رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
حال السلف في رمضان ـ الحساب الفلكي
التأريخ: 27/8/1429هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102]
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1]
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب: 70 -71]. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
كثر الكلام هذه الأيام حول وجوب استعمال الحساب الفلكي لدخول شهر رمضان المبارك، وسنقف مع هذا الكلام في عدة وقفات:
اولا: أن كثيرا من الناس لا يفرق بين الحساب الفلكي وبين استعمال المراصد الفلكية، فاستعمال المراصد الفلكية جائز ولا أعرف أحدا مما يشار إليه بالبنان ممن تأهل للفتوى يمنع منه.
ثانيا: أن الخلاف منحصر في استعمال الحساب الفلكي وهو طريقة حسابية فيها اجتهاد يحسب فيها دخول الأشهر القمرية.
ثالثا: أنه جرى اتفاق أهل العلم على المنع من استعمال الحساب الفلكي وأنه لا عتبار به في دخول الشهور قال الجصاص الحنفي: (فالقائل باعتبار منازل القمر وحساب المنجمين خارج عن حكم الشريعة، وليس هذا القول مما يسوغ الاجتهاد فيه لدلالة الكتاب ونصِّ السنة وإجماع الفقهاء على خلافه) ()، ومثله قال ابن تيمية (فإننا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز والنصوص المستفيضة عن النبي ^ بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ولا خلاف حديث إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا، وهذا القول وإن كان مقيدا بالإغمام ومختصا بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه فأما إتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم) ().اهـ
ونقل الجصاص الحنفي () - وقد تقدم كلامه -، والباجي المالكي ()، وابن رشد القرطبي المالكي()، والحطاب المالكي() وشيــــخ الإسلام ابن تيمية -وقد تقــــدم كلامـــه كذلك-، وابن عابدين الحنفي() وغيرهم، بل إن أعلم من قال بالأخذ بالحساب مطلقا من المعاصرين أثبت ذلك، وهو العلامة أحمد شاكر / فقد قال: (واتفقت كلمتهم أو كادت على أن العبرة في ثبوت الشهر بالرؤية وحدها، وأنه لا يُعتبر حساب منازل القمر ولا حساب المنجم..) ().
رابعا: أن الذي تعبدنا به في دخول الشهور هو الرؤية، ولو حصل خطأ في الرؤية فصيام الناس صحيح، وحجهم صحيح، وجميع عباداتهم صحيحة فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ}.
خامساً: أن هذا الدين أنزله الله يعمل به العالم والعامي، وربط الأحكام بالأمور المشاهدة أي إننا أمة نعتمد على العلم الضروري الحاصل بالحس الذي يعتمد عليه الأمي، ونعتمد كذلك على العقل الذي هو صفة فطرية ليس له علاقة بعامي ولا جاهل.
قال العلامة تقي الدين علي بن الكافي السبكي /: (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرَ هَكَذَا وَهَكَذَا عَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ وَقَدْ تَأَمَّلْت هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْت مَعْنَاهُ إلْغَاءَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ وَالْحِسَابِ...فَأَشَارَ النَّبِيُّ ^ بِأَنَّا أَيْ الْعَرَبُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، أَيْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ الْكِتَابَةُ وَلَا الْحِسَابُ. فَالشَّرْعُ فِي الشَّهْرِ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَيُدْرَكُ ذَلِكَ إمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَإِمَّا بِكَمَالِ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ، وَاعْتِبَارُهُ إكْمَالُ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُونَ بِهِ الْهِلَالَ وَأَنَّ وُجُودَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُعْتَبَرٌ بِشَرْطِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ.. ().
فإن قيل ما بالكم تقبلون الحسب الفلكي في الصلاة وهي أعظم أركان الإسلام ولا تقبلونه في الصيام؟
فالجواب: أن الله تعالى علّق وجوب الصلاة على أمر كوني يعرفه أهل الحساب فقال: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ولم يعلقه على شهادة الشهود بدلوك الشمس. وقد نص على هذا العلامة القرافي رحمه الله فقال: (... والفرق - وهو المطلوب ههنا وهو عمدة السلف والخلف -: أن الله تعالى نصب زوال الشمس سبب وجوب الظهر وكذا بقية الأوقات لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}(). أي لأجله، وكذلك قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}(). والآية أمر بإيقاع هذه الصلوات، وغير ذلك من الكتاب والسنة الدال على أن نفس الوقت سبب، فمن علم السبب بأي طريق كان، لزمه حكمه،فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات وأما الأهلّة، فلم ينصب صاحب الشرع خروجها من الشعاع سبباً للصوم، بل رؤية الهلال خارجاً من شعاع الشمس هو السبب، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم..] ().
أخيراً: هل يمكن أن يكون اتفاق الفلكين حجة في دخول الشهر؟
يجيب على هذا الفلكي محمد كاظم حبيب الحائز براءة اختراع التقويم الأبدي المقارن في الولايات المتحدة الأميركية، حيث قال: اين هو الحساب الاكاديمي القطعي؟! فنرد عندئذ لأجله الشهادة البصرية الشرعية اليقينية؟! فإذا قيل: انه حساب الأكاديميين في العصر الحديث الذي أوصلنا إلى غزو الفضاء أو السير على سطح القمر، قلنا: ان الوصول الى القمر شيء وتحديد توقيت امكانية رؤية الهلال شيء آخر، فالفلكيون انفسهم اختلفوا في هذه المسألة فيما بينهم وكذب بعضهم بعضا. () ثم بيّن في كلام طويل اختلاف الفلكيين في الحساب.
وتأكيدا لكلام الأستاذ محمد كاظم فقد اختلف الفلكيون في السعودية في عام 1427هـ فذهب أحدهم إلى أن يوم الاثنين أول أيام عيد() وبعد يومين صدر تعليق على كلام هذا الفلكي من فلكي آخر قال فيه: إن فلان هذا ليس من المختصين في علم الفلك) وسفه رأيه(). وفي هذا العام كذلك حصل اختلاف فقد تباينت آراء الفلكيين حول دخول شهر رمضان المبارك، فمنهم من حدده بيوم (الأحد) ومنهم من أكد أنه يوم الاثنين هو أول أيام الشهر الفضيل، والعبرة أنه لا يوجد شيء أسمه اتفاق الفلكيين، وأنه لا يجوز استعمال الحساب الفلكي في الصوم،والعبرة بالرؤية.
الحمد لله..................... أما بعد
فقد أظلكم شهر عظيم، وفيه تقول ملائكة الرحمن:يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا،ويزين الله في كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ثم يصيروا إليكِ، وتصفد فيه مردة الشياطين، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتغلّق أبواب النار،وفيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله،يغفر للصائمين في آخر ليلة من رمضان،ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة من رمضان.
عباد الله:
كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. يقول عز وجل: {إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} [أخرجه البخاري ومسلم] وعلة ذلك أن الصيام فيه سرية؛ وأن مداره على القلب. وقيل انفرد تعالى بمعرفة مقدار ثوابه وبضعف حسناته، حيث أن باقي الأعمال الحسنة بعشر إلى سبعمائة ضعف أما الصيام فهو لله تعالى يثيب عليه بغير تقدير.
وقال ص: {من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} [أخرجه البخاري ومسلم] ولا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما كما قال النبي: {من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه} [أخرجه البخاري]. وقال: {الصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل، فإن سابّه أحد فليقل إني امرؤ صائم} [أخرجه البخاري ومسلم]. فإذا صمت - يا عبد الله - فليصم سمعك وبصرك ولسانك وجميع جوارحك، ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء. قال ابن القيم رحمه الله تعالى واصفا حال النبي ص: فصل: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجـود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيـه الصدقة،والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر، والاعتكاف. وكان يخص رمضان من العبادة ما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة). ()
أما حال السلف الصالح في رمضان فحدث ولا حرج، فقد كانوا ي يتسابقون على الخيرات، فعن عبد الله بن محمد بن اللبان أنه صلى بالناس صلاة التراويح في جميع الشهر، وكان إذا فرغ من صلاته بالناس في كل ليلة لا يزال قائماً في المسجد يصلي حتى يطلع الفجر، فإذا صلى الفجر دارس أصحابه، وسمعته يقول: لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلاً ولا نهاراً وكان ورده كل ليلة فيما يصلي لنفسه سبعاً من القرآن يقرأه بترتيل وتمهل ولم أرى أجود ولا أحسن قراءة منه ()،و كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال.() وقال أبو الأشهب: كان أبو رجاء يختم بنا في رمضان كل عشرة أيام.() وعن قتادة أنه كان يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة.()
قال الإمام الزهري: [هذا رمضان شهر قراءة القرآن وإطعام الطعام]
التأريخ: 27/8/1429هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102]
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) [النساء:1]
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) [الأحزاب: 70 -71]. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
كثر الكلام هذه الأيام حول وجوب استعمال الحساب الفلكي لدخول شهر رمضان المبارك، وسنقف مع هذا الكلام في عدة وقفات:
اولا: أن كثيرا من الناس لا يفرق بين الحساب الفلكي وبين استعمال المراصد الفلكية، فاستعمال المراصد الفلكية جائز ولا أعرف أحدا مما يشار إليه بالبنان ممن تأهل للفتوى يمنع منه.
ثانيا: أن الخلاف منحصر في استعمال الحساب الفلكي وهو طريقة حسابية فيها اجتهاد يحسب فيها دخول الأشهر القمرية.
ثالثا: أنه جرى اتفاق أهل العلم على المنع من استعمال الحساب الفلكي وأنه لا عتبار به في دخول الشهور قال الجصاص الحنفي: (فالقائل باعتبار منازل القمر وحساب المنجمين خارج عن حكم الشريعة، وليس هذا القول مما يسوغ الاجتهاد فيه لدلالة الكتاب ونصِّ السنة وإجماع الفقهاء على خلافه) ()، ومثله قال ابن تيمية (فإننا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز والنصوص المستفيضة عن النبي ^ بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ولا خلاف حديث إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا، وهذا القول وإن كان مقيدا بالإغمام ومختصا بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه فأما إتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم) ().اهـ
ونقل الجصاص الحنفي () - وقد تقدم كلامه -، والباجي المالكي ()، وابن رشد القرطبي المالكي()، والحطاب المالكي() وشيــــخ الإسلام ابن تيمية -وقد تقــــدم كلامـــه كذلك-، وابن عابدين الحنفي() وغيرهم، بل إن أعلم من قال بالأخذ بالحساب مطلقا من المعاصرين أثبت ذلك، وهو العلامة أحمد شاكر / فقد قال: (واتفقت كلمتهم أو كادت على أن العبرة في ثبوت الشهر بالرؤية وحدها، وأنه لا يُعتبر حساب منازل القمر ولا حساب المنجم..) ().
رابعا: أن الذي تعبدنا به في دخول الشهور هو الرؤية، ولو حصل خطأ في الرؤية فصيام الناس صحيح، وحجهم صحيح، وجميع عباداتهم صحيحة فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ}.
خامساً: أن هذا الدين أنزله الله يعمل به العالم والعامي، وربط الأحكام بالأمور المشاهدة أي إننا أمة نعتمد على العلم الضروري الحاصل بالحس الذي يعتمد عليه الأمي، ونعتمد كذلك على العقل الذي هو صفة فطرية ليس له علاقة بعامي ولا جاهل.
قال العلامة تقي الدين علي بن الكافي السبكي /: (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرَ هَكَذَا وَهَكَذَا عَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ وَقَدْ تَأَمَّلْت هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْت مَعْنَاهُ إلْغَاءَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ وَالْحِسَابِ...فَأَشَارَ النَّبِيُّ ^ بِأَنَّا أَيْ الْعَرَبُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، أَيْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ الْكِتَابَةُ وَلَا الْحِسَابُ. فَالشَّرْعُ فِي الشَّهْرِ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَيُدْرَكُ ذَلِكَ إمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَإِمَّا بِكَمَالِ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ، وَاعْتِبَارُهُ إكْمَالُ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُونَ بِهِ الْهِلَالَ وَأَنَّ وُجُودَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُعْتَبَرٌ بِشَرْطِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ.. ().
فإن قيل ما بالكم تقبلون الحسب الفلكي في الصلاة وهي أعظم أركان الإسلام ولا تقبلونه في الصيام؟
فالجواب: أن الله تعالى علّق وجوب الصلاة على أمر كوني يعرفه أهل الحساب فقال: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ولم يعلقه على شهادة الشهود بدلوك الشمس. وقد نص على هذا العلامة القرافي رحمه الله فقال: (... والفرق - وهو المطلوب ههنا وهو عمدة السلف والخلف -: أن الله تعالى نصب زوال الشمس سبب وجوب الظهر وكذا بقية الأوقات لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}(). أي لأجله، وكذلك قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}(). والآية أمر بإيقاع هذه الصلوات، وغير ذلك من الكتاب والسنة الدال على أن نفس الوقت سبب، فمن علم السبب بأي طريق كان، لزمه حكمه،فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات وأما الأهلّة، فلم ينصب صاحب الشرع خروجها من الشعاع سبباً للصوم، بل رؤية الهلال خارجاً من شعاع الشمس هو السبب، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم..] ().
أخيراً: هل يمكن أن يكون اتفاق الفلكين حجة في دخول الشهر؟
يجيب على هذا الفلكي محمد كاظم حبيب الحائز براءة اختراع التقويم الأبدي المقارن في الولايات المتحدة الأميركية، حيث قال: اين هو الحساب الاكاديمي القطعي؟! فنرد عندئذ لأجله الشهادة البصرية الشرعية اليقينية؟! فإذا قيل: انه حساب الأكاديميين في العصر الحديث الذي أوصلنا إلى غزو الفضاء أو السير على سطح القمر، قلنا: ان الوصول الى القمر شيء وتحديد توقيت امكانية رؤية الهلال شيء آخر، فالفلكيون انفسهم اختلفوا في هذه المسألة فيما بينهم وكذب بعضهم بعضا. () ثم بيّن في كلام طويل اختلاف الفلكيين في الحساب.
وتأكيدا لكلام الأستاذ محمد كاظم فقد اختلف الفلكيون في السعودية في عام 1427هـ فذهب أحدهم إلى أن يوم الاثنين أول أيام عيد() وبعد يومين صدر تعليق على كلام هذا الفلكي من فلكي آخر قال فيه: إن فلان هذا ليس من المختصين في علم الفلك) وسفه رأيه(). وفي هذا العام كذلك حصل اختلاف فقد تباينت آراء الفلكيين حول دخول شهر رمضان المبارك، فمنهم من حدده بيوم (الأحد) ومنهم من أكد أنه يوم الاثنين هو أول أيام الشهر الفضيل، والعبرة أنه لا يوجد شيء أسمه اتفاق الفلكيين، وأنه لا يجوز استعمال الحساب الفلكي في الصوم،والعبرة بالرؤية.
الحمد لله..................... أما بعد
فقد أظلكم شهر عظيم، وفيه تقول ملائكة الرحمن:يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا،ويزين الله في كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ثم يصيروا إليكِ، وتصفد فيه مردة الشياطين، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتغلّق أبواب النار،وفيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله،يغفر للصائمين في آخر ليلة من رمضان،ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة من رمضان.
عباد الله:
كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. يقول عز وجل: {إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} [أخرجه البخاري ومسلم] وعلة ذلك أن الصيام فيه سرية؛ وأن مداره على القلب. وقيل انفرد تعالى بمعرفة مقدار ثوابه وبضعف حسناته، حيث أن باقي الأعمال الحسنة بعشر إلى سبعمائة ضعف أما الصيام فهو لله تعالى يثيب عليه بغير تقدير.
وقال ص: {من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} [أخرجه البخاري ومسلم] ولا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما كما قال النبي: {من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه} [أخرجه البخاري]. وقال: {الصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل، فإن سابّه أحد فليقل إني امرؤ صائم} [أخرجه البخاري ومسلم]. فإذا صمت - يا عبد الله - فليصم سمعك وبصرك ولسانك وجميع جوارحك، ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء. قال ابن القيم رحمه الله تعالى واصفا حال النبي ص: فصل: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجـود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيـه الصدقة،والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر، والاعتكاف. وكان يخص رمضان من العبادة ما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة). ()
أما حال السلف الصالح في رمضان فحدث ولا حرج، فقد كانوا ي يتسابقون على الخيرات، فعن عبد الله بن محمد بن اللبان أنه صلى بالناس صلاة التراويح في جميع الشهر، وكان إذا فرغ من صلاته بالناس في كل ليلة لا يزال قائماً في المسجد يصلي حتى يطلع الفجر، فإذا صلى الفجر دارس أصحابه، وسمعته يقول: لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلاً ولا نهاراً وكان ورده كل ليلة فيما يصلي لنفسه سبعاً من القرآن يقرأه بترتيل وتمهل ولم أرى أجود ولا أحسن قراءة منه ()،و كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال.() وقال أبو الأشهب: كان أبو رجاء يختم بنا في رمضان كل عشرة أيام.() وعن قتادة أنه كان يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة.()
قال الإمام الزهري: [هذا رمضان شهر قراءة القرآن وإطعام الطعام]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى