رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
القرآن في شهر رمضان
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين، أما بعد:
فقد قال -جلا وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ
اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا
وَعَلَانِيَةً} ماذا يرجون؟ {يَرْجُونَ
تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر]
يرجون تجارة لا يسطو عليها لص ولا سارق، ولا يخاف عليها من كساد، إنما هي رابحة لن
تبور {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ}
[(30) سورة فاطر] تجارة رابحة
-أيها الإخوان- لو حسبنا القرآن الكريم الذي جاء الترغيب في قراءته، وأن لكل حرفٍ
عشر حسنات، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا أقول:
ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) والقرآن على الخلاف بين أهل
العلم في المراد بالحرف، هل المراد به حرف المبنى، أو حرف المعنى، فالأكثر على أن
المراد به حرف المبنى، وذلك اللائق بفضل الله -جل وعلا-، وعلى هذا فالقرآن
بالحسابات العادية التجارية، الحرف بعشر حسنات، وهو أكثر من ثلاثمائة ألف حرف، حرف
المبنى، إذاً الختمة الواحدة كفيلة بتحصيل ثلاثة ملايين حسنة، هذا على أقل تقدير،
والله يضاعف لمن يشاء، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، حتى جاء في المسند أن الله
-جل وعلا- يضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة، مليوني حسنة، والحديث فيه
مقال، لا يسلم من ضعف؛ لكن فضل الله لا يحد.
وعلى القول الثاني: وهو أن المراد بالحرف حرف المعنى، يكون عدد حروف القرآن حروف
المعاني، يعني كلمات القرآن، تزيد على سبعين ألف يعني الربع، على هذا تكون الختمة
الواحدة فيها سبعمائة ألف حرف، شيخ الإسلام ابن تيمية يرجح القول الثاني؛ لكن ثقتنا
بفضل الله -جل وعلا- أعظم من ثقتنا بعلم شيخ الإسلام -رحمه الله-، فالمرجح أن
المراد بالحرف حرف المبنى، وهذا هو اللائق بفضل الله -جل وعلا- وكرمه، فإذا قلنا:
{يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}
[(29) سورة فاطر] أقل ما يقال
في الختمة الواحدة: ثلاثة ملايين حسنة.
وجاء الحث على قراءة القرآن، وتعلم القرآن، وتعليم القرآن، وتدبر القرآن، وفهم
القرآن، والعمل بالقرآن، النصوص في ذلك كثيرة جداً، ((خيركم
من تعلم القرآن وعلمه)) ((لا حسد إلا في اثنتين))
(لا حسد) يعني لا غبطة ((إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله
القرآن فهو يقوم به)) يعني يتعلمه ويعلمه، تعلم هذا الكتاب العظيم، ولذا
يغبط كثيرٌ من الناس من إذا تخرج واصل الدراسة، وهذا مع النية الصالحة لا شك أنه
مغبوط، يصرف وقته فيما ينفعه؛ لكن الحسد الحقيقي والغبطة الحقيقية إنما تكون في
هذين الأمرين، ولذا قال في الحديث الصحيح: ((لا حسد إلا في
اثنتين)) وجاء في الحديث الصحيح: ((خيركم من تعلم
القرآن وعلمه)) تعلم القرآن، وتعليم القرآن، وأهل القرآن هم أهل الله
وخاصته، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "أهل القرآن هم العاملون به، العالمون
به، المعلمون له" حتى قال: "ولو لم يحفظوه" يعني بعض الناس يصل إلى حد قارب من
اليأس من حفظ القرآن؛ لأنه فرط في أول الأمر، ثم كثرت مشاغله، فعليه أن يعنى بكتاب
الله، قراءة وإقراءً وتدبراً، التدبر له شأن عظيم، وإن كان تحصيل أجر الحروف يحصل
ولو لم يتدبر الإنسان، ولو قرأ القرآن هذاً، يحصل أجر الحروف؛ لكن القراءة على
الوجه المأمور به أفضل عند جمهور أهل العلم، وإن قلت الحروف، قراءة الهذّ تحصل أجر
الحروف، والدليل على ذلك ما في مسند الدارمي بإسناد حسن:
((يقال لقاري القرآن: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ
هذّاً كان أو ترتيلاً)) فدل على أن قراءة الهذّ شرعية، إلا أنها دون قراءة
الترتيل المأمور به {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}
[(4) سورة المزمل]،
وجاء الأمر بتدبر القرآن، والحث عليه في أربع آيات:
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ
لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82)
سورة النساء]،
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
[(24) سورة محمد]،
{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ
لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [(29) سورة ص].
المقصود أن التدبر أجره قدرٌ زائد على مجرد أجر تحصل الحروف، والقراءة على الوجه
المأمور به، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "تورث من العلم والعمل واليقين
والطمأنينة والإيمان ما لا يدركه إلا من فعله" فلا شك أن القراءة بالتدبر والترتيل
عند عامة أهل العلم أفضل من قراءة الهذّ، ولو كانت أقل في عدد الحروف؛ لأنه وإن
كانت قراءة الهذّ محصلة لأجر الحروف، إلا أن كون العمل يأتي على مراد الله -جل
وعلا- يفوق ما جاء مما رتب عليه الأجر الكبير أضعاف مضاعفة.
ألا ترى أن الذي أصاب السنة أفضل بمراحل ممن له الأجر مرتين:
((والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه له أجران)) له أجر القراءة، وأجر
المشقة، ((والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة))
فلا يستوي أجر عُدَّ وحسب على ما عند الله -جل وعلا- مما يوافق مراده -عز وجل-، هذا
من جهة فإذا افترضنا أن شخصاً قال: أريد أن أجيد في ساعة، هل أقرأ في هذه الساعة
خمسة أجزاء أو أقرأ جزئين؟ نقول له: إن كنت تريد مجرد أجر الحروف فاقرأ الخمسة، وهو
مرجحٌ عند الإمام الشافعي، وإن كنت تريد ما هو أعظم من ذلك لتحقق الهدف الذي من
أجله أنزل القرآن فاقرأ جزئين، وأجرك أعظم عند جمهور أهل العلم.
ونحن مقبلون على شهرٍ عظيم مبارك، هو شهر القرآن {شَهْرُ
رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}
[(185) سورة البقرة] هو شهر القرآن عند أهل
العلم، ولذا إذا دخل رمضان أقبل كثيرٌ من السلف على كتاب الله -عز وجل-، وتركوا
أعمالهم، وارتباطاتهم الخاصة والعامة؛ لينكبوا على كتاب الله -جل وعلا-.
وذكر في سيرهم شيءٌ هو في عداد كثيرٍ من طلاب العلم مع الأسف الشديد ضربٌ من
الخيال، أو من الأساطير، حتى كان بعضهم يختم القرآن في يوم، وبعضهم مرة في النهار،
ومرة في الليل، وهذا ثابت عن بعض الصحابة، وهو كثيرٌ في التابعين ومن بعدهم.
قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمرو:
((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) يعني لو قرأ القرآن
في أقل من سبع زاد وخالف، وجاء في الحديث الذي في السنن وهو صحيح:
((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) هذه النصوص
أولاً حديث عبد الله بن عمرو جاء ليعالج مشكلة، وهي أن عبد الله بن عمرو كان
مندفعاً؛ ليفرغ نفسه للعبادة ليقوم الليل فلا ينام، ويصوم النهار فلا يفطر، ويقرأ
القرآن في كل لحظةٍ من لحظاته، فمثل هذا المندفع يعالج بالتخفيف، ولذا جاء العرض
عليه بأن يقرأ القرآن في كل شهرٍ مرة، في كل شهرٍ مرتين، ثم قيل له:
((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) فمثل هذا علاج لبعض
المندفعين، يبدأ بالأخف الأخف؛ لكن لو جاء شخص مفرط معرض إذا قيل له: اقرأ القرآن
في كل يوم وعسى أن يقرأه في كل شهر، فمثل هذا يورد له من أعمال السلف ما ثبت عنهم
عله أن يندفع لقراءة القرآن، عله أن تشحذ الهمة لقراءة كتاب الله -عز وجل-.
أما حديث: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث))
فهو محمول عند أهل العلم على من كان ديدنه ذلك، أما من استغل المواسم الزمانية
والمكانية فلا يدخل في هذا، على أن ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو يحمله أهل
العلم على أنه للرفق به، وما جاء بالرفق بالشخص فإنه لا يدل على ظاهره من الأمر، بل
يحمل على حاله وحال من يشبهه كمن ذكره من المندفعين.
القرآن هو كلام الله الذي لا يشبع منه طالب العلم، وفيه الأعاجيب، لا تنقضي عجائبه،
عجباً لهذا الكلام الذي يردد في كل يومٍ عند بعض الناس، وفي كل ثلاث وفي كل سبع عند
كثير، ويقرأه الإنسان في كل وقت ولا يمله، بينما لو ردد كلام البشر مرتين أو ثلاث
لن يطيق أكثر من ذلك، فالقرآن كما ذكرنا كلام الله -جل وعلا-، وفضله على سائر
الكلام كفضل الله على خلقه، فعلينا أن نعنى بكتاب الله -جل وعلا- في كل وقت، وقراءة
القرآن في سبع لا تكلف شيئاً، من جلس بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس في كل يوم قرأ
القرآن بسبع ولم يحتاج إلى المزيد على ذلك.
من المتقدمين من يقرأ -معروف عند أهل العلم- من يقرأ قراءة الهذّ لتحصيل الحروف
ويكثر من ذلك ويجعل له ختمة تدبر، يفيد منها في قلبه وفي علمه وفي عمله.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
فتدبر القرآن إن رمت الهدى *** فالعلم تحت تدبر القرآنِ
لكن لو خصص الإنسان ساعة بعد صلاة الصبح ونصف ساعة بعد صلاة العصر، وهذا الوقت لا
يعيقه عن شيءٍ من أمور دينه ودنياه، كفيلٌ أن يقرأ القرآن بسبع بالتدبر المناسب، لو
زاد نص ساعة زاد الأمر تدبراً وتفكراً وإفادةً.
وعلى طالب العلم أن يقرأ ما يعينه على فهم كلام الله -جل وعلا-، من كلام أهل العلم
الموثوقين حول القرآن، من التفاسير المختصرة، ويغني من ذلك تفسير الشيخ ابن سعدي أو
تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، أما من يريد أن يقرأ ويفيد من جميع أنواع علوم القرآن،
ويمكنه أن يستنبط من القرآن فعليه بالمطولات، والتفاسير الموثوقة موجودة، ولله
الحمد.
المقصود أن طالب العلم يعجب من حاله إذا زهد بكتاب الله، مع الأسف الشديد أن بعضهم
لا يفتح القرآن إلا في رمضان، أو إن تيسر له أن يحضر إلى الصلاة قبل الإقامة بخمس
أو عشر دقائق فتح القرآن، بل الأعجب من ذلك من يتعجب ممن يقرأ القرآن، يأتي طالب
ينتسب إلى العلم لبعض المشايخ ويقول له: إنه يريد أن يقرأ عليه كتاب في العلم في
الحديث أو في الفقه أو في العقيدة أو في غيرها من التخصصات الشرعية التي تعينه في
سيره إلى الله والدار الآخرة، ثم يجد الشيخ يقرأ القرآن في المسجد، فيعتذر الشيخ
بأنه مشغول، فيتعجب الطالب كيف يقول: مشغول وهو جالس يقرأ قرآن؟ هذا كلام له
دلالته، دلالة خطيرة، كأن بعض طلاب العلم ليس في قاموسهم وفي ترتيبهم نصيب من كتاب
الله -عز وجل-، وهذه سمعت ما هو بكلام افتراضي، هذا كلام مسموع، وملاحظ ومشاهد، نعم
الإقبال على الحفظ موجود، والحفظة فيهم كثرة -ولله الحمد- أكثر من ذي قبل، كما جاء
في الحديث الصحيح: ((يكثر العلم ويقل العمل)) ولذا
نجد آثار ذلك ظاهرة من وجود الجفاء عند كثيرٍ ممن يطلب العلم لا سيما ممن لم يتمكن
العلم إلى قلبه، ولذا تجد نصيب الكبير منهم في القيل والقال، أخطأ فلان، زل فلان،
أفتى فلان، قال فلان، وهل جعلك الله حكماً بين العباد؟! مثل هذا في الغالب أنه لا
يفلح، وفي الغالب أن يحرم بركة العلم والعمل، كما نص على ذلك ابن عبد البر وغيره.
فالمقصود أن على طالب العلم أن يلزم خاصة نفسه، وأن يحرص على ما ينفعه من كسب
الحسنات ودرء وترك السيئات، ويحافظ على ما اكتسبه، ولا يأتي مفلساً يوم القيامة،
يأتي بأعمالٍ أمثال الجبال، ثم يفرقها بين فلان وعلان، يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا،
وسرق مال هذا، وقذف هذا، ثم يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته إلى آخره في الحديث
المعروف في حديث المفلس.
مع الأسف أنه يوجد في صفوف طلاب العلم من هذه صفته، فاكهتهم الأعراض، لا سيما أعراض
أهل العلم، هم يفترضون في أهل العلم العصمة، ولا عصمة لأحد، كلٌ يخطئ، وكلٌ يؤخذ من
قوله ويرد، إلا النبي -عليه الصلاة والسلام- المعصوم، وما عدا ذلك يخطئ، إذا كنت
بالفعل مشفق على صاحبك الذي أخطأ امنحه النصيحة، اكتب له، قابله، ناقشه إلى غير
ذلك، وإلا فالتعريض فيه لا يغني عن التصريح لا سيما إذا خشي الضرر من انتشار هذه
الفتوى التي هي خلاف الصواب، فلا مانع أن يقال: من غير تسمية، بعض الناس يفتي بكذا،
والمرجح عند أهل العلم كذا، حتى لا ينسب إلى نفسه شيء وهو ما زال صغيراً، والله
المستعان، ولا أريد أن أطيل عليكم، وكلكم يعرف مثل هذا الكلام؛ لكن الشيخ -حفظه
الله- طلب هذه الكلمة المختصرة عن كتاب الله، وإلا كلكم يعرف مثل هذا الكلام، والله
المستعان، لكن إذا كان هناك أسئلة؟
يقول: هل يجوز للمسلمة الكلام مع زوج أختها بتوسع، بمعنى أنها تتناقش معه بقضية
معينة، أو يدور بينهما حوار جاد، أو أستشيره في أمر، واعتباره مقرباً منا، ويفهم
مشاكلنا، فهل هذا التوسع في الحديث مع زوج الأخت لا شيء فيه، وطبعاً بدون خضوع أو
ضحك ومن وراء حجاب، أي مراعاة للضوابط الشرعية المعروفة، وقد يحدث مثل ذلك على
الماسنجر، أو عبر شبكة الإنترنت؟ أرجو الإيضاح، جزاكم الله خيراً.
زوج الأخت ليس محرماً لأخت زوجته، فالأصل أن لا يراها ولا تراه؛ لكن إذا أمنت
الفتنة، وقامت الحاجة، إذا أمنت الفتنة، ودعت الحاجة إلى ذلك، وكان الكلام بقدر
الحاجة، ولا خضوع فيه، فلا بأس -إن شاء الله تعالى-؛ لكن لا بد من أمنِ الفتنة مع
عدم الاسترسال؛ لأن مثل هذا قد يكون في أول الأمر تؤمن الفتنة؛ لكن مع الاسترسال
والأخذ والرد يقع في قلبه شيء، لا سيما إذا كان ممن في قلبه شيء من المرض، ولم يخلُ
إلا القليل النادر في هذا الزمان لا سيما مع الوسائل -وسائل الشر- التي وجدت بين
المسلمين، مما زادت من أمراض القلوب، لا سيما فيما يتعلق فيه بالنساء، وصور مرئية
ومسموعة ومقروءة، وأمور يعني لا تخطر على بال، فمن الخير كل الخير أن لا ترى المرأة
رجال ولا يرونها هذا من جهة، وأن لا تكلم الرجال إلا بقدر الضرورة، ولو كتبت هذه
المشكلة وأعطيت الأخت ليقرأها زوجها ويجيب عنها كان محققاً للهدف من غير ترتب أي
محظور، والله المستعان؛ لكن يبقى إذا أمنت الفتنة، ودعت الحاجة، والكلام بقدر
الحاجة من غير خضوع فلا شيء في ذلك -إن شاء الله تعالى-.
أثابكم الله، السؤال الثاني يقول: فضيلة الشيخ -أحسن الله إليك- ما الفرق بين
حرف المعنى والمبنى وجزاكم الله خيراً؟
حروف المبنى التي هي حروف التهجي ألف باء تاء ثاء... إلى آخره، التي تبنى منها
الكلمات، حروف المعاني يقصد منها الكلمات التي تحمل المعاني، ولا يقصد بها الحرف
الاصطلاحي الذي لا يصلح مع دليلُ الاسم ولا دليل الفعل، بل هو أعم من ذلك، الاسم
حرف والفعل حرف، والحرف الاصطلاحي حرف، فمثلاً: هل (الم) مثل (ألم)؟
{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ}
[(2) سورة البقرة] مثل:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ
الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل]؟
هل هذه مثل هذه؟ يعني على أي شيء بين (الم) و(ألم)؟ لا، ومع ذلكم (ألم) ثلاثة حروف
على القول المرجح عند جمهور أهل العلم؛ لأنه يصدق عليه أنه حرف، الهمزة حرف لغةً
واصطلاحاً وعرفاً، ومثله اللام والميم يعني إذا قلنا: أن المراد به حرف المعنى
قلنا: (ألم) هذه كم؟ حرف وإلا حرفين؟ حرفين، الهمزة في المثال حرف معنى، و(لم) حرف
معنى أيضاًَ، فهما حرفان بدلاً من أن تقول:........ حرف.
أثابكم الله، وهذا سؤال أيضاً عبر الشبكة المذكورة يقول: السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته أرجو التفضل بالإجابة على سؤالي وهو: أن زوج أختي عندما كان صغيراً
فتح له أبوه حساباً في البنك باسمي، وذلك في أحد الدول الأوروبية، وعندما كبر ووجد
طبعاً في حسابه طبعاً مبلغاً كبيراً من الربا فاحتار أن يضع هذا المال الحرام
بالنسبة... فقيل له: إن هذا المال حرامٌ عليك وحلالاٌ على غيرك، فقرر إعطاء هذا
المال لأخي حتى يبدأ به حياته، وأخي غير متزوج مع العلم أننا -والحمد لله- لسنا
فقراء، وغير محتاجين، لكن قلت في نفسي: إن هذا المال المفروض إعطاءه للفقراء بنية
التخلص منه، لا بنية الصدقة، سؤالي هل أخذ أخي لهذا المال حلالٌ له، وهل هذه
القاعدة صحيحة بأنه حرامٌ على زوج أختي وحلالٌ على غيره.
الفوائد الناتجة عن الربا بالصور المحرمة لا شك أنه سحت، وخبيث وحرام، لا يجوز
استعماله، ولا يجوز الإنفاق منه في سبيل الله إلا على سبيل التخلص منه؛ لأنه خبيث،
والله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وجاء في كسب الحجام أنه خبيث
((أطعمه ناضحك)) فإن أعطي وأطعم ما لا يعقل، أو صرف في المصارف الخبيثة
كدورات المياه، وما أشبه ذلك فلا بأس حينئذٍ بنية التخلص، أما كونه يأخذه شخص
ليأكله ويستفيد منه، ويبني عليه جسمه وجسده وجسد من يعول، فهذا ليس بصحيح، إنما
يتخلص منه للمصارف الدنيئة، ولا يدخل هذا في عموم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه
الله- أن الأموال التي فيها الشبهة تسدد منها الديون، هذه ليست شبهات، هذه محرمات
صريحة، مقطوع بها، فلا يقال: هذه من الشبهات التي ذكرها شيخ الإسلام، فإذا تاب
المرابي فليس له من المال إلا رأس المال، على خلافٍ في رأس المال هل المراد به في
أول دخوله هذه التجارة، أو المراد به عند التوبة، قولان لأهل العلم، والجمهور على
أنه عند دخوله في التجارة، فإذا افترضنا أن شخصاً زاول تجارة الربا الصريح بمبلغ
ألف ريال، ثم استمر على ذلك عشر سنوات، فنظر في الحساب فإذا فيه مليون ريال، الحساب
فيه مليون ريال، وفيه مائة ألف في الذمم، ما استلمت، هل رأس المال الألف أو
المليون؟ على قولين: فالأكثر على أن رأس المال الألف وما زاد على ذلك يجب أن يتخلص
منه، {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ
تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [(279) سورة
البقرة] والآية محتملة
{وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} التي دخلتم بها
التجارة، {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ
أَمْوَالِكُمْ} وقت التوبة، والتوبة تجب ما قبلها، والقول الثاني: راجحٌ
من حيث النظر؛ لأن فيه الحث على التوبة، والإعانة على التوبة، وإن كان القول غير
قول الجمهور، وهو المعتمد والمفتى به؛ لكن الثاني له وجهٌ من النظر؛ لأنه يحث على
التوبة، ويعين عليها، فإذا كان الإنسان عنده من الأموال مليون ريال، و عند الناس له
من جراء الربا مائة ألف لا يجوز لا أن يستوفي منه شيئاً؛ لكن المليون هو رأس ماله
الآن وقت التوبة، والفوائد التي لم يقبضها ليست له، هذا على القول الثاني، ويرجح من
حيث النظر بأنه فيه إعانة على التوبة، والكافر إذا أسلم لا يؤمر بقضاء ما فاته من
العبادات ترغيباً له في الإسلام، فإذا أسلم مَن عمره سبعون سنة فقيل له: عليك أن
تقضي صلوات خمسة وخمسين سنة، وصيام خمسة وخمسين سنة، احتمال أن يقول أيش؟ هذه مشقة
عليه، فلا يتشجع للدخول في الإسلام، ومثل هذا الذي دخل التجارة بألف، ثم زاول
التجارة بهذه المهنة الخبيثة المتفق على خبثها، ثم قيل له بعد عشر سنوات: مالك إلا
هذا الألف، وما عدا ذلك لا يجوز لك أن تأخذه، احتمال أن يقول: ننتظر ما نتوب الآن،
ويسوف حتى يبغته الأجل؛ لكن إذا أعين على التوبة بأن يقال له: لك رأس مالك الآن
والتوبة تهدم ما كان قبلها، والآية محتملة، صار ذلك سبباً في استقامة حاله، وانشراح
صدره للتوبة، وأسلوب يستعمله شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: "ومن المحال في
العقل والدين" ثم يورد ما يرده -رحمه الله تعالى-. ولقائلٍ يقول: ومن المحال في
العقل والدين أن يحث الله -جل وعلا- على التوبة، ويحب التوابين، ويفرح بتوبة العبد،
ويصد من أراد التوبة عنها؛ لأنه وجد من دخل التجارة بعشرين ريال، وتاب عن مائتي
مليار، لا شك أن المسألة حظ النفس قد يسد، من يقوى على مثل هذا، من يستطيع مثل هذا،
على كل حال المسألة قابلة للنظر، والقول المعتمد عند أهل العلم هو الأول، وهو قول
الجمهور، وأنه ليس له من ماله إلا ما دخل به التجارة، وما زاد على ذلك ليس له؛ لكن
هذه عرض للقول الآخر، وله عندي حظٌ من النظر.
أثابكم الله، وهذا سؤال من أحد الإخوة الحضور: يسأل عن حدود الوسطية ومفهومها،
يقول: لأن من الناس من يذم التمييع والتساهل، ويهرب طالباً الوسطية، وإذا هو يسقط
مع الجانب الآخر، وهو جانب التنطع والغلو التشدد، ومنهم بالعكس من يهم التنطع
والغلو، ويهرب طالباً الوسطية، ثم يسقط مع الجانب التسهيل والتيسير، كما يذكر، فما
حدود الوسطية ومفهومها؟
الوسطية هي سمة هذا الدين، وهي سمة أهل السنة والجماعة، فالدين وسط بين الأديان،
وأهل السنة والجماعة وسط بين المذاهب، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أبدع في
تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في الواسطية، حينما شرح طرفي النقيض في كل مسألة من
مسائل الاعتقاد، ثم قال: وأهل السنة وسط في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا، وأهل
السنة وسط في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا... إلى آخره.
فالوسط هو أن تتقي الله -جل وعلا-، وتسأله الإعانة والتوفيق والتسديد، وأن تعمل
الواجبات وتترك المحرمات، إذا أمرت بشيء فبادر إلى العمل به، وإذا نهيت عن شيء
فبادر إلى الانتهاء عنه ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما
استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) والدين يسر
((ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) ((يسرا ولا تعسرا،
وبشرا ولا تنفرا)) فالمقصود أن دين الله وسط بين الغالي والجافي، لا شك أن
التكاليف تكاليف، وهي إلزامٌ فيه كلفة على النفس، الواجبات فيها كلفة على النفس،
ترك المحرمات ورغبات النفوس فيها كلفة على النفس، لا يعني أن الدين وسط وأنه يسر أن
نتفلت من الواجبات، ونرتكب المحرمات، والدين يسر، لا يا أخي، الله -جل وعلا- الذي
قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}
[(156) سورة الأعراف]
هو شديد العقاب أيضاً، فأنت مأمورٌ منهي، فعليك أن تأتمر بقدر طوقك واستطاعتك
{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}
[(286) سورة البقرة]
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}
[(7) سورة الطلاق]
لكن أيضاً عليك أن تنتهي، فالجنة حفت بالمكاره؛ لأن بعض الناس يستغل مثل هذه النصوص
على التنصل من الدين بالكلية، وهذا المسلك سلكه بعض المبتدعة إلى أن وصلوا إلى حدٍ
تزندقوا، خرجوا من الدين بالكلية.
فالدين عبارة عن أوامر ونواهي، والجنة حفت بالمكاره، فأنت استفتي قلبك، إذا عرض
عليك أمر فإن كنت من أهل النظر والاستدلال وعندك من الدليل ما يدعوك إلى الأقدام
عليه فأقدم، ما يدعوك عن الإحجام عنه فأحجم، إذا لم تكن من أهل النظر ففرضك
التقليد، وسؤال أهل العلم، فاسأل من تبرأ الذمة بتقليده، اسأل أهل العلم اسأل أهل
الدين، اسأل أهل الورع.
لكن لو خصص الإنسان ساعة بعد صلاة الصبح ونصف ساعة بعد صلاة العصر، وهذا الوقت لا
يعيقه عن شيءٍ من أمور دينه ودنياه، كفيلٌ أن يقرأ القرآن بسبع بالتدبر المناسب، لو
زاد نص ساعة زاد الأمر تدبراً وتفكراً وإفادةً.
وعلى طالب العلم أن يقرأ ما يعينه على فهم كلام الله -جل وعلا-، من كلام أهل العلم
الموثوقين حول القرآن، من التفاسير المختصرة، ويغني من ذلك تفسير الشيخ ابن سعدي أو
تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، أما من يريد أن يقرأ ويفيد من جميع أنواع علوم القرآن،
ويمكنه أن يستنبط من القرآن فعليه بالمطولات، والتفاسير الموثوقة موجودة، ولله
الحمد.
المقصود أن طالب العلم يعجب من حاله إذا زهد بكتاب الله، مع الأسف الشديد أن بعضهم
لا يفتح القرآن إلا في رمضان، أو إن تيسر له أن يحضر إلى الصلاة قبل الإقامة بخمس
أو عشر دقائق فتح القرآن، بل الأعجب من ذلك من يتعجب ممن يقرأ القرآن، يأتي طالب
ينتسب إلى العلم لبعض المشايخ ويقول له: إنه يريد أن يقرأ عليه كتاب في العلم في
الحديث أو في الفقه أو في العقيدة أو في غيرها من التخصصات الشرعية التي تعينه في
سيره إلى الله والدار الآخرة، ثم يجد الشيخ يقرأ القرآن في المسجد، فيعتذر الشيخ
بأنه مشغول، فيتعجب الطالب كيف يقول: مشغول وهو جالس يقرأ قرآن؟ هذا كلام له
دلالته، دلالة خطيرة، كأن بعض طلاب العلم ليس في قاموسهم وفي ترتيبهم نصيب من كتاب
الله -عز وجل-، وهذه سمعت ما هو بكلام افتراضي، هذا كلام مسموع، وملاحظ ومشاهد، نعم
الإقبال على الحفظ موجود، والحفظة فيهم كثرة -ولله الحمد- أكثر من ذي قبل، كما جاء
في الحديث الصحيح: ((يكثر العلم ويقل العمل)) ولذا
نجد آثار ذلك ظاهرة من وجود الجفاء عند كثيرٍ ممن يطلب العلم لا سيما ممن لم يتمكن
العلم إلى قلبه، ولذا تجد نصيب الكبير منهم في القيل والقال، أخطأ فلان، زل فلان،
أفتى فلان، قال فلان، وهل جعلك الله حكماً بين العباد؟! مثل هذا في الغالب أنه لا
يفلح، وفي الغالب أن يحرم بركة العلم والعمل، كما نص على ذلك ابن عبد البر وغيره.
فالمقصود أن على طالب العلم أن يلزم خاصة نفسه، وأن يحرص على ما ينفعه من كسب
الحسنات ودرء وترك السيئات، ويحافظ على ما اكتسبه، ولا يأتي مفلساً يوم القيامة،
يأتي بأعمالٍ أمثال الجبال، ثم يفرقها بين فلان وعلان، يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا،
وسرق مال هذا، وقذف هذا، ثم يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته إلى آخره في الحديث
المعروف في حديث المفلس.
مع الأسف أنه يوجد في صفوف طلاب العلم من هذه صفته، فاكهتهم الأعراض، لا سيما أعراض
أهل العلم، هم يفترضون في أهل العلم العصمة، ولا عصمة لأحد، كلٌ يخطئ، وكلٌ يؤخذ من
قوله ويرد، إلا النبي -عليه الصلاة والسلام- المعصوم، وما عدا ذلك يخطئ، إذا كنت
بالفعل مشفق على صاحبك الذي أخطأ امنحه النصيحة، اكتب له، قابله، ناقشه إلى غير
ذلك، وإلا فالتعريض فيه لا يغني عن التصريح لا سيما إذا خشي الضرر من انتشار هذه
الفتوى التي هي خلاف الصواب، فلا مانع أن يقال: من غير تسمية، بعض الناس يفتي بكذا،
والمرجح عند أهل العلم كذا، حتى لا ينسب إلى نفسه شيء وهو ما زال صغيراً، والله
المستعان، ولا أريد أن أطيل عليكم، وكلكم يعرف مثل هذا الكلام؛ لكن الشيخ -حفظه
الله- طلب هذه الكلمة المختصرة عن كتاب الله، وإلا كلكم يعرف مثل هذا الكلام، والله
المستعان، لكن إذا كان هناك أسئلة؟
يقول: هل يجوز للمسلمة الكلام مع زوج أختها بتوسع، بمعنى أنها تتناقش معه بقضية
معينة، أو يدور بينهما حوار جاد، أو أستشيره في أمر، واعتباره مقرباً منا، ويفهم
مشاكلنا، فهل هذا التوسع في الحديث مع زوج الأخت لا شيء فيه، وطبعاً بدون خضوع أو
ضحك ومن وراء حجاب، أي مراعاة للضوابط الشرعية المعروفة، وقد يحدث مثل ذلك على
الماسنجر، أو عبر شبكة الإنترنت؟ أرجو الإيضاح، جزاكم الله خيراً.
زوج الأخت ليس محرماً لأخت زوجته، فالأصل أن لا يراها ولا تراه؛ لكن إذا أمنت
الفتنة، وقامت الحاجة، إذا أمنت الفتنة، ودعت الحاجة إلى ذلك، وكان الكلام بقدر
الحاجة، ولا خضوع فيه، فلا بأس -إن شاء الله تعالى-؛ لكن لا بد من أمنِ الفتنة مع
عدم الاسترسال؛ لأن مثل هذا قد يكون في أول الأمر تؤمن الفتنة؛ لكن مع الاسترسال
والأخذ والرد يقع في قلبه شيء، لا سيما إذا كان ممن في قلبه شيء من المرض، ولم يخلُ
إلا القليل النادر في هذا الزمان لا سيما مع الوسائل -وسائل الشر- التي وجدت بين
المسلمين، مما زادت من أمراض القلوب، لا سيما فيما يتعلق فيه بالنساء، وصور مرئية
ومسموعة ومقروءة، وأمور يعني لا تخطر على بال، فمن الخير كل الخير أن لا ترى المرأة
رجال ولا يرونها هذا من جهة، وأن لا تكلم الرجال إلا بقدر الضرورة، ولو كتبت هذه
المشكلة وأعطيت الأخت ليقرأها زوجها ويجيب عنها كان محققاً للهدف من غير ترتب أي
محظور، والله المستعان؛ لكن يبقى إذا أمنت الفتنة، ودعت الحاجة، والكلام بقدر
الحاجة من غير خضوع فلا شيء في ذلك -إن شاء الله تعالى-.
أثابكم الله، السؤال الثاني يقول: فضيلة الشيخ -أحسن الله إليك- ما الفرق بين
حرف المعنى والمبنى وجزاكم الله خيراً؟
حروف المبنى التي هي حروف التهجي ألف باء تاء ثاء... إلى آخره، التي تبنى منها
الكلمات، حروف المعاني يقصد منها الكلمات التي تحمل المعاني، ولا يقصد بها الحرف
الاصطلاحي الذي لا يصلح مع دليلُ الاسم ولا دليل الفعل، بل هو أعم من ذلك، الاسم
حرف والفعل حرف، والحرف الاصطلاحي حرف، فمثلاً: هل (الم) مثل (ألم)؟
{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ}
[(2) سورة البقرة] مثل:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ
الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل]؟
هل هذه مثل هذه؟ يعني على أي شيء بين (الم) و(ألم)؟ لا، ومع ذلكم (ألم) ثلاثة حروف
على القول المرجح عند جمهور أهل العلم؛ لأنه يصدق عليه أنه حرف، الهمزة حرف لغةً
واصطلاحاً وعرفاً، ومثله اللام والميم يعني إذا قلنا: أن المراد به حرف المعنى
قلنا: (ألم) هذه كم؟ حرف وإلا حرفين؟ حرفين، الهمزة في المثال حرف معنى، و(لم) حرف
معنى أيضاًَ، فهما حرفان بدلاً من أن تقول:........ حرف.
أثابكم الله، وهذا سؤال أيضاً عبر الشبكة المذكورة يقول: السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته أرجو التفضل بالإجابة على سؤالي وهو: أن زوج أختي عندما كان صغيراً
فتح له أبوه حساباً في البنك باسمي، وذلك في أحد الدول الأوروبية، وعندما كبر ووجد
طبعاً في حسابه طبعاً مبلغاً كبيراً من الربا فاحتار أن يضع هذا المال الحرام
بالنسبة... فقيل له: إن هذا المال حرامٌ عليك وحلالاٌ على غيرك، فقرر إعطاء هذا
المال لأخي حتى يبدأ به حياته، وأخي غير متزوج مع العلم أننا -والحمد لله- لسنا
فقراء، وغير محتاجين، لكن قلت في نفسي: إن هذا المال المفروض إعطاءه للفقراء بنية
التخلص منه، لا بنية الصدقة، سؤالي هل أخذ أخي لهذا المال حلالٌ له، وهل هذه
القاعدة صحيحة بأنه حرامٌ على زوج أختي وحلالٌ على غيره.
الفوائد الناتجة عن الربا بالصور المحرمة لا شك أنه سحت، وخبيث وحرام، لا يجوز
استعماله، ولا يجوز الإنفاق منه في سبيل الله إلا على سبيل التخلص منه؛ لأنه خبيث،
والله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وجاء في كسب الحجام أنه خبيث
((أطعمه ناضحك)) فإن أعطي وأطعم ما لا يعقل، أو صرف في المصارف الخبيثة
كدورات المياه، وما أشبه ذلك فلا بأس حينئذٍ بنية التخلص، أما كونه يأخذه شخص
ليأكله ويستفيد منه، ويبني عليه جسمه وجسده وجسد من يعول، فهذا ليس بصحيح، إنما
يتخلص منه للمصارف الدنيئة، ولا يدخل هذا في عموم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه
الله- أن الأموال التي فيها الشبهة تسدد منها الديون، هذه ليست شبهات، هذه محرمات
صريحة، مقطوع بها، فلا يقال: هذه من الشبهات التي ذكرها شيخ الإسلام، فإذا تاب
المرابي فليس له من المال إلا رأس المال، على خلافٍ في رأس المال هل المراد به في
أول دخوله هذه التجارة، أو المراد به عند التوبة، قولان لأهل العلم، والجمهور على
أنه عند دخوله في التجارة، فإذا افترضنا أن شخصاً زاول تجارة الربا الصريح بمبلغ
ألف ريال، ثم استمر على ذلك عشر سنوات، فنظر في الحساب فإذا فيه مليون ريال، الحساب
فيه مليون ريال، وفيه مائة ألف في الذمم، ما استلمت، هل رأس المال الألف أو
المليون؟ على قولين: فالأكثر على أن رأس المال الألف وما زاد على ذلك يجب أن يتخلص
منه، {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ
تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [(279) سورة
البقرة] والآية محتملة
{وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} التي دخلتم بها
التجارة، {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ
أَمْوَالِكُمْ} وقت التوبة، والتوبة تجب ما قبلها، والقول الثاني: راجحٌ
من حيث النظر؛ لأن فيه الحث على التوبة، والإعانة على التوبة، وإن كان القول غير
قول الجمهور، وهو المعتمد والمفتى به؛ لكن الثاني له وجهٌ من النظر؛ لأنه يحث على
التوبة، ويعين عليها، فإذا كان الإنسان عنده من الأموال مليون ريال، و عند الناس له
من جراء الربا مائة ألف لا يجوز لا أن يستوفي منه شيئاً؛ لكن المليون هو رأس ماله
الآن وقت التوبة، والفوائد التي لم يقبضها ليست له، هذا على القول الثاني، ويرجح من
حيث النظر بأنه فيه إعانة على التوبة، والكافر إذا أسلم لا يؤمر بقضاء ما فاته من
العبادات ترغيباً له في الإسلام، فإذا أسلم مَن عمره سبعون سنة فقيل له: عليك أن
تقضي صلوات خمسة وخمسين سنة، وصيام خمسة وخمسين سنة، احتمال أن يقول أيش؟ هذه مشقة
عليه، فلا يتشجع للدخول في الإسلام، ومثل هذا الذي دخل التجارة بألف، ثم زاول
التجارة بهذه المهنة الخبيثة المتفق على خبثها، ثم قيل له بعد عشر سنوات: مالك إلا
هذا الألف، وما عدا ذلك لا يجوز لك أن تأخذه، احتمال أن يقول: ننتظر ما نتوب الآن،
ويسوف حتى يبغته الأجل؛ لكن إذا أعين على التوبة بأن يقال له: لك رأس مالك الآن
والتوبة تهدم ما كان قبلها، والآية محتملة، صار ذلك سبباً في استقامة حاله، وانشراح
صدره للتوبة، وأسلوب يستعمله شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: "ومن المحال في
العقل والدين" ثم يورد ما يرده -رحمه الله تعالى-. ولقائلٍ يقول: ومن المحال في
العقل والدين أن يحث الله -جل وعلا- على التوبة، ويحب التوابين، ويفرح بتوبة العبد،
ويصد من أراد التوبة عنها؛ لأنه وجد من دخل التجارة بعشرين ريال، وتاب عن مائتي
مليار، لا شك أن المسألة حظ النفس قد يسد، من يقوى على مثل هذا، من يستطيع مثل هذا،
على كل حال المسألة قابلة للنظر، والقول المعتمد عند أهل العلم هو الأول، وهو قول
الجمهور، وأنه ليس له من ماله إلا ما دخل به التجارة، وما زاد على ذلك ليس له؛ لكن
هذه عرض للقول الآخر، وله عندي حظٌ من النظر.
أثابكم الله، وهذا سؤال من أحد الإخوة الحضور: يسأل عن حدود الوسطية ومفهومها،
يقول: لأن من الناس من يذم التمييع والتساهل، ويهرب طالباً الوسطية، وإذا هو يسقط
مع الجانب الآخر، وهو جانب التنطع والغلو التشدد، ومنهم بالعكس من يهم التنطع
والغلو، ويهرب طالباً الوسطية، ثم يسقط مع الجانب التسهيل والتيسير، كما يذكر، فما
حدود الوسطية ومفهومها؟
الوسطية هي سمة هذا الدين، وهي سمة أهل السنة والجماعة، فالدين وسط بين الأديان،
وأهل السنة والجماعة وسط بين المذاهب، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أبدع في
تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في الواسطية، حينما شرح طرفي النقيض في كل مسألة من
مسائل الاعتقاد، ثم قال: وأهل السنة وسط في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا، وأهل
السنة وسط في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا... إلى آخره.
فالوسط هو أن تتقي الله -جل وعلا-، وتسأله الإعانة والتوفيق والتسديد، وأن تعمل
الواجبات وتترك المحرمات، إذا أمرت بشيء فبادر إلى العمل به، وإذا نهيت عن شيء
فبادر إلى الانتهاء عنه ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما
استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) والدين يسر
((ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) ((يسرا ولا تعسرا،
وبشرا ولا تنفرا)) فالمقصود أن دين الله وسط بين الغالي والجافي، لا شك أن
التكاليف تكاليف، وهي إلزامٌ فيه كلفة على النفس، الواجبات فيها كلفة على النفس،
ترك المحرمات ورغبات النفوس فيها كلفة على النفس، لا يعني أن الدين وسط وأنه يسر أن
نتفلت من الواجبات، ونرتكب المحرمات، والدين يسر، لا يا أخي، الله -جل وعلا- الذي
قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}
[(156) سورة الأعراف]
هو شديد العقاب أيضاً، فأنت مأمورٌ منهي، فعليك أن تأتمر بقدر طوقك واستطاعتك
{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}
[(286) سورة البقرة]
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}
[(7) سورة الطلاق]
لكن أيضاً عليك أن تنتهي، فالجنة حفت بالمكاره؛ لأن بعض الناس يستغل مثل هذه النصوص
على التنصل من الدين بالكلية، وهذا المسلك سلكه بعض المبتدعة إلى أن وصلوا إلى حدٍ
تزندقوا، خرجوا من الدين بالكلية.
فالدين عبارة عن أوامر ونواهي، والجنة حفت بالمكاره، فأنت استفتي قلبك، إذا عرض
عليك أمر فإن كنت من أهل النظر والاستدلال وعندك من الدليل ما يدعوك إلى الأقدام
عليه فأقدم، ما يدعوك عن الإحجام عنه فأحجم، إذا لم تكن من أهل النظر ففرضك
التقليد، وسؤال أهل العلم، فاسأل من تبرأ الذمة بتقليده، اسأل أهل العلم اسأل أهل
الدين، اسأل أهل الورع.
رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وليس في فتواه مفتي
متبع *** ما لم يضف للعلم والدين الورع
فالمسألة دائرة بين أمرين، والناس اثنان: أحدهما: صاحب علم ونظر مثل هذا فرضه
النظر، ينظر في النصوص على أنها دين لا على أنها اتباع شهوات؛ لأن بعض الناس ينظر
في المذاهب لا ينظر في النصوص، ويقول النبي -عليه الصلاة السلام-:
((ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما)) أبو حنيفة
يقول كذا ومالك يقول كذا، إذاً أبو حنيفة أسهل أو مالك أسهل، الإمام مالك معتبر
مالك نجم السنن، أبو حنيفة الإمام الأعظم كلهم أئمة كلهم على العين والرأس؛ لكن أيش
معنى هذا؟ هذا أنك تتبع هواك ما تتبع الدين، انظر في أدلة هؤلاء وهؤلاء ثم إذا ترجح
عندك فاعمل بما تدين الله به، واترك عنك بنية الطريق، ولو كثر الكلام، ولو كثر
الطنطنة، ولو كثر من يخرج إلى القنوات، ويقلل من شأن الدين والمتدينين، ويريد أن
يخرج الناس من أديانهم بالفتاوى المائعة، التي لا تعتمد لا على نقل ولا على عقل،
فعلى الإنسان إن كان من أهل النظر أن يعمل بما يدين الله به من خلال الدليل الصحيح،
وإن لم يكن من أهل النظر فعليه أن يقلد من تبرأ الذمة بتقليده، والله المستعان.
أثابكم الله، هذا السؤال ورد عبر الشبكة المذكورة يقول: أقوم بمسابقات ثقافية
تتعلق بالعقيدة والثقافة العامة المفيدة للطلاب، بحيث تكون في ورق تصوير، وأشترط
الدخول في المسابقة دفع ريال واحد، عن كل ورقة، وأقوم بشراء الجائزة بقيمة الورق
المباع على الطلاب، ما حكم هذا التصرف؟
الأصل أن السبق لا يجوز إلا في الجهاد، ولذا جاء في الحديث:
((لا سبق إلا في خفٍ أو نصلٍ أو حافر)) وما عدا ذلك لا يجوز، شيخ الإسلام
ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وغيره من أهل العلم توسعوا وقالوا: إن ما يعين على
تحصيل العلم الشرعي، وتحصيل العلم الشرعي ضربٌ من الجهاد يجوز فيه السبق، والسبق
بشروطه، لا يكون من الطرفين، بحيث يدفع ثم بعد ذلك إما أن يغنم وإما أن يغرم، لا،
فإذا أردت أن تحتسب وتضع مسابقة في كتابٍ أو شريط فلا تكلف الناس شيئاً، لا تأخذ
منهم شيء، لا تأخذ منهم مقابل ولو يسير؛ لأن الذي يبيح الريال يبيح الريالين، يبيح
الخمسة، يبيح العشرة، يبيح المائة، ولو قلت: أني أستغل هذه الموارد في الصرف على
هذه المسابقة وغيرها من المسابقات، لا يا أخي لا تستغل الناس، ولا تأخذ منهم شيء،
ولو كان يسيراً، نعم أجرك على الله، وإن استعنت بالله ثم بإخوانك ممن يمدك بهذه
الجوائز لكان أفضل، وإلا فالأصل المنع، والجوائز على خلاف الأصل، فلا تضعف هذا
الأصل الذي هو على خلاف الأصل، فأنت أجرك على الله، واحتسب وضع الجوائز من عندك،
وعند من يعينك من إخوانك المسلمين، ولا تأخذ من الناس شيئاً.
أثابكم الله، هذا سؤال من أحد الإخوة يقول: فضيلة الشيخ بعض الأئمة -هداهم الله-
في التراويح يستعجلون في القراءة والصلاة من أجل التبكير في الخروج، ومجاراة بعضهم
لبعض، حتى إنه يحصل سباقٌ بينهم أيهم يخرج أولاً، ما توجيهكم حفظكم الله؟
إذا كان المنظور إليه في الصلاة التي هي أخص العبادات فالمبادرة بالخروج لا شك أن
هذه حقيقة مرة، توجد عند بعض الناس، وإن كانت قلت، توجد قبل أكثر من الآن، ولله
الحمد، أكثر من الآن توجد قبل فيما أدركناه، لكن لا ينبغي للمصلي أن ينظر إلى
الوقت، نعم الناس لهم ظروف، ولهم حاجات، والإمام واحدٌ من الناس له ظروفه؛ لكن إن
كان الهدف أن يقال: فلان خرج قبل فلان، هذا ليست حقيقة، وليست هدف، وليست مقصد صحيح
فضلاً على أن يكون شرعياً.
أدركت شيخاً جاز المائة، وهو يصلي صلاة التهجد واقفاً، خلف إمام متوسط القراءة،
يعني لا يشجع على طول القيام، ويقرأ في كل تسليمة جزءً من القرآن، خمسة تسليمات في
التهجد يقرأ خمسة، في ليلةٍ من الليالي ليالي الشتاء سمع مؤذناً يؤذن الأذان الأول،
والعادة جرت أنه يؤذن الأذان الأول متى؟ إذا فرغوا من الصلاة، فالإمام لما سمع هذا
المؤذن خفف الركعة الأخيرة من التسليمة الأخيرة، فلما سلم قال له هذا الشيخ الكبير
الذي جاوز المائة على مسمعٍ من الناس كلهم بأسلوبه وعبارته: يوم جاء وقت النزول
خففت! يعني آخر الليل تخفف! جاوز المائة وأنا أدركته، فيا إخوان المسألة أنت واقفٌ
بين يدي أكبر من كل كبير، وتقول: الله أكبر، وترفع الحجاب بينك وبين ربك، وتنادي
ربك، في أيام معدودات، في ليالٍ يسيرات، ومع ذلك هم يسارعون، فلا أقل من أن يقرأ في
الثماني الركعات جزءً من القرآن، في العشرين الأيام الأولى، جزء من القرآن، ويش
المانع، وخلي الصلاة تنتهي بساعة، ما يصير؟ الدنيا ملحوق عليها، هذا شيء أيها
الإخوان يدعو إلى مثل هذه العجلة، المسألة ساعة وبعد الساعة لك، والليل طويل، ولله
الحمد، مع الأسف الشديد أن ليالي رمضان تستغل فيما لا ينفع، كثيرٌ من الناس
يستغلوها فيما يضر.
بعض أهل العلم، بعض من يتصدى لتعليم الناس يتشبه بالسلف، ويعطل الدروس، ويقول:
رمضان شهر القرآن، ويطلب منه الدروس، ويقول: لا خلاص، مالك يترك التحديث، وفلان
وفلان وفلان؛ لكن هل بالفعل هو يفعل هذا، أو هذا من تلبيس الشيطان عليه، يريد أن
يعطل هذه الدروس ولا يصنع شيئاً، هذا الواقع أيها الإخوة، بعض الناس يعطل الدروس،
ولا يرتبط بأي جهدٍ علمي، ومع ذلك هو يقول: إنه يتشبه بالسلف، وهو مجرد ما يصلي
التراويح وقلبه مشغولٌ بما سيفعله بعد ذلك، ينتقل من قهوة فلان أو استراحة فلان أو
علان، أو يجلس في بيته للقيل والقال، ينتظر الداخل والخارج، المسألة أيام معدودات.
إذا لم يكن عوناً من
الله للفتى *** فأول ما يقضي عليهم اجتهاده
كثيرٌ من الناس يحرص على أن يجتهد في هذا الشهر المبارك؛ لكنه لم يتعرف على الله في
الرخاء، ليست له معاملة مع ربه طول العام، ثم يريد أن يقبل في هذا الشهر المبارك،
لا شك أنه لا يعان على ذلك، كثيرٌ من الناس يتفرغ في رمضان أو في نصفه أو في العشر
الأخيرة منه، ويهجر أهله ووطنه، ويذهب إلى الأماكن المقدسة ليتفرغ للصلاة والصيام
وقراءة القرآن، ثم يجلس بعد صلاة العصر يفتح المصحف، يعني المتوقع أن يقرأ خمسة ستة
في أيام الشتاء وإلا عشرة في أيام الصيف، يفتح المصحف ثم يقرأ خمس دقائق ورقة
ورقتين ثم يلتفت يميناً وشمالاً لعله يجد أحد، وإلا ذهب يبحث عن الناس؛ لأنه لم
يتعرف على الله في الرخاء، وليس له وردٌ مرتب، حزب مقرر يومياً من القرآن، ونظير
ذلك من يحج، ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من حج
ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) والحج أربعة أيام، يقول:
لن أتكلم بكلمة باحفظ الحج، وهو ديدنه طول العام القيل والقال، لا شك أنه لن يعان
على السكوت خلال أربعة أيام، إن جاءه أحد وإلا ذهب إلى الناس يتحدث معهم.
فالوصية وصية عظيمة، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، نريد أن نعمل بأوقات
المواسم ونجد أننا لا نعان على ذلك، تجد الإنسان طول أيام العام يسهر، فإذا جاء وقت
النزول الإلهي تجده في صراع مع نفسه هل يوتر أو لا يوتر؟ وهو محسوب على أهل الفضل
وطلب العلم، صراع هل يوتر وإلا ما يوتر؟
الحسنة تقول: أختي أختي، لو أنفقت هذه الساعات أو بعض هذه الساعات فيما يرضي الله
-جل وعلا- أعنت على هذا الوتر، فتجده يبرر لنفسه أوترت البارحة، ولا يريد أن أشبه
الوتر بالواجبات، الليلة جمعة، وقد نهي عن تخصيص يوم الجمعة بالقيام، تعليلات، وهو
جالس كل الليل في القيل والقال، لا يعان على الوتر إحدى عشر ركعة، تسع ركعات، سبع
ركعات، خمس ثلاث، ولو واحدة أحياناً، قد يقول وهو يغالط الحقيقة، الساعة ثنتين الآن
الأذان الساعة أربع أربع ونصف أقوم قبلها بعشر دقائق ربع ساعة وأوتر، أقول: هذا في
الغالب يضحك على نفسه، ما أعين وهو مستيقظ كيف يعان وهو نائم؟! فعلينا أن ننتبه
لهذا الأمر، نتعرف على الله، تكون صلتنا بالله -جل وعلا- مستمرة دائمة غير منقطعة
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي
لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ}
[(162-163) سورة الأنعام] أما أن نأتي في
أوقات المواسم وأوقات المضاربات ونريد أن نكتسب، ودهرنا كله تفريط، لا يمكن أن يصير
هذا، وإلا ما الفرق بين العابد والمفرط؟ لا يظهر الفرق بين العابد والمفرط، والله
المستعان.
أثابكم الله، لكن طالب العلم اللي يجلس في رمضان ويحتج في مالك وغيره من السلف
فهل يعذر في هذا الزمن الذي الناس في حاجة فيه إلى الدروس والمواعظ؟
هو الغالب –غالباً- أن النفع المتعدي أفضل من اللازم، هذه قاعدة أغلبية عند أهل
العلم، وإن كانت الصلاة نفعها قاصر، أفضل من الزكاة وهي نفعٌ متعدي؛ لكن القاعدة
أغلبية في نوافل العبادات لا شك أن النفع المتعدي أفضل من القاصر، يبقى أنه في وقت
الاعتكاف في العشر الأخيرة من رمضان أهل العلم قاطبة ينصون على أن هذه الأيام إنما
تكون للعبادات الخاصة، ليتفرغ القلب في هذه الأيام أو في هذه الليالي العشر
للعبادات الخاصة من صلاة وتلاوة وصيام وذكر فقط، إلا في شيء يسير لا يعيقه عما هو
بصدده في مسائل علمية يسيرة، يعني تعينه أيضاً على ما بصدده، يتوسعون في هذا،
يتسامحون في مثل هذا، وإلا فالأصل أن مثل هذا خاص، وما عدا ذلك نرجع إلى الأصل
العام، وهو أن النفع المتعدي أفضل من القاصر.
هذا سؤال عبر الشبكة المذكورة، يقول السائل: هل هناك زواج بشاهدة الله فقط،
وبقبول وإيجاب من الطرفين، كأن تقول له: زوجتك نفسي، ويقول: وأنا قبلت، والله
شاهدٌ، فهل يعتبر أمام الله زواج أم لا؟
الزواج له أركان وله شروط، لا بد فيه من الولي ((لا نكاح إلا
بولي)) ولا بد فيه أيضاً من شاهدي عدل، ليختلف النكاح عن السفاح فلا بد من
الولي، ولا بد من الإيجاب والقبول، ولا بد أيضاً من شاهدي عدل، هذا هو القول المرجح
عند أهل العلم، يتسامح الإمام مالك -رحمه الله- في الشهود، يتسامح أبو حنيفة في
الولي، لكن الذي تدل عليه النصوص أنه لا بد من الولي، ولا بد من شاهدي العدل، إضافة
إلى جانب القبول وانتفاء الموانع.
القنوت -عفا الله عنك- في رمضان ما المشروع في دعاء القنوت وما آدابه؟
القنوت في الوتر مشروع أصله؛ لكن المداومة عليه هذا خلاف السنة، بعض السلف لا يرى
أنه لا قنوت إلا في النصف الثاني من رمضان، ويرى أن القنوت في النصف الأول وسائر
العام لا دليل عليه؛ لكن إذا ثبت أصله، وأنه ثبت القنوت في الوتر إذاً يقنت؛ لكن
تشبيهه باللوازم في القراءة أو بما يلزم المصلي، وكونه لا يخلُّ به هذا لا شك أنه
خلاف الأصل، فينبغي أن لا يحافظ عليه.
هذا سؤال أيضاً عبر الشبكة يقول:.في مسند أحمد من حديث البراء بن عازب -رضي الله
عنه- الطويل قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة رجل من
الأنصار.. الحديث، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((إن
العبد المؤمن يقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي)) سؤالي هو:
لماذا يطلب المؤمن الرجوع للأهل والمال بالرغم من أنهما ليسا من الباقيات الصالحات،
وإذا كان يطلب الرجوع ليبشر أهله، فماذا عن المال؟
ليرجع إلى أهله وماله في مقره من الجنة، لا ليرجع إلى أهله وماله في الدنيا، في
مقره من الجنة يرجع يأنس بأهله وماله في الجنة.
هذا سؤال من الإخوة يقول: فضيلة الشيخ أيهما أفضل للمؤمن في رمضان ختم القرآن أم
مراجعة حفظه، ومحاولة حفظ عدد من الأجزاء، وما قصة الحديث الوارد في الوعيد على من
حفظ آية ثم نسيها؟
ينبغي أن يقسم الوقت بين القراءة والنظر في المصحف، ولعل هذا يكون في النهار،
ومدارسة القرآن ومراجعة الحفظ، وحفظ الجديد يكون في الليل؛ لأن جبريل -عليه السلام-
كان يدارس النبي -عليه الصلاة والسلام- في كل ليلة من ليالي رمضان، فينبغي أن تكون
المدارسة والمذاكرة والمحافظة على الحفظ، وحفظ الجديد في الليل، والقراءة تكون في
النهار.
هذا سؤال أيضاً عبر الشبكة، تقول: أنا امرأة عندما أريد أن أصلي أجعل ثوب
للصلاة، وهو ما يسمى بالشرشف أو جلال، هل هذا من تخصيص ثوب للصلاة؟
الصلاة إذا كان الثوب ساتر لجميع البدن، وهو طاهر صحت الصلاة بأي ثوب ولو ثوب
المهنة، إذا لبس بطاهرته فالصلاة صحيحة، وتخصيص الصلاة بثوب يكون أطهر وأنقى من باب
الاحتياط للعبادة من غير تعبد بهذا الثوب لذاته، فلا شك أنه أكمل، إذا لم تتعبد
بهذا الثوب أو تعتقد أن الصلاة لها لباسٌ خاص، أما إذا عرفت أن الصلاة تصح بكل ثوبٍ
طاهر ساتر مغطي لجميع جسمها، ثم خصصت ثوباً تراه أنظف وأطيب وأطهر للصلاة ولا تزاول
فيه المهنة؛ لتأخذ زينتها عند هذه الصلاة لا شك أن هذا لا بأس به -إن شاء الله
تعالى-.
أثابكم الله، أحد الإخوة يقول: ما وجه كون الصيام لله -عز وجل- بين سائر الأعمال
كما في حديث: ((الصوم لي، وأنا أجزي به))؟
يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: كفى شرفاً للصوم أن أضافه الله -جل وعلا- إلى نفسه
((الصوم لي، وأنا أجزي به)) ولذا قال جمعٌ من أهل
العلم: أنه لا تدخله المقاصة، كيف لا تدخله المقاصة؟ حديث المفلس الذي تعدى شره
وضرره إلى الناس يأخذون من حسناته، إلا الصيام لا تدخله مقاصة، ولذا يقول الله -جل
وعلا- في الحديث القدسي: ((الصوم لي)) يعني ليس لأحدٍ
فيه شركة، ومن جهة أخرى الصوم لا شك أنه سر بين العبد وبين ربه، ما الذي يمنع
الصائم من أن يدخل غرفته ويتناول كأساً من الماء؟ ما الذي يمنع أن يدخل غرفته
الخاصة به ويغلق على نفسه، وقد وسع الله على الناس، كل غرفة من غرف الناس اليوم
فيها ثلاجة، وفيها كل ما يتطلبه الإنسان، فيتناول ما يشاء؟ لكن ملكته المراقبة،
التي ولدها الصيام تمنعه من ذلك، وهي التقوى التي ذيلت بها آية الصيام
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
[(183) سورة البقرة]
هذه التقوى، تتقي الله -جل وعلا- في السر والعلن، أمام الناس لا تأكل، وأيضاً إذا
خلوت بنفسك لا تأكل ولا تشرب، ولا تزاول مفطراً، والله المستعان.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى