رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الظلام كثيف
، ثقيل ، أسود ، والرياح تدوي وتصرخ ، وتكاد من شدة هولها تخلع الخيام ،
بل وتكاد تحمل هذه الأجساد النائمة ، وترمي بها إلى مكان سحيق .
الخوف وحش كاسر ، مخيف ،
يتسلل في حدة وغضب ، ليلفهم ، ويجثم على صدورهم .
وهم رغم كثرة أعدادهم التي تزيد على عشرة
آلاف مقاتل ، إلا أنهم تمنوا الخلاص بأي شكل وعلى أي صورة .
أكثر من عشرين يوماً وهم يحاولون اختراق
الخندق الذي صنعه المسلمون بأيديهم حول المدينة ، فلا يستطيعون .
حاول عكرمة بن أبي جهل ، وعمرو بن ود ، وقليل
منهم ، لكن سهام المسلمين كانت أسرع إليهم من نظراتهم الخاطفة ، وقاتل علي
بن أبي طالب رضي الله عنه عمرو بن ود فقتله .
أصابهم اليأس ، وأحسوا أن المسلمين هم
الفائزون في هذه المعركة رغم تكتل الأحزاب ، اشتدت الرياح أكثر ، وراحت
ترفع أرجلها لأعلى وأسفل ، وتلف شمالاً وجنوباً وتتلوى من الجزع ، والخيول
تطلق صهيلها الحزين وتضرب الأرض بحوافرها .
في هذه اللحظات ، وعلى الجانب الآخر من معسكر
المسلمين ، كانت الرياح أقل حدة ، وكان القوم يتمددون على الأرض أو داخل
الخيام ، بيد أن البرد كانت له لسعات يشعرون بها في أجسادهم ، شعر المسلمون
أن هذه الليلة تختلف عن كل الليالي التي مرت منذ جاءوا إلى هذا المكان
وحفروا الخندق وجعلوه حائلاً بينهم وبين جيوش الكفر والطغيان ، كانت
الأجسام تبحث عن الدفء ، وتدعوا الله من أعماق قلبها أن ينصرهم على أعدائهم
، وقام النبي صلى الله عليه وسلم وهتف قائلاً : ( من يأتيني بخبر القوم ويكون رفيقي في الجنة ؟ ) .
والتصقت الأجسام بالأرض أكثر ، وخيم عليهم
الصمت الشديد .
في هذه اللحظة لمست قدم النبي الشريفة إحدى
الأجساد الممدة ، فسأل : ( من الرجل ؟ )
.
التصق الجسد بالأرض من شدة الخوف والبرد ،
وذكر اسمه بصوت مكتوم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ( قم واذهب إلى القوم وائتني بخبرهم ولا تحدث شيئاً
حتى تأتينا ) .
وقام الصحابي ، وكان يرتدي ملابساً رقيقة ،
قام وأسنانه تصطك ببعضها من شدة البرد ، وربت النبي صلى الله عليه وسلم على
كتفه ودعا له بخير ، فإذا بالصحابي الجليل يشعر بالدفء يختفي تماماً
ليمتلئ قلبه أمناً وشجاعة وإقداماً .
قطع الخندق الذي بين المعسكرين واخترق الحصار
وكتل الظلام ، يتسلل إلى معسكر الأعداء .
كانت الرياح هناك ما
تزال على أشدها تصفع الأجساد وتقلب أوعيتهم .
وقف الصحابي الجليل بين صفوف المحاربين ، في
هذا الوقت قام أبو سفيان بن حرب قائد قريش قائلاً : يا معشر قريش ، لينظر
كل منكم جليسه ، وليأخذه بيده ، وليعرف اسمه ، وكان الصحابي فطناً ، سريع
البديهة ، فأسرع إلى يد الرجل الذي عن يمينه ، وصاح قائلاً : من الرجل ؟
فأجابه الرحل باسمه .
ثم نظر إلى الشمال ، وصاح من الرجل ؟
وبهذه
الطريقة ، استطاع أن ينجو ويضمن وجوده بينهم دون ريبة أو شك .
وهتف أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلكت
الكراع ( أي الخيل ) والخف ( أي الإبل ) ، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا
عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم
لنا نار ، ولا يستمسك لنا بناء ، فارتحلوا فإني مرتحل .
ثم نهض فوق جملة وبدأ المسير ، فتبعه كل
المحاربين .
وهنا أمسك الصحابي بقوسه وثبت سهمه وكاد
يطلقه في ظهر أبي سفيان ، لولا أنه تذكر عهد النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تحدث شيئاً حتى تأتينا ) ، فنزع السهم
ورد القوس إلى مكانه .
عاد الصحابي إلى معسكر المسلمين ، ليبشرهم
بنصر الله لهم ، فإن الله – سبحانه وتعالى – قد نصر عبده ورسوله محمد بن
عبد الله ، وأعز جنده المؤمنين المخلصين ، وهزم الأحزاب وحده ، لا إله إلا
هو العلي القدير .
من هو هذا
الصحابي ؟
-
حذيفة بن اليمان ؟
-
معاذ بن جبل ؟
-
سعد بن عباده ؟
من كتاب : 100 قصة وقصة من قصص الصحابة رضي الله عنهم
إعداد : محمد عبد الظاهر المطارقي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى