وقفات مع السيرة النبوية (2) ـ عزاء الشيخ أحمد ياسين {الأربعاء 17 أغسطس - 20:14}

بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات مع السيرة النبوية (2) ـ عزاء الشيخ أحمد ياسين
التأريخ: 4/2/1425هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)).
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ص وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ
عباد الله:
ومع الدرس الثاني من دروس السيرة النبوية، وقد توقفنا يوم أن كفل أبو طالب رسول الله ج، وكان أبو طالب فقيرا لذا بادر رسول الله ص للعمل، فعمل في الرعي قال ج: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ) رواه البخاري.
وقد قذف الله حب رسول الله في قلب عمه حتى أنه أخذه في سفره للتجارة فكان حدثا عجيبا هاك خبره الصحيح كما رواه الترمذي عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ ج فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ الرَّاهِبُ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ قَالَ فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمْ الرَّاهِبُ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ج قَالَ هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَا عِلْمُكَ فَقَالَ إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنْ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا وَلَا يَسْجُدَانِ إِلَّا لِنَبِيٍّ وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الْإِبِلِ قَالَ أَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لَا يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ فَإِنَّ الرُّومَ إِذَا رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَيَقْتُلُونَهُ فَالْتَفَتَ فَإِذَا بِسَبْعَةٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنْ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ فَقَالَ مَا جَاءَ بِكُمْ قَالُوا جِئْنَا إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلَّا بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ وَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا فَقَالَ هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ قَالُوا إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بِطَرِيقِكَ هَذَا قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ رَدَّهُ قَالُوا لَا قَالَ فَبَايَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ قَالُوا أَبُو طَالِبٍ فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ...).
ومن بيان ذكاء وزكاء رسول الله ص مشاركته في حلف الفضول، وقد تعاهد بنو هاشم وبنو عبدالمطلب وبنو أسد وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة على نصرة المظلوم.
وفي هذه الفترة شاع فضل رسول الله من صفات الكمال في الصدق والأمانة ومعاونة المحتاج حتى سمعت به سيدة من سيدات قريش وهي خديجة بنت خويلد لفأرادت أن تفوز بفتى قريش فأرسلته في تجارة لها وأرسلت معه عبدا من عبيدها، فأعجبها أدبه وذكائه وأمانته فرغبت في الزواج منه أكثر، ولكن والدها لم يكن راغبا به حتى أنها احتالت عليه بحيلة رواها لنا عبدالله ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ خَدِيجَةَ وَكَانَ أَبُوهَا يَرْغَبُ أَنْ يُزَوِّجَهُ فَصَنَعَتْ طَعَامًا وَشَرَابًا فَدَعَتْ أَبَاهَا وَزُمَرًا مِنْ قُرَيْشٍ فَطَعِمُوا وَشَرِبُوا حَتَّى ثَمِلُوا فَقَالَتْ خَدِيجَةُ لِأَبِيهَا إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَخْطُبُنِي فَزَوِّجْنِي إِيَّاهُ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ فَخَلَعَتْهُ وَأَلْبَسَتْهُ حُلَّةً وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ بِالْآبَاءِ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ سُكْرُهُ نَظَرَ فَإِذَا هُوَ مُخَلَّقٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ فَقَالَ مَا شَأْنِي مَا هَذَا قَالَتْ زَوَّجْتَنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَنَا أُزَوِّجُ يَتِيمَ أَبِي طَالِبٍ لَا لَعَمْرِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ أَمَا تَسْتَحِي تُرِيدُ أَنْ تُسَفِّهَ نَفْسَكَ عِنْدَ قُرَيْشٍ تُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّكَ كُنْتَ سَكْرَانَ فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى رَضِيَ) أخرجه الإمام أحمد.
وكان من أهم الأحداث التي مرت بالنبي ج قبل النبوة حكمه في بناء الكعبة حيث أن قريشا هدمت الكعبة لما بليت وأرادت تجديد البناء فلما انتهوا إلى الحجر أرادت كل قبلية نيل شرف وضعه مكانه فكادوا يقتتلون عليه، فنصحه ناصح أن يحّكموا أول يخرج من هذه السكة فكان رسول الله ص فقالوا: جاء الأمين وسروا بذلك فأمر بوضع الحجر على مرط ويكون سيد كل قبلية في جهة منه ويرفعوه جميعا فلما حاذوا مكانه أخذه رسول الله ووضعه مكانه.
الخطبة الثانية
الحمد لله القائل: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الذي بحث عن الشهادة في مظانها القائل: (وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ) رواه البخاري، وبعد:
فإن التأريخ سيسجل يوم الأثنين الموافق 30/من شهر الله المحرم/1425هـ وسيظل الناس يتذكروه ما بقيت الأيام، ففي ذلك اليوم رزيت الأمة الأحمدية بموت شيخ من الشيوخ ومجاهد من المجاهدين وبطل من الأبطال، رجل بأمة كما كان إبراهيم أمة لوحده، وإن كان هو فرح بهذه الموتة الشريفة لأنه مات كما يحب، فإننا نبكى أمة تلاعبت بها أحقر الأمم.
رحم الله الشيخ المجاهد الذي رفع عن الأمة الذل والمهانة، ورفض بيع المسجد الأقصى يوم أن باعه كثير من المتأسلمين.
ولي مع قتله وقفات سريعة:
أن اليهود والنصارى لا يفرقون في القتل بين الصبي والشيخ، وقتلنا في أفغانستان والعراق والبوسنة وفلسطين الحبيبة تشهد.
أن حربنا مع اليهود حرب عقيدة.
أن القتل يحي هذه الأمة ولا يُميتها، بل إن دماء الشهداء نور للمؤمنين ونار على الكافرين.
أن اليهود لم يستطيعوا تحديد كرسي الشيخ وهم في الطائرة لولا أن قام أحد المنافقين بزرع جهاز دقيق يتتبعه الصاروخ، وهؤلاء المنافقين أخطر من اليهود.
أن الأمة الإسلامية ستظل تذبح حتى تقوم من رقدها، وإن قامت فويل ثم ويل لجلادها.
إن قتل الشيخ يدل أن علماء الأمة المخلصين ينافسون الشباب في البحث عن الشهادة، وهو رحمه الله سبق أن قال: أنا لا أخشى الموت بل أبحث عن الشهادة.
أننا نسمع بمن يموت أناس كل يوم ولا يعرفهم إلا أهلهم ولكن موت الشيخ أحمد ياسين تسامع به أهل الأرض قاطبة، إننا عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود! …
أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض!…
إن كانوا قتلوا منا فإنا كذلك قد قلتنا منهم، ولكن شتان قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.
واسمع معي يا رعاك الله لقول ربك
{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران:140].