رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
كان الحديث بالأمس يدور حول أثرِ الصيام في غضِّ البصر، وذلك انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري :(من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
وقد جاء في الحديث الماضي ذكرٌ لأضرار إطلاق البصر، والحديث ههنا إكمال لما مضى، وبيان لفوائد غض ّالبصر.
قد يقول بعض الناس: إذا نظرتُ نظرةً، فاشتدَّ تعلقي بمن نظرتُ إليه؛ فهل لي أن أكررَ النظرَ، لعلي أراه دون ما في نفسي، فَأَسْلوَ عنه؟
والجواب: أن ذلك من تلبيس الشيطان، ولا يجوز فعلُه لأوجهٍ عديدةٍ ذكرها ابن الجوزي، وابن القيم _رحمهما الله_ ومن تلك الأوجه ما يلي:
أولاً: أن الله _سبحانه_ أمر بغضِّ البصر، ولم يجعلْ شفاءَ القلبِ فيما حرَّمه على العبد.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن نظر الفجأة،ِ وقد علم أنَّه قد يؤثر في القلب، فـأمر بمداواته بصرف البصر، لا بتكرار النظر.
الثالث: أنه صرح بأن الأولى له،وليست له الثانية،ومحالٌ أن يكون داؤه مما هو له، ودواؤه فيما ليس له.
الرابع: أن الظاهرَ أن الأمرَ كما رآه في أول مرة؛ فلا تحَسُنُ المخاطرةُ بالإعادة.
الخامس: أنه ربما رأى ما هو فوق الذي في نفسه؛ فزاد عذابُه.
السادس: أن إبليس عند قصده للنظرة الثانية، يقوم في ركائبه، فيزيِّن له ما ليس بحسن؛ لتتمَّ البلية.
السابع: أنه لا يعان على مطلوبه، إذا أعرض عن امتثال أمر الشرع، وتداوى بما حرمه عليه، بل هو جديرٌ أن تتخلَّف عنه المعونة.
الثامن: أن النظرةَ الأولى سهمٌ مسمومٌ من سهامِ إبليس،ومعلومٌ أن الثانية أشدُّ سُمَّاً؛ فكيف يتداوى من السم بالسم؟!
التاسع:
أن صاحبَ هذا المقام في مقام معاملة الحق _عز وجل_ في ترك محبوب _كما زعم_
وهو يريد بالنظرة الثانية أن يتبينَ حالَ المنظور إليه؛ فإن لم يكن مرضياً
تَرَكَهُ؛ فإذاً يكون تَرْكُهُ لأنه لا يلائم غرضه، لا لله _تعالى_ فأين معاملة الله _تعالى_ بترك المحبوب لأجله؟
وبهذه الأوجه وغيرها مما لم يذكر يتبينُ لنا خطورةُ إطلاقِ البصر، وإتْبَاعُ النظرةِ النظرة.
لغضِّ البصر فوائدُ عظيمةٌ، لو استحضرها العاقل لقادته إلى غض البصر، ولمنعته من الاسترسال فيه، ومن تلك الفوائد ما يلي:
الفائدة الأولى: تخليص القلب من ألم الحسرة.
الفائدة الثانية: أنه يورثُ القلبَ نوراً وإشراقاً، يَظْهرُ في العين، وفي الوجه، وفي الجوارح.
الفائدة الثالثة: أن غضَّ البصر يورثُ صحةَ الفِرَاسَة؛ فإنها من النور، وثمراته، وإذا استنار القلبُ صحَّت الفِراسةُ؛لأنه يصير بمنزلة المرآةِ المجلوَّةِ
تظهر فيها المعلوماتُ كما هي، والنظرُ بمنزلة التنفُّس فيها؛ فإذا أطلق
العبد نظره تنفَّست نفسُه الصُّعَداءُ في مرآة قلبه، فطمست نورها كما قيل:
والله
_عز وجل_ يجازي العبدَ على عمله بما هو من جنسه، فمن غضَّ بصرَه عن
المحارم عوَّضه الله إطلاقَ بصيرتِه؛ فلما حبس بصرَه لله أطلق اللهُ نور
بصيرتِه، ومن أطلق بصره في المحارم حبس الله عنه بصيرتَه.
الفائدة الرابعة:
من فوائد غض البصر: أنه يفتحُ للعبد طرقَ العلمِ ويسهلُ عليه أسبابَه،
وذلك بسب نور القلب؛ فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائقُ المعلومات، وانكشفتْ
له بسرعة، ونفذَ من بعضها إلى بعض.
ومن أرسلَ بصَره تكدَّر عليه قلبه، وأظلم، وانسدَّ عليه بابُ العلم وطرقُه.
الفائدة الخامسة:
أن غضَّ البصر يورث القلبَ سروراً، وفرحاً، وانشراحاً، أعظم من اللذة
والسرور الحاصلِ بالنظر؛ وذلك لقهره عدوَّه بمخالفته، ومخالفة نفسه، وهواه.
ثم إنه لما كفَّ لذَّتَهُ، وحبسَ شهوتَه لله وفيها مسرةُ نفسه الأمارةِ بالسوء أعاضه الله مَسَرَّةً، ولذةً أكملَ منها، كما قال بعضهم: والله لَلَذَّةُ العفةِ أعظمُ من لذة الذنب.
ولا ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحاً، وسروراً، ولذّةً أكملَ من لذّة الهوى بما لا نسبة بينهما، وههنا يمتاز العقل من الهوى.
الفائدة السادسة: أن غضَّ البصر يُخَلِّص القلب من أسر الشهوة؛ فإن الأسير هو أسيرُ شهوته وهواه.
الفائدة السابعة: أن غضَّ البصر يسد عنه باباً من أبواب جهنم؛ فإن النظرة باب الشهوة الحاملة على مواقعة الإثم.
الفائدة الثامنة: أن غضَّ البصر يقوي العقلَ، ويزيده ويثبِّته؛ فإن إطلاق البصر وإرسالَه لا يحصل إلا من خِفة العقل، وطيشِه، وعدمِ ملاحظته للعواقب.
الفائدة التاسعة: أنه يُخَلِّصُ القلب من سُكْرِ الشهوة، ورقدةِ الغفلة.
وبالجملة
ففوائدُ غضِّ البصر، وآفاتُ إرسالِه أضعافُ أضعاف ما ذكر؛ فعلى من يريد
السلامة لنفسه أن يغضَّ طرفَه عما تشتهيه نفسُه من الحرام، وليكن له في ذلك
الغض نيةٌ يحتسب بها الأجرَ، ويكتسب الفضلَ، ويدخل في جملة مَنْ نهى النفسَ عن الهوى.
يتبيَّن لنا أثرُ الصيامِ في غضِّ البصر، ويتّضح لنا آثار إرسالِ البصر، وثمراتُ غَضِّه.
وإذا استفاد الصائم هذا الدرس من صيامه بعثه ذلك إلى غضِّ بصره،واستحضار
مشاهدة الرب _عز وجل_ له؛ فينال بذلك فوائدَ غضِّ البصر، ويدخل في زمرة
المحسنين الذين يعبدون الله كـأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.
وقد جاء في الحديث الماضي ذكرٌ لأضرار إطلاق البصر، والحديث ههنا إكمال لما مضى، وبيان لفوائد غض ّالبصر.
قد يقول بعض الناس: إذا نظرتُ نظرةً، فاشتدَّ تعلقي بمن نظرتُ إليه؛ فهل لي أن أكررَ النظرَ، لعلي أراه دون ما في نفسي، فَأَسْلوَ عنه؟
والجواب: أن ذلك من تلبيس الشيطان، ولا يجوز فعلُه لأوجهٍ عديدةٍ ذكرها ابن الجوزي، وابن القيم _رحمهما الله_ ومن تلك الأوجه ما يلي:
أولاً: أن الله _سبحانه_ أمر بغضِّ البصر، ولم يجعلْ شفاءَ القلبِ فيما حرَّمه على العبد.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن نظر الفجأة،ِ وقد علم أنَّه قد يؤثر في القلب، فـأمر بمداواته بصرف البصر، لا بتكرار النظر.
الثالث: أنه صرح بأن الأولى له،وليست له الثانية،ومحالٌ أن يكون داؤه مما هو له، ودواؤه فيما ليس له.
الرابع: أن الظاهرَ أن الأمرَ كما رآه في أول مرة؛ فلا تحَسُنُ المخاطرةُ بالإعادة.
الخامس: أنه ربما رأى ما هو فوق الذي في نفسه؛ فزاد عذابُه.
السادس: أن إبليس عند قصده للنظرة الثانية، يقوم في ركائبه، فيزيِّن له ما ليس بحسن؛ لتتمَّ البلية.
السابع: أنه لا يعان على مطلوبه، إذا أعرض عن امتثال أمر الشرع، وتداوى بما حرمه عليه، بل هو جديرٌ أن تتخلَّف عنه المعونة.
الثامن: أن النظرةَ الأولى سهمٌ مسمومٌ من سهامِ إبليس،ومعلومٌ أن الثانية أشدُّ سُمَّاً؛ فكيف يتداوى من السم بالسم؟!
التاسع:
أن صاحبَ هذا المقام في مقام معاملة الحق _عز وجل_ في ترك محبوب _كما زعم_
وهو يريد بالنظرة الثانية أن يتبينَ حالَ المنظور إليه؛ فإن لم يكن مرضياً
تَرَكَهُ؛ فإذاً يكون تَرْكُهُ لأنه لا يلائم غرضه، لا لله _تعالى_ فأين معاملة الله _تعالى_ بترك المحبوب لأجله؟
وبهذه الأوجه وغيرها مما لم يذكر يتبينُ لنا خطورةُ إطلاقِ البصر، وإتْبَاعُ النظرةِ النظرة.
لغضِّ البصر فوائدُ عظيمةٌ، لو استحضرها العاقل لقادته إلى غض البصر، ولمنعته من الاسترسال فيه، ومن تلك الفوائد ما يلي:
الفائدة الأولى: تخليص القلب من ألم الحسرة.
الفائدة الثانية: أنه يورثُ القلبَ نوراً وإشراقاً، يَظْهرُ في العين، وفي الوجه، وفي الجوارح.
الفائدة الثالثة: أن غضَّ البصر يورثُ صحةَ الفِرَاسَة؛ فإنها من النور، وثمراته، وإذا استنار القلبُ صحَّت الفِراسةُ؛لأنه يصير بمنزلة المرآةِ المجلوَّةِ
تظهر فيها المعلوماتُ كما هي، والنظرُ بمنزلة التنفُّس فيها؛ فإذا أطلق
العبد نظره تنفَّست نفسُه الصُّعَداءُ في مرآة قلبه، فطمست نورها كما قيل:
مرآةُ قلبِكَ لا تُريكَ صلاحَهُ *** والنَّفسُ فيها دائماً تتنفسُ
والله
_عز وجل_ يجازي العبدَ على عمله بما هو من جنسه، فمن غضَّ بصرَه عن
المحارم عوَّضه الله إطلاقَ بصيرتِه؛ فلما حبس بصرَه لله أطلق اللهُ نور
بصيرتِه، ومن أطلق بصره في المحارم حبس الله عنه بصيرتَه.
الفائدة الرابعة:
من فوائد غض البصر: أنه يفتحُ للعبد طرقَ العلمِ ويسهلُ عليه أسبابَه،
وذلك بسب نور القلب؛ فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائقُ المعلومات، وانكشفتْ
له بسرعة، ونفذَ من بعضها إلى بعض.
ومن أرسلَ بصَره تكدَّر عليه قلبه، وأظلم، وانسدَّ عليه بابُ العلم وطرقُه.
الفائدة الخامسة:
أن غضَّ البصر يورث القلبَ سروراً، وفرحاً، وانشراحاً، أعظم من اللذة
والسرور الحاصلِ بالنظر؛ وذلك لقهره عدوَّه بمخالفته، ومخالفة نفسه، وهواه.
ثم إنه لما كفَّ لذَّتَهُ، وحبسَ شهوتَه لله وفيها مسرةُ نفسه الأمارةِ بالسوء أعاضه الله مَسَرَّةً، ولذةً أكملَ منها، كما قال بعضهم: والله لَلَذَّةُ العفةِ أعظمُ من لذة الذنب.
ولا ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحاً، وسروراً، ولذّةً أكملَ من لذّة الهوى بما لا نسبة بينهما، وههنا يمتاز العقل من الهوى.
الفائدة السادسة: أن غضَّ البصر يُخَلِّص القلب من أسر الشهوة؛ فإن الأسير هو أسيرُ شهوته وهواه.
الفائدة السابعة: أن غضَّ البصر يسد عنه باباً من أبواب جهنم؛ فإن النظرة باب الشهوة الحاملة على مواقعة الإثم.
الفائدة الثامنة: أن غضَّ البصر يقوي العقلَ، ويزيده ويثبِّته؛ فإن إطلاق البصر وإرسالَه لا يحصل إلا من خِفة العقل، وطيشِه، وعدمِ ملاحظته للعواقب.
الفائدة التاسعة: أنه يُخَلِّصُ القلب من سُكْرِ الشهوة، ورقدةِ الغفلة.
وبالجملة
ففوائدُ غضِّ البصر، وآفاتُ إرسالِه أضعافُ أضعاف ما ذكر؛ فعلى من يريد
السلامة لنفسه أن يغضَّ طرفَه عما تشتهيه نفسُه من الحرام، وليكن له في ذلك
الغض نيةٌ يحتسب بها الأجرَ، ويكتسب الفضلَ، ويدخل في جملة مَنْ نهى النفسَ عن الهوى.
يتبيَّن لنا أثرُ الصيامِ في غضِّ البصر، ويتّضح لنا آثار إرسالِ البصر، وثمراتُ غَضِّه.
وإذا استفاد الصائم هذا الدرس من صيامه بعثه ذلك إلى غضِّ بصره،واستحضار
مشاهدة الرب _عز وجل_ له؛ فينال بذلك فوائدَ غضِّ البصر، ويدخل في زمرة
المحسنين الذين يعبدون الله كـأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم.
اللهم اجعلنا ممن خافك، واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى