رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
قال
أحد التجار : قصدت الحج بعض الأعوام ، وكانت تجارتي عظيمة ، وأموالي كثيرة ،
وكان في وسطي هميان1 ، فيه دنانير وجواهر قيمة ، وكان الهميان من ديباج
أسود .
أحد التجار : قصدت الحج بعض الأعوام ، وكانت تجارتي عظيمة ، وأموالي كثيرة ،
وكان في وسطي هميان1 ، فيه دنانير وجواهر قيمة ، وكان الهميان من ديباج
أسود .
فلما كنت ببعض الطريق نزلت لأقضي بعض
شأني ، فأنحل الهميان من وسطي ، وسقط ولم أعلم بذلك إلا بعد أن سرت عن
الموضع فراسخ ، ولكن ذلك لم يكن يؤثر في قلبي لما كنت من غنى ، واستخلفت
ذلك المال عند الله إذ كنت في طريقي إليه تعالى .
ولما
قضيت حجي وعدت ، تتابعت المحن علي لم أملك شيئاً ! فهربت على وجهي من بلدي
.
ولما كان بعد سنين من فقري أفضيت إلى
مكان وزوجي معي ، وما أملك في تلك الليلة إلا دانقاً2 ونصفاً ، وكانت
الليلة مطيرة ، فأويت في بعض القرى إلى خان خراب ، فجاء زوجي المخاض فتحيرت
، ثم ولدت فقالت : يا هذا ، الساعة تخرج روحي ، فاتخذ لي شيئاً أتقوى عليه
، فخرجت أخبط في الظلمة والمطر ، حتى جئت إلى بدال ( تاجر ) فوقفت عليه ،
فكلمني بعد جهد ، فشرحت له حالي ، فرحمني .. وأعطاني بتلك القطع حلبة
وزيتاً وأغلاهما ، وأعارني إناء جعلت ذلك فيه ، وجئت أريد الموضع ، فلما
مشيت بعيداً وقربت من الخان زلقت رجلي ، وانكسر الإناء وذهب جميع ما فيه ،
فورد علي قلبي أمر عظيم ما ورد علي مثله قط ! فأقبلت أبكي وأصيح ، وإذا
برجل قد أخرج رأسه من شباك في داره ، وقال : ويلك ! مالك تبكي ! ما تدعنا
ننام ! .
فشرحت له القصة ، فقال : يا هذا :
البكاء كله بسبب دانق ونصف ! قال : فداخلي من الغم أعظم من الغم الأول ،
فقلت : يا هذا ، والله ما عندي شيء لما ذهب مني ، ولكن بكائي رحمة لزوجي
ولنفسي ، فإن امرأتي تموت الآن جوعاً ، والله لقد حججت سنة كذا وكذا وأنا
أملك من المال شيئاً كثيراً ، فذهب مني هيمان فيه دنانير وجواهر تساوي
ثلاثة آلاف دينار ، فما فكرت فيه ، وأنت تراني الساعة أبكي بسبب دانق ونصف ،
فاسأل الله السلامة ، ولا تعايرني فتبلى بمثل بلواي .
فقال لي : بالله يا رجل ،
ما كانت صفة هميانك ، فأقبلت أبكي ، وقلت : ما ينفعني ما خاطبتني به أو ما
تراه من جهدي وقيامي في المطر حتى تستهزئ بي أيضاً ! وما ينفعني وينفعك من
صفة همياني الذي ضاع منذ كذا وكذا !
ومشيت ، فإذا الرجل قد خرج وهو يصيح
بي : خذ يا هذا ، فظنته يتصدق علي ، فجئت وقلت له أي شيء تريد ؟ فقال لي :
صف هميانك ، وقض علي ، فلم أحد للخلاص سبيلاً غير وصفه له ، فوصفته فقال لي
: ادخل ، فدخلت ، فقال : أين امرأتك ؟ قلت : في الخان / فأنفذ غلمانه
فجاؤوا بها ، وأدخلت إلى حرمه ، فأصلحوا شأنها وأطعموها كل ما تحتاج إليه ،
وجاؤوني بجبة وقميص وعمامة وسراويل ، وأخلت الحمام سحراً ، وطرح ذلك علي ،
وأصبحت في عيشة راضية .
وقال أقم عندي أياماً ، فأقمت عشرة
أيام ، كان يعطيني في كل يوم عشرة دنانير ، وأنا متحير في عظيم بره بعد شدة
جفائه .
فلما
كان بعد ذلك قال لي : في أي شيء تتصرف ؟ قلت : كنت تاجراً ، قال : فلي
غلات وأنا أعطيك رأس مال تتجر فيه وتشركني ، فقلت : أفعل ، فأخرج لي مئتي
دينار فقال : خذها واتجر فيها ها هنا ، فقلت : هذا معاش قد أغناني به الله
يجب أن ألزمه ، فلزمته .
فلما كان بعد شهور ربحت فجئته وأخذت
حقي وأعطيته حقه ، فقال : اجلس ، فجلست ، فأخرج لي هيماني بعينه وقال :
أتعرف هذا ؟ فحين رأيته شهقت وأغمي علي ، فما أفقت إلا بعد ساعة ! ثم قلت
له : يا هذا ، أملك أنت أم نبي ! فقال : أنا أحفظه منذ كذا وكذا سنة ، فلما
سمعتك تلك الليلة تقول ما قلته ، وطالتك بالعلامة فأعطيتها أردت أن أعطيك
للوقت هميانك ، فخفت أن يغشى عليك ، فأعطيتك تلك الدنانير التي أوهمتك أنها
هبة ، وإنما أعطيتكها من هميانك ، فخذ هميانك واجعلني في حل .
فشكرته
ودعوت له .
وأخذت الهميان ورجعت إلى بلدي ، فبعت
الجواهر وضممت ثمنه إلى معي واتجرت ، فما مضت إلا سنيات حتى صرت صاحب عشرة
آلاف دينار وصلحت حالي .
...........................
1- الهميان : كلمة فارسية
معربة معناها النطاق الذي يشد على الوسط وتجعل فيه النقود .
2- الدانق : عملة قديمة
تعادل سدس الدرهم ، كما تعني الساقط المهزول .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى