رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
عـنترة في عصر الكمبيوتر جالسني والأمل يحدوه
للوصول إلى ما لاكه لساني من عبارات لم تتعود على أكثرها أذنه . رأيت مسحة
الغضب تعلو جبينه ، وعزوت ذلك لما رآى ، وسمع من تغير الأحوال ، وعوج
اللسان .
حسبت أن كلماتي أعجزته وقد انصرفت بصيرته عما
لاحظه من خرق في أحوالنا ، وتبدد اتصالنا بأصولنا .
خاطبته خطاب المثقف
الواعي : أريدك أن تصحبني في رحلة في شوارع
القاهرة ، أو بغداد ، أو بيروت ... أريك ورق البردى، والمباخر ، والفــازات
، والخيام . وأنواع المقاهي ، والاستراحات .
نظر إليّ وعيناه تمتلآن بعلامات التعجب ،
والاستفهام ، وقد توقف لسانه عن الحركة .
عندها انتابني شعور بالعُجب .
أحسب أنه انبهر بما لدينا من ثقافة ، وعلم .
قلت : أترى يا صديقي ما أصبحنا فيه من التقدم والحضارة ؟ عندنا
"التلفاز " و " والدش " و" الفضائيات " .
صحيح أنها خلومن الثقافة ، والعلم ، لكنها
تفخر بثلة من الممولين بالكلمات والألحان ، وجعلوا من كل عاطل صاحب فن .
قاطعني : أفيهم شعراء ؟ قلت: فيهم أهل الفن .
قال وما الفن لديكم ؟ قلت : الغناء ،
والألحان ، ورقص من كل الجهات .
وقد ارتقينا وتقدمنا على كثير من العالمين في
" فن " الفيديو كليب" .
قال أليس لديكم غير ذلك من الفن ؟ قلت
كــــثـير و..... قال لم تذكر الشعر .
ألا تهتمون به كما اهتمت العرب ؟ عندها
أخذتني الغيرة ، وقد شممت في كلامه رائحة التعريض بجهلنا . فأحسست أنه يضعف
عروبتنا لمجرد اهتمام كثيرين منا بالهابط من الفن عن الأدب الجاد .
ولأن الفن عندنا صار معوجاً كاعوجاج اللسان .
قلت له وقد احمر وجهي ، وعلت نبرة صوتي : لقد
أصبح شعرك قديماً مع ما نسمع من أشعار العامية لدينا .
وقد أغرقتنا ألسنتهم بالحوليات والمعلقات .
مع نوع آخر ليس له وزن ، متنكر لما عرفتموه
من أصول .
قال : أسمعني : قلت له ليس معي " الكمبيوتر "
حتى أسمعك .
فقد قل لدينا الحفاظ قدر كثرة المرددين ، قال
وما تعني بالكمبيوتر ؟ قلت : جهاز صنعه أناس ليسوا ممن يتحدثون لغتنا ،
ونحن نعتمد على لغتهم .
لكننا ـ بحمد الله ـ نستطيع تشغيله ، يستطيع
أن يحكي لنا شعر أهل العربية من جيلك إلى عصرنا الحاضر.
قال عندكم ما يسهّل الحفظ لديكم ، واستحضار
واستظهار شعر كل الشعراء ، ألا تستطيع أن تنشدني شيئاً ؟ بحثت في ذاكرتي
عما سمعته أخيراً من الفضائية المفضلة لدي ، فما استقام لدي غير الحب
والغزل .
فمددت رجلي ، واستقام ظهري ، وملأت رئتاي ،
واستجمعت قواي وقلت : اسمع .
وأنشدته ، وجاء كله على غرار : زعزوعة يا
زعزوعة ما لك حلوة وملطوعة وقفت الكلمات عند طرف لساني ، ومنعها الحياء .
أدركت أنها نوبة من الخجل اعترت الذوق .
وضع يده على فمي ، ودعا لي ، فقد ظن أن بي مس
من مرض .
قلت له هذا ليس شعري ، إنه أنموذج مما تسمعه
الملايين منا .
أسمعت شاعرنا البسوم وقد عارض قصيدتك
المشهورة بقوله : ولقد ذكرتك والحمار
مشاكس فوق الرصيف وقد أتى الوابور حاول أن يسكتني ، انتفض انتفاضة العصفور
بلله القطر ، غارت عيناه ، ارتعشت أوصاله ، وقع ممددا على الأرض .
أسرعت إليه ، سحبت بعض أصابعي نحو صدره ،
وعندها أدركت أن الهم أول المصائب .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى