رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل في ختان الرجل نفسه بيده
قال المروزي سئل أبو عبد الله عن الرجل يختن نفسه فقال إن قوي وقال الخلال
أخبرني عبد الكريم بن الهيثم قال سمعت أبا عبد الله وسئل عن الرجل يختن
نفسه قال إن قوي على ذلك قال وأخبرني محمد بن هارون أن إسحاق حدثهم أن أبا
عبد الله سئل عن المرأة يدخل عليها زوجها لم تختتن يجب عليها الختان فقال
الختان سنة حسنة وذكر نحو مسألة المروزي في ختان نفسها قيل له فإن قويت
على ذلك قال ما أحسنه وسئل عن الرجل يختن نفسه قال إذا قوي عليه فهو حسن
وهي سنة حسنةالفصل الثالث في مشروعيته وأنه من خصال الفطرة
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله الفطرة خمس الختان
والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط فجعل الختان رأس خصال
الفطرة وإنما كانت هذه الخصال من الفطرة لأن الفطرة هي الحنيفية ملة
إبراهيم وهذه الخصال
أمر بها إبراهيم وهي من الكلمات التي ابتلاه ربه بهن كما ذكر
عبد الرزاق عن معمر عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في هذه الآية قال ابتلاه
بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد خمس في الرأس قص الشارب والمضمضة
والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الأظافر وحلق العانة
والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء والفطرة فطرتان فطرة
تتعلق بالقلب وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما
سواه وفطرة عملية وهي هذه الخصال فالأولى تزكي الروح وتطهر القلب والثانية
تطهر البدن وكل منهما تمد الأخرى وتقويها وكان رأس فطرة البدن الختان لما
سنذكره في الفصل السابع إن شاء الله وفي مسند الإمام أحمد من حديث عمار بن
ياسر رضي الله عنه قال قال رسول
الله من الفطرة أو الفطرة المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وتقليم
الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط والاستحداد والاختتان والانتضاح وقد
اشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة وأخذ الفضلات المستقذرة التي
يألفها
الشيطان ويجاورها من بني آدم وله بالغرلة اتصال واختصاص ستقف عليه في
الفصل السابع إن شاء الله وقال غير واحد من السلف من صلى وحج واختتن فهو
حنيف فالحج والختان شعار
الحنيفة وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها قال الراعي يخاطب أبا بكر رضي
الله عنه أخليفة الرحمن إنا معشر ... حنفاء نسجد بكرة وأصيلا عرب نرى لله
في أموالنا ... حق الزكاة منزلا تنزيلاالفصل الرابع في الاختلاف في
وجوبه واستحبابه
قال المسقطون لوجوبه قد صرحت السنة بأنه سنة كما في حديث شداد ابن أوس عن
النبي أنه قال الختان سنة للرجال مكرمة للنساء رواه الإمام أحمد قالوا وقد
قرنه بالمسنونات دون الواجبات وهي الاستحداد وقص الشارب وتقليم
الأظفار ونتف الإبط قالوا وقال الحسن البصري قد أسلم مع رسول الله الناس
الأسود والأبيض والرومي والفارسي والحبشي فما فتش أحدا منهم أو
ما بلغني أنه فتش أحدا منهم وقال الإمام أحمد حدثنا المعتمر عن سلم ابن
أبي الذيال قال سمعت الحسن يقول يا عجبا لهذا الرجل يعني أمير البصرة لقي
أشياخا من أهل كيكر فقال ما دينكم قالوا مسلمين فأمر بهم ففتشوا فوجدوا
غير مختونين فختنوا في هذا الشتاء وقد بلغني أن بعضهم مات وقد أسلم مع
النبي الرومي والفارسي والحبشي فما فتش أحدا منهم قالوا وأما استدلالكم
بقوله تعالى ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم
حنيفا النحل 123 فالملة هي الحنيفية وهي التوحيد ولهذا بينها بقوله حنيفا
وما كان من المشركين وقال يوسف الصديق أني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله
وهم بالآخرة هم كافرون
واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء
يوسف 37 و 38 وقال تعالى قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان
من المشركين آل عمران 95 فالملة في هذا كله هي أصل الايمان من التوحيد
والإنابة إلى الله وإخلاص الدين له وكان رسول الله يعلم أصحابه إذا أصبحوا
أن
يقولوا أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا
إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين قالوا ولو دخلت الأفعال في الملة
فمتابعته فيها أن تفعل على الوجه الذي
فعله فإن كان فعلها على سبيل الوجوب فاتباعه أن يفعلها كذلك وان كان فعلها
على وجه الندب فاتباعه أن يفعلها على وجه الندب فليس معكم حينئذ إلا مجرد
فعل إبراهيم والفعل هل هو على الوجوب أو الندب فيه النزاع المعروف والأقوى
أنه إنما يدل على الندب إذا لم يكن بيانا لواجب فمتى فعلناه على وجه الندب
كنا قد اتبعناه قالوا وأما حديث عثيم ابن كليب عن أبيه عن جده ألق عنك شعر
الكفر واختتن فابن جريج قال فيه أخبرت عن عثيم بن كليب قال أبو أحمد بن
عدي هذا الذي قال ابن جريج في هذا الإسناد أخبرت عن عثيم بن كليب أنما
حدثه ابراهيم بن أبي يحيى فكنى عن اسمه وإبراهيم هذا متفق على ضعفه بين
أهل الحديث ما خلا الشافعي وحده قالوا وأما مرسل الزهري عن النبي من أسلم
فليختتن وأن كان كبيرا فمرسيل الزهري عندهم من أضعف المراسيل لا تصلح
للاحتجاج قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان قال مكان يحيى بن سعيد
القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا ويقول هو بمنزلة الريح وقرىء على
عباس الدوري عن يحيى بن معين قال مراسيل الزهري ليست بشيء قالوا وأما حديث
موسى بن إسماعيل بن جعفر عن آبائه فحديث لا يعرف ولم يروه أهل الحديث
ومخرجه من هذا الوجه وحده تفرد به موسى بن إسماعيل عن آبائه بهذا السند
فهو نظير أمثاله من الأحاديث التي تفرد بها غير الحفاظ المعروفين بحمل
الحديث قالوا وأما حديث أبي برزة فقال ابن المنذر حدثنا يحيى بن محمد
حدثنا أحمد بن يونس حدثتنا أم الأسود عن منية عن جدها أبي برزة فذكره قال
ابن المنذر هذا إسناد مجهول لا يثبت قالوا وأما استدلالكم بقول ابن عباس
الأقلف لا تؤكل ذبيحته و لا تقبل له صلاة فقول صحابي تفرد به قال أحمد
وكان يشدد فيه وقد خالفه الحسن البصري وغيره وأما قولكم إنه من
الشعائر صحيح لا نزاع فيه ولكن ليس كل ما كان من الشعائر يكون واجبا
فالشعائر منقسمة إلى واجب كالصلوات الخمس والحج والصيام والوضوء وإلى
مستحب كالتلبية وسوق الهدي وتقليده وإلى مختلف فيه كالأذان والعيدين
والأضحية و الختان فمن
أين لكم أن هذا من قسم الشعائر الواجبة وأما قولكم أنه قطع شرع الله لا
تؤمن سرايته فكان واجبا كقطع يد السارق من
أبرد الأقيسة فأين الختان من قطع يد اللص فيا بعد ما بينهما ولقد أبعد
النجعة من قاس أحدهما على الآخر فالختان إكرام المختون وقطع يد السارق
عقوبة له وأين باب العقوبات من أبواب الطهارات والتنظيف وأما قولكم يجوز
كشف العورة له لغير ضرورة ولا مداواة فكان واجبا لا يلزم
من جواز كشف العورة وجوبه فإنه يجوز كشفها لغير الواجب إجماعا كما يكشف
لنظر الطبيب ومعالجته وإن جاز ترك المعالجة وأيضا فوجه المرأة عورة في
النظر ويجوز لها كشفه في المعاملة التي لا يجب ولتحمل الشهادة عليها حيث
لا تجب وأيضا فإنهم جوزوا لغاسل الميت حلق عانته وذلك يستلزم كشف العورة
أو لمسها لغير واجب وأما قولكم إن به يعرف المسلم من الكافر حتى إذا وجد
المختون بين جماعة
قتلى غير مختونين صلي عليه دونهم ليس كذلك فإن بعض الكفار يختتنون وهم
اليهود فالختان لا يميز بين المسلم والكافر إلا إذا كان في محل لا يختتن
فيه إلا المسلمون وحينئذ فيكون فرقا بين المسلم والكافر ولا يلزم من ذلك
وجوبه كما لا يلزم وجوب سائر ما يفرق بين المسلم
والكافر وأما قولكم إن الولي يؤلم فيه الصبي ويعرضه للتلف بالسراية ويخرج
من
ماله
أجرة الخاتن وثمن الدواء فهذا لا يدل على وجوبه كما يؤلمه بضرب التأديب
لمصلحته ويخرج من ماله أجرة المؤدب والمعلم وكما يضحى عنه قال الخلال باب
الأضحية عن اليتيم أخبرني حرب بن اسماعيل قال قلت لأحمد
يضحى عن اليتيم قال نعم إذا كان له مال وكذلك قال سفيان الثوري قال جعفر
بن محمد النيسابوري سمعت أبا عبد الله يسئل عن وصي يتيمة يشتري لها أضحية
قال لها مال قال نعم قال يشتري لها قوله لو لم يكن واجبا لما جاز للخاتن
الإقدام عليه إلى آخره ينتقض بإقدامه على قطع السلعة والعضو التالف وقلع
السن وقطع العروق وشق الجلد للحجامة والتشريط فيجوز الإقدام على ما يباح
للرجل قطعه فضلا عما يستحب له ويسن وفيه مصلحة ظاهرة وقولكم إن الأقلف
معرض لفساد طهارته وصلاته فهذا إنما يلام عليه إذا كان
باختياره وما خرج عن اختياره وقدرته ولم يلم عليه ولم تفسد طهارته كسلس
البول والرعاف وسلس المذي فإذا فعل ما يقدر عليه من الاستجمار والاستنجاء
لم يؤاخذ بما عجز عنه قولكم إنه من شعار عباد الصلبان وعباد النيران
فموافقتهم فيه
موافقة في شعار دينهم جوابه أنهم لم يتميزوا عن الحنفاء بمجرد ترك الختان
وإنما امتازوا بمجموع ما هم عليه من الدين الباطل وموافقة المسلم في ترك
الختان لا يستلزم موافقتهم في شعار دينهم الذي امتازوا به عن الحنفاء قال
الموجبون الختان علم الحنيفية وشعار الإسلام ورأس الفطرة وعنوان الملة
وإذا كان النبي قد قال من لم يأخذ شار به فليس منا فكيف من عطل الختان
ورضي بشعار القلف عباد الصلبان ومن أظهر ما يفرق بين عباد الصلبان وعباد
الرحمن الختان وعليه استمر عمل الحنفاء من عهد إمامهم إبراهيم إلى عهد
خاتم الأنبياء فبعث بتكميل الحنيفية وتقريرها لا بتحويلها وتغيرها ولما
أمر الله به خليله وعلم أن أمره المطاع وإنه لا يجوز أن يعطل ويضاع
بادر إلى امتثال ما أمر به الحي القيوم وختن نفسه بالقدوم مبادرة إلى
الامتثال وطاعة لذي العزة والجلال وجعله فطرة باقية في عقبة إلى أن يرث
الأرض ومن عليها ولذلك دعا جميع الأنبياء من ذريته أممهم إليها حتى عبد
الله ورسوله وكلمته ابن العذراء البتول فإنه اختتن متابعة لإبراهيم الخليل
والنصارى تقر بذلك وتعترف أنه من أحكام الإنجيل ولكن
اتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل حتى
لقد أذن عالم أهل بيت رسول الله عبد الله بن عباس أذانا سمعه الخاص
والعام أن من لم يختتن فلا صلاة له ولا تؤكل ذبيحته فأخرجه من جملة أهل
الإسلام ومثل هذا لا يقال لتارك أمر هو بين تركه وفعله بالخيار وإنما يقال
لما علم وجوبه علما يقرب من الاضطرار ويكفي في وجوبه أنه رأس خصال
الحنيفية التي فطر الله عباده عليها ودعت جميع الرسل إليها فتاركه خارج عن
الفطرة التي بعث الله رسله بتكميلها وموضع في تعطيلها مؤخر لما استحق
التقديم راغب في ملة أبيه إبراهيم ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه
نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه
أسلم قال أسلمت لرب العالمين البقرة فكما أن الإسلام رأس الملة
الحنيفية وقوامها فالاستسلام لأمره كمالها وتمامها فصل وأما قوله في
الحديث الختان سنة للرجال مكرمة للنساء فهذا حديث يروى عن
ابن عباس بإسناد ضعيف والمحفوظ أنه موقوف عليه ويروى أيضا عن الحجاج بن
أرطاة وهو ممن لا يحتج به عن أبي المليح ابن أسامة عن أبيه عنه وعن مكحول
عن أبي أيوب عن النبي فذكره
ذكر ذلك كله البيهقي ثم ساق عن ابن عباس أنه لا تؤكل ذبيحة الأقلف ولا
تقبل صلاته ولا تجوز شهادته ثم قال وهذا يدل على أنه كان يوجبه وأن قوله
الختان سنة أراد به سنة النبي وأن رسول الله سنة وأمر به فيكون واجبا
انتهى والسنة هي الطريقة يقال سننت له كذا أي شرعت فقوله الختان سنة
للرجال أي
مشروع لهم لا أنه ندب غير واجب فالسنة هي الطريقة المتبعة وجوبا واستحبابا
لقوله من رغب عن سنتي فليس مني وقوله عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
من بعدي وقال ابن عباس من خالف السنة كفر وتخصيص السنة بما يجوز تركه
اصطلاح حادث
و إلا فالسنة ما سنه رسول الله لأمته من واجب ومستحب فالسنة هي الطريقة
وهي الشريعة والمنهاج والسبيل وأما قولكم إن رسول الله قرنه بالمسنونات
فدلالة الاقتران لا تقوى على
معارضة أدلة الوجوب ثم إن الخصال المذكورة في الحديث منها ما هو واجب
كالمضمضة والاستنشاق والاستنجاء ومنها ما هو مستحب كالسواك وأما تقليم
الأظفار فإن الظفر إذا طال جدا بحيث يجتمع تحته الوسخ وجب تقليمه لصحة
الطهارة وأما قص الشارب فالدليل يقتضى وجوبه إذا طال وهذا الذي يتعين
القول به لأمر رسول الله به ولقوله من لم يأخذ شاربه فليس منا وأما قول
الحسن البصري قد أسلم مع رسول الله الناس فما فتش أحدا منهم
فجوابه أنهم استغنوا عن التفتيش بما كانوا عليه من الختان فإن العرب قاطبة
كلهم كانوا يختتنون واليهود قاطبة تختتن ولم يبق إلا النصارى وهم فرقتان
فرقة تختتن وفرقة لا تختتن وقد علم كل من دخل في الإسلام منهم ومن غيرهم
أن شعار الإسلام الختان فكانوا يبادرون اليه بعد الإسلام كما يبادرون إلى
الغسل ومن كان منهم كبيرا يشق عليه ويخاف التلف سقط عنه وقد سئل الإمام
أحمد عن ذبيحة الأقلف وذكر له حديث ابن عباس لا تؤكل فقال ذلك عندي إذا
ولد بين أبوين
مسلمين فكبر ولم يختتن وأما الكبير إذا أسلم وخاف على نفسه الختان فله
عندي رخصة وأما قولكم إن الملة هي التوحيد فالملة هي الدين وهي مجموعة
أقوال وأفعال
واعتقاد ودخول الأعمال في الملة كدخول الإيمان فالملة هي الفطرة وهي الدين
ومحال أن يأمر الله سبحانه باتباع إبراهيم في مجرد الكلمة دون الأعمال
وخصال الفطرة وإنما أمر بمتابعه في توحيده وأقواله وأفعاله وهو اختتن
امتثالا لأمر ربه الذي أمره به وابتلاه به فوفاه كما أمر فإن لم نفعل كما
فعل لم نكن متبعين له وأما قولكم في حديث عثيم بن كليب عن أبيه عن جده
بأنه من رواية إبراهيم بن أبي يحيى فالشافعي كان حسن الظن به وغيره يضعفه
فحديثه يصلح للاعتضاد بحيث يتقوى به وإن لم يحتج به وحده وكذلك الكلام في
مرسل الزهري فإذا لم يحتج به وحده فإن هذه المرفوعات والموقوفات والمراسيل
يشد بعضها بعضا وكذلك الكلام في حديث موسى بن إسماعيل وشبهه وأما قولكم إن
ابن عباس تفرد بقوله في الأقلف لا تؤكل ذبيحته
ولا صلاة له فهذا قول صحابي وقد احتج الأئمة الأربعة وغيرهم بأقوال
الصحابة وصرحوا بأنها حجة وبالغ الشافعي في ذلك وجعل مخالفتها بدعة كيف
ولم يحفظ عن صحابي خلاف ابن عباس ومثل هذا التشديد والتغليظ لا يقوله عالم
مثل ابن عباس في ترك مندوب يخير الرجل بين فعله وتركه وأما قولكم إن
الشعائر تنقسم إلى مستحب وواجب فالأمر كذلك ولكن مثل هذا
الشعار العظيم الفارق بين عباد الصليب وعباد الرحمن الذي لا تتم الطهارة
إلا به وتركه شعار عباد الصليب لا يكون إلا من أعظم الواجبات وأما قولكم
أين باب العقوبات من باب الختان فنحن لم نجعل ذلك أصلا في وجوب
الختان بل اعتبرنا وجوب أحدهما بوجوب الآخر فإن أعضاء المسلم وظهره ودمه
حمى إلا من حد أو حق وكلاهما يتعين إقامته ولا يجوز تعطيله وأما كشف
العورة له فلو لم تكن مصلحته أرجح من مفسدة كشفها والنظر إليها ولمسها لم
يجز ارتكاب ثلاث مفاسد عظيمة لأمر مندوب يجوز فعله وتركه وأما المداواة
فتلك من تمام الحياة وأسبابها التي لا بد للبنية منها فلو كان الختان من
باب المندوبات لكان بمنزلة
كشفها لما لا تدعو الحاجة إليه وهذا لا يجوز وأما قولكم إن الولي يخرج من
مال الصبي أجرة المعلم والمؤدب فلا ريب أن
تعليمه وتأديبه حق واجب على الولي فما أخرج ما له إلا فيما لا بد له من
صلاحه في دنياه وآخرته منه فلو كان الختان مندوبا محصنا لكان إخراجه
بمنزلة الصدقة التطوع عنده وبذله لمن يحج عنه حجة التطوع ونحو ذلك وأما
الأضحية عنه فهي مختلف في وجوبها فمن أوجبها لم يخرج ماله إلا في واجب ومن
رآها سنة قال ما يحصل بها من جبر قلبه والإحسان إليه وتفريحه أعظم من بقاء
ثمنها في ملكهالفصل الخامس في وقت وجوبه
ووقته عند البلوغ لأنه وقت وجوب العبادات عليه ولا يجب قبل ذلك وفي صحيح
البخاري من حديث سعيد بن جبير قال سئل ابن عباس رضي الله عنهما
مثل من أنت حين قبض رسول الله قال أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل
حتى يدرك وقد اختلف في سن ابن عباس عند
وفاة النبي فقال الزبير والواقدي ولد في الشعب قبل خروج بني
هاشم منه قبل الهجرة بثلاث سنين وتوفي رسول الله وله ثلاث عشرة سنة وقال
سعيد بن جبير عن ابن عباس توفي رسول الله وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت
المحكم يعني المفصل قال أبو عمر روينا ذلك عنه من وجوه قال وقد روي عن ابن
إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قبض رسول الله وأنا ختين أو مختون ولا
يصح قلت بل هو أصح شيء في الباب وهو الذي رواه البخاري في صحيحه كما تقدم
لفظه وقال عبد الله ابن الإمام أحمد حدثنا أبي حدثنا سليمان بن داود حدثنا
شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال توفي رسول
الله وأنا ابن خمس عشرة سنة قال عبد الله قال أبي وهذا هو الصواب قلت وفي
الصحيحين عنه قال أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت
الاحتلام ورسول الله يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض
الصف 0000 الحديث والذي عليه أكثر أهل السير والأخبار أن سنه كان يوم وفاة
النبي ثلاث عشرة سنة فإنه ولد في
الشعب وكان قبل الهجرة بثلاث سنين وأقام رسول الله بالمدينة عشرا وقد أخبر
أنه كان يومئذ مختونا قالوا ولا يجب الختان قبل البلوغ لأن الصبي ليس أهلا
لوجوب العبادات
المتعلقة بالأبدان فما الظن بالجرح الذي ورد التعبد به ولا ينتقض هذا
بالعدة التي تجب على الصغيرة فإنها لا مؤونة عليها فيها إنما هي مضي
الزمان قالوا فإذا بلغ الصبي وهو أقلف أو المرأة غير مختونة ولا عذر لهما
ألزمهما السلطان به وعندي أنه يجب على الولي أن يختن الصبي قبل البلوغ
بحيث يبلغ مختونا فإن ذلك لا يتم الواجب إلا به وأما قول ابن عباس كانوا
لا يختنون الرجل حتى يدرك أي حتى يقارب البلوغ
كقوله تعالى فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف البقرة 65
وبعد بلوغ الأجل لا يتأتى الإمساك وقد صرح ابن عباس أنه كان يوم موت النبي
مختونا وأخبر في حجة الوداع التي عاش بعدها رسول الله بضعة وثمانين يوما
أنه كان قد ناهز الاحتلام وقد أمر النبي الآباء أن يأمروا أولادهم بالصلاة
لسبع وأن يضربوهم على تركها لعشر فكيف يسوغ لهم ترك ختانهم حتى يجاوزوا
البلوغ والله أعلم
الفصل السادس في الاختلاف في كراهية يوم السابع
السابع في حكمة الختان وفوائده
الختان من محاسن الشرائع التي شرعها الله سبحانه لعباده ويجمل بها محاسنهم
الظاهرة والباطنة فهو مكمل للفطرة التي فطرهم عليها ولهذا كان من تمام
الحنيفبة ملة إبراهيم وأصل مشروعية الختان لتكميل الحنيفية فإن الله عز و
جل لما عاهد إبراهيم وعده أن يجعله للناس إماما ووعده أن يكون أبا لشعوب
كثيرة وأن يكون الأنبياء والملوك من صلبه وأن يكثر نسله وأخبره أنه جاعل
بينه وبين نسله علامة العهد أن يختنوا كل مولود منهم ويكون عهدي هذا ميسما
في أجسادهم فالختان علم للدخول في ملة إبراهيم وهذا
موافق لتأويل من تأول قوله تعالى صبغة الله ومن أحسن من الله
صبغة البقرة 138 على الختان فالختان للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد لعباد
الصليب فهم يطهرون أولادهم
بزعمهم حين يصبغونهم في المعمودية ويقولون الآن صار نصرانيا فشرع الله
سبحانه للحنفاء صبغة الحنيفية وجعل ميسمها الختان فقال صبغة الله ومن أحسن
من الله صبغة البقرة 138 وقد جعل الله سبحانه السمات علامة لمن يضاف منها
إليه المعلم بها ولهذا الناس يسمون دوابهم ومواشيهم بأنواع السمات حتى
يكون ما يضاف منها إلى كل إنسان معروفا بسمته ثم قد تكون هذه السمة
متوارثة في أمة بعد أمة فجعل الله سبحانه الختان علما لمن يضاف اليه وإلى
دينه وملته وينسب اليه
بنسبة العبودية والحنيفية حتى إذا جهلت حال إنسان في دينه عرف بسمة الختان
ورنكه وكانت العرب تدعى بأمة الختان ولهذا جاء في حديث هرقل إني أجد ملك
الختان قد ظهر فقال له أصحابه لا يهمنك هذا فإنما تختتن اليهود فاقتلهم
فبينما هم على ذلك وإذا برسول رسول الله قد جاء بكتابه فأمر به أن يكشف
وينظر هل هو مختون فوجد مختونا فلما أخبره أن العرب تختتن قال هذا ملك هذه
الأمة ولما كانت
وقعة أجنادين بين المسلمين والروم جعل هشام بن العاص يقول يا معشر
المسلمين إن هؤلاء القلف لا صبر لهم على السيف فذكرهم بشعار عباد الصليب
ورنكهم وجعله مما يوجب إقرام الحنفاء عليهم وتطهير الأرض منهم والمقصود أن
صبغة الله هي الحنيفية التي صبغت القلوب بمعرفته ومحبته
والإخلاص له وعبادته وحده لا شريك له وصبغت الأبدان بخصال الفطرة من
الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط والمضمضة
والاستنشاق والسواك والاستنجاء فظهرت فطرة الله على قلوب الحنفاء وأبدانهم
قال محمد بن جرير قي قوله تعالى صبغة الله يعني بالصبغة صبغة الإسلام وذلك
أن النصارى إذا أرادت أن تنصر أطفالهم جعلتهم في ماء لهم تزعم أن ذلك لها
تقديس بمنزلة غسل الجنابة لأهل الإسلام وأنه صبغة لهم في النصرانية فقال
الله جل ثناؤه لنبيه لما قال اليهود والنصارى كونوا هودا أو نصارى تهتدوا
قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين إلى قوله صبغة الله ومن أحسن
من الله صبغة البقرة 135 - 138 قال قتادة إن اليهود تصبغ أبناءها يهودا
والنصارى تصبغ أبناءها
نصارى وإن صبغة الله الإسلام فلا صبغة أحسن من الإسلام و لا أطهر وقال
مجاهد صبغة الله فطرة الله وقال غيره دين الله هذا مع ما في الختان
من الطهارة والنظافة والتزيين وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة التي إذا أفرطت
ألحقت الإنسان بالحيوانات وإن عدمت بالكلية ألحقته بالجمادات فالختان
يعدلها ولهذا تجد الأقلف من الرجال والقلفاء من النساء لا يشبع من الجماع
ولهذا يذم الرجل ويشتم ويعير بأنه ابن القلفاء إشارة الى غلمتها وأي زينة
أحسن من أخذ ما طال وجاوز الحد من جلدة القلفة وشعر العانة وشعر الإبط
وشعر الشارب وما طال من الظفر فإن الشيطان يختبىء تحت ذلك كله ويألفه
ويقطن فيه حتى إنه ينفخ في إحليل الأقلف وفرج القلفاء ما لاينفخ في
المختون ويختبىء في شعر العانة وتحت الأظفار فالغرلة أقبح في موضعها من
الظفر الطويل والشارب الطويل والعانة الفاحشة الطول ولا يخفى على ذي الحس
السليم قبح الغرلة وما في إزالتها من التحسين والتنظيف والتزيين ولهذا لما
ابتلى الله خليله إبراهيم بإزالة هذه الأمور فأتمهن جعله إماما للناس هذا
مع ما فيه من بهاء الوجه وضيائه وفي تركه
من الكسفة التي ترى عليه وقد ذكر حرب في مسائله عن ميمونة زوج النبي أنها
قالت للخاتنة إذا خفضت
فأشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى لها عند زوجها وروى أبو داود عن أم
عطية أن رسول الله أمر ختانه تختن فقال إذا ختنت فلا
تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل ومعنى هذا أن الخافضة إذا استأصلت
جلدة الختان ضعفت شهوة المرأة فقلت حظوتها عند زوجها كما أنها إذا تركتها
كما هي لم تأخذ منها شيئا ازدادت غلمتها فإذا أخذت منها وأبقت كان في ذلك
تعديلا للخلقة والشهوة هذا مع أنه لا ينكر أن يكون قطع هذه الجلدة علما
على العبودية فإنك تجد قطع طرف الأذن وكي الجبهة ونحو ذلك في كثير من
الرقيق علامة لرقهم وعبوديتهم حتى إذا أبق رد إلى مالكه بتلك العلامة فما
ينكر أن يكون قطع هذا الطرف علما على عبودية صاحبه لله سبحانه حتى يعرف
الناس أن من كان كذلك فهو من عبيد الله الحنفاء فيكون الختان علما لهذه
السنة التي لا أشرف منها مع ما فيه من الطهارة والنظافة والزينة وتعديل
الشهوة وقد ذكر في حكمة خفض النساء أن سارة لما وهبت هاجر لإبراهيم أصابها
فحملت
منه فغارت سارة فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فخاف إبراهيم أن تجدع أنفها
وتقطع أذنها فأمرها بثقب أذنيها وختانها وصار ذلك سنة في النساء بعد ولا
ينكر هذا كما كان مبدأ السعي سعي هاجر بين جبلين تبتغي لابنها القوت وكما
كان مبدأ الجمار حصب إسماعيل للشيطان لما ذهب مع أبيه فشرع الله سبحانه
لعباده تذكرة وإحياء لسنة خليله وإقامة لذكره وإعظاما لعبوديته والله أعلم
الفصل الثامن في بيان القدر الذي يؤخذ من الختان
قال أبو البركات في كتابه الغاية ويؤخذ في ختان الرجل جلدة الحشفة وإن
اقتصر على أخذ أكثرها جاز ويستحب لخافضة الجارية أن لا تحيف نص عليه وحكي
عن عمر أنه قال للخاتنة أبقي منه إذا خفضت وقال الخلال في جامعه ذكر
ما يقطع في الختان أخبرني محمد بن الحسين أن الفضل بن زياد حدثهم قال سئل
أحمد كم يقطع في الختانة قال حتى تبدو الحشفة وأخبرني عبد الملك الميموني
قال قلت يا أبا عبد الله مسألة سئلت
عنها ختان ختن صبيا فلم يستقص فقال إذا كان الختان قد جاز نصف
الحشفة إلى فوق فلا يعتد به لأن الحشفة تغلظ وكلما غلظت هي ارتفعت الختانة
ثم قال لي إذا كانت دون النصف أخاف قلت له فإن الإعادة عليه شديدة جدا
ولعله قد يخاف عليه الإعادة قال لي إيش يخاف عليه ورأيت سهولة الإعادة إذا
كانت الختانة في أقل من نصف الحشفة إلى أسفل وسمعته يقول هذا شيء لا بد أن
تتيسر فيه الختانة وقال ابن الصباغ في الشامل الواجب على الرجل أن يقطع
الجلدة التي على
الحشفة حتى تنكشف جميعها وأما المرأة فلها عذرتان إحداهما بكارتها والأخرى
هي التي يجب قطعها وهي كعرف الديك في أعلى الفرج بين الشفرين وإذا قطعت
يبقى أصلها كالنواة وقال الجويني في نهايته المستحق في الرجال قطع القلفة
وهي الجلدة التي تغشى الحشفة والغرض أن تبرز ولو فرض مقدار منه على الكمرة
لا ينبسط على سطح الحشفة فيجب قطعه حتى لا تبقى الجلدة متدلية وقال ابن كج
عندي يكفي قطع شيء من القلفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع
تدوير رأسها وقال الجويني القدر المستحق من النساء ما ينطلق عليه الاسم
قال في الحديث ما يدل على الأمر بالإقلال قال أشمي ولا تنكهي أي اتركي
الموضع أشم والأشم المرتفع وقال الماوردي والسنة أن يستوعب القلفة التي
تغشى الحشفة بالقطع من
أصلها وأقل ما يجزئ فيه أن لا يتغشى بها شيء من الحشفة وأما خفض المرأة
فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة ويؤخذ
منه الجلدة المستعلية دون أصلها وقد بان بهذا أن القطع في الختان ثلاثة
أقسام سنة وواجب وغير مجزئ على ما تقدم والله أعلمالفصل التاسع في أن
حكمه يعم الذكر والأنثى
قال صالح بن أحمد إذا جامع الرجل امرأته ولم ينزل قال إذا التقى الختانان
وجب الغسل قال أحمد وفي هذا أن النساء كن يختتن وسئل عن الرجل تدخل عليه
امرأته فلم يجدها مختونة أيجب عليها الختان قال الختان سنة قال الخلال
وأخبرني أبو بكر المروزي وعبد الكريم الهيثم ويوسف بن موسى دخل
كلام بعضهم في بعض أن أبا عبد الله سئل عن المرأة تدخل على زوجها ولم
تختتن أيجب عليها الختان فسكت والتفت إلى أبي حفص فقال تعرف في هذا شيئا
قال لا فقيل له إنها أتى عليها ثلاثون أو أربعون سنة فسكت قيل له فإن قدرت
على أن تختتن قال حسن قال وأخبرني محمد بن يحيى الكحال قال سألت أبا عبد
الله عن المرأة تختتن
فقال قد خرجت فيه أشياء ثم قال فنظرت فإذا خبر النبي
حين يلتقي الختانان ولا يكون واحدا إنما هو اثنان قلت لأبي عبد
الله فلا بد منه قال الرجل أشد وذلك أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة
مدلاة على الكمرة فلا يبقى مأثم والنساء أهون قلت لا خلاف في استحبابه
للأنثى واختلف في وجوبه وعن أحمد في ذلك روايتان إحداهما يجب على الرجال
والنساء والثانية يختص وجوبه بالذكور وحجة هذه الرواية حديث شداد بن أوس
الختان سنة للرجال مكرمة للنساء ففرق فيه بين الذكور والإناث ويحتج لهذا
القول بأن الأمر به إنما جاء للرجال كما أمر الله سبحانه به خليله عليه
السلام ففعله امتثالا لأمره وأما ختان المرأة فكان سببه يمين سارة كما تقدم
قال الإمام أحمد لا تحيف
خافضة المرأة لأن عمر قال لختانه ابقي منه شيئا إذا خفضت وذكر الإمام أحمد
عن أم عطية أن رسول الله أمر ختانه تختن فقال إذا ختنت
فلا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل والحكمة التي ذكرناها في الختان
تعم الذكر والأنثى وإن كانت في الذكر أبين والله أعلم
الفصل العاشر في حكم جناية الخاتن وسراية الختان
قال الله تعالى ما على المحسنين من سبيل التوبة 91 وفي السنن من حديث عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي أنه قال من تطبب ولم يعلم منه طب فهو
ضامن أما جناية يد الخاتن فمضمونه عليه أو على عاقلته كجناية غيره فإن
زادت على ثلث الدية كانت على العاقلة وإن نقصت عن الثلث فهي في ماله وأما
ما تلف بالسراية فإن لم يكن من أهل العلم بصناعته ولم يعرف بالحذق فيها
فإنه يضمنها لأنها سراية جرح لم يجز الإقدام عليه فهي كسراية الجناية
مضمونة واختلفوا فيما عداها فقال أحمد ومالك لا تضمن سراية مأذون فيه حدا
كان أو تأديبا مقدرا كان أو غير مقدر لأنها سراية مأذون فيه فلم يضمن
كسراية استيفاء منفعة النكاح وإزالة البكارة وسراية الفصد والحجامة
والختان وبط الدمل وقطع السلعة المأذون فيه لحاذق لم يتعد وقال الشافعي لا
يضمن
سراية المقدر حدا كان أو قصاصا ويضمن سراية غير المقدر كالتعزيز
والتأديب لأن التلف به دليل على التجاوز والعدوان وقال أبو حنيفة لا يضمن
سراية الواجب خاصة ويضمن سراية القود لأنه إنما
أبيح له استيفاؤه بشرط السلامة والسنة الصحيحة تخالف هذا القول وإن كان
الخاتن عارفا بالصناعة وختن المولود في الزمن الذي يختتن في مثله وأعطى
الصناعة حقها لم يضمن سراية الجرح اتفاقا كما لو مرض المختون من ذلك ومات
فإن أذن له أن يختنه في زمن حر مفرط أو برد مفرط أو حال ضعف يخاف عليه منه
فإن كان بالغا عاقلا لم يضمنه لأنه أسقط حقه بالإذن فيه وإن كان صغيرا
ضمنه لأنه لا يعتبر إذنه شرعا وإن أذن فيه وليه فهو موضع نظر هل يجب
الضمان على الولي أو على الخاتن ولا ريب أن الولي المتسبب والخاتن مباشر
فالقاعدة تقتضي تضمين المباشر لأنه يمكن الإحالة عليه بخلاف ما إذا تعذر
تضمينه فهذا تفصيل القول في جناية الخاتن وسراية ختانه والله أعلمالفصل
الحادي عشر في أحكام الأقلف من طهارته وصلاته وذبيحته
وشهادته وغير
ذلك قال الخلال أخبرني محمد بن إسماعيل حدثنا وكيع عن سالم بن العلاء
المرادي عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال الأقلف
لا تقبل له صلاة ولا تؤكل ذبيحته قال وكيع الأقلف إذا بلغ فلم يختتن لم
تجز شهادته أخبرني عصمة بن عصام حدثنا حنبل قال حدثني أبو عبد الله حدثنا
محمد بن عبيد عن سالم المرادي عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس
لا تؤكل ذبيحة الأقلف قال حنبل سمعت أبا عبد الله قال لا يعجبني أن يذبح
الأقلف وقال حنبل في
موضع آخر حدثنا أبو عمرو الحوضي حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة قال لا تؤكل
ذبيحة الأقلف قال وكان الحسن لا يرى ما قاله عكرمة قال قيل لعكرمة أله حج
قال لا قال حنبل قال أبو عبد الله لا تؤكل ذبيحته ولا صلاة له ولا حج له
حتى يتطهر هو من تمام الإسلام وقال حنبل في موضع آخر قال أبو عبد الله
الأقلف لا يذبح ولا تؤكل ذبيحته ولا صلاة له وقال عبد الله بن أحمد حدثني
أبي حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا سعيد بن
أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال الأقلف لا تحل له صلاة
ولا تؤكل ذبيحته ولا تجوز له شهادة قال قتادة وكان الحسن لا يرى ذلك وقال
إسحاق بن منصور قلت لأبي عبد الله ذبيحة الأقلف قال لا بأس بها وقال أبو
طالب سألت أبا عبد الله عن ذبيحة الأقلف فقال ابن عباس شدد في ذبيحته جدا
وقال
الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله عن ذبيحة الأقلف فقال يروى عن إبراهيم
والحسن وغيرهما أنهم كانوا لا يرون بها بأسا إلا شيئا يروى عن جابر بن زيد
عن ابن عباس أنه كرهه قال أبو عبد الله وهذا يشتد على الناس فلو أن رجلا
أسلم وهو كبير فخافوا
عليه الختان أفلا تؤكل ذبيحته وذكر الخلال عن أبي السمح أحمد بن عبد الله
بن ثابت قال سمعت أحمد بن حنبل
وسئل عن ذبيحة الأقلف وذكر له حديث ابن عباس لا تؤكل ذبيحته فقال أحمد ذاك
عندي إذا كان الرجل يولد بين أبوين مسلمين فكيف لا يختتن فأما الكبير إذا
أسلم وخاف على نفسه الختان فله عندي رخصة ثم ذكر قصة الحسن مع أمير البصرة
الذي ختن الرجال في الشتاء فمات بعضهم قال فكان أحمد يقول إذا أسلم الكبير
وخاف على نفسه فله عندي عذرالفصل الثاني عشر في المسقطات لوجوبه
وهي أمور أحدها أن يولد الرجل ولا قلفة له فهذا مستغن عن الختان إذا لم
يخلق له ما يجب ختانه وهذا متفق عليه لكن قال بعض المتأخرين
يستحب إمرار الموسى على موضع الختان لأنه ما يقدر عليه من
المأمور به وقد قال النبي إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وقد كان
الواجب أمرين مباشرة الحديدة والقطع فإذا سقط القطع فلا أقل من استحباب
مباشرة الحديدة والصواب أن هذا مكروه لا يتقرب إلى الله به ولا يتعبد
بمثله وتنزه عنه الشريعة فإنه عبث لا فائدة فيه وإمرار الموسى غير مقصود
بل هو وسيلة إلى فعل المقصود فإذا سقط المقصود لم يبق للوسيلة معنى ونظير
هذا ما قال بعضهم إن الذي يخلق على رأسه شعر يستحب له في النسك أن يمر
الموسى على رأسه ونظير قول بعض المتأخرين من أصحاب أحمد وغيرهم أن الذي لا
يحسن القراءة بالكلية ولا الذكر أو أخرس يحرك لسانه حركة مجردة قال شيخنا
ولو قيل إن الصلاة تبطل بذلك كان أقرب لأنه عبث ينافي الخشوع
وزيادة عمل غير مشروع والمقصود أن هذا الذي ولد ولا قلفة له كانت العرب
تزعم أنه إذا ولد في
القمر تقلصت قلفته وتجمعت ولهذا يقولون ختنه القمر وهذا غير مطرد ولا هو
أمر مستمر فلم يزل الناس يولدون في القمر والذي يولد بلا قلفة نادر جدا
ومع هذا فلا يكون زوال القلفة تاما بل يظهر رأس الحشفة بحيث يبين مخرج
البول ولهذا لا بد من ختانه ليظهر تمام الحشفة وأما الذي يسقط ختانه فأن
تكون الحشفة كلها ظاهرة
وأخبرني صاحبنا محمد بن عثمان الخليلي المحدث ببيت المقدس أنه ممن ولد
كذلك والله أعلمفصل
الثاني من مسقطاته ضعف المولود عن احتماله بحيث يخاف عليه من التلف ويستمر
به الضعف كذلك فهذا يعذر في تركه إذ غايته أنه واجب فيسقط بالعجز عنه
كسائر الواجباتفصل
الثالث أن يسلم الرجل كبيرا ويخاف على نفسه منه فهذا يسقط عنه عند الجمهور
ونص عليه الإمام أحمد في رواية جماعة من أصحابه وذكر قول الحسن أنه قد
أسلم في زمن رسول الله الرومي والحبشي والفارسي فما فتش أحدا منهم وخالف
سحنون بن سعيد الجمهور فلم يسقطه عن الكبير الخائف على نفسه وهو قول في
مذهب أحمد حكاه ابن تميم وغيره فصل وظاهر كلام أصحابنا أنه يسقط وجوبه فقط
عند خوف التلف
والذي ينبغي أن يمنع من فعله ولا يجوز له وصرح به في شرح
الهداية فقال يمنع منه ولهذا نظائر كثيرة منها الاغتسال بالماء البارد في
حال قوة البرد والمرض وصوم المريض الذي يخشى تلفه بصومه وإقامة الحد على
المريض والحامل وغير ذلك فإن هذه الأعذار كلها تمنع إباحة الفعل كما تسقط
وجوبه فصل الرابع الموت فلا يجب ختان الميت باتفاق الأمة وهل يستحب فجمهور
أهل العلم
على أنه لا يستحب وهو قول الأئمة الأربعة وذكر بعض الأئمة المتأخرين أنه
مستحب وقاسه على أخذ شاربه وحلق عانته ونتف إبطه وهذا مخالف لما عليه عمل
الأمة وهو قياس فاسد فإن أخذ الشارب وتقليم الظفر وحلق العانة من تمام
طهارته وإزالة وسخه ودرنه وأما الختان فهو قطع عضو من أعضائه والمعنى الذي
لأجله شرع في الحياة قد
زال بالموت فلا مصلحة في ختانه وقد أخبر النبي أنه يبعث يوم القيامة
بغرلته غير مختون فما الفائدة أن يقطع منه عند الموت عضو يبعث به يوم
القيامة وهو من تمام خلقه في النشأة الأخرى
قال المروزي سئل أبو عبد الله عن الرجل يختن نفسه فقال إن قوي وقال الخلال
أخبرني عبد الكريم بن الهيثم قال سمعت أبا عبد الله وسئل عن الرجل يختن
نفسه قال إن قوي على ذلك قال وأخبرني محمد بن هارون أن إسحاق حدثهم أن أبا
عبد الله سئل عن المرأة يدخل عليها زوجها لم تختتن يجب عليها الختان فقال
الختان سنة حسنة وذكر نحو مسألة المروزي في ختان نفسها قيل له فإن قويت
على ذلك قال ما أحسنه وسئل عن الرجل يختن نفسه قال إذا قوي عليه فهو حسن
وهي سنة حسنة
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله الفطرة خمس الختان
والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط فجعل الختان رأس خصال
الفطرة وإنما كانت هذه الخصال من الفطرة لأن الفطرة هي الحنيفية ملة
إبراهيم وهذه الخصال
أمر بها إبراهيم وهي من الكلمات التي ابتلاه ربه بهن كما ذكر
عبد الرزاق عن معمر عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في هذه الآية قال ابتلاه
بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد خمس في الرأس قص الشارب والمضمضة
والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الأظافر وحلق العانة
والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء والفطرة فطرتان فطرة
تتعلق بالقلب وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما
سواه وفطرة عملية وهي هذه الخصال فالأولى تزكي الروح وتطهر القلب والثانية
تطهر البدن وكل منهما تمد الأخرى وتقويها وكان رأس فطرة البدن الختان لما
سنذكره في الفصل السابع إن شاء الله وفي مسند الإمام أحمد من حديث عمار بن
ياسر رضي الله عنه قال قال رسول
الله من الفطرة أو الفطرة المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وتقليم
الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط والاستحداد والاختتان والانتضاح وقد
اشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة وأخذ الفضلات المستقذرة التي
يألفها
الشيطان ويجاورها من بني آدم وله بالغرلة اتصال واختصاص ستقف عليه في
الفصل السابع إن شاء الله وقال غير واحد من السلف من صلى وحج واختتن فهو
حنيف فالحج والختان شعار
الحنيفة وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها قال الراعي يخاطب أبا بكر رضي
الله عنه أخليفة الرحمن إنا معشر ... حنفاء نسجد بكرة وأصيلا عرب نرى لله
في أموالنا ... حق الزكاة منزلا تنزيلا
وجوبه واستحبابه
اختلف
الفقهاء فقال الشعبي وربيعة والأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك
والشافعي وأحمد هو واجب وشدد فيه مالك حتى قال من لم يختتن لم تجز إمامته
ولم تقبل شهادته ونقل كثير من الفقهاء عن مالك أنه سنة حتى قال القاضي
عياض الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة ولكن السنة عندهم يأثم بتركها
فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض
الفرض وبين الندب وإلا فقد صرح مالك بأنه لا تقبل شهادة الأقلف
ولا تجوز إمامته وقال الحسن البصري وأبو حنيفة لا يجب بل هو سنة وكذلك قال
ابن أبي موسى من أصحاب أحمد هو سنة مؤكدة ونص أحمد في رواية أنه لا يحب
على النساء واحتج الموجبون له بوجوه أحدها
قوله تعالى ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا النحل 123 والختان
من ملته لما تقدم الوجه الثاني ما رواه الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق عن
ابن جريج قال أخبرت
عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي فقال قد أسلمت قال ألق
عنك شعر الكفر يقول احلق وأخبرني آخر معه أن النبي قال لآخر الق عنه شعر
الكفر واختتن ورواه أبو داود عن مخلد بن خالد عن عبد الرزاق وحمله على
الندب في إلقاء الشعر لا يلزم منه حمله عليه في الآخر الوجه الثالث قال
حرب في مسائلة عن الزهري قال قال رسول الله من أسلم
فليختتن وإن كان كبيرا وهذا وإن كان مرسلا فهو يصلح
للاعتضاد الوجه الرابع ما رواه البيهقي عن موسى بن إسماعيل بن جعفر بن
محمد ابن علي
بن حسين بن علي عن آبائه واحدا بعد واحد عن علي رضي الله عنه قال وجدنا في
قائم سيف رسول الله في الصحيفة أن الأقلف لا يترك في الاسلام حتى يختتن
ولو بلغ ثمانين سنة قال البيهقي هذا حديث ينفرد به أهل البيت بهذا الاسناد
الوجه الخامس ما رواه ابن المنذر من حديث أبي برزة عن النبي في الأغلف لا
يحج بيت الله حتى يختتن وفي لفظ سألنا رسول الله عن رجل أقلف يحج بيت الله
قال لا حتى يختتن ثم قال لا يثبت لأن إسناده مجهول الوجه السادس ما رواه
وكيع عن سالم أبي العلاء المرادي عن عمرو ابن هرم عن
جابر بن زيد عن ابن عباس قال الأقلف لا تقبل له صلاة ولا تؤكل ذبيحته وقال
الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبيد عن سالم المرادي عن عمرو ابن هرم عن
جابر بن زيد عن ابن عباس لا تؤكل ذبيحة الأقلف وقال حنبل في مسائلة حدثنا
أبو عمر الحوضي حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة
قال لا تؤكل ذبيحة الأقلف قال وكان الحسن لا يرى ما قال عكرمة قال وقيل
لعكرمة أله حج قال لا قال حنبل قال أبو عبد الله لا تؤكل ذبيحته ولا صلاة
له ولا حج حتى يطهر وهو من تمام الإسلام قال حنبل وقال أبو عبد الله
الأقلف لا يذبح ولا تؤكل ذبيحته ولا صلاة له وقال عبد الله بن أحمد حدثني
أبي حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جابر
بن زيد عن ابن عباس قال الأقلف لا تحل له صلاة ولا تؤكل له ذبيحة و لا
يجوز له الشهادة قال قتادة وكان الحسن لا يرى ذلك الوجه السابع أن الختان
من أظهر الشعائر التي يفرق بها بين المسلم
والنصراني فوجوبه أظهر من وجوب الوتر وزكاة الخيل ووجوب الوضوء على من
قهقه في صلاته ووجوب الوضوء على من احتجم أو تقيأ أو رعف ووجوب التيمم إلى
المرفقين ووجوب الضربتين على الأرض وغير ذلك مما وجوب الختان أظهر من
وجوبه وأقوى حتى إن المسلمين لا يكادون يعدون الأقلف منهم ولهذا ذهب طائفة
من الفقهاء إلى أن تكبير يجب
عليه أن يختتن ولو أدى الى تلفة كما سنذكره في الفصل الثاني عشر إن شاء
الله تعالى الوجه الثامن أنه قطع شرع الله لا تؤمن من سرايته فكان واجبا
كقطع يد
السارق الوجه التاسع أنه لا يجوز كشف العورة له لغير ضرورة ولا مداواة فلو
لم يجب
لما جاز لأن الحرام لا يلتزم للمحافظة على المسنون الوجه العاشر أنه لا
يستغنى فيه عن ترك واجبين وارتكاب محظورين أحدهما كشف
العورة في جانب المختون والنظر الى عورة الأجنبي في جانب الخاتن فلو لم
يكن واجبا لما كان قد ترك له واجبان وارتكب محظوران الوجه الحادي عشر ما
احتج به الخطابي قال أما الختان فإنه وإن كان مذكورا
في جملة السنن فإنه عند كثير من العلماء على الوجوب وذلك أنه شعار الدين
وبه يعرف المسلم من الكافر وإذا وجد المختون بين جماعة قتلى غير مختونين
صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين الوجه الثاني عشر أن الولي يؤلم فيه
الصبي ويعرضه للتلف
بالسراية ويخرج من ماله أجرة الخاتن وثمن الدواء ولا يضمن سرايته بالتلف
ولو لم يكن واجبا لما جاز ذلك فإنه لا يجوز إضاعة ماله وإيلامه الألم
البالغ وتعريضه للتلف بفعل ما لا يجب فعله بل غايته أن يكون مستحبا وهذا
ظاهر بحمد الله الوجه الثالث عشر أنه لو لم يكن واجبا لما جاز للخاتن
الإقدام عليه وإن
أذن فيه المختون أو وليه فإنه لا يجوز له الإقدام على قطع عضو لم يأمر
الله ورسوله بقطعه ولا أوجب قطعه كما لو أذن له في قطع أذنه أو إصبعه فإنه
لا يجوز له ذلك ولا يسقط الإثم عنه بالإذن وفي سقوط الضمان عنه نزاع الوجه
الرابع عشر أن الأقلف معرض لفساد طهارته وصلاته فإن القلفة تستر
الذكر كله فيصيبها البول ولا يمكن الاستجمار لها فصحة الطهارة والصلاة
موقوفة على الختان ولهذا منع كثير من السلف والخلف إمامته وإن كان معذورا
في نفسه فإنه بمنزلة من به سلس البول ونحوه فالمقصود بالختان التحرز من
احتباس البول في القلفة فتفسد الطهارة والصلاة
ولهذا قال ابن عباس فيما رواه الإمام أحمد وغيره لا تقبل له صلاة ولهذا
يسقط بالموت لزوال التكليف بالطهارة والصلاة الوجه الخامس عشر أنه شعار
عباد الصليب وعباد النار الذين
تميزوا به عن الحنفاء والختان شعار الحنفاء في الأصل ولهذا أول من اختتن
إمام الحنفاء وصار للختان شعار الحنيفية وهو مما توارثه بنو إسماعيل وبنو
إسرائيل عن إبراهيم الخليل فلا يجوز موافقة عباد الصليب القلف في شعار
كفرهم وتثليثهم
فصلالفقهاء فقال الشعبي وربيعة والأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك
والشافعي وأحمد هو واجب وشدد فيه مالك حتى قال من لم يختتن لم تجز إمامته
ولم تقبل شهادته ونقل كثير من الفقهاء عن مالك أنه سنة حتى قال القاضي
عياض الاختتان عند مالك وعامة العلماء سنة ولكن السنة عندهم يأثم بتركها
فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض
الفرض وبين الندب وإلا فقد صرح مالك بأنه لا تقبل شهادة الأقلف
ولا تجوز إمامته وقال الحسن البصري وأبو حنيفة لا يجب بل هو سنة وكذلك قال
ابن أبي موسى من أصحاب أحمد هو سنة مؤكدة ونص أحمد في رواية أنه لا يحب
على النساء واحتج الموجبون له بوجوه أحدها
قوله تعالى ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا النحل 123 والختان
من ملته لما تقدم الوجه الثاني ما رواه الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق عن
ابن جريج قال أخبرت
عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي فقال قد أسلمت قال ألق
عنك شعر الكفر يقول احلق وأخبرني آخر معه أن النبي قال لآخر الق عنه شعر
الكفر واختتن ورواه أبو داود عن مخلد بن خالد عن عبد الرزاق وحمله على
الندب في إلقاء الشعر لا يلزم منه حمله عليه في الآخر الوجه الثالث قال
حرب في مسائلة عن الزهري قال قال رسول الله من أسلم
فليختتن وإن كان كبيرا وهذا وإن كان مرسلا فهو يصلح
للاعتضاد الوجه الرابع ما رواه البيهقي عن موسى بن إسماعيل بن جعفر بن
محمد ابن علي
بن حسين بن علي عن آبائه واحدا بعد واحد عن علي رضي الله عنه قال وجدنا في
قائم سيف رسول الله في الصحيفة أن الأقلف لا يترك في الاسلام حتى يختتن
ولو بلغ ثمانين سنة قال البيهقي هذا حديث ينفرد به أهل البيت بهذا الاسناد
الوجه الخامس ما رواه ابن المنذر من حديث أبي برزة عن النبي في الأغلف لا
يحج بيت الله حتى يختتن وفي لفظ سألنا رسول الله عن رجل أقلف يحج بيت الله
قال لا حتى يختتن ثم قال لا يثبت لأن إسناده مجهول الوجه السادس ما رواه
وكيع عن سالم أبي العلاء المرادي عن عمرو ابن هرم عن
جابر بن زيد عن ابن عباس قال الأقلف لا تقبل له صلاة ولا تؤكل ذبيحته وقال
الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبيد عن سالم المرادي عن عمرو ابن هرم عن
جابر بن زيد عن ابن عباس لا تؤكل ذبيحة الأقلف وقال حنبل في مسائلة حدثنا
أبو عمر الحوضي حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة
قال لا تؤكل ذبيحة الأقلف قال وكان الحسن لا يرى ما قال عكرمة قال وقيل
لعكرمة أله حج قال لا قال حنبل قال أبو عبد الله لا تؤكل ذبيحته ولا صلاة
له ولا حج حتى يطهر وهو من تمام الإسلام قال حنبل وقال أبو عبد الله
الأقلف لا يذبح ولا تؤكل ذبيحته ولا صلاة له وقال عبد الله بن أحمد حدثني
أبي حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جابر
بن زيد عن ابن عباس قال الأقلف لا تحل له صلاة ولا تؤكل له ذبيحة و لا
يجوز له الشهادة قال قتادة وكان الحسن لا يرى ذلك الوجه السابع أن الختان
من أظهر الشعائر التي يفرق بها بين المسلم
والنصراني فوجوبه أظهر من وجوب الوتر وزكاة الخيل ووجوب الوضوء على من
قهقه في صلاته ووجوب الوضوء على من احتجم أو تقيأ أو رعف ووجوب التيمم إلى
المرفقين ووجوب الضربتين على الأرض وغير ذلك مما وجوب الختان أظهر من
وجوبه وأقوى حتى إن المسلمين لا يكادون يعدون الأقلف منهم ولهذا ذهب طائفة
من الفقهاء إلى أن تكبير يجب
عليه أن يختتن ولو أدى الى تلفة كما سنذكره في الفصل الثاني عشر إن شاء
الله تعالى الوجه الثامن أنه قطع شرع الله لا تؤمن من سرايته فكان واجبا
كقطع يد
السارق الوجه التاسع أنه لا يجوز كشف العورة له لغير ضرورة ولا مداواة فلو
لم يجب
لما جاز لأن الحرام لا يلتزم للمحافظة على المسنون الوجه العاشر أنه لا
يستغنى فيه عن ترك واجبين وارتكاب محظورين أحدهما كشف
العورة في جانب المختون والنظر الى عورة الأجنبي في جانب الخاتن فلو لم
يكن واجبا لما كان قد ترك له واجبان وارتكب محظوران الوجه الحادي عشر ما
احتج به الخطابي قال أما الختان فإنه وإن كان مذكورا
في جملة السنن فإنه عند كثير من العلماء على الوجوب وذلك أنه شعار الدين
وبه يعرف المسلم من الكافر وإذا وجد المختون بين جماعة قتلى غير مختونين
صلى عليه ودفن في مقابر المسلمين الوجه الثاني عشر أن الولي يؤلم فيه
الصبي ويعرضه للتلف
بالسراية ويخرج من ماله أجرة الخاتن وثمن الدواء ولا يضمن سرايته بالتلف
ولو لم يكن واجبا لما جاز ذلك فإنه لا يجوز إضاعة ماله وإيلامه الألم
البالغ وتعريضه للتلف بفعل ما لا يجب فعله بل غايته أن يكون مستحبا وهذا
ظاهر بحمد الله الوجه الثالث عشر أنه لو لم يكن واجبا لما جاز للخاتن
الإقدام عليه وإن
أذن فيه المختون أو وليه فإنه لا يجوز له الإقدام على قطع عضو لم يأمر
الله ورسوله بقطعه ولا أوجب قطعه كما لو أذن له في قطع أذنه أو إصبعه فإنه
لا يجوز له ذلك ولا يسقط الإثم عنه بالإذن وفي سقوط الضمان عنه نزاع الوجه
الرابع عشر أن الأقلف معرض لفساد طهارته وصلاته فإن القلفة تستر
الذكر كله فيصيبها البول ولا يمكن الاستجمار لها فصحة الطهارة والصلاة
موقوفة على الختان ولهذا منع كثير من السلف والخلف إمامته وإن كان معذورا
في نفسه فإنه بمنزلة من به سلس البول ونحوه فالمقصود بالختان التحرز من
احتباس البول في القلفة فتفسد الطهارة والصلاة
ولهذا قال ابن عباس فيما رواه الإمام أحمد وغيره لا تقبل له صلاة ولهذا
يسقط بالموت لزوال التكليف بالطهارة والصلاة الوجه الخامس عشر أنه شعار
عباد الصليب وعباد النار الذين
تميزوا به عن الحنفاء والختان شعار الحنفاء في الأصل ولهذا أول من اختتن
إمام الحنفاء وصار للختان شعار الحنيفية وهو مما توارثه بنو إسماعيل وبنو
إسرائيل عن إبراهيم الخليل فلا يجوز موافقة عباد الصليب القلف في شعار
كفرهم وتثليثهم
قال المسقطون لوجوبه قد صرحت السنة بأنه سنة كما في حديث شداد ابن أوس عن
النبي أنه قال الختان سنة للرجال مكرمة للنساء رواه الإمام أحمد قالوا وقد
قرنه بالمسنونات دون الواجبات وهي الاستحداد وقص الشارب وتقليم
الأظفار ونتف الإبط قالوا وقال الحسن البصري قد أسلم مع رسول الله الناس
الأسود والأبيض والرومي والفارسي والحبشي فما فتش أحدا منهم أو
ما بلغني أنه فتش أحدا منهم وقال الإمام أحمد حدثنا المعتمر عن سلم ابن
أبي الذيال قال سمعت الحسن يقول يا عجبا لهذا الرجل يعني أمير البصرة لقي
أشياخا من أهل كيكر فقال ما دينكم قالوا مسلمين فأمر بهم ففتشوا فوجدوا
غير مختونين فختنوا في هذا الشتاء وقد بلغني أن بعضهم مات وقد أسلم مع
النبي الرومي والفارسي والحبشي فما فتش أحدا منهم قالوا وأما استدلالكم
بقوله تعالى ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم
حنيفا النحل 123 فالملة هي الحنيفية وهي التوحيد ولهذا بينها بقوله حنيفا
وما كان من المشركين وقال يوسف الصديق أني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله
وهم بالآخرة هم كافرون
واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء
يوسف 37 و 38 وقال تعالى قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان
من المشركين آل عمران 95 فالملة في هذا كله هي أصل الايمان من التوحيد
والإنابة إلى الله وإخلاص الدين له وكان رسول الله يعلم أصحابه إذا أصبحوا
أن
يقولوا أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا
إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين قالوا ولو دخلت الأفعال في الملة
فمتابعته فيها أن تفعل على الوجه الذي
فعله فإن كان فعلها على سبيل الوجوب فاتباعه أن يفعلها كذلك وان كان فعلها
على وجه الندب فاتباعه أن يفعلها على وجه الندب فليس معكم حينئذ إلا مجرد
فعل إبراهيم والفعل هل هو على الوجوب أو الندب فيه النزاع المعروف والأقوى
أنه إنما يدل على الندب إذا لم يكن بيانا لواجب فمتى فعلناه على وجه الندب
كنا قد اتبعناه قالوا وأما حديث عثيم ابن كليب عن أبيه عن جده ألق عنك شعر
الكفر واختتن فابن جريج قال فيه أخبرت عن عثيم بن كليب قال أبو أحمد بن
عدي هذا الذي قال ابن جريج في هذا الإسناد أخبرت عن عثيم بن كليب أنما
حدثه ابراهيم بن أبي يحيى فكنى عن اسمه وإبراهيم هذا متفق على ضعفه بين
أهل الحديث ما خلا الشافعي وحده قالوا وأما مرسل الزهري عن النبي من أسلم
فليختتن وأن كان كبيرا فمرسيل الزهري عندهم من أضعف المراسيل لا تصلح
للاحتجاج قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان قال مكان يحيى بن سعيد
القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا ويقول هو بمنزلة الريح وقرىء على
عباس الدوري عن يحيى بن معين قال مراسيل الزهري ليست بشيء قالوا وأما حديث
موسى بن إسماعيل بن جعفر عن آبائه فحديث لا يعرف ولم يروه أهل الحديث
ومخرجه من هذا الوجه وحده تفرد به موسى بن إسماعيل عن آبائه بهذا السند
فهو نظير أمثاله من الأحاديث التي تفرد بها غير الحفاظ المعروفين بحمل
الحديث قالوا وأما حديث أبي برزة فقال ابن المنذر حدثنا يحيى بن محمد
حدثنا أحمد بن يونس حدثتنا أم الأسود عن منية عن جدها أبي برزة فذكره قال
ابن المنذر هذا إسناد مجهول لا يثبت قالوا وأما استدلالكم بقول ابن عباس
الأقلف لا تؤكل ذبيحته و لا تقبل له صلاة فقول صحابي تفرد به قال أحمد
وكان يشدد فيه وقد خالفه الحسن البصري وغيره وأما قولكم إنه من
الشعائر صحيح لا نزاع فيه ولكن ليس كل ما كان من الشعائر يكون واجبا
فالشعائر منقسمة إلى واجب كالصلوات الخمس والحج والصيام والوضوء وإلى
مستحب كالتلبية وسوق الهدي وتقليده وإلى مختلف فيه كالأذان والعيدين
والأضحية و الختان فمن
أين لكم أن هذا من قسم الشعائر الواجبة وأما قولكم أنه قطع شرع الله لا
تؤمن سرايته فكان واجبا كقطع يد السارق من
أبرد الأقيسة فأين الختان من قطع يد اللص فيا بعد ما بينهما ولقد أبعد
النجعة من قاس أحدهما على الآخر فالختان إكرام المختون وقطع يد السارق
عقوبة له وأين باب العقوبات من أبواب الطهارات والتنظيف وأما قولكم يجوز
كشف العورة له لغير ضرورة ولا مداواة فكان واجبا لا يلزم
من جواز كشف العورة وجوبه فإنه يجوز كشفها لغير الواجب إجماعا كما يكشف
لنظر الطبيب ومعالجته وإن جاز ترك المعالجة وأيضا فوجه المرأة عورة في
النظر ويجوز لها كشفه في المعاملة التي لا يجب ولتحمل الشهادة عليها حيث
لا تجب وأيضا فإنهم جوزوا لغاسل الميت حلق عانته وذلك يستلزم كشف العورة
أو لمسها لغير واجب وأما قولكم إن به يعرف المسلم من الكافر حتى إذا وجد
المختون بين جماعة
قتلى غير مختونين صلي عليه دونهم ليس كذلك فإن بعض الكفار يختتنون وهم
اليهود فالختان لا يميز بين المسلم والكافر إلا إذا كان في محل لا يختتن
فيه إلا المسلمون وحينئذ فيكون فرقا بين المسلم والكافر ولا يلزم من ذلك
وجوبه كما لا يلزم وجوب سائر ما يفرق بين المسلم
والكافر وأما قولكم إن الولي يؤلم فيه الصبي ويعرضه للتلف بالسراية ويخرج
من
ماله
أجرة الخاتن وثمن الدواء فهذا لا يدل على وجوبه كما يؤلمه بضرب التأديب
لمصلحته ويخرج من ماله أجرة المؤدب والمعلم وكما يضحى عنه قال الخلال باب
الأضحية عن اليتيم أخبرني حرب بن اسماعيل قال قلت لأحمد
يضحى عن اليتيم قال نعم إذا كان له مال وكذلك قال سفيان الثوري قال جعفر
بن محمد النيسابوري سمعت أبا عبد الله يسئل عن وصي يتيمة يشتري لها أضحية
قال لها مال قال نعم قال يشتري لها قوله لو لم يكن واجبا لما جاز للخاتن
الإقدام عليه إلى آخره ينتقض بإقدامه على قطع السلعة والعضو التالف وقلع
السن وقطع العروق وشق الجلد للحجامة والتشريط فيجوز الإقدام على ما يباح
للرجل قطعه فضلا عما يستحب له ويسن وفيه مصلحة ظاهرة وقولكم إن الأقلف
معرض لفساد طهارته وصلاته فهذا إنما يلام عليه إذا كان
باختياره وما خرج عن اختياره وقدرته ولم يلم عليه ولم تفسد طهارته كسلس
البول والرعاف وسلس المذي فإذا فعل ما يقدر عليه من الاستجمار والاستنجاء
لم يؤاخذ بما عجز عنه قولكم إنه من شعار عباد الصلبان وعباد النيران
فموافقتهم فيه
موافقة في شعار دينهم جوابه أنهم لم يتميزوا عن الحنفاء بمجرد ترك الختان
وإنما امتازوا بمجموع ما هم عليه من الدين الباطل وموافقة المسلم في ترك
الختان لا يستلزم موافقتهم في شعار دينهم الذي امتازوا به عن الحنفاء قال
الموجبون الختان علم الحنيفية وشعار الإسلام ورأس الفطرة وعنوان الملة
وإذا كان النبي قد قال من لم يأخذ شار به فليس منا فكيف من عطل الختان
ورضي بشعار القلف عباد الصلبان ومن أظهر ما يفرق بين عباد الصلبان وعباد
الرحمن الختان وعليه استمر عمل الحنفاء من عهد إمامهم إبراهيم إلى عهد
خاتم الأنبياء فبعث بتكميل الحنيفية وتقريرها لا بتحويلها وتغيرها ولما
أمر الله به خليله وعلم أن أمره المطاع وإنه لا يجوز أن يعطل ويضاع
بادر إلى امتثال ما أمر به الحي القيوم وختن نفسه بالقدوم مبادرة إلى
الامتثال وطاعة لذي العزة والجلال وجعله فطرة باقية في عقبة إلى أن يرث
الأرض ومن عليها ولذلك دعا جميع الأنبياء من ذريته أممهم إليها حتى عبد
الله ورسوله وكلمته ابن العذراء البتول فإنه اختتن متابعة لإبراهيم الخليل
والنصارى تقر بذلك وتعترف أنه من أحكام الإنجيل ولكن
اتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل حتى
لقد أذن عالم أهل بيت رسول الله عبد الله بن عباس أذانا سمعه الخاص
والعام أن من لم يختتن فلا صلاة له ولا تؤكل ذبيحته فأخرجه من جملة أهل
الإسلام ومثل هذا لا يقال لتارك أمر هو بين تركه وفعله بالخيار وإنما يقال
لما علم وجوبه علما يقرب من الاضطرار ويكفي في وجوبه أنه رأس خصال
الحنيفية التي فطر الله عباده عليها ودعت جميع الرسل إليها فتاركه خارج عن
الفطرة التي بعث الله رسله بتكميلها وموضع في تعطيلها مؤخر لما استحق
التقديم راغب في ملة أبيه إبراهيم ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه
نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه
أسلم قال أسلمت لرب العالمين البقرة فكما أن الإسلام رأس الملة
الحنيفية وقوامها فالاستسلام لأمره كمالها وتمامها فصل وأما قوله في
الحديث الختان سنة للرجال مكرمة للنساء فهذا حديث يروى عن
ابن عباس بإسناد ضعيف والمحفوظ أنه موقوف عليه ويروى أيضا عن الحجاج بن
أرطاة وهو ممن لا يحتج به عن أبي المليح ابن أسامة عن أبيه عنه وعن مكحول
عن أبي أيوب عن النبي فذكره
ذكر ذلك كله البيهقي ثم ساق عن ابن عباس أنه لا تؤكل ذبيحة الأقلف ولا
تقبل صلاته ولا تجوز شهادته ثم قال وهذا يدل على أنه كان يوجبه وأن قوله
الختان سنة أراد به سنة النبي وأن رسول الله سنة وأمر به فيكون واجبا
انتهى والسنة هي الطريقة يقال سننت له كذا أي شرعت فقوله الختان سنة
للرجال أي
مشروع لهم لا أنه ندب غير واجب فالسنة هي الطريقة المتبعة وجوبا واستحبابا
لقوله من رغب عن سنتي فليس مني وقوله عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
من بعدي وقال ابن عباس من خالف السنة كفر وتخصيص السنة بما يجوز تركه
اصطلاح حادث
و إلا فالسنة ما سنه رسول الله لأمته من واجب ومستحب فالسنة هي الطريقة
وهي الشريعة والمنهاج والسبيل وأما قولكم إن رسول الله قرنه بالمسنونات
فدلالة الاقتران لا تقوى على
معارضة أدلة الوجوب ثم إن الخصال المذكورة في الحديث منها ما هو واجب
كالمضمضة والاستنشاق والاستنجاء ومنها ما هو مستحب كالسواك وأما تقليم
الأظفار فإن الظفر إذا طال جدا بحيث يجتمع تحته الوسخ وجب تقليمه لصحة
الطهارة وأما قص الشارب فالدليل يقتضى وجوبه إذا طال وهذا الذي يتعين
القول به لأمر رسول الله به ولقوله من لم يأخذ شاربه فليس منا وأما قول
الحسن البصري قد أسلم مع رسول الله الناس فما فتش أحدا منهم
فجوابه أنهم استغنوا عن التفتيش بما كانوا عليه من الختان فإن العرب قاطبة
كلهم كانوا يختتنون واليهود قاطبة تختتن ولم يبق إلا النصارى وهم فرقتان
فرقة تختتن وفرقة لا تختتن وقد علم كل من دخل في الإسلام منهم ومن غيرهم
أن شعار الإسلام الختان فكانوا يبادرون اليه بعد الإسلام كما يبادرون إلى
الغسل ومن كان منهم كبيرا يشق عليه ويخاف التلف سقط عنه وقد سئل الإمام
أحمد عن ذبيحة الأقلف وذكر له حديث ابن عباس لا تؤكل فقال ذلك عندي إذا
ولد بين أبوين
مسلمين فكبر ولم يختتن وأما الكبير إذا أسلم وخاف على نفسه الختان فله
عندي رخصة وأما قولكم إن الملة هي التوحيد فالملة هي الدين وهي مجموعة
أقوال وأفعال
واعتقاد ودخول الأعمال في الملة كدخول الإيمان فالملة هي الفطرة وهي الدين
ومحال أن يأمر الله سبحانه باتباع إبراهيم في مجرد الكلمة دون الأعمال
وخصال الفطرة وإنما أمر بمتابعه في توحيده وأقواله وأفعاله وهو اختتن
امتثالا لأمر ربه الذي أمره به وابتلاه به فوفاه كما أمر فإن لم نفعل كما
فعل لم نكن متبعين له وأما قولكم في حديث عثيم بن كليب عن أبيه عن جده
بأنه من رواية إبراهيم بن أبي يحيى فالشافعي كان حسن الظن به وغيره يضعفه
فحديثه يصلح للاعتضاد بحيث يتقوى به وإن لم يحتج به وحده وكذلك الكلام في
مرسل الزهري فإذا لم يحتج به وحده فإن هذه المرفوعات والموقوفات والمراسيل
يشد بعضها بعضا وكذلك الكلام في حديث موسى بن إسماعيل وشبهه وأما قولكم إن
ابن عباس تفرد بقوله في الأقلف لا تؤكل ذبيحته
ولا صلاة له فهذا قول صحابي وقد احتج الأئمة الأربعة وغيرهم بأقوال
الصحابة وصرحوا بأنها حجة وبالغ الشافعي في ذلك وجعل مخالفتها بدعة كيف
ولم يحفظ عن صحابي خلاف ابن عباس ومثل هذا التشديد والتغليظ لا يقوله عالم
مثل ابن عباس في ترك مندوب يخير الرجل بين فعله وتركه وأما قولكم إن
الشعائر تنقسم إلى مستحب وواجب فالأمر كذلك ولكن مثل هذا
الشعار العظيم الفارق بين عباد الصليب وعباد الرحمن الذي لا تتم الطهارة
إلا به وتركه شعار عباد الصليب لا يكون إلا من أعظم الواجبات وأما قولكم
أين باب العقوبات من باب الختان فنحن لم نجعل ذلك أصلا في وجوب
الختان بل اعتبرنا وجوب أحدهما بوجوب الآخر فإن أعضاء المسلم وظهره ودمه
حمى إلا من حد أو حق وكلاهما يتعين إقامته ولا يجوز تعطيله وأما كشف
العورة له فلو لم تكن مصلحته أرجح من مفسدة كشفها والنظر إليها ولمسها لم
يجز ارتكاب ثلاث مفاسد عظيمة لأمر مندوب يجوز فعله وتركه وأما المداواة
فتلك من تمام الحياة وأسبابها التي لا بد للبنية منها فلو كان الختان من
باب المندوبات لكان بمنزلة
كشفها لما لا تدعو الحاجة إليه وهذا لا يجوز وأما قولكم إن الولي يخرج من
مال الصبي أجرة المعلم والمؤدب فلا ريب أن
تعليمه وتأديبه حق واجب على الولي فما أخرج ما له إلا فيما لا بد له من
صلاحه في دنياه وآخرته منه فلو كان الختان مندوبا محصنا لكان إخراجه
بمنزلة الصدقة التطوع عنده وبذله لمن يحج عنه حجة التطوع ونحو ذلك وأما
الأضحية عنه فهي مختلف في وجوبها فمن أوجبها لم يخرج ماله إلا في واجب ومن
رآها سنة قال ما يحصل بها من جبر قلبه والإحسان إليه وتفريحه أعظم من بقاء
ثمنها في ملكه
ووقته عند البلوغ لأنه وقت وجوب العبادات عليه ولا يجب قبل ذلك وفي صحيح
البخاري من حديث سعيد بن جبير قال سئل ابن عباس رضي الله عنهما
مثل من أنت حين قبض رسول الله قال أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل
حتى يدرك وقد اختلف في سن ابن عباس عند
وفاة النبي فقال الزبير والواقدي ولد في الشعب قبل خروج بني
هاشم منه قبل الهجرة بثلاث سنين وتوفي رسول الله وله ثلاث عشرة سنة وقال
سعيد بن جبير عن ابن عباس توفي رسول الله وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت
المحكم يعني المفصل قال أبو عمر روينا ذلك عنه من وجوه قال وقد روي عن ابن
إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قبض رسول الله وأنا ختين أو مختون ولا
يصح قلت بل هو أصح شيء في الباب وهو الذي رواه البخاري في صحيحه كما تقدم
لفظه وقال عبد الله ابن الإمام أحمد حدثنا أبي حدثنا سليمان بن داود حدثنا
شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال توفي رسول
الله وأنا ابن خمس عشرة سنة قال عبد الله قال أبي وهذا هو الصواب قلت وفي
الصحيحين عنه قال أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت
الاحتلام ورسول الله يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض
الصف 0000 الحديث والذي عليه أكثر أهل السير والأخبار أن سنه كان يوم وفاة
النبي ثلاث عشرة سنة فإنه ولد في
الشعب وكان قبل الهجرة بثلاث سنين وأقام رسول الله بالمدينة عشرا وقد أخبر
أنه كان يومئذ مختونا قالوا ولا يجب الختان قبل البلوغ لأن الصبي ليس أهلا
لوجوب العبادات
المتعلقة بالأبدان فما الظن بالجرح الذي ورد التعبد به ولا ينتقض هذا
بالعدة التي تجب على الصغيرة فإنها لا مؤونة عليها فيها إنما هي مضي
الزمان قالوا فإذا بلغ الصبي وهو أقلف أو المرأة غير مختونة ولا عذر لهما
ألزمهما السلطان به وعندي أنه يجب على الولي أن يختن الصبي قبل البلوغ
بحيث يبلغ مختونا فإن ذلك لا يتم الواجب إلا به وأما قول ابن عباس كانوا
لا يختنون الرجل حتى يدرك أي حتى يقارب البلوغ
كقوله تعالى فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف البقرة 65
وبعد بلوغ الأجل لا يتأتى الإمساك وقد صرح ابن عباس أنه كان يوم موت النبي
مختونا وأخبر في حجة الوداع التي عاش بعدها رسول الله بضعة وثمانين يوما
أنه كان قد ناهز الاحتلام وقد أمر النبي الآباء أن يأمروا أولادهم بالصلاة
لسبع وأن يضربوهم على تركها لعشر فكيف يسوغ لهم ترك ختانهم حتى يجاوزوا
البلوغ والله أعلم
وقد اختلف في ذلك
على قولين هما روايتان عن الإمام أحمد قال الخلال باب
ذكر ختان الصبي أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد أنه ذاكر أبا عبد الله
ختاننه الصبي لكم يختتن قال لا أدري لم أسمع فيه شيئا فقلت إنه يشق على
الصغير ابن عشر يغلظ عليه وذكرت له ابني محمدا أنه في خمس سنين فأشتهي أن
أختنه فيها ورأيته كأنه يشتهي ذلك ورأيته يكره العشرة لغلظه عليه وشدته
فقال لي ما ظننت أن الصغير يشتد عليه هذا ولم أره يكره للصغير للشهر أو
السنة ولم يقل في ذلك شيئا إلا أني رأيته يعجب من أن يكون هذا يؤذي الصغير
قال عبد الملك وسمعته يقول كان الحسن يكره أن يختتن الصبي يوم سابعه
أخبرنا محمد بن علي السمسار قال حدثنا مهنا قال سألت أبا عبد الله عن
الرجل يختن ابنه لسبعة أيام فكرهه وقال هذا فعل اليهود وقال لي أحمد بن
حنبل كان الحسن يكره أن يختن الرجل ابنه لسبعة أيام فقلت من ذكره عن الحسن
قال بعض البصريين وقال لي أحمد بلغني أن سفيان الثوري سأل سفيان بن عيينة
في كم يختن الصبي فقال سفيان لو قلت له في كم ختن ابن عمر بنيه فقال لي
أحمد ما كان أكيس سفيان بن عيينة يعني حين قال لو قلت له في كم ختن ابن
عمر بنيه
أخبرني عصمة بن عصام حدثنا حنبل أن أبا عبد الله قال وإن ختن
يوم السابع فلا بأس وإنما كرهه الحسن كيلا يتشبه باليهود وليس في هذا شيء
أخبرني محمد بن علي حدثنا صالح أنه قال لأبيه يختن الصبي لسبعة أيام قال
يروى عن الحسن أنه قال فعل اليهود قال وسئل وهب بن منبه عن ذلك فقال إنما
يستحب ذلك في اليوم السابع لخفته على الصبيان فإن المولود يولد وهو خدر
الجسد كله لا يجد ألم ما أصابه سبعا وإذا لم يختتن لذلك فدعوه حتى يقوى
وقال ابن المنذر في ذكر وقت الختان وقد اختلفوا في وقت الختان فكرهت طائفة
أن يختن الصبي يوم سابعه كره ذلك الحسن البصري ومالك بن أنس خلافا على
اليهود وقال الثوري هو خطر قال مالك والصواب في خلاف اليهود قال وعامة ما
رأيت الختان ببلدان إذا أثغر وقال أحمد بن حنبل لم أسمع في ذلك شيئا وقال
الليث بن سعد الختان للغلام ما بين السبع سنين إلى العشرة قال وقد
حكي عن مكحول أو غيره أن إبراهيم خليل الرحمن ختن ابنه إسحاق لسبعة أيام
وختن ابنه إسماعيل لثلاث عشرة سنة وروي عن أبي جعفر أن فاطمة كانت تختن
ولدها يوم السابع قال ابن المنذر ليس في هذا الباب نهي يثبت وليس لوقوع
الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تستعمل فالأشياء على الإباحة ولا يجوز حظر
شيء منها إلا بحجة
ولا نعلم مع من منع أن يختن الصبي لسبعة أيام حجة وفي سنن البيهقي من حديث
زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال عق
رسول الله النبي عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام وفيها من حديث موسى
بن علي بن رباح عن أبيه أن إبراهيم ختن إسحاق وهو ابن
سبعة أيام قال شيخنا ختن إبراهيم إسحاق لسبعة أيام وختن إسماعيل عند بلوغه
فصار ختان إسحاق سنة في بنيه وختان إسماعيل سنة في بنيه والله أعلم
الفصلعلى قولين هما روايتان عن الإمام أحمد قال الخلال باب
ذكر ختان الصبي أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد أنه ذاكر أبا عبد الله
ختاننه الصبي لكم يختتن قال لا أدري لم أسمع فيه شيئا فقلت إنه يشق على
الصغير ابن عشر يغلظ عليه وذكرت له ابني محمدا أنه في خمس سنين فأشتهي أن
أختنه فيها ورأيته كأنه يشتهي ذلك ورأيته يكره العشرة لغلظه عليه وشدته
فقال لي ما ظننت أن الصغير يشتد عليه هذا ولم أره يكره للصغير للشهر أو
السنة ولم يقل في ذلك شيئا إلا أني رأيته يعجب من أن يكون هذا يؤذي الصغير
قال عبد الملك وسمعته يقول كان الحسن يكره أن يختتن الصبي يوم سابعه
أخبرنا محمد بن علي السمسار قال حدثنا مهنا قال سألت أبا عبد الله عن
الرجل يختن ابنه لسبعة أيام فكرهه وقال هذا فعل اليهود وقال لي أحمد بن
حنبل كان الحسن يكره أن يختن الرجل ابنه لسبعة أيام فقلت من ذكره عن الحسن
قال بعض البصريين وقال لي أحمد بلغني أن سفيان الثوري سأل سفيان بن عيينة
في كم يختن الصبي فقال سفيان لو قلت له في كم ختن ابن عمر بنيه فقال لي
أحمد ما كان أكيس سفيان بن عيينة يعني حين قال لو قلت له في كم ختن ابن
عمر بنيه
أخبرني عصمة بن عصام حدثنا حنبل أن أبا عبد الله قال وإن ختن
يوم السابع فلا بأس وإنما كرهه الحسن كيلا يتشبه باليهود وليس في هذا شيء
أخبرني محمد بن علي حدثنا صالح أنه قال لأبيه يختن الصبي لسبعة أيام قال
يروى عن الحسن أنه قال فعل اليهود قال وسئل وهب بن منبه عن ذلك فقال إنما
يستحب ذلك في اليوم السابع لخفته على الصبيان فإن المولود يولد وهو خدر
الجسد كله لا يجد ألم ما أصابه سبعا وإذا لم يختتن لذلك فدعوه حتى يقوى
وقال ابن المنذر في ذكر وقت الختان وقد اختلفوا في وقت الختان فكرهت طائفة
أن يختن الصبي يوم سابعه كره ذلك الحسن البصري ومالك بن أنس خلافا على
اليهود وقال الثوري هو خطر قال مالك والصواب في خلاف اليهود قال وعامة ما
رأيت الختان ببلدان إذا أثغر وقال أحمد بن حنبل لم أسمع في ذلك شيئا وقال
الليث بن سعد الختان للغلام ما بين السبع سنين إلى العشرة قال وقد
حكي عن مكحول أو غيره أن إبراهيم خليل الرحمن ختن ابنه إسحاق لسبعة أيام
وختن ابنه إسماعيل لثلاث عشرة سنة وروي عن أبي جعفر أن فاطمة كانت تختن
ولدها يوم السابع قال ابن المنذر ليس في هذا الباب نهي يثبت وليس لوقوع
الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تستعمل فالأشياء على الإباحة ولا يجوز حظر
شيء منها إلا بحجة
ولا نعلم مع من منع أن يختن الصبي لسبعة أيام حجة وفي سنن البيهقي من حديث
زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال عق
رسول الله النبي عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام وفيها من حديث موسى
بن علي بن رباح عن أبيه أن إبراهيم ختن إسحاق وهو ابن
سبعة أيام قال شيخنا ختن إبراهيم إسحاق لسبعة أيام وختن إسماعيل عند بلوغه
فصار ختان إسحاق سنة في بنيه وختان إسماعيل سنة في بنيه والله أعلم
السابع في حكمة الختان وفوائده
الختان من محاسن الشرائع التي شرعها الله سبحانه لعباده ويجمل بها محاسنهم
الظاهرة والباطنة فهو مكمل للفطرة التي فطرهم عليها ولهذا كان من تمام
الحنيفبة ملة إبراهيم وأصل مشروعية الختان لتكميل الحنيفية فإن الله عز و
جل لما عاهد إبراهيم وعده أن يجعله للناس إماما ووعده أن يكون أبا لشعوب
كثيرة وأن يكون الأنبياء والملوك من صلبه وأن يكثر نسله وأخبره أنه جاعل
بينه وبين نسله علامة العهد أن يختنوا كل مولود منهم ويكون عهدي هذا ميسما
في أجسادهم فالختان علم للدخول في ملة إبراهيم وهذا
موافق لتأويل من تأول قوله تعالى صبغة الله ومن أحسن من الله
صبغة البقرة 138 على الختان فالختان للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد لعباد
الصليب فهم يطهرون أولادهم
بزعمهم حين يصبغونهم في المعمودية ويقولون الآن صار نصرانيا فشرع الله
سبحانه للحنفاء صبغة الحنيفية وجعل ميسمها الختان فقال صبغة الله ومن أحسن
من الله صبغة البقرة 138 وقد جعل الله سبحانه السمات علامة لمن يضاف منها
إليه المعلم بها ولهذا الناس يسمون دوابهم ومواشيهم بأنواع السمات حتى
يكون ما يضاف منها إلى كل إنسان معروفا بسمته ثم قد تكون هذه السمة
متوارثة في أمة بعد أمة فجعل الله سبحانه الختان علما لمن يضاف اليه وإلى
دينه وملته وينسب اليه
بنسبة العبودية والحنيفية حتى إذا جهلت حال إنسان في دينه عرف بسمة الختان
ورنكه وكانت العرب تدعى بأمة الختان ولهذا جاء في حديث هرقل إني أجد ملك
الختان قد ظهر فقال له أصحابه لا يهمنك هذا فإنما تختتن اليهود فاقتلهم
فبينما هم على ذلك وإذا برسول رسول الله قد جاء بكتابه فأمر به أن يكشف
وينظر هل هو مختون فوجد مختونا فلما أخبره أن العرب تختتن قال هذا ملك هذه
الأمة ولما كانت
وقعة أجنادين بين المسلمين والروم جعل هشام بن العاص يقول يا معشر
المسلمين إن هؤلاء القلف لا صبر لهم على السيف فذكرهم بشعار عباد الصليب
ورنكهم وجعله مما يوجب إقرام الحنفاء عليهم وتطهير الأرض منهم والمقصود أن
صبغة الله هي الحنيفية التي صبغت القلوب بمعرفته ومحبته
والإخلاص له وعبادته وحده لا شريك له وصبغت الأبدان بخصال الفطرة من
الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط والمضمضة
والاستنشاق والسواك والاستنجاء فظهرت فطرة الله على قلوب الحنفاء وأبدانهم
قال محمد بن جرير قي قوله تعالى صبغة الله يعني بالصبغة صبغة الإسلام وذلك
أن النصارى إذا أرادت أن تنصر أطفالهم جعلتهم في ماء لهم تزعم أن ذلك لها
تقديس بمنزلة غسل الجنابة لأهل الإسلام وأنه صبغة لهم في النصرانية فقال
الله جل ثناؤه لنبيه لما قال اليهود والنصارى كونوا هودا أو نصارى تهتدوا
قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين إلى قوله صبغة الله ومن أحسن
من الله صبغة البقرة 135 - 138 قال قتادة إن اليهود تصبغ أبناءها يهودا
والنصارى تصبغ أبناءها
نصارى وإن صبغة الله الإسلام فلا صبغة أحسن من الإسلام و لا أطهر وقال
مجاهد صبغة الله فطرة الله وقال غيره دين الله هذا مع ما في الختان
من الطهارة والنظافة والتزيين وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة التي إذا أفرطت
ألحقت الإنسان بالحيوانات وإن عدمت بالكلية ألحقته بالجمادات فالختان
يعدلها ولهذا تجد الأقلف من الرجال والقلفاء من النساء لا يشبع من الجماع
ولهذا يذم الرجل ويشتم ويعير بأنه ابن القلفاء إشارة الى غلمتها وأي زينة
أحسن من أخذ ما طال وجاوز الحد من جلدة القلفة وشعر العانة وشعر الإبط
وشعر الشارب وما طال من الظفر فإن الشيطان يختبىء تحت ذلك كله ويألفه
ويقطن فيه حتى إنه ينفخ في إحليل الأقلف وفرج القلفاء ما لاينفخ في
المختون ويختبىء في شعر العانة وتحت الأظفار فالغرلة أقبح في موضعها من
الظفر الطويل والشارب الطويل والعانة الفاحشة الطول ولا يخفى على ذي الحس
السليم قبح الغرلة وما في إزالتها من التحسين والتنظيف والتزيين ولهذا لما
ابتلى الله خليله إبراهيم بإزالة هذه الأمور فأتمهن جعله إماما للناس هذا
مع ما فيه من بهاء الوجه وضيائه وفي تركه
من الكسفة التي ترى عليه وقد ذكر حرب في مسائله عن ميمونة زوج النبي أنها
قالت للخاتنة إذا خفضت
فأشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى لها عند زوجها وروى أبو داود عن أم
عطية أن رسول الله أمر ختانه تختن فقال إذا ختنت فلا
تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل ومعنى هذا أن الخافضة إذا استأصلت
جلدة الختان ضعفت شهوة المرأة فقلت حظوتها عند زوجها كما أنها إذا تركتها
كما هي لم تأخذ منها شيئا ازدادت غلمتها فإذا أخذت منها وأبقت كان في ذلك
تعديلا للخلقة والشهوة هذا مع أنه لا ينكر أن يكون قطع هذه الجلدة علما
على العبودية فإنك تجد قطع طرف الأذن وكي الجبهة ونحو ذلك في كثير من
الرقيق علامة لرقهم وعبوديتهم حتى إذا أبق رد إلى مالكه بتلك العلامة فما
ينكر أن يكون قطع هذا الطرف علما على عبودية صاحبه لله سبحانه حتى يعرف
الناس أن من كان كذلك فهو من عبيد الله الحنفاء فيكون الختان علما لهذه
السنة التي لا أشرف منها مع ما فيه من الطهارة والنظافة والزينة وتعديل
الشهوة وقد ذكر في حكمة خفض النساء أن سارة لما وهبت هاجر لإبراهيم أصابها
فحملت
منه فغارت سارة فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فخاف إبراهيم أن تجدع أنفها
وتقطع أذنها فأمرها بثقب أذنيها وختانها وصار ذلك سنة في النساء بعد ولا
ينكر هذا كما كان مبدأ السعي سعي هاجر بين جبلين تبتغي لابنها القوت وكما
كان مبدأ الجمار حصب إسماعيل للشيطان لما ذهب مع أبيه فشرع الله سبحانه
لعباده تذكرة وإحياء لسنة خليله وإقامة لذكره وإعظاما لعبوديته والله أعلم
قال أبو البركات في كتابه الغاية ويؤخذ في ختان الرجل جلدة الحشفة وإن
اقتصر على أخذ أكثرها جاز ويستحب لخافضة الجارية أن لا تحيف نص عليه وحكي
عن عمر أنه قال للخاتنة أبقي منه إذا خفضت وقال الخلال في جامعه ذكر
ما يقطع في الختان أخبرني محمد بن الحسين أن الفضل بن زياد حدثهم قال سئل
أحمد كم يقطع في الختانة قال حتى تبدو الحشفة وأخبرني عبد الملك الميموني
قال قلت يا أبا عبد الله مسألة سئلت
عنها ختان ختن صبيا فلم يستقص فقال إذا كان الختان قد جاز نصف
الحشفة إلى فوق فلا يعتد به لأن الحشفة تغلظ وكلما غلظت هي ارتفعت الختانة
ثم قال لي إذا كانت دون النصف أخاف قلت له فإن الإعادة عليه شديدة جدا
ولعله قد يخاف عليه الإعادة قال لي إيش يخاف عليه ورأيت سهولة الإعادة إذا
كانت الختانة في أقل من نصف الحشفة إلى أسفل وسمعته يقول هذا شيء لا بد أن
تتيسر فيه الختانة وقال ابن الصباغ في الشامل الواجب على الرجل أن يقطع
الجلدة التي على
الحشفة حتى تنكشف جميعها وأما المرأة فلها عذرتان إحداهما بكارتها والأخرى
هي التي يجب قطعها وهي كعرف الديك في أعلى الفرج بين الشفرين وإذا قطعت
يبقى أصلها كالنواة وقال الجويني في نهايته المستحق في الرجال قطع القلفة
وهي الجلدة التي تغشى الحشفة والغرض أن تبرز ولو فرض مقدار منه على الكمرة
لا ينبسط على سطح الحشفة فيجب قطعه حتى لا تبقى الجلدة متدلية وقال ابن كج
عندي يكفي قطع شيء من القلفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع
تدوير رأسها وقال الجويني القدر المستحق من النساء ما ينطلق عليه الاسم
قال في الحديث ما يدل على الأمر بالإقلال قال أشمي ولا تنكهي أي اتركي
الموضع أشم والأشم المرتفع وقال الماوردي والسنة أن يستوعب القلفة التي
تغشى الحشفة بالقطع من
أصلها وأقل ما يجزئ فيه أن لا يتغشى بها شيء من الحشفة وأما خفض المرأة
فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة ويؤخذ
منه الجلدة المستعلية دون أصلها وقد بان بهذا أن القطع في الختان ثلاثة
أقسام سنة وواجب وغير مجزئ على ما تقدم والله أعلم
حكمه يعم الذكر والأنثى
قال صالح بن أحمد إذا جامع الرجل امرأته ولم ينزل قال إذا التقى الختانان
وجب الغسل قال أحمد وفي هذا أن النساء كن يختتن وسئل عن الرجل تدخل عليه
امرأته فلم يجدها مختونة أيجب عليها الختان قال الختان سنة قال الخلال
وأخبرني أبو بكر المروزي وعبد الكريم الهيثم ويوسف بن موسى دخل
كلام بعضهم في بعض أن أبا عبد الله سئل عن المرأة تدخل على زوجها ولم
تختتن أيجب عليها الختان فسكت والتفت إلى أبي حفص فقال تعرف في هذا شيئا
قال لا فقيل له إنها أتى عليها ثلاثون أو أربعون سنة فسكت قيل له فإن قدرت
على أن تختتن قال حسن قال وأخبرني محمد بن يحيى الكحال قال سألت أبا عبد
الله عن المرأة تختتن
فقال قد خرجت فيه أشياء ثم قال فنظرت فإذا خبر النبي
حين يلتقي الختانان ولا يكون واحدا إنما هو اثنان قلت لأبي عبد
الله فلا بد منه قال الرجل أشد وذلك أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة
مدلاة على الكمرة فلا يبقى مأثم والنساء أهون قلت لا خلاف في استحبابه
للأنثى واختلف في وجوبه وعن أحمد في ذلك روايتان إحداهما يجب على الرجال
والنساء والثانية يختص وجوبه بالذكور وحجة هذه الرواية حديث شداد بن أوس
الختان سنة للرجال مكرمة للنساء ففرق فيه بين الذكور والإناث ويحتج لهذا
القول بأن الأمر به إنما جاء للرجال كما أمر الله سبحانه به خليله عليه
السلام ففعله امتثالا لأمره وأما ختان المرأة فكان سببه يمين سارة كما تقدم
قال الإمام أحمد لا تحيف
خافضة المرأة لأن عمر قال لختانه ابقي منه شيئا إذا خفضت وذكر الإمام أحمد
عن أم عطية أن رسول الله أمر ختانه تختن فقال إذا ختنت
فلا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل والحكمة التي ذكرناها في الختان
تعم الذكر والأنثى وإن كانت في الذكر أبين والله أعلم
قال الله تعالى ما على المحسنين من سبيل التوبة 91 وفي السنن من حديث عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي أنه قال من تطبب ولم يعلم منه طب فهو
ضامن أما جناية يد الخاتن فمضمونه عليه أو على عاقلته كجناية غيره فإن
زادت على ثلث الدية كانت على العاقلة وإن نقصت عن الثلث فهي في ماله وأما
ما تلف بالسراية فإن لم يكن من أهل العلم بصناعته ولم يعرف بالحذق فيها
فإنه يضمنها لأنها سراية جرح لم يجز الإقدام عليه فهي كسراية الجناية
مضمونة واختلفوا فيما عداها فقال أحمد ومالك لا تضمن سراية مأذون فيه حدا
كان أو تأديبا مقدرا كان أو غير مقدر لأنها سراية مأذون فيه فلم يضمن
كسراية استيفاء منفعة النكاح وإزالة البكارة وسراية الفصد والحجامة
والختان وبط الدمل وقطع السلعة المأذون فيه لحاذق لم يتعد وقال الشافعي لا
يضمن
سراية المقدر حدا كان أو قصاصا ويضمن سراية غير المقدر كالتعزيز
والتأديب لأن التلف به دليل على التجاوز والعدوان وقال أبو حنيفة لا يضمن
سراية الواجب خاصة ويضمن سراية القود لأنه إنما
أبيح له استيفاؤه بشرط السلامة والسنة الصحيحة تخالف هذا القول وإن كان
الخاتن عارفا بالصناعة وختن المولود في الزمن الذي يختتن في مثله وأعطى
الصناعة حقها لم يضمن سراية الجرح اتفاقا كما لو مرض المختون من ذلك ومات
فإن أذن له أن يختنه في زمن حر مفرط أو برد مفرط أو حال ضعف يخاف عليه منه
فإن كان بالغا عاقلا لم يضمنه لأنه أسقط حقه بالإذن فيه وإن كان صغيرا
ضمنه لأنه لا يعتبر إذنه شرعا وإن أذن فيه وليه فهو موضع نظر هل يجب
الضمان على الولي أو على الخاتن ولا ريب أن الولي المتسبب والخاتن مباشر
فالقاعدة تقتضي تضمين المباشر لأنه يمكن الإحالة عليه بخلاف ما إذا تعذر
تضمينه فهذا تفصيل القول في جناية الخاتن وسراية ختانه والله أعلم
الحادي عشر في أحكام الأقلف من طهارته وصلاته وذبيحته
وشهادته وغير
ذلك قال الخلال أخبرني محمد بن إسماعيل حدثنا وكيع عن سالم بن العلاء
المرادي عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال الأقلف
لا تقبل له صلاة ولا تؤكل ذبيحته قال وكيع الأقلف إذا بلغ فلم يختتن لم
تجز شهادته أخبرني عصمة بن عصام حدثنا حنبل قال حدثني أبو عبد الله حدثنا
محمد بن عبيد عن سالم المرادي عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس
لا تؤكل ذبيحة الأقلف قال حنبل سمعت أبا عبد الله قال لا يعجبني أن يذبح
الأقلف وقال حنبل في
موضع آخر حدثنا أبو عمرو الحوضي حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة قال لا تؤكل
ذبيحة الأقلف قال وكان الحسن لا يرى ما قاله عكرمة قال قيل لعكرمة أله حج
قال لا قال حنبل قال أبو عبد الله لا تؤكل ذبيحته ولا صلاة له ولا حج له
حتى يتطهر هو من تمام الإسلام وقال حنبل في موضع آخر قال أبو عبد الله
الأقلف لا يذبح ولا تؤكل ذبيحته ولا صلاة له وقال عبد الله بن أحمد حدثني
أبي حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا سعيد بن
أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال الأقلف لا تحل له صلاة
ولا تؤكل ذبيحته ولا تجوز له شهادة قال قتادة وكان الحسن لا يرى ذلك وقال
إسحاق بن منصور قلت لأبي عبد الله ذبيحة الأقلف قال لا بأس بها وقال أبو
طالب سألت أبا عبد الله عن ذبيحة الأقلف فقال ابن عباس شدد في ذبيحته جدا
وقال
الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله عن ذبيحة الأقلف فقال يروى عن إبراهيم
والحسن وغيرهما أنهم كانوا لا يرون بها بأسا إلا شيئا يروى عن جابر بن زيد
عن ابن عباس أنه كرهه قال أبو عبد الله وهذا يشتد على الناس فلو أن رجلا
أسلم وهو كبير فخافوا
عليه الختان أفلا تؤكل ذبيحته وذكر الخلال عن أبي السمح أحمد بن عبد الله
بن ثابت قال سمعت أحمد بن حنبل
وسئل عن ذبيحة الأقلف وذكر له حديث ابن عباس لا تؤكل ذبيحته فقال أحمد ذاك
عندي إذا كان الرجل يولد بين أبوين مسلمين فكيف لا يختتن فأما الكبير إذا
أسلم وخاف على نفسه الختان فله عندي رخصة ثم ذكر قصة الحسن مع أمير البصرة
الذي ختن الرجال في الشتاء فمات بعضهم قال فكان أحمد يقول إذا أسلم الكبير
وخاف على نفسه فله عندي عذر
وهي أمور أحدها أن يولد الرجل ولا قلفة له فهذا مستغن عن الختان إذا لم
يخلق له ما يجب ختانه وهذا متفق عليه لكن قال بعض المتأخرين
يستحب إمرار الموسى على موضع الختان لأنه ما يقدر عليه من
المأمور به وقد قال النبي إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وقد كان
الواجب أمرين مباشرة الحديدة والقطع فإذا سقط القطع فلا أقل من استحباب
مباشرة الحديدة والصواب أن هذا مكروه لا يتقرب إلى الله به ولا يتعبد
بمثله وتنزه عنه الشريعة فإنه عبث لا فائدة فيه وإمرار الموسى غير مقصود
بل هو وسيلة إلى فعل المقصود فإذا سقط المقصود لم يبق للوسيلة معنى ونظير
هذا ما قال بعضهم إن الذي يخلق على رأسه شعر يستحب له في النسك أن يمر
الموسى على رأسه ونظير قول بعض المتأخرين من أصحاب أحمد وغيرهم أن الذي لا
يحسن القراءة بالكلية ولا الذكر أو أخرس يحرك لسانه حركة مجردة قال شيخنا
ولو قيل إن الصلاة تبطل بذلك كان أقرب لأنه عبث ينافي الخشوع
وزيادة عمل غير مشروع والمقصود أن هذا الذي ولد ولا قلفة له كانت العرب
تزعم أنه إذا ولد في
القمر تقلصت قلفته وتجمعت ولهذا يقولون ختنه القمر وهذا غير مطرد ولا هو
أمر مستمر فلم يزل الناس يولدون في القمر والذي يولد بلا قلفة نادر جدا
ومع هذا فلا يكون زوال القلفة تاما بل يظهر رأس الحشفة بحيث يبين مخرج
البول ولهذا لا بد من ختانه ليظهر تمام الحشفة وأما الذي يسقط ختانه فأن
تكون الحشفة كلها ظاهرة
وأخبرني صاحبنا محمد بن عثمان الخليلي المحدث ببيت المقدس أنه ممن ولد
كذلك والله أعلم
الثاني من مسقطاته ضعف المولود عن احتماله بحيث يخاف عليه من التلف ويستمر
به الضعف كذلك فهذا يعذر في تركه إذ غايته أنه واجب فيسقط بالعجز عنه
كسائر الواجبات
الثالث أن يسلم الرجل كبيرا ويخاف على نفسه منه فهذا يسقط عنه عند الجمهور
ونص عليه الإمام أحمد في رواية جماعة من أصحابه وذكر قول الحسن أنه قد
أسلم في زمن رسول الله الرومي والحبشي والفارسي فما فتش أحدا منهم وخالف
سحنون بن سعيد الجمهور فلم يسقطه عن الكبير الخائف على نفسه وهو قول في
مذهب أحمد حكاه ابن تميم وغيره فصل وظاهر كلام أصحابنا أنه يسقط وجوبه فقط
عند خوف التلف
والذي ينبغي أن يمنع من فعله ولا يجوز له وصرح به في شرح
الهداية فقال يمنع منه ولهذا نظائر كثيرة منها الاغتسال بالماء البارد في
حال قوة البرد والمرض وصوم المريض الذي يخشى تلفه بصومه وإقامة الحد على
المريض والحامل وغير ذلك فإن هذه الأعذار كلها تمنع إباحة الفعل كما تسقط
وجوبه فصل الرابع الموت فلا يجب ختان الميت باتفاق الأمة وهل يستحب فجمهور
أهل العلم
على أنه لا يستحب وهو قول الأئمة الأربعة وذكر بعض الأئمة المتأخرين أنه
مستحب وقاسه على أخذ شاربه وحلق عانته ونتف إبطه وهذا مخالف لما عليه عمل
الأمة وهو قياس فاسد فإن أخذ الشارب وتقليم الظفر وحلق العانة من تمام
طهارته وإزالة وسخه ودرنه وأما الختان فهو قطع عضو من أعضائه والمعنى الذي
لأجله شرع في الحياة قد
زال بالموت فلا مصلحة في ختانه وقد أخبر النبي أنه يبعث يوم القيامة
بغرلته غير مختون فما الفائدة أن يقطع منه عند الموت عضو يبعث به يوم
القيامة وهو من تمام خلقه في النشأة الأخرى
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل
ولا يمنع الإحرام من الختان نص عليه الإمام أحمد وقد سئل عن المحرم يختتن
فقال نعم فلم يجعله من باب إزالة الشعر وتقليم الظفر لا في الحياة ولا بعد
الموتالفصل الثالث عشر في ختان النبي
وقد اختلف فيه على أقوال أحدها أنه ولد مختونا والثاني أن جبريل ختنه حين
شق صدره الثالث أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب في ختان أولادهم
ونحن نذكر قائلي هذه الأقوال وحججهم فأما من قال ولد مختونا فاحتجوا
بأحاديث أحدها ما رواه أبو عمر بن عبد البر فقال وقد روي أن النبي ولد
مختونا من حديث عبد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال ولد
رسول الله مختونا مسرورا يعني مقطوع السرة فأعجب ذلك جده عبد المطلب وقال
ليكونن لابني هذا شأن عظيم ثم قال ابن عبد البر ليس إسناد حديث العباس هذا
بالقائم قال وقد روي موقوفا على ابن عمر ولا يثبت أيضا قلت حديث ابن عمر
رويناه من طريق أبي نعيم حدثنا أبو الحسن أحمد ابن محمد بن خالد الخطيب
حدثنا محمد بن محمد بن سليمان حدثنا عبد الرحمن ابن أيوب الحمصي حدثنا
موسى بن أبي موسى المقدسي حدثنا خالد بن سلمة
عن نافع عن ابن عمر قال ولد النبي مسرورا مختونا ولكن محمد بن
سليمان هذا هو الباغندي وقد ضعفوه وقال الدارقطني كان كثير التدليس يحدث
بما لم يسمع وربما سرق الحديث ومنها ما رواه الخطيب بإسناده من حديث سفيان
بن محمد المصيصي حدثنا هشيم
عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن مالك قال قال رسول الله من كرامتي على
الله أني ولدت مختونا ولم ير سوءتي أحد قال الخطيب لم يروه فيما يقال غير
يونس عن هشيم وتفرد به سفيان بن محمد المصيصي وهو منكر الحديث قال الخطيب
أخبرني الأزهري قال سئل الدارقطني عن سفيان ابن محمد المصيصي
وأخبرني أبو الطيب الطبري قال قال لنا الدارقطني شيخ لأهل المصيصة يقال له
سفيان بن محمد الفزاري كان ضعيفا سيء الحال وقال صالح بن محمد الحافظ
سفيان بن محمد المصيصي لا شيء وقد رواه أبو القاسم بن عساكر من طريق الحسن
بن عرفة حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله من كرامتي
على ربي عز و جل أني ولدت مختونا لم ير أحد سوءتي وفي إسناده إلى الحسن بن
عرفة عدة مجاهيل قال أبو القاسم بن عساكر وقد سرقه ابن الجارود وهو كذاب
فرواه عن الحسن بن
عرفة ومما احتج به أرباب هذا القول ما ذكره
محمد ابن علي الترمذي في معجزات النبي فقال ومنها أن صفية بنت عبد المطلب
قالت أردت أن أعرف أذكر هو أم أنثى فرأيته مختونا وهذا الحديث لا يثبت
وليس له إسناد يعرف به وقد قال أبو القاسم عمر بن أبي الحسن بن هبة الله
بن أبي جرادة في كتاب صنفه في ختان الرسول يرد به على محمد بن طلحة في
تصنيف صنفه وقرر فيه أن رسول الله ولد مختونا وهذا محمد بن علي الترمذي
الحكيم لم يكن من أهل الحديث ولا علم له بطرقه وصناعته وإنما كان فيه
الكلام على إشارات الصوفية والطرائق ودعوى الكشف على الأمور الغامضة
والحقائق حتى خرج في الكلام على ذلك عن قاعدة الفقهاء واستحق الطعن عليه
بذلك والإزراء وطعن عليه أئمة الفقهاء والصوفية وأخرجوه بذلك عن السيرة
المرضية وقالوا إنه أدخل في علم الشريعة ما فارق به الجماعة فاستوجب بذلك
القدح والشناعة وملأ كتبه بالأحاديث الموضوعة وحشاها بالأخبار التي ليست
بمروية ولا مسموعة وعلل فيها خفي الأمور الشرعية التي لا يعقل معناها بعلل
ما أضعفها وما أوهاها ومما ذكره في كتاب له وسمه بالاحتياط أن يسجد عقب كل
صلاة يصليها سجدتي
السهو وإن لم يكن سها فيها وهذا مما لا يجوز فعله بالإجماع وفاعله منسوب
إلى الغلو والابتداع وما حكاه عن صفية بقولها
فرأيته مختونا يناقض الأحاديث الأخر وهو قوله لم ير سوءتي أحد فكل حديث في
هذا الباب يناقض الآخر ولا يثبت واحد منها ولو ولد مختونا فليس من خصائصه
فإن كثيرا من الناس يولد غير محتاج إلى الختان قال وذكر أبو الغنائم
النسابة الزيدي أن أباه القاضي أبا محمد الحسن ابن
محمد بن الحسن الزيدي ولد غير محتاج إلى الختان قال ولهذا لقب بالمطهر قال
وقال فيما قرأته بخطه خلق أبو محمد الحسن مطهرا لم يختن وتوفي كما خلق وقد
ذكر الفقهاء في كتبهم أن من ولد كذلك لا يختن واستحسن بعضهم أن يمر الموسى
على موضع الختان ختان القمر يشيرون في ذلك إلى أن النمو في خلقة الإنسان
يحصل في زيادة القمر ويحصل النقصان في الخلقة عند نقصانه كما يوجد في ذلك
الجزر والمد فينسبون النقصان الذي حصل في القلفة إلى نقصان القمر قال وقد
ورد في حديث رواه سيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي قال ابن صياد ولد مسرورا مختونا وسيف
مطعون في حديثه وقيل إن قيصر ملك الروم
الذي ورد عليه امرؤ القيس ولد كذلك ودخل عليه امرؤ القيس الحمام فرآه كذلك
فقال يهجوه إني حلفت يمينا غير كاذبة ... لأنت أغلف إلا ما جنى القمر
يعيره أنه لم يختتن وجعل ولادته كذلك نقصا وقيل إن هذا البيت أحد الأسباب
الباعثة لقيصر على أن سم امرء القيس فمات وأنشد ابن الأعرابي فيمن ولد بلا
قلفة فداك نكس لا يبض حجره ... مخرق العرض حديد ممصره في ليل كانون شديد
خصره ... عض بأطراف الزبانى قمره يقول هو أقلف ليس بمختون إلا ما قلص منه
القمر وشبه قلفته بالزبانى وهي
قرنا العقرب وكانت العرب لا تعتد بصورة الختان من غير ختان وترى الفضيلة
في الختان نفسه وتفخر به قال وقد بعث الله نبينا من صميم العرب وخصه بصفات
الكمال من الخلق والنسب
فكيف يجوز أن يكون ما ذكره من كونه مختونا مما يميز به النبي ويخصص وقيل
إن الختان من الكلمات التي ابتلى الله بها خليله فأتمهن وأكملهن وأشد
الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وقد عد النبي الختان من الفطرة ومن
المعلوم أن الابتلاء به مع الصبر مما يضاعف ثواب المبتلى به وأجره والأليق
بحال النبي أن لا يسلب
هذه الفضيلة وأن يكرمه الله بها كما أكرم خليله فإن خصائصه أعظم من خصائص
غيره من النبيين وأعلى وختن الملك إياه كما رويناه أجدر من أن يكون من
خصائصه وأولى هذا كله كلام
ابن العديم ويريد بختن الملك ما رواه من طريق الخطيب عن أبي بكرة أن جبريل
ختن النبي حين طهر قلبه وهو مع كونه موقوفا على أبي بكرة لا يصح إسناده
فإن الخطيب قال فيه أنبأنا أبو القاسم عبد الواحد بن عثمان بن محمد البجلي
أنبأنا جعفر بن محمد بن نصير حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان حدثنا عبد
الرحمن بن عيينة البصري حدثنا علي بن محمد المدائني حدثنا مسلمة بن محارب
بن سليم بن زياد عن أبيه عن أبي بكرة وليس هذا الإسناد مما يحتج به وحديث
شق الملك قلبه قد روي من وجوه متعددة مرفوعا إلى النبي وليس في شيء
منها أن جبريل ختنه إلا في هذا الحديث فهو شاذ غريب قال ابن العديم وقد
جاء في بعض الروايات أن جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع قال وهو على
ما فيه أشبه بالصواب وأقرب إلى الواقع ثم ساق من طريق ابن عبد البر حدثنا
أبو عمرو أحمد بن محمد بن
أحمد قراءة مني عليه أن محمد بن عيسى حدثه قال حدثنا يحيى بن أيوب بن زياد
العلاف حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا الوليد بن مسلم عن شعيب
بن أبي حمزة عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن
النبي يوم سابعه وجعل له مأدبة وسماه محمدا قال يحيى بن أيوب ما وجدنا هذا
الحديث عند أحد إلا عند ابن أبي السري وهو محمد بن المتوكل بن أبي السري
والله أعلمالفصل الرابع عشر في الحكمة التي لأجلها يعاد بنو آدم غرلا
لما وعد الله سبحانه وهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده أنه يعيد الخلق كما
بدأهم أول مرة كان من صدق وعده أن يعيده على الحالة التي بدأه عليها من
تمام أعضائه وكمالها قال الله تعالى يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما
بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين الأنبياء 104 وقال تعالى
كما بدأكم تعودون الأعراف 29 وأيضا فإن الختان إنما شرع في الدنيا لتكميل
الطهارة والتنزه من البول وأهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون فليس هناك
نجاسة تصيب الغرلة فيحتاج إلى
التحرز منها والقلفة لا تمنع لذة الجماع ولا تعوقه هذا إن قدر
استمرارهم على تلك الحالة التي بعثوا عليها وإلا فلا يلزم من كونهم يبعثون
كذلك أن يستمروا على تلك الحالة التي بعثوا عليها فإنهم يبعثون حفاة عراة
بهما ثم يكسون ويمد خلقهم ويزاد فيه بعد ذلك يزاد في خلق أهل الجنة والنار
وإلا فوقت قيامهم من القبور يكونون على صورتهم التي كانوا عليها في الدنيا
وعلى صفاتهم وهيئاتهم وأحوالهم فيبعث كل عبد على ما مات عليه ثم ينشئهم
الله سبحانه كما يشاء وهل تبقى تلك الغرلة التي كملت خلقهم في القبور أو
تزول يمكن هذا وهذا ولا يعلم إلا بخبر يجب المصير إليه والله سبحانه
وتعالى أعلم
الباب العاشر في ثقب أذن الصبي والبنت
أما أذن البنت فيجوز ثقبها للزينة نص عليه الإمام أحمد ونص على كراهته في
حق الصبي والفرق بينهما أن الأنثى محتاجة للحلية فثقب الأذن مصلحة في حقها
بخلاف الصبي وقد قال النبي لعائشة في حديث أم زرع كنت لك كأبي زرع لأم زرع
مع قولها أناس من حلي أذني أي ملأها من الحلي حتى صار ينوس فيها أي يتحرك
ويجول وفي الصحيحين لما حرض النبي النساء على الصدقة جعلت المرأة تلفي
خرصها
الحديث والخرص هو الحلقة الموضوعة في الأذن ويكفي في جوازه علم الله
ورسوله بفعل الناس له وإقرارهم على ذلك فلو كان مما ينهى عنه لنهى القرآن
أو السنة فإن قيل فقد أخبر الله سبحانه عن عدوه إبليس أنه قال ولآمرنهم
فليبتكن آذان الأنعام النساء 119 أي يقطعونها وهذا يدل على أن قطع الأذن
وشقها وثقبها من أمر الشيطان فإن البتك هو القطع وثقب الأذن قطع لها فهذا
ملحق بقطع أذن الأنعام
قيل هذا من أفسد القياس فإن الذي أمرهم به الشيطان أنهم كانوا
إذا ولدت لهم الناقة خمسة أبطن فكان البطن السادس ذكرا شقوا أذن الناقة
وحرموا ركوبها والانتفاع بها ولم تطرد عن ماء ولا عن مرعى وقالوا هذه
بحيرة فشرع لهم الشيطان في ذلك شريعة من عنده فأين هذا من نخس أذن الصبية
ليوضع فيها الحلية التي أباح الله لها أن تتحلى بها وأما ثقب الصبي فلا
مصلحة له فيه وهو قطع عضو من أعضائه لا مصلحة دينية ولا دنيوية فلا يجوز
ومن أعجب ما في هذا الباب ما قال الخطيب في تاريخه أنا الحسن بن علي
الجوهري ثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا أبو عمرو عثمان بن جعفر المعروف
بابن اللبان ثنا أبو الحسن علي بن إسحاق بن راهويه قال ولد أبي من بطن أمه
مثقوب الأذنين قال فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى السيناني فسأله عن
ذلك وقال ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين فقال يكون ابنك رأسا
إما في الخير وإما في الشر فكأن الفضل بن موسى والله أعلم تفرس فيه أنه
لما تفرد عن المولودين كلهم بهذه الخاصة أن ينفرد عنهم بالرياسة في الدين
أو الدنيا وقد كان رحمه الله رأس أهل زمانه في العلم والحديث والتفسير
والسنة
والجلالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكسر الجهمية وأهل البدع ببلاد
خراسان وهو الذي نشر السنة في بلاد خراسان وعنه
انتشرت هناك وقد كان له مقامات محمودة عند السلطان يظفره الله فيها
بأعدائه ويخزيهم على يديه حتى تعجب منه السلطان والحاضرون حتى قال محمد بن
أسلم الطوسي لو كان الثوري حيا لاحتاج إلى إسحاق فأخبر بذلك أحمد بن سعيد
الرباطي فقال والله لو كان الثوري وابن عيينة والحمادان في الحياة
لاحتاجوا إلى إسحاق فأخبر بذلك محمد بن يحيى الصفار فقال والله لو كان
الحسن البصري حيا لاحتاج إلى إسحاق في أشياء كثيرة وكان الإمام أحمد يسميه
أمير المؤمنين وسنذكر هذا وأمثاله في كتاب نفرده لمناقبه إن شاء الله
تعالى ونذكر حكاية عجيبة يستدل بها على أنه كان رأس أهل زمانه قال الحاكم
أبو عبد الله في تاريخ نيسابور أخبرني أبو محمد بن زياد قال سمعت أبا
العباس الأزهري قال سمعت علي بن سلمة يقول كان إسحاق عند عبد الله ابن
طاهر وعنده إبراهيم بن صالح فسأل عبد الله بن طاهر إسحاق عن مسألة فقال
إسحاق السنة فيها كذا وكذا وأما النعمان وأصحابه فيقولون بخلاف هذا فقال
إبراهيم لم يقل النعمان بخلاف هذا فقال إسحاق حفظته من كتاب جدك وأنا وهو
في كتاب واحد فقال إبراهيم للأمير أصلحك الله كذب إسحاق على جدي فقال
إسحاق ليبعث الأمير إلى جزء كذا وكذا من الجامع فليحضره فأتى بالكتاب فجعل
الأمير يقلب الكتاب
فقال إسحاق عد من أول الكتاب إحدى وعشرين ورقة ثم عد تسعة أسطر ففعل فإذا
المسألة على ما قال إسحاق فقال عبد الله بن طاهر ليس العجب من حفظك إنما
العجب بمثل هذه المشاهدة فقال إسحاق ليوم مثل هذا لكي يخزي الله على يدي
عدوا للسنة مثل هذا وقال له عبد الله بن طاهر قيل لي إنك تحفظ مائة ألف
حديث فقال له مائة ألف لا أدري ما هو ولكني ما سمعت شيئا قط إلا حفظته ولا
حفظت شيئا قط فنسيته والمقصود صحة فراسة الفضل بن موسى فيه وأنه يكون رأسا
في الخير والله أعلم
الباب الحادي عشر في حكم بول الغلام والجارية قبل أن يأكلا
الطعام
هذه المسألة مما تعم به البلوى وقد علم الشارع أن الطفل يقيء كثيرا ولا
يمكن غسل فمه ولا يزال ريقه ولعابه يسيل على من يربيه ويحمله ولم يأمر
الشارع بغسل الثياب من ذلك ولا منع من الصلاة فيها ولا أمر بالتحرز من ريق
الطفل فقالت طائفة من الفقهاء هذا من النجاسة التي يعفى عنها للمشقة
والحاجة كطين الشوارع والنجاسة بعد الاستجمار ونجاسة أسفل الخف والحذاء
بعد دلكهما بالأرض وقال شيخنا وغيره من الأصحاب بل ريق الطفل يطهر فمه
للحاجة كما كان ريق الهرة مطهرا لفمها وقد أخبر النبي أنها ليست بنجس مع
علمه بأكلها الفأر وغيره وقد فهم من ذلك أبو قتادة طهارة فمها وريقها
وكذلك أصغى لها الإناء حتى شربت وأخبرت عائشة رضي الله عنها أن النبي كان
يصغي إلى الهرة ماء حتى تشرب ثم
يتوضأ بفضلها واحتمال ورودها على ماء كثير فوق القلتين في المدينة في غاية
البعد حتى ولو كانت بين مياه كثيرة لم يكن هذا الاحتمال مزيلا لما علم من
نجاسة فمها لولا تطهير الريق له فالريق مطهر فم الهرة وفم
الطفل للحاجة وهو أولى بالتطهير من الحجر في محل الاستجمار ومن
التراب لأسفل الخف والحذاء والرجل الحافية على أحد القولين في مذهب مالك
وأحمد وأولى بالتطهير من الشمس والريح وأولى بالتطهير من الخل وغيره من
المائعات عند من يقول بذلك وأولى بالتطهير من مسح السيف والمرآة والسكين
ونحوها من الأجسام الصقيلة بالخرقة ونحوها كما كان الصحابة يمسحون سيوفهم
ولا يغسلونها بالماء ويصلون فيها ولو غسلت السيوف لصدئت وذهب نفعها وقد
نظر النبي في سيفي ابني عفراء فاستدل بالأثر الذي فيهما على اشتراكهما في
قتل أبي جهل لعنه الله تعالى ولم يأمرهما بغسل سيفيهما وقد علم أنهما
يصليان فيهما والله أعلم
الباب الثالث عشر في جواز حمل الأطفال في الصلاة وإن لم يعلم
حال ثيابهم
ثبت في الصحيحين عن أبي قتادة أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أمامة بنت
زينب بنت رسول الله وهي لأبي العاص بن الربيع فإذا قام حملها وإذا سجد
وضعها ولمسلم حملها على عنقه ولأبي داود بينما نحن ننتظر رسول الله في
الظهر أو العصر وقد دعاه بلال
إلى الصلاة إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت زينب على عنقه فقام
رسول الله في مصلاه وقمنا خلفه وهي في مكانها الذي هي فيه فكبرنا حتى إذا
أراد رسول الله أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده ثم
قام أخذها فردها في مكانها فما زال
رسول الله يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته وهذا صريح
أنه كان في الفريضة وفيه رد على أهل الوسواس وفيه أن العمل المتفرق في
الصلاة لا يبطلها إذا كان للحاجة وفيه الرحمة بالأطفال وفيه تعليم التواضع
ومكارم الأخلاق وفيه أن مس الصغير لا ينقض الوضوء
الباب الرابع عشر في استحباب تقبيل الأطفال
في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قبل رسول الله الحسن ابن علي وعنده
الأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت
أحدا منهم فنظر إليه رسول الله فقال من لا يرحم لا يرحم وفي الصحيحين أيضا
من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب
على رسول الله فقالوا تقبلون صبيانكم فقالوا نعم فقالوا والله لكنا ما
نقبل فقال أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة وفي المسند من حديث أم
سلمة قالت بينما رسول الله في بيتي يوما
إذ قالت الخادم إن فاطمة وعليا رضي الله عنهما بالسدة قالت فقال
لي قومي فتنحي عن أهل بيتي قالت فقمت فتنحيت في البيت قريبا فدخل علي
وفاطمة ومعهم الحسن والحسين وهما صبيان صغيران فأخذ الصبيين فوضعهما في
حجره فقبلهما واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى فقبل فاطمة وقبل
عليا وأغدف عليهما خميصة سوداء وقال اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل
بيتي قالت فقلت وأنا يا رسول الله فقال وأنت وفي طريق أخرى نحوه وقال إنك
إلى حين
الباب الخامس عشر في وجوب تأديب الأولاد وتعليمهم والعدل بينهم
ومن حقوق الأولاد العدل بينهم في العطاء والمنع ففي السنن ومسند أحمد وصحيح
ابن حبان من حديث النعمان بن بشير قال قال
رسول الله اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم وفي صحيح مسلم أن امرأة
بشير قالت له انحل ابني غلاما وأشهد لي رسول الله
فأتى رسول الله فقال إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي قال له إخوة
قال نعم قال أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال لا قال فليس يصلح هذا وإني لا
أشهد إلا على حق ورواه الإمام أحمد وقال فيه لا تشهدني على جور إن لبنيك
عليك من الحق أن تعدل بينهم وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير أن أباه أتى
به النبي فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول أكل ولدك
نحلت مثل هذا فقال لا فقال أرجعه وفي رواية لمسلم فقال افعلت
هذا بولدك كلهم قال لا قال اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي في تلك
الصدقة وفي الصحيح أشهد على هذا غيري وهذا أمر تهديد لا إباحة فإن تلك
العطية
كانت جورا بنص الحديث ورسول الله لا يأذن لأحد أن يشهد على صحة الجور ومن
ذا الذي كان يشهد على تلك العطية وقد أبى رسول الله أن يشهد عليها وأخبر
أنها لا تصلح وأنها جور وأنها خلاف العدل ومن العجب أن يحمل قوله اعدلوا
بين أولادكم على غير الوجوب وهو أمر مطلق
مؤكد ثلاث مرات وقد أخبر الآمر به أن خلافه جور وأنه لا يصلح وأنه ليس بحق
وما بعد الحق إلا الباطل هذا والعدل واحب في كل حال فلو كان الأمر به
مطلقا لوجب حمله على الوجوب فكيف وقد اقترن به عشرة أشياء تؤكد وجوبه
فتأملها في ألفاظ القصة وقد ذكر البيهقي من حديث أبي أحمد بن عدي حدثنا
القاسم بن مهدي حدثنا
يعقوب بن كاسب حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن أنس أن رجلا
كان جالسا مع النبي فجاء بني له فقبله وأجلسه في
حجره ثم جاءت بنية فأخذها فأجلسها إلى جنبه فقال النبي فما عدلت بينهما
وكان السلف يستحبون أن يعدلوا بين الأولاد في القبلة وقال بعض أهل العلم إن
الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل
أن يسأل الولد عن والده فانه كما أن للأب على أبنه حقا فللابن على أبيه حق
فكما قال تعالى ووصينا الإنسان بوالديه حسنا العنكبوت 8 قال تعالى قوا
أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة التحريم 6 قال علي بن أبي طالب
علموهم وأدبوهم وقال تعالى واعبدوا الله و لا تشركوا
به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى النساء 36 وقال النبي اعدلوا بين
أولادكم فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية
الأولاد بآبائهم قال الله تعالى و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق الاسراء
31 فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة
وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم
فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم
كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال يا أبت إنك عققتني صغيرا
فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا
الباب السادس عشر
في فصول نافعة في تربية الأطفال تحمد عواقبها عند الكبرفصل
ينبغي أن يكون رضاع المولود من غير أمه بعد وضعه يومين أو ثلاثة وهو
الأجود لما في لبنها ذلك الوقت من الغلظ والأخلاط بخلاف لبن من قد استقلت
على الرضاع وكل العرب تعتني بذلك حتى تسترضع أولادها عند نساء البوادي كما
استرضع النبي في بني سعدفصل
وينبغي أن يمنع حملهم والطواف بهم حتى يأتي عليهم ثلاثة أشهر فصاعدا لقرب
عهدهم ببطون الأمهات وضعف أبدانهم فصل وينبغي أن يقتصر بهم على اللبن وحده
إلى نبات أسنانهم لضعف معدتهم وقوتهم
الهاضمة عن الطعام فإذا نبتت أسنانه قويت معدته وتغذى بالطعام
فإن الله سبحانه أخر إنباتها إلى وقت حاجته إلى الطعام لحكمته
ولطفه ورحمة منه بالأم وحلمة ثديها فلا يعضه الولد بأسنانهفصل
وينبغي تدريجهم في الغذاء فأول ما يطعمونهم الغذاء اللين فيطعمونهم الخبز
المنقوع في الماء الحار واللبن والحليب ثم بعد ذلك الطبيخ والأمراق
الخالية من اللحم ثم بعد ذلك ما لطف جدا من اللحم بعد إحكام مضغه أو رضه
رضا ناعما فصل فإذا قربوا من وقت التكلم وأريد تسهيل الكلام عليهم فليدلك
ألسنتهم بالعسل
والملح الاندراني لما فيهما من الجلاء للرطوبات الثقيلة المانعة من الكلام
فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وليكن أول ما
يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتوحيده وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم
ويسمع كلامهم وهو معهم أينما كانوا وكان بنو إسرائيل كثيرا ما يسمون
أولادهم ب عمانويل ومعنى هذه الكلمة إلهنا معنا
ولهذا كان أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن بحيث إذا
وعى الطفل وعقل علم أنه عبد الله وأن الله هو سيده ومولاهفصل
وينبغي أن يوقى الطفل كل أمر يفزعه من الأصوات الشديدة الشنيعة والمناظر
الفظيعة والحركات المزعجة فإن ذلك ربما أدى إلى فساد قوته العاقلة لضعفها
فلا ينتفع بها بعد كبره فإذا عرض له عارض من ذلك فينبغي المبادرة إلى
تلافيه بضده وإيناسه بما ينسيه إياه وأن يلقم ثديه في الحال ويسارع إلى
رضاعه ليزول عنه ذلك المزعج له ولا يرتسم في قوته الحافظة فيعسر زواله
ويستعمل تمهيده بالحركة اللطيفة إلى أن ينام فينسى ذلك ولا يهمل هذا الأمر
فإن في إهماله إسكان الفزع والروع في قلبه فينشأ على ذلك ويعسر زواله
ويتعذر فصل ويتغير حال المولود عند نبات أسنانه ويهيج به التقيء والحميات
وسوء
الأخلاق ولا سيما إذا كان نباتها في وقت الشتاء والبرد أو في وقت الصيف
وشدة الحر وأحمد أوقات نباتها الربيع والخريف ووقت نباتها لسبعة أشهر وقد
تنبت في الخامس وقد تتأخر إلى العاشر فينبغي التلطف في تدبيره وقت نباتها
وأن يكرر عليه دخول الحمام وأن يغذى غذاء يسيرا فلا يملأ بطنه من الطعام
وقد يعرض له انطلاق البطن فيعصب بما يكفيه مثل عصابة صوف عليها كمون ناعم
وكرفس وأنيسون وتدلك لثته بما
تقدم ذكره ومع هذا فانطلاق بطنه في ذلك الوقت خير له من اعتقاله
فإن كان بطنه معتقلا عند نبات أسنانه فينبغي أن يبادر إلى تليين طبيعته
فلا شيء أضر على الطفل عند نبات أسنانه من اعتقال طبيعته ولا شيء أنفع له
من سهولتها باعتدال وأحمد ما تلين به عسل مطبوخ يتخذ منه فتائل ويحمل بها
أو حبق مسحوق معجون
بعسل يتخذ منه فتائل كذلك وينبغي للمرضع في ذلك الوقت تلطيف طعامها
وشرابها وتجتنب الأغذية المضرةفصل في وقت الفطام
وينبغي للمرضع إذا أرادت فطامه أن تفطمه على التدريج ولا تفاجئه بالفطام
وهلة واحدة بل تعوده إياه وتمرنه عليه لمضرة الانتقال عن الإلف والعادة
مرة واحدة كما قال بقراط في فصوله استعمال الكبير بغتة مما يملأ البدن أو
يستفرغه أو يسخنه أو يبرده أو يحركه بنوع آخر من الحركة
أي نوع كان فهو خطر وكلما كان كثيرا فهو معاد للطبيعة وكلما كان
قليلا فهو مأمون فصل ومن سوء التدبير للاطفال أن يمكنوا من الامتلاء من
الطعام وكثرة الأكل
والشرب ومن أنفع التدبير لهم أن يعطوا دون شبعهم ليجود هضمهم وتعتدل
أخلاطهم وتقل الفضول في أبدانهم وتصح أجسادهم وتقل أمراضهم لقلة الفضلات
في المواد الغذائية قال بعض الأطباء وأنا أمدح قوما ذكرهم حيث لا يطعمون
الصبيان إلا دون
شبعهم ولذلك ترتفع قاماتهم وتعتدل أجسامهم ويقل فيهم ما يعرض لغيرهم من
الكزاز ووجع القلب وغير ذلك قال فإن أحببت أن يكون الصبي حسن الجسد مستقيم
القامة غير منحدب فقه كثيرة الشبع فإن الصبي إذا امتلأ وشبع فإنه يكثر
النوم من ساعته ويسترخي ويعرض له نفخة في بطنه ورياح غليظة فصل وقال
جالينوس ولست أمنع هؤلاء الصبيان من شرب الماء البارد أصلا لكني أطلق
لهم شربة تعقب الطعام في أكثر الأمر وفي الأوقات
الحارة في زمن الصيف إذا تاقت أنفسهم إليه قلت وهذا لقوة وجود الحار
الغريزي فيهم ولا يضرهم شرب الماء البارد في هذه الأوقات ولا سيما عقيب
الطعام فإنه يتعين تمكينهم منه بقدر لضعفهم عن احتمال العطش باستيلاء
الحرارةفصل
ومما ينبغي أن يحذر أن يحمل الطفل على المشي قبل وقته لما يعرض في أرجلهم
بسبب ذلك من الانفتال والاعوجاج بسبب ضعفها وقبولها لذلك واحذر كل الحذر
أن تحبس عنه ما يحتاج إليه في قيء أو نوم أو طعام أو شراب أو عطاس أو بول
أو إخراج دم فإن لحبس ذلك عواقب رديئه في حق الطفل والكبيرفصل في وطء
المرضع وهو الغيل
عن جذامة بنت وهب الأسدية قالت حضرت رسول الله في أناس وهو يقول لقد هممت
أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم
وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا ثم
سألوه عن العزل فقال ذلك الوأد الخفي 000 وهي وإذا الموؤدة سئلت التكوير 6
رواه مسلم في الصحيح وروى في صحيحه أيضا عن أسامة بن زيد أن رجلا جاء إلى
رسول الله فقال إني
أعزل عن امرأتي فقال له رسول الله لم تفعل ذلك فقال الرجل أشفق على ولدها
أو على أولادها فقال رسول الله لو كان ذلك ضارا ضر فارس والروم وعن أسماء
بنت يزيد قالت سمعت رسول الله يقول لا تقتلوا أولادكم سرا فو
الذي نفسي بيده ليدرك الفارس فيدعثره قالت قلت ما يعني قالت الغيلة يأتي
الرجل امرأته وهي ترضع رواه الإمام أحمد أبو داود وقد أشكل الجمع بين هذه
الأحاديث على
غير واحد من أهل العلم فقالت طائفة قوله لقد هممت أن أنهى عن الغيل أي
أحرمه وأمنع منه فلاتنافي بين هذا وبين قوله في الحديث الآخر ولا تقتلوا
أولادكم سرا فإن هذا النهي كالمشورة عليهم والإرشاد لهم إلى ترك ما يضعف
الولد ويقتله قالوا والدليل عليه أن المرأة المرضع إذا باشرها الرجل حرك
منها دم الطمث وأهاجه للخروج فلا يبقى اللبن حينئذ على اعتداله وطيب
رائحته وربما حبلت الموطوءة فكان ذلك من شر الأمور وأضرها على الرضيع
المغتذي بلبنها وذلك أن جيد الدم حينئذ ينصرف في تغذية الجنين الذي في
الرحم فينفذ في غذائه فإن الجنين لما كان ما يناله ويجتذبه مما لا يحتاج
إليه ملائما له لأنه متصل بأمه أتصال الغرس بالأرض وهو غير مفارق لها ليلا
ولا نهارا وكذلك ينقص دم الحامل ويصير رديئا فيصير اللبن المجتمع في ثديها
يسيرا رديئا فمتى حملت المرضع فمن تمام تدبير الطفل أن يمنع منها فإنه متى
شرب من ذلك اللبن الرديء قتله أو أثر في ضعفه تأثيرا يجده في كبره فيدعثره
عن فرسه فهذا وجه المشورة عليهم والإرشاد إلى تركه ولم يحرمه عليهم فإن
هذا لا يقع دائما لكل
مولود وإن عرض لبعض الأطفال فأكثر الناس يجامعون نساءهم وهن يرضعن ولو كان
هذا الضرر لازما لكل مولود لاشترك فيه أكثر الناس وهاتان الأمتان
الكبيرتان فارس والروم تفعله ولا يعم ضرره أولادهم وعلى كل حال فالأحوط
إذا حبلت المرضع أن يمنع منها الطفل ويلتمس مرضعا غيرها والله أعلمفصل
ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ على ما
عوده المربي في صغره من حرد وغضب ولجاج وعجلة وخفة مع هواه وطيش وحدة وجشع
فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له فلو
تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بد يوما ما ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة
أخلاقهم وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها وكذلك يجب أن يتجنب الصبي إذا
عقل مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء فإنه إذا
علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر وعز على وليه استنقاذه منه فتغيير
العوائد من أصعب الأمور يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعة ثانية
والخروج عن حكم الطبيعة عسر جدا وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية
التجنب فإنه متى اعتاد الأخذ
صار له طبيعة ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي ويعوده البذل والإعطاء وإذا أراد
الولي أن يعطي شيئا أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء ويجنبه الكذب
والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة
أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة وحرمه كل خير ويجنبه الكسل والبطالة والدعة
والراحة بل يأخذه بأضدادها ولا يريحه إلا
بما يجم نفسه وبدنه للشغل فإن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم وللجد
والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا وإما في العقبى وإما فيهما فأروح الناس
أتعب الناس وأتعب الناس أروح الناس فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى
لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب قال يحيى بن أبي كثير لا ينال العلم
براحة الجسم ويعوده الانتباه آخر الليل فإنه وقت قسم الغنائم وتفريق
الجوائز فمستقل
ومستكثر ومحروم فمتى اعتاد ذلك صغيرا سهل عليه كبيرا فصل ويجنبه فضول
الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام فإن الخسارة في هذه
الفضلات وهي تفوت على العبد خير دنياه وآخرته ويجنبه
مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب فإن تمكينه من أسبابها
والفسح له فيها يفسده فسادا يعز عليه بعده صلاحه وكم ممن أشقى ولده وفلذة
كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهواته ويزعم
أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه ففاته انتفاعه بولده وفوت
عليه حظه في الدنيا والآخرة وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من
قبل الآباء
ولا يمنع الإحرام من الختان نص عليه الإمام أحمد وقد سئل عن المحرم يختتن
فقال نعم فلم يجعله من باب إزالة الشعر وتقليم الظفر لا في الحياة ولا بعد
الموت
وقد اختلف فيه على أقوال أحدها أنه ولد مختونا والثاني أن جبريل ختنه حين
شق صدره الثالث أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب في ختان أولادهم
ونحن نذكر قائلي هذه الأقوال وحججهم فأما من قال ولد مختونا فاحتجوا
بأحاديث أحدها ما رواه أبو عمر بن عبد البر فقال وقد روي أن النبي ولد
مختونا من حديث عبد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال ولد
رسول الله مختونا مسرورا يعني مقطوع السرة فأعجب ذلك جده عبد المطلب وقال
ليكونن لابني هذا شأن عظيم ثم قال ابن عبد البر ليس إسناد حديث العباس هذا
بالقائم قال وقد روي موقوفا على ابن عمر ولا يثبت أيضا قلت حديث ابن عمر
رويناه من طريق أبي نعيم حدثنا أبو الحسن أحمد ابن محمد بن خالد الخطيب
حدثنا محمد بن محمد بن سليمان حدثنا عبد الرحمن ابن أيوب الحمصي حدثنا
موسى بن أبي موسى المقدسي حدثنا خالد بن سلمة
عن نافع عن ابن عمر قال ولد النبي مسرورا مختونا ولكن محمد بن
سليمان هذا هو الباغندي وقد ضعفوه وقال الدارقطني كان كثير التدليس يحدث
بما لم يسمع وربما سرق الحديث ومنها ما رواه الخطيب بإسناده من حديث سفيان
بن محمد المصيصي حدثنا هشيم
عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن مالك قال قال رسول الله من كرامتي على
الله أني ولدت مختونا ولم ير سوءتي أحد قال الخطيب لم يروه فيما يقال غير
يونس عن هشيم وتفرد به سفيان بن محمد المصيصي وهو منكر الحديث قال الخطيب
أخبرني الأزهري قال سئل الدارقطني عن سفيان ابن محمد المصيصي
وأخبرني أبو الطيب الطبري قال قال لنا الدارقطني شيخ لأهل المصيصة يقال له
سفيان بن محمد الفزاري كان ضعيفا سيء الحال وقال صالح بن محمد الحافظ
سفيان بن محمد المصيصي لا شيء وقد رواه أبو القاسم بن عساكر من طريق الحسن
بن عرفة حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله من كرامتي
على ربي عز و جل أني ولدت مختونا لم ير أحد سوءتي وفي إسناده إلى الحسن بن
عرفة عدة مجاهيل قال أبو القاسم بن عساكر وقد سرقه ابن الجارود وهو كذاب
فرواه عن الحسن بن
عرفة ومما احتج به أرباب هذا القول ما ذكره
محمد ابن علي الترمذي في معجزات النبي فقال ومنها أن صفية بنت عبد المطلب
قالت أردت أن أعرف أذكر هو أم أنثى فرأيته مختونا وهذا الحديث لا يثبت
وليس له إسناد يعرف به وقد قال أبو القاسم عمر بن أبي الحسن بن هبة الله
بن أبي جرادة في كتاب صنفه في ختان الرسول يرد به على محمد بن طلحة في
تصنيف صنفه وقرر فيه أن رسول الله ولد مختونا وهذا محمد بن علي الترمذي
الحكيم لم يكن من أهل الحديث ولا علم له بطرقه وصناعته وإنما كان فيه
الكلام على إشارات الصوفية والطرائق ودعوى الكشف على الأمور الغامضة
والحقائق حتى خرج في الكلام على ذلك عن قاعدة الفقهاء واستحق الطعن عليه
بذلك والإزراء وطعن عليه أئمة الفقهاء والصوفية وأخرجوه بذلك عن السيرة
المرضية وقالوا إنه أدخل في علم الشريعة ما فارق به الجماعة فاستوجب بذلك
القدح والشناعة وملأ كتبه بالأحاديث الموضوعة وحشاها بالأخبار التي ليست
بمروية ولا مسموعة وعلل فيها خفي الأمور الشرعية التي لا يعقل معناها بعلل
ما أضعفها وما أوهاها ومما ذكره في كتاب له وسمه بالاحتياط أن يسجد عقب كل
صلاة يصليها سجدتي
السهو وإن لم يكن سها فيها وهذا مما لا يجوز فعله بالإجماع وفاعله منسوب
إلى الغلو والابتداع وما حكاه عن صفية بقولها
فرأيته مختونا يناقض الأحاديث الأخر وهو قوله لم ير سوءتي أحد فكل حديث في
هذا الباب يناقض الآخر ولا يثبت واحد منها ولو ولد مختونا فليس من خصائصه
فإن كثيرا من الناس يولد غير محتاج إلى الختان قال وذكر أبو الغنائم
النسابة الزيدي أن أباه القاضي أبا محمد الحسن ابن
محمد بن الحسن الزيدي ولد غير محتاج إلى الختان قال ولهذا لقب بالمطهر قال
وقال فيما قرأته بخطه خلق أبو محمد الحسن مطهرا لم يختن وتوفي كما خلق وقد
ذكر الفقهاء في كتبهم أن من ولد كذلك لا يختن واستحسن بعضهم أن يمر الموسى
على موضع الختان ختان القمر يشيرون في ذلك إلى أن النمو في خلقة الإنسان
يحصل في زيادة القمر ويحصل النقصان في الخلقة عند نقصانه كما يوجد في ذلك
الجزر والمد فينسبون النقصان الذي حصل في القلفة إلى نقصان القمر قال وقد
ورد في حديث رواه سيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي قال ابن صياد ولد مسرورا مختونا وسيف
مطعون في حديثه وقيل إن قيصر ملك الروم
الذي ورد عليه امرؤ القيس ولد كذلك ودخل عليه امرؤ القيس الحمام فرآه كذلك
فقال يهجوه إني حلفت يمينا غير كاذبة ... لأنت أغلف إلا ما جنى القمر
يعيره أنه لم يختتن وجعل ولادته كذلك نقصا وقيل إن هذا البيت أحد الأسباب
الباعثة لقيصر على أن سم امرء القيس فمات وأنشد ابن الأعرابي فيمن ولد بلا
قلفة فداك نكس لا يبض حجره ... مخرق العرض حديد ممصره في ليل كانون شديد
خصره ... عض بأطراف الزبانى قمره يقول هو أقلف ليس بمختون إلا ما قلص منه
القمر وشبه قلفته بالزبانى وهي
قرنا العقرب وكانت العرب لا تعتد بصورة الختان من غير ختان وترى الفضيلة
في الختان نفسه وتفخر به قال وقد بعث الله نبينا من صميم العرب وخصه بصفات
الكمال من الخلق والنسب
فكيف يجوز أن يكون ما ذكره من كونه مختونا مما يميز به النبي ويخصص وقيل
إن الختان من الكلمات التي ابتلى الله بها خليله فأتمهن وأكملهن وأشد
الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وقد عد النبي الختان من الفطرة ومن
المعلوم أن الابتلاء به مع الصبر مما يضاعف ثواب المبتلى به وأجره والأليق
بحال النبي أن لا يسلب
هذه الفضيلة وأن يكرمه الله بها كما أكرم خليله فإن خصائصه أعظم من خصائص
غيره من النبيين وأعلى وختن الملك إياه كما رويناه أجدر من أن يكون من
خصائصه وأولى هذا كله كلام
ابن العديم ويريد بختن الملك ما رواه من طريق الخطيب عن أبي بكرة أن جبريل
ختن النبي حين طهر قلبه وهو مع كونه موقوفا على أبي بكرة لا يصح إسناده
فإن الخطيب قال فيه أنبأنا أبو القاسم عبد الواحد بن عثمان بن محمد البجلي
أنبأنا جعفر بن محمد بن نصير حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان حدثنا عبد
الرحمن بن عيينة البصري حدثنا علي بن محمد المدائني حدثنا مسلمة بن محارب
بن سليم بن زياد عن أبيه عن أبي بكرة وليس هذا الإسناد مما يحتج به وحديث
شق الملك قلبه قد روي من وجوه متعددة مرفوعا إلى النبي وليس في شيء
منها أن جبريل ختنه إلا في هذا الحديث فهو شاذ غريب قال ابن العديم وقد
جاء في بعض الروايات أن جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع قال وهو على
ما فيه أشبه بالصواب وأقرب إلى الواقع ثم ساق من طريق ابن عبد البر حدثنا
أبو عمرو أحمد بن محمد بن
أحمد قراءة مني عليه أن محمد بن عيسى حدثه قال حدثنا يحيى بن أيوب بن زياد
العلاف حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا الوليد بن مسلم عن شعيب
بن أبي حمزة عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن
النبي يوم سابعه وجعل له مأدبة وسماه محمدا قال يحيى بن أيوب ما وجدنا هذا
الحديث عند أحد إلا عند ابن أبي السري وهو محمد بن المتوكل بن أبي السري
والله أعلم
لما وعد الله سبحانه وهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده أنه يعيد الخلق كما
بدأهم أول مرة كان من صدق وعده أن يعيده على الحالة التي بدأه عليها من
تمام أعضائه وكمالها قال الله تعالى يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما
بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين الأنبياء 104 وقال تعالى
كما بدأكم تعودون الأعراف 29 وأيضا فإن الختان إنما شرع في الدنيا لتكميل
الطهارة والتنزه من البول وأهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون فليس هناك
نجاسة تصيب الغرلة فيحتاج إلى
التحرز منها والقلفة لا تمنع لذة الجماع ولا تعوقه هذا إن قدر
استمرارهم على تلك الحالة التي بعثوا عليها وإلا فلا يلزم من كونهم يبعثون
كذلك أن يستمروا على تلك الحالة التي بعثوا عليها فإنهم يبعثون حفاة عراة
بهما ثم يكسون ويمد خلقهم ويزاد فيه بعد ذلك يزاد في خلق أهل الجنة والنار
وإلا فوقت قيامهم من القبور يكونون على صورتهم التي كانوا عليها في الدنيا
وعلى صفاتهم وهيئاتهم وأحوالهم فيبعث كل عبد على ما مات عليه ثم ينشئهم
الله سبحانه كما يشاء وهل تبقى تلك الغرلة التي كملت خلقهم في القبور أو
تزول يمكن هذا وهذا ولا يعلم إلا بخبر يجب المصير إليه والله سبحانه
وتعالى أعلم
أما أذن البنت فيجوز ثقبها للزينة نص عليه الإمام أحمد ونص على كراهته في
حق الصبي والفرق بينهما أن الأنثى محتاجة للحلية فثقب الأذن مصلحة في حقها
بخلاف الصبي وقد قال النبي لعائشة في حديث أم زرع كنت لك كأبي زرع لأم زرع
مع قولها أناس من حلي أذني أي ملأها من الحلي حتى صار ينوس فيها أي يتحرك
ويجول وفي الصحيحين لما حرض النبي النساء على الصدقة جعلت المرأة تلفي
خرصها
الحديث والخرص هو الحلقة الموضوعة في الأذن ويكفي في جوازه علم الله
ورسوله بفعل الناس له وإقرارهم على ذلك فلو كان مما ينهى عنه لنهى القرآن
أو السنة فإن قيل فقد أخبر الله سبحانه عن عدوه إبليس أنه قال ولآمرنهم
فليبتكن آذان الأنعام النساء 119 أي يقطعونها وهذا يدل على أن قطع الأذن
وشقها وثقبها من أمر الشيطان فإن البتك هو القطع وثقب الأذن قطع لها فهذا
ملحق بقطع أذن الأنعام
قيل هذا من أفسد القياس فإن الذي أمرهم به الشيطان أنهم كانوا
إذا ولدت لهم الناقة خمسة أبطن فكان البطن السادس ذكرا شقوا أذن الناقة
وحرموا ركوبها والانتفاع بها ولم تطرد عن ماء ولا عن مرعى وقالوا هذه
بحيرة فشرع لهم الشيطان في ذلك شريعة من عنده فأين هذا من نخس أذن الصبية
ليوضع فيها الحلية التي أباح الله لها أن تتحلى بها وأما ثقب الصبي فلا
مصلحة له فيه وهو قطع عضو من أعضائه لا مصلحة دينية ولا دنيوية فلا يجوز
ومن أعجب ما في هذا الباب ما قال الخطيب في تاريخه أنا الحسن بن علي
الجوهري ثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا أبو عمرو عثمان بن جعفر المعروف
بابن اللبان ثنا أبو الحسن علي بن إسحاق بن راهويه قال ولد أبي من بطن أمه
مثقوب الأذنين قال فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى السيناني فسأله عن
ذلك وقال ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين فقال يكون ابنك رأسا
إما في الخير وإما في الشر فكأن الفضل بن موسى والله أعلم تفرس فيه أنه
لما تفرد عن المولودين كلهم بهذه الخاصة أن ينفرد عنهم بالرياسة في الدين
أو الدنيا وقد كان رحمه الله رأس أهل زمانه في العلم والحديث والتفسير
والسنة
والجلالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكسر الجهمية وأهل البدع ببلاد
خراسان وهو الذي نشر السنة في بلاد خراسان وعنه
انتشرت هناك وقد كان له مقامات محمودة عند السلطان يظفره الله فيها
بأعدائه ويخزيهم على يديه حتى تعجب منه السلطان والحاضرون حتى قال محمد بن
أسلم الطوسي لو كان الثوري حيا لاحتاج إلى إسحاق فأخبر بذلك أحمد بن سعيد
الرباطي فقال والله لو كان الثوري وابن عيينة والحمادان في الحياة
لاحتاجوا إلى إسحاق فأخبر بذلك محمد بن يحيى الصفار فقال والله لو كان
الحسن البصري حيا لاحتاج إلى إسحاق في أشياء كثيرة وكان الإمام أحمد يسميه
أمير المؤمنين وسنذكر هذا وأمثاله في كتاب نفرده لمناقبه إن شاء الله
تعالى ونذكر حكاية عجيبة يستدل بها على أنه كان رأس أهل زمانه قال الحاكم
أبو عبد الله في تاريخ نيسابور أخبرني أبو محمد بن زياد قال سمعت أبا
العباس الأزهري قال سمعت علي بن سلمة يقول كان إسحاق عند عبد الله ابن
طاهر وعنده إبراهيم بن صالح فسأل عبد الله بن طاهر إسحاق عن مسألة فقال
إسحاق السنة فيها كذا وكذا وأما النعمان وأصحابه فيقولون بخلاف هذا فقال
إبراهيم لم يقل النعمان بخلاف هذا فقال إسحاق حفظته من كتاب جدك وأنا وهو
في كتاب واحد فقال إبراهيم للأمير أصلحك الله كذب إسحاق على جدي فقال
إسحاق ليبعث الأمير إلى جزء كذا وكذا من الجامع فليحضره فأتى بالكتاب فجعل
الأمير يقلب الكتاب
فقال إسحاق عد من أول الكتاب إحدى وعشرين ورقة ثم عد تسعة أسطر ففعل فإذا
المسألة على ما قال إسحاق فقال عبد الله بن طاهر ليس العجب من حفظك إنما
العجب بمثل هذه المشاهدة فقال إسحاق ليوم مثل هذا لكي يخزي الله على يدي
عدوا للسنة مثل هذا وقال له عبد الله بن طاهر قيل لي إنك تحفظ مائة ألف
حديث فقال له مائة ألف لا أدري ما هو ولكني ما سمعت شيئا قط إلا حفظته ولا
حفظت شيئا قط فنسيته والمقصود صحة فراسة الفضل بن موسى فيه وأنه يكون رأسا
في الخير والله أعلم
الطعام
ثبت
في الصحيحين والسنن والمسانيد عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها
صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه عليه
ولم يغسله وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي قال بول الغلام
الرضيع ينضح
وبول الجارية يغسل قال قتادة هذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا رواه
الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن وصححه الحاكم وقال هو على شرط الشيخين
وعن عائشة رضي الله عنها قالت أ تي رسول الله بصبي يحنكه فبال
عليه فأتبعه الماء رواه البخاري ومسلم وزاد مسلم ولم يغسله وعن أم كرز
الخزاعية قالت أتي النبي بغلام فبال عليه فأمر به فنضح وأتي
بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل رواه الإمام أحمد وفي سنن ابن ماجة من
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أم كرز أن النبي قال بول الغلام ينضح
وبول الجارية يغسل وعن أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت بال الحسين بن علي
في حجر النبي فقلت
يا رسول الله أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره حتى أغسله فقال إنما ينضح من بول
الذكر وبغسل من بول الأنثى رواه الإمام أحمد وأبو داود وقال الحاكم هو
صحيح وفي صحيح الحاكم من حديث عبد الرحمن بن مهدي حدثنا يحيى بن
الوليد حدثني محل بن خليفة حدثني أبو السمح قال كنت خادم النبي فجيء
بالحسن والحسين فبالا على صدره فأرادوا أن يغسلوه فقال رشوه رشا فإنه يغسل
بول الجارية ويرش بول الغلام قال الحاكم هو صحيح ورواه أهل السنن وذهب إلى
القول بهذه الأحاديث جمهور أهل العلم من أهل الحديث والفقه حتى ذهب داود
إلى طهارة بول الغلام قال لأن النص إنما ورد بنضحه ورشه دون غسله والنضح
والرش لا يزيله وقال فقهاء العراق لا يجزئ فيه إلا الغسل فيهما جميعا هذا
قول النخعي
والثوري وأبي حنيفة وأصحابه لعموم الأحاديث الواردة بغسل البول وقياسا على
سائر النجاسات وقياسا لبول الغلام على بول الجارية والسنة قد فرقت بين
البولين صريحا فلا يجوز التسوية بين ما صرحت به السنة بالفرق بينهما وقالت
طائفة منهم الأوزاعي ومالك في رواية الوليد بن مسلم عنه ينضح بول الغلام
والجارية دفعا للمشقة لعموم الابتلاء بالتربية والحمل لهما وهذا القول
يقابل من قال يغسلان والتفريق هو الصواب الذي دلت عليه
السنة الصحيحة الصريحة قال أبو البركات ابن تيمية والتفريق بين البولين
إجماع الصحابة رواه أبو
داود عن علي بن أبي طالب ورواه سعيد بن منصور عن أم سلمة وقال إسحاق بن
راهويه مضت السنة من رسول الله بأن يرش بول الصبي الذي لم يطعم الطعام
ويغسل بول الجارية طعمت أو لم تطعم قال وعلى ذلك كان أهل العلم من الصحابة
ومن بعدهم قال ولم يسمع عن النبي ولا عمن بعده إلى زمان التابعين أن أحدا
سوى الغلام والجارية انتهى كلامه والقياس في مقابلة السنة مردود وقد فرق
بين الغلام والجارية في المعنى بعدة فروق أحدها أن بول الغلام
يتطاير وينشر هاهنا وهاهنا فيشق غسله وبول الجارية يقع في موضع واحد فلا
يشق غسله الثاني أن بول الجارية أنتن من بول الغلام لأن حرارة الذكر أقوى
وهي تؤثر في إنضاج البول وتخفيف رائحته الثالث أن حمل الغلام أكثر من حمل
الجارية لتعلق القلوب به كما تدل عليه المشاهدة فإن صحت هذه الفروق وإلا
فالمعول على تفريق السنة قال الأصحاب وغيرهم النضح أن يغرقه بالماء وإن لم
يزل عنه وليس هذا بشرط
بل النضح الرش كما صرح به في اللفظ الآخر بحيث يكاثر
البول بالماء ولا يبطل حكم النضح بتعليق الغسل والشراب والتحنيك ونحوه
لئلا تتعطل الرخصة فإنه لا يخلو من ذلك مولود غالبا ولأن النبي كان من
عادته تحنيك الأطفال بالتمر عند ولادتهم وإنما يزول حكم النضح إذا أكل
الطعام وأراده واشتهاه تغذيا به والله أعلم
الباب الثاني عشر في حكم ريقه ولعابهفي الصحيحين والسنن والمسانيد عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها
صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه عليه
ولم يغسله وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي قال بول الغلام
الرضيع ينضح
وبول الجارية يغسل قال قتادة هذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا رواه
الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن وصححه الحاكم وقال هو على شرط الشيخين
وعن عائشة رضي الله عنها قالت أ تي رسول الله بصبي يحنكه فبال
عليه فأتبعه الماء رواه البخاري ومسلم وزاد مسلم ولم يغسله وعن أم كرز
الخزاعية قالت أتي النبي بغلام فبال عليه فأمر به فنضح وأتي
بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل رواه الإمام أحمد وفي سنن ابن ماجة من
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أم كرز أن النبي قال بول الغلام ينضح
وبول الجارية يغسل وعن أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت بال الحسين بن علي
في حجر النبي فقلت
يا رسول الله أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره حتى أغسله فقال إنما ينضح من بول
الذكر وبغسل من بول الأنثى رواه الإمام أحمد وأبو داود وقال الحاكم هو
صحيح وفي صحيح الحاكم من حديث عبد الرحمن بن مهدي حدثنا يحيى بن
الوليد حدثني محل بن خليفة حدثني أبو السمح قال كنت خادم النبي فجيء
بالحسن والحسين فبالا على صدره فأرادوا أن يغسلوه فقال رشوه رشا فإنه يغسل
بول الجارية ويرش بول الغلام قال الحاكم هو صحيح ورواه أهل السنن وذهب إلى
القول بهذه الأحاديث جمهور أهل العلم من أهل الحديث والفقه حتى ذهب داود
إلى طهارة بول الغلام قال لأن النص إنما ورد بنضحه ورشه دون غسله والنضح
والرش لا يزيله وقال فقهاء العراق لا يجزئ فيه إلا الغسل فيهما جميعا هذا
قول النخعي
والثوري وأبي حنيفة وأصحابه لعموم الأحاديث الواردة بغسل البول وقياسا على
سائر النجاسات وقياسا لبول الغلام على بول الجارية والسنة قد فرقت بين
البولين صريحا فلا يجوز التسوية بين ما صرحت به السنة بالفرق بينهما وقالت
طائفة منهم الأوزاعي ومالك في رواية الوليد بن مسلم عنه ينضح بول الغلام
والجارية دفعا للمشقة لعموم الابتلاء بالتربية والحمل لهما وهذا القول
يقابل من قال يغسلان والتفريق هو الصواب الذي دلت عليه
السنة الصحيحة الصريحة قال أبو البركات ابن تيمية والتفريق بين البولين
إجماع الصحابة رواه أبو
داود عن علي بن أبي طالب ورواه سعيد بن منصور عن أم سلمة وقال إسحاق بن
راهويه مضت السنة من رسول الله بأن يرش بول الصبي الذي لم يطعم الطعام
ويغسل بول الجارية طعمت أو لم تطعم قال وعلى ذلك كان أهل العلم من الصحابة
ومن بعدهم قال ولم يسمع عن النبي ولا عمن بعده إلى زمان التابعين أن أحدا
سوى الغلام والجارية انتهى كلامه والقياس في مقابلة السنة مردود وقد فرق
بين الغلام والجارية في المعنى بعدة فروق أحدها أن بول الغلام
يتطاير وينشر هاهنا وهاهنا فيشق غسله وبول الجارية يقع في موضع واحد فلا
يشق غسله الثاني أن بول الجارية أنتن من بول الغلام لأن حرارة الذكر أقوى
وهي تؤثر في إنضاج البول وتخفيف رائحته الثالث أن حمل الغلام أكثر من حمل
الجارية لتعلق القلوب به كما تدل عليه المشاهدة فإن صحت هذه الفروق وإلا
فالمعول على تفريق السنة قال الأصحاب وغيرهم النضح أن يغرقه بالماء وإن لم
يزل عنه وليس هذا بشرط
بل النضح الرش كما صرح به في اللفظ الآخر بحيث يكاثر
البول بالماء ولا يبطل حكم النضح بتعليق الغسل والشراب والتحنيك ونحوه
لئلا تتعطل الرخصة فإنه لا يخلو من ذلك مولود غالبا ولأن النبي كان من
عادته تحنيك الأطفال بالتمر عند ولادتهم وإنما يزول حكم النضح إذا أكل
الطعام وأراده واشتهاه تغذيا به والله أعلم
هذه المسألة مما تعم به البلوى وقد علم الشارع أن الطفل يقيء كثيرا ولا
يمكن غسل فمه ولا يزال ريقه ولعابه يسيل على من يربيه ويحمله ولم يأمر
الشارع بغسل الثياب من ذلك ولا منع من الصلاة فيها ولا أمر بالتحرز من ريق
الطفل فقالت طائفة من الفقهاء هذا من النجاسة التي يعفى عنها للمشقة
والحاجة كطين الشوارع والنجاسة بعد الاستجمار ونجاسة أسفل الخف والحذاء
بعد دلكهما بالأرض وقال شيخنا وغيره من الأصحاب بل ريق الطفل يطهر فمه
للحاجة كما كان ريق الهرة مطهرا لفمها وقد أخبر النبي أنها ليست بنجس مع
علمه بأكلها الفأر وغيره وقد فهم من ذلك أبو قتادة طهارة فمها وريقها
وكذلك أصغى لها الإناء حتى شربت وأخبرت عائشة رضي الله عنها أن النبي كان
يصغي إلى الهرة ماء حتى تشرب ثم
يتوضأ بفضلها واحتمال ورودها على ماء كثير فوق القلتين في المدينة في غاية
البعد حتى ولو كانت بين مياه كثيرة لم يكن هذا الاحتمال مزيلا لما علم من
نجاسة فمها لولا تطهير الريق له فالريق مطهر فم الهرة وفم
الطفل للحاجة وهو أولى بالتطهير من الحجر في محل الاستجمار ومن
التراب لأسفل الخف والحذاء والرجل الحافية على أحد القولين في مذهب مالك
وأحمد وأولى بالتطهير من الشمس والريح وأولى بالتطهير من الخل وغيره من
المائعات عند من يقول بذلك وأولى بالتطهير من مسح السيف والمرآة والسكين
ونحوها من الأجسام الصقيلة بالخرقة ونحوها كما كان الصحابة يمسحون سيوفهم
ولا يغسلونها بالماء ويصلون فيها ولو غسلت السيوف لصدئت وذهب نفعها وقد
نظر النبي في سيفي ابني عفراء فاستدل بالأثر الذي فيهما على اشتراكهما في
قتل أبي جهل لعنه الله تعالى ولم يأمرهما بغسل سيفيهما وقد علم أنهما
يصليان فيهما والله أعلم
حال ثيابهم
ثبت في الصحيحين عن أبي قتادة أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أمامة بنت
زينب بنت رسول الله وهي لأبي العاص بن الربيع فإذا قام حملها وإذا سجد
وضعها ولمسلم حملها على عنقه ولأبي داود بينما نحن ننتظر رسول الله في
الظهر أو العصر وقد دعاه بلال
إلى الصلاة إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت زينب على عنقه فقام
رسول الله في مصلاه وقمنا خلفه وهي في مكانها الذي هي فيه فكبرنا حتى إذا
أراد رسول الله أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده ثم
قام أخذها فردها في مكانها فما زال
رسول الله يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته وهذا صريح
أنه كان في الفريضة وفيه رد على أهل الوسواس وفيه أن العمل المتفرق في
الصلاة لا يبطلها إذا كان للحاجة وفيه الرحمة بالأطفال وفيه تعليم التواضع
ومكارم الأخلاق وفيه أن مس الصغير لا ينقض الوضوء
في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قبل رسول الله الحسن ابن علي وعنده
الأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت
أحدا منهم فنظر إليه رسول الله فقال من لا يرحم لا يرحم وفي الصحيحين أيضا
من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب
على رسول الله فقالوا تقبلون صبيانكم فقالوا نعم فقالوا والله لكنا ما
نقبل فقال أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة وفي المسند من حديث أم
سلمة قالت بينما رسول الله في بيتي يوما
إذ قالت الخادم إن فاطمة وعليا رضي الله عنهما بالسدة قالت فقال
لي قومي فتنحي عن أهل بيتي قالت فقمت فتنحيت في البيت قريبا فدخل علي
وفاطمة ومعهم الحسن والحسين وهما صبيان صغيران فأخذ الصبيين فوضعهما في
حجره فقبلهما واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى فقبل فاطمة وقبل
عليا وأغدف عليهما خميصة سوداء وقال اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل
بيتي قالت فقلت وأنا يا رسول الله فقال وأنت وفي طريق أخرى نحوه وقال إنك
إلى حين
قال
الله تعالى يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس
والحجارة التحريم 6 قال علي رضي الله عنه علموهم وأدبوهم وقال الحسن مروهم
بطاعة الله وعلموهم الخير وفي المسند وسنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده قال قال رسول الله مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم
عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ففي هذا الحديث ثلاثة آداب أمرهم بها
وضربهم عليها والتفريق بينهم في المضاجع وقد روى الحاكم عن أبي النضر
الفقيه ثنا محمد بن حموية ثنا أبي ثنا النضر
بن محمد عن الثوري عن إبراهيم بن مهاجر عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي قال
افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله ولقنوهم عند الموت لا إله
إلا الله
وفي تاريخ البخاري من رواية بشر بن يوسف عن عامر بن أبي عامر
سمع أيوب بن موسى القرشي عن أبيه عن جده عن النبي قال ما نحل والد ولدا
أفضل من أدب حسن قال البخاري ولم يصح سماع جده من النبي وفي معجم الطبراني
من حديث سماك عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله لأن
يؤدب أحدكم ولده خير له من أم يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين وذكر
البيهقي من حديث محمد بن الفضل بن عطية وهو ضعيف عن أبيه عن عطاء عن
ابن عباس قال قالوا يا رسول الله قد علمنا ما حق الوالد فما حق الولد قال
أن يحسن اسمه ويحسن أدبه قال سفيان الثوري ينبغي للرجل أن يكره ولده على
طلب الحديث فإنه مسؤول عنه وقال إن هذا الحديث عز من أراد به الدنيا وجدها
ومن أراد به الآخرة وجدها وقال عبد الله بن عمر أدب ابنك فإنك مسؤول عنه
ما ذا أدبته وما ذا علمته وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك وذكر البيهقي من
حديث مسلم بن إبراهيم حدثنا شداد بن سعيد عن
الجريري عن أبي سعيد وابن عباس قالا قال رسول الله من ولد له ولد فليحسن
اسمه وأدبه فإذا بلغ فليزوجه فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما فإنما إثمه على
أبيه وقال سعيد بن منصور حدثنا حزم قال سمعت الحسن وسأله كثير ابن زياد عن
قوله
تعالى ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياينا قرة أعين الفرقان 74 فقال يا أبا
سعيد ما هذه القرة الأعين أفي الدنيا أم في الآخرة قال لا بل والله في
الدنيا قال وما هي قال والله أن يري الله العبد من زوجته من أخيه من حميمه
طاعة الله لا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولدا أو والدا
أو حميما أو أخا مطيعا لله عز و جل وقد روى البخاري في صحيحه من حديث نافع
عن ابن عمر قال قال رسول الله كلكم
راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير راع على الناس وهو مسؤول عن رعيته
والرجل راع على أهل بيته وامرأة الرجل راعية على بيت بعلها وولده وهي
مسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع
وكلكم مسؤول عن رعيته
فصلالله تعالى يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس
والحجارة التحريم 6 قال علي رضي الله عنه علموهم وأدبوهم وقال الحسن مروهم
بطاعة الله وعلموهم الخير وفي المسند وسنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده قال قال رسول الله مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم
عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ففي هذا الحديث ثلاثة آداب أمرهم بها
وضربهم عليها والتفريق بينهم في المضاجع وقد روى الحاكم عن أبي النضر
الفقيه ثنا محمد بن حموية ثنا أبي ثنا النضر
بن محمد عن الثوري عن إبراهيم بن مهاجر عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي قال
افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله ولقنوهم عند الموت لا إله
إلا الله
وفي تاريخ البخاري من رواية بشر بن يوسف عن عامر بن أبي عامر
سمع أيوب بن موسى القرشي عن أبيه عن جده عن النبي قال ما نحل والد ولدا
أفضل من أدب حسن قال البخاري ولم يصح سماع جده من النبي وفي معجم الطبراني
من حديث سماك عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله لأن
يؤدب أحدكم ولده خير له من أم يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين وذكر
البيهقي من حديث محمد بن الفضل بن عطية وهو ضعيف عن أبيه عن عطاء عن
ابن عباس قال قالوا يا رسول الله قد علمنا ما حق الوالد فما حق الولد قال
أن يحسن اسمه ويحسن أدبه قال سفيان الثوري ينبغي للرجل أن يكره ولده على
طلب الحديث فإنه مسؤول عنه وقال إن هذا الحديث عز من أراد به الدنيا وجدها
ومن أراد به الآخرة وجدها وقال عبد الله بن عمر أدب ابنك فإنك مسؤول عنه
ما ذا أدبته وما ذا علمته وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك وذكر البيهقي من
حديث مسلم بن إبراهيم حدثنا شداد بن سعيد عن
الجريري عن أبي سعيد وابن عباس قالا قال رسول الله من ولد له ولد فليحسن
اسمه وأدبه فإذا بلغ فليزوجه فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما فإنما إثمه على
أبيه وقال سعيد بن منصور حدثنا حزم قال سمعت الحسن وسأله كثير ابن زياد عن
قوله
تعالى ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياينا قرة أعين الفرقان 74 فقال يا أبا
سعيد ما هذه القرة الأعين أفي الدنيا أم في الآخرة قال لا بل والله في
الدنيا قال وما هي قال والله أن يري الله العبد من زوجته من أخيه من حميمه
طاعة الله لا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولدا أو والدا
أو حميما أو أخا مطيعا لله عز و جل وقد روى البخاري في صحيحه من حديث نافع
عن ابن عمر قال قال رسول الله كلكم
راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير راع على الناس وهو مسؤول عن رعيته
والرجل راع على أهل بيته وامرأة الرجل راعية على بيت بعلها وولده وهي
مسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع
وكلكم مسؤول عن رعيته
ومن حقوق الأولاد العدل بينهم في العطاء والمنع ففي السنن ومسند أحمد وصحيح
ابن حبان من حديث النعمان بن بشير قال قال
رسول الله اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم وفي صحيح مسلم أن امرأة
بشير قالت له انحل ابني غلاما وأشهد لي رسول الله
فأتى رسول الله فقال إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي قال له إخوة
قال نعم قال أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال لا قال فليس يصلح هذا وإني لا
أشهد إلا على حق ورواه الإمام أحمد وقال فيه لا تشهدني على جور إن لبنيك
عليك من الحق أن تعدل بينهم وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير أن أباه أتى
به النبي فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول أكل ولدك
نحلت مثل هذا فقال لا فقال أرجعه وفي رواية لمسلم فقال افعلت
هذا بولدك كلهم قال لا قال اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي في تلك
الصدقة وفي الصحيح أشهد على هذا غيري وهذا أمر تهديد لا إباحة فإن تلك
العطية
كانت جورا بنص الحديث ورسول الله لا يأذن لأحد أن يشهد على صحة الجور ومن
ذا الذي كان يشهد على تلك العطية وقد أبى رسول الله أن يشهد عليها وأخبر
أنها لا تصلح وأنها جور وأنها خلاف العدل ومن العجب أن يحمل قوله اعدلوا
بين أولادكم على غير الوجوب وهو أمر مطلق
مؤكد ثلاث مرات وقد أخبر الآمر به أن خلافه جور وأنه لا يصلح وأنه ليس بحق
وما بعد الحق إلا الباطل هذا والعدل واحب في كل حال فلو كان الأمر به
مطلقا لوجب حمله على الوجوب فكيف وقد اقترن به عشرة أشياء تؤكد وجوبه
فتأملها في ألفاظ القصة وقد ذكر البيهقي من حديث أبي أحمد بن عدي حدثنا
القاسم بن مهدي حدثنا
يعقوب بن كاسب حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن أنس أن رجلا
كان جالسا مع النبي فجاء بني له فقبله وأجلسه في
حجره ثم جاءت بنية فأخذها فأجلسها إلى جنبه فقال النبي فما عدلت بينهما
وكان السلف يستحبون أن يعدلوا بين الأولاد في القبلة وقال بعض أهل العلم إن
الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل
أن يسأل الولد عن والده فانه كما أن للأب على أبنه حقا فللابن على أبيه حق
فكما قال تعالى ووصينا الإنسان بوالديه حسنا العنكبوت 8 قال تعالى قوا
أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة التحريم 6 قال علي بن أبي طالب
علموهم وأدبوهم وقال تعالى واعبدوا الله و لا تشركوا
به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى النساء 36 وقال النبي اعدلوا بين
أولادكم فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية
الأولاد بآبائهم قال الله تعالى و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق الاسراء
31 فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة
وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم
فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم
كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال يا أبت إنك عققتني صغيرا
فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا
في فصول نافعة في تربية الأطفال تحمد عواقبها عند الكبر
ينبغي أن يكون رضاع المولود من غير أمه بعد وضعه يومين أو ثلاثة وهو
الأجود لما في لبنها ذلك الوقت من الغلظ والأخلاط بخلاف لبن من قد استقلت
على الرضاع وكل العرب تعتني بذلك حتى تسترضع أولادها عند نساء البوادي كما
استرضع النبي في بني سعد
وينبغي أن يمنع حملهم والطواف بهم حتى يأتي عليهم ثلاثة أشهر فصاعدا لقرب
عهدهم ببطون الأمهات وضعف أبدانهم فصل وينبغي أن يقتصر بهم على اللبن وحده
إلى نبات أسنانهم لضعف معدتهم وقوتهم
الهاضمة عن الطعام فإذا نبتت أسنانه قويت معدته وتغذى بالطعام
فإن الله سبحانه أخر إنباتها إلى وقت حاجته إلى الطعام لحكمته
ولطفه ورحمة منه بالأم وحلمة ثديها فلا يعضه الولد بأسنانه
وينبغي تدريجهم في الغذاء فأول ما يطعمونهم الغذاء اللين فيطعمونهم الخبز
المنقوع في الماء الحار واللبن والحليب ثم بعد ذلك الطبيخ والأمراق
الخالية من اللحم ثم بعد ذلك ما لطف جدا من اللحم بعد إحكام مضغه أو رضه
رضا ناعما فصل فإذا قربوا من وقت التكلم وأريد تسهيل الكلام عليهم فليدلك
ألسنتهم بالعسل
والملح الاندراني لما فيهما من الجلاء للرطوبات الثقيلة المانعة من الكلام
فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وليكن أول ما
يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتوحيده وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم
ويسمع كلامهم وهو معهم أينما كانوا وكان بنو إسرائيل كثيرا ما يسمون
أولادهم ب عمانويل ومعنى هذه الكلمة إلهنا معنا
ولهذا كان أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن بحيث إذا
وعى الطفل وعقل علم أنه عبد الله وأن الله هو سيده ومولاه
فإذا
حضر وقت نبات الأسنان فينبغي أن يدلك لثاهم كل يوم بالزبد والسمن
ويمرخ خرز العنق تمريخا كثيرا ويحذر عليهم كل الحذر وقت نباتها إلى حين
تكاملها وقوتها من الأشياء الصلبة ويمنعون منها كل المنع لما في التمكن
منها من تعريض الأسنان لفسادها وتعويجها وخللها فصل ولا ينبغي أن يشق على
الأبوين بكاء الطفل وصراخه ولا سيما لشربه اللبن إذا
جاع فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعا عظيما فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه
ويفسح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية ويحرك الطبيعة
لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره فصل وينبغي أن
لا يهمل أمر قماطه ورباطه ولو شق عليه إلى أن يصلب بدنه وتقوى
أعضاؤه ويجلس على الأرض فحينئذ يمرن ويدرب على الحركة والقيام قليلا قليلا
إلى أن يصير له ملكة وقوة يفعل ذلك بنفسه
فصلحضر وقت نبات الأسنان فينبغي أن يدلك لثاهم كل يوم بالزبد والسمن
ويمرخ خرز العنق تمريخا كثيرا ويحذر عليهم كل الحذر وقت نباتها إلى حين
تكاملها وقوتها من الأشياء الصلبة ويمنعون منها كل المنع لما في التمكن
منها من تعريض الأسنان لفسادها وتعويجها وخللها فصل ولا ينبغي أن يشق على
الأبوين بكاء الطفل وصراخه ولا سيما لشربه اللبن إذا
جاع فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعا عظيما فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه
ويفسح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية ويحرك الطبيعة
لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره فصل وينبغي أن
لا يهمل أمر قماطه ورباطه ولو شق عليه إلى أن يصلب بدنه وتقوى
أعضاؤه ويجلس على الأرض فحينئذ يمرن ويدرب على الحركة والقيام قليلا قليلا
إلى أن يصير له ملكة وقوة يفعل ذلك بنفسه
وينبغي أن يوقى الطفل كل أمر يفزعه من الأصوات الشديدة الشنيعة والمناظر
الفظيعة والحركات المزعجة فإن ذلك ربما أدى إلى فساد قوته العاقلة لضعفها
فلا ينتفع بها بعد كبره فإذا عرض له عارض من ذلك فينبغي المبادرة إلى
تلافيه بضده وإيناسه بما ينسيه إياه وأن يلقم ثديه في الحال ويسارع إلى
رضاعه ليزول عنه ذلك المزعج له ولا يرتسم في قوته الحافظة فيعسر زواله
ويستعمل تمهيده بالحركة اللطيفة إلى أن ينام فينسى ذلك ولا يهمل هذا الأمر
فإن في إهماله إسكان الفزع والروع في قلبه فينشأ على ذلك ويعسر زواله
ويتعذر فصل ويتغير حال المولود عند نبات أسنانه ويهيج به التقيء والحميات
وسوء
الأخلاق ولا سيما إذا كان نباتها في وقت الشتاء والبرد أو في وقت الصيف
وشدة الحر وأحمد أوقات نباتها الربيع والخريف ووقت نباتها لسبعة أشهر وقد
تنبت في الخامس وقد تتأخر إلى العاشر فينبغي التلطف في تدبيره وقت نباتها
وأن يكرر عليه دخول الحمام وأن يغذى غذاء يسيرا فلا يملأ بطنه من الطعام
وقد يعرض له انطلاق البطن فيعصب بما يكفيه مثل عصابة صوف عليها كمون ناعم
وكرفس وأنيسون وتدلك لثته بما
تقدم ذكره ومع هذا فانطلاق بطنه في ذلك الوقت خير له من اعتقاله
فإن كان بطنه معتقلا عند نبات أسنانه فينبغي أن يبادر إلى تليين طبيعته
فلا شيء أضر على الطفل عند نبات أسنانه من اعتقال طبيعته ولا شيء أنفع له
من سهولتها باعتدال وأحمد ما تلين به عسل مطبوخ يتخذ منه فتائل ويحمل بها
أو حبق مسحوق معجون
بعسل يتخذ منه فتائل كذلك وينبغي للمرضع في ذلك الوقت تلطيف طعامها
وشرابها وتجتنب الأغذية المضرة
قال
الله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم
الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا
تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا
فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا
أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف البقرة 233 فدلت
الآية على عدة أحكام أحدها أن تمام الرضاع حولين وذلك حق للولد إذا احتاج
إليه ولم يستغن عنه
وأكدهما بكاملين لئلا يحمل اللفظ على حول وأكثر
وثانيها أن الأبوين إذا أرادا فطامه قبل ذلك بتراضيهما
وتشاورهما مع عدم مضرة الطفل فلهما ذلك وثالثها أن الأب إذا أراد أن
يسترضع لولده مرضعة أخرى غير أمه فله ذلك وإن
كرهت الأم إلا أن يكون مضارا بها أو بولدها فلا يجاب إلى ذلك ويجوز أن
تستمر الأم على رضاعه بعد الحولين إلى نصف الثالث أو أكثر وأحمد أوقات
العظام إذا كان الوقت معتدلا في الحر والبرد وقد تكامل نبات
أسنانه وأضراسه وقويت على تقطيع الغذاء وطحنه ففطامه عند ذلك الوقت أجود
له ووقت الاعتدال الخريفي أنفع في الطعام من وقت الاعتدال الربيعي لأنه في
الخريف يستقبل الشتاء والهواء يبرد فيه والحرارة الغريزية تنشأ فيه وتنمو
والهضم يزداد قوة وكذلك الشهوة
فصلالله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم
الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا
تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا
فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا
أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف البقرة 233 فدلت
الآية على عدة أحكام أحدها أن تمام الرضاع حولين وذلك حق للولد إذا احتاج
إليه ولم يستغن عنه
وأكدهما بكاملين لئلا يحمل اللفظ على حول وأكثر
وثانيها أن الأبوين إذا أرادا فطامه قبل ذلك بتراضيهما
وتشاورهما مع عدم مضرة الطفل فلهما ذلك وثالثها أن الأب إذا أراد أن
يسترضع لولده مرضعة أخرى غير أمه فله ذلك وإن
كرهت الأم إلا أن يكون مضارا بها أو بولدها فلا يجاب إلى ذلك ويجوز أن
تستمر الأم على رضاعه بعد الحولين إلى نصف الثالث أو أكثر وأحمد أوقات
العظام إذا كان الوقت معتدلا في الحر والبرد وقد تكامل نبات
أسنانه وأضراسه وقويت على تقطيع الغذاء وطحنه ففطامه عند ذلك الوقت أجود
له ووقت الاعتدال الخريفي أنفع في الطعام من وقت الاعتدال الربيعي لأنه في
الخريف يستقبل الشتاء والهواء يبرد فيه والحرارة الغريزية تنشأ فيه وتنمو
والهضم يزداد قوة وكذلك الشهوة
وينبغي للمرضع إذا أرادت فطامه أن تفطمه على التدريج ولا تفاجئه بالفطام
وهلة واحدة بل تعوده إياه وتمرنه عليه لمضرة الانتقال عن الإلف والعادة
مرة واحدة كما قال بقراط في فصوله استعمال الكبير بغتة مما يملأ البدن أو
يستفرغه أو يسخنه أو يبرده أو يحركه بنوع آخر من الحركة
أي نوع كان فهو خطر وكلما كان كثيرا فهو معاد للطبيعة وكلما كان
قليلا فهو مأمون فصل ومن سوء التدبير للاطفال أن يمكنوا من الامتلاء من
الطعام وكثرة الأكل
والشرب ومن أنفع التدبير لهم أن يعطوا دون شبعهم ليجود هضمهم وتعتدل
أخلاطهم وتقل الفضول في أبدانهم وتصح أجسادهم وتقل أمراضهم لقلة الفضلات
في المواد الغذائية قال بعض الأطباء وأنا أمدح قوما ذكرهم حيث لا يطعمون
الصبيان إلا دون
شبعهم ولذلك ترتفع قاماتهم وتعتدل أجسامهم ويقل فيهم ما يعرض لغيرهم من
الكزاز ووجع القلب وغير ذلك قال فإن أحببت أن يكون الصبي حسن الجسد مستقيم
القامة غير منحدب فقه كثيرة الشبع فإن الصبي إذا امتلأ وشبع فإنه يكثر
النوم من ساعته ويسترخي ويعرض له نفخة في بطنه ورياح غليظة فصل وقال
جالينوس ولست أمنع هؤلاء الصبيان من شرب الماء البارد أصلا لكني أطلق
لهم شربة تعقب الطعام في أكثر الأمر وفي الأوقات
الحارة في زمن الصيف إذا تاقت أنفسهم إليه قلت وهذا لقوة وجود الحار
الغريزي فيهم ولا يضرهم شرب الماء البارد في هذه الأوقات ولا سيما عقيب
الطعام فإنه يتعين تمكينهم منه بقدر لضعفهم عن احتمال العطش باستيلاء
الحرارة
ومما ينبغي أن يحذر أن يحمل الطفل على المشي قبل وقته لما يعرض في أرجلهم
بسبب ذلك من الانفتال والاعوجاج بسبب ضعفها وقبولها لذلك واحذر كل الحذر
أن تحبس عنه ما يحتاج إليه في قيء أو نوم أو طعام أو شراب أو عطاس أو بول
أو إخراج دم فإن لحبس ذلك عواقب رديئه في حق الطفل والكبير
المرضع وهو الغيل
عن جذامة بنت وهب الأسدية قالت حضرت رسول الله في أناس وهو يقول لقد هممت
أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم
وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا ثم
سألوه عن العزل فقال ذلك الوأد الخفي 000 وهي وإذا الموؤدة سئلت التكوير 6
رواه مسلم في الصحيح وروى في صحيحه أيضا عن أسامة بن زيد أن رجلا جاء إلى
رسول الله فقال إني
أعزل عن امرأتي فقال له رسول الله لم تفعل ذلك فقال الرجل أشفق على ولدها
أو على أولادها فقال رسول الله لو كان ذلك ضارا ضر فارس والروم وعن أسماء
بنت يزيد قالت سمعت رسول الله يقول لا تقتلوا أولادكم سرا فو
الذي نفسي بيده ليدرك الفارس فيدعثره قالت قلت ما يعني قالت الغيلة يأتي
الرجل امرأته وهي ترضع رواه الإمام أحمد أبو داود وقد أشكل الجمع بين هذه
الأحاديث على
غير واحد من أهل العلم فقالت طائفة قوله لقد هممت أن أنهى عن الغيل أي
أحرمه وأمنع منه فلاتنافي بين هذا وبين قوله في الحديث الآخر ولا تقتلوا
أولادكم سرا فإن هذا النهي كالمشورة عليهم والإرشاد لهم إلى ترك ما يضعف
الولد ويقتله قالوا والدليل عليه أن المرأة المرضع إذا باشرها الرجل حرك
منها دم الطمث وأهاجه للخروج فلا يبقى اللبن حينئذ على اعتداله وطيب
رائحته وربما حبلت الموطوءة فكان ذلك من شر الأمور وأضرها على الرضيع
المغتذي بلبنها وذلك أن جيد الدم حينئذ ينصرف في تغذية الجنين الذي في
الرحم فينفذ في غذائه فإن الجنين لما كان ما يناله ويجتذبه مما لا يحتاج
إليه ملائما له لأنه متصل بأمه أتصال الغرس بالأرض وهو غير مفارق لها ليلا
ولا نهارا وكذلك ينقص دم الحامل ويصير رديئا فيصير اللبن المجتمع في ثديها
يسيرا رديئا فمتى حملت المرضع فمن تمام تدبير الطفل أن يمنع منها فإنه متى
شرب من ذلك اللبن الرديء قتله أو أثر في ضعفه تأثيرا يجده في كبره فيدعثره
عن فرسه فهذا وجه المشورة عليهم والإرشاد إلى تركه ولم يحرمه عليهم فإن
هذا لا يقع دائما لكل
مولود وإن عرض لبعض الأطفال فأكثر الناس يجامعون نساءهم وهن يرضعن ولو كان
هذا الضرر لازما لكل مولود لاشترك فيه أكثر الناس وهاتان الأمتان
الكبيرتان فارس والروم تفعله ولا يعم ضرره أولادهم وعلى كل حال فالأحوط
إذا حبلت المرضع أن يمنع منها الطفل ويلتمس مرضعا غيرها والله أعلم
ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ على ما
عوده المربي في صغره من حرد وغضب ولجاج وعجلة وخفة مع هواه وطيش وحدة وجشع
فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له فلو
تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بد يوما ما ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة
أخلاقهم وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها وكذلك يجب أن يتجنب الصبي إذا
عقل مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء فإنه إذا
علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر وعز على وليه استنقاذه منه فتغيير
العوائد من أصعب الأمور يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعة ثانية
والخروج عن حكم الطبيعة عسر جدا وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية
التجنب فإنه متى اعتاد الأخذ
صار له طبيعة ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي ويعوده البذل والإعطاء وإذا أراد
الولي أن يعطي شيئا أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء ويجنبه الكذب
والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة
أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة وحرمه كل خير ويجنبه الكسل والبطالة والدعة
والراحة بل يأخذه بأضدادها ولا يريحه إلا
بما يجم نفسه وبدنه للشغل فإن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم وللجد
والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا وإما في العقبى وإما فيهما فأروح الناس
أتعب الناس وأتعب الناس أروح الناس فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى
لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب قال يحيى بن أبي كثير لا ينال العلم
براحة الجسم ويعوده الانتباه آخر الليل فإنه وقت قسم الغنائم وتفريق
الجوائز فمستقل
ومستكثر ومحروم فمتى اعتاد ذلك صغيرا سهل عليه كبيرا فصل ويجنبه فضول
الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام فإن الخسارة في هذه
الفضلات وهي تفوت على العبد خير دنياه وآخرته ويجنبه
مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب فإن تمكينه من أسبابها
والفسح له فيها يفسده فسادا يعز عليه بعده صلاحه وكم ممن أشقى ولده وفلذة
كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهواته ويزعم
أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه ففاته انتفاعه بولده وفوت
عليه حظه في الدنيا والآخرة وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من
قبل الآباء
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فصل
ولا يمنع الإحرام من الختان نص عليه الإمام أحمد وقد سئل عن المحرم يختتن
فقال نعم فلم يجعله من باب إزالة الشعر وتقليم الظفر لا في الحياة ولا بعد
الموتالفصل الثالث عشر في ختان النبي
وقد اختلف فيه على أقوال أحدها أنه ولد مختونا والثاني أن جبريل ختنه حين
شق صدره الثالث أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب في ختان أولادهم
ونحن نذكر قائلي هذه الأقوال وحججهم فأما من قال ولد مختونا فاحتجوا
بأحاديث أحدها ما رواه أبو عمر بن عبد البر فقال وقد روي أن النبي ولد
مختونا من حديث عبد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال ولد
رسول الله مختونا مسرورا يعني مقطوع السرة فأعجب ذلك جده عبد المطلب وقال
ليكونن لابني هذا شأن عظيم ثم قال ابن عبد البر ليس إسناد حديث العباس هذا
بالقائم قال وقد روي موقوفا على ابن عمر ولا يثبت أيضا قلت حديث ابن عمر
رويناه من طريق أبي نعيم حدثنا أبو الحسن أحمد ابن محمد بن خالد الخطيب
حدثنا محمد بن محمد بن سليمان حدثنا عبد الرحمن ابن أيوب الحمصي حدثنا
موسى بن أبي موسى المقدسي حدثنا خالد بن سلمة
عن نافع عن ابن عمر قال ولد النبي مسرورا مختونا ولكن محمد بن
سليمان هذا هو الباغندي وقد ضعفوه وقال الدارقطني كان كثير التدليس يحدث
بما لم يسمع وربما سرق الحديث ومنها ما رواه الخطيب بإسناده من حديث سفيان
بن محمد المصيصي حدثنا هشيم
عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن مالك قال قال رسول الله من كرامتي على
الله أني ولدت مختونا ولم ير سوءتي أحد قال الخطيب لم يروه فيما يقال غير
يونس عن هشيم وتفرد به سفيان بن محمد المصيصي وهو منكر الحديث قال الخطيب
أخبرني الأزهري قال سئل الدارقطني عن سفيان ابن محمد المصيصي
وأخبرني أبو الطيب الطبري قال قال لنا الدارقطني شيخ لأهل المصيصة يقال له
سفيان بن محمد الفزاري كان ضعيفا سيء الحال وقال صالح بن محمد الحافظ
سفيان بن محمد المصيصي لا شيء وقد رواه أبو القاسم بن عساكر من طريق الحسن
بن عرفة حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله من كرامتي
على ربي عز و جل أني ولدت مختونا لم ير أحد سوءتي وفي إسناده إلى الحسن بن
عرفة عدة مجاهيل قال أبو القاسم بن عساكر وقد سرقه ابن الجارود وهو كذاب
فرواه عن الحسن بن
عرفة ومما احتج به أرباب هذا القول ما ذكره
محمد ابن علي الترمذي في معجزات النبي فقال ومنها أن صفية بنت عبد المطلب
قالت أردت أن أعرف أذكر هو أم أنثى فرأيته مختونا وهذا الحديث لا يثبت
وليس له إسناد يعرف به وقد قال أبو القاسم عمر بن أبي الحسن بن هبة الله
بن أبي جرادة في كتاب صنفه في ختان الرسول يرد به على محمد بن طلحة في
تصنيف صنفه وقرر فيه أن رسول الله ولد مختونا وهذا محمد بن علي الترمذي
الحكيم لم يكن من أهل الحديث ولا علم له بطرقه وصناعته وإنما كان فيه
الكلام على إشارات الصوفية والطرائق ودعوى الكشف على الأمور الغامضة
والحقائق حتى خرج في الكلام على ذلك عن قاعدة الفقهاء واستحق الطعن عليه
بذلك والإزراء وطعن عليه أئمة الفقهاء والصوفية وأخرجوه بذلك عن السيرة
المرضية وقالوا إنه أدخل في علم الشريعة ما فارق به الجماعة فاستوجب بذلك
القدح والشناعة وملأ كتبه بالأحاديث الموضوعة وحشاها بالأخبار التي ليست
بمروية ولا مسموعة وعلل فيها خفي الأمور الشرعية التي لا يعقل معناها بعلل
ما أضعفها وما أوهاها ومما ذكره في كتاب له وسمه بالاحتياط أن يسجد عقب كل
صلاة يصليها سجدتي
السهو وإن لم يكن سها فيها وهذا مما لا يجوز فعله بالإجماع وفاعله منسوب
إلى الغلو والابتداع وما حكاه عن صفية بقولها
فرأيته مختونا يناقض الأحاديث الأخر وهو قوله لم ير سوءتي أحد فكل حديث في
هذا الباب يناقض الآخر ولا يثبت واحد منها ولو ولد مختونا فليس من خصائصه
فإن كثيرا من الناس يولد غير محتاج إلى الختان قال وذكر أبو الغنائم
النسابة الزيدي أن أباه القاضي أبا محمد الحسن ابن
محمد بن الحسن الزيدي ولد غير محتاج إلى الختان قال ولهذا لقب بالمطهر قال
وقال فيما قرأته بخطه خلق أبو محمد الحسن مطهرا لم يختن وتوفي كما خلق وقد
ذكر الفقهاء في كتبهم أن من ولد كذلك لا يختن واستحسن بعضهم أن يمر الموسى
على موضع الختان ختان القمر يشيرون في ذلك إلى أن النمو في خلقة الإنسان
يحصل في زيادة القمر ويحصل النقصان في الخلقة عند نقصانه كما يوجد في ذلك
الجزر والمد فينسبون النقصان الذي حصل في القلفة إلى نقصان القمر قال وقد
ورد في حديث رواه سيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي قال ابن صياد ولد مسرورا مختونا وسيف
مطعون في حديثه وقيل إن قيصر ملك الروم
الذي ورد عليه امرؤ القيس ولد كذلك ودخل عليه امرؤ القيس الحمام فرآه كذلك
فقال يهجوه إني حلفت يمينا غير كاذبة ... لأنت أغلف إلا ما جنى القمر
يعيره أنه لم يختتن وجعل ولادته كذلك نقصا وقيل إن هذا البيت أحد الأسباب
الباعثة لقيصر على أن سم امرء القيس فمات وأنشد ابن الأعرابي فيمن ولد بلا
قلفة فداك نكس لا يبض حجره ... مخرق العرض حديد ممصره في ليل كانون شديد
خصره ... عض بأطراف الزبانى قمره يقول هو أقلف ليس بمختون إلا ما قلص منه
القمر وشبه قلفته بالزبانى وهي
قرنا العقرب وكانت العرب لا تعتد بصورة الختان من غير ختان وترى الفضيلة
في الختان نفسه وتفخر به قال وقد بعث الله نبينا من صميم العرب وخصه بصفات
الكمال من الخلق والنسب
فكيف يجوز أن يكون ما ذكره من كونه مختونا مما يميز به النبي ويخصص وقيل
إن الختان من الكلمات التي ابتلى الله بها خليله فأتمهن وأكملهن وأشد
الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وقد عد النبي الختان من الفطرة ومن
المعلوم أن الابتلاء به مع الصبر مما يضاعف ثواب المبتلى به وأجره والأليق
بحال النبي أن لا يسلب
هذه الفضيلة وأن يكرمه الله بها كما أكرم خليله فإن خصائصه أعظم من خصائص
غيره من النبيين وأعلى وختن الملك إياه كما رويناه أجدر من أن يكون من
خصائصه وأولى هذا كله كلام
ابن العديم ويريد بختن الملك ما رواه من طريق الخطيب عن أبي بكرة أن جبريل
ختن النبي حين طهر قلبه وهو مع كونه موقوفا على أبي بكرة لا يصح إسناده
فإن الخطيب قال فيه أنبأنا أبو القاسم عبد الواحد بن عثمان بن محمد البجلي
أنبأنا جعفر بن محمد بن نصير حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان حدثنا عبد
الرحمن بن عيينة البصري حدثنا علي بن محمد المدائني حدثنا مسلمة بن محارب
بن سليم بن زياد عن أبيه عن أبي بكرة وليس هذا الإسناد مما يحتج به وحديث
شق الملك قلبه قد روي من وجوه متعددة مرفوعا إلى النبي وليس في شيء
منها أن جبريل ختنه إلا في هذا الحديث فهو شاذ غريب قال ابن العديم وقد
جاء في بعض الروايات أن جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع قال وهو على
ما فيه أشبه بالصواب وأقرب إلى الواقع ثم ساق من طريق ابن عبد البر حدثنا
أبو عمرو أحمد بن محمد بن
أحمد قراءة مني عليه أن محمد بن عيسى حدثه قال حدثنا يحيى بن أيوب بن زياد
العلاف حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا الوليد بن مسلم عن شعيب
بن أبي حمزة عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن
النبي يوم سابعه وجعل له مأدبة وسماه محمدا قال يحيى بن أيوب ما وجدنا هذا
الحديث عند أحد إلا عند ابن أبي السري وهو محمد بن المتوكل بن أبي السري
والله أعلمالفصل الرابع عشر في الحكمة التي لأجلها يعاد بنو آدم غرلا
لما وعد الله سبحانه وهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده أنه يعيد الخلق كما
بدأهم أول مرة كان من صدق وعده أن يعيده على الحالة التي بدأه عليها من
تمام أعضائه وكمالها قال الله تعالى يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما
بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين الأنبياء 104 وقال تعالى
كما بدأكم تعودون الأعراف 29 وأيضا فإن الختان إنما شرع في الدنيا لتكميل
الطهارة والتنزه من البول وأهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون فليس هناك
نجاسة تصيب الغرلة فيحتاج إلى
التحرز منها والقلفة لا تمنع لذة الجماع ولا تعوقه هذا إن قدر
استمرارهم على تلك الحالة التي بعثوا عليها وإلا فلا يلزم من كونهم يبعثون
كذلك أن يستمروا على تلك الحالة التي بعثوا عليها فإنهم يبعثون حفاة عراة
بهما ثم يكسون ويمد خلقهم ويزاد فيه بعد ذلك يزاد في خلق أهل الجنة والنار
وإلا فوقت قيامهم من القبور يكونون على صورتهم التي كانوا عليها في الدنيا
وعلى صفاتهم وهيئاتهم وأحوالهم فيبعث كل عبد على ما مات عليه ثم ينشئهم
الله سبحانه كما يشاء وهل تبقى تلك الغرلة التي كملت خلقهم في القبور أو
تزول يمكن هذا وهذا ولا يعلم إلا بخبر يجب المصير إليه والله سبحانه
وتعالى أعلم
الباب العاشر في ثقب أذن الصبي والبنت
أما أذن البنت فيجوز ثقبها للزينة نص عليه الإمام أحمد ونص على كراهته في
حق الصبي والفرق بينهما أن الأنثى محتاجة للحلية فثقب الأذن مصلحة في حقها
بخلاف الصبي وقد قال النبي لعائشة في حديث أم زرع كنت لك كأبي زرع لأم زرع
مع قولها أناس من حلي أذني أي ملأها من الحلي حتى صار ينوس فيها أي يتحرك
ويجول وفي الصحيحين لما حرض النبي النساء على الصدقة جعلت المرأة تلفي
خرصها
الحديث والخرص هو الحلقة الموضوعة في الأذن ويكفي في جوازه علم الله
ورسوله بفعل الناس له وإقرارهم على ذلك فلو كان مما ينهى عنه لنهى القرآن
أو السنة فإن قيل فقد أخبر الله سبحانه عن عدوه إبليس أنه قال ولآمرنهم
فليبتكن آذان الأنعام النساء 119 أي يقطعونها وهذا يدل على أن قطع الأذن
وشقها وثقبها من أمر الشيطان فإن البتك هو القطع وثقب الأذن قطع لها فهذا
ملحق بقطع أذن الأنعام
قيل هذا من أفسد القياس فإن الذي أمرهم به الشيطان أنهم كانوا
إذا ولدت لهم الناقة خمسة أبطن فكان البطن السادس ذكرا شقوا أذن الناقة
وحرموا ركوبها والانتفاع بها ولم تطرد عن ماء ولا عن مرعى وقالوا هذه
بحيرة فشرع لهم الشيطان في ذلك شريعة من عنده فأين هذا من نخس أذن الصبية
ليوضع فيها الحلية التي أباح الله لها أن تتحلى بها وأما ثقب الصبي فلا
مصلحة له فيه وهو قطع عضو من أعضائه لا مصلحة دينية ولا دنيوية فلا يجوز
ومن أعجب ما في هذا الباب ما قال الخطيب في تاريخه أنا الحسن بن علي
الجوهري ثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا أبو عمرو عثمان بن جعفر المعروف
بابن اللبان ثنا أبو الحسن علي بن إسحاق بن راهويه قال ولد أبي من بطن أمه
مثقوب الأذنين قال فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى السيناني فسأله عن
ذلك وقال ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين فقال يكون ابنك رأسا
إما في الخير وإما في الشر فكأن الفضل بن موسى والله أعلم تفرس فيه أنه
لما تفرد عن المولودين كلهم بهذه الخاصة أن ينفرد عنهم بالرياسة في الدين
أو الدنيا وقد كان رحمه الله رأس أهل زمانه في العلم والحديث والتفسير
والسنة
والجلالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكسر الجهمية وأهل البدع ببلاد
خراسان وهو الذي نشر السنة في بلاد خراسان وعنه
انتشرت هناك وقد كان له مقامات محمودة عند السلطان يظفره الله فيها
بأعدائه ويخزيهم على يديه حتى تعجب منه السلطان والحاضرون حتى قال محمد بن
أسلم الطوسي لو كان الثوري حيا لاحتاج إلى إسحاق فأخبر بذلك أحمد بن سعيد
الرباطي فقال والله لو كان الثوري وابن عيينة والحمادان في الحياة
لاحتاجوا إلى إسحاق فأخبر بذلك محمد بن يحيى الصفار فقال والله لو كان
الحسن البصري حيا لاحتاج إلى إسحاق في أشياء كثيرة وكان الإمام أحمد يسميه
أمير المؤمنين وسنذكر هذا وأمثاله في كتاب نفرده لمناقبه إن شاء الله
تعالى ونذكر حكاية عجيبة يستدل بها على أنه كان رأس أهل زمانه قال الحاكم
أبو عبد الله في تاريخ نيسابور أخبرني أبو محمد بن زياد قال سمعت أبا
العباس الأزهري قال سمعت علي بن سلمة يقول كان إسحاق عند عبد الله ابن
طاهر وعنده إبراهيم بن صالح فسأل عبد الله بن طاهر إسحاق عن مسألة فقال
إسحاق السنة فيها كذا وكذا وأما النعمان وأصحابه فيقولون بخلاف هذا فقال
إبراهيم لم يقل النعمان بخلاف هذا فقال إسحاق حفظته من كتاب جدك وأنا وهو
في كتاب واحد فقال إبراهيم للأمير أصلحك الله كذب إسحاق على جدي فقال
إسحاق ليبعث الأمير إلى جزء كذا وكذا من الجامع فليحضره فأتى بالكتاب فجعل
الأمير يقلب الكتاب
فقال إسحاق عد من أول الكتاب إحدى وعشرين ورقة ثم عد تسعة أسطر ففعل فإذا
المسألة على ما قال إسحاق فقال عبد الله بن طاهر ليس العجب من حفظك إنما
العجب بمثل هذه المشاهدة فقال إسحاق ليوم مثل هذا لكي يخزي الله على يدي
عدوا للسنة مثل هذا وقال له عبد الله بن طاهر قيل لي إنك تحفظ مائة ألف
حديث فقال له مائة ألف لا أدري ما هو ولكني ما سمعت شيئا قط إلا حفظته ولا
حفظت شيئا قط فنسيته والمقصود صحة فراسة الفضل بن موسى فيه وأنه يكون رأسا
في الخير والله أعلم
الباب الحادي عشر في حكم بول الغلام والجارية قبل أن يأكلا
الطعام
هذه المسألة مما تعم به البلوى وقد علم الشارع أن الطفل يقيء كثيرا ولا
يمكن غسل فمه ولا يزال ريقه ولعابه يسيل على من يربيه ويحمله ولم يأمر
الشارع بغسل الثياب من ذلك ولا منع من الصلاة فيها ولا أمر بالتحرز من ريق
الطفل فقالت طائفة من الفقهاء هذا من النجاسة التي يعفى عنها للمشقة
والحاجة كطين الشوارع والنجاسة بعد الاستجمار ونجاسة أسفل الخف والحذاء
بعد دلكهما بالأرض وقال شيخنا وغيره من الأصحاب بل ريق الطفل يطهر فمه
للحاجة كما كان ريق الهرة مطهرا لفمها وقد أخبر النبي أنها ليست بنجس مع
علمه بأكلها الفأر وغيره وقد فهم من ذلك أبو قتادة طهارة فمها وريقها
وكذلك أصغى لها الإناء حتى شربت وأخبرت عائشة رضي الله عنها أن النبي كان
يصغي إلى الهرة ماء حتى تشرب ثم
يتوضأ بفضلها واحتمال ورودها على ماء كثير فوق القلتين في المدينة في غاية
البعد حتى ولو كانت بين مياه كثيرة لم يكن هذا الاحتمال مزيلا لما علم من
نجاسة فمها لولا تطهير الريق له فالريق مطهر فم الهرة وفم
الطفل للحاجة وهو أولى بالتطهير من الحجر في محل الاستجمار ومن
التراب لأسفل الخف والحذاء والرجل الحافية على أحد القولين في مذهب مالك
وأحمد وأولى بالتطهير من الشمس والريح وأولى بالتطهير من الخل وغيره من
المائعات عند من يقول بذلك وأولى بالتطهير من مسح السيف والمرآة والسكين
ونحوها من الأجسام الصقيلة بالخرقة ونحوها كما كان الصحابة يمسحون سيوفهم
ولا يغسلونها بالماء ويصلون فيها ولو غسلت السيوف لصدئت وذهب نفعها وقد
نظر النبي في سيفي ابني عفراء فاستدل بالأثر الذي فيهما على اشتراكهما في
قتل أبي جهل لعنه الله تعالى ولم يأمرهما بغسل سيفيهما وقد علم أنهما
يصليان فيهما والله أعلم
الباب الثالث عشر في جواز حمل الأطفال في الصلاة وإن لم يعلم
حال ثيابهم
ثبت في الصحيحين عن أبي قتادة أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أمامة بنت
زينب بنت رسول الله وهي لأبي العاص بن الربيع فإذا قام حملها وإذا سجد
وضعها ولمسلم حملها على عنقه ولأبي داود بينما نحن ننتظر رسول الله في
الظهر أو العصر وقد دعاه بلال
إلى الصلاة إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت زينب على عنقه فقام
رسول الله في مصلاه وقمنا خلفه وهي في مكانها الذي هي فيه فكبرنا حتى إذا
أراد رسول الله أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده ثم
قام أخذها فردها في مكانها فما زال
رسول الله يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته وهذا صريح
أنه كان في الفريضة وفيه رد على أهل الوسواس وفيه أن العمل المتفرق في
الصلاة لا يبطلها إذا كان للحاجة وفيه الرحمة بالأطفال وفيه تعليم التواضع
ومكارم الأخلاق وفيه أن مس الصغير لا ينقض الوضوء
الباب الرابع عشر في استحباب تقبيل الأطفال
في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قبل رسول الله الحسن ابن علي وعنده
الأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت
أحدا منهم فنظر إليه رسول الله فقال من لا يرحم لا يرحم وفي الصحيحين أيضا
من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب
على رسول الله فقالوا تقبلون صبيانكم فقالوا نعم فقالوا والله لكنا ما
نقبل فقال أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة وفي المسند من حديث أم
سلمة قالت بينما رسول الله في بيتي يوما
إذ قالت الخادم إن فاطمة وعليا رضي الله عنهما بالسدة قالت فقال
لي قومي فتنحي عن أهل بيتي قالت فقمت فتنحيت في البيت قريبا فدخل علي
وفاطمة ومعهم الحسن والحسين وهما صبيان صغيران فأخذ الصبيين فوضعهما في
حجره فقبلهما واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى فقبل فاطمة وقبل
عليا وأغدف عليهما خميصة سوداء وقال اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل
بيتي قالت فقلت وأنا يا رسول الله فقال وأنت وفي طريق أخرى نحوه وقال إنك
إلى حين
الباب الخامس عشر في وجوب تأديب الأولاد وتعليمهم والعدل بينهم
ومن حقوق الأولاد العدل بينهم في العطاء والمنع ففي السنن ومسند أحمد وصحيح
ابن حبان من حديث النعمان بن بشير قال قال
رسول الله اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم وفي صحيح مسلم أن امرأة
بشير قالت له انحل ابني غلاما وأشهد لي رسول الله
فأتى رسول الله فقال إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي قال له إخوة
قال نعم قال أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال لا قال فليس يصلح هذا وإني لا
أشهد إلا على حق ورواه الإمام أحمد وقال فيه لا تشهدني على جور إن لبنيك
عليك من الحق أن تعدل بينهم وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير أن أباه أتى
به النبي فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول أكل ولدك
نحلت مثل هذا فقال لا فقال أرجعه وفي رواية لمسلم فقال افعلت
هذا بولدك كلهم قال لا قال اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي في تلك
الصدقة وفي الصحيح أشهد على هذا غيري وهذا أمر تهديد لا إباحة فإن تلك
العطية
كانت جورا بنص الحديث ورسول الله لا يأذن لأحد أن يشهد على صحة الجور ومن
ذا الذي كان يشهد على تلك العطية وقد أبى رسول الله أن يشهد عليها وأخبر
أنها لا تصلح وأنها جور وأنها خلاف العدل ومن العجب أن يحمل قوله اعدلوا
بين أولادكم على غير الوجوب وهو أمر مطلق
مؤكد ثلاث مرات وقد أخبر الآمر به أن خلافه جور وأنه لا يصلح وأنه ليس بحق
وما بعد الحق إلا الباطل هذا والعدل واحب في كل حال فلو كان الأمر به
مطلقا لوجب حمله على الوجوب فكيف وقد اقترن به عشرة أشياء تؤكد وجوبه
فتأملها في ألفاظ القصة وقد ذكر البيهقي من حديث أبي أحمد بن عدي حدثنا
القاسم بن مهدي حدثنا
يعقوب بن كاسب حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن أنس أن رجلا
كان جالسا مع النبي فجاء بني له فقبله وأجلسه في
حجره ثم جاءت بنية فأخذها فأجلسها إلى جنبه فقال النبي فما عدلت بينهما
وكان السلف يستحبون أن يعدلوا بين الأولاد في القبلة وقال بعض أهل العلم إن
الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل
أن يسأل الولد عن والده فانه كما أن للأب على أبنه حقا فللابن على أبيه حق
فكما قال تعالى ووصينا الإنسان بوالديه حسنا العنكبوت 8 قال تعالى قوا
أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة التحريم 6 قال علي بن أبي طالب
علموهم وأدبوهم وقال تعالى واعبدوا الله و لا تشركوا
به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى النساء 36 وقال النبي اعدلوا بين
أولادكم فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية
الأولاد بآبائهم قال الله تعالى و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق الاسراء
31 فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة
وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم
فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم
كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال يا أبت إنك عققتني صغيرا
فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا
الباب السادس عشر
في فصول نافعة في تربية الأطفال تحمد عواقبها عند الكبرفصل
ينبغي أن يكون رضاع المولود من غير أمه بعد وضعه يومين أو ثلاثة وهو
الأجود لما في لبنها ذلك الوقت من الغلظ والأخلاط بخلاف لبن من قد استقلت
على الرضاع وكل العرب تعتني بذلك حتى تسترضع أولادها عند نساء البوادي كما
استرضع النبي في بني سعدفصل
وينبغي أن يمنع حملهم والطواف بهم حتى يأتي عليهم ثلاثة أشهر فصاعدا لقرب
عهدهم ببطون الأمهات وضعف أبدانهم فصل وينبغي أن يقتصر بهم على اللبن وحده
إلى نبات أسنانهم لضعف معدتهم وقوتهم
الهاضمة عن الطعام فإذا نبتت أسنانه قويت معدته وتغذى بالطعام
فإن الله سبحانه أخر إنباتها إلى وقت حاجته إلى الطعام لحكمته
ولطفه ورحمة منه بالأم وحلمة ثديها فلا يعضه الولد بأسنانهفصل
وينبغي تدريجهم في الغذاء فأول ما يطعمونهم الغذاء اللين فيطعمونهم الخبز
المنقوع في الماء الحار واللبن والحليب ثم بعد ذلك الطبيخ والأمراق
الخالية من اللحم ثم بعد ذلك ما لطف جدا من اللحم بعد إحكام مضغه أو رضه
رضا ناعما فصل فإذا قربوا من وقت التكلم وأريد تسهيل الكلام عليهم فليدلك
ألسنتهم بالعسل
والملح الاندراني لما فيهما من الجلاء للرطوبات الثقيلة المانعة من الكلام
فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وليكن أول ما
يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتوحيده وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم
ويسمع كلامهم وهو معهم أينما كانوا وكان بنو إسرائيل كثيرا ما يسمون
أولادهم ب عمانويل ومعنى هذه الكلمة إلهنا معنا
ولهذا كان أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن بحيث إذا
وعى الطفل وعقل علم أنه عبد الله وأن الله هو سيده ومولاهفصل
وينبغي أن يوقى الطفل كل أمر يفزعه من الأصوات الشديدة الشنيعة والمناظر
الفظيعة والحركات المزعجة فإن ذلك ربما أدى إلى فساد قوته العاقلة لضعفها
فلا ينتفع بها بعد كبره فإذا عرض له عارض من ذلك فينبغي المبادرة إلى
تلافيه بضده وإيناسه بما ينسيه إياه وأن يلقم ثديه في الحال ويسارع إلى
رضاعه ليزول عنه ذلك المزعج له ولا يرتسم في قوته الحافظة فيعسر زواله
ويستعمل تمهيده بالحركة اللطيفة إلى أن ينام فينسى ذلك ولا يهمل هذا الأمر
فإن في إهماله إسكان الفزع والروع في قلبه فينشأ على ذلك ويعسر زواله
ويتعذر فصل ويتغير حال المولود عند نبات أسنانه ويهيج به التقيء والحميات
وسوء
الأخلاق ولا سيما إذا كان نباتها في وقت الشتاء والبرد أو في وقت الصيف
وشدة الحر وأحمد أوقات نباتها الربيع والخريف ووقت نباتها لسبعة أشهر وقد
تنبت في الخامس وقد تتأخر إلى العاشر فينبغي التلطف في تدبيره وقت نباتها
وأن يكرر عليه دخول الحمام وأن يغذى غذاء يسيرا فلا يملأ بطنه من الطعام
وقد يعرض له انطلاق البطن فيعصب بما يكفيه مثل عصابة صوف عليها كمون ناعم
وكرفس وأنيسون وتدلك لثته بما
تقدم ذكره ومع هذا فانطلاق بطنه في ذلك الوقت خير له من اعتقاله
فإن كان بطنه معتقلا عند نبات أسنانه فينبغي أن يبادر إلى تليين طبيعته
فلا شيء أضر على الطفل عند نبات أسنانه من اعتقال طبيعته ولا شيء أنفع له
من سهولتها باعتدال وأحمد ما تلين به عسل مطبوخ يتخذ منه فتائل ويحمل بها
أو حبق مسحوق معجون
بعسل يتخذ منه فتائل كذلك وينبغي للمرضع في ذلك الوقت تلطيف طعامها
وشرابها وتجتنب الأغذية المضرةفصل في وقت الفطام
وينبغي للمرضع إذا أرادت فطامه أن تفطمه على التدريج ولا تفاجئه بالفطام
وهلة واحدة بل تعوده إياه وتمرنه عليه لمضرة الانتقال عن الإلف والعادة
مرة واحدة كما قال بقراط في فصوله استعمال الكبير بغتة مما يملأ البدن أو
يستفرغه أو يسخنه أو يبرده أو يحركه بنوع آخر من الحركة
أي نوع كان فهو خطر وكلما كان كثيرا فهو معاد للطبيعة وكلما كان
قليلا فهو مأمون فصل ومن سوء التدبير للاطفال أن يمكنوا من الامتلاء من
الطعام وكثرة الأكل
والشرب ومن أنفع التدبير لهم أن يعطوا دون شبعهم ليجود هضمهم وتعتدل
أخلاطهم وتقل الفضول في أبدانهم وتصح أجسادهم وتقل أمراضهم لقلة الفضلات
في المواد الغذائية قال بعض الأطباء وأنا أمدح قوما ذكرهم حيث لا يطعمون
الصبيان إلا دون
شبعهم ولذلك ترتفع قاماتهم وتعتدل أجسامهم ويقل فيهم ما يعرض لغيرهم من
الكزاز ووجع القلب وغير ذلك قال فإن أحببت أن يكون الصبي حسن الجسد مستقيم
القامة غير منحدب فقه كثيرة الشبع فإن الصبي إذا امتلأ وشبع فإنه يكثر
النوم من ساعته ويسترخي ويعرض له نفخة في بطنه ورياح غليظة فصل وقال
جالينوس ولست أمنع هؤلاء الصبيان من شرب الماء البارد أصلا لكني أطلق
لهم شربة تعقب الطعام في أكثر الأمر وفي الأوقات
الحارة في زمن الصيف إذا تاقت أنفسهم إليه قلت وهذا لقوة وجود الحار
الغريزي فيهم ولا يضرهم شرب الماء البارد في هذه الأوقات ولا سيما عقيب
الطعام فإنه يتعين تمكينهم منه بقدر لضعفهم عن احتمال العطش باستيلاء
الحرارةفصل
ومما ينبغي أن يحذر أن يحمل الطفل على المشي قبل وقته لما يعرض في أرجلهم
بسبب ذلك من الانفتال والاعوجاج بسبب ضعفها وقبولها لذلك واحذر كل الحذر
أن تحبس عنه ما يحتاج إليه في قيء أو نوم أو طعام أو شراب أو عطاس أو بول
أو إخراج دم فإن لحبس ذلك عواقب رديئه في حق الطفل والكبيرفصل في وطء
المرضع وهو الغيل
عن جذامة بنت وهب الأسدية قالت حضرت رسول الله في أناس وهو يقول لقد هممت
أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم
وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا ثم
سألوه عن العزل فقال ذلك الوأد الخفي 000 وهي وإذا الموؤدة سئلت التكوير 6
رواه مسلم في الصحيح وروى في صحيحه أيضا عن أسامة بن زيد أن رجلا جاء إلى
رسول الله فقال إني
أعزل عن امرأتي فقال له رسول الله لم تفعل ذلك فقال الرجل أشفق على ولدها
أو على أولادها فقال رسول الله لو كان ذلك ضارا ضر فارس والروم وعن أسماء
بنت يزيد قالت سمعت رسول الله يقول لا تقتلوا أولادكم سرا فو
الذي نفسي بيده ليدرك الفارس فيدعثره قالت قلت ما يعني قالت الغيلة يأتي
الرجل امرأته وهي ترضع رواه الإمام أحمد أبو داود وقد أشكل الجمع بين هذه
الأحاديث على
غير واحد من أهل العلم فقالت طائفة قوله لقد هممت أن أنهى عن الغيل أي
أحرمه وأمنع منه فلاتنافي بين هذا وبين قوله في الحديث الآخر ولا تقتلوا
أولادكم سرا فإن هذا النهي كالمشورة عليهم والإرشاد لهم إلى ترك ما يضعف
الولد ويقتله قالوا والدليل عليه أن المرأة المرضع إذا باشرها الرجل حرك
منها دم الطمث وأهاجه للخروج فلا يبقى اللبن حينئذ على اعتداله وطيب
رائحته وربما حبلت الموطوءة فكان ذلك من شر الأمور وأضرها على الرضيع
المغتذي بلبنها وذلك أن جيد الدم حينئذ ينصرف في تغذية الجنين الذي في
الرحم فينفذ في غذائه فإن الجنين لما كان ما يناله ويجتذبه مما لا يحتاج
إليه ملائما له لأنه متصل بأمه أتصال الغرس بالأرض وهو غير مفارق لها ليلا
ولا نهارا وكذلك ينقص دم الحامل ويصير رديئا فيصير اللبن المجتمع في ثديها
يسيرا رديئا فمتى حملت المرضع فمن تمام تدبير الطفل أن يمنع منها فإنه متى
شرب من ذلك اللبن الرديء قتله أو أثر في ضعفه تأثيرا يجده في كبره فيدعثره
عن فرسه فهذا وجه المشورة عليهم والإرشاد إلى تركه ولم يحرمه عليهم فإن
هذا لا يقع دائما لكل
مولود وإن عرض لبعض الأطفال فأكثر الناس يجامعون نساءهم وهن يرضعن ولو كان
هذا الضرر لازما لكل مولود لاشترك فيه أكثر الناس وهاتان الأمتان
الكبيرتان فارس والروم تفعله ولا يعم ضرره أولادهم وعلى كل حال فالأحوط
إذا حبلت المرضع أن يمنع منها الطفل ويلتمس مرضعا غيرها والله أعلمفصل
ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ على ما
عوده المربي في صغره من حرد وغضب ولجاج وعجلة وخفة مع هواه وطيش وحدة وجشع
فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له فلو
تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بد يوما ما ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة
أخلاقهم وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها وكذلك يجب أن يتجنب الصبي إذا
عقل مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء فإنه إذا
علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر وعز على وليه استنقاذه منه فتغيير
العوائد من أصعب الأمور يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعة ثانية
والخروج عن حكم الطبيعة عسر جدا وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية
التجنب فإنه متى اعتاد الأخذ
صار له طبيعة ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي ويعوده البذل والإعطاء وإذا أراد
الولي أن يعطي شيئا أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء ويجنبه الكذب
والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة
أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة وحرمه كل خير ويجنبه الكسل والبطالة والدعة
والراحة بل يأخذه بأضدادها ولا يريحه إلا
بما يجم نفسه وبدنه للشغل فإن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم وللجد
والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا وإما في العقبى وإما فيهما فأروح الناس
أتعب الناس وأتعب الناس أروح الناس فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى
لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب قال يحيى بن أبي كثير لا ينال العلم
براحة الجسم ويعوده الانتباه آخر الليل فإنه وقت قسم الغنائم وتفريق
الجوائز فمستقل
ومستكثر ومحروم فمتى اعتاد ذلك صغيرا سهل عليه كبيرا فصل ويجنبه فضول
الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام فإن الخسارة في هذه
الفضلات وهي تفوت على العبد خير دنياه وآخرته ويجنبه
مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب فإن تمكينه من أسبابها
والفسح له فيها يفسده فسادا يعز عليه بعده صلاحه وكم ممن أشقى ولده وفلذة
كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهواته ويزعم
أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه ففاته انتفاعه بولده وفوت
عليه حظه في الدنيا والآخرة وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من
قبل الآباء
ولا يمنع الإحرام من الختان نص عليه الإمام أحمد وقد سئل عن المحرم يختتن
فقال نعم فلم يجعله من باب إزالة الشعر وتقليم الظفر لا في الحياة ولا بعد
الموت
وقد اختلف فيه على أقوال أحدها أنه ولد مختونا والثاني أن جبريل ختنه حين
شق صدره الثالث أن جده عبد المطلب ختنه على عادة العرب في ختان أولادهم
ونحن نذكر قائلي هذه الأقوال وحججهم فأما من قال ولد مختونا فاحتجوا
بأحاديث أحدها ما رواه أبو عمر بن عبد البر فقال وقد روي أن النبي ولد
مختونا من حديث عبد الله بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال ولد
رسول الله مختونا مسرورا يعني مقطوع السرة فأعجب ذلك جده عبد المطلب وقال
ليكونن لابني هذا شأن عظيم ثم قال ابن عبد البر ليس إسناد حديث العباس هذا
بالقائم قال وقد روي موقوفا على ابن عمر ولا يثبت أيضا قلت حديث ابن عمر
رويناه من طريق أبي نعيم حدثنا أبو الحسن أحمد ابن محمد بن خالد الخطيب
حدثنا محمد بن محمد بن سليمان حدثنا عبد الرحمن ابن أيوب الحمصي حدثنا
موسى بن أبي موسى المقدسي حدثنا خالد بن سلمة
عن نافع عن ابن عمر قال ولد النبي مسرورا مختونا ولكن محمد بن
سليمان هذا هو الباغندي وقد ضعفوه وقال الدارقطني كان كثير التدليس يحدث
بما لم يسمع وربما سرق الحديث ومنها ما رواه الخطيب بإسناده من حديث سفيان
بن محمد المصيصي حدثنا هشيم
عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن مالك قال قال رسول الله من كرامتي على
الله أني ولدت مختونا ولم ير سوءتي أحد قال الخطيب لم يروه فيما يقال غير
يونس عن هشيم وتفرد به سفيان بن محمد المصيصي وهو منكر الحديث قال الخطيب
أخبرني الأزهري قال سئل الدارقطني عن سفيان ابن محمد المصيصي
وأخبرني أبو الطيب الطبري قال قال لنا الدارقطني شيخ لأهل المصيصة يقال له
سفيان بن محمد الفزاري كان ضعيفا سيء الحال وقال صالح بن محمد الحافظ
سفيان بن محمد المصيصي لا شيء وقد رواه أبو القاسم بن عساكر من طريق الحسن
بن عرفة حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن عن أنس قال قال رسول الله من كرامتي
على ربي عز و جل أني ولدت مختونا لم ير أحد سوءتي وفي إسناده إلى الحسن بن
عرفة عدة مجاهيل قال أبو القاسم بن عساكر وقد سرقه ابن الجارود وهو كذاب
فرواه عن الحسن بن
عرفة ومما احتج به أرباب هذا القول ما ذكره
محمد ابن علي الترمذي في معجزات النبي فقال ومنها أن صفية بنت عبد المطلب
قالت أردت أن أعرف أذكر هو أم أنثى فرأيته مختونا وهذا الحديث لا يثبت
وليس له إسناد يعرف به وقد قال أبو القاسم عمر بن أبي الحسن بن هبة الله
بن أبي جرادة في كتاب صنفه في ختان الرسول يرد به على محمد بن طلحة في
تصنيف صنفه وقرر فيه أن رسول الله ولد مختونا وهذا محمد بن علي الترمذي
الحكيم لم يكن من أهل الحديث ولا علم له بطرقه وصناعته وإنما كان فيه
الكلام على إشارات الصوفية والطرائق ودعوى الكشف على الأمور الغامضة
والحقائق حتى خرج في الكلام على ذلك عن قاعدة الفقهاء واستحق الطعن عليه
بذلك والإزراء وطعن عليه أئمة الفقهاء والصوفية وأخرجوه بذلك عن السيرة
المرضية وقالوا إنه أدخل في علم الشريعة ما فارق به الجماعة فاستوجب بذلك
القدح والشناعة وملأ كتبه بالأحاديث الموضوعة وحشاها بالأخبار التي ليست
بمروية ولا مسموعة وعلل فيها خفي الأمور الشرعية التي لا يعقل معناها بعلل
ما أضعفها وما أوهاها ومما ذكره في كتاب له وسمه بالاحتياط أن يسجد عقب كل
صلاة يصليها سجدتي
السهو وإن لم يكن سها فيها وهذا مما لا يجوز فعله بالإجماع وفاعله منسوب
إلى الغلو والابتداع وما حكاه عن صفية بقولها
فرأيته مختونا يناقض الأحاديث الأخر وهو قوله لم ير سوءتي أحد فكل حديث في
هذا الباب يناقض الآخر ولا يثبت واحد منها ولو ولد مختونا فليس من خصائصه
فإن كثيرا من الناس يولد غير محتاج إلى الختان قال وذكر أبو الغنائم
النسابة الزيدي أن أباه القاضي أبا محمد الحسن ابن
محمد بن الحسن الزيدي ولد غير محتاج إلى الختان قال ولهذا لقب بالمطهر قال
وقال فيما قرأته بخطه خلق أبو محمد الحسن مطهرا لم يختن وتوفي كما خلق وقد
ذكر الفقهاء في كتبهم أن من ولد كذلك لا يختن واستحسن بعضهم أن يمر الموسى
على موضع الختان ختان القمر يشيرون في ذلك إلى أن النمو في خلقة الإنسان
يحصل في زيادة القمر ويحصل النقصان في الخلقة عند نقصانه كما يوجد في ذلك
الجزر والمد فينسبون النقصان الذي حصل في القلفة إلى نقصان القمر قال وقد
ورد في حديث رواه سيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي قال ابن صياد ولد مسرورا مختونا وسيف
مطعون في حديثه وقيل إن قيصر ملك الروم
الذي ورد عليه امرؤ القيس ولد كذلك ودخل عليه امرؤ القيس الحمام فرآه كذلك
فقال يهجوه إني حلفت يمينا غير كاذبة ... لأنت أغلف إلا ما جنى القمر
يعيره أنه لم يختتن وجعل ولادته كذلك نقصا وقيل إن هذا البيت أحد الأسباب
الباعثة لقيصر على أن سم امرء القيس فمات وأنشد ابن الأعرابي فيمن ولد بلا
قلفة فداك نكس لا يبض حجره ... مخرق العرض حديد ممصره في ليل كانون شديد
خصره ... عض بأطراف الزبانى قمره يقول هو أقلف ليس بمختون إلا ما قلص منه
القمر وشبه قلفته بالزبانى وهي
قرنا العقرب وكانت العرب لا تعتد بصورة الختان من غير ختان وترى الفضيلة
في الختان نفسه وتفخر به قال وقد بعث الله نبينا من صميم العرب وخصه بصفات
الكمال من الخلق والنسب
فكيف يجوز أن يكون ما ذكره من كونه مختونا مما يميز به النبي ويخصص وقيل
إن الختان من الكلمات التي ابتلى الله بها خليله فأتمهن وأكملهن وأشد
الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل وقد عد النبي الختان من الفطرة ومن
المعلوم أن الابتلاء به مع الصبر مما يضاعف ثواب المبتلى به وأجره والأليق
بحال النبي أن لا يسلب
هذه الفضيلة وأن يكرمه الله بها كما أكرم خليله فإن خصائصه أعظم من خصائص
غيره من النبيين وأعلى وختن الملك إياه كما رويناه أجدر من أن يكون من
خصائصه وأولى هذا كله كلام
ابن العديم ويريد بختن الملك ما رواه من طريق الخطيب عن أبي بكرة أن جبريل
ختن النبي حين طهر قلبه وهو مع كونه موقوفا على أبي بكرة لا يصح إسناده
فإن الخطيب قال فيه أنبأنا أبو القاسم عبد الواحد بن عثمان بن محمد البجلي
أنبأنا جعفر بن محمد بن نصير حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان حدثنا عبد
الرحمن بن عيينة البصري حدثنا علي بن محمد المدائني حدثنا مسلمة بن محارب
بن سليم بن زياد عن أبيه عن أبي بكرة وليس هذا الإسناد مما يحتج به وحديث
شق الملك قلبه قد روي من وجوه متعددة مرفوعا إلى النبي وليس في شيء
منها أن جبريل ختنه إلا في هذا الحديث فهو شاذ غريب قال ابن العديم وقد
جاء في بعض الروايات أن جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع قال وهو على
ما فيه أشبه بالصواب وأقرب إلى الواقع ثم ساق من طريق ابن عبد البر حدثنا
أبو عمرو أحمد بن محمد بن
أحمد قراءة مني عليه أن محمد بن عيسى حدثه قال حدثنا يحيى بن أيوب بن زياد
العلاف حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا الوليد بن مسلم عن شعيب
بن أبي حمزة عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن
النبي يوم سابعه وجعل له مأدبة وسماه محمدا قال يحيى بن أيوب ما وجدنا هذا
الحديث عند أحد إلا عند ابن أبي السري وهو محمد بن المتوكل بن أبي السري
والله أعلم
لما وعد الله سبحانه وهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده أنه يعيد الخلق كما
بدأهم أول مرة كان من صدق وعده أن يعيده على الحالة التي بدأه عليها من
تمام أعضائه وكمالها قال الله تعالى يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما
بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين الأنبياء 104 وقال تعالى
كما بدأكم تعودون الأعراف 29 وأيضا فإن الختان إنما شرع في الدنيا لتكميل
الطهارة والتنزه من البول وأهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون فليس هناك
نجاسة تصيب الغرلة فيحتاج إلى
التحرز منها والقلفة لا تمنع لذة الجماع ولا تعوقه هذا إن قدر
استمرارهم على تلك الحالة التي بعثوا عليها وإلا فلا يلزم من كونهم يبعثون
كذلك أن يستمروا على تلك الحالة التي بعثوا عليها فإنهم يبعثون حفاة عراة
بهما ثم يكسون ويمد خلقهم ويزاد فيه بعد ذلك يزاد في خلق أهل الجنة والنار
وإلا فوقت قيامهم من القبور يكونون على صورتهم التي كانوا عليها في الدنيا
وعلى صفاتهم وهيئاتهم وأحوالهم فيبعث كل عبد على ما مات عليه ثم ينشئهم
الله سبحانه كما يشاء وهل تبقى تلك الغرلة التي كملت خلقهم في القبور أو
تزول يمكن هذا وهذا ولا يعلم إلا بخبر يجب المصير إليه والله سبحانه
وتعالى أعلم
أما أذن البنت فيجوز ثقبها للزينة نص عليه الإمام أحمد ونص على كراهته في
حق الصبي والفرق بينهما أن الأنثى محتاجة للحلية فثقب الأذن مصلحة في حقها
بخلاف الصبي وقد قال النبي لعائشة في حديث أم زرع كنت لك كأبي زرع لأم زرع
مع قولها أناس من حلي أذني أي ملأها من الحلي حتى صار ينوس فيها أي يتحرك
ويجول وفي الصحيحين لما حرض النبي النساء على الصدقة جعلت المرأة تلفي
خرصها
الحديث والخرص هو الحلقة الموضوعة في الأذن ويكفي في جوازه علم الله
ورسوله بفعل الناس له وإقرارهم على ذلك فلو كان مما ينهى عنه لنهى القرآن
أو السنة فإن قيل فقد أخبر الله سبحانه عن عدوه إبليس أنه قال ولآمرنهم
فليبتكن آذان الأنعام النساء 119 أي يقطعونها وهذا يدل على أن قطع الأذن
وشقها وثقبها من أمر الشيطان فإن البتك هو القطع وثقب الأذن قطع لها فهذا
ملحق بقطع أذن الأنعام
قيل هذا من أفسد القياس فإن الذي أمرهم به الشيطان أنهم كانوا
إذا ولدت لهم الناقة خمسة أبطن فكان البطن السادس ذكرا شقوا أذن الناقة
وحرموا ركوبها والانتفاع بها ولم تطرد عن ماء ولا عن مرعى وقالوا هذه
بحيرة فشرع لهم الشيطان في ذلك شريعة من عنده فأين هذا من نخس أذن الصبية
ليوضع فيها الحلية التي أباح الله لها أن تتحلى بها وأما ثقب الصبي فلا
مصلحة له فيه وهو قطع عضو من أعضائه لا مصلحة دينية ولا دنيوية فلا يجوز
ومن أعجب ما في هذا الباب ما قال الخطيب في تاريخه أنا الحسن بن علي
الجوهري ثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا أبو عمرو عثمان بن جعفر المعروف
بابن اللبان ثنا أبو الحسن علي بن إسحاق بن راهويه قال ولد أبي من بطن أمه
مثقوب الأذنين قال فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى السيناني فسأله عن
ذلك وقال ولد لي ولد خرج من بطن أمه مثقوب الأذنين فقال يكون ابنك رأسا
إما في الخير وإما في الشر فكأن الفضل بن موسى والله أعلم تفرس فيه أنه
لما تفرد عن المولودين كلهم بهذه الخاصة أن ينفرد عنهم بالرياسة في الدين
أو الدنيا وقد كان رحمه الله رأس أهل زمانه في العلم والحديث والتفسير
والسنة
والجلالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكسر الجهمية وأهل البدع ببلاد
خراسان وهو الذي نشر السنة في بلاد خراسان وعنه
انتشرت هناك وقد كان له مقامات محمودة عند السلطان يظفره الله فيها
بأعدائه ويخزيهم على يديه حتى تعجب منه السلطان والحاضرون حتى قال محمد بن
أسلم الطوسي لو كان الثوري حيا لاحتاج إلى إسحاق فأخبر بذلك أحمد بن سعيد
الرباطي فقال والله لو كان الثوري وابن عيينة والحمادان في الحياة
لاحتاجوا إلى إسحاق فأخبر بذلك محمد بن يحيى الصفار فقال والله لو كان
الحسن البصري حيا لاحتاج إلى إسحاق في أشياء كثيرة وكان الإمام أحمد يسميه
أمير المؤمنين وسنذكر هذا وأمثاله في كتاب نفرده لمناقبه إن شاء الله
تعالى ونذكر حكاية عجيبة يستدل بها على أنه كان رأس أهل زمانه قال الحاكم
أبو عبد الله في تاريخ نيسابور أخبرني أبو محمد بن زياد قال سمعت أبا
العباس الأزهري قال سمعت علي بن سلمة يقول كان إسحاق عند عبد الله ابن
طاهر وعنده إبراهيم بن صالح فسأل عبد الله بن طاهر إسحاق عن مسألة فقال
إسحاق السنة فيها كذا وكذا وأما النعمان وأصحابه فيقولون بخلاف هذا فقال
إبراهيم لم يقل النعمان بخلاف هذا فقال إسحاق حفظته من كتاب جدك وأنا وهو
في كتاب واحد فقال إبراهيم للأمير أصلحك الله كذب إسحاق على جدي فقال
إسحاق ليبعث الأمير إلى جزء كذا وكذا من الجامع فليحضره فأتى بالكتاب فجعل
الأمير يقلب الكتاب
فقال إسحاق عد من أول الكتاب إحدى وعشرين ورقة ثم عد تسعة أسطر ففعل فإذا
المسألة على ما قال إسحاق فقال عبد الله بن طاهر ليس العجب من حفظك إنما
العجب بمثل هذه المشاهدة فقال إسحاق ليوم مثل هذا لكي يخزي الله على يدي
عدوا للسنة مثل هذا وقال له عبد الله بن طاهر قيل لي إنك تحفظ مائة ألف
حديث فقال له مائة ألف لا أدري ما هو ولكني ما سمعت شيئا قط إلا حفظته ولا
حفظت شيئا قط فنسيته والمقصود صحة فراسة الفضل بن موسى فيه وأنه يكون رأسا
في الخير والله أعلم
الطعام
ثبت
في الصحيحين والسنن والمسانيد عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها
صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه عليه
ولم يغسله وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي قال بول الغلام
الرضيع ينضح
وبول الجارية يغسل قال قتادة هذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا رواه
الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن وصححه الحاكم وقال هو على شرط الشيخين
وعن عائشة رضي الله عنها قالت أ تي رسول الله بصبي يحنكه فبال
عليه فأتبعه الماء رواه البخاري ومسلم وزاد مسلم ولم يغسله وعن أم كرز
الخزاعية قالت أتي النبي بغلام فبال عليه فأمر به فنضح وأتي
بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل رواه الإمام أحمد وفي سنن ابن ماجة من
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أم كرز أن النبي قال بول الغلام ينضح
وبول الجارية يغسل وعن أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت بال الحسين بن علي
في حجر النبي فقلت
يا رسول الله أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره حتى أغسله فقال إنما ينضح من بول
الذكر وبغسل من بول الأنثى رواه الإمام أحمد وأبو داود وقال الحاكم هو
صحيح وفي صحيح الحاكم من حديث عبد الرحمن بن مهدي حدثنا يحيى بن
الوليد حدثني محل بن خليفة حدثني أبو السمح قال كنت خادم النبي فجيء
بالحسن والحسين فبالا على صدره فأرادوا أن يغسلوه فقال رشوه رشا فإنه يغسل
بول الجارية ويرش بول الغلام قال الحاكم هو صحيح ورواه أهل السنن وذهب إلى
القول بهذه الأحاديث جمهور أهل العلم من أهل الحديث والفقه حتى ذهب داود
إلى طهارة بول الغلام قال لأن النص إنما ورد بنضحه ورشه دون غسله والنضح
والرش لا يزيله وقال فقهاء العراق لا يجزئ فيه إلا الغسل فيهما جميعا هذا
قول النخعي
والثوري وأبي حنيفة وأصحابه لعموم الأحاديث الواردة بغسل البول وقياسا على
سائر النجاسات وقياسا لبول الغلام على بول الجارية والسنة قد فرقت بين
البولين صريحا فلا يجوز التسوية بين ما صرحت به السنة بالفرق بينهما وقالت
طائفة منهم الأوزاعي ومالك في رواية الوليد بن مسلم عنه ينضح بول الغلام
والجارية دفعا للمشقة لعموم الابتلاء بالتربية والحمل لهما وهذا القول
يقابل من قال يغسلان والتفريق هو الصواب الذي دلت عليه
السنة الصحيحة الصريحة قال أبو البركات ابن تيمية والتفريق بين البولين
إجماع الصحابة رواه أبو
داود عن علي بن أبي طالب ورواه سعيد بن منصور عن أم سلمة وقال إسحاق بن
راهويه مضت السنة من رسول الله بأن يرش بول الصبي الذي لم يطعم الطعام
ويغسل بول الجارية طعمت أو لم تطعم قال وعلى ذلك كان أهل العلم من الصحابة
ومن بعدهم قال ولم يسمع عن النبي ولا عمن بعده إلى زمان التابعين أن أحدا
سوى الغلام والجارية انتهى كلامه والقياس في مقابلة السنة مردود وقد فرق
بين الغلام والجارية في المعنى بعدة فروق أحدها أن بول الغلام
يتطاير وينشر هاهنا وهاهنا فيشق غسله وبول الجارية يقع في موضع واحد فلا
يشق غسله الثاني أن بول الجارية أنتن من بول الغلام لأن حرارة الذكر أقوى
وهي تؤثر في إنضاج البول وتخفيف رائحته الثالث أن حمل الغلام أكثر من حمل
الجارية لتعلق القلوب به كما تدل عليه المشاهدة فإن صحت هذه الفروق وإلا
فالمعول على تفريق السنة قال الأصحاب وغيرهم النضح أن يغرقه بالماء وإن لم
يزل عنه وليس هذا بشرط
بل النضح الرش كما صرح به في اللفظ الآخر بحيث يكاثر
البول بالماء ولا يبطل حكم النضح بتعليق الغسل والشراب والتحنيك ونحوه
لئلا تتعطل الرخصة فإنه لا يخلو من ذلك مولود غالبا ولأن النبي كان من
عادته تحنيك الأطفال بالتمر عند ولادتهم وإنما يزول حكم النضح إذا أكل
الطعام وأراده واشتهاه تغذيا به والله أعلم
الباب الثاني عشر في حكم ريقه ولعابهفي الصحيحين والسنن والمسانيد عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها
صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه عليه
ولم يغسله وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي قال بول الغلام
الرضيع ينضح
وبول الجارية يغسل قال قتادة هذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا رواه
الإمام أحمد والترمذي وقال حديث حسن وصححه الحاكم وقال هو على شرط الشيخين
وعن عائشة رضي الله عنها قالت أ تي رسول الله بصبي يحنكه فبال
عليه فأتبعه الماء رواه البخاري ومسلم وزاد مسلم ولم يغسله وعن أم كرز
الخزاعية قالت أتي النبي بغلام فبال عليه فأمر به فنضح وأتي
بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل رواه الإمام أحمد وفي سنن ابن ماجة من
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أم كرز أن النبي قال بول الغلام ينضح
وبول الجارية يغسل وعن أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت بال الحسين بن علي
في حجر النبي فقلت
يا رسول الله أعطني ثوبك والبس ثوبا غيره حتى أغسله فقال إنما ينضح من بول
الذكر وبغسل من بول الأنثى رواه الإمام أحمد وأبو داود وقال الحاكم هو
صحيح وفي صحيح الحاكم من حديث عبد الرحمن بن مهدي حدثنا يحيى بن
الوليد حدثني محل بن خليفة حدثني أبو السمح قال كنت خادم النبي فجيء
بالحسن والحسين فبالا على صدره فأرادوا أن يغسلوه فقال رشوه رشا فإنه يغسل
بول الجارية ويرش بول الغلام قال الحاكم هو صحيح ورواه أهل السنن وذهب إلى
القول بهذه الأحاديث جمهور أهل العلم من أهل الحديث والفقه حتى ذهب داود
إلى طهارة بول الغلام قال لأن النص إنما ورد بنضحه ورشه دون غسله والنضح
والرش لا يزيله وقال فقهاء العراق لا يجزئ فيه إلا الغسل فيهما جميعا هذا
قول النخعي
والثوري وأبي حنيفة وأصحابه لعموم الأحاديث الواردة بغسل البول وقياسا على
سائر النجاسات وقياسا لبول الغلام على بول الجارية والسنة قد فرقت بين
البولين صريحا فلا يجوز التسوية بين ما صرحت به السنة بالفرق بينهما وقالت
طائفة منهم الأوزاعي ومالك في رواية الوليد بن مسلم عنه ينضح بول الغلام
والجارية دفعا للمشقة لعموم الابتلاء بالتربية والحمل لهما وهذا القول
يقابل من قال يغسلان والتفريق هو الصواب الذي دلت عليه
السنة الصحيحة الصريحة قال أبو البركات ابن تيمية والتفريق بين البولين
إجماع الصحابة رواه أبو
داود عن علي بن أبي طالب ورواه سعيد بن منصور عن أم سلمة وقال إسحاق بن
راهويه مضت السنة من رسول الله بأن يرش بول الصبي الذي لم يطعم الطعام
ويغسل بول الجارية طعمت أو لم تطعم قال وعلى ذلك كان أهل العلم من الصحابة
ومن بعدهم قال ولم يسمع عن النبي ولا عمن بعده إلى زمان التابعين أن أحدا
سوى الغلام والجارية انتهى كلامه والقياس في مقابلة السنة مردود وقد فرق
بين الغلام والجارية في المعنى بعدة فروق أحدها أن بول الغلام
يتطاير وينشر هاهنا وهاهنا فيشق غسله وبول الجارية يقع في موضع واحد فلا
يشق غسله الثاني أن بول الجارية أنتن من بول الغلام لأن حرارة الذكر أقوى
وهي تؤثر في إنضاج البول وتخفيف رائحته الثالث أن حمل الغلام أكثر من حمل
الجارية لتعلق القلوب به كما تدل عليه المشاهدة فإن صحت هذه الفروق وإلا
فالمعول على تفريق السنة قال الأصحاب وغيرهم النضح أن يغرقه بالماء وإن لم
يزل عنه وليس هذا بشرط
بل النضح الرش كما صرح به في اللفظ الآخر بحيث يكاثر
البول بالماء ولا يبطل حكم النضح بتعليق الغسل والشراب والتحنيك ونحوه
لئلا تتعطل الرخصة فإنه لا يخلو من ذلك مولود غالبا ولأن النبي كان من
عادته تحنيك الأطفال بالتمر عند ولادتهم وإنما يزول حكم النضح إذا أكل
الطعام وأراده واشتهاه تغذيا به والله أعلم
هذه المسألة مما تعم به البلوى وقد علم الشارع أن الطفل يقيء كثيرا ولا
يمكن غسل فمه ولا يزال ريقه ولعابه يسيل على من يربيه ويحمله ولم يأمر
الشارع بغسل الثياب من ذلك ولا منع من الصلاة فيها ولا أمر بالتحرز من ريق
الطفل فقالت طائفة من الفقهاء هذا من النجاسة التي يعفى عنها للمشقة
والحاجة كطين الشوارع والنجاسة بعد الاستجمار ونجاسة أسفل الخف والحذاء
بعد دلكهما بالأرض وقال شيخنا وغيره من الأصحاب بل ريق الطفل يطهر فمه
للحاجة كما كان ريق الهرة مطهرا لفمها وقد أخبر النبي أنها ليست بنجس مع
علمه بأكلها الفأر وغيره وقد فهم من ذلك أبو قتادة طهارة فمها وريقها
وكذلك أصغى لها الإناء حتى شربت وأخبرت عائشة رضي الله عنها أن النبي كان
يصغي إلى الهرة ماء حتى تشرب ثم
يتوضأ بفضلها واحتمال ورودها على ماء كثير فوق القلتين في المدينة في غاية
البعد حتى ولو كانت بين مياه كثيرة لم يكن هذا الاحتمال مزيلا لما علم من
نجاسة فمها لولا تطهير الريق له فالريق مطهر فم الهرة وفم
الطفل للحاجة وهو أولى بالتطهير من الحجر في محل الاستجمار ومن
التراب لأسفل الخف والحذاء والرجل الحافية على أحد القولين في مذهب مالك
وأحمد وأولى بالتطهير من الشمس والريح وأولى بالتطهير من الخل وغيره من
المائعات عند من يقول بذلك وأولى بالتطهير من مسح السيف والمرآة والسكين
ونحوها من الأجسام الصقيلة بالخرقة ونحوها كما كان الصحابة يمسحون سيوفهم
ولا يغسلونها بالماء ويصلون فيها ولو غسلت السيوف لصدئت وذهب نفعها وقد
نظر النبي في سيفي ابني عفراء فاستدل بالأثر الذي فيهما على اشتراكهما في
قتل أبي جهل لعنه الله تعالى ولم يأمرهما بغسل سيفيهما وقد علم أنهما
يصليان فيهما والله أعلم
حال ثيابهم
ثبت في الصحيحين عن أبي قتادة أن رسول الله كان يصلي وهو حامل أمامة بنت
زينب بنت رسول الله وهي لأبي العاص بن الربيع فإذا قام حملها وإذا سجد
وضعها ولمسلم حملها على عنقه ولأبي داود بينما نحن ننتظر رسول الله في
الظهر أو العصر وقد دعاه بلال
إلى الصلاة إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت زينب على عنقه فقام
رسول الله في مصلاه وقمنا خلفه وهي في مكانها الذي هي فيه فكبرنا حتى إذا
أراد رسول الله أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده ثم
قام أخذها فردها في مكانها فما زال
رسول الله يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته وهذا صريح
أنه كان في الفريضة وفيه رد على أهل الوسواس وفيه أن العمل المتفرق في
الصلاة لا يبطلها إذا كان للحاجة وفيه الرحمة بالأطفال وفيه تعليم التواضع
ومكارم الأخلاق وفيه أن مس الصغير لا ينقض الوضوء
في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قبل رسول الله الحسن ابن علي وعنده
الأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت
أحدا منهم فنظر إليه رسول الله فقال من لا يرحم لا يرحم وفي الصحيحين أيضا
من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قدم ناس من الأعراب
على رسول الله فقالوا تقبلون صبيانكم فقالوا نعم فقالوا والله لكنا ما
نقبل فقال أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة وفي المسند من حديث أم
سلمة قالت بينما رسول الله في بيتي يوما
إذ قالت الخادم إن فاطمة وعليا رضي الله عنهما بالسدة قالت فقال
لي قومي فتنحي عن أهل بيتي قالت فقمت فتنحيت في البيت قريبا فدخل علي
وفاطمة ومعهم الحسن والحسين وهما صبيان صغيران فأخذ الصبيين فوضعهما في
حجره فقبلهما واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى فقبل فاطمة وقبل
عليا وأغدف عليهما خميصة سوداء وقال اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل
بيتي قالت فقلت وأنا يا رسول الله فقال وأنت وفي طريق أخرى نحوه وقال إنك
إلى حين
قال
الله تعالى يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس
والحجارة التحريم 6 قال علي رضي الله عنه علموهم وأدبوهم وقال الحسن مروهم
بطاعة الله وعلموهم الخير وفي المسند وسنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده قال قال رسول الله مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم
عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ففي هذا الحديث ثلاثة آداب أمرهم بها
وضربهم عليها والتفريق بينهم في المضاجع وقد روى الحاكم عن أبي النضر
الفقيه ثنا محمد بن حموية ثنا أبي ثنا النضر
بن محمد عن الثوري عن إبراهيم بن مهاجر عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي قال
افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله ولقنوهم عند الموت لا إله
إلا الله
وفي تاريخ البخاري من رواية بشر بن يوسف عن عامر بن أبي عامر
سمع أيوب بن موسى القرشي عن أبيه عن جده عن النبي قال ما نحل والد ولدا
أفضل من أدب حسن قال البخاري ولم يصح سماع جده من النبي وفي معجم الطبراني
من حديث سماك عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله لأن
يؤدب أحدكم ولده خير له من أم يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين وذكر
البيهقي من حديث محمد بن الفضل بن عطية وهو ضعيف عن أبيه عن عطاء عن
ابن عباس قال قالوا يا رسول الله قد علمنا ما حق الوالد فما حق الولد قال
أن يحسن اسمه ويحسن أدبه قال سفيان الثوري ينبغي للرجل أن يكره ولده على
طلب الحديث فإنه مسؤول عنه وقال إن هذا الحديث عز من أراد به الدنيا وجدها
ومن أراد به الآخرة وجدها وقال عبد الله بن عمر أدب ابنك فإنك مسؤول عنه
ما ذا أدبته وما ذا علمته وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك وذكر البيهقي من
حديث مسلم بن إبراهيم حدثنا شداد بن سعيد عن
الجريري عن أبي سعيد وابن عباس قالا قال رسول الله من ولد له ولد فليحسن
اسمه وأدبه فإذا بلغ فليزوجه فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما فإنما إثمه على
أبيه وقال سعيد بن منصور حدثنا حزم قال سمعت الحسن وسأله كثير ابن زياد عن
قوله
تعالى ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياينا قرة أعين الفرقان 74 فقال يا أبا
سعيد ما هذه القرة الأعين أفي الدنيا أم في الآخرة قال لا بل والله في
الدنيا قال وما هي قال والله أن يري الله العبد من زوجته من أخيه من حميمه
طاعة الله لا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولدا أو والدا
أو حميما أو أخا مطيعا لله عز و جل وقد روى البخاري في صحيحه من حديث نافع
عن ابن عمر قال قال رسول الله كلكم
راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير راع على الناس وهو مسؤول عن رعيته
والرجل راع على أهل بيته وامرأة الرجل راعية على بيت بعلها وولده وهي
مسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع
وكلكم مسؤول عن رعيته
فصلالله تعالى يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس
والحجارة التحريم 6 قال علي رضي الله عنه علموهم وأدبوهم وقال الحسن مروهم
بطاعة الله وعلموهم الخير وفي المسند وسنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده قال قال رسول الله مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم
عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ففي هذا الحديث ثلاثة آداب أمرهم بها
وضربهم عليها والتفريق بينهم في المضاجع وقد روى الحاكم عن أبي النضر
الفقيه ثنا محمد بن حموية ثنا أبي ثنا النضر
بن محمد عن الثوري عن إبراهيم بن مهاجر عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي قال
افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله ولقنوهم عند الموت لا إله
إلا الله
وفي تاريخ البخاري من رواية بشر بن يوسف عن عامر بن أبي عامر
سمع أيوب بن موسى القرشي عن أبيه عن جده عن النبي قال ما نحل والد ولدا
أفضل من أدب حسن قال البخاري ولم يصح سماع جده من النبي وفي معجم الطبراني
من حديث سماك عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله لأن
يؤدب أحدكم ولده خير له من أم يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين وذكر
البيهقي من حديث محمد بن الفضل بن عطية وهو ضعيف عن أبيه عن عطاء عن
ابن عباس قال قالوا يا رسول الله قد علمنا ما حق الوالد فما حق الولد قال
أن يحسن اسمه ويحسن أدبه قال سفيان الثوري ينبغي للرجل أن يكره ولده على
طلب الحديث فإنه مسؤول عنه وقال إن هذا الحديث عز من أراد به الدنيا وجدها
ومن أراد به الآخرة وجدها وقال عبد الله بن عمر أدب ابنك فإنك مسؤول عنه
ما ذا أدبته وما ذا علمته وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك وذكر البيهقي من
حديث مسلم بن إبراهيم حدثنا شداد بن سعيد عن
الجريري عن أبي سعيد وابن عباس قالا قال رسول الله من ولد له ولد فليحسن
اسمه وأدبه فإذا بلغ فليزوجه فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما فإنما إثمه على
أبيه وقال سعيد بن منصور حدثنا حزم قال سمعت الحسن وسأله كثير ابن زياد عن
قوله
تعالى ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياينا قرة أعين الفرقان 74 فقال يا أبا
سعيد ما هذه القرة الأعين أفي الدنيا أم في الآخرة قال لا بل والله في
الدنيا قال وما هي قال والله أن يري الله العبد من زوجته من أخيه من حميمه
طاعة الله لا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولدا أو والدا
أو حميما أو أخا مطيعا لله عز و جل وقد روى البخاري في صحيحه من حديث نافع
عن ابن عمر قال قال رسول الله كلكم
راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير راع على الناس وهو مسؤول عن رعيته
والرجل راع على أهل بيته وامرأة الرجل راعية على بيت بعلها وولده وهي
مسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع
وكلكم مسؤول عن رعيته
ومن حقوق الأولاد العدل بينهم في العطاء والمنع ففي السنن ومسند أحمد وصحيح
ابن حبان من حديث النعمان بن بشير قال قال
رسول الله اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم وفي صحيح مسلم أن امرأة
بشير قالت له انحل ابني غلاما وأشهد لي رسول الله
فأتى رسول الله فقال إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي قال له إخوة
قال نعم قال أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال لا قال فليس يصلح هذا وإني لا
أشهد إلا على حق ورواه الإمام أحمد وقال فيه لا تشهدني على جور إن لبنيك
عليك من الحق أن تعدل بينهم وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير أن أباه أتى
به النبي فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول أكل ولدك
نحلت مثل هذا فقال لا فقال أرجعه وفي رواية لمسلم فقال افعلت
هذا بولدك كلهم قال لا قال اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي في تلك
الصدقة وفي الصحيح أشهد على هذا غيري وهذا أمر تهديد لا إباحة فإن تلك
العطية
كانت جورا بنص الحديث ورسول الله لا يأذن لأحد أن يشهد على صحة الجور ومن
ذا الذي كان يشهد على تلك العطية وقد أبى رسول الله أن يشهد عليها وأخبر
أنها لا تصلح وأنها جور وأنها خلاف العدل ومن العجب أن يحمل قوله اعدلوا
بين أولادكم على غير الوجوب وهو أمر مطلق
مؤكد ثلاث مرات وقد أخبر الآمر به أن خلافه جور وأنه لا يصلح وأنه ليس بحق
وما بعد الحق إلا الباطل هذا والعدل واحب في كل حال فلو كان الأمر به
مطلقا لوجب حمله على الوجوب فكيف وقد اقترن به عشرة أشياء تؤكد وجوبه
فتأملها في ألفاظ القصة وقد ذكر البيهقي من حديث أبي أحمد بن عدي حدثنا
القاسم بن مهدي حدثنا
يعقوب بن كاسب حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن أنس أن رجلا
كان جالسا مع النبي فجاء بني له فقبله وأجلسه في
حجره ثم جاءت بنية فأخذها فأجلسها إلى جنبه فقال النبي فما عدلت بينهما
وكان السلف يستحبون أن يعدلوا بين الأولاد في القبلة وقال بعض أهل العلم إن
الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل
أن يسأل الولد عن والده فانه كما أن للأب على أبنه حقا فللابن على أبيه حق
فكما قال تعالى ووصينا الإنسان بوالديه حسنا العنكبوت 8 قال تعالى قوا
أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة التحريم 6 قال علي بن أبي طالب
علموهم وأدبوهم وقال تعالى واعبدوا الله و لا تشركوا
به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى النساء 36 وقال النبي اعدلوا بين
أولادكم فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية
الأولاد بآبائهم قال الله تعالى و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق الاسراء
31 فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة
وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم
فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم
كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال يا أبت إنك عققتني صغيرا
فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا
في فصول نافعة في تربية الأطفال تحمد عواقبها عند الكبر
ينبغي أن يكون رضاع المولود من غير أمه بعد وضعه يومين أو ثلاثة وهو
الأجود لما في لبنها ذلك الوقت من الغلظ والأخلاط بخلاف لبن من قد استقلت
على الرضاع وكل العرب تعتني بذلك حتى تسترضع أولادها عند نساء البوادي كما
استرضع النبي في بني سعد
وينبغي أن يمنع حملهم والطواف بهم حتى يأتي عليهم ثلاثة أشهر فصاعدا لقرب
عهدهم ببطون الأمهات وضعف أبدانهم فصل وينبغي أن يقتصر بهم على اللبن وحده
إلى نبات أسنانهم لضعف معدتهم وقوتهم
الهاضمة عن الطعام فإذا نبتت أسنانه قويت معدته وتغذى بالطعام
فإن الله سبحانه أخر إنباتها إلى وقت حاجته إلى الطعام لحكمته
ولطفه ورحمة منه بالأم وحلمة ثديها فلا يعضه الولد بأسنانه
وينبغي تدريجهم في الغذاء فأول ما يطعمونهم الغذاء اللين فيطعمونهم الخبز
المنقوع في الماء الحار واللبن والحليب ثم بعد ذلك الطبيخ والأمراق
الخالية من اللحم ثم بعد ذلك ما لطف جدا من اللحم بعد إحكام مضغه أو رضه
رضا ناعما فصل فإذا قربوا من وقت التكلم وأريد تسهيل الكلام عليهم فليدلك
ألسنتهم بالعسل
والملح الاندراني لما فيهما من الجلاء للرطوبات الثقيلة المانعة من الكلام
فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وليكن أول ما
يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه وتوحيده وأنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم
ويسمع كلامهم وهو معهم أينما كانوا وكان بنو إسرائيل كثيرا ما يسمون
أولادهم ب عمانويل ومعنى هذه الكلمة إلهنا معنا
ولهذا كان أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن بحيث إذا
وعى الطفل وعقل علم أنه عبد الله وأن الله هو سيده ومولاه
فإذا
حضر وقت نبات الأسنان فينبغي أن يدلك لثاهم كل يوم بالزبد والسمن
ويمرخ خرز العنق تمريخا كثيرا ويحذر عليهم كل الحذر وقت نباتها إلى حين
تكاملها وقوتها من الأشياء الصلبة ويمنعون منها كل المنع لما في التمكن
منها من تعريض الأسنان لفسادها وتعويجها وخللها فصل ولا ينبغي أن يشق على
الأبوين بكاء الطفل وصراخه ولا سيما لشربه اللبن إذا
جاع فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعا عظيما فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه
ويفسح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية ويحرك الطبيعة
لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره فصل وينبغي أن
لا يهمل أمر قماطه ورباطه ولو شق عليه إلى أن يصلب بدنه وتقوى
أعضاؤه ويجلس على الأرض فحينئذ يمرن ويدرب على الحركة والقيام قليلا قليلا
إلى أن يصير له ملكة وقوة يفعل ذلك بنفسه
فصلحضر وقت نبات الأسنان فينبغي أن يدلك لثاهم كل يوم بالزبد والسمن
ويمرخ خرز العنق تمريخا كثيرا ويحذر عليهم كل الحذر وقت نباتها إلى حين
تكاملها وقوتها من الأشياء الصلبة ويمنعون منها كل المنع لما في التمكن
منها من تعريض الأسنان لفسادها وتعويجها وخللها فصل ولا ينبغي أن يشق على
الأبوين بكاء الطفل وصراخه ولا سيما لشربه اللبن إذا
جاع فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعا عظيما فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه
ويفسح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية ويحرك الطبيعة
لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره فصل وينبغي أن
لا يهمل أمر قماطه ورباطه ولو شق عليه إلى أن يصلب بدنه وتقوى
أعضاؤه ويجلس على الأرض فحينئذ يمرن ويدرب على الحركة والقيام قليلا قليلا
إلى أن يصير له ملكة وقوة يفعل ذلك بنفسه
وينبغي أن يوقى الطفل كل أمر يفزعه من الأصوات الشديدة الشنيعة والمناظر
الفظيعة والحركات المزعجة فإن ذلك ربما أدى إلى فساد قوته العاقلة لضعفها
فلا ينتفع بها بعد كبره فإذا عرض له عارض من ذلك فينبغي المبادرة إلى
تلافيه بضده وإيناسه بما ينسيه إياه وأن يلقم ثديه في الحال ويسارع إلى
رضاعه ليزول عنه ذلك المزعج له ولا يرتسم في قوته الحافظة فيعسر زواله
ويستعمل تمهيده بالحركة اللطيفة إلى أن ينام فينسى ذلك ولا يهمل هذا الأمر
فإن في إهماله إسكان الفزع والروع في قلبه فينشأ على ذلك ويعسر زواله
ويتعذر فصل ويتغير حال المولود عند نبات أسنانه ويهيج به التقيء والحميات
وسوء
الأخلاق ولا سيما إذا كان نباتها في وقت الشتاء والبرد أو في وقت الصيف
وشدة الحر وأحمد أوقات نباتها الربيع والخريف ووقت نباتها لسبعة أشهر وقد
تنبت في الخامس وقد تتأخر إلى العاشر فينبغي التلطف في تدبيره وقت نباتها
وأن يكرر عليه دخول الحمام وأن يغذى غذاء يسيرا فلا يملأ بطنه من الطعام
وقد يعرض له انطلاق البطن فيعصب بما يكفيه مثل عصابة صوف عليها كمون ناعم
وكرفس وأنيسون وتدلك لثته بما
تقدم ذكره ومع هذا فانطلاق بطنه في ذلك الوقت خير له من اعتقاله
فإن كان بطنه معتقلا عند نبات أسنانه فينبغي أن يبادر إلى تليين طبيعته
فلا شيء أضر على الطفل عند نبات أسنانه من اعتقال طبيعته ولا شيء أنفع له
من سهولتها باعتدال وأحمد ما تلين به عسل مطبوخ يتخذ منه فتائل ويحمل بها
أو حبق مسحوق معجون
بعسل يتخذ منه فتائل كذلك وينبغي للمرضع في ذلك الوقت تلطيف طعامها
وشرابها وتجتنب الأغذية المضرة
قال
الله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم
الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا
تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا
فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا
أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف البقرة 233 فدلت
الآية على عدة أحكام أحدها أن تمام الرضاع حولين وذلك حق للولد إذا احتاج
إليه ولم يستغن عنه
وأكدهما بكاملين لئلا يحمل اللفظ على حول وأكثر
وثانيها أن الأبوين إذا أرادا فطامه قبل ذلك بتراضيهما
وتشاورهما مع عدم مضرة الطفل فلهما ذلك وثالثها أن الأب إذا أراد أن
يسترضع لولده مرضعة أخرى غير أمه فله ذلك وإن
كرهت الأم إلا أن يكون مضارا بها أو بولدها فلا يجاب إلى ذلك ويجوز أن
تستمر الأم على رضاعه بعد الحولين إلى نصف الثالث أو أكثر وأحمد أوقات
العظام إذا كان الوقت معتدلا في الحر والبرد وقد تكامل نبات
أسنانه وأضراسه وقويت على تقطيع الغذاء وطحنه ففطامه عند ذلك الوقت أجود
له ووقت الاعتدال الخريفي أنفع في الطعام من وقت الاعتدال الربيعي لأنه في
الخريف يستقبل الشتاء والهواء يبرد فيه والحرارة الغريزية تنشأ فيه وتنمو
والهضم يزداد قوة وكذلك الشهوة
فصلالله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم
الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا
تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا
فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا
أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف البقرة 233 فدلت
الآية على عدة أحكام أحدها أن تمام الرضاع حولين وذلك حق للولد إذا احتاج
إليه ولم يستغن عنه
وأكدهما بكاملين لئلا يحمل اللفظ على حول وأكثر
وثانيها أن الأبوين إذا أرادا فطامه قبل ذلك بتراضيهما
وتشاورهما مع عدم مضرة الطفل فلهما ذلك وثالثها أن الأب إذا أراد أن
يسترضع لولده مرضعة أخرى غير أمه فله ذلك وإن
كرهت الأم إلا أن يكون مضارا بها أو بولدها فلا يجاب إلى ذلك ويجوز أن
تستمر الأم على رضاعه بعد الحولين إلى نصف الثالث أو أكثر وأحمد أوقات
العظام إذا كان الوقت معتدلا في الحر والبرد وقد تكامل نبات
أسنانه وأضراسه وقويت على تقطيع الغذاء وطحنه ففطامه عند ذلك الوقت أجود
له ووقت الاعتدال الخريفي أنفع في الطعام من وقت الاعتدال الربيعي لأنه في
الخريف يستقبل الشتاء والهواء يبرد فيه والحرارة الغريزية تنشأ فيه وتنمو
والهضم يزداد قوة وكذلك الشهوة
وينبغي للمرضع إذا أرادت فطامه أن تفطمه على التدريج ولا تفاجئه بالفطام
وهلة واحدة بل تعوده إياه وتمرنه عليه لمضرة الانتقال عن الإلف والعادة
مرة واحدة كما قال بقراط في فصوله استعمال الكبير بغتة مما يملأ البدن أو
يستفرغه أو يسخنه أو يبرده أو يحركه بنوع آخر من الحركة
أي نوع كان فهو خطر وكلما كان كثيرا فهو معاد للطبيعة وكلما كان
قليلا فهو مأمون فصل ومن سوء التدبير للاطفال أن يمكنوا من الامتلاء من
الطعام وكثرة الأكل
والشرب ومن أنفع التدبير لهم أن يعطوا دون شبعهم ليجود هضمهم وتعتدل
أخلاطهم وتقل الفضول في أبدانهم وتصح أجسادهم وتقل أمراضهم لقلة الفضلات
في المواد الغذائية قال بعض الأطباء وأنا أمدح قوما ذكرهم حيث لا يطعمون
الصبيان إلا دون
شبعهم ولذلك ترتفع قاماتهم وتعتدل أجسامهم ويقل فيهم ما يعرض لغيرهم من
الكزاز ووجع القلب وغير ذلك قال فإن أحببت أن يكون الصبي حسن الجسد مستقيم
القامة غير منحدب فقه كثيرة الشبع فإن الصبي إذا امتلأ وشبع فإنه يكثر
النوم من ساعته ويسترخي ويعرض له نفخة في بطنه ورياح غليظة فصل وقال
جالينوس ولست أمنع هؤلاء الصبيان من شرب الماء البارد أصلا لكني أطلق
لهم شربة تعقب الطعام في أكثر الأمر وفي الأوقات
الحارة في زمن الصيف إذا تاقت أنفسهم إليه قلت وهذا لقوة وجود الحار
الغريزي فيهم ولا يضرهم شرب الماء البارد في هذه الأوقات ولا سيما عقيب
الطعام فإنه يتعين تمكينهم منه بقدر لضعفهم عن احتمال العطش باستيلاء
الحرارة
ومما ينبغي أن يحذر أن يحمل الطفل على المشي قبل وقته لما يعرض في أرجلهم
بسبب ذلك من الانفتال والاعوجاج بسبب ضعفها وقبولها لذلك واحذر كل الحذر
أن تحبس عنه ما يحتاج إليه في قيء أو نوم أو طعام أو شراب أو عطاس أو بول
أو إخراج دم فإن لحبس ذلك عواقب رديئه في حق الطفل والكبير
المرضع وهو الغيل
عن جذامة بنت وهب الأسدية قالت حضرت رسول الله في أناس وهو يقول لقد هممت
أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم
وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم ذلك شيئا ثم
سألوه عن العزل فقال ذلك الوأد الخفي 000 وهي وإذا الموؤدة سئلت التكوير 6
رواه مسلم في الصحيح وروى في صحيحه أيضا عن أسامة بن زيد أن رجلا جاء إلى
رسول الله فقال إني
أعزل عن امرأتي فقال له رسول الله لم تفعل ذلك فقال الرجل أشفق على ولدها
أو على أولادها فقال رسول الله لو كان ذلك ضارا ضر فارس والروم وعن أسماء
بنت يزيد قالت سمعت رسول الله يقول لا تقتلوا أولادكم سرا فو
الذي نفسي بيده ليدرك الفارس فيدعثره قالت قلت ما يعني قالت الغيلة يأتي
الرجل امرأته وهي ترضع رواه الإمام أحمد أبو داود وقد أشكل الجمع بين هذه
الأحاديث على
غير واحد من أهل العلم فقالت طائفة قوله لقد هممت أن أنهى عن الغيل أي
أحرمه وأمنع منه فلاتنافي بين هذا وبين قوله في الحديث الآخر ولا تقتلوا
أولادكم سرا فإن هذا النهي كالمشورة عليهم والإرشاد لهم إلى ترك ما يضعف
الولد ويقتله قالوا والدليل عليه أن المرأة المرضع إذا باشرها الرجل حرك
منها دم الطمث وأهاجه للخروج فلا يبقى اللبن حينئذ على اعتداله وطيب
رائحته وربما حبلت الموطوءة فكان ذلك من شر الأمور وأضرها على الرضيع
المغتذي بلبنها وذلك أن جيد الدم حينئذ ينصرف في تغذية الجنين الذي في
الرحم فينفذ في غذائه فإن الجنين لما كان ما يناله ويجتذبه مما لا يحتاج
إليه ملائما له لأنه متصل بأمه أتصال الغرس بالأرض وهو غير مفارق لها ليلا
ولا نهارا وكذلك ينقص دم الحامل ويصير رديئا فيصير اللبن المجتمع في ثديها
يسيرا رديئا فمتى حملت المرضع فمن تمام تدبير الطفل أن يمنع منها فإنه متى
شرب من ذلك اللبن الرديء قتله أو أثر في ضعفه تأثيرا يجده في كبره فيدعثره
عن فرسه فهذا وجه المشورة عليهم والإرشاد إلى تركه ولم يحرمه عليهم فإن
هذا لا يقع دائما لكل
مولود وإن عرض لبعض الأطفال فأكثر الناس يجامعون نساءهم وهن يرضعن ولو كان
هذا الضرر لازما لكل مولود لاشترك فيه أكثر الناس وهاتان الأمتان
الكبيرتان فارس والروم تفعله ولا يعم ضرره أولادهم وعلى كل حال فالأحوط
إذا حبلت المرضع أن يمنع منها الطفل ويلتمس مرضعا غيرها والله أعلم
ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ على ما
عوده المربي في صغره من حرد وغضب ولجاج وعجلة وخفة مع هواه وطيش وحدة وجشع
فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له فلو
تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بد يوما ما ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة
أخلاقهم وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها وكذلك يجب أن يتجنب الصبي إذا
عقل مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء فإنه إذا
علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر وعز على وليه استنقاذه منه فتغيير
العوائد من أصعب الأمور يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعة ثانية
والخروج عن حكم الطبيعة عسر جدا وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية
التجنب فإنه متى اعتاد الأخذ
صار له طبيعة ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي ويعوده البذل والإعطاء وإذا أراد
الولي أن يعطي شيئا أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء ويجنبه الكذب
والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة
أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة وحرمه كل خير ويجنبه الكسل والبطالة والدعة
والراحة بل يأخذه بأضدادها ولا يريحه إلا
بما يجم نفسه وبدنه للشغل فإن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم وللجد
والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا وإما في العقبى وإما فيهما فأروح الناس
أتعب الناس وأتعب الناس أروح الناس فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى
لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب قال يحيى بن أبي كثير لا ينال العلم
براحة الجسم ويعوده الانتباه آخر الليل فإنه وقت قسم الغنائم وتفريق
الجوائز فمستقل
ومستكثر ومحروم فمتى اعتاد ذلك صغيرا سهل عليه كبيرا فصل ويجنبه فضول
الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام فإن الخسارة في هذه
الفضلات وهي تفوت على العبد خير دنياه وآخرته ويجنبه
مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب فإن تمكينه من أسبابها
والفسح له فيها يفسده فسادا يعز عليه بعده صلاحه وكم ممن أشقى ولده وفلذة
كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهواته ويزعم
أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه ففاته انتفاعه بولده وفوت
عليه حظه في الدنيا والآخرة وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من
قبل الآباء
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى