رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
صفة الحياء - اثباتها لله تعالى - صيام شعبان
التأريخ: 7/8/1429هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،أما بعد:
فيا عباد الله:
إن الحياء من الصفات الكريمة النادرة، فلا يستحي إلا ذو مروءة، ولذلك أثنى النبي ص على الحياء فقال: «الحياء خير كله» والحياء من شعب الإيمان قال ^: «الحياء شعبة من الإيمان»() وقال الجنيد / في وصف الحياء: (الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء وحقيقته خلقٌ يبعث على ترك القبائح ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق).
فالحياء صفة تدعو لفعل المكرمات والترفع عن كل ما يشين المرء.
ولقد شدد السلف الصالح ي في ذم الذي لا يستحي فقال حذيفة بن اليمان ت: (لا خير فيمن لا يستحيي من الناس)، ولما كان الحياء خيرٌ كله فقد قال القرطبي: (إن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار بأن يوقر غيره ويوقر هو نفسه)().
بل لقد جعل الصادق المصدوق ص خلق الحياء من سمات هذه الأمة المرحومة فقال: «إن لكل دينٍ خلقا، و خلق الإسلام الحياء» قال الألباني: صحيح بمجموع طرقه().
عباد الله:
إن صفة الحياء من صفات الكمال التي قَلَّ من يتصف بها من الناس في هذه الأزمنة المتأخرة، وهي في النساء أولى بها من الرجال لذلك لما وصف حياءُ النبي ^ بأبي هو وأمي قيل: «أشد حياء من العذراء في خدرها» ولا خير فيمن لا يستحي.
قال سلمان ت: إن الله تعالى إذا أراد بعبد شرا أو هلكة نزع منه الحياء فلم تلقه إلا مقيتا ممقتا فإذا كان مقيتا ممقتا نزعت منه الرحمة فلم تلقه إلا فظا غليظا فإذا كان كذلك نزعت منه الأمانة فلم تلقه إلا خائنا مخونا فإذا كان كذلك نزعت ربقة الإسلام من عنقه فكان لعينا ملعنًا().
عباد الله:
الحياء على أقسام ثلاث منها حياء الإنسان من الله تعالى، وحياؤه من الناس، وحياؤه من نفسه، فأما الحياء من الله Y فقد قال أبو سليمان الداراني: إذا استحى العبد من ربه فقد استكمل الإيمان()، واشتد بكاء الأسود بن يزيد النخعي العابد، فقيل له ماهذا الجزع؟ فقال: حياءً من الله مما صنعته - أي من الذنوب -.
فقد تذكر الأسود / ذلك الموطن الرهيب الذي يكلم الله جلا وعلا عباده ويذكرهم بمعاصيهم ففي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: «إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَىْ رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِى نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ:سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِى الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» اللهم فاسترنا في الدنيا والآخرة.
ومن الحياء من الله تعالى ألا تعصيه فإن عصيته فاستتر بالمعصية ولا تجاهر بها وبادر بالتوبة والإنابة قال ابن القيم /: «الإصرار على المعصية معصية أخرى والقعود عن تدراك الفارط من المعصية إصرار ورضا بها وطمأنينة إليها وذلك علامة الهلاك وأشد من هذا كله المجاهرة بالذنب مع تيقن نظر الرب جل جلاله من فوق عرشه إليه فإن آمن بنظره إليه وأقدم على المجاهرة فعظيم وإن لم يؤمن بنظره إليه واطلاعه عليه فكفر وانسلاخ من الإسلام بالكلية،فهو دائر بين الأمرين بين قلة الحياء ومجاهرة نظر الله إليه وبين الكفر والإنسلاخ من الدين» ا.هـ.
فالمجاهر ممن يشيع الفاحشة بين الناس فويلٌ له ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النور:19].
والحياء الثاني: حياء المرء من الناس فلا يحب أن يروه أو يرو منه ما يعاب، أو ينتقص منه، فتجده مبادرا بالمكرومات، كريم عفيف متعفف.
والحياء الثالث: حياء المرء من نفسه: وهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص، وقناعتها بالدون، فيجد نفسه مستحيًا من نفسه حتى كأن له نفسين، يستحي بإحداهما من الأخرى، وهذا من أكمل ما يكون من الحياء، فإن العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر. () وإذا فقد الإنسان الحياء فلا خير فيه وفي الحديث: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فافعل ما شئت» صححه الألباني.
لكن ننبه يا عباد الله أنه يجب ألا يكون الحياءُ سببًا لجهل الإنسان بالحق أو تفويت ما يحتاج إليه في دينه أو دنياه، فإنه في هذا الحال يصير مذمومًا، لذا فإن من الحياء المذموم الامتناع عن قول الحق ومناصرته وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلب العلم والتفقه في الدين.
عباد الله:
إن ربكم جل وعلا وتقدس كريم حييٌ، وقد صح وصف بنا بهذه الصفة العظيمة في أحاديث كثيرة منها: «إن الله تعالى حييٌ ستير يحب الحياء و الستر» ومنها: «إن الله عز وجل يستحي من ذي الشيبة المسلم إذا كان مسددا لزوما للسنة أن يسأل الله فلا يعطيه»().
وثبت في خبر الثلاثة اللذين دخلوا المسجد ((…وأما الآخر؛ فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر؛ فأعرض، فأعرض الله عنه)) متفق عليه.
وأعظم حديث في هذا قوله ص: «...إنَّ ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أنَّ يردهما صفراً خائبتين» صححه الألباني () وورد في القرآن العظيم نفي استحياء الله تعالى من الحق ومن ذلك قوله تعالى: ((إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا)) [البقرة:26]، وقوله تعالى: ((وَاللهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ)) [الأحزاب: 53].
قال ابن القيم /:
وهو الحييُّ فليسَ يفضحُ عبده عندَ التجاهُرِ منهُ بالعصيانِ
لكنَّهُ يُلقِي عليه سِترهُ فَهُو السِّتِّيرُ وصاحب الغفرانِ()
قال الشيخ هرَّاس: (وحياؤه تعالى وصف يليق به، ليس كحياء المخلوقين، الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه؛ فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر شيء إليه وأضعفه لديه، ويستعين بنعمه على معصيته، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه يستحي من هتك ستره وفضيحته، فيستره بما يهيؤه له من أسباب الستر، ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر) اهـ.
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «أما حياء الرب تعالى من عبده فذاك نوع آخر لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول، فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال فإنه: (حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرًا) وكان يحيى بن معاذ يقول: سبحان من يذنب عبده ويستحيي هو، وفي أثر: «من استحيى من الله استحيى الله منه».
ويقول الشيخ السعدي / عن صفة الحياء لربنا سبحانه وتعالى:«هذا مأخوذ من قوله: (إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا مد يده إليه أن يردهما صفرًا) وهذا من رحمته وكرمه وكماله وحلمه أن العبد يجاهر بالمعاصي مع فقره الشديد إليه حتى أنه لا يمكنه أن يعصي إلا أن يتقوى عليها بنعم ربه، والرب مع كمال غناه عن الخلق كلهم من كرمه يستحيي من هتكه، وفضيحته، وإحلال العقوبة به، فيستره بما يقيض له من أسباب الستر، ويعفو عنه، ويغفر له، فهو يتحبب إلى عباده بالنعم وهم يتبغضون إليه بالمعاصي، خيره إليهم بعدد اللحظات، وشرهم إليه صاعد.
ولا يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم بالمعاصي، وكل قبيح. ويستحيي تعالى ممن شاب في الإسلام أن يعذبه، وممن يمد يديه إليه أن يردهما صفرًا، ويدعو عباده إلى دعائه، ويعدهم بالإجابة»().
عباد إن للإيمان بهذه الصفة العظيمة آثارا على العبد المؤمن، فمنها:
أولاً: محبة الله - عز وجل - وإجلاله وتعظيمه وحمده وشكره والثناء عليه وذلك بما يقتضيه هذا الاسم الكريم من الحلم والكرم والعفو والستر منه سبحانه على عباده.
ثانيًا: الحياء منه سبحانه والانكسار بين يديه ومقت النفس، والاعتراف بتقصيرها.
ثالثاً: الإلحاح بالدعاء والطلب فهو حييٌ كريم ٌيستحي أن يرد من طلبه ورجاه.
الحمد لله
عباد الله..
عن أم المؤمنين عائشة ب أنها قالت: (ما رأيت رسول الله ص استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان) متفق عليه، قال الإمام ابن رجب الحنبلي /: (والذي يظهر أن أفضل الصيام ما كان قريباً من رمضان بعده أو قبله وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه وتكون منزلته بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده خير من صيام ما بعد منه().
وعن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر يرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) حسنه الألباني.
صفة الحياء - اثباتها لله تعالى - صيام شعبان
التأريخ: 7/8/1429هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،أما بعد:
فيا عباد الله:
إن الحياء من الصفات الكريمة النادرة، فلا يستحي إلا ذو مروءة، ولذلك أثنى النبي ص على الحياء فقال: «الحياء خير كله» والحياء من شعب الإيمان قال ^: «الحياء شعبة من الإيمان»() وقال الجنيد / في وصف الحياء: (الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء وحقيقته خلقٌ يبعث على ترك القبائح ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق).
فالحياء صفة تدعو لفعل المكرمات والترفع عن كل ما يشين المرء.
ولقد شدد السلف الصالح ي في ذم الذي لا يستحي فقال حذيفة بن اليمان ت: (لا خير فيمن لا يستحيي من الناس)، ولما كان الحياء خيرٌ كله فقد قال القرطبي: (إن من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار بأن يوقر غيره ويوقر هو نفسه)().
بل لقد جعل الصادق المصدوق ص خلق الحياء من سمات هذه الأمة المرحومة فقال: «إن لكل دينٍ خلقا، و خلق الإسلام الحياء» قال الألباني: صحيح بمجموع طرقه().
عباد الله:
إن صفة الحياء من صفات الكمال التي قَلَّ من يتصف بها من الناس في هذه الأزمنة المتأخرة، وهي في النساء أولى بها من الرجال لذلك لما وصف حياءُ النبي ^ بأبي هو وأمي قيل: «أشد حياء من العذراء في خدرها» ولا خير فيمن لا يستحي.
قال سلمان ت: إن الله تعالى إذا أراد بعبد شرا أو هلكة نزع منه الحياء فلم تلقه إلا مقيتا ممقتا فإذا كان مقيتا ممقتا نزعت منه الرحمة فلم تلقه إلا فظا غليظا فإذا كان كذلك نزعت منه الأمانة فلم تلقه إلا خائنا مخونا فإذا كان كذلك نزعت ربقة الإسلام من عنقه فكان لعينا ملعنًا().
عباد الله:
الحياء على أقسام ثلاث منها حياء الإنسان من الله تعالى، وحياؤه من الناس، وحياؤه من نفسه، فأما الحياء من الله Y فقد قال أبو سليمان الداراني: إذا استحى العبد من ربه فقد استكمل الإيمان()، واشتد بكاء الأسود بن يزيد النخعي العابد، فقيل له ماهذا الجزع؟ فقال: حياءً من الله مما صنعته - أي من الذنوب -.
فقد تذكر الأسود / ذلك الموطن الرهيب الذي يكلم الله جلا وعلا عباده ويذكرهم بمعاصيهم ففي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: «إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَىْ رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِى نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ:سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِى الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» اللهم فاسترنا في الدنيا والآخرة.
ومن الحياء من الله تعالى ألا تعصيه فإن عصيته فاستتر بالمعصية ولا تجاهر بها وبادر بالتوبة والإنابة قال ابن القيم /: «الإصرار على المعصية معصية أخرى والقعود عن تدراك الفارط من المعصية إصرار ورضا بها وطمأنينة إليها وذلك علامة الهلاك وأشد من هذا كله المجاهرة بالذنب مع تيقن نظر الرب جل جلاله من فوق عرشه إليه فإن آمن بنظره إليه وأقدم على المجاهرة فعظيم وإن لم يؤمن بنظره إليه واطلاعه عليه فكفر وانسلاخ من الإسلام بالكلية،فهو دائر بين الأمرين بين قلة الحياء ومجاهرة نظر الله إليه وبين الكفر والإنسلاخ من الدين» ا.هـ.
فالمجاهر ممن يشيع الفاحشة بين الناس فويلٌ له ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النور:19].
والحياء الثاني: حياء المرء من الناس فلا يحب أن يروه أو يرو منه ما يعاب، أو ينتقص منه، فتجده مبادرا بالمكرومات، كريم عفيف متعفف.
والحياء الثالث: حياء المرء من نفسه: وهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص، وقناعتها بالدون، فيجد نفسه مستحيًا من نفسه حتى كأن له نفسين، يستحي بإحداهما من الأخرى، وهذا من أكمل ما يكون من الحياء، فإن العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر. () وإذا فقد الإنسان الحياء فلا خير فيه وفي الحديث: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فافعل ما شئت» صححه الألباني.
لكن ننبه يا عباد الله أنه يجب ألا يكون الحياءُ سببًا لجهل الإنسان بالحق أو تفويت ما يحتاج إليه في دينه أو دنياه، فإنه في هذا الحال يصير مذمومًا، لذا فإن من الحياء المذموم الامتناع عن قول الحق ومناصرته وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطلب العلم والتفقه في الدين.
عباد الله:
إن ربكم جل وعلا وتقدس كريم حييٌ، وقد صح وصف بنا بهذه الصفة العظيمة في أحاديث كثيرة منها: «إن الله تعالى حييٌ ستير يحب الحياء و الستر» ومنها: «إن الله عز وجل يستحي من ذي الشيبة المسلم إذا كان مسددا لزوما للسنة أن يسأل الله فلا يعطيه»().
وثبت في خبر الثلاثة اللذين دخلوا المسجد ((…وأما الآخر؛ فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر؛ فأعرض، فأعرض الله عنه)) متفق عليه.
وأعظم حديث في هذا قوله ص: «...إنَّ ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أنَّ يردهما صفراً خائبتين» صححه الألباني () وورد في القرآن العظيم نفي استحياء الله تعالى من الحق ومن ذلك قوله تعالى: ((إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا)) [البقرة:26]، وقوله تعالى: ((وَاللهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ)) [الأحزاب: 53].
قال ابن القيم /:
وهو الحييُّ فليسَ يفضحُ عبده عندَ التجاهُرِ منهُ بالعصيانِ
لكنَّهُ يُلقِي عليه سِترهُ فَهُو السِّتِّيرُ وصاحب الغفرانِ()
قال الشيخ هرَّاس: (وحياؤه تعالى وصف يليق به، ليس كحياء المخلوقين، الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه؛ فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر شيء إليه وأضعفه لديه، ويستعين بنعمه على معصيته، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه يستحي من هتك ستره وفضيحته، فيستره بما يهيؤه له من أسباب الستر، ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر) اهـ.
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «أما حياء الرب تعالى من عبده فذاك نوع آخر لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول، فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال فإنه: (حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرًا) وكان يحيى بن معاذ يقول: سبحان من يذنب عبده ويستحيي هو، وفي أثر: «من استحيى من الله استحيى الله منه».
ويقول الشيخ السعدي / عن صفة الحياء لربنا سبحانه وتعالى:«هذا مأخوذ من قوله: (إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا مد يده إليه أن يردهما صفرًا) وهذا من رحمته وكرمه وكماله وحلمه أن العبد يجاهر بالمعاصي مع فقره الشديد إليه حتى أنه لا يمكنه أن يعصي إلا أن يتقوى عليها بنعم ربه، والرب مع كمال غناه عن الخلق كلهم من كرمه يستحيي من هتكه، وفضيحته، وإحلال العقوبة به، فيستره بما يقيض له من أسباب الستر، ويعفو عنه، ويغفر له، فهو يتحبب إلى عباده بالنعم وهم يتبغضون إليه بالمعاصي، خيره إليهم بعدد اللحظات، وشرهم إليه صاعد.
ولا يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم بالمعاصي، وكل قبيح. ويستحيي تعالى ممن شاب في الإسلام أن يعذبه، وممن يمد يديه إليه أن يردهما صفرًا، ويدعو عباده إلى دعائه، ويعدهم بالإجابة»().
عباد إن للإيمان بهذه الصفة العظيمة آثارا على العبد المؤمن، فمنها:
أولاً: محبة الله - عز وجل - وإجلاله وتعظيمه وحمده وشكره والثناء عليه وذلك بما يقتضيه هذا الاسم الكريم من الحلم والكرم والعفو والستر منه سبحانه على عباده.
ثانيًا: الحياء منه سبحانه والانكسار بين يديه ومقت النفس، والاعتراف بتقصيرها.
ثالثاً: الإلحاح بالدعاء والطلب فهو حييٌ كريم ٌيستحي أن يرد من طلبه ورجاه.
الحمد لله
عباد الله..
عن أم المؤمنين عائشة ب أنها قالت: (ما رأيت رسول الله ص استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان) متفق عليه، قال الإمام ابن رجب الحنبلي /: (والذي يظهر أن أفضل الصيام ما كان قريباً من رمضان بعده أو قبله وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه وتكون منزلته بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده خير من صيام ما بعد منه().
وعن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر يرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) حسنه الألباني.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى