رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
رمضان والقرآن
التأريخ:4/9/1426هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71]. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
إن شهر رمضان ارتبط ارتباطا وثيقا بالقرآن،فقد نزل القرآن في رمضان قال أ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة:185] وفي هذا شهر رمضان كان جبريل؛ يعرض القرآن على رسول الله ع،قال الإمام ابن كثير /: يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء، فعن واثلة يعني ابن الأسقع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال (أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان) ()
عباد الله:
لابد لنا من فهم هذا الارتباط الوثيق بين رمضان والقرآن،ومن تأمل السيرة النبوية علم أثر القرآن في رمضان فقد كان شهر فتوح وجهاد ولم يكن شهر تسخط ورقاد.
وقد يقول بعضنا إن العلاقة بين رمضان والقرآن معروفة ظاهرة فيحسن بالمسلم قراءة القرآن في رمضان خاصة مع ماصح في الآحاديث أن الحرف بعشر حسنات وغير ذلك من الأدلة.
ولكن الجواب أن الأمر أكبر من ذلك بكثير فإن القرآن لم ينزل للقراءة العبارة بل للتدبر أولا قال تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ [النساء:82] وقال تعالى مثربا على من لم يتدبر القرآن: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد:24].
وبعد التدبر يأتي العمل والتطبيق المصاحب للتدبر فإن القرآن هو حجة الله البالغة ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ.. ﴾ [الأنعام:19]،والقرآن هو الذكرى ﴿.. فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق:45]
ومع أنه الحجة البالغة والذكرى التامة إلا أن كثيرا من المسلمين هجروه هجرانا كبيرا،﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾ [الفرقان:30] قال ابن كثير /: ترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره، من هجرانه) () وقال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى رحمة واسعة:"هجر القرآن أنواع، أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وان قرأه وآمن به، الثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، الرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه، الخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله: ((وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً)) وإن كان بعض الهجر أهون من بعض".
عباد الله:
وبعد هذه التقدمة اليسيرة لابد أن اتضح أن هناك فصام نكد بين تعلم القرآن وحفظه من جهة وبين تدبره والعمل به من جهة أخرى،حتى أصبح أحسن المسلمين حالا من قرأ القرآن،وكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه،ومن تأمل حال الكثير منّا على صدق عبارة الحسن البصري / حيث قال: نزل القرآن ليتدبر ويعمل به فاتخذوا تلاوته عملا)()، بل لقد أحسن الحسن البصري وكلامه حسن حيث قال: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار)().
إن الصحابة يلم يكونوا يقرؤون القرآن بقصد الثقافة والاطلاع، ولا بقصد التشوق والمتاع. لم يكن أحدهم يتلقى القرآن ليستكثر به من زاد الثقافة لمجرد الثقافة، ولا ليضيف إلى حصيلته من القضايا العلمية والفقهية محصولاً يملأ به جعبته. إنما كان يتلقى القرآن ليتلقى أمر الله في خاصة شأنه وشأن الجماعة التي يعيش فيها، وشأن الحياة التي يحياها هو وجماعته، يتلقى ذلك الأمر ليعمل به فور سماعه،... ومن ثم لم يكن أحدهم ليستكثر منه في الجلسة الواحدة، لأنه كان يحس أنه إنما يستكثر من واجبات وتكاليف يجعلها على عاتقه، فكان يكتفي بعشر آيات حتى يحفظها ويعمل بها.هذا الشعور.. شعور التلقي للتنفيذ.. كان يفتح لهم من القرآن آفاقًا من المتاع وآفاقًا من المعرفة، لم تكن لتفتح عليهم لو أنهم قصدوا إليه بشعور البحث والدراسة والاطلاع، وكان ييسر لهم العمل، ويخفف عنهم ثقل التكاليف، ويخلط القرآن بذواتهم، ويحوله في نفوسهم وفي حياتهم إلى منهج واقعي، وإلى ثقافة متحركة لا تبقى داخل الأذهان ولا في بطون الصحائف، إنّما تتحول آثارًا وأحداثًا تحوِّل خط سير الحياة.
إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن بُقبل عليه بهذه الروح: روح المعرفة المنشئة للعمل. إنه لم يجئ ليكون كتاب متاع عقلي،ولا كتاب أدب وفن. ولا كتاب قصة وتاريخ - وإن كان هذا كله من محتوياته - إنما جاء ليكون منهاح حياة. منهاجًا إلهيًّا خالصًا. ()
فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء، أن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يحبه ويرضاه، إنه كريم وهاب.
الحمد لله القائل ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾ [الإسراء:9] والصلاة والسلام على من طبّق القرآن في كل جزء من حياته فكان خلقه القرآن بل كان قرآن يمشي بين الناس أما بعد:
فإن العمل بالقرآن هو ذروة حقوق القرآن وسنامها وهو الغاية من تنزيل الكتاب العزيز قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام:155]،وإن من أعظم شقاء يهود هو أنهم اكتفوا بقراءة التوراة وسماعها دون أن يتبع ذلك عمل فشبههم الله تعالى بالحمير
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة:5] قال الشيخ الطاهر ابن عاشور /: وقد ضرب الله لهؤلاء مثلا بحال حمار يحمل أسفارا لا حظ له منها إلا الحمل دون علم ولا فهم... حتى أنهم لم يتخلقوا بما تحتوي عليه من الهدى والدعاء إلى تزكية النفس ()
عباد الله:
قراءة القرآن بلا تدبر يلحقه عمل أمر منهي عنه قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾ [البقرة:78] قال القرطبي /: الأماني جمع أمنية وهي التلاوة()، وقد حذر النبي ص أصحابه من أفعال طائفة تأتي بعدهم يقرؤون القرآن قراءة لا تتجاوز حناجرهم فهي أصوات بلا فهم ولا عمل قال ص: (يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم..) رواه البخاري. ()
وأسرد عليك يا عبدالله بعض صور تعامل الصحابة ي مع القرآن.
فهذا أبو بكر يوقف نفقته عن مسطح بن أثاثة لأنه ممن تكلم في الإفك فتنزل الآيات ﴿وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور:22] فبادر أبو بكر بالإنفاق عليه مرة أخرى.
وهذا ابن أم مكتوم الأعمى يسمع قول الله تعالى ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [النساء:95] فقال: يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت) رواه البخاري
ومع أنه معذور إلا أنه جاهد في سبيل الله.
ومن أعظيم صور انقياد الصحابة ي للقرآن حادثة تحريم الخمر،فعن أنس بن مالك ا قال:... فإني لقائم أسقي أبا طلحة - وفي رواية وأبو أيوب - وفلانا فنزل تحريم الخمر - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة:90]، إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر، قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل. قال: فجرت في سكك المدينة. متفق عليه().
عباد الله:
عليكم بتلاوة القرآن مرة بعد مرة خاصة في هذا الشهر المبارك فإن رمضان شهر القرآن،وإن القرآن هو دليل الإنسان في رحلة الحياة، ولقد يسر الله تعالى القرآن للتلاوة والحفظ والفهم وأنزله للعمل،فشمر يا عبدالله عن ساعد الجد واجعل رمضان باب لتلاوة القرآن و فهمه والعمل به.
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:17]
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:22]
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:32]
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:40]
رمضان والقرآن
التأريخ:4/9/1426هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71]. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
إن شهر رمضان ارتبط ارتباطا وثيقا بالقرآن،فقد نزل القرآن في رمضان قال أ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة:185] وفي هذا شهر رمضان كان جبريل؛ يعرض القرآن على رسول الله ع،قال الإمام ابن كثير /: يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء، فعن واثلة يعني ابن الأسقع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال (أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان) ()
عباد الله:
لابد لنا من فهم هذا الارتباط الوثيق بين رمضان والقرآن،ومن تأمل السيرة النبوية علم أثر القرآن في رمضان فقد كان شهر فتوح وجهاد ولم يكن شهر تسخط ورقاد.
وقد يقول بعضنا إن العلاقة بين رمضان والقرآن معروفة ظاهرة فيحسن بالمسلم قراءة القرآن في رمضان خاصة مع ماصح في الآحاديث أن الحرف بعشر حسنات وغير ذلك من الأدلة.
ولكن الجواب أن الأمر أكبر من ذلك بكثير فإن القرآن لم ينزل للقراءة العبارة بل للتدبر أولا قال تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ [النساء:82] وقال تعالى مثربا على من لم يتدبر القرآن: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد:24].
وبعد التدبر يأتي العمل والتطبيق المصاحب للتدبر فإن القرآن هو حجة الله البالغة ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ.. ﴾ [الأنعام:19]،والقرآن هو الذكرى ﴿.. فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق:45]
ومع أنه الحجة البالغة والذكرى التامة إلا أن كثيرا من المسلمين هجروه هجرانا كبيرا،﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾ [الفرقان:30] قال ابن كثير /: ترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره، من هجرانه) () وقال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى رحمة واسعة:"هجر القرآن أنواع، أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وان قرأه وآمن به، الثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، الرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه، الخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله: ((وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً)) وإن كان بعض الهجر أهون من بعض".
عباد الله:
وبعد هذه التقدمة اليسيرة لابد أن اتضح أن هناك فصام نكد بين تعلم القرآن وحفظه من جهة وبين تدبره والعمل به من جهة أخرى،حتى أصبح أحسن المسلمين حالا من قرأ القرآن،وكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه،ومن تأمل حال الكثير منّا على صدق عبارة الحسن البصري / حيث قال: نزل القرآن ليتدبر ويعمل به فاتخذوا تلاوته عملا)()، بل لقد أحسن الحسن البصري وكلامه حسن حيث قال: إن من كان قبلكم رأوا القرآن رائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار)().
إن الصحابة يلم يكونوا يقرؤون القرآن بقصد الثقافة والاطلاع، ولا بقصد التشوق والمتاع. لم يكن أحدهم يتلقى القرآن ليستكثر به من زاد الثقافة لمجرد الثقافة، ولا ليضيف إلى حصيلته من القضايا العلمية والفقهية محصولاً يملأ به جعبته. إنما كان يتلقى القرآن ليتلقى أمر الله في خاصة شأنه وشأن الجماعة التي يعيش فيها، وشأن الحياة التي يحياها هو وجماعته، يتلقى ذلك الأمر ليعمل به فور سماعه،... ومن ثم لم يكن أحدهم ليستكثر منه في الجلسة الواحدة، لأنه كان يحس أنه إنما يستكثر من واجبات وتكاليف يجعلها على عاتقه، فكان يكتفي بعشر آيات حتى يحفظها ويعمل بها.هذا الشعور.. شعور التلقي للتنفيذ.. كان يفتح لهم من القرآن آفاقًا من المتاع وآفاقًا من المعرفة، لم تكن لتفتح عليهم لو أنهم قصدوا إليه بشعور البحث والدراسة والاطلاع، وكان ييسر لهم العمل، ويخفف عنهم ثقل التكاليف، ويخلط القرآن بذواتهم، ويحوله في نفوسهم وفي حياتهم إلى منهج واقعي، وإلى ثقافة متحركة لا تبقى داخل الأذهان ولا في بطون الصحائف، إنّما تتحول آثارًا وأحداثًا تحوِّل خط سير الحياة.
إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن بُقبل عليه بهذه الروح: روح المعرفة المنشئة للعمل. إنه لم يجئ ليكون كتاب متاع عقلي،ولا كتاب أدب وفن. ولا كتاب قصة وتاريخ - وإن كان هذا كله من محتوياته - إنما جاء ليكون منهاح حياة. منهاجًا إلهيًّا خالصًا. ()
فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء، أن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يحبه ويرضاه، إنه كريم وهاب.
الحمد لله القائل ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾ [الإسراء:9] والصلاة والسلام على من طبّق القرآن في كل جزء من حياته فكان خلقه القرآن بل كان قرآن يمشي بين الناس أما بعد:
فإن العمل بالقرآن هو ذروة حقوق القرآن وسنامها وهو الغاية من تنزيل الكتاب العزيز قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام:155]،وإن من أعظم شقاء يهود هو أنهم اكتفوا بقراءة التوراة وسماعها دون أن يتبع ذلك عمل فشبههم الله تعالى بالحمير
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة:5] قال الشيخ الطاهر ابن عاشور /: وقد ضرب الله لهؤلاء مثلا بحال حمار يحمل أسفارا لا حظ له منها إلا الحمل دون علم ولا فهم... حتى أنهم لم يتخلقوا بما تحتوي عليه من الهدى والدعاء إلى تزكية النفس ()
عباد الله:
قراءة القرآن بلا تدبر يلحقه عمل أمر منهي عنه قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾ [البقرة:78] قال القرطبي /: الأماني جمع أمنية وهي التلاوة()، وقد حذر النبي ص أصحابه من أفعال طائفة تأتي بعدهم يقرؤون القرآن قراءة لا تتجاوز حناجرهم فهي أصوات بلا فهم ولا عمل قال ص: (يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم..) رواه البخاري. ()
وأسرد عليك يا عبدالله بعض صور تعامل الصحابة ي مع القرآن.
فهذا أبو بكر يوقف نفقته عن مسطح بن أثاثة لأنه ممن تكلم في الإفك فتنزل الآيات ﴿وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور:22] فبادر أبو بكر بالإنفاق عليه مرة أخرى.
وهذا ابن أم مكتوم الأعمى يسمع قول الله تعالى ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [النساء:95] فقال: يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت) رواه البخاري
ومع أنه معذور إلا أنه جاهد في سبيل الله.
ومن أعظيم صور انقياد الصحابة ي للقرآن حادثة تحريم الخمر،فعن أنس بن مالك ا قال:... فإني لقائم أسقي أبا طلحة - وفي رواية وأبو أيوب - وفلانا فنزل تحريم الخمر - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة:90]، إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر، قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل. قال: فجرت في سكك المدينة. متفق عليه().
عباد الله:
عليكم بتلاوة القرآن مرة بعد مرة خاصة في هذا الشهر المبارك فإن رمضان شهر القرآن،وإن القرآن هو دليل الإنسان في رحلة الحياة، ولقد يسر الله تعالى القرآن للتلاوة والحفظ والفهم وأنزله للعمل،فشمر يا عبدالله عن ساعد الجد واجعل رمضان باب لتلاوة القرآن و فهمه والعمل به.
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:17]
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:22]
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:32]
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:40]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى