رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
عظام في عراء فسيح ، بأطراف البلدة المترامية
وبالجانب الشمالي منها، وعلى مسافة تقارب المترين تحت تراب هذه البقعة .
كانت عظامي قد استقرت في حفرتها ، وقد استطاع
الرماد الذي يعلوها اتقاء حرارة الشمس بهذا البعد بقعر من الأرض .
وبعد فترة من إنزال جسدي ، واستوائه في
المثوى الممهد بترابه الرطب .
كانت
الأوصال تحكي غربتها ، ولم تدرك حقيقة المسافة بينها وبين سقف القبر : لابد وأن بيني وبين أعلى كومة التراب مسافة شاسعة . مسافة
من الردم ، الذي يعلو هذه العظام ، ليفصلها عن الحياة الأولى .
وبـُعد المكان .
قلّبت عظامي النظر والفكر ، كان الرعب القادم
من الجانب الخلفي للقبر ؛ ما هذا !!
عظام مكومة بالجانب الأيسر ، كثيرة الأوصال ، بحركة تخلع قلوب الأحياء .
مع ذلك المنظر الهياب ، يقصدني صوتها بتحية
ضيف جديد .
لم تستطع عظامي إلا التوقف لذلك الملتقى
الصعب لتحين الخبر .
لو كانت لدي دماء لتجمدت ، ولو كانت لي حركة
أنفاس لتوقفت ، منظر يـقطع أسباب الكلام .
ترى لمن هذه العظام ؟ أكانت لأغنياء أم فقراء ؟ بل ربما لرئيس أو وزير ، أو ملك
أو أمير .
أو قوي أو ضعيف .
لمتكبر أو متواضع .
ظالم أم مظلوم .
ترى هل يعرفونني ، أم لا ؟ .
إن فيها أوجها سودا ، وبيضاً .
وفيها أرجل عليلة سقيمة ، وأرجل صحيحة
مستقيمة .
وكانت أمامي ذراع قد تمددت على التراب مع
انفراج الأصابع .
الموت لا يقبل التفاوت .
لا .
لا .
الأمر هنا مختلف .
حاولت عظام الأصابع لم الركبتين حتى تمنع
اهتزازهما تحسباً لهول الموقف وما يحمل في طياته من خوف أو رعب .
فكلما استجمعت عظامي بعض قوتها تسمع همهمات ،
وتمتمات حولي من كل جانب تأخذ اللب من فرط الرعب .
حاولت عظام راقدة قريبة من الشمال من ذراعي
أن تأخذ مكاناً قريباً مني بمحاولات بائسة ، يائسة للانضمام للموكب القريب ،
لكنها ظهرت في صورة هزيلة ، ضعيفة القياد في حركتها .
نظرت عظامي شفقة : ترى ما سبب هذا الضعف هنا ؟
لربما للتعب !! .
ما هذه الحركات الغريبة أهي للترحيب ، أم هو
شعور خاص بي لغربتي بينهم ؟ عاشت عظامي لحظات الوحشة ، حتى تفهم ما يدور : أتعيش العظام هنا ما يعانيه
أهل الدنيا من ضيق ؟ لماذا ينتابني هذا الشعور ؟ لقد انسل اللحم الكاسي
للعظم فظهر الكثير في كومة صغيرة برُكن لا يتعدى الشبر .
آه لقد اختفى الشعور بضيق المكان .
قطعت خواطر عظامي صوت جمجمة تربطها أحزمة
رفيعة بهيكل مستقر قرب يميني ، خرج صوتها من بين الأكوام المترامية ،
وكأنها لمحت ما لدي من خواطر عبرت بها حركات هيكلي بعظامه الواقفة عن
الحركة .
: لا تعجب من ترحابنا .
فنحن نعلم أنك في مقام غير هذا تستقر فيه .
التفتت عظامي سائلة : وأين مكاني ؟ ردت : مع الشهداء
.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى