رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
د. حسين حسين شحاتة
تعتبر
الرقابة الذاتية أسمى أنواع الرقابة فاعليَّة، ويُقصد بها أن يُراقب الفرد
نفسه بنفسه قبل القدوم على عمل معين، ومدلولها في الإسلام أن الفرد المسلم
يخشى الله سبحانه وتعالى في كل تصرفاته وحركاته وسلوكه وهواجسه على دوام
الأوقات، ويُوقن تمامًا بأن الله مطَّلع على ما يخفي وما يعلن، ودليل ذلك
في كتاب الله قوله: ﴿يَعْلَمُ
خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)﴾ (غافر)، وقوله
سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)﴾ (العلق)، وقوله جل شأنه: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الحديد: من الآية 4).
إن
النفس البشرية التي تؤمن وتوقن بأن الله مطَّلع عليها عالم بأسرارها رقيب
على أعمالها تقوم بمراقبة نفسها ذاتيًّا، وتقوم بمقارنة ما تنوي القيام به
من عمل، مع ما يجب القيام به في ضوء ما شرعه الله من عبادات ومعاملات، فإذا
ما تأكد الفرد المسلم واطمئن إلى شرعية ذلك يقوم بتنفيذ ما ينوي القيام
به، قاصدًا من ذلك إرضاء الله ذاكرًا قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام).
وبذلك
تتحقق الرقابة الذاتية التي تمنع الفرد المسلم من الوقوع فيما يغضب الله،
متحكمًا في نفسه الأمَّارة بالسوء، ومسيطرًا على هواه، متذكرًا قول الله
تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ (البقرة: من الآية235).
ويعلمنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كيف تكون الرقابة الذاتية، فيقول في حديث طويل ".. اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (رواه مسلم).
ويُفهم
من هذا الحديث أن الفرد المسلم عليه أن يتذكَّر الله ويستحضر عظمته سبحانه
وتعالى، ويوقن أنه سوف يحاسب أمامه يوم القيامة.. ففي ذلك خير ووقاء له من
الوقوع في الزلات والشبهات، ومن اتباع هوى النفس .
ولقد
روى عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل سأله
أن يوصيه ويعظه فقال: "إذا أردت أمرًا فتدبر عاقبته، فإن كان رشدًا فامضه،
وإن كان غيًّا فانته عنه".
ويُستنبط
من هذه الوصية والعظة أنه يجب على الفرد أن يدرس ويحلل ويتدبر نتيجة أي
أمر يريد أداءه، فإذا كانت تلك النتيجة رشيدة تتفق مع شرع الله فليمضي إلى
تنفيذه، أما إذا كانت على غير ذلك فلا يقدم على ذلك .
ولقد
قال عبد الله بن دينار: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى مكة فغرسنا بعض الطريق
فانحدر علينا راعٍ من الجبل، فقال له عمر: يا راعٍ "بعني شاة من هذه
الغنم"، فقال الراعي: "إني مملوك"، فقال عمر- مختبرًا هذا الراعي-: "قل
لسيدك أكلها الذئب"، قال العبد: "فأين الله؟" فبكى عمر، ثمَّ غدا على سيد
الراعي فاشتراه منه وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن
تعتقك في الآخرة (نقلاً من كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي- صفحة
2746).
هكذا كان سلوك الفرد المسلم الذي يوقن أن الله يراقبه في كل تصرفاته .
ومن مقومات الرقابة الذاتية: القلب الطاهر النظيف المتصل بالله، مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ (المجادلة: من الآية 22).
وعلى
العكس نجد الفرد الكافر قلبه مريض وفي ريب، فلا يعبأ ولا يخشع لذكر الله..
يصدق فيه قول الله: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ (الأعراف: من
الآية 179).
وتتطلب
الرقابة الذاتية التذكر دائمًا بأن الله يراقب تصرفاته، وهو أقرب إليه من
حبل الوريد، وينتبه إلى أن هناك ملائكةً تسجِّل عليه تصرفاته وسكناته،
مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)﴾ (الانفطار).
وكما
أن من الرقابة الذاتية معرفة أحكام الدين حتى يتمكن من مقارنة ما ينوي
القيام به مع شرع الله، حتى لا يضل الطريق وهو يحسب أنه يُحسن صنعًا، وعليه
أن يسأل أهل الذكر إن ارتاب عليه أمر معين؛ ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى
المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يقدموا النصيحة والتوجيه
للآخرين، ودليل ذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾ (آل عمران).
الصيام والرقابة الذاتية
يقول
علماء الإسلام ومشايخنا من السلف الصالح: إن الصيام يعوِّد النفس البشرية
على أمور كثيرة منها: الرقابة الذاتية، فالصائم يحرص كل الحرص بأن يكون
سلوكه وتصرفاته طبقًا لما شرعه الله.. فإذا همَّ بعمل شيء ما قد يكون فيه
إبطال لصيامه أمسك عن القيام به، ويتذكر الله ويقول: "اللهم إني صائم"
ويؤكد ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حديثـه الذي رواه أبو هريرة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس الصيام من الأكل والشرب، وإنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم، إني صائم" (رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم).
ويستفاد
من هذا الحديث أمور كثيرة منها: أن على الصائم أن يراقب نفسه وتصرفاته
وسلوكه، فإذا هم بأداء عمل معين يبطل صيامه يتذكر الله، ويقول إني صائم إني
صائم، وهذه هي عين الرقابة الذاتية المانعة .
ومن
ناحية أخرى، لولا خشية الله والإيمان به والاعتقاد بأنه يراقب الناس
لوجدنا الفرد يأكل أو يشرب أو يدخن في مكان لا يراه فيه أحد من الناس، ثم
يتظاهر أمام الناس أنه صائم، ولكنه لا يفعل ذلك لأن قلبه وضميره يذكِّرانه
بأن الله موجود في كل مكان، وأنه يصوم ليس للناس ولكن لله وحده لا شريك
معه.
إن
نفس الصائم المؤمن لا تعبأ بمراقبة الناس ولكن تعبأ بمراقبة رب الناس،
الله، الملك، العليم، الخبير، البصير، الرقيب، الذي لا يخفى عليه شيء في
الأرض ولا في السماء .
الصيام جُنة
في الحديث القدسي عن رب العزة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام
جُنة، فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو
شاتمه، فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم، أطيب عند
الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي
به، والحسـنة بعشر أمثالها" ( رواه البخاري).
يضيق
بنا المقام لذكر ما يستفاد من هذا الحديث الشريف، ولكن سوف نركِّز على ما
يتعلق بالرقابة الذاتية، يقول الحق جلَّ وعلا في الحديث القدسي: "الصيام جُنَّة"
بضم الجيم وتشديد النون ومدلول ذلك أن الصيام وقاية وستر من المعاصي
وحماية من دخول النار، ومردّ ذلك إلى أن الفرد الصائم يتحكم في سلوكه
وتصرفاته، ويسيطر على نفسه وأهوائه حتى لا يقع في الزلات، ولا يكون له من
صيامه إلا الجوع والعطش.. وهذا تأكيد على أن الصيام تعويد للنفس البشرية
على الرقابة الذاتية .
الصيام وجاء
ويؤكد
رسول الله صلى الله عليه وسلم دور الصيام في وقاية النفس من اتباع الهوى
ولاسيما عند الشباب، فعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- قال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة، فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (رواه الجماعة).
ولقد
ذكر علماء الحديث أن المقصود بقوله- صلى الله عليه وسلم- وجاء: أي وسيلة
لحماية الشباب من الانزلاق في الشهوات واتباع هوى النفس الأمارة بالسوء،
فكان الصيام وسيلة من وسائل الرقابة الذاتية لدى الشباب، فالشاب الصائم لا
يفكر إلاّ فيما يرضي الله، وتكون جوارحه خاضعةً لقلبه المؤمن وضميره الحي
النابض .
ولقد
أكدت الدراسات العلمية قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-، وهذا إعجاز يحتاج
إلى صفحات عدة لتحليله وبيانه للناس؛ ليزدادوا إيمانًا .
الرقابة الذاتية مطلوبة في رمضان وغير رمضان
فإذا
كان الصيام يعوِّد النفس البشرية على الرقابة الذاتية فلا يجب أن يقتصر
ذلك على شعيرة الصيام، بل يجب أن تُطبق على سائر العبادات والمعاملات حتى
ينصلح حال الأمة الإسلامية .
ففي
الصلاة يجب على المسلم أن يستحضر عظمة الله، ويتذكر أنه واقف أمامه والله
يسمع ويرى، ولا يجب أن ينصرف ذهن المصلي أو تفكيره إلى أمور الدنيا؛ لأن
ذلك من همزات الشياطين، ولذلك يقول الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾ (المؤمنون).
وكذلك
الوضع في أداء فريضة الحج، يجب على المسلم أن تكون روحه مرتبطة بالله،
وأنه جاء لتلبية دعوته لا يشغله عن ذلك تجارة أو غير ذلك، وتظهر أهمية
الرقابة الذاتية في مجال المعاملات، فالتاجر الأمين الصدوق دائمًا يخشى
الله في معاملاته، فلا يغش ولا يغرر ولا يحتكر ولا يدلِّس ولا يطفف، يتذكر
دائمًا أن المال مال الله ويجب تقليبه وتحريكه وفقًًا لما شرعه الله، وأن
كل معاملاته هي وسيلة لجلب الرزق؛ لتمكين الإنسان من عبادة الله، وأنه سوف
يُسأل يوم القيامة عن هذا المال من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ فلو صارت كل
المعاملات على منهج الرقابة الذاتية لصلح أمر الناس وعم الرخاء وانتشر
الأمن والطمأنينة بين الناس.
ولا
يقتصر دور الرقابة الذاتية على ما سبق بل هي أكثر ضرورة في مجال الحكم
والإدارة، فعلى الحاكم أو المدير أو الرئيس في أي مستوى من مستويات الحكم
والإدارة أن يخشى الله، ويصل قلبه به في السر والعلن، ويتذكر أن الله يعلم
الدقيق الصغير والخفي المستور، والسبيل إلى ذلك هو تدبُّر عاقبة كل قرار
ونتيجته، وهل يتفق مع أحكام الله أم لا؟ ويوقن أنه سوف يُسأل أمام الحاكم
العادل يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
يتبين
لنا أنه لو تعودت النفس البشرية على الرقابة الذاتية في رمضان وفي غير
رمضان وفي العبادات والمعاملات لأدَّى ذلك إلى تحقيق الحياة الكريمة الآمنة
الطيبة في الدنيا، والفوز برضا الله في الآخرة.. ما أحوجنا إلى تطبيق
المنهج الإسلامي في حياتنا.
تعتبر
الرقابة الذاتية أسمى أنواع الرقابة فاعليَّة، ويُقصد بها أن يُراقب الفرد
نفسه بنفسه قبل القدوم على عمل معين، ومدلولها في الإسلام أن الفرد المسلم
يخشى الله سبحانه وتعالى في كل تصرفاته وحركاته وسلوكه وهواجسه على دوام
الأوقات، ويُوقن تمامًا بأن الله مطَّلع على ما يخفي وما يعلن، ودليل ذلك
في كتاب الله قوله: ﴿يَعْلَمُ
خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)﴾ (غافر)، وقوله
سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)﴾ (العلق)، وقوله جل شأنه: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (الحديد: من الآية 4).
إن
النفس البشرية التي تؤمن وتوقن بأن الله مطَّلع عليها عالم بأسرارها رقيب
على أعمالها تقوم بمراقبة نفسها ذاتيًّا، وتقوم بمقارنة ما تنوي القيام به
من عمل، مع ما يجب القيام به في ضوء ما شرعه الله من عبادات ومعاملات، فإذا
ما تأكد الفرد المسلم واطمئن إلى شرعية ذلك يقوم بتنفيذ ما ينوي القيام
به، قاصدًا من ذلك إرضاء الله ذاكرًا قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام).
وبذلك
تتحقق الرقابة الذاتية التي تمنع الفرد المسلم من الوقوع فيما يغضب الله،
متحكمًا في نفسه الأمَّارة بالسوء، ومسيطرًا على هواه، متذكرًا قول الله
تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ (البقرة: من الآية235).
ويعلمنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كيف تكون الرقابة الذاتية، فيقول في حديث طويل ".. اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (رواه مسلم).
ويُفهم
من هذا الحديث أن الفرد المسلم عليه أن يتذكَّر الله ويستحضر عظمته سبحانه
وتعالى، ويوقن أنه سوف يحاسب أمامه يوم القيامة.. ففي ذلك خير ووقاء له من
الوقوع في الزلات والشبهات، ومن اتباع هوى النفس .
ولقد
روى عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل سأله
أن يوصيه ويعظه فقال: "إذا أردت أمرًا فتدبر عاقبته، فإن كان رشدًا فامضه،
وإن كان غيًّا فانته عنه".
ويُستنبط
من هذه الوصية والعظة أنه يجب على الفرد أن يدرس ويحلل ويتدبر نتيجة أي
أمر يريد أداءه، فإذا كانت تلك النتيجة رشيدة تتفق مع شرع الله فليمضي إلى
تنفيذه، أما إذا كانت على غير ذلك فلا يقدم على ذلك .
ولقد
قال عبد الله بن دينار: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى مكة فغرسنا بعض الطريق
فانحدر علينا راعٍ من الجبل، فقال له عمر: يا راعٍ "بعني شاة من هذه
الغنم"، فقال الراعي: "إني مملوك"، فقال عمر- مختبرًا هذا الراعي-: "قل
لسيدك أكلها الذئب"، قال العبد: "فأين الله؟" فبكى عمر، ثمَّ غدا على سيد
الراعي فاشتراه منه وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن
تعتقك في الآخرة (نقلاً من كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي- صفحة
2746).
هكذا كان سلوك الفرد المسلم الذي يوقن أن الله يراقبه في كل تصرفاته .
ومن مقومات الرقابة الذاتية: القلب الطاهر النظيف المتصل بالله، مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ (المجادلة: من الآية 22).
وعلى
العكس نجد الفرد الكافر قلبه مريض وفي ريب، فلا يعبأ ولا يخشع لذكر الله..
يصدق فيه قول الله: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ (الأعراف: من
الآية 179).
وتتطلب
الرقابة الذاتية التذكر دائمًا بأن الله يراقب تصرفاته، وهو أقرب إليه من
حبل الوريد، وينتبه إلى أن هناك ملائكةً تسجِّل عليه تصرفاته وسكناته،
مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)﴾ (الانفطار).
وكما
أن من الرقابة الذاتية معرفة أحكام الدين حتى يتمكن من مقارنة ما ينوي
القيام به مع شرع الله، حتى لا يضل الطريق وهو يحسب أنه يُحسن صنعًا، وعليه
أن يسأل أهل الذكر إن ارتاب عليه أمر معين؛ ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى
المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يقدموا النصيحة والتوجيه
للآخرين، ودليل ذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)﴾ (آل عمران).
الصيام والرقابة الذاتية
يقول
علماء الإسلام ومشايخنا من السلف الصالح: إن الصيام يعوِّد النفس البشرية
على أمور كثيرة منها: الرقابة الذاتية، فالصائم يحرص كل الحرص بأن يكون
سلوكه وتصرفاته طبقًا لما شرعه الله.. فإذا همَّ بعمل شيء ما قد يكون فيه
إبطال لصيامه أمسك عن القيام به، ويتذكر الله ويقول: "اللهم إني صائم"
ويؤكد ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حديثـه الذي رواه أبو هريرة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس الصيام من الأكل والشرب، وإنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم، إني صائم" (رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم).
ويستفاد
من هذا الحديث أمور كثيرة منها: أن على الصائم أن يراقب نفسه وتصرفاته
وسلوكه، فإذا هم بأداء عمل معين يبطل صيامه يتذكر الله، ويقول إني صائم إني
صائم، وهذه هي عين الرقابة الذاتية المانعة .
ومن
ناحية أخرى، لولا خشية الله والإيمان به والاعتقاد بأنه يراقب الناس
لوجدنا الفرد يأكل أو يشرب أو يدخن في مكان لا يراه فيه أحد من الناس، ثم
يتظاهر أمام الناس أنه صائم، ولكنه لا يفعل ذلك لأن قلبه وضميره يذكِّرانه
بأن الله موجود في كل مكان، وأنه يصوم ليس للناس ولكن لله وحده لا شريك
معه.
إن
نفس الصائم المؤمن لا تعبأ بمراقبة الناس ولكن تعبأ بمراقبة رب الناس،
الله، الملك، العليم، الخبير، البصير، الرقيب، الذي لا يخفى عليه شيء في
الأرض ولا في السماء .
الصيام جُنة
في الحديث القدسي عن رب العزة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام
جُنة، فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو
شاتمه، فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم، أطيب عند
الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي
به، والحسـنة بعشر أمثالها" ( رواه البخاري).
يضيق
بنا المقام لذكر ما يستفاد من هذا الحديث الشريف، ولكن سوف نركِّز على ما
يتعلق بالرقابة الذاتية، يقول الحق جلَّ وعلا في الحديث القدسي: "الصيام جُنَّة"
بضم الجيم وتشديد النون ومدلول ذلك أن الصيام وقاية وستر من المعاصي
وحماية من دخول النار، ومردّ ذلك إلى أن الفرد الصائم يتحكم في سلوكه
وتصرفاته، ويسيطر على نفسه وأهوائه حتى لا يقع في الزلات، ولا يكون له من
صيامه إلا الجوع والعطش.. وهذا تأكيد على أن الصيام تعويد للنفس البشرية
على الرقابة الذاتية .
الصيام وجاء
ويؤكد
رسول الله صلى الله عليه وسلم دور الصيام في وقاية النفس من اتباع الهوى
ولاسيما عند الشباب، فعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- قال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة، فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (رواه الجماعة).
ولقد
ذكر علماء الحديث أن المقصود بقوله- صلى الله عليه وسلم- وجاء: أي وسيلة
لحماية الشباب من الانزلاق في الشهوات واتباع هوى النفس الأمارة بالسوء،
فكان الصيام وسيلة من وسائل الرقابة الذاتية لدى الشباب، فالشاب الصائم لا
يفكر إلاّ فيما يرضي الله، وتكون جوارحه خاضعةً لقلبه المؤمن وضميره الحي
النابض .
ولقد
أكدت الدراسات العلمية قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-، وهذا إعجاز يحتاج
إلى صفحات عدة لتحليله وبيانه للناس؛ ليزدادوا إيمانًا .
الرقابة الذاتية مطلوبة في رمضان وغير رمضان
فإذا
كان الصيام يعوِّد النفس البشرية على الرقابة الذاتية فلا يجب أن يقتصر
ذلك على شعيرة الصيام، بل يجب أن تُطبق على سائر العبادات والمعاملات حتى
ينصلح حال الأمة الإسلامية .
ففي
الصلاة يجب على المسلم أن يستحضر عظمة الله، ويتذكر أنه واقف أمامه والله
يسمع ويرى، ولا يجب أن ينصرف ذهن المصلي أو تفكيره إلى أمور الدنيا؛ لأن
ذلك من همزات الشياطين، ولذلك يقول الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾ (المؤمنون).
وكذلك
الوضع في أداء فريضة الحج، يجب على المسلم أن تكون روحه مرتبطة بالله،
وأنه جاء لتلبية دعوته لا يشغله عن ذلك تجارة أو غير ذلك، وتظهر أهمية
الرقابة الذاتية في مجال المعاملات، فالتاجر الأمين الصدوق دائمًا يخشى
الله في معاملاته، فلا يغش ولا يغرر ولا يحتكر ولا يدلِّس ولا يطفف، يتذكر
دائمًا أن المال مال الله ويجب تقليبه وتحريكه وفقًًا لما شرعه الله، وأن
كل معاملاته هي وسيلة لجلب الرزق؛ لتمكين الإنسان من عبادة الله، وأنه سوف
يُسأل يوم القيامة عن هذا المال من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ فلو صارت كل
المعاملات على منهج الرقابة الذاتية لصلح أمر الناس وعم الرخاء وانتشر
الأمن والطمأنينة بين الناس.
ولا
يقتصر دور الرقابة الذاتية على ما سبق بل هي أكثر ضرورة في مجال الحكم
والإدارة، فعلى الحاكم أو المدير أو الرئيس في أي مستوى من مستويات الحكم
والإدارة أن يخشى الله، ويصل قلبه به في السر والعلن، ويتذكر أن الله يعلم
الدقيق الصغير والخفي المستور، والسبيل إلى ذلك هو تدبُّر عاقبة كل قرار
ونتيجته، وهل يتفق مع أحكام الله أم لا؟ ويوقن أنه سوف يُسأل أمام الحاكم
العادل يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
يتبين
لنا أنه لو تعودت النفس البشرية على الرقابة الذاتية في رمضان وفي غير
رمضان وفي العبادات والمعاملات لأدَّى ذلك إلى تحقيق الحياة الكريمة الآمنة
الطيبة في الدنيا، والفوز برضا الله في الآخرة.. ما أحوجنا إلى تطبيق
المنهج الإسلامي في حياتنا.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى