رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
السند :
يروي
المفتقر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى محمد بن محمد بن يحيى زبارة الحسنى
اليمني غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين كتاب تحفة الذاكرين هذا وسائر
مؤلفات القاضي الشهير محمد بن علي بن محمد الشوكاني عن إمام السنة النبوية
في البلاد اليمنية المولى الحسين بن علي بن محمد العمري عمره الله تعالى
عن السيد الحافظ إسماعيل بن محسن بن عبد الكريم بن أحمد بن محمد بن إسحاق
الحسنى المتوفى سنة هجرية عن المؤلف الشوكاني قال رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن يا كريم يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين
الحمد
الله الذي جعل ذكره عدة للمتقين يتوصلون بها إلى خيرى الدنيا والدين وجنة
واقية للمؤمنين عرض الشياطين وشر إخوانهم المتمردين من طوائف الخلق أجمعين
والصلاة والسلام على خير البشر الذي أنزل عليه ولذكر الله أكبر فبين
للعباد من فضائل الأذكار وما فيها من المنافع الكبار
والفوائد ذوات
الأخطار ما ملأ الأسفار وتناقلته ألسن الرواة في جميع الأقطار وكان به
العمل في جميع الأعصار وعلى آله الطاهرين وأصحابه الهادين وبعد فإنه لما
كان كتاب عدة الحصن الحصين في الأذكار الواردة عن سيد المرسلين من أكثر
الكتب نفعا وأحسنها صنعا وأتقنها جمعا وأحكمها رصعا يقي فيه ما يقي الرين
من العين وإن لم يكن فيه شين وهو عدم التنبيه على ما في بعض أحاديثه من
المقال وعدم الانتباه لعزوه إلى مخرجيه على الكمال وذلك يقتضي أن لا تكون
بصائر المطلعين عليه بصيرة ولا أبصار المتطلعين إليه به قريرة فإن بيان
التحسين أو التصحيح أو التضعيف بما يقتضيه النظر من الترجيح بعد الموازنة
بين التعديل والتجريح هو المقصد الأعلى من علم الرواية والغاية التي ليس
وراءها غاية والمطلب الذي ينبغي أن ترفع له أول راية قبل كل ما يتعلق
بالحديث من تفسير أو دراية ومعلوم أن كل من له فضل ورغبة إلى العمل بما
ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل إذا لم يقف على حقيقة حال
المنقول ولا درى أهو صحيح أو حسن أو معلول فتر نشاطه وانقبض انبساطه لأنه
لم يكن على ثقة لتردده بين طرفي الموافقة والمخالفة ولفقده للالماع بما
يتميز به الاتباع من الابتداع ولم نقف إلى الآن ولا سمعنا عن أحمد من أهل
العرفان أنه شرح هذا الكتاب بشرح يشرح صدور أولي الألباب ويتبين به القشر
من اللباب ولا أنه حام أحد حول هذا المقصد النفيس والغرض الذي هو لطالب
هذا الكلام على فوائد الحديث كالرئيس وأما الكلام على المعنى العربي
والتعرض لما يقتضيه العلم الأعرابي فهو وإن كان مشتملا على فائدة يعود بها
على الطالب أحسن عائدة لكن بين الفائدتين من التفاوت في النفع ما بين
المشرقين فإنه إذا تبين الحال من
تصحيح أو تحسين أو إعلال فقد وقع
الظفر بالمطلب الذي تدور عليه الدوائر وتعمر فوقه مشيدات القناطر وهذا هو
السبب الذي نشطت به إلى شرح هذا الكتاب ورغبت لأجله إلى السبح في هذا
البحر العباب مستعينا بالله مفوضا أمري إلى الله راجيا أن ينفع به ما شاء
من عباده الصالحين ويجعله لي ذخيرة يدوم خيرها بعد الانتقال إلى جوار رب
العالمين على أنك بحمد الله ستقف في هذا الشرح بعد الأخذ من بيان ذلك
المقصد الكبير بما تبلغ إليه الطاقة من التفتيش والتنقير على فوائد شوارد
وفرائد قلائد لم يتعرض لها من تعرض لشرحه وإن طال في لججة بشوط سبحه واعلم
أن ما كان من أحاديث هذا الكتاب في أحد الصحيحين فقد أسفر فيه صبح الصحة
لكل ذي عينين لأنه قد قطع عرق النزاع ما صح من الإجماع على تلقي جميع
الطوائف الإسلامية لما فيهما بالقبول وهذه رتبة فوق رتبة التصحيح عند جميع
أهل العقول والمنقول على أنهما قد جمعا في كتابيهما من أعلا أنواع الصحيح
ما اقتدى به وبرجاله من تصدي بعدهما للتصحيح كأهل المستخرجات والمستدركات
ونحوهم من المتصدرين لأفراد الصحيح في كتاب مستقل وأما ما عدا ما في
الصحيحين أو أحدهما فقد وطنت النفس على البحث عنه وإمعان النظر فيه حتى
أقف على ما يضعفه أو يقويه وقد اكتفى بتصحيح إمام إذا أعوز الحال في
المقام فائدة ذكر السيوطي في ترجمة الجامع الكبير أن عزوه للأحاديث التي
فيه إلى الصحيحين وابن حبان والحاكم في مستدركه والضياء في المختارة معلم
بالصحة سوى ما تعقب على المستدرك فإنه نبه عليه ثم قال وهكذا ما في موطأ
مالك وصحيح ابن خزيمة وصحيح أبي عوانة وابن السكن والمنتقى لابن الجارود
والمستخرجات فالعزو إليها معلن بالصحة أيضا ثم قال بعد ذلك
وكل ما
كان في مسند أحمد فإنه مقبول فان الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن ثم قال
بعد ذلك إن ما عزى إلى العقيلي في الضعفاء وابن عدي في الكامل والخطيب
وابن عساكر والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والحاكم في تاريخه وابن
الجارود في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس فهو ضعيف فيستغني بالعزو
إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه وهذه الفائدة لم أقتد به فيها بل بحثت كل
البحث عن أسانيد هذه الكتب التي جعل العزو إليها معلنا بالصحة أو الضعف
كما ستعرف ذلك إلا في الصحيحين وضممت إلى التصحيح والتسقيم فائدة جليلة هي
أني أذكر ألفاظ الحديث إذا كان له ألفاظ وأورد ما يطابق معنى ذلك الحديث
من الأحاديث كما ستقف على ذلك رواية المصنف رحمة الله للعدة ولنقدم الآن
ذكر روايتي لهذا الكتاب عن مؤلفه رحمه الله فأقول أنا أرويه من طرق أحدها
عن شيخنا السيد الإمام عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر الكوكباني رحمه
الله عن شيخه السيد سليمان بن يحيى الأهدل عن السيد يحيى بن عمر الأهدل عن
الحافظ يوسف بن محمد البطاح الأهدل عن السيد الطاهر بن حسين الأهدل عن
الحافظ عبد الرحمن بن علي الديبع عن الحافظ زين الدين بن أحمد بن عبد
اللطيف الشرجي عن المؤلف رحمه الله وقد شارك الحافظ الشرجي في رواية هذا
الكتاب عن المؤلف جماعة من علماء اليمن وغيرهم فمنهم الفقيه إسماعيل بن
محمد بن أحمد بن مبارك ومنهم عبد الله بن عمر بن جعمان ومنهم إسماعيل بن
إبراهيم بن بكر ومنهم عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد وأنا أروي عنهم
جميعا بهذا الإسناد المذكور إلى الديبع
عن المؤلف رحمه الله ولنقتصر على هذا الإسناد لكون رجاله جميعا ثقات
أثباتا أعلاما معروفين مشهورين وسميت هذا الشرح المبارك
تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به ويجعله ذخيرة خير لي يستمر
لي نفعها بعد موتي إلى يوم الدين آمين
ترجمة ابن الجزري رحمه الله
أما
المؤلف رحمه الله فهو الإمام الكبير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف
الجزري رحمه الله ولد بدمشق سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ورحل إلى مصر وشيراز
والحرمين وأخذ عن شيوخ بلده مولده ومنشئه وعن شيوخ البلاد التي رحل إليها
ومهر في كثير من العلوم خصوصا علم القرآن فإنه تفرد به وأخذ عنه الناس فيه
وفي غيره من العلوم وصنف النشر في القراءات العشر وله التوضيح في شرح
المصابيح ومن مصنفاته أصل هذا الكتاب وهو الحصن الحصين ثم اختصره في هذا
الكتاب وسماه عدة الحصن الحصين وله مؤلف آخر سماه مفتاح الحصن وله مصنفات
كثيرة وقد استوفيتها في ترجمتي له في تاريخي المسمى البدر الطالع بمحاسن
من بعد القرن السابع وقد طوف كثيرا من الأقطار ووفد على الملوك الكبار
منهم من ذكرت في ترجمة هذا الكتاب التي سنذكرها وأشار إليه بقوله مليك على
الدنيا بطلعة وجهه جمال وإجلال وعز مؤبد وهو السلطان إبراهيم بن تيمرلنك
سلطان بلاد العجم ووفد أيضا على سلطان اليمن الملك المنصور في سنة ثمان
وعشرين وثمانمائة فأكرمه وأسمع بحضرته صحيح مسلم وعقد مجلس الحديث بزبيد
في مساجد الأشاعرة
وأخذ عنه جمهور علماء هذه الديار ثم رجع إلى القاهرة
في سنة تسع وعشرين وتوجه منها إلى شيراز وتوفي بها سنة ثلاث وثلاثين
وثمانمائة وبقية أحواله مستوفاة في كتابي المشار إليه وقد ابتدأ المصنف
رحمه الله بخطبة كتابه وتبويب أبوابه وكل ذلك غنى عن الشرح لوضوحه لفظا
ومعنى وعدم الفائدة بتبيين البين وتوضيح الجلي فإن ذلك من تحصيل الحاصل
ومن شغلة الخير بما ليس فيه طائل وقد كتبنا ذلك هاهنا لتكمل الفائدة
ومعرفة ما بنى عليه كتابه
خطبة ابن الجزري رحمه الله قال رحمه الله ما لفظه
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل ذكره عدة من الحصن الحصين وصلاته
وسلامه على سيد الخلق محمد النبي الأمي الأمين وعلى آله الطاهرين وأصحابه
أجمعين والتابعين لهم باحسان إلى يوم الدين وبعد فإنه لما كان كتابي الحصن
الحصين من كلام سيد المرسلين مما لم يسبق إلى مثاله أحد من المتقدمين وعز
تأليف نظيره على من سلك طريقه من المتأخرين لما حوى من الاختصار المبين
والجمع الرصين والتصحيح المتين والرمز الذي هو على العزو معين حداني على
الاختصار في هذه الأوراق من أصله المذكور بعد أن كنت سئلت عن ذلك مرارا في
سنين وشهور من أنس غربتي وكشف كربتي فأوجب الحق علي مكافأته ولم أقدر
عليها إلا بالدعاء له فأسأل الله نصره ومعافاته
مليك على الدنيا
لغرة وجهه جمال وإجمال وعز مؤبد فتى ما سمعنا قبله كان مثله ولا بعده
فالله يبقيه يوجد ورمزت للكتب المخرج منها هذه الأحاديث المذكورة في هذا
الكتاب فصحيح البخاري خ وصحيح مسلم م وسنن أبي داود د والترمذي ت والنسائي
س وابن ماجه القزويني ق وهذه الأربعة عه وهذه الستة ع وموطأ مالك طا وصحيح
ابن خزيمة مه وصحيح ابن حبان حب وصحيح أبي عوانة عو ومستدرك الحاكم على
الصحيحين مس ومسند الإمام أحمد أ ومسند أبي يعلى الموصلي ص ومسند الدارمي
مي ومسند البزار ز ومعجم الطبراني الكبير ط والمعجم الأوسط له طس والمعجم
الصغير له صط والدعاء له طب والدعاء لابن مردويه مر والسنن للدارقطني قط
والسنن الكبرى للبيهقي سى والدعاء له قى ومصنف ابن أبي شيبة مص وعمل اليوم
والليلة لابن السنى ى وعلامة الموقوف منها قف وجعلته في عشرة أبواب كل باب
يتعلق بأنواع وأسباب الباب الأول في فضل الذكر والدعاء والصلاة والسلام
على النبي صلى الله عليه وسلم وآداب ذلك الباب الثاني في أوقات الإجابة
وأحوالها وأماكنها ومن يستجاب له وبم يستجاب واسم الله الأعظم وأسمائه
الحسنى وعلامة الاستجابة والحمد عليها الباب الثالث فيما يقال في الصباح
والمساء والليل والنهار عموما وخصوصا وأحوال النوم واليقظة الباب الرابع
فيما يتعلق بالطهور والمسجد والأذان والصلاة الراتبة وصلوات منصوصات الباب
الخامس فيما يتعلق بالأكل والشرب والصوم والصلاة والزكاة والسفر والحج
والجهاد والنكاح الباب
السادس فيما يتعلق بالأمور العلوية كسحاب
ورعد وبرق ومطر وريح وهلال وقمر الباب السابع فيما يتعلق بأحوال بني آدم
من أمور مختلفات باختلاف الحالات الباب الثامن فيما يهم من عوارض وآفات في
الحياة إلى الممات الباب التاسع في ذكر ورد فضله ولم يخص بوقت من الأوقات
واستغفار يمحو الخطيئات وفضل القرآن العظيم وسور منه وآيات الباب العاشر
في أدعية صحت عنه صلى الله عليه وسلم مطلقات غير مقيدات فجاء بحمد الله
كبير المقدار غاية في الاختصار جامعا للصحيح من الأخبار لم يؤلف مثله في
الأعصار جمع بين الذكر النبوي والحديث المصطفوي والخير الدنيوي والأخروي
لو كتب بماء الذهب لكان من حقه أن يكتب بل بسواد الأحداق لاستحق وكان أجدر
أن يسطر على كل حديث منه صحيح مجرب أسأل الله أن ينفع به أهله وأن يولينا
جميعا فضله وأن ينصر به كل مظلوم وأن يرزق به كل محروم وأن يجبر به كل
مكسور وأن يؤمن به كل مذعور وأن يفرج به عن كل مكروب وأن يرد به عن كل
محروب انتهى
قال رحمه الله
الباب الأول في فضل الذكر والدعاء والصلاة والسلام على النبي
صلى الله عليه وسلم وآداب ذلك
فضل الذكر
قال
صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني
فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منه
خ م الحديث أخرجه البخاري ومسلم كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه وتمامه فإن اقترب إلي شبرا اقتربت منه
ذراعا وإن
اقترب إلي ذراعا اقتربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة وأخرجه أيضا
من حديثه الترمذي وأخرجه أحمد في المسند من حديث أنس رضي الله عنه وأخرجه
أيضا ابن شاهين في الترغيب في الذكر من حديث ابن عباس بلفظ ابن آدم إن
ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ أفضل منهم
وأكرم وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا
وإن مشيت إلي هرولت إليك وفي إسناده معمر بن زائدة قال العقيلي لا يتابع
على حديثه وأخرجه أيضا أبو داود الطيالسي وأحمد في المسند من حديث أنس
أيضا بلفظ إذا تقرب مني عبدي شبرا تقربت منه ذراعا وإذا تقرب مني ذراعا
تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ومن حديث قتادة أيضا وأخرجه
بهذا الإسناد البخاري من حديث قتادة عن أنس ومن حديث التميمي عنه أيضا
وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي ذر رضي الله عنه بلفظ ومن تقرب مني شبرا
تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته
هرولة وأخرج البخاري تعليقا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إن الله يقول أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي
شفتاه قوله قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فيه ترغيب من الله عز وجل
لعباده بتحسين ظنونهم وأنه يعاملهم على حسبها فمن ظن به خيرا أفاض عليه
جزيل خيراته وأسبل عليه جميل تفضلاته ونثر عليه محاسن كراماته وسوابغ
عطياته ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن الله تعالى له هكذا وهذا هو معنى
كونه سبحانه وتعالى عند ظن عبده فعلى العبد أن يكون حسن الظن بربه في جميع
حالاته ويستعين على تحصيل ذلك باستحضاره ما ورد من الأدلة الدالة على سعة
رحمة الله سبحانه وتعالى كحديث أبي هريرة في الصحيحين قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما قضى الله أمر الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق عرشه
إن رحمتي سبقت غضبي وفي رواية
غلبت غضبي وكحديثه أيضا في الصحيحين
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة
واحدة بين الجن والأنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها
يعطف الوحش على ولده وأخر الله تسعا وتسعين رحمه يرحم بها عباده يوم
القيامة وكحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحيحين قال قدم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم سبى فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذ
وجدت صبيا في السبي فأخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم أترون هذه طارحة ولدها في النار فقلنا لا وهي تقدر على أن
لا تطرحه فقال الله أرحم بعباده من هذه بولدها ومثل هذا ما أخرجه أبو داود
عن بعض الصحابة قال بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل
عليه كساء وفي يده شيء قد التف عليه فقال يا رسول الله مررت بغيضة شجر
فيها أصوات فراخ طائر فأخذتهن فوضعتهن في كسائي فجاءت أمهن فدارت على رأسي
فكشفت لها عنهن فوقعت عليهن فلففتهن بكسائي فهن أولاء معي فقال ضعهن
فوضعتهن فأبت أمهن إلا لزومهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعجبون
لرحم أم الأفراخ بفراخها فوالذي بعثني بالحق لله أرحم بعباده من أم
الأفراخ بفراخها ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن وأمهن معهن فرجع بهن
ومن هذا القبيل ما ورد فيمن قال لا إله إلا الله وهي أحاديث صحيحة كثيرة
وفي الباب أحاديث لا يتسع لها إلا مؤلف مستقل ويغنى عن الجميع ما أخبرنا
به الرب سبحانه وتعالى في كتابه من أن رحمتي وسعت كل شيء ومن أنه كتب على
نفسه الرحمة فإن هذا وعد من الله عز وجل وهو لا يخلف على خلقه الوعد وخير
منه لعباده وهو صادق المقال على كل حال
دعاء عمر بن عبد العزيز رحمه
الله وما أحسن ما كان يدعو به الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله
فإنه كان يقول يا من وسعت رحمته كل شيء أنا شيء فلتسعني رحمتك يا أرحم
الراحمين وقلت أنا يا من كتب على نفسه الرحمة لعباده إني من عبادك فارحمني
يا أرحم الراحمين قوله وأنا معه إذا ذكرني فيه تصريح بأن الله سبحانه
وتعالى مع عباده عند ذكرهم له ومن مقتضى ذلك أن ينظر إليه برحمته ويمده
بتوفيقه وتسديده فإن قلت هو مع جميع عباده كما قال سبحانه وتعالى وهو معكم
أين ما كنتم وقوله جل ذكره ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية قلت
هذه معية عامة وتلك معية خاصة حاصلة للذاكر على الخصوص بعد دخوله مع أهل
المعية العامة وذلك يقتضي مزيد العناية ووفور الإكرام له والتفضل عليه ومن
هذه المعية الخاصة ما ورد في الكتاب العزيز من كونه مع الصابرين وكونه مع
الذين اتقوا وما ورد هذا المورد في الكتاب العزيز أو السنة فلا منافاة بين
إثبات المعية الخاصة وإثبات المعية العامة ومثل هذا ما قيل من أن ذكر
الخاص بعد العام يدل على أن للخاص مزية اقتضت ذكره على الخصوص بعد دخوله
تحت العموم قوله فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي يحتمل أن يريد سبحانه
وتعالى أن العبد إذا ذكره ذكرا قلبيا غير شفاهي أثابه ثوابا مخفيا عن
عباده وأعطاه عطاء لا يطلع عليه غيره ويحتمل أن يريد الذكر الشفاهي على
جهة السر دون الجهر وأن الله سبحانه وتعالى يجعل ثواب هذا الذكر الإسراري
ثوابا مستورا لا يطلع عليه أحد ويدل على هذا الاحتمال الثاني قوله وإن
ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه فإنه يدل على أن العبد قد جهر بذكره
سبحانه وتعالى بين ذلك الملأ الذي هو فيهم فيقابله الاسرار بالذكر باللسان
لا مجرد الذكر القلبي فانه لا يقابل الذكر الجهري بل يقابل مطلق الذكر
اللساني أعم من أن يكون سرا أو جهرا
ومعنى قوله سبحانه وتعالى ذكرته
في ملأ خير منه أن الله يجعل ثواب ذلك الذكر بمرأى ومسمع من ملائكته أو
يذكره عندهم بما يعظم به شأنه ويرتفع به مكانه ولا مانع من أن يجمع بين
الأمرين وفي قوله ذكرته في نفسي مشاكلة كما في قوله عز وجل تعلم ما في
نفسي ولا أعلم ما في نفسك وقد حقق ذلك أهل علم البيان وإنما يحتاج إلى هذا
إذا أريد بالنفس معنى من معانيها لا يجوز إطلاقه على الرب سبحانه وتعالى
وأما إذا أريد بها الذات فلا حاجة إلى القول بالمشاكلة وكما جاءت السنة
بفضائل الذكر والترغيب إليه وعظم الأجر عليه كذلك جاء مثل ذلك في الكتاب
العزيز قال الله سبحانه وتعالى ولذكر الله أكبر أي أكبر مما سواه من
الأعمال الصالحة وقال سبحانه وتعالى فاذكروني أذكركم وقال سبحانه وتعالى
واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وقال سبحانه وتعالى ألا بذكر الله تطمئن
القلوب والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة الخ وغيرها من
الآيات فضل الذكر على الصدقة ما صدقة أفضل من ذكر الله طس الحديث أخرجه
الطبراني في معجمه الأوسط كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث ابن عباس
رضي الله عنهما كذا في الجامع الصغير للسيوطي وذكره المنذري في الترغيب
والترهيب في الذكر معزوا إلى الطبراني من حديث أبي موسى وحسنه وقال
الهيثمي في حديث ابن عباس أن رجاله موثوقون وفيه دليل على أن ذكر الله
سبحانه وتعالى لا يفضل عليه شيء من جميع أنواع الصدقة لأن قوله صدقه نكرة
في سياق نفى فتعم كل صدقة ومقتضاه أن لا توجد صدقه كائنة ما كانت افضل من
ذكر الله فتكون إما مساوية له أو دونه والذكر قد يكون مثلها أو افضل منها
ولا يكون دونها استشكال بعض أهل العلم لهذا الحديث والجواب عنه وقد أورد
بعض أهل العلم أشكالا هاهنا فقال أن صدقة المال يتعدى
نفعها إلى
الغير بخلاف الذكر والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر وأجاب الحليمي عن
ذلك بأنه لم يكن المراد من هذا الذكر ذكر اللسان وحده بل المراد ذكر
اللسان والقلب جميعا وذكر القلب أفضل لأنه يردع عن التقصير في الطاعات وعن
المعاصي والسيئات وذكر مثل هذا الجواب البيهقي في شعب الإيمان وأقره ونقل
عن النووي أن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من شغل جارحة واحدة وكذلك شغل
ثلاث جوارح أفضل من شغل جارحتين وكل ما زاد فهو أفضل وسيأتي تمام الكلام
على هذا في شرح الحديث الذي يليه وسنذكر إن شاء الله تعالى ما ينبغي
الاعتماد عليه أفضل الأعمال ذكر الله ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند
مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن
تلقوا العدو فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال
ذكر الله أ ت مس الحديث أخرجه أحمد والترمذي والحاكم في المستدرك كما قال
المصنف رحمه الله وأخرجه أيضا مالك في الموطأ وابن ماجه والطبراني في
الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وابن شاهين في الترغيب في الذكر كلهم من
حديث أبي الدرداء إلا أن مالكا في الموطأ وقفه عليه وقد صححه الحاكم في
المستدرك وغيره وأخرجه أحمد أيضا من حديث معاذ قال المنذري بإسناد جيد إلا
أن فيه انقطاعا وقال في حديث أبي الدرداء أن أحمد أخرجه بإسناد حسن وقال
الهيثمي في حديث أبي الدرداء إسناده حسن وقال في حديث معاذ رجاله رجال
الصحيح إلا أن زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس لم يدرك معاذا قوله بخير
أعمالكم فيه دليل على أن الذكر خير الأعمال على العموم كما يدل عليه إضافة
الجمع إلى الضمير وكذلك إضافة أزكى وأرفع إلى ضمير
الأعمال والزكا
النماء والبركة فأفاد كل ذلك أن الذكر أفضل عند الله سبحانه وتعالى من
جميع الأعمال التي يعملها العباد وأنه أكثرها نماء وبركة وأرفعها درجة وفي
هذا ترغيب عظيم فإنه يدخل تحت الأعمال كل عمل يعمله العبد كائنا ما كان
قوله وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وفي نسخة من إنفاق الذهب والورق وفي
نسخة الجمع بين الفضة الورق والورق هي الدراهم المضروبة فعطفه على الفضة
من عطف الخاص على العام وعطف إنفاق الذهب والفضة على ما تقدم من عموم
الأعمال مع كونه مندرجا تحتها يدل على فضيلة زائدة على سائر الأعمال كما
هو النكتة المذكورة في عطف الخاص على العام وهكذا قوله وخير لكم من أن
تلقوا العدو وهذا من عطف الخاص على العام لكون الجهاد من الأعمال الفاضلة
وطبقته مرتفعة على كثير من الأعمال وفي تخصيص هذين العملين الفاضلين
بالذكر أيضا بعد تعميم جميع الأعمال زيادة تأكيد لما دل عليه ألا أنبئكم
بخير أعمالكم وما بعده من فضيلة الذكر على كل الأعمال ومبالغة في النداء
بفضله عليها ودفع لما يظن من أن المراد بالأعمال هاهنا غير ما هو متناه في
الفضيلة وارتفاع الدرجة وهو الجهاد والصدقة بما هو محبب إلى قلوب العباد
فوق كل نوع من أنواع المال وهو المذهب والفضة استشكال بعض أهل العلم تفضيل
الذكر على الجهاد وقد استشكل بعض أهل العلم تفضيل الذكر على الصدقة وقد
قدمت في شرح الحديث المتقدم على هذا طرفا من ذلك واستشكل بعضهم تفضيل
الذكر على الجهاد مع ورود الأدلة الصحيحة أنه أفضل الأعمال وقد جمع بعض
أهل العلم بين ما ورد من الأحاديث المشتملة على تفضيل بعض الأعمال على بعض
آخر وما ورد منها مما يدل على تفضيل البعض المفضل عليه بأن ذلك باعتبار
الأشخاص والأحوال فمن كان مطيقا للجهاد قوي الأثر فيه أفضل أعماله الجهاد
ومن كان كثير المال فأفضل أعماله الصدقة ومن كان غير متصف بأحد الصفتين
المذكورتين فأفضل أعماله الذكر والصلاة ونحو ذلك ولكنه
يدفع هذا
تصريحه صلى الله عليه وسلم بأفضلية الذكر على الجهاد نفسه في هذا الحديث
وفي الأحاديث الآخرة كحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند الترمذي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم
القيامة قال الذاكرون الله كثيرا قال قلت يا رسول الله ومن الغازي في سبيل
الله قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان
الذاكرون الله كثيرا أفضل منه درجة قال الترمذي بعد إخراجه حديث غريب
وكحديث عبد الله بن عمرو مرفوعا وفيه ولا شيء أنجى من عذاب الله من ذكر
الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولو أن يضرب بسيفه حتى يتقطع
أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي من رواية سعيد بن سنان وسيأتي قريبا حديث
إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ومما يدل على أن الذكر أفضل من الصدقة ما
أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن من حديث ثوبان قال
لما نزلت والذين يكنزون الذهب والفضة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه أنزلت في الذهب والفضة لو علمنا أي
المال خير فنتخذه فقال أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعينه على
إيمانه ومما يدل على ذلك الحديث الآتي في الرجل الذي في حجره دراهم يقسمها
وآخر يذكر الله ومما يدل على ذلك في الجهاد والصدقة وغير ذلك ما أخرجه
أحمد والطبراني من حديث معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن رجلا سأله قال أي المجاهدين أعظم أجرا قال أكثرهم لله تبارك
وتعالى ذكرا قال فأي الصالحين أعظم أجرا قال أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا
ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما
يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل
فإن قلت قد يرشد إلى الجمع المذكور ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من عجز منكم عن الليل أن يكابده
وبخل
بالمال أن ينفقه وجبن عن العدو أن يجاهده فليكثر من ذكر الله قلت ليس فيه
إلا أن العاجز عن هذه الأمور المذكورة يستكثر من الذكر وليس فيه أنها أفضل
من الذكر على أن في إسناد هذا الحديث أبا يحيى القتات وهو ضعيف مثل الذي
يذكر الله والذي لا يذكره كالحي والميت مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر
ربه مثل الحي والميت خ م الحديث أخرجه البخاري ومسلم كما قال المصنف رحمه
الله وهو من حديث أبي موسى رضي الله عنه وهذا اللفظ الذي ذكره المصنبف
رحمه الله هو لفظ البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه وذكره مسلم في كتاب
الصلاة من صحيحه ولفظه مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر
الله فيه مثل الحي والميت وفي هذا التمثيل منقبة للذاكر جليلة وفضيلة له
نبيلة وأنه بما يقع منه من ذكر الله عز وجل في حياة ذاتية وروحية لما
يغشاه من الأنوار ويصل إليه من الأجور كما أن التارك للذكر وإن كان في
حياة ذاتية فليس لها اعتبار بل هو شبيه بالأموات الذين لا يفيض عليهم بشيء
مما يفيض على الأحياء المشغولين بالطاعة لله عز وجل ومثل ما في هذا الحديث
قوله تعالى أو من كان ميتا فأحييناه والمعنى تشبيه الكافر بالميت وتشبيه
الهداية إلى الإسلام بالحياة لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم
الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده م
الحديث أخرجه مسلم كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة وأبي
سعيد معا رضي الله عنهما وأخرجه أيضا من حديثهما معا أبو داود
الطيالسي
وأحمد في المسند وعبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي وابن حبان وأخرجه أيضا من
حديثهما معا ابن أبي شيبة وابن شاهين في الترغيب في الذكر وقال حسن صحيح
بلفظ ما جلس قوم مسلمون مجلسا يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم
الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده وأخرجه الترمذي في
الدعوات من حديثهما معا بلفظ ما قعد قوم يذكرون الله الخ وفي الباب أحاديث
منها ما أخرجه أحمد في المسند وأبو يعلى الموصلي والطبراني في الأوسط
والضياء في المختارة من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ ما جلس قوم يذكرون
الله إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفورا لكم وما أخرجه الطبراني في
الكبير والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة من حديث سهل ابن الحنظلية
بلفظ ما جلس قوم يذكرون الله تعالى فيقومون حتى يقال لهم قوموا فقد غفرت
لكم ذنوبكم وبدلت سيئاتكم حسنات وأخرجه البيهقي من حديث عبد الله بن مغفل
رضي الله عنه وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر
فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى تنادوا هلموا إلى حاجتكم فيحفونهم
بأجنحتهم إلى السماء الحديث بطوله وأخرجه البزار من حديث أنس رضي الله عنه
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي من حديث معاوية أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال ما أجلسكم فقالوا جلسنا نذكر الله
ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا قال آلله ما أجلسكم إلا ذلك
قالوا آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال أما أنى لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه
أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة وفي الباب أحاديث
قوله حفتهم الملائكة أي أحدقت بهم واستدارت عليهم ومعنى غشيتهم الرحمة
سترتهم أخذا من التغشي بالثوب والسكينة هي الطمأنينة والوقار وقيل المراد
بالسكينة الرحمة ويرد ذلك عطفها على قوله غشيتهم الرحمة
ومعنى ذكر الله عز وجل فيمن عنده أنه يذكرهم عند ملائكته حسبما
قدمنا بيانه وفي الحديث ترغيب عظيم للاجتماع على الذكر
فإن
هذه الأربع الخصائص في كل واحدة منها على انفرادها ما يثير رغبة الراغبين
ويقوي عزم الصالحين على ذكر رب العالمين ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من
عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في
سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ثلاث مرات مص ط الحديث أخرجه
الطبراني في الكبير وابن أبي شيبة في مصنفه كما قال المصنف رحمه الله وهو
من حديث معاذ رضي الله عنه وأخرجه أيضا من حديثه أحمد في المسند والطبراني
أيضا في الأوسط وقال منذري في الترغيب بعد أن عزاه إلى الطبراني في الصغير
الأوسط ورجالهما رجال الصحيح وجعلهما عنده من حديث جابر بهذا اللفظ فظهر
بهذا أن هذا المتن حديثان لا حديث واحد وقال الهيثمي في حديث معاذ رجاله
رجال الصحيح قال وقد رواه الطبراني عن جابر بسند رجاله رجال الصحيح انتهى
وفي الحديث دليل على أن الذكر أفضل وقد قدمنا الكلام على ذلك لو أن رجلا
في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل ط الحديث أخرجه
الطبراني في الكبير كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي موسى رضي
الله عنه وأخرجه من حديثه أيضا الطبراني في الأوسط وابن شاهين في الترغيب
في الذكر وفي إسناده جابر بن الولاع قال النسائي منكر الحديث انتهى ولكنه
قد روى له مسلم فلا وجه لإعلال الحديث به وقد حسن إسناده المنذري في
الترغيب والترهيب في الذكر قال الهيثمي رجاله وثقوا انتهى وقال المناوي
لكن صحح بعضهم وقفه وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد
الزهد من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قوله في حجره دراهم الحجر
بفتح الحاء المهملة
وكسرها قيل هو طرف الثوب وقيل هو طرف كل شيء
وقال في القاموس أنه حضن الإنسان وهذا أنسب بمعنى الحديث وفي الحديث دليل
على أن الذكر أفضل من الصدقة وقد تقدم البحث عن ذلك إذا مررتم برياض الجنة
فارتعوا قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة قال حلق الذكر ت الحديث أخرجه
الترمذي كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أنس رضي الله عنه وأخرجه
أيضا من حديثه محمد في المسند والبيهقي في الشعب وقال الترمذي حسن غريب
وقال المناوي وشواهده ترتقي إلى الصحة وأخرج الطبراني في الكبير من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة
فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال مجالس العلم وفي إسناده رجل مجهول وأخرج
الترمذي وقال غريب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال المساجد قيل
وما الرتع قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وأخرج
ابن أبي الدنيا وأبو يعلى والطبراني والبزار والحاكم في المستدرك وقال
صحيح الإسناد والبيهقي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال خرج
علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إن لله سرايا من
الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض فارتعوا في رياض الجنة قالوا
وأين رياض الجنة قال مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروا أنفسكم
من كان يريد أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده فإن الله
ينزل العبد عنده حيث أنزله تعالى في نفسه قال المنذري والحديث حسن انتهى
ولا مخالفة بين هذه الأحاديث فرياض الجنة تطلق على حلق الذكر ومجالس العلم
والمساجد ولا مانع من ذلك انتهى وأما قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه
قيل وما الرتع قال سبحان الله الخ ففيه ما
يدل على أن هذا الذكر له
مزية تشرف على سائر الأذكار ولا ينافي ما يدل عليه قوله حلق الذكر من
العموم ولا ينافي أيضا ما في الحديث الآخر حيث قال مجالس العلم والحاصل أن
الجماعة المشتغلين بذكر الله عز وجل أي ذكر كان والمشتغلين بالعلم النافع
وهو علم الكتاب والسنة وما يتوصل به إليهما هم يرتعون في رياض الجنة قوله
إذا مررتم برياض الجنة جمع روضة وهي الموضع المشتمل على النبات وإنما شبه
حلق الذكر بها وشبه الذكر بالرتع في الخصب قوله حلق الذكر بكسر الحاء
المهملة وفتح اللام جمع حلقة بفتح الحاء وسكون اللام وكذا في كثير من
النسخ من كتب اللغة وقال الجوهري جمع حلقة حلق بفتح الحاء والمراد بالحلقة
جماعة من الناس يستديرون كحلقة الباب وغيره ما من آدمي إلا لقلبه بيتان في
أحدهما الملك وفي الآخر الشيطان فإذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر الله وضع
الشيطان منقاره في قلبه ووسوس له مص الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه
كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث عبد الله ابن شقيق ورجال إسناده
رجال الصحيح وفي معناه ما أخرجه البخاري تعليقا عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيطان جاثم على قلب ابن آدم
إذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس له وكذا ما أخرجه ابن أبي الدنيا وأبو
يعلى والبيهقي من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
إن الشيطان واضع خطمه على قلب أبن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم
قلبه والمراد بقوله خطمه فمه وهو بفتح الخاء وسكون الطاء المهملة قوله خنس
بفتح الخاء المعجمة والنون أي تأخر وخرج من المكان الذي قد كان فيه وهو
قلب الآدمي قوله منقاره المراد به هاهنا فمه
شبهه بمنقار الطائر في
لقطه لما يلتقط به من هاهنا بسرعة وخفة من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر
الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة ت
انقلب بأجر حجة وعمرة ط الحديث أخرجه الترمذي والطبراني كما قال المصنف
رحمه الله وهو من حديث أنس رضي الله عنه قال الترمذي حسن غريب واللفظ الذي
ذكره المصنف معزوا إلى الطبراني هو من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى الغداة في جماعة ثم جلس يذكر
الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة قال المنذري
وإسناده جيد وأخرج أحمد في المسند وابن جرير وصححه والبيهقي في الشعب من
حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من صلى الفجر في جماعة
ثم جلس في مصلاه يذكر الله صلت عليه الملائكة وصلاتهم عليه اللهم اغفر له
اللهم ارحمه ومن جلس ينتظر الصلاة صلت عليه الملائكة وصلاتهم عليه اللهم
اغفر له الله ارحمه وفي تكرير قوله تامة تامة تامة تأكيد لرفع توهم أنه لم
يرد الحجة والعمرة على التمام وهو تأكيد راجع إلى الحجة والعمرة فكأنه قال
كأجر حجة تامة تامة تامة وعمرة تامة تامة تامة وهذا الأجر المذكور يحصل
بمجموع ما اشتمل عليه الحديث من صلاة الفجر في جماعة ثم القعود للذكر حتى
تطلع الشمس ثم صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس ذاكر الله في الغافلين بمنزلة
الصابر في الفارين ز الحديث أخرجه البزار في مسنده كما قال المصنف رحمه
الله ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأخرجه أيضا من حديثه الطبراني في
الكبير والأوسط ورجاله في الأوسط ثقات وأخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي
في
الشعب من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذاكر الله في الغافلين مثل الذي يقاتل عن الفارين وذاكر الله في
الغافلين كالمصباح في البيت المظلم وذاكر الله في الغافلين كمثل الشجرة
الخضراء في وسط الشجر الذي قد تحات وذاكر الله في الغافلين يعرف مقعده في
الجنة وذاكر الله في الغافلين يغفر الله له بعدد كل فصيح وعجمي وفي إسناده
عمران بن مسلم القصير قال البخاري منكر الحديث وقال الحافظ العراقي سنده
ضعيف ولعله يشير إلى كون في إسناده هذا الرجل قوله ذاكر الله في الغافلين
الخ الذاكر بين جماعة لا يذكرون الله كمن يجاهد الكفار بعد فرار أصحابه من
الزحف وهذه فضيلة جليلة ومنقبة نبيلة ما من قوم جلسوا مجلسا وتفرقوا عنه
ولم يذكروا الله فيه إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم
القيامة مس دت حب الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وأبو داود والترمذي
وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
وأخرجه أيضا من حديثه أحمد في المسند وابن السني في عمل اليوم والليلة
والبيهقي في الشعب وحسنه الترمذي وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقال
النووي في الأذكار والرياض إسناده صحيح وفي الباب عن أبي هريرة أيضا عند
أبي داود والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما جلس قوم مجلسا لم
يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن
شاء غفر لهم قال الترمذي حديث حسن وأخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي وأخرجه
أيضا أحمد بإسناد صحيح والنسائي وابن حبان وصححه وأخرجه أيضا الطبراني في
الكبير من حديث أبي أمامة وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط
والبيهقي من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
السند :
يروي
المفتقر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى محمد بن محمد بن يحيى زبارة الحسنى
اليمني غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين كتاب تحفة الذاكرين هذا وسائر
مؤلفات القاضي الشهير محمد بن علي بن محمد الشوكاني عن إمام السنة النبوية
في البلاد اليمنية المولى الحسين بن علي بن محمد العمري عمره الله تعالى
عن السيد الحافظ إسماعيل بن محسن بن عبد الكريم بن أحمد بن محمد بن إسحاق
الحسنى المتوفى سنة هجرية عن المؤلف الشوكاني قال رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن يا كريم يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين
الحمد
الله الذي جعل ذكره عدة للمتقين يتوصلون بها إلى خيرى الدنيا والدين وجنة
واقية للمؤمنين عرض الشياطين وشر إخوانهم المتمردين من طوائف الخلق أجمعين
والصلاة والسلام على خير البشر الذي أنزل عليه ولذكر الله أكبر فبين
للعباد من فضائل الأذكار وما فيها من المنافع الكبار
والفوائد ذوات
الأخطار ما ملأ الأسفار وتناقلته ألسن الرواة في جميع الأقطار وكان به
العمل في جميع الأعصار وعلى آله الطاهرين وأصحابه الهادين وبعد فإنه لما
كان كتاب عدة الحصن الحصين في الأذكار الواردة عن سيد المرسلين من أكثر
الكتب نفعا وأحسنها صنعا وأتقنها جمعا وأحكمها رصعا يقي فيه ما يقي الرين
من العين وإن لم يكن فيه شين وهو عدم التنبيه على ما في بعض أحاديثه من
المقال وعدم الانتباه لعزوه إلى مخرجيه على الكمال وذلك يقتضي أن لا تكون
بصائر المطلعين عليه بصيرة ولا أبصار المتطلعين إليه به قريرة فإن بيان
التحسين أو التصحيح أو التضعيف بما يقتضيه النظر من الترجيح بعد الموازنة
بين التعديل والتجريح هو المقصد الأعلى من علم الرواية والغاية التي ليس
وراءها غاية والمطلب الذي ينبغي أن ترفع له أول راية قبل كل ما يتعلق
بالحديث من تفسير أو دراية ومعلوم أن كل من له فضل ورغبة إلى العمل بما
ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل إذا لم يقف على حقيقة حال
المنقول ولا درى أهو صحيح أو حسن أو معلول فتر نشاطه وانقبض انبساطه لأنه
لم يكن على ثقة لتردده بين طرفي الموافقة والمخالفة ولفقده للالماع بما
يتميز به الاتباع من الابتداع ولم نقف إلى الآن ولا سمعنا عن أحمد من أهل
العرفان أنه شرح هذا الكتاب بشرح يشرح صدور أولي الألباب ويتبين به القشر
من اللباب ولا أنه حام أحد حول هذا المقصد النفيس والغرض الذي هو لطالب
هذا الكلام على فوائد الحديث كالرئيس وأما الكلام على المعنى العربي
والتعرض لما يقتضيه العلم الأعرابي فهو وإن كان مشتملا على فائدة يعود بها
على الطالب أحسن عائدة لكن بين الفائدتين من التفاوت في النفع ما بين
المشرقين فإنه إذا تبين الحال من
تصحيح أو تحسين أو إعلال فقد وقع
الظفر بالمطلب الذي تدور عليه الدوائر وتعمر فوقه مشيدات القناطر وهذا هو
السبب الذي نشطت به إلى شرح هذا الكتاب ورغبت لأجله إلى السبح في هذا
البحر العباب مستعينا بالله مفوضا أمري إلى الله راجيا أن ينفع به ما شاء
من عباده الصالحين ويجعله لي ذخيرة يدوم خيرها بعد الانتقال إلى جوار رب
العالمين على أنك بحمد الله ستقف في هذا الشرح بعد الأخذ من بيان ذلك
المقصد الكبير بما تبلغ إليه الطاقة من التفتيش والتنقير على فوائد شوارد
وفرائد قلائد لم يتعرض لها من تعرض لشرحه وإن طال في لججة بشوط سبحه واعلم
أن ما كان من أحاديث هذا الكتاب في أحد الصحيحين فقد أسفر فيه صبح الصحة
لكل ذي عينين لأنه قد قطع عرق النزاع ما صح من الإجماع على تلقي جميع
الطوائف الإسلامية لما فيهما بالقبول وهذه رتبة فوق رتبة التصحيح عند جميع
أهل العقول والمنقول على أنهما قد جمعا في كتابيهما من أعلا أنواع الصحيح
ما اقتدى به وبرجاله من تصدي بعدهما للتصحيح كأهل المستخرجات والمستدركات
ونحوهم من المتصدرين لأفراد الصحيح في كتاب مستقل وأما ما عدا ما في
الصحيحين أو أحدهما فقد وطنت النفس على البحث عنه وإمعان النظر فيه حتى
أقف على ما يضعفه أو يقويه وقد اكتفى بتصحيح إمام إذا أعوز الحال في
المقام فائدة ذكر السيوطي في ترجمة الجامع الكبير أن عزوه للأحاديث التي
فيه إلى الصحيحين وابن حبان والحاكم في مستدركه والضياء في المختارة معلم
بالصحة سوى ما تعقب على المستدرك فإنه نبه عليه ثم قال وهكذا ما في موطأ
مالك وصحيح ابن خزيمة وصحيح أبي عوانة وابن السكن والمنتقى لابن الجارود
والمستخرجات فالعزو إليها معلن بالصحة أيضا ثم قال بعد ذلك
وكل ما
كان في مسند أحمد فإنه مقبول فان الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن ثم قال
بعد ذلك إن ما عزى إلى العقيلي في الضعفاء وابن عدي في الكامل والخطيب
وابن عساكر والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والحاكم في تاريخه وابن
الجارود في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس فهو ضعيف فيستغني بالعزو
إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه وهذه الفائدة لم أقتد به فيها بل بحثت كل
البحث عن أسانيد هذه الكتب التي جعل العزو إليها معلنا بالصحة أو الضعف
كما ستعرف ذلك إلا في الصحيحين وضممت إلى التصحيح والتسقيم فائدة جليلة هي
أني أذكر ألفاظ الحديث إذا كان له ألفاظ وأورد ما يطابق معنى ذلك الحديث
من الأحاديث كما ستقف على ذلك رواية المصنف رحمة الله للعدة ولنقدم الآن
ذكر روايتي لهذا الكتاب عن مؤلفه رحمه الله فأقول أنا أرويه من طرق أحدها
عن شيخنا السيد الإمام عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر الكوكباني رحمه
الله عن شيخه السيد سليمان بن يحيى الأهدل عن السيد يحيى بن عمر الأهدل عن
الحافظ يوسف بن محمد البطاح الأهدل عن السيد الطاهر بن حسين الأهدل عن
الحافظ عبد الرحمن بن علي الديبع عن الحافظ زين الدين بن أحمد بن عبد
اللطيف الشرجي عن المؤلف رحمه الله وقد شارك الحافظ الشرجي في رواية هذا
الكتاب عن المؤلف جماعة من علماء اليمن وغيرهم فمنهم الفقيه إسماعيل بن
محمد بن أحمد بن مبارك ومنهم عبد الله بن عمر بن جعمان ومنهم إسماعيل بن
إبراهيم بن بكر ومنهم عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد وأنا أروي عنهم
جميعا بهذا الإسناد المذكور إلى الديبع
عن المؤلف رحمه الله ولنقتصر على هذا الإسناد لكون رجاله جميعا ثقات
أثباتا أعلاما معروفين مشهورين وسميت هذا الشرح المبارك
تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به ويجعله ذخيرة خير لي يستمر
لي نفعها بعد موتي إلى يوم الدين آمين
ترجمة ابن الجزري رحمه الله
أما
المؤلف رحمه الله فهو الإمام الكبير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف
الجزري رحمه الله ولد بدمشق سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ورحل إلى مصر وشيراز
والحرمين وأخذ عن شيوخ بلده مولده ومنشئه وعن شيوخ البلاد التي رحل إليها
ومهر في كثير من العلوم خصوصا علم القرآن فإنه تفرد به وأخذ عنه الناس فيه
وفي غيره من العلوم وصنف النشر في القراءات العشر وله التوضيح في شرح
المصابيح ومن مصنفاته أصل هذا الكتاب وهو الحصن الحصين ثم اختصره في هذا
الكتاب وسماه عدة الحصن الحصين وله مؤلف آخر سماه مفتاح الحصن وله مصنفات
كثيرة وقد استوفيتها في ترجمتي له في تاريخي المسمى البدر الطالع بمحاسن
من بعد القرن السابع وقد طوف كثيرا من الأقطار ووفد على الملوك الكبار
منهم من ذكرت في ترجمة هذا الكتاب التي سنذكرها وأشار إليه بقوله مليك على
الدنيا بطلعة وجهه جمال وإجلال وعز مؤبد وهو السلطان إبراهيم بن تيمرلنك
سلطان بلاد العجم ووفد أيضا على سلطان اليمن الملك المنصور في سنة ثمان
وعشرين وثمانمائة فأكرمه وأسمع بحضرته صحيح مسلم وعقد مجلس الحديث بزبيد
في مساجد الأشاعرة
وأخذ عنه جمهور علماء هذه الديار ثم رجع إلى القاهرة
في سنة تسع وعشرين وتوجه منها إلى شيراز وتوفي بها سنة ثلاث وثلاثين
وثمانمائة وبقية أحواله مستوفاة في كتابي المشار إليه وقد ابتدأ المصنف
رحمه الله بخطبة كتابه وتبويب أبوابه وكل ذلك غنى عن الشرح لوضوحه لفظا
ومعنى وعدم الفائدة بتبيين البين وتوضيح الجلي فإن ذلك من تحصيل الحاصل
ومن شغلة الخير بما ليس فيه طائل وقد كتبنا ذلك هاهنا لتكمل الفائدة
ومعرفة ما بنى عليه كتابه
خطبة ابن الجزري رحمه الله قال رحمه الله ما لفظه
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل ذكره عدة من الحصن الحصين وصلاته
وسلامه على سيد الخلق محمد النبي الأمي الأمين وعلى آله الطاهرين وأصحابه
أجمعين والتابعين لهم باحسان إلى يوم الدين وبعد فإنه لما كان كتابي الحصن
الحصين من كلام سيد المرسلين مما لم يسبق إلى مثاله أحد من المتقدمين وعز
تأليف نظيره على من سلك طريقه من المتأخرين لما حوى من الاختصار المبين
والجمع الرصين والتصحيح المتين والرمز الذي هو على العزو معين حداني على
الاختصار في هذه الأوراق من أصله المذكور بعد أن كنت سئلت عن ذلك مرارا في
سنين وشهور من أنس غربتي وكشف كربتي فأوجب الحق علي مكافأته ولم أقدر
عليها إلا بالدعاء له فأسأل الله نصره ومعافاته
مليك على الدنيا
لغرة وجهه جمال وإجمال وعز مؤبد فتى ما سمعنا قبله كان مثله ولا بعده
فالله يبقيه يوجد ورمزت للكتب المخرج منها هذه الأحاديث المذكورة في هذا
الكتاب فصحيح البخاري خ وصحيح مسلم م وسنن أبي داود د والترمذي ت والنسائي
س وابن ماجه القزويني ق وهذه الأربعة عه وهذه الستة ع وموطأ مالك طا وصحيح
ابن خزيمة مه وصحيح ابن حبان حب وصحيح أبي عوانة عو ومستدرك الحاكم على
الصحيحين مس ومسند الإمام أحمد أ ومسند أبي يعلى الموصلي ص ومسند الدارمي
مي ومسند البزار ز ومعجم الطبراني الكبير ط والمعجم الأوسط له طس والمعجم
الصغير له صط والدعاء له طب والدعاء لابن مردويه مر والسنن للدارقطني قط
والسنن الكبرى للبيهقي سى والدعاء له قى ومصنف ابن أبي شيبة مص وعمل اليوم
والليلة لابن السنى ى وعلامة الموقوف منها قف وجعلته في عشرة أبواب كل باب
يتعلق بأنواع وأسباب الباب الأول في فضل الذكر والدعاء والصلاة والسلام
على النبي صلى الله عليه وسلم وآداب ذلك الباب الثاني في أوقات الإجابة
وأحوالها وأماكنها ومن يستجاب له وبم يستجاب واسم الله الأعظم وأسمائه
الحسنى وعلامة الاستجابة والحمد عليها الباب الثالث فيما يقال في الصباح
والمساء والليل والنهار عموما وخصوصا وأحوال النوم واليقظة الباب الرابع
فيما يتعلق بالطهور والمسجد والأذان والصلاة الراتبة وصلوات منصوصات الباب
الخامس فيما يتعلق بالأكل والشرب والصوم والصلاة والزكاة والسفر والحج
والجهاد والنكاح الباب
السادس فيما يتعلق بالأمور العلوية كسحاب
ورعد وبرق ومطر وريح وهلال وقمر الباب السابع فيما يتعلق بأحوال بني آدم
من أمور مختلفات باختلاف الحالات الباب الثامن فيما يهم من عوارض وآفات في
الحياة إلى الممات الباب التاسع في ذكر ورد فضله ولم يخص بوقت من الأوقات
واستغفار يمحو الخطيئات وفضل القرآن العظيم وسور منه وآيات الباب العاشر
في أدعية صحت عنه صلى الله عليه وسلم مطلقات غير مقيدات فجاء بحمد الله
كبير المقدار غاية في الاختصار جامعا للصحيح من الأخبار لم يؤلف مثله في
الأعصار جمع بين الذكر النبوي والحديث المصطفوي والخير الدنيوي والأخروي
لو كتب بماء الذهب لكان من حقه أن يكتب بل بسواد الأحداق لاستحق وكان أجدر
أن يسطر على كل حديث منه صحيح مجرب أسأل الله أن ينفع به أهله وأن يولينا
جميعا فضله وأن ينصر به كل مظلوم وأن يرزق به كل محروم وأن يجبر به كل
مكسور وأن يؤمن به كل مذعور وأن يفرج به عن كل مكروب وأن يرد به عن كل
محروب انتهى
قال رحمه الله
الباب الأول في فضل الذكر والدعاء والصلاة والسلام على النبي
صلى الله عليه وسلم وآداب ذلك
فضل الذكر
قال
صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني
فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منه
خ م الحديث أخرجه البخاري ومسلم كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه وتمامه فإن اقترب إلي شبرا اقتربت منه
ذراعا وإن
اقترب إلي ذراعا اقتربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة وأخرجه أيضا
من حديثه الترمذي وأخرجه أحمد في المسند من حديث أنس رضي الله عنه وأخرجه
أيضا ابن شاهين في الترغيب في الذكر من حديث ابن عباس بلفظ ابن آدم إن
ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ أفضل منهم
وأكرم وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا
وإن مشيت إلي هرولت إليك وفي إسناده معمر بن زائدة قال العقيلي لا يتابع
على حديثه وأخرجه أيضا أبو داود الطيالسي وأحمد في المسند من حديث أنس
أيضا بلفظ إذا تقرب مني عبدي شبرا تقربت منه ذراعا وإذا تقرب مني ذراعا
تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ومن حديث قتادة أيضا وأخرجه
بهذا الإسناد البخاري من حديث قتادة عن أنس ومن حديث التميمي عنه أيضا
وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي ذر رضي الله عنه بلفظ ومن تقرب مني شبرا
تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته
هرولة وأخرج البخاري تعليقا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إن الله يقول أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي
شفتاه قوله قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فيه ترغيب من الله عز وجل
لعباده بتحسين ظنونهم وأنه يعاملهم على حسبها فمن ظن به خيرا أفاض عليه
جزيل خيراته وأسبل عليه جميل تفضلاته ونثر عليه محاسن كراماته وسوابغ
عطياته ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن الله تعالى له هكذا وهذا هو معنى
كونه سبحانه وتعالى عند ظن عبده فعلى العبد أن يكون حسن الظن بربه في جميع
حالاته ويستعين على تحصيل ذلك باستحضاره ما ورد من الأدلة الدالة على سعة
رحمة الله سبحانه وتعالى كحديث أبي هريرة في الصحيحين قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لما قضى الله أمر الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق عرشه
إن رحمتي سبقت غضبي وفي رواية
غلبت غضبي وكحديثه أيضا في الصحيحين
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة
واحدة بين الجن والأنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها
يعطف الوحش على ولده وأخر الله تسعا وتسعين رحمه يرحم بها عباده يوم
القيامة وكحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصحيحين قال قدم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم سبى فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذ
وجدت صبيا في السبي فأخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم أترون هذه طارحة ولدها في النار فقلنا لا وهي تقدر على أن
لا تطرحه فقال الله أرحم بعباده من هذه بولدها ومثل هذا ما أخرجه أبو داود
عن بعض الصحابة قال بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل
عليه كساء وفي يده شيء قد التف عليه فقال يا رسول الله مررت بغيضة شجر
فيها أصوات فراخ طائر فأخذتهن فوضعتهن في كسائي فجاءت أمهن فدارت على رأسي
فكشفت لها عنهن فوقعت عليهن فلففتهن بكسائي فهن أولاء معي فقال ضعهن
فوضعتهن فأبت أمهن إلا لزومهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعجبون
لرحم أم الأفراخ بفراخها فوالذي بعثني بالحق لله أرحم بعباده من أم
الأفراخ بفراخها ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن وأمهن معهن فرجع بهن
ومن هذا القبيل ما ورد فيمن قال لا إله إلا الله وهي أحاديث صحيحة كثيرة
وفي الباب أحاديث لا يتسع لها إلا مؤلف مستقل ويغنى عن الجميع ما أخبرنا
به الرب سبحانه وتعالى في كتابه من أن رحمتي وسعت كل شيء ومن أنه كتب على
نفسه الرحمة فإن هذا وعد من الله عز وجل وهو لا يخلف على خلقه الوعد وخير
منه لعباده وهو صادق المقال على كل حال
دعاء عمر بن عبد العزيز رحمه
الله وما أحسن ما كان يدعو به الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله
فإنه كان يقول يا من وسعت رحمته كل شيء أنا شيء فلتسعني رحمتك يا أرحم
الراحمين وقلت أنا يا من كتب على نفسه الرحمة لعباده إني من عبادك فارحمني
يا أرحم الراحمين قوله وأنا معه إذا ذكرني فيه تصريح بأن الله سبحانه
وتعالى مع عباده عند ذكرهم له ومن مقتضى ذلك أن ينظر إليه برحمته ويمده
بتوفيقه وتسديده فإن قلت هو مع جميع عباده كما قال سبحانه وتعالى وهو معكم
أين ما كنتم وقوله جل ذكره ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية قلت
هذه معية عامة وتلك معية خاصة حاصلة للذاكر على الخصوص بعد دخوله مع أهل
المعية العامة وذلك يقتضي مزيد العناية ووفور الإكرام له والتفضل عليه ومن
هذه المعية الخاصة ما ورد في الكتاب العزيز من كونه مع الصابرين وكونه مع
الذين اتقوا وما ورد هذا المورد في الكتاب العزيز أو السنة فلا منافاة بين
إثبات المعية الخاصة وإثبات المعية العامة ومثل هذا ما قيل من أن ذكر
الخاص بعد العام يدل على أن للخاص مزية اقتضت ذكره على الخصوص بعد دخوله
تحت العموم قوله فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي يحتمل أن يريد سبحانه
وتعالى أن العبد إذا ذكره ذكرا قلبيا غير شفاهي أثابه ثوابا مخفيا عن
عباده وأعطاه عطاء لا يطلع عليه غيره ويحتمل أن يريد الذكر الشفاهي على
جهة السر دون الجهر وأن الله سبحانه وتعالى يجعل ثواب هذا الذكر الإسراري
ثوابا مستورا لا يطلع عليه أحد ويدل على هذا الاحتمال الثاني قوله وإن
ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه فإنه يدل على أن العبد قد جهر بذكره
سبحانه وتعالى بين ذلك الملأ الذي هو فيهم فيقابله الاسرار بالذكر باللسان
لا مجرد الذكر القلبي فانه لا يقابل الذكر الجهري بل يقابل مطلق الذكر
اللساني أعم من أن يكون سرا أو جهرا
ومعنى قوله سبحانه وتعالى ذكرته
في ملأ خير منه أن الله يجعل ثواب ذلك الذكر بمرأى ومسمع من ملائكته أو
يذكره عندهم بما يعظم به شأنه ويرتفع به مكانه ولا مانع من أن يجمع بين
الأمرين وفي قوله ذكرته في نفسي مشاكلة كما في قوله عز وجل تعلم ما في
نفسي ولا أعلم ما في نفسك وقد حقق ذلك أهل علم البيان وإنما يحتاج إلى هذا
إذا أريد بالنفس معنى من معانيها لا يجوز إطلاقه على الرب سبحانه وتعالى
وأما إذا أريد بها الذات فلا حاجة إلى القول بالمشاكلة وكما جاءت السنة
بفضائل الذكر والترغيب إليه وعظم الأجر عليه كذلك جاء مثل ذلك في الكتاب
العزيز قال الله سبحانه وتعالى ولذكر الله أكبر أي أكبر مما سواه من
الأعمال الصالحة وقال سبحانه وتعالى فاذكروني أذكركم وقال سبحانه وتعالى
واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وقال سبحانه وتعالى ألا بذكر الله تطمئن
القلوب والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة الخ وغيرها من
الآيات فضل الذكر على الصدقة ما صدقة أفضل من ذكر الله طس الحديث أخرجه
الطبراني في معجمه الأوسط كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث ابن عباس
رضي الله عنهما كذا في الجامع الصغير للسيوطي وذكره المنذري في الترغيب
والترهيب في الذكر معزوا إلى الطبراني من حديث أبي موسى وحسنه وقال
الهيثمي في حديث ابن عباس أن رجاله موثوقون وفيه دليل على أن ذكر الله
سبحانه وتعالى لا يفضل عليه شيء من جميع أنواع الصدقة لأن قوله صدقه نكرة
في سياق نفى فتعم كل صدقة ومقتضاه أن لا توجد صدقه كائنة ما كانت افضل من
ذكر الله فتكون إما مساوية له أو دونه والذكر قد يكون مثلها أو افضل منها
ولا يكون دونها استشكال بعض أهل العلم لهذا الحديث والجواب عنه وقد أورد
بعض أهل العلم أشكالا هاهنا فقال أن صدقة المال يتعدى
نفعها إلى
الغير بخلاف الذكر والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر وأجاب الحليمي عن
ذلك بأنه لم يكن المراد من هذا الذكر ذكر اللسان وحده بل المراد ذكر
اللسان والقلب جميعا وذكر القلب أفضل لأنه يردع عن التقصير في الطاعات وعن
المعاصي والسيئات وذكر مثل هذا الجواب البيهقي في شعب الإيمان وأقره ونقل
عن النووي أن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من شغل جارحة واحدة وكذلك شغل
ثلاث جوارح أفضل من شغل جارحتين وكل ما زاد فهو أفضل وسيأتي تمام الكلام
على هذا في شرح الحديث الذي يليه وسنذكر إن شاء الله تعالى ما ينبغي
الاعتماد عليه أفضل الأعمال ذكر الله ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند
مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن
تلقوا العدو فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال
ذكر الله أ ت مس الحديث أخرجه أحمد والترمذي والحاكم في المستدرك كما قال
المصنف رحمه الله وأخرجه أيضا مالك في الموطأ وابن ماجه والطبراني في
الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وابن شاهين في الترغيب في الذكر كلهم من
حديث أبي الدرداء إلا أن مالكا في الموطأ وقفه عليه وقد صححه الحاكم في
المستدرك وغيره وأخرجه أحمد أيضا من حديث معاذ قال المنذري بإسناد جيد إلا
أن فيه انقطاعا وقال في حديث أبي الدرداء أن أحمد أخرجه بإسناد حسن وقال
الهيثمي في حديث أبي الدرداء إسناده حسن وقال في حديث معاذ رجاله رجال
الصحيح إلا أن زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس لم يدرك معاذا قوله بخير
أعمالكم فيه دليل على أن الذكر خير الأعمال على العموم كما يدل عليه إضافة
الجمع إلى الضمير وكذلك إضافة أزكى وأرفع إلى ضمير
الأعمال والزكا
النماء والبركة فأفاد كل ذلك أن الذكر أفضل عند الله سبحانه وتعالى من
جميع الأعمال التي يعملها العباد وأنه أكثرها نماء وبركة وأرفعها درجة وفي
هذا ترغيب عظيم فإنه يدخل تحت الأعمال كل عمل يعمله العبد كائنا ما كان
قوله وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وفي نسخة من إنفاق الذهب والورق وفي
نسخة الجمع بين الفضة الورق والورق هي الدراهم المضروبة فعطفه على الفضة
من عطف الخاص على العام وعطف إنفاق الذهب والفضة على ما تقدم من عموم
الأعمال مع كونه مندرجا تحتها يدل على فضيلة زائدة على سائر الأعمال كما
هو النكتة المذكورة في عطف الخاص على العام وهكذا قوله وخير لكم من أن
تلقوا العدو وهذا من عطف الخاص على العام لكون الجهاد من الأعمال الفاضلة
وطبقته مرتفعة على كثير من الأعمال وفي تخصيص هذين العملين الفاضلين
بالذكر أيضا بعد تعميم جميع الأعمال زيادة تأكيد لما دل عليه ألا أنبئكم
بخير أعمالكم وما بعده من فضيلة الذكر على كل الأعمال ومبالغة في النداء
بفضله عليها ودفع لما يظن من أن المراد بالأعمال هاهنا غير ما هو متناه في
الفضيلة وارتفاع الدرجة وهو الجهاد والصدقة بما هو محبب إلى قلوب العباد
فوق كل نوع من أنواع المال وهو المذهب والفضة استشكال بعض أهل العلم تفضيل
الذكر على الجهاد وقد استشكل بعض أهل العلم تفضيل الذكر على الصدقة وقد
قدمت في شرح الحديث المتقدم على هذا طرفا من ذلك واستشكل بعضهم تفضيل
الذكر على الجهاد مع ورود الأدلة الصحيحة أنه أفضل الأعمال وقد جمع بعض
أهل العلم بين ما ورد من الأحاديث المشتملة على تفضيل بعض الأعمال على بعض
آخر وما ورد منها مما يدل على تفضيل البعض المفضل عليه بأن ذلك باعتبار
الأشخاص والأحوال فمن كان مطيقا للجهاد قوي الأثر فيه أفضل أعماله الجهاد
ومن كان كثير المال فأفضل أعماله الصدقة ومن كان غير متصف بأحد الصفتين
المذكورتين فأفضل أعماله الذكر والصلاة ونحو ذلك ولكنه
يدفع هذا
تصريحه صلى الله عليه وسلم بأفضلية الذكر على الجهاد نفسه في هذا الحديث
وفي الأحاديث الآخرة كحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند الترمذي أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم
القيامة قال الذاكرون الله كثيرا قال قلت يا رسول الله ومن الغازي في سبيل
الله قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان
الذاكرون الله كثيرا أفضل منه درجة قال الترمذي بعد إخراجه حديث غريب
وكحديث عبد الله بن عمرو مرفوعا وفيه ولا شيء أنجى من عذاب الله من ذكر
الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولو أن يضرب بسيفه حتى يتقطع
أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي من رواية سعيد بن سنان وسيأتي قريبا حديث
إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ومما يدل على أن الذكر أفضل من الصدقة ما
أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن من حديث ثوبان قال
لما نزلت والذين يكنزون الذهب والفضة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه أنزلت في الذهب والفضة لو علمنا أي
المال خير فنتخذه فقال أفضله لسان ذاكر وقلب شاكر وزوجة مؤمنة تعينه على
إيمانه ومما يدل على ذلك الحديث الآتي في الرجل الذي في حجره دراهم يقسمها
وآخر يذكر الله ومما يدل على ذلك في الجهاد والصدقة وغير ذلك ما أخرجه
أحمد والطبراني من حديث معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن رجلا سأله قال أي المجاهدين أعظم أجرا قال أكثرهم لله تبارك
وتعالى ذكرا قال فأي الصالحين أعظم أجرا قال أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا
ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما
يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل
فإن قلت قد يرشد إلى الجمع المذكور ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من عجز منكم عن الليل أن يكابده
وبخل
بالمال أن ينفقه وجبن عن العدو أن يجاهده فليكثر من ذكر الله قلت ليس فيه
إلا أن العاجز عن هذه الأمور المذكورة يستكثر من الذكر وليس فيه أنها أفضل
من الذكر على أن في إسناد هذا الحديث أبا يحيى القتات وهو ضعيف مثل الذي
يذكر الله والذي لا يذكره كالحي والميت مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر
ربه مثل الحي والميت خ م الحديث أخرجه البخاري ومسلم كما قال المصنف رحمه
الله وهو من حديث أبي موسى رضي الله عنه وهذا اللفظ الذي ذكره المصنبف
رحمه الله هو لفظ البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه وذكره مسلم في كتاب
الصلاة من صحيحه ولفظه مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر
الله فيه مثل الحي والميت وفي هذا التمثيل منقبة للذاكر جليلة وفضيلة له
نبيلة وأنه بما يقع منه من ذكر الله عز وجل في حياة ذاتية وروحية لما
يغشاه من الأنوار ويصل إليه من الأجور كما أن التارك للذكر وإن كان في
حياة ذاتية فليس لها اعتبار بل هو شبيه بالأموات الذين لا يفيض عليهم بشيء
مما يفيض على الأحياء المشغولين بالطاعة لله عز وجل ومثل ما في هذا الحديث
قوله تعالى أو من كان ميتا فأحييناه والمعنى تشبيه الكافر بالميت وتشبيه
الهداية إلى الإسلام بالحياة لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم
الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده م
الحديث أخرجه مسلم كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة وأبي
سعيد معا رضي الله عنهما وأخرجه أيضا من حديثهما معا أبو داود
الطيالسي
وأحمد في المسند وعبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي وابن حبان وأخرجه أيضا من
حديثهما معا ابن أبي شيبة وابن شاهين في الترغيب في الذكر وقال حسن صحيح
بلفظ ما جلس قوم مسلمون مجلسا يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم
الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده وأخرجه الترمذي في
الدعوات من حديثهما معا بلفظ ما قعد قوم يذكرون الله الخ وفي الباب أحاديث
منها ما أخرجه أحمد في المسند وأبو يعلى الموصلي والطبراني في الأوسط
والضياء في المختارة من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ ما جلس قوم يذكرون
الله إلا ناداهم مناد من السماء قوموا مغفورا لكم وما أخرجه الطبراني في
الكبير والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة من حديث سهل ابن الحنظلية
بلفظ ما جلس قوم يذكرون الله تعالى فيقومون حتى يقال لهم قوموا فقد غفرت
لكم ذنوبكم وبدلت سيئاتكم حسنات وأخرجه البيهقي من حديث عبد الله بن مغفل
رضي الله عنه وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر
فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى تنادوا هلموا إلى حاجتكم فيحفونهم
بأجنحتهم إلى السماء الحديث بطوله وأخرجه البزار من حديث أنس رضي الله عنه
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي من حديث معاوية أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال ما أجلسكم فقالوا جلسنا نذكر الله
ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا قال آلله ما أجلسكم إلا ذلك
قالوا آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال أما أنى لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه
أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة وفي الباب أحاديث
قوله حفتهم الملائكة أي أحدقت بهم واستدارت عليهم ومعنى غشيتهم الرحمة
سترتهم أخذا من التغشي بالثوب والسكينة هي الطمأنينة والوقار وقيل المراد
بالسكينة الرحمة ويرد ذلك عطفها على قوله غشيتهم الرحمة
ومعنى ذكر الله عز وجل فيمن عنده أنه يذكرهم عند ملائكته حسبما
قدمنا بيانه وفي الحديث ترغيب عظيم للاجتماع على الذكر
فإن
هذه الأربع الخصائص في كل واحدة منها على انفرادها ما يثير رغبة الراغبين
ويقوي عزم الصالحين على ذكر رب العالمين ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من
عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في
سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ثلاث مرات مص ط الحديث أخرجه
الطبراني في الكبير وابن أبي شيبة في مصنفه كما قال المصنف رحمه الله وهو
من حديث معاذ رضي الله عنه وأخرجه أيضا من حديثه أحمد في المسند والطبراني
أيضا في الأوسط وقال منذري في الترغيب بعد أن عزاه إلى الطبراني في الصغير
الأوسط ورجالهما رجال الصحيح وجعلهما عنده من حديث جابر بهذا اللفظ فظهر
بهذا أن هذا المتن حديثان لا حديث واحد وقال الهيثمي في حديث معاذ رجاله
رجال الصحيح قال وقد رواه الطبراني عن جابر بسند رجاله رجال الصحيح انتهى
وفي الحديث دليل على أن الذكر أفضل وقد قدمنا الكلام على ذلك لو أن رجلا
في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل ط الحديث أخرجه
الطبراني في الكبير كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي موسى رضي
الله عنه وأخرجه من حديثه أيضا الطبراني في الأوسط وابن شاهين في الترغيب
في الذكر وفي إسناده جابر بن الولاع قال النسائي منكر الحديث انتهى ولكنه
قد روى له مسلم فلا وجه لإعلال الحديث به وقد حسن إسناده المنذري في
الترغيب والترهيب في الذكر قال الهيثمي رجاله وثقوا انتهى وقال المناوي
لكن صحح بعضهم وقفه وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد
الزهد من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قوله في حجره دراهم الحجر
بفتح الحاء المهملة
وكسرها قيل هو طرف الثوب وقيل هو طرف كل شيء
وقال في القاموس أنه حضن الإنسان وهذا أنسب بمعنى الحديث وفي الحديث دليل
على أن الذكر أفضل من الصدقة وقد تقدم البحث عن ذلك إذا مررتم برياض الجنة
فارتعوا قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة قال حلق الذكر ت الحديث أخرجه
الترمذي كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أنس رضي الله عنه وأخرجه
أيضا من حديثه محمد في المسند والبيهقي في الشعب وقال الترمذي حسن غريب
وقال المناوي وشواهده ترتقي إلى الصحة وأخرج الطبراني في الكبير من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة
فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال مجالس العلم وفي إسناده رجل مجهول وأخرج
الترمذي وقال غريب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة قال المساجد قيل
وما الرتع قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وأخرج
ابن أبي الدنيا وأبو يعلى والطبراني والبزار والحاكم في المستدرك وقال
صحيح الإسناد والبيهقي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال خرج
علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إن لله سرايا من
الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض فارتعوا في رياض الجنة قالوا
وأين رياض الجنة قال مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروا أنفسكم
من كان يريد أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده فإن الله
ينزل العبد عنده حيث أنزله تعالى في نفسه قال المنذري والحديث حسن انتهى
ولا مخالفة بين هذه الأحاديث فرياض الجنة تطلق على حلق الذكر ومجالس العلم
والمساجد ولا مانع من ذلك انتهى وأما قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه
قيل وما الرتع قال سبحان الله الخ ففيه ما
يدل على أن هذا الذكر له
مزية تشرف على سائر الأذكار ولا ينافي ما يدل عليه قوله حلق الذكر من
العموم ولا ينافي أيضا ما في الحديث الآخر حيث قال مجالس العلم والحاصل أن
الجماعة المشتغلين بذكر الله عز وجل أي ذكر كان والمشتغلين بالعلم النافع
وهو علم الكتاب والسنة وما يتوصل به إليهما هم يرتعون في رياض الجنة قوله
إذا مررتم برياض الجنة جمع روضة وهي الموضع المشتمل على النبات وإنما شبه
حلق الذكر بها وشبه الذكر بالرتع في الخصب قوله حلق الذكر بكسر الحاء
المهملة وفتح اللام جمع حلقة بفتح الحاء وسكون اللام وكذا في كثير من
النسخ من كتب اللغة وقال الجوهري جمع حلقة حلق بفتح الحاء والمراد بالحلقة
جماعة من الناس يستديرون كحلقة الباب وغيره ما من آدمي إلا لقلبه بيتان في
أحدهما الملك وفي الآخر الشيطان فإذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر الله وضع
الشيطان منقاره في قلبه ووسوس له مص الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه
كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث عبد الله ابن شقيق ورجال إسناده
رجال الصحيح وفي معناه ما أخرجه البخاري تعليقا عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيطان جاثم على قلب ابن آدم
إذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس له وكذا ما أخرجه ابن أبي الدنيا وأبو
يعلى والبيهقي من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
إن الشيطان واضع خطمه على قلب أبن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم
قلبه والمراد بقوله خطمه فمه وهو بفتح الخاء وسكون الطاء المهملة قوله خنس
بفتح الخاء المعجمة والنون أي تأخر وخرج من المكان الذي قد كان فيه وهو
قلب الآدمي قوله منقاره المراد به هاهنا فمه
شبهه بمنقار الطائر في
لقطه لما يلتقط به من هاهنا بسرعة وخفة من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر
الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة ت
انقلب بأجر حجة وعمرة ط الحديث أخرجه الترمذي والطبراني كما قال المصنف
رحمه الله وهو من حديث أنس رضي الله عنه قال الترمذي حسن غريب واللفظ الذي
ذكره المصنف معزوا إلى الطبراني هو من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى الغداة في جماعة ثم جلس يذكر
الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة قال المنذري
وإسناده جيد وأخرج أحمد في المسند وابن جرير وصححه والبيهقي في الشعب من
حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من صلى الفجر في جماعة
ثم جلس في مصلاه يذكر الله صلت عليه الملائكة وصلاتهم عليه اللهم اغفر له
اللهم ارحمه ومن جلس ينتظر الصلاة صلت عليه الملائكة وصلاتهم عليه اللهم
اغفر له الله ارحمه وفي تكرير قوله تامة تامة تامة تأكيد لرفع توهم أنه لم
يرد الحجة والعمرة على التمام وهو تأكيد راجع إلى الحجة والعمرة فكأنه قال
كأجر حجة تامة تامة تامة وعمرة تامة تامة تامة وهذا الأجر المذكور يحصل
بمجموع ما اشتمل عليه الحديث من صلاة الفجر في جماعة ثم القعود للذكر حتى
تطلع الشمس ثم صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس ذاكر الله في الغافلين بمنزلة
الصابر في الفارين ز الحديث أخرجه البزار في مسنده كما قال المصنف رحمه
الله ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأخرجه أيضا من حديثه الطبراني في
الكبير والأوسط ورجاله في الأوسط ثقات وأخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي
في
الشعب من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذاكر الله في الغافلين مثل الذي يقاتل عن الفارين وذاكر الله في
الغافلين كالمصباح في البيت المظلم وذاكر الله في الغافلين كمثل الشجرة
الخضراء في وسط الشجر الذي قد تحات وذاكر الله في الغافلين يعرف مقعده في
الجنة وذاكر الله في الغافلين يغفر الله له بعدد كل فصيح وعجمي وفي إسناده
عمران بن مسلم القصير قال البخاري منكر الحديث وقال الحافظ العراقي سنده
ضعيف ولعله يشير إلى كون في إسناده هذا الرجل قوله ذاكر الله في الغافلين
الخ الذاكر بين جماعة لا يذكرون الله كمن يجاهد الكفار بعد فرار أصحابه من
الزحف وهذه فضيلة جليلة ومنقبة نبيلة ما من قوم جلسوا مجلسا وتفرقوا عنه
ولم يذكروا الله فيه إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم
القيامة مس دت حب الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وأبو داود والترمذي
وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
وأخرجه أيضا من حديثه أحمد في المسند وابن السني في عمل اليوم والليلة
والبيهقي في الشعب وحسنه الترمذي وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وقال
النووي في الأذكار والرياض إسناده صحيح وفي الباب عن أبي هريرة أيضا عند
أبي داود والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما جلس قوم مجلسا لم
يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن
شاء غفر لهم قال الترمذي حديث حسن وأخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي وأخرجه
أيضا أحمد بإسناد صحيح والنسائي وابن حبان وصححه وأخرجه أيضا الطبراني في
الكبير من حديث أبي أمامة وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط
والبيهقي من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ما من قوم اجتمعوا في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله
إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة قال المنذري ورجال الطبراني
محتج بهم في الصحيح وأخرجه أحمد في المسند من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
بلفظ ما من قوم جلسوا مجلسا لا يذكرون الله فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة
قوله إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار أي مثلها في النتن وفي هذا التشبيه
غاية التنفير عن ترك ذكر الله سبحانه وتعالى في المجالس وأنه مما ينبغي
لكل أحد أن لا يجلس فيه ولا يلابس أهله وأن يفر عنه كما يفر عن جيفة
الحمار فإن كل عاقل يفر عنها ولا يقعد عندها قوله وكان عليهم حسرة يوم
القيامة أي بسبب تفريطهم في ذكر الله سبحانه وتعالى وذلك لما يظهر لهم في
موقف الحساب من أجور العامرين لمجالسهم بذكر الله سبحانه وتعالى فينبغي
لمن حضر مجالس الغفلة أن لا يخليها عن شيء من ذكر الله وأن يأتي عند
القيام منها بكفارة المجلس التي أرشد إليها صلى الله عليه وسلم كما في
حديث عائشة رضي الله عنها عند أبي داود والحاكم أنه صلى الله عليه وسلم
كان إذا أراد أن يقوم من مجلس قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا
أنت أستغفرك وأتوب إليك فقال رجل إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى
قال ذلك كفارة لما يكون في المجلس وأخرجه أيضا النسائي وابن أبي الدنيا
والبيهقي من حديثها وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه
والحاكم وصححه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه أبو داود من
حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه وأخرجه النسائي والطبراني ورجالهما
رجال الصحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وأخرجه النسائي والحاكم وصححه
من حديث رافع ابن خديج رضي الله عنه وأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه
من حيث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما وسيذكر المصنف رحمه
الله هذا الحديث في الباب السابع إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس
والقمر والنجوم
والأظلة لذكر الله عز وجل مس
الحديث أخرجه الحاكم
في المستدرك كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث ابن أبي أوفى رضي الله
عنه وصححه الحاكم وقرره الذهبي في كتابه على المستدرك وأخرجه أيضا من
حديثه الطبراني في الكبير قال الهيثمي رجال الطبراني موثقون وأخرجه أيضا
ابن شاهين وقال حديث غريب صحيح قوله الذين يراعون الشمس أي يرصدون دخول
الأوقات بهذه العلامات لأجل ذكر الله سبحانه وتعالى الذي يعتادونه في
أوقات مخصوصة ومن ذلك ارتقاب طلوع الشمس لكراهة الصلاة في ذلك الوقت وما
بعده وكذلك ارتقاب زوالها لدخول وقت الظهر وارتقاب اصفرارها لكراهة الصلاة
في ذلك الوقت وما بعده وهكذا ارتقاب القمر لمعرفة ساعات الليل لمن يعتاد
التهجد والذكر وهكذا ارتقاب النجوم لمعرفة هذه الساعات لمن هو كذلك وهكذا
ارتقاب الأظلة لمعرفة وقت الظهر ووقت العصر فقد ثبت تقدير ذلك أي تقدير
صلاة الظهر ووقت صلاة العصر بمقدار من الظل كما في الأحاديث الصحيحة وكل
هذه الأمور هي من ذكر الله ولهذا قال سبحانه و ولذكر الله أكبر ليس يتحسر
أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله تعالى فيها ط الحديث
أخرجه الطبراني في الكبير كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث معاذ رضي
الله عنه قال الهيثمي ورجاله ثقات وفي شيخ الطبراني محمد بن إبراهيم
الصوري خلاف وأخرجه أيضا البيهقي في الشعب قال المنذري في الترغيب
والترهيب أنه رواه البيهقي بأسانيد أحدها جيد قوله ليس يتحسر أهل الجنة أي
إذا رأوا ما أعد الله لعباده الذاكرين له من الأجور الموفرة على الذكر كان
ذلك حسرة في قلوب التاركين له وفي كونهم لا
يتحسرون إلا على هذه
الخصلة أعظم دليل على أنها عند الله بمكان عظيم وأن أجرها فوق كل أجر
أكثروا ذكر الله تعالى حتى يقولوا مجنون حب الحديث أخرجه ابن حبان في
صحيحه كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
وأخرجه أيضا من حديثه أحمد في مسنده وأبو يعلى الموصلي في مسنده والطبراني
في الكبير والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد وقال الهيثمي بعد أن
عزاه إلى أحمد وأبي يعلي أن في إسناده دراجا ضعفه جمع وبقية رجال مسند
أحمد ثقات انتهى وقد حسنه الحافظ ابن حجر في أماليه قوله حتى يقولوا مجنون
وفي لفظ أكثر ذكر الله حتى يقال إنك مجنون قيل المراد هنا حتى يقول
المنافقون بدليل ما أخرجه أحمد في الزهد والضياء في المختارة والبيهقي في
الشعب من حديث أبي الجوزاء مرسلا عنه صلى الله عليه وسلم أكثروا ذكر الله
حتى يقول المنافقون إنكم مراءون وليس في هذا ما يقتضي قصر المقالة في حديث
الباب على المنافقين فينبغي تفسير ضمير حتى يقولوا بما هو أعم من ذلك أي
حتى يقول الغافلون عن الذكر أو حتى يقول الذين لا رغبة لهم في الذكر ويدخل
المنافقون في هذا دخولا أوليا وفي الحديث دليل على جواز الجهر بالذكر وقد
تقدم حديث ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ويمكن أن يكون سبب
نسبتهم الجنون إليه ما يرونه من إدامة الذكر وتحريك شفتيه به واضطراب بدنه
من خوف من صار مشتغلا بذكره وهو الرب سبحانه فقد يظنون إذا رأوه كذلك أنه
من الممسوسين المصابين بطرف من الجنون وكثيرا ما يرى من لا شغلة له
بالطاعات أو من هو مشتغل بمعاصي الله يظهر السخرية بأهل الطاعات
والاستهزاء بهم لأنه قد طبع على قلبه وصار في عداد المخذولين وقد وردت
أحاديث تقتضي الاسرار بالذكر وأحاديث
تقتضي الجهر به والجمع بينهما
أن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فقد يكون الجهر أفضل إذا أمن
الرياء وكان في الجهر تذكير للغافلين وتنشيط لهم إلى الاقتداء به وقد يكون
الأسرار أفضل إذا كان الأمر بخلاف ذلك لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى
من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل
ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن
أعتق أربعة د الحديث أخرجه أبو داود كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث
أنس رضي الله عنه قال العراقي إسناده حسن وتبعه في تحسين إسناده السيوطي
وقال الهيثمي في إسناده محتسب أبو عامد وثقة ابن حبان وضعفه غيره وبقية
رجاله ثقات وأخرجه أيضا أبو نعيم في المعرفة والبيهقي في الشعب والضياء في
المختارة قوله حتى تطلع الشمس زاد في رواية ثم أصلي ركعتين قوله أربعة قال
البيضاوي خص الأربعة بالنسبة لأن المفضل عليه مجموع أربعة أشياء ذكر الله
والقعود له والاجتماع عليه والاستمرار به إلى الطلوع والغروب وخص بنى
اسمعيل لشرفهم وانافتهم على غيرهم وقربهم منه ومزيد اهتمامه بحالهم قوله
أحب إلي من أن أعتق أربعة ترك ههنا ذكر كون الأربعة من ولد اسمعيل استغنا
عنه بما تقدم في الطرف الأول في رواية ثبوت من ولد إسمعيل بعد لفظ أربعة
وفي رواية مكان أربعة لفظ رقبة من ولد إمسعيل وفي الحديث دليل على مزيد
شرف الذكر في هذين الوقتين مع قوم يذكرون الله فإنه قد ثبت أن من أعتق
رقبة أعتق الله منه بكل عضو منها عضوا من النار
إن الله أمر يحيى بن
زكرياء أن يأمر بني إسرائيل بخمس كلمات منها ذكر الله فإن مثل ذلك كمثل
رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم
كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله تعالى ت حب الحديث
أخرجه الترمذي وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث الحارث بن
الحارث الأشعري رضي الله عنه وأخرجه من حديثه أحمد في المسند والبخاري في
التاريخ والنسائي والحاكم في المستدرك وقد صححه الترمذي وابن حبان في
صحيحه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه والحديث طويل ولفظه إن الله
أمر يحيى بن زكرياء بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن
يعملوا بهن وكأنه أبطأ عن تبليغهن فأوحى الله إلى عيسى أن يبلغهن أو
تبلغهن فأتاه عيسى فقال له إنك أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن فأما أن
تبلغهن أو بلغهن فقال له يا روح الله إني أخشى أن سبقتني أن أعذب أو يخسف
بي فجمع يحيى بن زكريا بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد فقعد
على الشرفات فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله أمرني بخمس كلمات أن
أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا فإن مثل
من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ملكه بذهب أو ورق ثم أسكنه
دارا فقال له اعمل وارفع إلي عملك فجعل العبد يعمل ويرفع على غير سيده
فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك وإن الله تعالى خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا
تشركوا به شيئا وآمركم بالصلاة وإذا أقمتم الصلاة فلا تلتفتوا فإن الله عز
وجل ليقبل بوجهه إلى عبده ما لم يلتفت وآمركم بالصيام ومثل ذلك كمثل رجل
معه صرة مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك وإن خلوف فم الصائم أطيب عند
الله من ريح المسك وآمركم بالصدقة ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدو
فشدوا
يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال لهم هل لكم أن أفتدي نفسي فجعل
يفدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه وآمركم بذكر الله كثيرا ومثل
ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى على حصن حصين فأحرز نفسه فيه
وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى وأنا آمركم
بخمس أمرني الله بهن الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله
فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع
ومن ادعى بدعوى الجاهلية فهو من جثى جهنم وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم
فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله انتهى قوله
مسرعا كذلك في بعض النسخ وفي بعضها سراعا وهو الموافق للفظ الحديث الذي
كتبناه ههنا قوله حتى إذا أتى على حصن حصين لعل المصنف رحمة الله أخذ
تسمية كتابه الحصن الحصين الذي هو أصل هذا الكتاب من ههنا وفي الحديث دليل
على أن الذكر يحرز صاحبه من الشيطان كما يحرز الحصن الحصين من لجأ إليه من
العدو فالذاكر في أمان من تخبط الشيطان ووسوسته إليه وإضلاله إياه ومن سلم
من الشيطان الرجيم فقد كفى من أخطر الخطرين وهما الشيطان والنفس
فضل الدعاء
قال
صلى الله عليه وسلم الدعاء وهو العبادة ثم تلا قوله تعالى وقال ربكم
ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي الآية حب مص ع الحديث أخرجه
ابن حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في مصنفه وأهل السنن الأربع كما قال
المصنف رحمه الله وهو من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه وصححه الترمذي
وصححه أيضا ابن حبان والحاكم وأخرج
الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء مخ العبادة قوله الدعاء هو
العبادة هذه الصفة المقتضية للحصر من جهة تعريف المسند إليه ومن جهة تعريف
المسند ومن جهة ضمير الفصل تقتضي أن الدعاء هو أعلى أنواع العبادة وأرفعها
وأشرفها وإلى هذا أشار بقوله صلى الله عليه وسلم الدعاء مخ العبادة والآية
الكريمة قد دلت على أن الدعاء من العبادة فإنه سبحانه وتعالى أمر عباده أن
يدعوه ثم قال إن الذين يستكبرون عن عبادتي فأفاد ذلك أن الدعاء عبادة وأن
ترك دعاء الرب سبحانه استكبار ولا اقبح من هذا الاستكبار وكيف يستكبر
العبد عن دعاء من هو خالق له ورازقه وموجده من العدم وخالق العالم كله
ورازقه ومحييه ومميتة ومثيبة ومعاقبة فلا شك أن هذا الاستكبار طرف من
الجنون وشعبة من كفران النعم من فتح له باب في الدعاء منكم فتحت له أبواب
الإجابة مص الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه كما قال المصنف رحمه الله
وهو من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وأخرجه أيضا من حديثه الترمذي وابن
حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد وقال المنذري في الترغيب والترهيب بعد أن
عزاه إلى الترمذي والحاكم أنه رواه كلاهما من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر
المليكي وهو ذاهب الحديث عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر وقال الترمذي
حديث غريب ولفظ الحديث عند هؤلاء من فتح له باب في الدعاء منكم فتحت له
أبواب الرحمة وما يسأل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية وأخرجه ابن
مردويه بلفظ فتحت له أبواب الجنة قوله من فتح له باب في الدعاء منكم لعل
المراد والله أعلم أن من فتح الله له بالإقبال على الدعاء بخشوع وخضوع
وتضرع وتذلل كان هذا الفتح سببا لإجابة
دعائه ولهذا قال فتحت له
أبواب الإجابة وهكذا قوله في الرواية الثانية فتحت له أبواب الرحمة فإن
فتح أبواب الرحمة دليل على إجابة دعائه وهكذا قوله في الرواية الثالثة
فتحت له أبواب الجنة فإن العبد إذا وجد من نفسه النشاط إلى الدعاء
والإقبال عليه فليستكثر منه فإنه مجاب وتقضي حاجته بفضل الله ورحمته لا
يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر ت حب الحديث أخرجه
الترمذي وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث سلمان رضي الله
عنه وصححه ابن حبان وأخرجه أيضا الحاكم وصححه وقال الترمذي حسن غريب ولم
يصححه لأن في إسناده أبا مودود البصري واسمه فضة قال أبو حاتم ضعيف وأخرجه
أيضا الطبراني في الكبير والضياء في المختارة ومثله حديث ثوبان الذي أخرجه
ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه
بلفظ لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم
الرزق بالذنب يصيبه قوله لا يرد القضاء إلا الدعاء فيه دليل على أنه
سبحانه يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد وقد وردت بهذا أحاديث كثيرة
ويؤيد ذلك قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وهذه
المسألة هي من المعارك لاختلاف الأدلة فيها من الكتاب والسنة وقد أفردناها
برسالة قوله ولا يزيد في العمر إلا البر فيه دليل أن ما يصدق عليه البر
على العموم يزيد في العمر وقد ثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر
والمراد الزيادة الحقيقية وقيل المراد البركة في العمر والظاهر الأول ومنه
قوله سبحانه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الآية وقوله ثم قضى أجلا
وأجل مسمى عنده وتحقيق البحث عن هذا يطول وقد أودعناه في الرسالة التي
أشرنا إليها قريبا
لا يغني حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم
ينزل وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعا فيعتلجان إلى يوم القيامة مس ز
الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار كما قال المصنف رحمه الله وهو من
حديث عائشة رضي الله عنها وأخرجه أيضا من حديثها الطبراني في الأوسط
والخطيب وقال الحاكم صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي وابن حجر في التلخيص بان
زكريا بن منصور أحد رجاله وهو مجمع على ضعفه وقال في الميزان ضعفه ابن
معين ووهاه أبو زرعة وقال البخاري منكر الحديث وقال ابن الجوزي حديث لا
يصح وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزار
والطبراني في الأسط ورجال أحمد وأبي يعلى وأحد أسنادي البزار رجاله رجال
الصحيح غير علي بن علي الرفاعي وهو ثقة قوله لا يغني حذر من قدر فيه دليل
أن الحذر لا يغني عن صاحبه شيئا من القدر المكتوب عليه ولكنه ينفع من ذلك
الدعاء ولذلك عقبه صلى الله عليه وسلم بقوله والدعاء ينفع مما نزل ومما لم
ينزل وأكد ذلك بقوله أن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم
القيامة ومعنى يعتلجان يتصارعان ويتدافعان بحث نفيس في كون الدعاء يرد
القضاء والحاصل أن الدعاء من قدر الله عز وجل فقد يقضي بشيء على عبده قضاء
مقيدا بأن لا يدعوه فإن دعاه إندفع عنه وتحقيق البحث عن هذا يرجع إلى ما
ذكرناه في شرح الحديث الذي قبله وفي الرسالة التي أشرنا إليها ما يدفع
الإشكال ليس شيء أكرم على الله من الدعاء ت حب الحديث أخرجه الترمذي وابن
حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث عائشة رضي الله عنها وقد أخرجه
أيضا أحمد في المسند والبخاري
في التاريخ والترمذي وابن ماجه
والحاكم في المستدرك وقال صحيح وأقره الذهبي وقال ابن حبان حديث صحيح وقال
الترمذي حسن غريب وإنما لم يصححه لأن في إسناده عنده عمران القطان ضعفه
النسائي وأبو داود ومشاه أحمد وقال ابن القطان رواته كلهم ثقات إلا عمران
وفيه خلاف قوله ليس شيء أكرم على الله من الدعاء قيل وجه ذلك أنه يدل على
قدرة الله تعالى وعجز الداعي والأولى أن يقال أن الدعاء لما كان هو
العبادة وكان مخ العبادة كما تقدم كان أكرم على الله من هذه الحيثية لأن
العبادة هي التي خلق الله سبحانه الخلق لها كما قال تعالى وما خلقت الجن
والإنس إلا ليعبدون قال الطيبي ولا منافاة بين هذا الحديث وبين قوله تعالى
إن أكرمكم عند الله أتقاكم لأن كل شيء شرف في بابه فإنه يوصف بالكرم قال
تعالى وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج أي كريم من لم يسأل الله يغضب عليه ت
من لم يدع الله غضب عليه مص الحديث أخرجه باللفظ الأول الترمذي والثاني
ابن أبي شيبة في المصنف كما قال المصنف رحمه الله وكلاهما من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه وأخرج اللفظ الأول الحاكم وأخرج أيضا اللفظ الثاني
الحاكم في المستدرك وصححه وتصحيح أحد اللفظين تصحيح للآخر لأنهما بمعنى
واحد ومن حديث صحابي واحد وفيهما دليل على أن الدعاء من العبد لربه من أهم
الواجبات وأعظم المفروضات لأن تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه وقد
انضم إلى هذا الأوامر القرآنية ومنها قوله تعالى ادعوني أستجب لكم إن
الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وقوله واسألوا الله من فضله
وقد قدمنا أن قوله سبحانه إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم
داخرين يدل على أن ترك دعاء العبد لربه من الإستكبار وتجنب ذلك واجب لا شك
فيه ومما يؤيد ذلك قوله عز وجل أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء
فإن هذا الاستفهام هو للتقريع والتوبيخ لمن ترك دعاء ربه ومن هذا قوله
تعالى وإذا سألك عبادي
عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فإن
هذا التعليل بالقرب ثم الوعد بعده بالإجابة يقطع كل معذرة ويدفع كل تعلة
لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد حب الحديث أخرجه ابن حبان
في صحيحه كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أنس رضي الله عنه وقد
أخرجه أيضا من حديثه الحاكم في المستدرك والضياء في المختارة فهؤلاء ثلاثة
أئمة صححوا الحديث ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح
الإسناد والضياء في المختارة وما ذكره فيها فهو صحيح عنده وإذا عرفت هذا
فلا وجه لتعقب الذهبي للحاكم في تصحيحه لأن غاية ما قاله أن في إسناده عمر
بن محمد الأسلمي وأنه لا يعرفه وعدم معرفته له لا تستلزم عدم معرفة غيره
له نعم قال الذهبي في الميزان حاكيا عن أبي حاتم أنه مجهول وهذا قادح صحيح
ولهذا قال ابن حجر في لسان الميزان وقد تساهل الحاكم في تصحيحه ولكن لا
يخفاك أن تصحيح ابن حبان والضياء يكفي ولا يحتاج معه إلى غيره وعلى تقدير
ان في إسنادهما هذا الرجل الذي قيل أنه مجهول فمعلوم أنهما لا يصححان
الحديث المروي من طريقه إلا وقد عرفاه وعرفا صحة ما رواه ومن علم حجة على
من لم يعلم وليسا ممن يظن به التساهل في التصحيح قوله لا تعجزو الخ فيه
النهي عن أن يعجز الإنسان عن دعاء ربه فإن ضرر ذلك لاحق به وعائد عليه وما
أحسن ما علل به صلى الله عليه وسلم هذا النهي بقوله فإنه لن يهلك مع
الدعاء أحد فإن هذه المزية يهتز لها كل طالب للخير وينشط بسببها كل عارف
بمعاني الكلام ولا سيما مع ما مر إن الدعاء يرد القضاء ويدفع القدر من سره
أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء ت الحديث
أخرجه الترمذي كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي
هريرة رضي
الله عنه قال الترمذي بعد أن أخرجه حديث غريب وأخرجه أيضا الحاكم من حديثه
في المستدرك وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي وأخرجه الحاكم أيضا في
المستدرك من حديث سلمان رضي الله عنه وقال صحيح الإسناد قوله والكرب بضم
الكاف وفتح الراء جمع كربة وهي ما يأخذ النفس من الغم قوله فليكثر الدعاء
في الرخاء أي في حال الصحة والرفاهية والأمن من المخاوف والسلامه من المحن
قال الحلبي المراد بهذا الدعاء في الرخاء هو دعاء الشفاء والشكر والاعتراف
بالمنن وسؤال التوفيق والمعونة والتأييد والاستغفار لعوارض التقصير فإن
العبد وإن أجتهد لم يعرف ما عليه من حقوق بالله بتمامها ومن غفل عن ذلك
فلا حظ له وكان ممن صدق عليه قوله تعالى فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله
مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون انتهى والأولى أن يقال
كان ممن صدق عليه قوله تعالى وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم
إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل الآية وقوله تعالى في
الآية الأخرى وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو
دعاء عريض وقوله تعالى وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو
قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه الدعاء سلاح المؤمن
وعماد الدين ونور السموات والأرض مس الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك كما
قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال الحاكم صحيح
الإسناد وأخرجه أبو يعلى من حديث علي رضي الله عنه بهذا اللفظ وأخرج أبو
يعلى من حديث جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا
أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم ويدر لكم أرزاقكم تدعون الله في ليلكم
ونهاركم فإن الدعاء سلاح المؤمن قوله الدعاء سلاح المؤمن فيه تشبيه الدعاء
بالسلاح الذي يقاتل به صاحبه العدو فإن هذا الداعي كأنه بالدعاء يقاتل ما
يعتوره من المصائب وما يخشاه من سوء العواقب وما أفخم
الحكم على الدعاء بأنه عماد الدين وبأنه نور
السموات
والأرض فإن ذلك قد اشتمل على تعظيم لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه والعاجز
من عجز عن لبس هذا السلاح وترك الاعتماد على هذا العماد ولم ينتفع بهذا
النور الذي أنارت به السموات والأرض ما من مسلم ينصب وجهه لله في مسئلة
إلا أعطاه إياها إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له ا مس الحديث أخرجه
أحمد والحاكم في المستدرك كما قال المصنف رحمه الله وهو حديث أبي هريرة
رضي الله عنه قال المنذري في الترغيب والترهيب رواه أحمد بإسناد لا بأس به
وأخرجه أيضا البخاري في الأدب المفرد ويشهد لمعناه ما أخرجه أحمد والبزار
وأبو يعلى قال المنذري بأسانيد جيدة وأخرجه أيضا الحاكم وقال صحيح الإسناد
من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما
من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها
إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف
عنه من السوء مثلها وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان في
صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين من حديث سلمان رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حي كريم يستحي إذا رفع الرجل
إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين وأخرج الحاكم وقال صحيح الإسناد من حديث
أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حي كريم
يستحيي من عبده أن يرفع إليه يده ثم لا يضع فيها خيرا وفي الحديث دليل على
أن دعاء المسلم لا يهمل بل يعطى ما سأله إما معجلا وإما مؤجلا تفضلا من
الله عز وجل
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
قال صلى الله عليه وسلم ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا
على نبيهم إلا
كان
عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب د ت حب الحديث أخرجه أبو
داود والترمذي وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه وأخرجه أيضا أحمد من حديثه قال المنذري بإسناد صحيح وأخرجه
الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري وصححه ابن حبان وأخرجه أبو داود
والترمذي وقال حديث حسن من حديث أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا
كان عليهم ترة يوم القيامة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم وأخرجه الترمذي
أيضا من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وقال حديث حسن وفي هذا الحديث دليل
على أن المجلس الذي لم يذكر الله تعالى فيه ولم يصل على رسوله فيه يكون
حسرة يوم القيامة على أهله لما فاتهم من الأجر والثواب وإن دخلوا الجنة
للثواب على أعمالهم مع تفضل الله سبحانه عليهم بدخولها فإنه قد فاتهم ما
فيه زيادة في الدرجات وكثرة في المثوبات ولهذا كان عليهم حسرة يوم القيامة
أي بفوات الثواب بترك الذكر والصلاة وقد قدمنا طرفا من هذه الأحاديث في
الباب السابق في فضل الذكر أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة د ت
حب الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله
وهو من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال الترمذي بعد إخراجه حديث حسن غريب
وقال ابن حبان صحيح ولا ينافي هذا التصحيح كون في إسناده موسى بن يعقوب
الزمعي فإنه قد وثقه ابن معين وأبو داود ولا
يضره قول النسائي ليس
بالقوي قوله أولى الناس بي يوم القيامة أي أولاهم بشفاعتي وأحقهم بالقرب
مني أكثرهم علي صلاة في الدنيا لأن هذا الذي استكثر من الصلاة على النبي
قد توسل إلى شفاعته بوسيلة مرعية وتقرب بقربة مرضية ولو لم يكن في ذلك إلا
ما سيأتي من أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا فإن هذه المكافأة
من رب العزة سبحانه مستلزمة للثواب الأكثر البخيل من ذكرت عنده فلم يصل
علي ت حب الحديث أخرجه الترمذي وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من
حديث الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهما قال الترمذي بعد إخراجه
حديث حسن صحيح غريب وصححه ابن حبان وأخرجه أيضا من حديثه أحمد في المسند
والنسائي والحاكم في المستدرك وقال صحيح وأقره الذهبي وهو من رواية عبد
الله بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن الحسين وقد روى من حديث علي بن
أبي طالب رضي الله عنه كما في سنن الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب قوله
البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي تعريف المسند إليه يقتضي الحصر فينبغي
حمله على أنه الكامل في البخل لأنه نحل بما لا نقص عليه فيه ولا مؤنة مع
كون الأجر عظيما والجزاء موفرا قال الفاكهاني وهذا أقبح بخل وشح لم يبق
بعده إلا الشح بكلمة الشهادة وفي الحديث دليل على وجوب الصلاة عليه صلى
الله عليه وسلم عند ذكره رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ت حب الحديث
أخرحه الترمذي وابن حبان كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه قال الترمذي بعد إخراجه حسن غريب
وأخرجه أيضا من حديثه
الحاكم وقال صحيح وقال ابن حجر له شواهد وهذا الذي ذكره المصنف هو بعض من
الحديث وبعده ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة ورغم
أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له وقد أورده في مجمع
الزوائد من حديث ابن مسعود وعمار بن ياسر وابن عباس وعبد الله بن الحارث
وجابر بن سمرة وأنس وكعب بن عجرة ومالك بن الحويرث وأبي هريرة رضي الله
عنهم قوله رغم بكسر الغين المعجمة وتفتح أي لصق أنفه بالتراب والرغام هو
التراب وفيه كناية عن حصول الذل والهوان وقال ابن الأعرابي هو بفتح الغين
ومعناه ذل وذكر الرجل وصف طردي فإن المرأة مثل الرجل في ذلك وفي الحديث
دليل على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره لأنه لا يدعو
بالذل والهوان على من ترك ذلك إلا وهو واجب عليه قوله فلم يصل علي قال
الطيبي الفاء إستبعادية والمعنى بعيد على العاقل أن يتمكن من إجراء كلمات
معدودة على لسانه فيفوز بها فلم يغتنمه فحقيق أن يذله الله وقيل أنها
للتعقيب فتفيد به ذم التراخي عن الصلاة عليه عند ذكره صلى الله عليه وسلم
من ذكرت عنده فليصل علي س طس الحديث أخرجه النسائي والطبراني في الأوسط
كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أنس رضي الله عنه وأخرجه أيضا من
حديثه الطبراني في الكبير وابن السني وتمامه فإنه من صلى علي مرة صلى الله
عليه بها عشرا قال النووي في الأذكار إسناده جيد وقال الهيثمي رجاله ثقات
وفي الحديث دليل على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره ومما
يدل على ذلك الحديثان المذكوران قبل هذا ومما يدل على ذلك أيضا ما أخرجه
ابن السني في عمل اليوم والليلة من حديث جابر رضي الله عنه بلفظ من ذكرت
عنده فلم يصل علي فقد شقي وقد ضعف النووي في الأذكار
إسناده وما
أخرجه الطبراني في الكبير عن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكرت عنده فخطى الصلاة علي خطى
طريق الجنة قال الهيثمي وفيه بشر بن محمد الكندي أو بشير فإن كان بشرا فقد
ضعفه ابن المبارك وابن معين والدارقطني وغيرهم وإن كان بشيرا فلم أر من
ذكره وقال القسطلاني حديث معلول واخرج ابن ماجه والطبراني من حديث ابن
عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسي الصلاة
علي خطى طريق الجنة وفي إسناده جبارة بن المفلس وهو مختلف في الاحتجاج به
من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا م الحديث أخرجه مسلم كما قال المصنف
رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه أيضا من حديثه أبو
داود والترمذي والنسائي وابن حبان وفي بعض ألفاظه من صلى علي مرة واحدة
كتب الله له بها عشر حسنات كذا في سنن الترمذي وفي لفظ لأحمد والنسائي من
صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشر صلوات وحط عنه بها عشر سيئات
ورفعه بها عشر درجات وأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه
وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي وهو عند هؤلاء من حديث أنس رضي الله عنه
وأخرج أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن
بن عوف أن جبريل قال للنبي
صلى الله عليه وسلم ألا أبشرك أن الله عز وجل يقول من صلى عليك صليت عليه
ومن سلم عليك سلمت عليه قال الحاكم صحيح الإسناد وأخرجه ابن أبي الدنيا
وأبو يعلى بلفظ من صلى علي صلاة من أمتي كتب الله له بها عشر حسنات ومحا
عنه عشر سيئات وأخرج النسائي والطبراني والبزار من حديث أبي بردة بن نيار
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا قلبه
صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات
ومحا عنه عشر سيئات وأخرج نحوه ابن أبي عاصم من حديث البراء بن عازب رضي
الله عنه وزاد وكن له عدل عشر رقاب وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي من حديث
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بلفظ فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه
بها عشرا وأخرج أحمد والنسائي عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال أصبح
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر فقالوا يا
رسو ل الله إنك أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر قال أجل أتاني آت
أي جبريل من ربي عز وجل فقال من صلى عليك من أمتك صلاة صلى الله عليه بها
عشر صلوات ومحا عنه بها عشر سيئات ورفع له بها عشر درجات وأخرج الطبراني
من حديث أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آتاني
جبريل آنفا عن ربه عز وجل فقال ما على الأرض من مسلم يصلي عليك مرة واحدة
إلا صليت عليه أنا وملائكتي عشرا وأخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي
أمامة رضي الله عنه نحوه وفي الباب أحاديث وسيذكر المصنف رحمه الله بعضها
قريبا إن شاء الله تعالى أتاني ملك فقال يا محمد إن الله يقول أما يرضيك
أنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من
أمتك إلا سلمت عليه عشرا عشرا س حب
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الحديث أخرجه النسائي وابن حبان
كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه
وأخرجه أيضا من حديثه أحمد في المسند بهذا اللفظ وزاد قال يعني النبي صلى
الله عليه وسلم بلى وأخرجه أيضا الطبراني وقد صححه ابن حبان وفيه دليل على
أن السلام كالصلاة وأن الله سبحانه يسلم على من سلم على رسول الله صلى
الله عليه وسلم كما يصلي على من صلى على رسوله عشرا إن لله ملائكة سياحين
يبلغوني عن أمتي السلام س حب الحديث أخرجه النسائي وابن حبان كما قال
المصنف رحمه الله وهو من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال الحاكم صحيح
وأقره الذهبي وصححه ابن حبان وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وأخرجه أيضا
أحمد في المسند وأخرج الطبراني في الكبير بإسناد حسن من حديث الحسن بن علي
بن أبي طالب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حيثما
كنتم فصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس
به من حديث أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى
على بلغتني صلاته وصليت عليه وكتب له سوى ذلك عشر حسنات والاقتصار في
الحديث على السلام لا ينافي إبلاغ الصلاة إليه صلى الله عليه وسلم فحكمهما
واحد كما يدل عليه الحديثان المذكوران هنا قوله سياحين بالسين المهملة من
السياحة وهو السير يقال ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها وأصله من
السيح وهو الماء الجاري المنبسط وفي الحديث الترغيب العظيم للاستكثار من
الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فإن إذا كانت صلاة واحدة من صلاة من صلى
عليه تبلغه كان ذلك منشطا له أعظم تنشيط ما من أحد يسلم علي إلا رد الله
علي روحي حتى أرد عليه السلام د الحديث أخرجه أبو داود كما قال المصنف
رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النووي في الأذكار
إسناده صحيح وكذا قال في الرياض وكذا قال ابن حجر رواته ثقات وأخرجه أحمد
في المسند من
حديثه وأخرج البزار وأبو الشيخ وابن حبان من حديث عمار
بن ياسر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله وكل
بقبري ملكا فأعطاه إسماع الخلق فلا يصلي علي أحد إلى يوم القيامة إلا
بلغني باسمه واسم أبيه هذا فلان ابن فلان قد صلى عليك زاد أبو الشيخ فيصلي
الرب تعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشرا وأخرج الطبراني في الكبير بنحوه
قال ابن حجر رووه كلهم عن نعيم بن هضيم وفيه خلاف عن عمران الحميري ولا
يعرف قوله ألا رد الله علي روحي لفظ أحمد ألا رد الله إلي روحي قال
القسطلاني وهو ألطف وأنسب وبين التعديتين فرق لطيف فإن رد يتعدى كما قال
الراغب بعلي في الإهانة وبالى في الإكرام وقيل والمراد برد الروح النطق
لأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره وروحه لا تفارقه لما صح أن الأنبياء
أحياء في قبورهم كذا قال ابن الملقن وغيره وقال ابن حجر الأحسن أن يؤول رد
الروح بحصول الفكر كما قالوه في خبر يغان على قلبي وقال الطيبي معناه أنها
تكون روحه القدسية في الحضرة الإلهية فإن بلغه السلام من احد من الأمة رد
الله روحه في تلك الحالة إلى رد سلام من يسلم عليه وفي المقام أجوبة كثيرة
وهذا الذي ذكرنا أحسنها والاقتصار في الحديث على السلام لا يدل على أن
الصلاة ليست كذلك كما ذكرناه في الحديث المتقدم قبل هذا وكما يفيد ذلك
حديث عمار الذي ذكرناه إني لقيت جبريل فبشرني وقال ربك يقول من صلى عليك
صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله شكرا ا مس الحديث أخرجه أحمد
والحاكم في المستدرك كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث عبد الرحمن بن
عوف رضي الله عنه وقال الحاكم صحيح ولفظ الحديث خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم فاتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود
حتى خفت أو خشيت
أن الله قد توفاه أو قبضه قال فجئت أنظر فرفع رأسه فقال مالك يا عبد
الرحمن فذكرت ذلك له فقال إن جبريل قال لي ألا أبشرك أن الله عز وجل يقول
من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله شكرا وقال
الهيثمي في إسناده من لم أعرفه وقد قدمنا ذكر الأحاديث المصرحة بأن الله
تعالى يصلي على من صلى على رسوله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة عشر صلوات
من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئآت ورفعت له
عشر درجات س حب ط وكتبت له عشر حسنات س ط الحديث أخرجه النسائي وابن حبان
والطبراني كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أنس رضي الله عنه وأخرجه
أيضا أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد والحاكم في المستدرك وقال
صحيح وأقره الذهبي وصححه ابن حبان وقال ابن حجر رواته ثقات وقد قدمنا ذكر
الأحاديث الواردة بهذا المعنى والمراد بالصلاة من الله الرحمة لعباده وأنه
يرحمهم رحمة بعد رحمة حتى تبلغ رحمته ذلك العدد وقيل المراد بصلاته عليهم
إقباله عليهم بعطفه وإخراجهم من حال ظلمة إلى رفعة ونور كما قال سبحانه هو
الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور من صلى علي النبي
صلى الله عليه وسلم واحدة صلى الله وملائكته عليهم سبعين صلاة الحديث
أخرجه أحمد بن حنبل في المسند كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث عبد
الله ابن عمرو رضي الله عنهما كما قال المنذري في الترغيب والترهيب أخرجه
أحمد بإسناد حسن وكذلك حسنه الهيثمي وتمامه فليقل عبده من ذلك أو ليكثر
والجمع بين هذا الحديث وبين ما تقدم بأنه صلى الله عليه وسلم كان
يعلم
بهذا الثواب شيئا فشيئا وكلما علم بشيء قاله فعلم صلى الله عليه وسلم بأن
ثواب من صلى عليه هو ما في الحديث الأول وما ورد في معناه فأخبر به ثم علم
بأن ثوابه هو ما جاء في الحديث الثاني فأخبر به من سره أن يكتال بالمكيال
الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صل على محمد النبي الأمي
وازواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم ي ت ز ط
وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد م د الحديث أخرجه مسلم وأبو داود كما قال
المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي هريرة وأخرجه أيضا من حديثه البيهقي
وفيه الترغيب العظيم إلى أن تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على
تلك الصفة وأصل الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما من الأمهات الست من دون
قوله من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فإنه تفرد بذلك مسلم وأبو داود من
صلى على محمد وقال اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له
شفاعتي ز ط الحديث أخرجه البزار والطبراني في الكبير كما قال المصنف رحمه
الله وهو من حديث رويفع ابن ثابت الأنصاري وأخرجه أيضا من حديث الطبراني
في الأوسط قال المنذري في الترغيب والترهيب وبعض أسانيدهم حسن وفي الحديث
الجمع بين الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وسؤاله أن ينزله المقعد المقرب
عنده يوم القيامة فمن وقع منه ذلك استحق الشفاعة المحمدية وكانت واجبة له
قيل
يا رسول الله جعلت لك صلاتي كلها قال إذا تكفى همك ويغفر ذنبك ت مس حب
الحديث أخرجه النسائي وابن حبان والطبراني كما قال المصنف رحمه الله وفي
نسخة الترمذي والحاكم وهو من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال الترمذي
حسن صحيح وقال الحاكم صحيح وأخرجه أحمد في المسند ولفظ الحديث قال كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال أيها الناس
اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه
جاء الموت بما فيه قال أبي بن كعب فقلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة فكم
أجعل لك من صلاتي فقال ما شئت قلت الربع قال ما شئت وان زدت فهو خير لك
قلت النصف قال ما شئت وان زدت فهو خير لك قال أجعل لك صلاتي كلها قال إذن
تكفى همك ويغفر ذنبك وفي رواية لأحمد عنه قال جاء رجل فقال يا رسول الله
أرأيت أن جعلت صلاتي كلها عليك قال إذا يكفيك الله تعالى ما أهمك من أمر
دنياك وآخرتك قال المنذري وإسناد هذه الزيادة جيد وأخرج الطبراني بإسناد
حسن عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبيه عن جده أن رجلا قال يا رسول الله
أجعل ثلث صلاتي عليك قال نعم إن شئت قال الثلثين قال نعم أن شئت قال صلاتي
كلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن يكفيك الله ما أهمك من أمر
دنياك وآخرتك قوله جعلت لك صلاتي كلها المراد بالصلاة هنا الدعاء ومن
جملته الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس المراد الصلاة ذات
الأذكار والأركان قوله إذن تكفى همك ويغفر ذنبك في هذين الخصلتين جماع خير
الدنيا والآخرة فإن من كفاه الله همه سلم من محن الدنيا وعوارضها لأن كل
محنة لا بد لها من تأثير الهم وإن كانت يسيرة ومن غفر الله ذنبه سلم من
محن الآخرة لأنه لا يوبق العبد فيها إلا ذنوبه
أكثروا من الصلاة علي
يوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي د حب الحديث أخرجه أبو داود وابن حبان
كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أوس ابن أوس رضي الله عنه وأخرجه
أيضا من حديثه أحمد والحاكم في المستدرك وصححه هو وابن حبان ولفظ الحديث
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق
آدم وفيه قبض وفيه النفخة الثانية وفيه الصعقة فأكثروا من الصلاة علي فيه
فإن صلاتكم معروضة علي قالوا يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت
يعني بليت قال إن الله سبحانه حرم على الأرض ان تأكل أجساد الأنبياء وأخرج
البيهقي بإسناد حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم أكثروا من الصلاة علي في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتي تعرض علي في
كل جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة وفي الحديث دليل
على أن صلاة العباد يوم الجمعة تعرض عليه وقد تقدم أيضا حديث ما من أحد
يسلم علي إلا رد الله علي ورحي حتى أرد عليه السلام وقد تقدم حديث أن لله
ملائكة سياحين يبلغوني السلام وظاهر الجميع أن كل صلاة وسلام تبلغه صلى
الله عليه وسلم وسواء كان ذلك في يوم الجمعة أو في غيره من الأيام أو
الليالي فلعل في العرض عليه زيادة على مجرد الإبلاغ إليه ويكون ذلك من
خصائص الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة
ليس أحد يصلي
علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته مس الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك
كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وأخرجه
أيضا من حديثه ابن ماجة بإسناد جيد بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وأن
أحد صلى علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها قال وقلت وبعد الموت قال إن
الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وقد تقدم الجمع بين الأحاديث
الدالة على أن الأنبياء أحياء في قبورهم والأحاديث المصرحة بأن الله يرد
عليه روحه عند سلام من سلم عليه وعند صلاة من صلى عليه حتى يرد عليه رسول
الله كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وعلى آل محمد طس وصفة الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم تأتي في التشهد في الصلاة إن شاء الله تعالى
الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط كما قال المصنف رحمه الله وهو من حديث
علي رضي الله عنه قال المنذري أنه موقوف ورواته ثقات ورفعه بعضهم والموقوف
أصح انتهى وقال الهيثمي رجاله ثقات وأخرجه البيهقي في الشعب من حديثه
وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ كل دعاء
محجوب حتى يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وفي إسناده محمد بن عبد
العزيز الدينوري قال الذهبي في الضعفاء منكر الحديث وأخرج الترمذي عن أبي
قرة الأسدي عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفا قال
إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى
الله عليه وسلم وللوقف في مثل هذا حكم الرفع لأن ذلك مما لا مجال للاجتهاد
فيه ويشهد لما في الباب ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال
حسن وابن خزيمة وابن حبان وصححاه من حديث
فضالة بن عبيد قال بينما
رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في المسجد إذ دخل عليه رجل فصلى فقال
اللهم اغفر لي وارحمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجلت أيها الرجل
إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصل علي ثم ادعه قال ثم صلى رجل
آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم ادع تجب
فصل في آداب الذكر
ينبغي
أن يكون المكان الذي يذكر الله فيه نظيفا خاليا والذاكر على أكمل الصفات
الآتية وأن يكون فمه نظيفا وأن يزيل تغيره بالسواك وأن يستقبل القبلة وأن
يتدبر ما يقول ويتعقل معناه وأن جهل شيئا تبينه ولا يعتد له بشيء مما رتبه
الشارع على وقوله حتى يتلفظ به ويسمع نفسه وأفضل الذكر القرآن إلا فيما
شرع بغيره والمواظب على الأذكار المأثورة صباحا ومساء وفي الأحوال
المختلفة هو من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ومن كان له ورد معروف ففاته
فليتداركه إذا أمكنه ليعتاد الملازمة عليه قوله ينبغي أن يكون المكان الذي
يذكر الله فيه نظيفا خاليا أقول وجه هذا أن الذكر عبادة للرب سبحانه
والنظافة على العموم قد ورد الترغيب فيها والأمر بالبعد عن النجاسة كما في
قوله تعالى وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا شك أن القعود حال الدعاء في مكان
متنجس يخالف آداب العبادة كما في آداب الصلاة من تطهير مكانها وقد صح عنه
صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما أنه قال في الذي لا يتنزه عن
بوله أن عامة عذاب القبر منه والحاصل أن التنزه عن ملابسة النجاسة مطلقا
مندوب إليه فتدخل حالة الدعاء تحت ذلك دخولا أوليا وإن لم يرد ما يدل على
هذا على
الخصوص وأما قوله خاليا فوجهه أن ذلك أقرب إلى حضور القلب وأبعد
من الرياء والمباهاة وأعون على تدبر معنى ما يدعو به أو يذكر به ولا شك أن
هذه الحالة أكمل مما يخالفها قوله والذاكر على أكمل الصفات الآتية أقول
ستأتي هذه الصفات في الباب الذي يلي هذا قوله وأن يكون فمه نظيفا وأن يزيل
تغيره بالسواك أقول وجه هذا أن الذكر عبادة باللسان فتنظيف الفم عند ذلك
أدب حسن ولهذا جاءت السنة المتواترة بمشروعية السواك للصلاة والعلة في ذلك
تنظيف المحل الذي يكون الذكر به في الصلاة وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم
لما سلم عليه بعض الصحابة تميم من جدار الحائط ثم رد عليه وإذا كان هذا في
مجرد رد السلام فكيف بذكر الله سبحانه فإنه أولى بذلك وأخرج أبو داود من
حديث ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم كرهت أن أذكر الله إلا على طهر
وصححه ابن خزيمة قوله وأن يستقبل القبلة أقول وجه ذلك أنها الجهة التي شرع
الله سبحانه أن تكون الصلاة إليها وهي الجهة التي يتوجه إلى الله عز وجل
منها ولهذا ورد النهي عن أن يبصق الرجل إلى جهة قبلته معللا بمثل هذه
العلة كما في الأحاديث الصحيحة وسيأتي في هذا الباب المذكور بعد هذا ما
ورد في استقبال القبلة قوله ويتدبر ما يقول ويتعقل معناه وإن جهل شيئا
تبينه أقول لا ريب أن تدبر الذاكر لمعاني ما يذكر به أكمل لأنه بذلك يكون
في حكم المخاطب والمناجي لكن وإن كان أجر هذا أتم وأوفى فإنه لا ينافي
ثبوت ما ورد الوعد به من ثواب الأذكار لمن جاء بها فإنه أعم من أن يأتي
بها متدبرا لمعانيها متعقلا لما يراد منها أولا ولم يرد تقييد ما وعد به
من ثوابها بالتدبر والتفهم قوله ولا يعتد له بشيء مما رتبه الشارع على
قوله حتى يتلفظ به ويسمع نفسه أقول أما باعتبار التلفظ فهو معلوم من
أقواله صلى الله عليه وسلم المصرحة بأن من قال كذا كان له من الأجر كذا
فلا يحصل له ذلك الأجر إلا بما يصدق عليه معنى القول وهو لا يكون إلا
بالتلفظ
باللسان وأما اشتراط أن يسمع
نفسه فلم يرد ما يدل عليه
لأنه يصدق القول بمجرد التلفظ وهو تحريك اللسان وأن لم يسمع نفسه فينظر ما
وجه الاشتراط مع أنه قد تقدم الحديث الذي في الصحيحين المذكور في أول هذا
الكتاب بلفظ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي فإذا كان مجرد الذكر النفسي
مقتضيا للثواب فكيف لا يكون الذكر اللساني الذي قد صدق عليه أنه قول
مقتضيا للثواب والحاصل أنه لا وجه لهذا الاشتراط لا باعتبار أصل الثواب
ولا باعتبار كماله بل قد يكون التدبر والتفهم بما لا يسمع النفس من
الأذكار أتم وأكمل قوله وأفضل الذكر القرآن إلا فيما شرع بغيره أقول ثواب
الأذكار قد قدرها الشارع صلى الله عليه وسلم وصرح بما يحصل لفاعلها من
الأجر وهكذا ما ورد في تلاوة القرآن على العموم وفي تلاوة سورة منه معينة
وآيات خاصة كما هو معروف في مواضعه وكون هذا الذكر أفضل من هذا الذكر إنما
يظهر بما يترتب عليه من الأجر فما كان أجره أكثر كان أفضل ولا ريب أن كلام
الرب سبحانه أفضل من حيث ذاته وأشرف الكلام عل الإطلاق وأين يكون كلام
البشر من كلام خالق القوى والقدر تبارك اسمه وعلا جده ولا إله غيره وأما
قوله إلا فيما شرع بغيره فذلك في المواطن التي قد ورد النهي عن قراءة
القرآن فيها كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح إني نهيت أن أقرأ
القرآن راكعا وساجدا وهكذا ما وردت به السنة من الأذكار في الأوقات وعقيب
الصلوات فإنه ينبغي الاشتغال بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم فإن إرشاده
إليه يدل على أنه أفضل من غيره قوله والمواظب على الأذكار المأثورة صباحا
مساء وفي الأحوال المختلفة هو من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات أقول لا
شك أن صدق هذا الوصف أعني كونه من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات أكمل من
صدقه على من ذكر الله كثيرا من غير مواظبة وقد ثبت في الصحيح من حديث
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله كثيرا على كل أحيانه
وورد عنه
صلى الله عليه وسلم أن أحب العمل إلى الله تعالى أدومه
قوله ومن كان له ورد معروف ففاته تداركه إذا أمكنه ليعتاد الملازمة عليه
أقول هكذا ينبغي حتى يصدق عليه أنه مديم للذكر مواظب عليه وقد كان الصحابة
رضي الله عنهم يقضون ما فاتهم من أذكارهم التي كانوا يفعلونها في أوقات
مخصوصة وثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم من نام عن حزبه من الليل أو شيء منه فقرأه ما بين
صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب الله له كأنما قرأه من الليل
فصل
في آداب الدعاء وآكدها تجنب الحرام مأكلا ومشربا وملبسا والإخلاص لله
وتقديم عمل صالح والوضوء واستقبال القبلة والصلاة والجثو على الركب
والثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه أولا وآخرا
وبسط يديه
ورفعهما حذو منكبيه وكشفهما مع التأدب والخشوع والمسكنة والخضوع وأن يسأل
الله بأسمائه العظام الحسنى والأدعية المأثورة ويتوسل إلى الله بأنبيائه
والصالحين
بخفض صوت واعتراف بذنب ويبدأ بنفسه ولا يخص نفسه إن كان إماما
ويسأل بعزم ورغبة وجد واجتهاد ويحضر قلبه ويحسن رجاءه ويكرر الدعاء ويلح
فيه ولا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم ولا بأمر قد فرغ منه ولا بمستحيل ولا
يتحجر ويسأل حاجاته كلها ويؤمن الداعي والمستمع ويمسح وجهه بيديه بعد
فراغه ولا يستعجل أو يقول دعوت فلم يستجب لي قوله آداب الدعاء أعلم أن
المصنف رحمه الله ذكر في كتابه الحصن الحصين هذه الآداب كما هنا ورمز
رموزا لمن خرجها فلم نكتف بذلك بل بحثنا كل البحث عن أدلتها كما تراه ههنا
وقد نشير إلى رمز نادر وقد تتبعنا كثيرا منها فلم نجده صحيحا ولعل ذلك
سببه اختلاف أقلام الناسخين لذلك الكتاب قوله وآكدها تجنب الحرام مأكلا
ومشربا وملبسا أقول وجه ذلك أن ملابسة المعصية مقتضية لعدم الإجابة إلا
إذا تفضل الله على عبده وهو ذو الفضل العظيم ومما يدل على هذا قوله عز وجل
إنما يتقبل الله من المتقين ومما يدل على ذلك قوله في حديث أبي هريرة رضي
الله عنه عند مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الرجل يطيل
السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام
وغذي بالحرام فأنى يستجاب له ووجه تخصيص المسافر بالذكر أنه قد ورد أن
دعوته مستجابة فإذا كانت ملابسته للحرام مانعة لقبول دعوته فغيره بفحوى
الخطاب أولا قوله والإخلاص لله أقول هذا الأدب هو أعظم الآداب في أجابة
الدعاء لأن الإخلاص هو الذي تدور عليه دوائر الإجابة وقد قال عز وجل
فادعوا الله مخلصين له الدين فمن دعا ربه غير مخلص فهو حقيق بأن لا يجاب
إلا أن يتفضل الله عليه وهو ذو الفضل العظيم وقد روى ما يدل على ذلك
الحاكم في المستدرك قوله وتقديم عمل صالح أقول ليكون ذلك وسيلة إلى
الإجابة
ويدل على ذلك الحديث في أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه ويدل على
ذلك حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة كما في الصحيحين وغيرهما فإن
النبي صلى الله عليه وسلم حكى عنهم أنه توسل واحد منهم بأعظم أعماله التي
عملها لله عز وجل فإنه استجاب الله دعاءهم وارتفعت عنهم الصخرة وكان ذلك
بحكايته صلى الله عليه وسلم سنة لأمته قوله والوضوء أقول وجهه ما تقدم في
الباب المتقدم على هذا من قوله صلى الله عليه وسلم كرهت أن أذكر الله إلا
على طهر والدعاء ذكر ويدل على ذلك حديث أخرجه الطبراني في الكبير من حديث
أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من توضأ فأحسن
وضوءه ثم صلى ركعتين فدعا ربه إلا كانت دعوته مستجابة معجلة أو مؤخرة
وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا
بماء ثم توضأ ثم رفع يديه فقال اللهم اغفر لعبيد بن عامر الحديث وهو في
الصحيحين وفي قصة طويلة ويدل على ذلك الحديث الذي أخرجه الترمذي والحاكم
في المستدرك عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من كانت له حاجة إلى الله عز
وجل أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن
على الله تعالى بما هو أهله وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم سيد
المجالس قبالة القبلة قوله واستقبال القبلة أقول وجه ذلك أنها الجهة التي
يتوجه إليها العابدون لله سبحانه والداعون له والمتقربون إليه وقد ورد ما
يرغب في ذلك على العموم كما أخرجه الطبراني بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لكل شيء سيدا وإن سيد
المجالس قبالة القبلة وأخرج نحوه في الأوسط من حديث ابن عباس رضي الله
عنهما ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يدعو في الاستسقاء
استقبل القبلة كما في البخاري وغيره وقد استقبل صلى الله عليه وسلم القبلة
في دعائه في غير موطن كما في يوم بدر
أخرجه مسلم وغيره قوله والصلاة
أقول يدل على ذلك الذي ذكرناه قريبا ثم ليصل ركعتين الخ ونحوه قوله والجثو
على الركب أقول لم يثبت في هذه الهيئة شيء يصلح للاحتجاج به وقد روى ما
يدل عليه أبو عوانة قوله والثناء على الله سبحانه أقول يدل على هذا قوله
في الحديث المذكور قريبا ثم ليثن على الله بما هو أهله وصل علي ثم ادعه
قوله والصلاة على نبيه أقول يدل على ذلك ما تقدم بلفظ كل دعاء محجوب حتى
يصلى على محمد وآل محمد وما تقدم أيضا هنالك في حديث آخر بلفظ وصل علي وما
تقدم قريبا بلفظ وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله وبسط يديه
ورفعهما حذو منكبيه أقول يدل على ذلك ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من
رفع يديه في نحو ثلاثين موضعا في أدعية متنوعة وما أخرجه أبو داود
والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط
الشيخين من حديث سلمان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الله حي كريم
يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا
خائبتين وأخرج الحاكم نحوه وقال صحيح الإسناد من حديث أنس رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله رحيم كريم يستحي من عبده أن
يرفع إليه يديه ثم لا يضع فيهما خيرا وأخرج أحمد وأبو داود من حديث مالك
بن بشار رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألتم
الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها مسح الوجه باليدين في الدعاء
وأخرجا أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما نحوه وزاد فيه فإذا فرغتم
فامسحوا بها وجوهكم وأخرج الترمذي من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى
يمسح بهما وجهه وأما كشفهما فقد روى ذلك ابن مردويه قوله مع التأدب
والخشوع والمسكنة والخضوع أقول هذا المقام هو أحق المقامات بهذه الأوصاف
لأن المدعو هو رب العالمين خالق الخلق ورازقه وفي ذلك سبب الإجابة لأن
العبد إذا خشع وخضع رحمه ربه وتفضل عليه بالإجابة وقد ورد في الترغيب في
هذه الأوصاف على العموم ما فيه كفاية ومنه قوله عز وجل ادعوا ربكم تضرعا
وخفية وقد روى ما يدل على التأدب مسلم وغيره وروى ما يدل على الخشوع ابن
أبي شيبة في المصنف وروى ما يدل على الخضوع الترمذي فأما ما رواه مسلم فهو
من حديث علي رضي الله عنه وفيه أنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي وأما ما
رواه ابن أبي شيبة فهو من قول مسلم بن يسار قال لو كنت بين يدي ملكا تطلب
حاجة لسرك أن تخشع له وأما ما رواه الترمذي فهو في أحاديث الاستسقاء من
كتابه قوله وأن يسأل بأسماء الله العظام الحسنى والأدعية المأثورة أقول
يدل على ذلك قوله عز وجل ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وما أخرجه أبو
داود
والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال
صحيح على شرطهما من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سمع رجلا يقول اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله
إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال لقد
سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب وأخرج الترمذي
وحسنه من حديث معاذ رضي الله عنه قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا
وهو يقول يا ذا الجلال والإكرام فقال قد استجيب لك فسل وفي الباب أحاديث
كثيرة سيأتي بعضها وجه التوسل بالأنبياء بالصالحين قوله ويتوسل إلى الله
سبحانه بأنبيائه والصالحين أقول ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي
وقال حسن صحيح غريب والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال
صحيح على شرط البخاري ومسلم من حديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن أعمى
أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ادع الله أن يكشف لي عن
بصري قال أو أدعك فقال يا رسول الله أني قد شق علي ذهاب بصري قال فانطلق
فتوضأ فصل ركعتين ثم قل اللهم أني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة
الحديث وسيأتي هذا الحديث في هذا الكتاب عند ذكر صلاة الحاجة وأما التوسل
بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة استسقوا بالعباس رضي الله عنه
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عمر رضي الله عنه اللهم إنا نتوسل
إليك بعم نبينا الخ قوله بخفض صوت أقول لحديث أربعوا على أنفسكم فإنكم لن
تدعوا أصم ولا غائبا وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي موسى رضي الله
عنه قوله واعتراف بذنب أقول لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي رضي
الله عنه عند مسلم ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعها قوله
ويبدأ بنفسه أقول وجه ذلك ما روى من الأحاديث المصرحة بأنه يبدأ الإنسان
بنفسه
وأخرج الترمذي وقال حسن صحيح غريب عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه قوله ولا يخص
نفسه إن كان إماما أقول لحديث لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم
فإن فعل فقد خانهم أخرجه الترمذي وحسنه وأخرجه أيضا غيره قوله ويسأل بعزم
ورغبة وجد واجتهاد أقول وجه هذا ما أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا أحدكم فلا
يقول اللهم اغفر لي إن شئت وارحمني إن شئت وارزقني إن شئت وليعزم مسألته
أنه يفعل ما يشاء ولا مكره له وفي لفظ لمسلم من هذا الحديث ولكن ليعزم
وليعظم الرغبة فإن الله تعالى لا يتعاظم شيئا أعطاه قوله ويحضر قلبه ويحسن
رجاءه أقول وجه ذلك ما أخرجه أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القلوب أوعية وبعضها أوعى من
بعض فإذا سألتم الله تعالى أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون الإجابة فإن
الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل وأخرجه أيضا الترمذي والحاكم من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال الحاكم مستقيم الإسناد وتفرد به صالح
المرى وهو أحد زهاد البصرة قال المنذري صالح المرى لا شك في زهده لكن تركه
أبو داود
والنسائي قوله ويكرر الدعاء ويلح فيه أقول وجه ذلك ما ثبت
من حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الله يحب
الملحين في الدعاء أخرجه ابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب من حديث
عائشة رضي الله عنها وأخرج مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا
دعا كرره ثلاثا قوله ولا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم أقول وجه ذلك ما أخرجه
مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم وأخرج أحمد والبزار
وأبو يعلى قال المنذري بأسانيد جيدة من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا
قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث أما أن يعجل له دعوته وإما أن
يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها وأخرجه الحاكم وقال
صحيح الإسناد قوله ولا بأمر قد فرغ منه أقوم وجه ذلك أن الشيء إذا قد فرغ
منه لم يتعلق بالدعاء فيه فائدة وقد روى مسلم والنسائي ما يدل على ذلك من
حديث أم حبيبة رضي الله عنها لما سمعها تدعو للنبي صلى الله عليه وسلم
ولأبيها ولأخيها بأن يمتعها الله بهم فقال صلى الله عليه وسلم لن يعجل
الله شيئا قد أجله الحديث قوله ولا بمستحيل أقول وجه ذلك أن الدعاء
بالمستحيل هو من الاعتداء في الدعاء وقد ثبت النهي القرآني عنه قال الله
تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين وأخرج البخاري تعليقا
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى إنه لا يحب المعتدين قال في
الدعاء وغيره وأخرج أبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن
مغفل رضي الله عنه أنه سمع ابنه يقول اللهم أني أسألك القصر الأبيض عن
يمين الجنة إذا دخلتها فقال أي بني سل الله الجنة وتعوذ من النار فإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه سيكون
في هذه الأمة قوم
يعتدون في الطهور والدعاء قوله ولا يتحجر أقول وجهه أن النبي صلى الله
عليه وسلم لما سمع الأعرابي يقول اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا
قال له لقد تحجرت واسعا وهو ثابت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه قوله ويسأل حاجاته كلها أقول لما أخرجه الترمذي من حديث أنس رضي الله
عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأل أحدكم ربه حاجاته كلها
حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع وأخرجه أيضا ابن حبان قوله ويؤمن الداعي
والمستمع أقول وجهه أن التأمين بمعنى طلب الإجابة من الرب سبحانه
واستنجازها فهو تأكيد لما تقدم من الدعاء وتكرير له وقد ورد في الصحيح ما
يرشد إلى ذلك وأخرج أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا يدعو
فقال وجب أن ختمه بآمين وأخرج الحاكم وقال صحيح الإسناد عن أم سلمة رضي
الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمن في دعائه وأخرج الحاكم أيضا
وقال صحيح الإسناد أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم
ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله قوله ويمسح وجهه بيديه بعد الفراغ من الدعاء
أقول وجهه ما أخرجه أحمد وأبو داود عن مالك بن يسار رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا
تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا وجوهكم وأخرجه أيضا الترمذي وابن ماجة
وابن حبان والحاكم من حديثه وأخرجه الترمذي والحاكم أيضا من حديث عمر رضي
الله عنه قوله ولا يستعجل أو يقول دعوت فلم يستجب لي أقول وجهه ما في
الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي وأخرج
أحمد وأبو يعلى برجال الصحيح من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل قالوا يا نبي الله وكيف يستعجل قال
يقول قد دعوت الله فلم يستجب لي ففي الحديث تفسير
الاستعجال بقول الداعي دعوت فلم يستجب لي وليس مجرد سؤال العبد
لربه عز وجل أن يعجل له
الإجابة
من هذا فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في دعاء الاستسقاء عاجلا
غير رائث وكان الأحسن أن يقول المصنف ولا يستعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب
لي لما في عبارته من الإبهام
الباب الثاني في أوقات الإجابة
وأحوالها وأماكنها ومن يستجاب له وبم يستجاب واسم الله الأعظم وأسمائه
الحسنى وعلامة الاستجابة والحمد عليها
فصل في أوقات الإجابة وأحوالها ليلة القدر ويوم عرفة وشهر رمضان
وليلة الجمعة ويوم الجمعة وساعة الجمعة
وهي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة والأقرب أنها عند قراءة
الفاتحة حتى يؤمن وجوف الليل ونصفه الثاني وثلثه الأول وثلثه الأخير ووقت
السحر وعند النداء بالصلاة وبين الأذان والإقامة وبين الحيعلتين للمجيب
المكروب مس وعند الإقامة وعند الصف في سبيل الله وعند التحام الحرب ودبر
الصلوات المكتوبات وفي السجود وعند تلاوة القرآن لا سيما الختم وعند قول
الإمام ولا الضالين وعند شرب ماء زمزم خ م وصياح الديكة واجتماع المسلمين
وفي مجالس الذكر وعند تغميض الميت د س ت وعند نزول الغيث وعند الزوال في
يوم الأربعاء قاله البيهقي في شعب الإيمان قوله فصل في أوقات الإجابة أقول
قد رمز المصنف رحمه الله في كتابه الحصن الحصين في هذا الفصل كما فعل في
الفصل الأول وقد ذكرنا هنالك
عدم اعتمادنا على رموزه ورجوعنا إلى البحث
لتلك العلة قوله ليلة القدر أقول قد نطق الكتاب العزيز بشرف تلك الليلة
قال الله تعالى وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل
الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام وشرفها مستلزم لقبول دعاء
الداعين فيها ولهذا أمرهم صلى الله عليه وسلم بالتماسها وحرض الصحابة على
ذلك غاية التحريض وكرروا السؤال عنها وتلاحوا في شأنها وقد أخرج أحمد
والطبراني في الكبير من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن من قامها
إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وثبت في الصحيحين
وغيرهما بمعناه وقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم ما يدل على
أن الدعاء فيها مجاب وأخرجوا من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لها تقول في ليلة القدر اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف
عني وقد اختلف في تعيينها على أقوال كثيرة زيادة على أربعين قولا وقد
استوفيناها في شرحنا للمنتقي وذكرت أدلتها ورجحت ما هو الراجح فليرجع إليه
قوله ويوم عرفة أقول قد ثبت ما يدل على فضيلة هذا اليوم وشرفه حتى كان
صومه يكفر سنتين وورد في فضله ما هو معروف وذلك يستلزم إجابة دعاء الداعين
فيه وقد روى الترمذي ما يدل على إجابة دعاء الداعين فيه وهو ما أخرجه
وحسنه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال خير الدعاء يوم عرفة قوله وشهر رمضان أقول قد ورد في
شرفه وفضله من الأدلة الثابتة في الأمهات وغيرها ما هو معروف وأخرج أحمد
والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ترد
دعوتهم الصائم حين يفطر وفي لفظ لبعضهم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة
المظلوم وأخرج البيهقي من حديث عبد الله ابن عمرو بن
العاص رضي الله
عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للصائم عند فطره لدعوة لا
ترد قوله وليلة الجمعة ويوم الجمعة وساعة الجمعة أقول قد ثبت فضل يوم
الجمعة وشرفه على سائر الأيام وهكذا ليلته وتواترت النصوص بأن في يوم
الجمعة ساعة لا يسأل العبد فيها ربه شيئا إلا أعطاه إياه وقد اختلف
العلماء في تعيينها على أكثر من أربعين قولا قد أوضحناها في شرحنا للمنتقى
وذكرنا أدلتها ورجحنا ما هو الراجح منها فليرجع إليه وقد روى الترمذي
والحاكم حديثا في قبول الدعاء ليلة الجمعة من حديث ابن عباس رضي الله
عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أن
في ليلة الجمعة ساعة الدعاء فيها مستجاب وحسنه الترمذي وصححه والحاكم وروى
أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم حديثا في قبول الدعاء يوم
الجمعة من غير نظر إلى تلك الساعة التي تواترت الأحاديث بقبول الدعاء فيها
قوله وجوف الليل أقول يدل على هذا ما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث أبي
أمامة رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله أي الدعاء يسمع قال في جوف الليل
ودبر الصلاة قوله ونصفه الثاني وثلثه الأول وثلثه الأخير أقول يدل على ذلك
ما أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح من حديث عمرو بن عبسة أنه سمع النبي صلى
الله عليه وسلم يقول أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر فإن
استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن وأخرجه أيضا ابن خزيمة في
صحيحه وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث
الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني
فأغفر له وفي رواية لمسلم أن الله سبحانه يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل
الأول نزل إلى
سماء الدنيا فيقول أنا الملك أنا الملك من الذي
يدعوني الحديث وأخرج مسلم من حديث جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمور
الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك في كل ليلة قوله ووقت السحر أقول هذا
جزء من أجزاء ثلث الليل الآخر وقد تقدم في الصحيحين وغيرهما ما يدل على
قبول الدعاء فيه قوله وعند النداء بالصلاة أقول لما أخرجه مالك في الموطأ
وأبو داود من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثنتان لا يردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم
بعضا وزاد أبو داود وتحت المطر وأخرجه ابن حبان والحاكم وصححاه قوله وبين
الأذان والإقامة أقول لما أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث أنس رضي
الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد الدعاء بين الأذان
والإقامة قيل ماذا نقول يا رسول الله قال سلو الله العافية في الدنيا
والآخرة وأخرجه أيضا النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما قوله وبين
الحيعلتين للمجيب المكروب أقول يريد بالمجيب الذي يقول كما يقول المؤذن
فإنه كالمجيب له وبقوله المكروب من أصابه كرب وفيه إشارة إلى ما ورد في
ذلك وهو ما أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد من حديث أبي أمامة رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء
واستجيب الدعاء فمن نزل به كرب أو شدة فليتحين المنادي فإذا كبر كبر وإذا
تشهد تشهد وإذا قال حي على الصلاة قال حي على الصلاة وإذا قال حي على
الفلاح قال حي على الفلاح ثم يقول اللهم رب هذه الدعوة التامة الصادقة
المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها واجعلنا من
خيار أهلها أحياء وأمواتا ثم يسأل الله حاجته وفي
إسناده عفير بن
معدان قال المنذري وهو واه ولا يخفاك أن هذا الدعاء في هذا الحديث مصرح
بأنه بعد الحيعلتين فقول المصنف وبين الحيعلتين غير صواب قوله وعند
الإقامة أقول ولعل الوجه في ذلك أن الإقامة هي نداء إلى الصلاة كالأذان
وقد تقدم مشروعية الدعاء مطلقا عند النداء ويدل على خصوصية الإقامة ما
أخرجه أحمد من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
إذا ثوب بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء وفي إسناده ابن لهيعة
وأخرج الحاكم وصححه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه بلفظ ساعتان لا ترد
على داع دعوته حين تقام الصلاة وفي الصف ولفظ ابن حبان في صحيحه من هذا
الحديث عند حضور الصلاة وقوله فيما تقدم قريبا في الشرح إذا ثوب بالصلاة
المراد بالتثويب الإقامة وكذلك قوله في الحديث الآخر حين تقام الصلاة وعند
حضور الصلاة قوله وعند الصف في سبيل الله أقول يدل على ذلك ما أخرجه مالك
في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه ساعتان تفتح لها أبواب السماء وقل
داع ترد عليه دعوته حضرة النداء للصلاة والصف في سبيل الله
ورواه
أيضا ابن حبان والطبراني مرفوعا قوله وعند التحام الحرب أقول يدل على ذلك
حديث سهل بن سعد المتقدم بلفظ وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا قوله ودبر
الصلوات المكتوبات أقول قد ورد الإرشاد إلى الأذكار في دبر الصلوات وهي
مشتملة على ترغيب عظيم وفيها أن الذاكر يقوم مغفورا له وفيها أنها تحل له
الشفاعة وفيها أنه يكون في ذمة الله عز وجل إلى الصلاة الأخرى وفيها أنها
لو كانت خطاياه مثل زبد البحر لمحتهن وغير ذلك من الترغيبات وكل ذلك يدل
على شرف هذا الوقت وقبول الدعاء فيه وقد ورد حديث أخرجه الترمذي أن دبر
الصلاة من الأوقات التي تجاب فها الدعوات وهو من حديث أبي أمامة رضي الله
عنه قال قيل يا رسول الله أي الدعاء اسمع قال جوف الليل الأخير ودبر
الصلاة المكتوبة قال الترمذي حديث حسن قوله وفي السجود أقول يدل على ذلك
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد
من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء أخرجه مسلم وغيره قوله وعند تلاوة القرآن
لا سيما الختم أقول يدل على ذلك ما أخرجه الترمذي وقال حديث حسن من حديث
عمران بن حصين أنه مر على قارئ يقرأ ثم يسأل فاسترجع ثم قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء
أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس وأخرج الطبراني ما يدل على مشروعية
الدعاء عند ختم القرآن وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد إذا ختم القرآن نزلت
الرحمة قوله وعند قول الإمام ولا الضالين أقول يدل على ذلك ما ثبت في مسلم
وغيره بلفظ إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين
يحبكم الله وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق
تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وفي الموطأ أنه
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى