رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
أبو بكر بعد وفاة النبي ص
التأريخ: 5/4/1429هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
كان حديثنا في خطبتين ماضيتين عن مواقف لصديق الأكبر أبوبكر الصديق ا مع النبي ص، وفي هذه الخطبة سنذكر بعض مواقفه بعد رسول الله ص، وأولها وأصعبها.
هو موقفه يوم موت النبي ص، فلا يخفى على من تابع حياة النبي ص قوة العلاقة وحميمية الصلة بين رسول الله ص وبين أبي بكر، وكثير من الناس يصيبهم الذهول لفقد الأحبة، وكان أبو بكر ت يحب رسول الله ص فوق محبة ولده ووالده بل اشد حبا من نفسه، ومع هذا فقد كان ثباته أشد من ثبات الجبال الراسيات، وهاك الخبر لتعرف من هو الصديق: فعن أبي هريرة قال:لما توفي رسول الله ص قام عمر بن الخطاب، فقال:إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله ^ قد توفي وإن رسول الله ص ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ووالله ليرجعن رسول الله ص كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله ^ مات قال وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر، وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله ص في بيت عائشة، ورسول الله ^ مسجى في ناحية البيت عليه برد حبرة فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله ص. قال ثم أقبل عليه فقبله ثم قال بأبي أنت وأمي، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا. قال ثم رد البرد على وجه رسول الله ^ ثم خرج وعمر يكلم الناس فقال على رسلك يا عمر أنصت فأبى إلا أن يتكلم فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال ثم تلا هذه الآية ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)) [آل عمران:144] قال:فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ، قال: وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم، فقال أبو هريرة: قال:عمر والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فَعَقِرْتُ حتى وقعتُ إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله ص قد مات.
فهذا عمر ت العبقري الشجاع القوي ذهل عقله وغابت عنه الآيات، فكيف بغيره، فكلهم كان في المسجد ينتحب على رسول الله ويتمنون صدق كلام عمر ت، حتى جاء أبو بكر وصعد منبر رسول الله فما اعترضه أحد، وأرخوا له أسماعهم فكان كلامه فصلا بينهم.
عباد الله:
في سقيفة بني ساعدة كان لأبي بكر موقف حفظ فيه بيضة الدين، فلما توفي رسول الله ص تحرك بعض المنافقين للفت في عضد المسلمين، وتهيأ بعض الأعراب بإعلان التمرد، فبادر الأنصار لاختيار من حاكم للدولة الإسلامية بعد أن تيقنوا موت رسول الله ص وقالوا: منا أمير ومن المهاجرين أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، وبين لهم ابو بكر أن الخلافة في قريش، ثم بايع الجميع ابو بكر لمعرفتهم فضله ومكانته.
ويشغب بعض الجلهة الحاقدين أن ابو بكر وعمر تركوا جثمان رسول الله الطاهر ولم يدفنوه وتنازعوا على الخلافة، والجواب من أكثر من وجه:
أولا: أن تأخر دفن رسول الله ص أفضل ليدرك فضل الصلاة عليه أكبر عدد من الصحابة ي.
ثانيا: أن العقل والحكمة تؤيد أن المحافظة على الدولة المسلمة الفتية وحفظ دماء المسلمين أولى من المبادرة بدفن النبي ص.
ثالثا: أن الذي يقوم بدفن الميت وتغسيله هم أهل بيته كعلي والعباس وابنه ي وأرضاهم، لذلك لم يشارك فيه الصديق وعمر ب.
عباد الله:
وفي مشهد ثالث يظهر ثبات قلب أبي بكر وكيف أن الله أنقذ بواليته الإسلام والمسلمين، فقد استعمل رسول الله ص أسامة بن زيد ت وأمره بالتوجه إلى حدود الشام للأخذ بثأر من قتل في غزوة مؤتة وقد كان رسول الله قد ضرب البعث على أهل المدينة ومن حولها، ثم اشتكى رسول الله ثم وجد من نفسه راحة فخرج رسول الله عاصبا رأسه فقال:
(أيها الناس أنفذوا جيش أسامة) ثلاث مرات. ولكن شدة مرض رسول الله جعل الصحابة يتأخرون في الخروج فكلهم كان يخشى أن يسافر فلا يرى حبيبه وقرة عينه وحشاشة فؤاده رسول الله ص، فكيف يتخيل أحدهم ألا يرى رسول الله مرة أخرى، خاصة قائد الجيش حِبَ رسول الله ص أسامة بن زيد ت، والذي كان رسول الله ص يجلسه على فخذه ويلاعبه كما يلاعب الحسن والحسين.
فتوفي رسول الله ص ولم يسر الجيش وارتد كثير من العرب ونجم النفاق واشرأبت أعناق اليهود والنصارى، ووصفة السيدة المرضية العالمة الربانية حبيبة رسول الله الألمعية الصديقة المطهرة عائشة ل حال الصحابة وقد اجتمع عليهم الكفر من كل مجمع بأبلغ وصف فقالت: (وصار أصحاب محمد ص كأنهم معزى مطيرة في حش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة) وبقي المسلمون لا يدرون ماذا يصنعون لوفاة نبيهم وقلة عددهم وكثرة عدوهم.
فقال الناس لأبي بكر: إن جيش أسامة جند المسلمين والعرب قد انتقضت بك فلا ينبغي أن تفرق عنك جماعة المسلمين
فماذا يصنع أبو بكر؟ فاصحابة الكرام يعترضون على إمارة أسامة لصغر سنه ويعترضون على إرسال جيش المسلمين لارتداد العرب وقلة عدد المسلمين وخوفهم على قلب الإسلام المدينة النبوية، غير أن رسول الله كان يشدد في إرسال جيش أسامة وقد أخذ أبو بكر عهدا على نفسه بأن لا يعصي الله ورسوله. فهل يخالف أمر رسول الله؟
قال أبو بكر بثبات قلب المؤمن:
(و الذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته)
وحاول الأنصار بعمر الفاروق أن يكلم الصديق في إمرة أسامة فقال الصديق:
(لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه و سلم)
فقال عمر: إن الأنصار أمروني أن أبلغك وأنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة. فوثب أبو بكر وكان جالسا يأخذ بلحية عمر فقال له:
(ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم وتأمرني أن أنزعه)
فخرج عمر إلى الناس بعد أم سمع ورأى من أبي بكر ما رأى. فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله
وإجابة أبي بكر بهذه القوة تذكرنا بما قاله رسول الله لعمه أبي طالب حين ظن أنه قد خذله وضعف عن نصرته: (يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه فيه ما تركته)
وكان لثبات قلب أبي بكر في تنفيذ أمر النبي ص إنقاذا للمدينة، فقد قال الأعراب وغيرهم: الذي يرسل جيش لقتال الروم لابد وأن عنده أضعاف أضعاف هذا الجيش في عاصمته، فعصم الله دماء الصحابة وحفظ بيضة الإسلام بهذا الثبات العظيم.
أما الموقف الأخير فهو حرب المرتدين مباشرة، وعدم الهوادة في ذلك، فتأديبهم من أوجب الواجبات وأعظم القربات وأجل الطاعات، فقاتلهم الصديق، وقد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم وما هم عليه من منع الزكاة ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم ثم هم بعد ذلك يزكون، فقد قال عمر بن الخطاب لأبي بكر:كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ^:أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا:لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله Q؟، فقال أبو بكر:والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ^ لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب فوالله ما هو إلا أن رأيت الله Q قد شرح صدر أبي بكر للقتال قال فعرفت أنه الحق"
الخطبة الثانية:
الحمد لله:
عباد الله
إن الصديق أحق من يوصف بقول الشاعر:
ترى الرجل النحيل فتزدريه وفي أضماره أسد هصور
فقد كان نيحيل الجسد جدا يسقط إزاره من شدة نحوله، ولكن بين جنبيه قلب ليث جمع الشجاعة كلها.
عباد الله:
إن الله حفظ المسلمين بموقف أبي بكر يوم موت رسول الله ص، و إن الله حفظ المسلمين بموقف أبي بكر يوم السقيفة، و إن الله حفظ المسلمين بموقف أبي بكر من جيش أسامة، وإن الله حفظ المسلمين بموقف أبي بكر من المرتدين.
عباد الله:
هذه مواقف الصديق حفظ بها أهل الإسلام فما بال أقوام يشتمون الصديق ويتدينون بلعنه؟!!!
هذه مواقف الصديق حفظ بها أهل الإسلام فما بال أقوام يقاتلون على دولهم وينشرون الفزع والخراب بين أهلهم، وهم يعلمون أن دول الكفر تريد أي منفذ لدخول الدول الإسلامية؟
أبو بكر بعد وفاة النبي ص
التأريخ: 5/4/1429هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
كان حديثنا في خطبتين ماضيتين عن مواقف لصديق الأكبر أبوبكر الصديق ا مع النبي ص، وفي هذه الخطبة سنذكر بعض مواقفه بعد رسول الله ص، وأولها وأصعبها.
هو موقفه يوم موت النبي ص، فلا يخفى على من تابع حياة النبي ص قوة العلاقة وحميمية الصلة بين رسول الله ص وبين أبي بكر، وكثير من الناس يصيبهم الذهول لفقد الأحبة، وكان أبو بكر ت يحب رسول الله ص فوق محبة ولده ووالده بل اشد حبا من نفسه، ومع هذا فقد كان ثباته أشد من ثبات الجبال الراسيات، وهاك الخبر لتعرف من هو الصديق: فعن أبي هريرة قال:لما توفي رسول الله ص قام عمر بن الخطاب، فقال:إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله ^ قد توفي وإن رسول الله ص ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ووالله ليرجعن رسول الله ص كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله ^ مات قال وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر، وعمر يكلم الناس فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله ص في بيت عائشة، ورسول الله ^ مسجى في ناحية البيت عليه برد حبرة فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله ص. قال ثم أقبل عليه فقبله ثم قال بأبي أنت وأمي، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا. قال ثم رد البرد على وجه رسول الله ^ ثم خرج وعمر يكلم الناس فقال على رسلك يا عمر أنصت فأبى إلا أن يتكلم فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال ثم تلا هذه الآية ((وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)) [آل عمران:144] قال:فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ، قال: وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم، فقال أبو هريرة: قال:عمر والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فَعَقِرْتُ حتى وقعتُ إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله ص قد مات.
فهذا عمر ت العبقري الشجاع القوي ذهل عقله وغابت عنه الآيات، فكيف بغيره، فكلهم كان في المسجد ينتحب على رسول الله ويتمنون صدق كلام عمر ت، حتى جاء أبو بكر وصعد منبر رسول الله فما اعترضه أحد، وأرخوا له أسماعهم فكان كلامه فصلا بينهم.
عباد الله:
في سقيفة بني ساعدة كان لأبي بكر موقف حفظ فيه بيضة الدين، فلما توفي رسول الله ص تحرك بعض المنافقين للفت في عضد المسلمين، وتهيأ بعض الأعراب بإعلان التمرد، فبادر الأنصار لاختيار من حاكم للدولة الإسلامية بعد أن تيقنوا موت رسول الله ص وقالوا: منا أمير ومن المهاجرين أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، وبين لهم ابو بكر أن الخلافة في قريش، ثم بايع الجميع ابو بكر لمعرفتهم فضله ومكانته.
ويشغب بعض الجلهة الحاقدين أن ابو بكر وعمر تركوا جثمان رسول الله الطاهر ولم يدفنوه وتنازعوا على الخلافة، والجواب من أكثر من وجه:
أولا: أن تأخر دفن رسول الله ص أفضل ليدرك فضل الصلاة عليه أكبر عدد من الصحابة ي.
ثانيا: أن العقل والحكمة تؤيد أن المحافظة على الدولة المسلمة الفتية وحفظ دماء المسلمين أولى من المبادرة بدفن النبي ص.
ثالثا: أن الذي يقوم بدفن الميت وتغسيله هم أهل بيته كعلي والعباس وابنه ي وأرضاهم، لذلك لم يشارك فيه الصديق وعمر ب.
عباد الله:
وفي مشهد ثالث يظهر ثبات قلب أبي بكر وكيف أن الله أنقذ بواليته الإسلام والمسلمين، فقد استعمل رسول الله ص أسامة بن زيد ت وأمره بالتوجه إلى حدود الشام للأخذ بثأر من قتل في غزوة مؤتة وقد كان رسول الله قد ضرب البعث على أهل المدينة ومن حولها، ثم اشتكى رسول الله ثم وجد من نفسه راحة فخرج رسول الله عاصبا رأسه فقال:
(أيها الناس أنفذوا جيش أسامة) ثلاث مرات. ولكن شدة مرض رسول الله جعل الصحابة يتأخرون في الخروج فكلهم كان يخشى أن يسافر فلا يرى حبيبه وقرة عينه وحشاشة فؤاده رسول الله ص، فكيف يتخيل أحدهم ألا يرى رسول الله مرة أخرى، خاصة قائد الجيش حِبَ رسول الله ص أسامة بن زيد ت، والذي كان رسول الله ص يجلسه على فخذه ويلاعبه كما يلاعب الحسن والحسين.
فتوفي رسول الله ص ولم يسر الجيش وارتد كثير من العرب ونجم النفاق واشرأبت أعناق اليهود والنصارى، ووصفة السيدة المرضية العالمة الربانية حبيبة رسول الله الألمعية الصديقة المطهرة عائشة ل حال الصحابة وقد اجتمع عليهم الكفر من كل مجمع بأبلغ وصف فقالت: (وصار أصحاب محمد ص كأنهم معزى مطيرة في حش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة) وبقي المسلمون لا يدرون ماذا يصنعون لوفاة نبيهم وقلة عددهم وكثرة عدوهم.
فقال الناس لأبي بكر: إن جيش أسامة جند المسلمين والعرب قد انتقضت بك فلا ينبغي أن تفرق عنك جماعة المسلمين
فماذا يصنع أبو بكر؟ فاصحابة الكرام يعترضون على إمارة أسامة لصغر سنه ويعترضون على إرسال جيش المسلمين لارتداد العرب وقلة عدد المسلمين وخوفهم على قلب الإسلام المدينة النبوية، غير أن رسول الله كان يشدد في إرسال جيش أسامة وقد أخذ أبو بكر عهدا على نفسه بأن لا يعصي الله ورسوله. فهل يخالف أمر رسول الله؟
قال أبو بكر بثبات قلب المؤمن:
(و الذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته)
وحاول الأنصار بعمر الفاروق أن يكلم الصديق في إمرة أسامة فقال الصديق:
(لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه و سلم)
فقال عمر: إن الأنصار أمروني أن أبلغك وأنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة. فوثب أبو بكر وكان جالسا يأخذ بلحية عمر فقال له:
(ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم وتأمرني أن أنزعه)
فخرج عمر إلى الناس بعد أم سمع ورأى من أبي بكر ما رأى. فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله
وإجابة أبي بكر بهذه القوة تذكرنا بما قاله رسول الله لعمه أبي طالب حين ظن أنه قد خذله وضعف عن نصرته: (يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه فيه ما تركته)
وكان لثبات قلب أبي بكر في تنفيذ أمر النبي ص إنقاذا للمدينة، فقد قال الأعراب وغيرهم: الذي يرسل جيش لقتال الروم لابد وأن عنده أضعاف أضعاف هذا الجيش في عاصمته، فعصم الله دماء الصحابة وحفظ بيضة الإسلام بهذا الثبات العظيم.
أما الموقف الأخير فهو حرب المرتدين مباشرة، وعدم الهوادة في ذلك، فتأديبهم من أوجب الواجبات وأعظم القربات وأجل الطاعات، فقاتلهم الصديق، وقد تكلم الصحابة مع الصديق في أن يتركهم وما هم عليه من منع الزكاة ويتألفهم حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم ثم هم بعد ذلك يزكون، فقد قال عمر بن الخطاب لأبي بكر:كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ^:أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا:لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله Q؟، فقال أبو بكر:والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ^ لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب فوالله ما هو إلا أن رأيت الله Q قد شرح صدر أبي بكر للقتال قال فعرفت أنه الحق"
الخطبة الثانية:
الحمد لله:
عباد الله
إن الصديق أحق من يوصف بقول الشاعر:
ترى الرجل النحيل فتزدريه وفي أضماره أسد هصور
فقد كان نيحيل الجسد جدا يسقط إزاره من شدة نحوله، ولكن بين جنبيه قلب ليث جمع الشجاعة كلها.
عباد الله:
إن الله حفظ المسلمين بموقف أبي بكر يوم موت رسول الله ص، و إن الله حفظ المسلمين بموقف أبي بكر يوم السقيفة، و إن الله حفظ المسلمين بموقف أبي بكر من جيش أسامة، وإن الله حفظ المسلمين بموقف أبي بكر من المرتدين.
عباد الله:
هذه مواقف الصديق حفظ بها أهل الإسلام فما بال أقوام يشتمون الصديق ويتدينون بلعنه؟!!!
هذه مواقف الصديق حفظ بها أهل الإسلام فما بال أقوام يقاتلون على دولهم وينشرون الفزع والخراب بين أهلهم، وهم يعلمون أن دول الكفر تريد أي منفذ لدخول الدول الإسلامية؟
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى