عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد:
فإن الله - سبحانه وتعالى - حثَّ عباده على المسارعة والمسابقة إلى عمل الخير فقال
- عز من قائل -: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ
رَبِّكُم}1،
وقال: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم}2،
وقال: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات}3،
وقال: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ
الْمُتَنَافِسُونَ}4،
وقال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}5.
وذكر الله بعض عباده الصالحين - وهم زكريا وأهله - فقال: {فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا
يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا
خَاشِعِينَ}6،
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود في سننه:
((التؤدة في كل شيء خير؛ إلا في عمل الآخرة))7
فإن أعمال الآخرة ينبغي للإنسان أن يسارع فيها، ولا يتوانى في فعلها، فيسابق وينافس
فيها وإليها.
وهذه المسارعة والمسابقة والمنافسة تدل على عمق الإيمان في النفس، فإنه كلما تأصل
الإيمان في النفس كان العبد إلى المسارعة في مرضاة ربه أكثر، وانظر إلى حال الصحابي
الجليل عمير بن الحمام - رضي الله عنه - لما دنا المشركون من المسلمين في غزوة بدر،
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قوموا إلى جنة
عرضها السماوات والأرض))؛ قال أنس راوي الحديث: يقول عمير بن الحمام
الأنصاري: "يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: ((نعم))،
فقال عمير: "بخ بخ" - وهذه كلمة تطلقها العرب لتفخيم الأمر وتعظيمه -، فقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يحملك على قولك:
بخ بخ؟)) قال: "لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها"، فقال -
صلى الله عليه وسلم - وهو الذي لا ينطق عن الهوى: ((فإنك
من أهلها))، فأخرج عمير تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: "لئن أنا
حييِّت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة"، قال: فرمى بما كان من التمر، ثم قاتل
حتى قتل - رضي الله عنه -"8.
وهكذا فلتكن المبادرة، وليكن الإسراع.
وإنما كان الحث على المبادرة والإسراع إلى الخير لأنا لا نعلم ما يمنعنا منه من
العوائق والمعوقات غداً إن أردناه؛ ولذلك يحثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على
التعجل في أداء الحج كما في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((تعجلوا
الحج، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له))9،
وكان - صلى الله عليه وسلم - يسارع في فعل الخير دائماً مثل ما جاء في الحديث أنه -
صلى الله عليه وسلم – ذات مرة صلَّى العصر فلما سلَّم قام سريعاً، فدخل على بعض
نسائه، ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته، فقال: ((ذكرت
وأنا في الصلاة تبراً - ذهباً أو فضة
- عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته))10،
وهذا الحديث ذكره الإمام النووي - رحمه الله - في كتابه رياض الصالحين في "باب
المبادرة إلى الخيرات"، يقول العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - عند شرحه لهذا
الحديث: "ففي هذا الحديث المبادرة إلى فعل الخير، وألا يتوانى الإنسان عن فعله
وذلك؛ لأن الإنسان لا يدري متى يفجأه الموت فيفوته الخير" إلى أن قال: "وفي هذا
دليل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسرع الناس مبادرة إلى الخير"11.
وبما أننا حالياً في شهر رمضان وهو من الأوقات الفاضلة إذ هو شهر العتق من النيران،
والفوز بالجنان؛ فإنه حري بنا أن نزداد من فعل الخير، ويجب علينا - أيضاً - ونحن
نعمل الأعمال الصالحة، ونسارع فيها؛ ألا نغفل عن أن نستمر على فعلها؛ لقول الرسول -
صلى الله عليه وسلم - عن ربه في الحديث القدسي: ((ما يزال
عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه))12،
فقوله: ((ما يزال)) تفيد الاستمرارية، ويقول
النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تابعوا الحج والعمرة))13؛
فإن الاستمرار في الخير والمداومة عليه مما يحبه الله، وقد سئل النبي - صلى الله
عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((أدومها
وإن قلَّ))14،
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عمل عملاً أثبته15.
كما ينبغي لنا ألا نملَّ ولا نسأم من عمل الأعمال الصالحة لقوله - صلى الله عليه
وسلم -: ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا
غلبه، فسددوا وقاربوا ...))16،
وفي رواية: ((والقصد القصد تبلغوا))17؛
وفي نفس الوقت ألا نكلف أنفسنا ما لا تطيقه، أو نشدد على أنفسنا في العبادة فعن أنس
- رضي الله عنه - قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا حبل ممدود بين
الساريتين، فقال: ((ما هذا الحبل؟)) قالوا: هذا
حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا،
حلُّوه، ليُصّلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد))18.
ولما عَلِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله
عنهما - يقوم الليل كله، ويصوم النهار متتابعاً؛ نهاه عن ذلك، وبيَّن له السبب
بقوله: ((فإنك إذا فعلت هجمت عينك - يعني غارت
أو ضعفت لكثرة السهر -، ونفهت نفسك - يعني
كلَّت -))19،
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((اكلفوا من العمل ما
تطيقون، فإن الله - عز وجل - لا يملَّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله - عز
وجل - أدومه وإن قل))20.
نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من عباده المسارعين في طاعته، المبتعدين عن معصيته،
وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى