رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
مر عامان وهو يتجرع مر الغربة عن
الوطن ، عقله وفكره مع زوجه وأبنائه الثلاثة في وطنه .
الموعد السفر ، لم يصدق أنه عن قريب
يتجاوز " الحدود " فسرعة " الأتوبيس"
تشد قلبه وتفكيره للقرب أكثر إلى قريته وبيته .
وكأنه سيعود إلى طفولته وشبابه عند
وصوله إلى أهله.
كانت فرحته في ازدياد كلما نظر
للجانب الأمامي من " الأتوبيس " فيزداد
شعوره الوثاب بالشوق لجلسات كان يقضيها بين المزارع والبحر الذي يربط
بينهم وبين النماء ، والخير الذي طالما افتخروا لوطنهم بوجوده .
تنهد طويلا مع خروج الزفير من صدره
وكأنه ينفض ألم الغربة عن جنبيه .
حدث نفسه: تُـرى أذلك الماضي ؟ قطع تفكيره الصوت العالي الصادر من "الأتوبيس " ليعود إلى مقعده والذي بدأ يُشعره
بالتململ من طول الجلوس ، وما يضفيه على مكانه من حرارة صادرة من أسفل
الكرسي ، ومع امتداد يديه نحو جبهته ليمسح بعض قطرات العرق والتي بدأت
تنسحب على خديه ، بدأ يخفف عن نفسه هذه الحالة مع الانتقال بذاكرته إلى
الساعات الأخيرة قبل ركوبه ، وهو يحادث "زوجته
" وأبناءه بالهاتف .
حدث نفسه بفرحهم عند وصوله ، هذا
الغوص في هذه الخواطر كاد أن يغسل وعثاء السفر ، ولأواء الطريق .
شعوره وهم يفتحون حقيبة
سفره ليفرحوا بهداياه، كما فرحوا بقدومه عليهم .
وقد أغرق في الأمنيات أن يعجبهم كل
ما قضى فيه الكثير من الوقت ليرضيهم به ، والسلسلة الذهبية غالية الثمن
التي أحضرها لزوجته .
لم ينقله من بينهم سوى صوت
الميكروفون الداخلي من " الأتوبيس :
والذي يوجههم فيه السائق لتجهيز جوازات السفر .
ومع الاستعداد للنزول .
المكان .
الحدود .
التفتيش .
ذلك السور الحديدي .
الزحام .
الحقائب .
التأخير .
الصف الطويل .
مر ذلك كله سريعاً عبر زحام تفكيره .
تذكر الوطن .
كم اشتاق لوضع أقدامه بأرضه .
دخل ساحة كبيرة ليبحث عن حقائبه ،
تخطت قدماه ـ بصعوبة ـ زحام الأرض
بالحقائب والأجهزة وأكوام أحضرها المسافرون ، والجميع يبحث ، والبعض قد
استغرق وقتا طويلا في البحث عن بعض حاجياته دون جدوى .
وقف .
حار .
سأل .
وبعد فترة علم من أكوام النائمين
والمتعبين بأركان الساحة تأخر الشاحنة المحملة بالحقائب والأمتعة .
بدأ رحلة انتظار ، حتى أحس بالجوع
والعطش ، بحث عن مكان يجد فيه بغيته من الطعام والشراب .
أراد أن يغسل وجهه ببعض الماء
لاستعادة بعض النشاط .
تعجل ، وصل الماء ، ملأ كفيه ، ازداد
ألماً عندما آذت ملوحة الماء وجهه .
لملم أطراف ثيابه ليمسح ما علق بوجهه
من حبات الماء .
أحس أنه في صحراء تبعده عن ااوصول
لوطنه .
وضع يده تحت خده ونام وتحته ورق
كرتون قديم ، وبعض ورقات جريدة ملقاة بالأرض .
لم يشعر بما حوله من التعب إلا في
الساعات الأخيرة قبل انقضاء الليل .
صحا من نومته على صوت وصول الشاحنة
بالحقائب والأغراض .
ومن بين الأكوام التي نثرها العمال
من فوق العربة الكبيرة ، مع الأصوات ، والضجيج من كل جانب .
أخذ يجمع حاجياته من جوانب المكان .
..... وضعها فوق عربة صغيرة ، ساعده أحد العمال بعد الاتفاق على بعض
العشرات من النقود .
مشى وراء عربته منهكا ، اتجه نحو
صالة التفتيش ، وعند اقترابه نظر إلى الزحام والضجيج الصادر من " عسكري " يعمل على تنظيم الصف عبر
الألفاظ ، وحزامه ذي اللون الأسود .
إنها ضريبة دخول الوطن .
تحامل على نفسه .
إنها بعض الساعات الصعبة كي تحصل على
الراحة .
لكنه كان ـ لبعض اللحظات ـ ينسى نفسه ، ليعزي من كان معه
أطفاله في هذه الظروف وصعوبتها، اقترب دوره للتفتيش ، نظر لحاجياته والسكين
تغوص في كرتونة ورقية معه فأحس بهوانها على العامل والموظف عدم استطاعته
الاعتراض على التعامل مع حقائبه وأمتعته .
ومع صمته ، ونظرات عينيه ، بادره
الموظف بتوجيه بعض الضربات الكلامية والتي لم يسمع مثلها منذ عامين يوم أن
مر من هذا المكان مسافراً .
أخذ يلملم حاجياته ، استجمع قواه ،
وحاول دفع العربة بيديه وأجزاء صدره .
التفت على صوت
الموظف منادياً : لقد نسيت حقيبة صغيرة .
نظر نظرة كليلة
إليه قائلاً : ما تركتها نسياناً .
قال له : ولم لم تأخذها ؟ قال :
سآخذها عند رجوعي للخروج من الوطن مسافراً .
قال وما فيها ؟
قال : كرامتي .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى