛ لِيُعَلِّمَهُمْ كَيْفَ
يَعْرِفُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ . وَبِأَنَّ النَّصِيرِيَّ عِنْدَهُمْ لَا
يَصِيرُ نصيريا مُؤْمِنًا يُجَالِسُونَهُ وَيَشْرَبُونَ مَعَهُ الْخَمْرَ
وَيُطْلِعُونَهُ عَلَى أَسْرَارِهِمْ وَيُزَوِّجُونَهُ مِنْ نِسَائِهِمْ :
حَتَّى يُخَاطِبَهُ مُعَلِّمُهُ . وَحَقِيقَةُ الْخِطَابِ عِنْدَهُمْ أَنْ
يُحَلِّفُوهُ عَلَى كِتْمَانِ دِينِهِ وَمَعْرِفَةِ مَشَايِخِهِ
وَأَكَابِرِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ ؛ وَعَلَى أَلَّا يَنْصَحَ مُسْلِمًا وَلَا
غَيْرَهُ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ وَعَلَى أَنْ يَعْرِفَ
رَبَّهُ وَإِمَامَهُ بِظُهُورِهِ فِي أَنْوَارِهِ وَأَدْوَارِهِ فَيَعْرِفُ
انْتِقَالَ الِاسْمِ وَالْمَعْنَى فِي كُلِّ حِينٍ وَزَمَانٍ . فَالِاسْمُ
عِنْدَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّاسِ آدَمَ وَالْمَعْنَى هُوَ شيث وَالِاسْمُ
يَعْقُوبُ وَالْمَعْنَى هُوَ يُوسُفُ . وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى هَذِهِ
الصُّورَةِ كَمَا يَزْعُمُونَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ حِكَايَةً
عَنْ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَقُولُونَ
: أَمَّا يَعْقُوبُ فَإِنَّهُ كَانَ الِاسْمَ فَمَا قَدَرَ أَنْ
يَتَعَدَّى مَنْزِلَتَهُ فَقَالَ : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي }
وَأَمَّا يُوسُفُ فَكَانَ الْمَعْنَى الْمَطْلُوبَ فَقَالَ : { لَا
تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ } فَلَمْ يُعَلِّقْ الْأَمْرَ بِغَيْرِهِ ؛
لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ الْإِلَهُ الْمُتَصَرِّفُ وَيَجْعَلُونَ مُوسَى
هُوَ الِاسْمَ وَيُوشَعَ هُوَ الْمَعْنَى وَيَقُولُونَ : يُوشَعُ رُدَّتْ
لَهُ الشَّمْسُ لَمَّا أَمَرَهَا فَأَطَاعَتْ أَمْرَهُ ؛ وَهَلْ تُرَدُّ
الشَّمْسُ إلَّا لِرَبِّهَا وَيَجْعَلُونَ سُلَيْمَانَ هُوَ الِاسْمَ وآصف
هُوَ الْمَعْنَى الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ . وَيَقُولُونَ : سُلَيْمَانُ
عَجَزَ عَنْ إحْضَارِ عَرْشِ بلقيس وَقَدَرَ عَلَيْهِ آصف لِأَنَّ
سُلَيْمَانَ كَانَ الصُّورَةَ وآصف كَانَ الْمَعْنَى الْقَادِرَ
الْمُقْتَدِرَ وَقَدْ قَالَ قَائِلُهُمْ : هَابِيلُ شيث يُوسُفُ يُوشَعُ
آصف شمعون الصَّفَا حَيْدَرُ وَيَعُدُّونَ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ
وَاحِدًا وَاحِدًا عَلَى هَذَا النَّمَطِ إلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ : مُحَمَّدٌ هُوَ الِاسْمُ
وَعَلِيٌّ هُوَ الْمَعْنَى وَيُوصِلُونَ الْعَدَدَ عَلَى هَذَا
التَّرْتِيبِ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى وَقْتِنَا هَذَا . فَمِنْ حَقِيقَةِ
الْخِطَابِ فِي الدِّينِ عِنْدَهُمْ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الرَّبُّ وَأَنْ
مُحَمَّدًا هُوَ الْحِجَابُ وَأَنَّ سَلْمَانَ هُوَ الْبَابُ وَأَنْشَدَ
بَعْضُ أَكَابِرِ رُؤَسَائِهِمْ وَفُضَلَائِهِمْ لِنَفْسِهِ فِي شُهُورِ
سَنَةِ سَبْعِمِائَةٍ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا حيدرة
الْأَنْزَعُ الْبَطِينُ وَلَا حِجَابَ عَلَيْهِ إلَّا مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ
الْأَمِينُ وَلَا طَرِيقَ إلَيْهِ إلَّا سَلْمَانُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ وَيَقُولُونَ إنَّ ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ لَمْ يَزَلْ
وَلَا يَزَالُ وَكَذَلِكَ الْخَمْسَةُ الْأَيْتَامُ وَالِاثْنَا عَشَرَ
نَقِيبًا وَأَسْمَاؤُهُمْ مَشْهُورَةٌ عِنْدَهُمْ وَمَعْلُومَةٌ مِنْ
كُتُبِهِمْ الْخَبِيثَةِ وَأَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ يُظْهِرُونَ مَعَ
الرَّبِّ وَالْحِجَابِ وَالْبَابِ فِي كُلٍّ كَوْرٍ وَدَوْرٍ أَبَدًا
سَرْمَدًا عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَيَقُولُونَ : إنَّ
إبْلِيسَ الْأَبَالِسَةِ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَلِيهِ فِي رُتْبَةِ الإبليسية أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ عُثْمَانُ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَشَرَّفَهُمْ وَأَعْلَى رُتَبَهُمْ عَنْ
أَقْوَالِ الْمُلْحِدِينَ وَانْتِحَالِ أَنْوَاعِ الضَّالِّينَ
وَالْمُفْسِدِينَ - فَلَا
يَزَالُونَ مَوْجُودِينَ فِي كُلِّ وَقْتٍ دَائِمًا حَسْبَمَا ذُكِرَ مِنْ
التَّرْتِيبِ . وَلِمَذَاهِبِهِمْ الْفَاسِدَةِ شُعَبٌ وَتَفَاصِيلُ
تَرْجِعُ إلَى هَذِهِ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ . وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ
الْمَلْعُونَةُ اسْتَوْلَتْ عَلَى جَانِبٍ كَبِيرٍ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ (
وَهُمْ مَعْرُوفُونَ مَشْهُورُونَ مُتَظَاهِرُونَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ
وَقَدْ حَقَّقَ أَحْوَالَهُمْ كُلُّ مَنْ خَالَطَهُمْ وَعَرَفَهُمْ مِنْ
عُقَلَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَائِهِمْ وَمِنْ عَامَّةِ النَّاسِ
أَيْضًا فِي هَذَا الزَّمَانِ ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَهُمْ كَانَتْ مَسْتُورَةً
عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ وَقْتَ اسْتِيلَاءِ الْإِفْرِنْجِ الْمَخْذُولِينَ
عَلَى الْبِلَادِ السَّاحِلِيَّةِ ؛ فَلَمَّا جَاءَتْ أَيَّامُ
الْإِسْلَامِ انْكَشَفَ حَالُهُمْ وَظَهَرَ ضَلَالُهُمْ . وَالِابْتِلَاءُ
بِهِمْ كَثِيرٌ جِدًّا . فَهَلْ يَجُوزُ لِمُسْلِمِ أَنْ يُزَوِّجَهُمْ
أَوْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ ؟ وَهَلْ يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ
وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَمْ لَا ؟ وَمَا حُكْمُ الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ مِنْ
إنْفَحَةِ ذَبِيحَتِهِمْ ؟ وَمَا حُكْمُ أَوَانِيهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ ؟
وَهَلْ يَجُوزُ دَفْنُهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ
يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُمْ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ وَتَسْلِيمُهَا
إلَيْهِمْ ؟ أَمْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ قَطْعُهُمْ
وَاسْتِخْدَامُ غَيْرِهِمْ مِنْ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ الكفاة وَهَلْ
يَأْثَمُ إذَا أَخَّرَ طَرْدَهُمْ ؟ أَمْ يَجُوزُ لَهُ التَّمَهُّلُ مَعَ
أَنَّ فِي عَزْمِهِ ذَلِكَ ؟ وَإِذَا اسْتَخْدَمَهُمْ وَأَقْطَعَهُمْ أَوْ
لَمْ يُقْطِعْهُمْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ صَرْفُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ
عَلَيْهِمْ وَإِذَا صَرَفَهَا وَتَأَخَّرَ لِبَعْضِهِمْ بَقِيَّةٌ مِنْ
مَعْلُومِهِ الْمُسَمَّى ؛ فَأَخَّرَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَنْهُ
وَصَرَفَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمُسْتَحِقِّينَ
أَوْ أَرْصَدَهُ لِذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ هَذِهِ الصُّوَرِ ؟
أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ ؟ وَهَلْ دِمَاءُ النصيرية الْمَذْكُورِينَ مُبَاحَةٌ
وَأَمْوَالُهُمْ حَلَالٌ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا جَاهَدَهُمْ وَلِيُّ
الْأَمْرِ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِخْمَادِ بَاطِلِهِمْ
وَقَطَعَهُمْ مِنْ حُصُونِ الْمُسْلِمِينَ وَحَذَّرَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ
مِنْ مُنَاكَحَتِهِمْ وَأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ وَأَلْزَمَهُمْ بِالصَّوْمِ
وَالصَّلَاةِ وَمَنَعَهُمْ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِمْ الْبَاطِلِ وَهُمْ
الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنْ الْكُفَّارِ : هَلْ ذَلِكَ أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ
أَجْرًا مِنْ التَّصَدِّي وَالتَّرَصُّدِ لِقِتَالِ التَّتَارِ فِي
بِلَادِهِمْ وَهَدْمِ بِلَادِ سَيِسَ وَدِيَارِ الْإِفْرِنْجِ عَلَى
أَهْلِهَا ؟ أَمْ هَذَا أَفْضَلُ مِنْ كَوْنِهِ يُجَاهِدُ النصيرية
الْمَذْكُورِينَ مُرَابِطًا ؟ وَيَكُونُ أَجْرُ مَنْ رَابَطَ فِي
الثُّغُورِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ خَشْيَةَ قَصْدِ الفرنج أَكْبَرُ أَمْ
هَذَا أَكْبَرُ أَجْرًا ؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ عَرَفَ الْمَذْكُورِينَ
وَمَذَاهِبَهُمْ أَنْ يُشْهِرَ أَمْرَهُمْ وَيُسَاعِدَ عَلَى إبْطَالِ
بَاطِلِهِمْ وَإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ بَيْنَهُمْ فَلَعَلَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَ بَعْضَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَجْعَلَ مِنْ
ذُرِّيَّتِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ مُسْلِمِينَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ
ذَلِكَ الْكُفْرِ الْعَظِيمِ أَمْ يَجُوزُ التَّغَافُلُ عَنْهُمْ
وَالْإِهْمَالُ ؟ وَمَا قَدَرَ الْمُجْتَهِدُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُجَاهِدُ
فِيهِ وَالْمُرَابِطُ لَهُ وَالْمُلَازِمُ عَلَيْهِ ؟ وَلْتَبْسُطُوا
الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ مُثَابِينَ مَأْجُورِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد ابْنُ تيمية : الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الْمُسَمَّوْنَ
بالنصيرية هُمْ وَسَائِرُ أَصْنَافِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ
أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؛ بَلْ وَأَكْفَرُ مِنْ كَثِيرٍ
مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ
مِثْلَ كُفَّارِ التَّتَارِ والفرنج وَغَيْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ
يَتَظَاهَرُونَ عِنْدَ جُهَّالِ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّشَيُّعِ
وَمُوَالَاةِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يُؤْمِنُونَ
بِاَللَّهِ وَلَا بِرَسُولِهِ وَلَا بِكِتَابِهِ وَلَا بِأَمْرِ وَلَا
نَهْيٍ وَلَا ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَلَا جَنَّةٍ وَلَا نَارٍ وَلَا
بِأَحَدِ مِنْ الْمُرْسَلِينَ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَلَا بِمِلَّةِ مِنْ الْمِلَلِ السَّالِفَةِ بَلْ يَأْخُذُونَ
كَلَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى أُمُورٍ يَفْتَرُونَهَا ؛ يَدَّعُونَ أَنَّهَا
عِلْمُ الْبَاطِنِ ؛ مِنْ جِنْسِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَمِنْ غَيْرِ
هَذَا الْجِنْسِ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حَدٌّ مَحْدُودٌ فِيمَا
يَدَّعُونَهُ مِنْ الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَآيَاتِهِ
وَتَحْرِيفِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ ؛ إذْ
مَقْصُودُهُمْ إنْكَارُ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ بِكُلِّ
طَرِيقٍ مَعَ التَّظَاهُرِ بِأَنَّ لِهَذِهِ الْأُمُورِ حَقَائِقُ
يَعْرِفُونَهَا مِنْ جِنْسِ مَا ذَكَرَ السَّائِلُ وَمِنْ جِنْسِ
قَوْلِهِمْ : إنَّ " الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ " مَعْرِفَةُ أَسْرَارِهِمْ و "
الصِّيَامَ الْمَفْرُوضَ " كِتْمَانُ أَسْرَارِهِمْ " وَحَجَّ الْبَيْتِ
الْعَتِيقِ " زِيَارَةُ شُيُوخِهِمْ وَأَنَّ ( يَدَا أَبِي لَهَبٍ هُمَا
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَّ ( النَّبَأَ الْعَظِيمَ وَالْإِمَامَ
الْمُبِينَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؛ وَلَهُمْ فِي مُعَادَاةِ
الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَقَائِعُ مَشْهُورَةٌ وَكُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ
فَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ مُكْنَةٌ سَفَكُوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ؛ كَمَا
قَتَلُوا مَرَّةً الْحُجَّاجَ وَأَلْقَوْهُمْ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ
وَأَخَذُوا مَرَّةً الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَبَقِيَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً
وَقَتَلُوا مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَشَايِخِهِمْ مَا لَا يُحْصِي
عَدَدَهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَصَنَّفُوا كُتُبًا كَثِيرَةً مِمَّا
ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَغَيْرُهُ وَصَنَّفَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ
كُتُبًا فِي كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ ؛ وَبَيَّنُوا
فِيهَا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالزَّنْدَقَةِ وَالْإِلْحَادِ
الَّذِي هُمْ بِهِ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمِنْ براهمة
الْهِنْدِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ . وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ
فِي وَصْفِهِمْ قَلِيلٌ مِنْ الْكَثِيرِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعُلَمَاءُ
فِي وَصْفِهِمْ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ عِنْدَنَا أَنَّ السَّوَاحِلَ
الشَّامِيَّةَ إنَّمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا النَّصَارَى مِنْ جِهَتِهِمْ
وَهُمْ دَائِمًا مَعَ كُلِّ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ ؛ فَهُمْ مَعَ
النَّصَارَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ
عِنْدَهُمْ فَتْحُ الْمُسْلِمِينَ لِلسَّوَاحِلِ وَانْقِهَارُ النَّصَارَى ؛
بَلْ وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عِنْدَهُمْ انْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ
عَلَى التَّتَارِ . وَمِنْ أَعْظَمِ أَعْيَادِهِمْ إذَا اسْتَوْلَى - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - النَّصَارَى
عَلَى ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ مَا زَالَتْ
بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى جَزِيرَةِ قُبْرُصَ يَسَّرَ اللَّهُ
فَتْحَهَا عَنْ قَرِيبٍ وَفَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي خِلَافَةِ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ " عُثْمَانَ بْنِ عفان " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَحَهَا "
مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ " إلَى أَثْنَاءِ الْمِائَةِ
الرَّابِعَةِ . فَهَؤُلَاءِ الْمُحَادُّونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ كَثُرُوا
حِينَئِذٍ بِالسَّوَاحِلِ وَغَيْرِهَا فَاسْتَوْلَى النَّصَارَى عَلَى
السَّاحِلِ ؛ ثُمَّ بِسَبَبِهِمْ اسْتَوْلَوْا عَلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ
وَغَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ أَحْوَالَهُمْ كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ
فِي ذَلِكَ ؛ ثُمَّ لَمَّا أَقَامَ اللَّهُ مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ
الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى " كَنُورِ الدِّينِ
الشَّهِيدِ وَصَلَاحِ الدِّينِ " وَأَتْبَاعِهِمَا وَفَتَحُوا السَّوَاحِلَ
مِنْ النَّصَارَى وَمِمَّنْ كَانَ بِهَا مِنْهُمْ وَفَتَحُوا
أَيْضًا أَرْضَ مِصْرَ ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهَا
نَحْوَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَاتَّفَقُوا هُمْ وَالنَّصَارَى فَجَاهَدَهُمْ
الْمُسْلِمُونَ حَتَّى فَتَحُوا الْبِلَادَ وَمِنْ ذَلِكَ التَّارِيخِ
انْتَشَرَتْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ
وَالشَّامِيَّةِ . ثُمَّ إنَّ التَّتَارَ مَا دَخَلُوا بِلَادَ
الْإِسْلَامِ وَقَتَلُوا خَلِيفَةَ بَغْدَادَ وَغَيْرَهُ مِنْ مُلُوكِ
الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِمُعَاوَنَتِهِمْ وَمُؤَازَرَتِهِمْ ؛ فَإِنَّ
مُنَجِّمَ هُولَاكُو الَّذِي كَانَ وَزِيرَهُمْ وَهُوَ " النَّصِيرُ الطوسي
" كَانَ وَزِيرًا لَهُمْ بالألموت وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِقَتْلِ
الْخَلِيفَةِ وَبِوِلَايَةِ هَؤُلَاءِ . وَلَهُمْ " أَلْقَابٌ "
مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ تَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْمَلَاحِدَةَ "
وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الْقَرَامِطَةَ " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ "
الْبَاطِنِيَّةَ " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الإسماعيلية " و تَارَةً
يُسَمَّوْنَ " النصيرية " وَتَارَةً يُسَمَّوْنَ " الخرمية " وَتَارَةً
يُسَمَّوْنَ " الْمُحَمِّرَةَ " وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ مِنْهَا مَا
يَعُمُّهُمْ وَمِنْهَا مَا يَخُصُّ بَعْضَ أَصْنَافِهِمْ كَمَا أَنَّ
الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ وَلِبَعْضِهِمْ اسْمٌ
يَخُصُّهُ : إمَّا لِنَسَبِ وَإِمَّا لِمَذْهَبِ وَإِمَّا لِبَلَدٍ
وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ . وَشَرْحُ مَقَاصِدِهِمْ يَطُولُ وَهُمْ كَمَا
قَالَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ : ظَاهِرُ مَذْهَبِهِمْ الرَّفْضُ وَبَاطِنُهُ
الْكُفْرُ الْمَحْضُ . وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
بِنَبِيِّ مِنْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ؛ لَا بِنُوحِ وَلَا
إبْرَاهِيمَ وَلَا مُوسَى وَلَا عِيسَى وَلَا مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَلَا بِشَيْءِ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ
الْمُنَزَّلَةِ ؛ لَا التَّوْرَاةِ وَلَا الْإِنْجِيلِ وَلَا الْقُرْآنِ .
وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ خَالِقًا خَلَقَهُ ؛ وَلَا بِأَنَّ
لَهُ دِينًا أَمَرَ بِهِ وَلَا أَنَّ لَهُ دَارًا يَجْزِي النَّاسَ فِيهَا
عَلَى أَعْمَالِهِمْ غَيْرَ هَذِهِ الدَّارِ . وَهُمْ تَارَةً يَبْنُونَ
قَوْلَهُمْ عَلَى مَذَاهِبِ الْفَلَاسِفَةِ الطَّبِيعِيِّينَ أَوْ الإلهيين
وَتَارَةً يَبْنُونَهُ عَلَى قَوْلِ الْمَجُوسِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ
النُّورَ وَيَضُمُّونَ إلَى ذَلِكَ الرَّفْضَ . وَيَحْتَجُّونَ لِذَلِكَ
مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّاتِ : إمَّا بِقَوْلِ مَكْذُوبٍ يَنْقُلُونَهُ
كَمَا يَنْقُلُونَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ : { أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلُ } وَالْحَدِيثُ
مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ؛ وَلَفْظُهُ " {
إنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْعَقْلَ فَقَالَ لَهُ : أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ .
فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ } فَيُحَرِّفُونَ لَفْظَهُ
فَيَقُولُونَ " { أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلُ } لِيُوَافِقُوا
قَوْلَ الْمُتَفَلْسِفَةِ أَتْبَاعِ أَرِسْطُو فِي أَنَّ أَوَّلَ
الصَّادِرَاتِ عَنْ وَاجِبِ الْوُجُودِ هُوَ الْعَقْلُ . وَإِمَّا بِلَفْظِ
ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَيُحَرِّفُونَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ كَمَا يَصْنَعُ أَصْحَابُ " رَسَائِلِ
إخْوَانِ الصَّفَا " وَنَحْوُهُمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ . وَقَدْ
دَخَلَ كَثِيرٌ مِنْ بَاطِلِهِمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
وَرَاجَ عَلَيْهِمْ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ طَوَائِفَ مِنْ
الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ وَالدِّينِ ؛ وَإِنْ كَانُوا لَا
يُوَافِقُونَهُمْ عَلَى أَصْلِ كُفْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ فِي
إظْهَارِ دَعْوَتِهِمْ الْمَلْعُونَةِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا " الدَّعْوَةَ
الْهَادِيَةَ " دَرَجَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَيُسَمُّونَ النِّهَايَةَ "
الْبَلَاغَ الْأَكْبَرَ وَالنَّامُوسَ الْأَعْظَمَ " وَمَضْمُونُ
الْبَلَاغِ الْأَكْبَرِ جَحْدُ الْخَالِقِ تَعَالَى ؛ وَالِاسْتِهْزَاءُ
بِهِ وَبِمَنْ يُقِرُّ بِهِ حَتَّى قَدْ يَكْتُبُ أَحَدُهُمْ اسْمَ اللَّهِ
فِي أَسْفَلِ رِجْلِهِ وَفِيهِ أَيْضًا جَحْدُ شَرَائِعِهِ وَدِينِهِ
وَمَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَدَعْوَى أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ
جِنْسِهِمْ طَالِبِينَ لِلرِّئَاسَةِ فَمِنْهُمْ مِنْ أَحْسَنَ فِي
طَلَبِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ أَسَاءَ فِي طَلَبِهَا حَتَّى قُتِلَ
وَيَجْعَلُونَ مُحَمَّدًا وَمُوسَى مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ
وَيَجْعَلُونَ الْمَسِيحَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي . وَفِيهِ مِنْ
الِاسْتِهْزَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَمِنْ
تَحْلِيلِ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَسَائِرِ الْفَوَاحِشِ : مَا
يَطُولُ وَصْفُهُ . وَلَهُمْ إشَارَاتٌ وَمُخَاطَبَاتٌ يَعْرِفُ بِهَا
بَعْضُهُمْ بَعْضًا . وَهُمْ إذَا كَانُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ
الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ فَقَدْ يَخْفَوْنَ عَلَى مَنْ
لَا يَعْرِفُهُمْ وَأَمَّا إذَا كَثُرُوا فَإِنَّهُ يَعْرِفُهُمْ عَامَّةُ
النَّاسِ فَضْلًا عَنْ خَاصَّتِهِمْ .
وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ ؛ وَلَا
يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ مَوْلَاتِهِ مِنْهُمْ وَلَا يَتَزَوَّجَ
مِنْهُمْ امْرَأَةً وَلَا تُبَاحُ ذَبَائِحُهُمْ . وَأَمَّا " الْجُبْنُ
الْمَعْمُولُ بِإِنْفَحَتِهِمْ " فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
لِلْعُلَمَاءِ كَسَائِرِ إنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ وَكَإِنْفَحَةِ ذَبِيحَةِ
الْمَجُوسِ ؛ وَذَبِيحَةِ الفرنج الَّذِينَ يُقَالُ عَنْهُمْ إنَّهُمْ لَا
يُذَكُّونَ الذَّبَائِحَ . فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي
إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَحِلُّ هَذَا الْجُبْنُ ؛ لِأَنَّ
إنْفَحَةَ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّ
الْإِنْفَحَةَ لَا تَمُوتُ بِمَوْتِ الْبَهِيمَةِ وَمُلَاقَاةُ الْوِعَاءِ
النَّجِسِ فِي الْبَاطِنِ لَا يُنَجِّسُ . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ هَذَا
الْجُبْنَ نَجِسٌ لِأَنَّ الْإِنْفَحَةَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ نَجِسَةٌ ؛
لِأَنَّ لَبَنَ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتَهَا عِنْدَهُمْ نَجِسٌ . وَمَنْ
لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ فَذَبِيحَتُهُ كَالْمَيْتَةِ . وَكُلٌّ مِنْ
أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ يَحْتَجُّ بِآثَارِ يَنْقُلُهَا عَنْ الصَّحَابَةِ
فَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَقَلُوا أَنَّهُمْ أَكَلُوا جُبْنَ
الْمَجُوسِ . وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الثَّانِي نَقَلُوا أَنَّهُمْ أَكَلُوا
مَا كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْ جُبْنِ النَّصَارَى . فَهَذِهِ
مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ ؛ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ يُفْتِي
بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ .
وَأَمَّا " أَوَانِيهمْ وَمَلَابِسُهُمْ "
فَكَأَوَانِي الْمَجُوسِ وَمَلَابِسِ الْمَجُوسِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ
مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ . وَالصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَوَانِيَهُمْ لَا
تُسْتَعْمَلُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهَا ؛ فَإِنَّ ذَبَائِحَهُمْ مَيْتَةٌ
فَلَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَ أَوَانِيَهُمْ الْمُسْتَعْمَلَةَ مَا
يَطْبُخُونَهُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ فَتَنْجُسُ بِذَلِكَ فَأَمَّا الْآنِيَةُ
الَّتِي لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُصُولُ النَّجَاسَةِ إلَيْهَا
فَتُسْتَعْمَلُ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ كَآنِيَةِ اللَّبَنِ الَّتِي لَا
يَضَعُونَ فِيهَا طَبِيخَهُمْ أَوْ يَغْسِلُونَهَا قَبْلَ وَضْعِ اللَّبَنِ
فِيهَا وَقَدْ تَوَضَّأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مِنْ جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ . فَمَا شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِ لَمْ يُحْكَمْ
بِنَجَاسَتِهِ بِالشَّكِّ . وَلَا يَجُوزُ دَفْنُهُمْ فِي مَقَابِرِ
الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ؛ فَإِنَّ
اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَهَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ : كَعَبْدِ اللَّهِ ابْن
أبي وَنَحْوِهِ ؛ وَكَانُوا يَتَظَاهَرُونَ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ
وَالصِّيَامِ وَالْجِهَادِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ؛ وَلَا يُظْهِرُونَ
مَقَالَةً تُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ ؛ لَكِنْ يُسِرُّونَ ذَلِكَ
فَقَالَ اللَّهُ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا
وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } فَكَيْفَ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ مَعَ
الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ يُظْهِرُونَ الْكُفْرَ وَالْإِلْحَادَ .
وَأَمَّا
اسْتِخْدَامُ مِثْلِ هَؤُلَاءِ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ
حُصُونِهِمْ أَوْ جُنْدِهِمْ فَإِنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَهُوَ
بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَسْتَخْدِمُ الذِّئَابَ لِرَعْيِ الْغَنَمِ ؛
فَإِنَّهُمْ مِنْ أَغَشِّ النَّاسِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِوُلَاةِ
أُمُورِهِمْ وَهُمْ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى فَسَادِ الْمَمْلَكَةِ
وَالدَّوْلَةِ وَهُمْ شَرٌّ مِنْ الْمُخَامِرِ الَّذِي يَكُونُ فِي
الْعَسْكَرِ ؛ فَإِنَّ الْمُخَامِرَ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ : إمَّا مَعَ
أَمِيرِ الْعَسْكَرِ وَإِمَّا مَعَ الْعَدُوِّ . وَهَؤُلَاءِ مَعَ
الْمِلَّةِ وَنَبِيِّهَا وَدِينِهَا وَمُلُوكِهَا ؛ وَعُلَمَائِهَا
وَعَامَّتِهَا وَخَاصَّتِهَا وَهُمْ أَحْرَصُ النَّاسِ عَلَى تَسْلِيمِ
الْحُصُونِ إلَى عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى إفْسَادِ الْجُنْدِ عَلَى
وَلِيِّ الْأَمْرِ وَإِخْرَاجِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ . وَالْوَاجِبُ عَلَى
وُلَاةِ الْأُمُورِ قَطْعُهُمْ مِنْ دَوَاوِينِ الْمُقَاتِلَةِ فَلَا
يُتْرَكُونَ فِي ثَغْرٍ وَلَا فِي غَيْرِ ثَغْرٍ ؛ فَإِنَّ ضَرَرَهُمْ فِي
الثَّغْرِ أَشَدُّ وَأَنْ يَسْتَخْدِمَ بَدَلَهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى
اسْتِخْدَامِهِ مِنْ الرِّجَالِ الْمَأْمُونِينَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ
وَعَلَى النُّصْحِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ
وَعَامَّتِهِمْ ؛ بَلْ إذَا كَانَ وَلِيُّ الْأَمْرِ لَا يَسْتَخْدِمُ مَنْ
يَغُشُّهُ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَكَيْفَ بِمَنْ يَغُشُّ الْمُسْلِمِينَ
كُلَّهُمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ هَذَا الْوَاجِبِ مَعَ
الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَلْ أَيُّ وَقْتٍ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِبْدَالِ
بِهِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ . وَأَمَّا إذَا اُسْتُخْدِمُوا وَعَمِلُوا
الْعَمَلَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِمْ فَلَهُمْ إمَّا الْمُسَمَّى وَإِمَّا
أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُمْ عوقدوا عَلَى ذَلِكَ . فَإِنْ كَانَ
الْعَقْدُ صَحِيحًا وَجَبَ الْمُسَمَّى وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَجَبَتْ
أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتِخْدَامُهُمْ مِنْ جِنْسِ
الْإِجَارَةِ اللَّازِمَةِ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْجَعَالَةِ الْجَائِزَةِ ؛
لَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُمْ فَالْعَقْدُ عَقْدٌ
فَاسِدٌ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ إلَّا قِيمَةَ عَمَلِهِمْ . فَإِنْ لَمْ
يَكُونُوا عَمِلُوا عَمَلًا لَهُ قِيمَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ ؛ لَكِنْ
دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ مُبَاحَةٌ .
وَإِذَا أَظْهَرُوا
التَّوْبَةَ فَفِي قَبُولِهَا مِنْهُمْ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ؛
فَمَنْ قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ إذَا الْتَزَمُوا شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ
أَقَرَّ أَمْوَالَهُمْ عَلَيْهِمْ .
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وفي فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 3 / ص 238)
النصيرية
المجيب د.حمود بن غزاي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 27/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما هي طرق الشيعة الاثني عشرية والنصيرية والإسماعيلية في الذبح؟ وهل تباح ذبائحهم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تنسب طائفة النصيرية إلى: (محمد بن نصير البصري) من موالي بني نمير، وهو فارسي الأصل من خوزستان، وتعتبره هذه الفرقة، - التي ظهرت في القرن الثالث الهجري- إحدى
الفرق الباطنية التي ترى أن فرائض الإسلام لها ظاهر وباطن يخالف ذلك
الظاهر، ويفضّل النصيريون تسميتهم بـ (العلويين) نسبة إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- وهو
مسمّى أطلقه عليهم المستعمر الفرنسي إبّان احتلال سوريا سنة 1920م تمويهاً
على المسلمين في حقيقة هذه الطائفة التي حكم عليها علماء الإسلام بعد
ظهورها بالكفر، والحكم على هذه الطائفة بالإسلام أو الكفر يقوم على أصلين
اثنين:
الأول: معرفة معتقدات هذه الطائفة ومقالاتها من خلال تراثها الفكري.
الثاني: عرض هذه المعتقدات على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- إذ هما الحكم الفصل لكل مسلم ومسلمة في كل كبيرة وصغيرة، "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".
أما
الأول: فمع أن النصيريين يعدّون ديانتهم ومذهبهم سراً من الأسرار العميقة
كما ورد في كتابهم: (الهفت الشريف): (يا مفضل: لقد أعطيت فضلاً كثيراً،
وتعلمت علماً باطناً فعليك بكتمان سر الله ولا تطلع عليه إلا ولياً
مخلصاً)، وقصة سليمان الأذني وهو من أبناء مشايخ النصيريين لما ألَّف كتابه
"الباكورة السليمانية"، وكشف فيه الكثير من أسرار العقائد النصيرية
فأحرقوه حياً، وقصته مشهورة، أقول ومع ذلك الحرص تسربت بعض العقائد
النصيرية إلى الضوء، فاطلع عليها الدارسون والباحثون وقالوا كلمتهم في
الطائفة ومعتقداتها.. فمن معتقدات النصيرية (الحلول والاتحاد)، فيرون أن
الألوهية حلت في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-!
بل الإله في المذهب النصيري حل في البشرية منذ بدء الخليقة، ففي كتاب:
(تعاليم الديانة النصرانية)، وهو مخطوط في المكتبة الأهلية بباريس تحت
رقم(6182) جاء فيه أن هناك سبعة أدوار للظهورات الإلهية اتخذت في كل دور
وظهور رسولاً ناطقاً، فالظهور الأول كان في (شيث) وكان (آدم) هو الرسول
الناطق، ثم انتقلت الألوهية إلى (سام)، والنبوة إلى (نوح) وبعدها انتقلت
إلى (إسماعيل)، والنبوة إلى (إبراهيم)، ثم انتقلت الألوهية إلى (هارون)
والنبوة إلى (موسى)، ثم انتقلت الألوهية إلى (شمعون الصفا) المعروف عند
النصارى بـ (بطرس)، والنبوة إلى (عيسى)، وظهرت للمرة الأخيرة في (علي بن
أبي طالب -رضي الله عنه-) والنبوة في (محمد - صلى الله عليه وسلم-)، وقد ذكر هذه العقيدة الإسماعيلي مصطفى غالب في مقدمته لكتاب (الهفت) للجعفي.
وبناءً على ذلك يكون علي إلهًا في الباطن وإماماً في الظاهر، وهذا ما ورد في كتاب (المجموع) صراحة السورة(8-9-10)،
(يا علي بن أبي طالب أنت إلهنا باطناً وإماماً ظاهراً)، و (أشهد بأن
الصورة المرئية التي ظهرت في البشرية هي الغاية الكلية، وهي الظاهرة
بالنورانية، وليس إله سواها، وهي علي بن أبي طالب).
ومن معتقدات النصيرية القول بالتناسخ كما في كتابهم (الهفت ص21-22
وص 121 وص 146 وص 162 وص 190)، وبناء على قراءة هذه النصوص من كتابهم
الشهير أو كتاب (الباكورة السليمانية) لسليمان أفندي الأذني الذي كان من
شيوخهم ثم تنصر، أقول بناء على ذلك يظهر أن القول بالتناسخ من الدعائم
الرئيسية والأركان الهامة في المذهب النصيري، وهو عندهم بديل البعث
والقيامة والحساب والجزاء، والثواب والعقاب ليس في الجنة أو النار في
الآخرة، وإنما هو في هذه الدنيا حسب التراكيب والتقمصات الناسوتية
والمسخوية التي تصيب الروح.
وإذا تجاوزنا العقائد إلى العبادات، فالعبادات عندهم لها معنى آخر غير المعنى الظاهر الذي أراده الله -تعالى- منها:
جاء في كتابهم (الهفت ص 64): (قلت: يا مولاي: أما كان أهله من أهل الصلاة؟
قال: ويحك أتدري ما معنى قوله تعالى: "وكان يأمر أهله بالصلاة؟" قلت: يعني
أهله المؤمنين من شيعته الذين يخفون إيمانهم وهي الدرجة العالية والمعرفة،
والإقرار والتوحيد، وأنه العلي الأعلى... أي الإمام علي، فأما معنى قوله
تعالى: "وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة": فالصلاة أمير المؤمنين، والزكاة
معرفته، أما إقامة الصلاة: فهي معرفتنا وإقامتنا..) ا.هـ.
هذه بعض معتقدات النصيرية ومقالاتهم، وعندما نعرضها على الوحيين الشريفين، كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- نجدها
تخالف ما جاء في الوحيين جملة وتفصيلاً يعرف ذلك من له إلمام بشريعة
الإسلام؛ ولذا كفّر علماء الملة هذه الطائفة لكفرها بالله، وإشراكها
بعبوديته وإبطالها لشريعته، واستحلالها لما حرمه الله تحريماً جلياً
واضحاً، وتأويلها لأركان الإسلام العظام!. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(هؤلاء القوم الموصوفون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر
من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- أعظم
من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والإفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء
يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا
يؤمنون بالله ولا برسوله، ولا بكتابه، ولا بأمر ولا نهي، ولا ثواب، ولا
عقاب، ولا جنة ولا نار، ولا بأحد من المرسلين قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا
بملة من الملل السابقة، بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء
المسلمين يتأولونه بينهم على أمور يقرونها بينهم ويدعون بأنها علم الباطنية
... إلخ..) رحمه الله في الفتاوى[(35/149)].
وممن حكم بكفرهم ابن القيم في (إغاثة اللهفان، 2/247-249)، وابن حزم في(المحلى، 13/139)، والديلمي في (بيان مذهب الباطنية وبطلانه، ص71)، والغزالي في كتابه(فضائح الباطنية، ص37).
وإني
لأنصح الأخ السائل بالاطلاع على الكتب التي تكلمت عن هذه الطائفة بالتفصيل
مثل كتاب (الإسماعيلية) لإحسان إلهي ظهير، و(أصول الإسماعيلية) للدكتور
سليمان السلومي، و(طائفة النصيرية) للدكتور سليمان الحلبي وغيرهم. والله
أعلم وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
النصيرية
المجيب د.حمود بن غزاي الحربي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة
التاريخ 27/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
ما هي طرق الشيعة الاثني عشرية والنصيرية والإسماعيلية في الذبح؟ وهل تباح ذبائحهم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
تنسب طائفة النصيرية إلى: (محمد بن نصير البصري) من موالي بني نمير، وهو فارسي الأصل من خوزستان، وتعتبره هذه الفرقة، - التي ظهرت في القرن الثالث الهجري- إحدى
الفرق الباطنية التي ترى أن فرائض الإسلام لها ظاهر وباطن يخالف ذلك
الظاهر، ويفضّل النصيريون تسميتهم بـ (العلويين) نسبة إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- وهو
مسمّى أطلقه عليهم المستعمر الفرنسي إبّان احتلال سوريا سنة 1920م تمويهاً
على المسلمين في حقيقة هذه الطائفة التي حكم عليها علماء الإسلام بعد
ظهورها بالكفر، والحكم على هذه الطائفة بالإسلام أو الكفر يقوم على أصلين
اثنين:
الأول: معرفة معتقدات هذه الطائفة ومقالاتها من خلال تراثها الفكري.
الثاني: عرض هذه المعتقدات على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- إذ هما الحكم الفصل لكل مسلم ومسلمة في كل كبيرة وصغيرة، "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين".
أما
الأول: فمع أن النصيريين يعدّون ديانتهم ومذهبهم سراً من الأسرار العميقة
كما ورد في كتابهم: (الهفت الشريف): (يا مفضل: لقد أعطيت فضلاً كثيراً،
وتعلمت علماً باطناً فعليك بكتمان سر الله ولا تطلع عليه إلا ولياً
مخلصاً)، وقصة سليمان الأذني وهو من أبناء مشايخ النصيريين لما ألَّف كتابه
"الباكورة السليمانية"، وكشف فيه الكثير من أسرار العقائد النصيرية
فأحرقوه حياً، وقصته مشهورة، أقول ومع ذلك الحرص تسربت بعض العقائد
النصيرية إلى الضوء، فاطلع عليها الدارسون والباحثون وقالوا كلمتهم في
الطائفة ومعتقداتها.. فمن معتقدات النصيرية (الحلول والاتحاد)، فيرون أن
الألوهية حلت في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-!
بل الإله في المذهب النصيري حل في البشرية منذ بدء الخليقة، ففي كتاب:
(تعاليم الديانة النصرانية)، وهو مخطوط في المكتبة الأهلية بباريس تحت
رقم(6182) جاء فيه أن هناك سبعة أدوار للظهورات الإلهية اتخذت في كل دور
وظهور رسولاً ناطقاً، فالظهور الأول كان في (شيث) وكان (آدم) هو الرسول
الناطق، ثم انتقلت الألوهية إلى (سام)، والنبوة إلى (نوح) وبعدها انتقلت
إلى (إسماعيل)، والنبوة إلى (إبراهيم)، ثم انتقلت الألوهية إلى (هارون)
والنبوة إلى (موسى)، ثم انتقلت الألوهية إلى (شمعون الصفا) المعروف عند
النصارى بـ (بطرس)، والنبوة إلى (عيسى)، وظهرت للمرة الأخيرة في (علي بن
أبي طالب -رضي الله عنه-) والنبوة في (محمد - صلى الله عليه وسلم-)، وقد ذكر هذه العقيدة الإسماعيلي مصطفى غالب في مقدمته لكتاب (الهفت) للجعفي.
وبناءً على ذلك يكون علي إلهًا في الباطن وإماماً في الظاهر، وهذا ما ورد في كتاب (المجموع) صراحة السورة(8-9-10)،
(يا علي بن أبي طالب أنت إلهنا باطناً وإماماً ظاهراً)، و (أشهد بأن
الصورة المرئية التي ظهرت في البشرية هي الغاية الكلية، وهي الظاهرة
بالنورانية، وليس إله سواها، وهي علي بن أبي طالب).
ومن معتقدات النصيرية القول بالتناسخ كما في كتابهم (الهفت ص21-22
وص 121 وص 146 وص 162 وص 190)، وبناء على قراءة هذه النصوص من كتابهم
الشهير أو كتاب (الباكورة السليمانية) لسليمان أفندي الأذني الذي كان من
شيوخهم ثم تنصر، أقول بناء على ذلك يظهر أن القول بالتناسخ من الدعائم
الرئيسية والأركان الهامة في المذهب النصيري، وهو عندهم بديل البعث
والقيامة والحساب والجزاء، والثواب والعقاب ليس في الجنة أو النار في
الآخرة، وإنما هو في هذه الدنيا حسب التراكيب والتقمصات الناسوتية
والمسخوية التي تصيب الروح.
وإذا تجاوزنا العقائد إلى العبادات، فالعبادات عندهم لها معنى آخر غير المعنى الظاهر الذي أراده الله -تعالى- منها:
جاء في كتابهم (الهفت ص 64): (قلت: يا مولاي: أما كان أهله من أهل الصلاة؟
قال: ويحك أتدري ما معنى قوله تعالى: "وكان يأمر أهله بالصلاة؟" قلت: يعني
أهله المؤمنين من شيعته الذين يخفون إيمانهم وهي الدرجة العالية والمعرفة،
والإقرار والتوحيد، وأنه العلي الأعلى... أي الإمام علي، فأما معنى قوله
تعالى: "وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة": فالصلاة أمير المؤمنين، والزكاة
معرفته، أما إقامة الصلاة: فهي معرفتنا وإقامتنا..) ا.هـ.
هذه بعض معتقدات النصيرية ومقالاتهم، وعندما نعرضها على الوحيين الشريفين، كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- نجدها
تخالف ما جاء في الوحيين جملة وتفصيلاً يعرف ذلك من له إلمام بشريعة
الإسلام؛ ولذا كفّر علماء الملة هذه الطائفة لكفرها بالله، وإشراكها
بعبوديته وإبطالها لشريعته، واستحلالها لما حرمه الله تحريماً جلياً
واضحاً، وتأويلها لأركان الإسلام العظام!. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(هؤلاء القوم الموصوفون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر
من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- أعظم
من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والإفرنج وغيرهم، فإن هؤلاء
يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا
يؤمنون بالله ولا برسوله، ولا بكتابه، ولا بأمر ولا نهي، ولا ثواب، ولا
عقاب، ولا جنة ولا نار، ولا بأحد من المرسلين قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا
بملة من الملل السابقة، بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء
المسلمين يتأولونه بينهم على أمور يقرونها بينهم ويدعون بأنها علم الباطنية
... إلخ..) رحمه الله في الفتاوى[(35/149)].
وممن حكم بكفرهم ابن القيم في (إغاثة اللهفان، 2/247-249)، وابن حزم في(المحلى، 13/139)، والديلمي في (بيان مذهب الباطنية وبطلانه، ص71)، والغزالي في كتابه(فضائح الباطنية، ص37).
وإني
لأنصح الأخ السائل بالاطلاع على الكتب التي تكلمت عن هذه الطائفة بالتفصيل
مثل كتاب (الإسماعيلية) لإحسان إلهي ظهير، و(أصول الإسماعيلية) للدكتور
سليمان السلومي، و(طائفة النصيرية) للدكتور سليمان الحلبي وغيرهم. والله
أعلم وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وَنَحْوِهِمْ
فَإِنَّ الْبَارِعَ مِنْهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ يَزُولُ عَنْهُ
عِنْدَهُمْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ kوَتُبَاحُ لَهُ الْمَحْظُورَاتُ
وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبَاتُ فَتَظْهَرُ أَضْغَانُهُمْ وَتَنْكَشِفُ
أَسْرَارُهُمْ وَيَعْرِفُ عُمُومُ النَّاسِ حَقِيقَةَ دِينِهِمْ الْبَاطِنِ
حَتَّى سَمَّوْهُمْ بَاطِنِيَّةً ؛ لِإِبْطَانِهِمْ خِلَافَ مَا
يُظْهِرُونَ .
فَلَوْ كَانَ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ - دِينُ
الرُّسُلِ كَذَلِكَ لَكَانَ خَوَاصُّهُ قَدْ عَرَفُوهُ وَأَظْهَرُوا
بَاطِنَهُ . وَكَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ مِنْ
جِنْسِ دِينِ الْبَاطِنِيَّةِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ
الصَّحَابَةَ الَّذِينَ كَانُوا أَعْلَمَ النَّاسِ بِبَاطِنِ الرَّسُولِ
وَظَاهِرِهِ وَأَخْبَرَ النَّاسِ بِمَقَاصِدِهِ وَمُرَادَاتِهِ كَانُوا
أَعْظَمَ الْأُمَّةِ لُزُومًا لِطَاعَةِ أَمْرِهِ - سِرًّا وَعَلَانِيَةً - وَمُحَافَظَةً عَلَى ذَلِكَ إلَى الْمَوْتِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ إلَيْهِ وَبِهِ أَخَصُّ وَبِبَاطِنِهِ أَعْلَمُ - كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - كَانُوا
أَعْظَمَهُمْ لُزُومًا لِلطَّاعَةِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَمُحَافَظَةً
عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا .
وَقَدْ
أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ مَلَاحِدَةُ الْمُتَصَوِّفَةِ :
الَّذِينَ يَجْعَلُونَ فِعْلَ الْمَأْمُورِ وَتَرْكَ الْمَحْظُورِ
وَاجِبًا عَلَى السَّالِكِ حَتَّى يَصِيرَ عَارِفًا مُحَقِّقًا فِي
زَعْمِهِمْ ؛ وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ وَيَتَأَوَّلُونَ
عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ
الْيَقِينُ} (1)(99)
سورة الحجر، زَاعِمِينَ أَنَّ الْيَقِينَ هُوَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ
الْمَعْرِفَةِ وَالْيَقِينُ هُنَا الْمَوْتُ وَمَا بَعْدَهُ . كَمَا قَالَ
تَعَالَى عَنْ أَهْلِ النَّارِ : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا
لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ
(44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ
بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) [المدثر/42-47] } (2)
__________
(1) - تفسير الرازي - (ج 9 / ص 339)
وقوله : { واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين } قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد الموت وسمي الموت باليقين لأنه أمر متيقن .
فإن قيل : فأي فائدة لهذا التوقيت مع أن كل أحد يعلم أنه إذا مات سقطت عنه العبادات؟
قلنا : المراد منه : { واعبد رَبَّكَ } في زمان حياتك ولا تخل لحظة من لحظات الحياة عن هذه العبادة ، والله أعلم .
وفي الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 2495)
والمراد بالأمر بالعبادة فى قوله تعالى { واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين } المداومة عليها وعدم التقصير فيها .
والمراد باليقين : الموت ، سمى بذلك لأنه أمر متيقن لحوقه بكل مخلوق .
أى : ودم - أيها الرسول الكريم - على عبادة ربك وطاعته ما دمت حيا ، حتى يأتيك الموت الذى لا مفر من مجيئه فى الوقت الذى يريده الله - تعالى -
ومما يدل على أن المراد باليقين هنا الموت قوله - تعالى - حكاية
عن المجرمين : { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ
المسكين وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدين
حتى أَتَانَا اليقين } أى : الموت .
ويدل على ذلك أيضًا
ما رواه البخارى عن أم العلاء " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل
على عثمان بن مظعون وقد مات ، قالت : قلت : رحمة الله عليك أبا السائب ،
فشهادتى عليك لقد أكرمك الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما
يدريك أن الله قد أكرمه . . . أما هو فقد جاءه اليقين - أى الموت - وإنى لأرجو له الخير " " .
قال
الإِمام ابن كثير : ويستدل بهذه الآية الكريمة ، على أن العبادة كالصلاة
ونحوها ، واجبة على الإِنسان ما دام عقله ثابتًا ، فيصلى بحسب حاله ، كما
ثبت فى صحيح البخارى عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" صل قائمًا ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب " .
ويستدل
بها أيضًا على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة ،
فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة ، سقط عنه التكليف عندهم . وهذا كفر وضلال وجهل
. . . .
(2) - درء التعارض - (ج 2 / ص 89)
فمن
تأول قوله تعالى { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } الحجر : 99 على سقوط
العبادة بحصول المعرفة فإنه يستتاب ن فإن تاب وإلا قتل والمراد بالآية :
اعبد ربك حتى تموت كما قال الحسن البصري : لم يجعل الله لعبادة المؤمن أجلا
دون الموت وقرأ الآية واليقين هو ما يعانيه الميت فيوقن به كما قال الله
تعالى عن أهل النار { وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين } المدثر :
46 47 وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم لما مات عثمان بن مظعون قال
أما عثمان فقد جاءه اليقين من ربه
والمقصود هنا أن هؤلاء الملاحدة ومن
شركهم في نوع من إلحادهم لما ظنوا أن كمال النفس في مجرد العلم وظنوا أن
ذلك إذا حصل فلا حاجة إلى العمل ن وظنوا أن ذلك حصل لهم ظنوا سقوط الواجبات
العامة عنهم وحل المحرمات العامة لهم بطلان هذا القول من وجوه والرد عليهم
في ذلك
وضلالهم من وجوه
منها : ظنهم أن الكمال في مجرد العلم
والثاني : ظنهم أن ما حصل لهم علم
والثالث : ظنهم أن ذلك العلم هو الذي يكمل النفس
الوجه الأول
وكل
من هذه المقدمات كاذبة فليس كمال النفس في مجرد العلم ولا في أن تصير
عالما معقولا موازيا للعالم الموجود بل لا بد لها من العمل وهو حب الله
وعبادته فإن النفس لها قوتان : علمية وعملية فلا تصلح إلا بصلاح الأمرين ن
وهو أن تعرف الله وتعبده
والجهمية هم خير من هؤلاء بكثير ومع هذا فلما
قال جهم ومن واقفه : إن الإيمان مجرد المعرفة أنكر ذلك أئمة الإسلام ن حتى
كفر من قال بهذا القول وكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وغيرهما
وهذا القول
: وإن كان قد تابعه عليه الصالحي والأشعري في كثير من واكثر أصحابه فهو من
أفسد الاقوال وابعدها عن الصحة كما قد بيناه في غير هذا الموضع لما بينا
الكلام في مسمى الأيمان وقبوله للزيادة والنقصان وما للناس في ذلك من
النزاع الوجه الثاني
وأما المقدمة الثانية : فلو كان كمال النفس في مجرد
العلم فليس هو أي علم كان بأي معلوم كان بل هو الذي لا بد منه : العلم
بالله وهؤلاء ظنوا أنه العلم بالوجود بما هوموجود وظنوا أن العالم أبدي
ازلي فإذا حصل له العلم بالوجود الازلي الأبدي كملت نفسه
وعلى هذا بنى
أبو يعقوب السجستاني وغيره من شيوخ الفلسفة والباطنية أقوالهم وكذلك
أمثالهم من الفلاسفة كالفارابي وغيره وابن سينا وإن كان أقرب إلى الإسلام
منهم ففيه من الإلحاد بحسبه وأبو حامد وإن سلك أحيانا مسلكهم لكنه لا يجعل
العلم بمجرد الوجود موجبا للسعادة بل يجعل ذلك في العلم بالله وقد يقول في
بعض كتبه : إنه العلم بالأمور الباقية وهذا كلامهم
فمن قال : إن العالم
أزلي أبدي قال بقولهم ومن قال : إن كل ما سوى الله كان معدوما ثم وجد لم
يلزمه ذلك وابن عربي وابن سبعين ونحوهما جمعوا بين المسلكين فصاروا يجعلون
كمال النفس هو العلم بالوجود المطلق إن الله هو الوجود المطلق فأخذوا من
طريقة الصوفية : أنه العلم بالله واخذوا من كلام هؤلاء : أنه العلم بالوجود
المطلق وجمعوا بينهما فقالوا : إن الله هو الوجود المطلق الوجه الثالث
وأما
المقدمة الثالثة : فزعمهم أنهم حصل لهم العلم بالوجود وهذا باطل فغن
كلامهم في الإلهيات مع قلته فالضلال أغلب عليه من الهدى ن والجهل أكثر فيه
من العلم وهي العلوم التي تبقى معلوماتها وتكمل النفوس بها عندهم
وهذه
الأمور مبسوطة في غيرهذا الموضع ولكن نبهنا عليه هنا لأن مثل هذا الآمدي
وأمثاله الذين عضموا طريقهم وصدروا كتبهم التي صنفوها في أصول دين الإسلام
بزعمهم بما هو أصل هؤلاء الجهال : من أن كمال النفس الإنسانية بحصول ما لها
من الكمالات وهي الإحاطة بالمعقولات والعلم بالمجهولات وسلكوا طرقهم وقعوا
في الجهل والحيرة والشك بما لا تحصل النجاة إلا به ولا تنال السعادة إلا
بمعرفته فضلا عن نيل الكمال الذي هو فوق ذلك فإن النبي صلى الله عليه و سلم
قال : [ كمل من الرجال كثير ] فالكاملون من الرجال كثير ولكن الذين سلكوا
طريق هؤلاء من أبعد الناس عن الكمال تقرير الآمدي لطريقة المتأخرين في
إثبات واجب الوجود
. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : إنَّ
اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ
وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (1).
وَمِنْهُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ عُثْمَانُ
بْنُ مَظْعُونٍ : أَمَّا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَقَدْ أَتَاهُ
الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ }(2) .
وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَشْهَدُونَ الْقَدَرَ
أَوَّلًا وَهِيَ الْحَقِيقَةُ الْكَوْنِيَّةُ وَيَظُنُّونَ أَنَّ غَايَةَ
الْعَارِفِ أَنْ يَشْهَدَ الْقَدَرَ وَيَفْنَى عَنْ هَذَا الشُّهُودِ
،وَذَلِكَ الْمَشْهَدُ لَا تَمْيِيزَ فِيهِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ
وَالْمَحْظُورِ وَمَحْبُوبَاتِ اللَّهِ وَمَكْرُوهَاتِهِ وَأَوْلِيَائِهِ
وَأَعْدَائِهِ .
وَقَدْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ : الْعَارِفُ شَهِدَ أَوَّلًا الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ ثُمَّ شَهِدَ طَاعَةً بِلَا مَعْصِيَةٍ - يُرِيدُ بِذَلِكَ طَاعَةَ الْقَدَرِ - كَقَوْلِ
بَعْضِ شُيُوخِهِمْ : أَنَا كَافِرٌ بِرَبِّ يُعْصَى وَقِيلَ لَهُ عَنْ
بَعْضِ الظَّالِمِينَ : هَذَا مَالُهُ حَرَامٌ فَقَالَ : إنْ كَانَ عَصَى
الْأَمْرَ فَقَدْ أَطَاعَ الْإِرَادَةَ . ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ " إلَى
الْمَشْهَدِ الثَّالِثِ " لَا طَاعَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ وَهُوَ مَشْهَدُ
أَهْلِ الْوَحْدَةِ الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ(3)
اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ
وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (1).
وَمِنْهُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُفِّيَ عُثْمَانُ
بْنُ مَظْعُونٍ : أَمَّا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَقَدْ أَتَاهُ
الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ }(2) .
وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَشْهَدُونَ الْقَدَرَ
أَوَّلًا وَهِيَ الْحَقِيقَةُ الْكَوْنِيَّةُ وَيَظُنُّونَ أَنَّ غَايَةَ
الْعَارِفِ أَنْ يَشْهَدَ الْقَدَرَ وَيَفْنَى عَنْ هَذَا الشُّهُودِ
،وَذَلِكَ الْمَشْهَدُ لَا تَمْيِيزَ فِيهِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ
وَالْمَحْظُورِ وَمَحْبُوبَاتِ اللَّهِ وَمَكْرُوهَاتِهِ وَأَوْلِيَائِهِ
وَأَعْدَائِهِ .
وَقَدْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ : الْعَارِفُ شَهِدَ أَوَّلًا الطَّاعَةَ وَالْمَعْصِيَةَ ثُمَّ شَهِدَ طَاعَةً بِلَا مَعْصِيَةٍ - يُرِيدُ بِذَلِكَ طَاعَةَ الْقَدَرِ - كَقَوْلِ
بَعْضِ شُيُوخِهِمْ : أَنَا كَافِرٌ بِرَبِّ يُعْصَى وَقِيلَ لَهُ عَنْ
بَعْضِ الظَّالِمِينَ : هَذَا مَالُهُ حَرَامٌ فَقَالَ : إنْ كَانَ عَصَى
الْأَمْرَ فَقَدْ أَطَاعَ الْإِرَادَةَ . ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ " إلَى
الْمَشْهَدِ الثَّالِثِ " لَا طَاعَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ وَهُوَ مَشْهَدُ
أَهْلِ الْوَحْدَةِ الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ(3)
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
(1) - مُعْجَمُ ابْنِ الْمُقْرِئِ برقم(720 ) والزهد لابن المبارك برقم(20 )
عَنْ
جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ : " يَا قَوْمُ
الْمُدَاوَمَةَ ، الْمُدَاوَمَةَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ
لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ وهو صحيح
(2) - وفي
جامع معمر برقم(1035 ) عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : كَانَتْ
أُمُّ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيَّةُ تَقُولُ : لَمَّا قَدِمَ
الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ ، اقْتَرَعَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى
سُكْنَتِهِمْ ، قَالَتْ : فَصَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي
السُّكْنَى ، فَمَرِضَ ، فَمَرَّضْنَاهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ ، فَجَاءَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ
فَقُلْتُ : رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ ، فَشَهَادَتِي
أَنْ قَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ ؟ " ،
فَقَالَتْ : لَا أَدْرِي وَاللَّهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا هُوَ فَقَدْ أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ
رَبِّهِ ، وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي ،
وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ ، مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ " ، قَالَتْ :
فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا ، قَالَتْ : ثُمَّ
رَأَيْتُ بَعْدُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي ،
فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
: " ذَلِكَ عَمَلُهُ " * وهو صحيح
(3) - جامع الرسائل - (ج 1 / ص 231)
حقيقة مذهب الاتحاديين أو وحدة الوجود وبيان بطلانه بالبراهين النقلية والعقلية
اعلم - هداك الله وأرشدك - أن
تصور مذهب هؤلاء كاف في بيان فساده ولا يحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر،
وإنما تقع الشبهة لأن أكثر الناس لا يفهمون حقيقة قولهم وقصدهم، لما فيه
من الألفاظ المجملة والمشتركة، بل وهم أيضاً لا يفهمون حقيقة ما يقصدونه
ويقولونه، ولهذا يتناقضون كثيراً في قولهم، وإنما يتخيلون شيئاً ويقولونه
أو يتبعونه، ولهذا قد افترقوا بينهم على فرق، ولا يهتدون إلى التمييز بين
فرقهم، مع استشعارهم أنهم مفترقون، ولهذا لما بينت لطوائف من أتباعهم
ورؤسائهم حقيقة قولهم، وسر مذهبهم، صاروا يعظمون ذلك، ولولا ما أقرنه بذلك
من الذم والرد لجعلوني من أئمتهم، وبذلوا لي من طاعة نفوسهم وأموالهم ما
يجل عن الوصف، كما تبذله النصارى لرؤسائهم، والإسماعيلية لكبرائهم، وكما
بذل آل فرعون لفرعون.
وكل من يقبل قول هؤلاء فهو أحد رجلين
إما جاهل بحقيقة أمرهم، وإما ظالم يريد علواً في الأرض وفساداً، أو جامع
بين الوصفين. وهذه حال أتباع فرعون الذين قال الله فيهم " فاستخف قومه
فأطاعوه " وحال القرامطة مع رؤسائهم، وحال الكفار والمنافقين في أئمتهم
الذين يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون " إن الله لعن الكافرين وأعد
لهم سعيرا " إلى آخر الآية وقوله " وألعنهم لعناً كبيرا " وقال تعالى "
ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً - إلى قوله - وما هم بخارجين من النار " .
فصل
اعلم
أن حقيقة قول هؤلاء أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها
غيره ولا شيء سواه البتة، ولهذا من سماهم حلولية أو قال هم قائلون بالحلول
رأوه محجوباً عن معرفة قولهم خارجاً عن الدخول إلى باطن أمرهم، لأن من قال
أن الله يحل في المخلوقات فقد قال بأن المحل غير الحال، وهذا تثنية عندهم
وإثبات لموجودين (أحدهما) وجود الحق الحال (والثاني) وجود المخلوق المحل
وهم لا يقرون بإثبات وجودين البتة. ولا ريب أن هذا القول أقل كفراً من
قولهم، وهو قول كثير من الجهمية الذين كان السلف يردون قولهم، وهم الذين
يزعمون أن الله بذاته في كل مكان. وقد ذكره جماعات من الأئمة والسلف عن
الجهمية وكفروهم به، بل جعلهم خلق من الأئمة - كابن المبارك ويوسف ابن اسباط وطائفة من أهل العلم والحديث من أصحاب أحمد وغيره - خارجين
بذلك عن الثنتين والسبعين فرقة. وهو قول بعض متكلمة الجهمية وكثير من
متعبديهم. ولا ريب إن إلحاد هؤلاء المتأخرين وتجهمهم وزندقتهم تفريع وتكميل
لإلحاد هذه الجهمية الأولى وتجهمها وزندقتها.
وأما وجه تسميتهم
اتحادية ففيه طريقان (أحدهما) لا يرضونه لأن الاتحاد على وزن الاقتران
والاقتران يقتضي شيئين اتحد أحدهما بالآخر وهم لا يقرون بوجودين أبداً
(والطريق الثاني) صحة ذلك بناء على أن الكثرة صارت وحدة كما سأبينه من
اضطرابهم.
وهذه الطريقة إما على مذهب ابن عربي فإنه يجعل الوجود غير
الثبوت ويقول أن وجود الحق قاض على ثبوت الممكنات، فيصح الاتحاد بين الوجود
والثبوت وأما على قول من لا يفرق فيقول أن الكثرة الخيالية صارت وحدة بعد
الكشف أو الكثرة العينية صارت وحدة إطلاقية.
فصل
ولما كان أصلهم الذي
بنوا عليه أن وجود المخلوقات والمصنوعات حتى وجود الجن والشياطين
والكافرين والفاسقين والكلاب والخنازير والنجاسات والكفر والفسوق والعصيان
عين وجود الرب، لا أنه متميز عنه منفصل عن ذاته، وإن كان مخلوقاً له
مربوباً مصنوعاً له قائماً به، وهم يشهدون أن في الكائنات تفرقاً وكثرة
ظاهرة بالحس والعقل، فاحتاجوا إلى جمع يزيل الكثرة، ووحدة ترفع التفرق مع
ثبوتها، فاضطربوا على ثلاث مقالات، أنا أبينها لك وإن كانوا هم لا يبين
بعضهم مقالة نفسه ومقالة غيره لعدم كمال شهود الحق وتصوره.
المقالة الأولى -مقالة
ابن عربي صاحب فصوص الحكم وهي مع كونها كفراً فهو أقربهم إلى الإسلام لما
يوجد في كلامه من الكلام الجيد الكثير، ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات
غيره، بل هو كثير الاضطراب فيه، وإنما هو قائم مع خياله الواسع الذي يتخيل
فيه الحق تارة والباطل أخرى. والله أعلم بما مات عليه. فإن مقالته مبنية
على أصلين.
الأصل الأول لمذهب ابن عربي -أحدهما
أن المعدوم شيء ثابت في العدم، موافقة لمن قال ذلك من المعتزلة والرافضة.
وأول من ابتدع هذه المقالة في الإسلام أبو عثمان الشحام شيخ أبي علي
الجبائي وتبعه عليها طوائف من القدرية المبتدعة من المعتزلة والرافضة،
وهؤلاء يقولون أن كل معدوم يمكن وجوده فإن حقيقته وماهيته وعينه ثابتة في
العدم، لأنه لولا ثبوتها لما تميز المعلوم المخبر عنه من غير المعلوم
المخبر عنه، ولما صح قصد ما يراد إيجاده، لأن القصد يستدعي التمييز،
والتمييز لا يكون إلا في شيء ثابت، لكن هؤلاء وإن ابتدعوا هذه المقالة التي
هي باطلة في نفسها وقد كفرهم بها طوائف مت متكلمة السنة - فهم
يعترفون بأن الله خلق وجودها، ولا يقولون أن عين وجودها عين وجود الحق.
وأما صاحب الفصوص وأتباعه فيقولون: عين وجودها عين وجود الحق، فهي متميزة
بذواتها الثابتة في العدم متحدة بوجود الحق العالم بها. وعامة كلامه ينبني
على هذا لمن تدبره وفهمه.
وهؤلاء القائلون بأن المعدوم شيء ثابت
في العدم سواء قالوا بأن وجودها خلق الله أو هو الله، يقولون إن الماهيات
والأعيان غير مجعولة ولا مخلوقة وأن وجود كل شيء قدر زائد على ماهيته، وقد
يقولون الوجود صفة للموجود.
وهذا القول وإن كان فيه شيه بقول القائلين
بقدم العالم أو القائلين بقدم مادة العالم وهيولاه المتميزة عن صورته فلس
هو إياه، وإن كان بينهما قدر مشترك، فإن هذه الصورة المحدثة من الحيوان
والنبات والمعادن ليست قديمة باتفاق جميع العقلاء، بل هي كائنة بعد أن لم
تكن، وكذلك الصفات والأعراض القائمة بأجسام السموات والاستحالات القائمة
بالعناصر من حركات الكواكب والشمس والقمر والسحاب والمطر والرعد والبرق
وغير ذلك، كل هذا حادث غير قديم، عند كل ذي حس سليم، فإنه يرى ذلك بعينه.
والذين يقولون بأن عين المعدوم ثابتة في القدم أو بأن مادته قديمة يقولون
بأن أعيان جميع هذه الأشياء ثابتة في القدم، ويقولون أن مواد جميع العالم
قديمة دون صوره.
واعلم أن المذهب إذا كان باطلاً في نفسه لم يكن الناقد
له أن ينقله على وجه يتصور تصوراً حقيقياً فإن هذا لا يكون إلا للحق. فأما
القول الباطل فإذا بين فبيانه يظهر فساده، حتى يقال كيف اشتبه هذا على أحد
ويتعجب من اعتقادهم إياه، ولا ينبغي للإنسان أن يعجب. فما من شيء يتخيل من
أنواع الباطل إلا وقد ذهب إليه فريق من الناس. ولهذا وصف الله أهل الباطل
بأنهم أموات وأنهم (صم بكم عمي) وأنهم (لا يفقهون، ولا يعقلون) وأنهم (في
قول مختلف يؤفك عنه من أفك) وأنهم (في ريبهم يترددون) وأنهم (يعمهون).
وإنما نشأ - والله أعلم - الاشتباه على هؤلاء من حيث رأوا أن الله سبحانه يعلم ما لم يكن قبل كونه - أو
(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) فرأوا أن المعدوم الذي
يخلقه يتميز في علمه وإرادته وقدرته، فظنوا ذلك لتميز ذات له ثابتة وليس
الأمر كذلك. وإنما هو متميز في علم الله وكتابه، والواحد منا يعلم الموجود
والمعدوم الممكن والمعدوم المستحيل، ويعلم ما كان كآدم والأنبياء، ويعلم ما
يكون كالقيامة والحساب، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما يعلم ما
أخبر الله عن أهل النار (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) وأنهم (لو علم
الله فيهم خيراً لأسمعهم) وأنه (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) وأنه
(لو كان فيهما آلهة كما يقولون إذاً إلا ابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) وأنهم
(لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) وأنه (لولا فضل الله عليكم ورحمته ما
زكى منكم من أحد أبداً) ونحو ذلك من الجمل الشرطية التي يعلم فيها انتفاء
الشرط أو ثبوته.
فهذه الأمور التي نعلمها نحن ونتصورها، إما نافين لها أو مثبتين لها في الخارج أو مترددين - ليس
بمجرد تصورنا يكون لأعيانها ثبوت في الخارج عن علمنا وأذهاننا، كما نتصور
جبل ياقوت وبحر زئبق وإنسانا من ذهب وفرساً من حجر. فثبوت الشيء في العلم
والتقدير ليس هو ثبوت عينه في الخارج، بل العالم يعلم الشيء ويتكلم به
ويكتبه وليس لذاته في الخارج ثبوت ولا وجود أصلاً. وهذا هو تقدير الله
السابق لخلقه كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخميس
ألف سنة " .
وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب قال: رب وما أكتب؟
قال، اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة " وقال ابن عباس " إن الله خلق الخلق
وعلم ما هو عاملون، ثم قال لعلمه " كن كتاباً " فكان كتاباً؟ ثم أنزل
تصديق ذلك في كتابه فقال (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض، إن
ذلك في كتاب) " .
وهذا هو معنى الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن ميسرة الفجر قال: قلت يا رسول الله متى كنت نبياً، وفي رواية متى كتبت نبياً؟ - قال
" وآدم بين الروح والجسد " هكذا لفظ الحديث الصحيح. وما ما يرويه هؤلاء
الجهال كابن عربي في الفصوص وغيره من جهال العامة " كنت نبياً وآدم بين
الماء والطين " " كنت نبياً وآدم لا ماء ولا طين " فهذا لا أصل له ولم يروه
أحد من أهل العلم الصادقين، ولا هو في شيء من كتب العلم المعتمدة بهذا
اللفظ بل هو باطل، فإن آدم لم يكن بين الماء والطين قط فإن الله خلقه من
تراب، وخلط التراب بالماء حتى صار طيناً ويبس الطين حتى صار صلصالاً
كالفخار، فلم يكن له حال بين الماء والطين مركب من الماء والتراب، ولو قيل
بين الماء والترب لكان أبعد عن المحال، مع أن هذه الحال لا اختصاص لها،
وإنما قال " بين الروح والجسد " وقال " وإن آدم لمنجدل في طينته " لأن آدم
بقي أربعين سنة قبل نفخ الروح فيه كما قال تعالى " هل أتى على الإنسان حين
من الدهر " الآية وقال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من
صلصال) الآيتين. وقال تعالى (الذين أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من
طين) الآيتين وقال تعالى (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين)
الآية. والأحاديث في خلق آدم ونفه الروح فيه مشهورة في كتب الحديث والتفسير
وغيرهما.
فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه كان نبياً أي كتب
نبياً وآدم بين الروح والجسد. وهذا والله أعلم لأن هذه الحالة فيها يقدر
التقدير الذي يكون بأيدي ملائكة الخلق فيقدر لهم ويظهر لهم ويكتب ما يكون
من المخلوق قبل نفخ الروح فيه، كما أخرج الشيخان في الصحيحين وفي سائر
الكتب الأمهات حديث الصادق المصدوق وهو من الأحاديث المستفيضة التي تلقاها
أهل العلم بالقبول وأجمعوا على تصديقها وهو حديث الأعمش عن زيد بن وهب عن
عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق
المصدوق " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة
مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله الملك فيؤمر بأربع كلمات
فيقال: اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح - وقال - فوالذي
نفسي بيده أن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا
ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وأن أحدكم ليعمل
بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل
بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة " فلما أخبر الصادق المصدوق أن الملك يكتب
رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد بعد خلق الجسد وقبل نفخ الروح، وآدم هو أبو
البشر كان أيضاً من المناسب لهذا أن يكتب بعد خلق جسده وقبل نفخ الروح فيه
ما يكون منه، ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم فهو أعظم الذرية قدراً
وأرفعهم ذكراً، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه كتب نبياً حينئذ، وكتابة
نبوته هو معنى كون نبوته فإنه كون في التقدير الكتابي، ليس كوناً في الوجود
العيني، إذ نبوته لم يكن وجودها حتى نبأه الله تعالى على رأس أربعين من
عمره صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا)
الآية. وقال (ألم يجدك يتيماً فآوى) الآية. وقال (نحن نقص عليك أحسن
القصص) الآية. ولذلك جاء هذا المعنى مفسراً في حديث العرباض بن سارية عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إني عبد الله مكتوب خاتم النبيين
وأن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم بأول أمري: دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى،
ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج لها نور أضاءت لها منه قصور الشام "
هذا لفظ الحديث من رواية ابن وهب.
حدثنا معاوية بن صالح عن سعيد
بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض رواه البغوي في شرح
السنة هكذا، ورواه الليث بن سعد عنه نحوه، ورواه الإمام أحمد في المسند عن
ابن مهدي: حدثنا معاوية بن صالح بالإسناد عن العرباض قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " إن عبد الله خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته
وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم " الحديث. وفيه " كذلك أمهات النبيين
يرين " وقوله " لمنجدل في طينته " أي ملتف ومطروح على وجه الأرض صورة من
طين لم تجر فيه الروح بعد.
عَنْ
جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ : " يَا قَوْمُ
الْمُدَاوَمَةَ ، الْمُدَاوَمَةَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ
لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ وهو صحيح
(2) - وفي
جامع معمر برقم(1035 ) عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : كَانَتْ
أُمُّ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيَّةُ تَقُولُ : لَمَّا قَدِمَ
الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ ، اقْتَرَعَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى
سُكْنَتِهِمْ ، قَالَتْ : فَصَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي
السُّكْنَى ، فَمَرِضَ ، فَمَرَّضْنَاهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ ، فَجَاءَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ
فَقُلْتُ : رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ ، فَشَهَادَتِي
أَنْ قَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ ؟ " ،
فَقَالَتْ : لَا أَدْرِي وَاللَّهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا هُوَ فَقَدْ أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ
رَبِّهِ ، وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي ،
وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ ، مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ " ، قَالَتْ :
فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا ، قَالَتْ : ثُمَّ
رَأَيْتُ بَعْدُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي ،
فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
: " ذَلِكَ عَمَلُهُ " * وهو صحيح
(3) - جامع الرسائل - (ج 1 / ص 231)
حقيقة مذهب الاتحاديين أو وحدة الوجود وبيان بطلانه بالبراهين النقلية والعقلية
اعلم - هداك الله وأرشدك - أن
تصور مذهب هؤلاء كاف في بيان فساده ولا يحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر،
وإنما تقع الشبهة لأن أكثر الناس لا يفهمون حقيقة قولهم وقصدهم، لما فيه
من الألفاظ المجملة والمشتركة، بل وهم أيضاً لا يفهمون حقيقة ما يقصدونه
ويقولونه، ولهذا يتناقضون كثيراً في قولهم، وإنما يتخيلون شيئاً ويقولونه
أو يتبعونه، ولهذا قد افترقوا بينهم على فرق، ولا يهتدون إلى التمييز بين
فرقهم، مع استشعارهم أنهم مفترقون، ولهذا لما بينت لطوائف من أتباعهم
ورؤسائهم حقيقة قولهم، وسر مذهبهم، صاروا يعظمون ذلك، ولولا ما أقرنه بذلك
من الذم والرد لجعلوني من أئمتهم، وبذلوا لي من طاعة نفوسهم وأموالهم ما
يجل عن الوصف، كما تبذله النصارى لرؤسائهم، والإسماعيلية لكبرائهم، وكما
بذل آل فرعون لفرعون.
وكل من يقبل قول هؤلاء فهو أحد رجلين
إما جاهل بحقيقة أمرهم، وإما ظالم يريد علواً في الأرض وفساداً، أو جامع
بين الوصفين. وهذه حال أتباع فرعون الذين قال الله فيهم " فاستخف قومه
فأطاعوه " وحال القرامطة مع رؤسائهم، وحال الكفار والمنافقين في أئمتهم
الذين يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون " إن الله لعن الكافرين وأعد
لهم سعيرا " إلى آخر الآية وقوله " وألعنهم لعناً كبيرا " وقال تعالى "
ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً - إلى قوله - وما هم بخارجين من النار " .
فصل
اعلم
أن حقيقة قول هؤلاء أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها
غيره ولا شيء سواه البتة، ولهذا من سماهم حلولية أو قال هم قائلون بالحلول
رأوه محجوباً عن معرفة قولهم خارجاً عن الدخول إلى باطن أمرهم، لأن من قال
أن الله يحل في المخلوقات فقد قال بأن المحل غير الحال، وهذا تثنية عندهم
وإثبات لموجودين (أحدهما) وجود الحق الحال (والثاني) وجود المخلوق المحل
وهم لا يقرون بإثبات وجودين البتة. ولا ريب أن هذا القول أقل كفراً من
قولهم، وهو قول كثير من الجهمية الذين كان السلف يردون قولهم، وهم الذين
يزعمون أن الله بذاته في كل مكان. وقد ذكره جماعات من الأئمة والسلف عن
الجهمية وكفروهم به، بل جعلهم خلق من الأئمة - كابن المبارك ويوسف ابن اسباط وطائفة من أهل العلم والحديث من أصحاب أحمد وغيره - خارجين
بذلك عن الثنتين والسبعين فرقة. وهو قول بعض متكلمة الجهمية وكثير من
متعبديهم. ولا ريب إن إلحاد هؤلاء المتأخرين وتجهمهم وزندقتهم تفريع وتكميل
لإلحاد هذه الجهمية الأولى وتجهمها وزندقتها.
وأما وجه تسميتهم
اتحادية ففيه طريقان (أحدهما) لا يرضونه لأن الاتحاد على وزن الاقتران
والاقتران يقتضي شيئين اتحد أحدهما بالآخر وهم لا يقرون بوجودين أبداً
(والطريق الثاني) صحة ذلك بناء على أن الكثرة صارت وحدة كما سأبينه من
اضطرابهم.
وهذه الطريقة إما على مذهب ابن عربي فإنه يجعل الوجود غير
الثبوت ويقول أن وجود الحق قاض على ثبوت الممكنات، فيصح الاتحاد بين الوجود
والثبوت وأما على قول من لا يفرق فيقول أن الكثرة الخيالية صارت وحدة بعد
الكشف أو الكثرة العينية صارت وحدة إطلاقية.
فصل
ولما كان أصلهم الذي
بنوا عليه أن وجود المخلوقات والمصنوعات حتى وجود الجن والشياطين
والكافرين والفاسقين والكلاب والخنازير والنجاسات والكفر والفسوق والعصيان
عين وجود الرب، لا أنه متميز عنه منفصل عن ذاته، وإن كان مخلوقاً له
مربوباً مصنوعاً له قائماً به، وهم يشهدون أن في الكائنات تفرقاً وكثرة
ظاهرة بالحس والعقل، فاحتاجوا إلى جمع يزيل الكثرة، ووحدة ترفع التفرق مع
ثبوتها، فاضطربوا على ثلاث مقالات، أنا أبينها لك وإن كانوا هم لا يبين
بعضهم مقالة نفسه ومقالة غيره لعدم كمال شهود الحق وتصوره.
المقالة الأولى -مقالة
ابن عربي صاحب فصوص الحكم وهي مع كونها كفراً فهو أقربهم إلى الإسلام لما
يوجد في كلامه من الكلام الجيد الكثير، ولأنه لا يثبت على الاتحاد ثبات
غيره، بل هو كثير الاضطراب فيه، وإنما هو قائم مع خياله الواسع الذي يتخيل
فيه الحق تارة والباطل أخرى. والله أعلم بما مات عليه. فإن مقالته مبنية
على أصلين.
الأصل الأول لمذهب ابن عربي -أحدهما
أن المعدوم شيء ثابت في العدم، موافقة لمن قال ذلك من المعتزلة والرافضة.
وأول من ابتدع هذه المقالة في الإسلام أبو عثمان الشحام شيخ أبي علي
الجبائي وتبعه عليها طوائف من القدرية المبتدعة من المعتزلة والرافضة،
وهؤلاء يقولون أن كل معدوم يمكن وجوده فإن حقيقته وماهيته وعينه ثابتة في
العدم، لأنه لولا ثبوتها لما تميز المعلوم المخبر عنه من غير المعلوم
المخبر عنه، ولما صح قصد ما يراد إيجاده، لأن القصد يستدعي التمييز،
والتمييز لا يكون إلا في شيء ثابت، لكن هؤلاء وإن ابتدعوا هذه المقالة التي
هي باطلة في نفسها وقد كفرهم بها طوائف مت متكلمة السنة - فهم
يعترفون بأن الله خلق وجودها، ولا يقولون أن عين وجودها عين وجود الحق.
وأما صاحب الفصوص وأتباعه فيقولون: عين وجودها عين وجود الحق، فهي متميزة
بذواتها الثابتة في العدم متحدة بوجود الحق العالم بها. وعامة كلامه ينبني
على هذا لمن تدبره وفهمه.
وهؤلاء القائلون بأن المعدوم شيء ثابت
في العدم سواء قالوا بأن وجودها خلق الله أو هو الله، يقولون إن الماهيات
والأعيان غير مجعولة ولا مخلوقة وأن وجود كل شيء قدر زائد على ماهيته، وقد
يقولون الوجود صفة للموجود.
وهذا القول وإن كان فيه شيه بقول القائلين
بقدم العالم أو القائلين بقدم مادة العالم وهيولاه المتميزة عن صورته فلس
هو إياه، وإن كان بينهما قدر مشترك، فإن هذه الصورة المحدثة من الحيوان
والنبات والمعادن ليست قديمة باتفاق جميع العقلاء، بل هي كائنة بعد أن لم
تكن، وكذلك الصفات والأعراض القائمة بأجسام السموات والاستحالات القائمة
بالعناصر من حركات الكواكب والشمس والقمر والسحاب والمطر والرعد والبرق
وغير ذلك، كل هذا حادث غير قديم، عند كل ذي حس سليم، فإنه يرى ذلك بعينه.
والذين يقولون بأن عين المعدوم ثابتة في القدم أو بأن مادته قديمة يقولون
بأن أعيان جميع هذه الأشياء ثابتة في القدم، ويقولون أن مواد جميع العالم
قديمة دون صوره.
واعلم أن المذهب إذا كان باطلاً في نفسه لم يكن الناقد
له أن ينقله على وجه يتصور تصوراً حقيقياً فإن هذا لا يكون إلا للحق. فأما
القول الباطل فإذا بين فبيانه يظهر فساده، حتى يقال كيف اشتبه هذا على أحد
ويتعجب من اعتقادهم إياه، ولا ينبغي للإنسان أن يعجب. فما من شيء يتخيل من
أنواع الباطل إلا وقد ذهب إليه فريق من الناس. ولهذا وصف الله أهل الباطل
بأنهم أموات وأنهم (صم بكم عمي) وأنهم (لا يفقهون، ولا يعقلون) وأنهم (في
قول مختلف يؤفك عنه من أفك) وأنهم (في ريبهم يترددون) وأنهم (يعمهون).
وإنما نشأ - والله أعلم - الاشتباه على هؤلاء من حيث رأوا أن الله سبحانه يعلم ما لم يكن قبل كونه - أو
(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) فرأوا أن المعدوم الذي
يخلقه يتميز في علمه وإرادته وقدرته، فظنوا ذلك لتميز ذات له ثابتة وليس
الأمر كذلك. وإنما هو متميز في علم الله وكتابه، والواحد منا يعلم الموجود
والمعدوم الممكن والمعدوم المستحيل، ويعلم ما كان كآدم والأنبياء، ويعلم ما
يكون كالقيامة والحساب، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما يعلم ما
أخبر الله عن أهل النار (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) وأنهم (لو علم
الله فيهم خيراً لأسمعهم) وأنه (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) وأنه
(لو كان فيهما آلهة كما يقولون إذاً إلا ابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) وأنهم
(لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) وأنه (لولا فضل الله عليكم ورحمته ما
زكى منكم من أحد أبداً) ونحو ذلك من الجمل الشرطية التي يعلم فيها انتفاء
الشرط أو ثبوته.
فهذه الأمور التي نعلمها نحن ونتصورها، إما نافين لها أو مثبتين لها في الخارج أو مترددين - ليس
بمجرد تصورنا يكون لأعيانها ثبوت في الخارج عن علمنا وأذهاننا، كما نتصور
جبل ياقوت وبحر زئبق وإنسانا من ذهب وفرساً من حجر. فثبوت الشيء في العلم
والتقدير ليس هو ثبوت عينه في الخارج، بل العالم يعلم الشيء ويتكلم به
ويكتبه وليس لذاته في الخارج ثبوت ولا وجود أصلاً. وهذا هو تقدير الله
السابق لخلقه كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخميس
ألف سنة " .
وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال " أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب قال: رب وما أكتب؟
قال، اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة " وقال ابن عباس " إن الله خلق الخلق
وعلم ما هو عاملون، ثم قال لعلمه " كن كتاباً " فكان كتاباً؟ ثم أنزل
تصديق ذلك في كتابه فقال (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض، إن
ذلك في كتاب) " .
وهذا هو معنى الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن ميسرة الفجر قال: قلت يا رسول الله متى كنت نبياً، وفي رواية متى كتبت نبياً؟ - قال
" وآدم بين الروح والجسد " هكذا لفظ الحديث الصحيح. وما ما يرويه هؤلاء
الجهال كابن عربي في الفصوص وغيره من جهال العامة " كنت نبياً وآدم بين
الماء والطين " " كنت نبياً وآدم لا ماء ولا طين " فهذا لا أصل له ولم يروه
أحد من أهل العلم الصادقين، ولا هو في شيء من كتب العلم المعتمدة بهذا
اللفظ بل هو باطل، فإن آدم لم يكن بين الماء والطين قط فإن الله خلقه من
تراب، وخلط التراب بالماء حتى صار طيناً ويبس الطين حتى صار صلصالاً
كالفخار، فلم يكن له حال بين الماء والطين مركب من الماء والتراب، ولو قيل
بين الماء والترب لكان أبعد عن المحال، مع أن هذه الحال لا اختصاص لها،
وإنما قال " بين الروح والجسد " وقال " وإن آدم لمنجدل في طينته " لأن آدم
بقي أربعين سنة قبل نفخ الروح فيه كما قال تعالى " هل أتى على الإنسان حين
من الدهر " الآية وقال تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من
صلصال) الآيتين. وقال تعالى (الذين أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من
طين) الآيتين وقال تعالى (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين)
الآية. والأحاديث في خلق آدم ونفه الروح فيه مشهورة في كتب الحديث والتفسير
وغيرهما.
فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه كان نبياً أي كتب
نبياً وآدم بين الروح والجسد. وهذا والله أعلم لأن هذه الحالة فيها يقدر
التقدير الذي يكون بأيدي ملائكة الخلق فيقدر لهم ويظهر لهم ويكتب ما يكون
من المخلوق قبل نفخ الروح فيه، كما أخرج الشيخان في الصحيحين وفي سائر
الكتب الأمهات حديث الصادق المصدوق وهو من الأحاديث المستفيضة التي تلقاها
أهل العلم بالقبول وأجمعوا على تصديقها وهو حديث الأعمش عن زيد بن وهب عن
عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق
المصدوق " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة
مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله الملك فيؤمر بأربع كلمات
فيقال: اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح - وقال - فوالذي
نفسي بيده أن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا
ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وأن أحدكم ليعمل
بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل
بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة " فلما أخبر الصادق المصدوق أن الملك يكتب
رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد بعد خلق الجسد وقبل نفخ الروح، وآدم هو أبو
البشر كان أيضاً من المناسب لهذا أن يكتب بعد خلق جسده وقبل نفخ الروح فيه
ما يكون منه، ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم فهو أعظم الذرية قدراً
وأرفعهم ذكراً، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه كتب نبياً حينئذ، وكتابة
نبوته هو معنى كون نبوته فإنه كون في التقدير الكتابي، ليس كوناً في الوجود
العيني، إذ نبوته لم يكن وجودها حتى نبأه الله تعالى على رأس أربعين من
عمره صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا)
الآية. وقال (ألم يجدك يتيماً فآوى) الآية. وقال (نحن نقص عليك أحسن
القصص) الآية. ولذلك جاء هذا المعنى مفسراً في حديث العرباض بن سارية عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إني عبد الله مكتوب خاتم النبيين
وأن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم بأول أمري: دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى،
ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج لها نور أضاءت لها منه قصور الشام "
هذا لفظ الحديث من رواية ابن وهب.
حدثنا معاوية بن صالح عن سعيد
بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض رواه البغوي في شرح
السنة هكذا، ورواه الليث بن سعد عنه نحوه، ورواه الإمام أحمد في المسند عن
ابن مهدي: حدثنا معاوية بن صالح بالإسناد عن العرباض قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " إن عبد الله خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته
وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم " الحديث. وفيه " كذلك أمهات النبيين
يرين " وقوله " لمنجدل في طينته " أي ملتف ومطروح على وجه الأرض صورة من
طين لم تجر فيه الروح بعد.
وَهَذَا غَايَةُ إلْحَادِ الْمُبْتَدَعَةِ
جهمية الصُّوفِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْقَرْمَطَةَ آخِرُ إلْحَادِ الشِّيعَةِ
وَكِلَا الْإِلْحَادَيْنِ يَتَقَارَبَانِ . وَفِيهِمَا مِنْ الْكُفْرِ مَا
لَيْسَ فِي دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
- - - - - - - - - -
المصادر والمراجع العامة
أضواء البيان
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
الوسيط لسيد طنطاوي
تفسير ابن كثير
تفسير الرازي
تفسير السعدي
في ظلال القرآن
آيات الأسماء والصفات
التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة
الدرر السنية كاملة
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة
درء التعارض
شرروح الطحاوية
مختصر منهاج السنة النبوية
منهاج السنة النبوية
موسوعة اليهود واليهودية الصهيونية
أخبار مكة للأزرقي
السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي
المستدرك على الصحيحين للحاكم
سنن أبى داود
سنن ابن ماجه
سنن البيهقى
سنن الترمذى
سنن النسائى
صحيح البخارى
صحيح مسلم
مسند أحمد
مسند الحميدى
آداب الصحبة لأبي عبد الرحمن السلمي
الزهد لأحمد بن حنبل
الزهد والرقائق لابن المبارك
المنتقى - شرح الموطأ
بيان مشكل الآثار ـ الطحاوى
تأويل مختلف الحديث
جامع العلوم والحكم
حاشية السندي على ابن ماجه
شرح ابن بطال
شرح الأربعين النووية
شرح النووي على مسلم
شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
شرح سنن ابن ماجه
فتح الباري لابن حجر
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2
الدرر السنية في الأجوبة النجدية - الرقمية
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة
فتاوى الأزهر
فتاوى الإسلام سؤال وجواب
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
فتاوى من موقع الإسلام اليوم
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ
فتاوى يسألونك
مجموع فتاوى ابن باز
مجموع فتاوى ابن تيمية
مجموع فتاوى و مقالات ابن باز
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين
الفقه الإسلامي وأصوله
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة
سبل السلام
نيل الأوطار
آداب الأكل
إحياء علوم الدين
الأذكار للنووي
بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
ففروا إلى الله
موسوعة خطب المنبر
الفهرس العام
أسباب رفع العقوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
" أَحَدُهَا " التَّوْبَةُ
" السَّبَبُ الثَّانِي " الِاسْتِغْفَارُ :
" السَّبَبُ الثَّالِثُ " : الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ :
(( هل الحسنات تكفر الصغائر والكبائر ؟))
( السَّبَبُ الرَّابِعُ الدَّافِعُ لِلْعِقَابِ ) : دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ :
( السَّبَبُ الْخَامِسُ ) : مَا يُعْمَلُ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ :
(
السَّبَبُ السَّادِسُ ) : شَفَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُ فِي أَهْلِ الذُّنُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
( السَّبَبُ السَّابِعُ ) : الْمَصَائِبُ الَّتِي يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا فِي الدُّنْيَا:
( السَّبَبُ الثَّامِنُ ) : مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالضَّغْطَةِ وَالرَّوْعَةِ :
( السَّبَبُ التَّاسِعُ ) : أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَرْبُهَا وَشَدَائِدُهَا .
( السَّبَبُ الْعَاشِرُ ) : رَحْمَةُ اللَّهِ وَعَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ بِلَا سَبَبٍ مِنْ الْعِبَادِ .
فَصْلٌ : قولان متناقضان في أهل الكبائر
المصادر والمراجع العامة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى