رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
زلزال العيص
التأريخ: 27/5/1430هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
إن الله تعالى خَلَقَ الخلقَ وبث في الكون آياتٍ عظيمةٍ منها ماهو للاعتبار فقال تعالى:(( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ )) [آل عمران:190]
وقال الحق جل شأنه: (( إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ *وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ *تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ )) [الجاثية3، 6]
ولكن هناك قلوب قاسية لا تعتبر ولا تتعظ كالحجارة (( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )) [البقرة:74] فلهذه القلوب خلق الله آيات للتخويف فقال ربنا: ((.. وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً )) [الإسراء:59] وهي آيات عظمية كبيرة كالفيضانات والزلازل والبراكين وما شابهها ((.. ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ )) [الزمر:16] وويل ثم ويل لمن لم يتحرك قلبه وينتفض فؤاده وتذوب مهجته خوفا وإجلالا للعظيم العزيز القهار الجبار، فهذا لا يصلح معه إلا نار تلظى لا يصلها إلا الأشقى - أعاذنا الله وإياكم منها ـ.
عباد الله:
سمعتم بما حلّ بإخواننا في محافظة العيص، وتحرك ذلك البركان وما حل بهم من خوف وهلع فهرب الكثير من الدور ورضوا بسكنى الخيام طلبا للأمن، ولقد وصف بعضهم بعض ما شاهده وسمعه فقال عن البركان: له أصوات تشبه أصوات الرعد، وشعرنا بارتجاج الأبواب والنوافذ وتأثرت بعض البيوت، وشاهدنا دخان من فوهة البركان، فلنا مع هذا الحدث وقفات():
أولا: الإيمان بأن الله هو المدبر لهذا العالم علوية وسفلية، وأنه لا يكون في السماء ولا في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه وحكمته وتدبيره، فبمشيئته تدور الأفلاك وتجري النجوم والشمس والقمر.
ثانيا: أن الله تعالى يرسلها تخويفا كما سبق بيانه. وذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر فقال لها الرجل يا ام المؤمنين حدثينا عن الزلزلة فقالت: إذا استباحوا الزنا وشربوا الخمر وضربوا بالمعازف غار الله عز و جل في سمائه فقال للأرض تزلزلى بهم فان تابوا ونزعوا وإلا أهدمها عليهم قال: يا أم المؤمنين أعذابا لهم؟قالت:بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالا وعذابا وسخطا على الكافرين، فقال أنس ما سمعت حديثا بعد رسول أنا أشد فرحا مني بهذا الحديث.
و تزلزلت الأرض بالناس على عهد عمر بن الخطاب فقال: يا أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه والذى نفسي بيده لان عادت لا أساكنكم فيها ابدا.
وقال كعب: انما زلزلت الأرض اذا عمل فيها بالمعاصي فترعدا فرقا من الرب عز و جل أن يطلع عليها.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار أما بعد فان هذا الرجف شيء يعاتب الله عزوجل به العباد.
ثالثا: أن الله تعالى لا يريد عذاب الناس فهو القائل: (( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً )) [النساء:147]، ولكنه جل وعلا يريد تذكير العباد وقال تعالى: ((.. وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )) [الأعراف:168]وقال تعالى: (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ )) [الأنعام:42]
رابعا: أن هناك سنن كونية خلقها الله وبثها في الكون لحكم يعلمها تعالى ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
خامسا: أن الله تعالى ينوع العذاب فقد يتعظ بعض الناس بنوع من العذاب دون الآخر فسقوط الأسهم وغلاء الأسعار والزلازل والحروب والأوبئة وغيرها أنواع من العذاب كما قال تعالى: (( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ )) [التوبة:126].
سادسا: أن النبي ص أخبرنا عن نار ستظهر بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى: أخرج البخاري عن أَبُي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ غ قَالَ:"لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى"وقد ظهرت فيما سبق في المدينة النبوية، وكانت بركانا عظميا فمن أخبر النبي الأمي بذلك؟
أما قصتها فقد قال القرطبي /: (قد خرجت نار بالحجاز بالمدينة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرة ترى في صورة البلد العظيم عليها سور محيط عليه شراريف وأبراج ومآذن، وترى رجال يقودونها، لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر أحمر وأزرق له دوى كدوى الرعد يأخذ الصخور بين يديه وينتهي إلى محط الركب العراقي، واجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم، فانتهت النار إلى قرب المدينة، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر، وقال لي بعض أصحابنا: رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام، وسمعت أنها رؤيت من مكة ومن جبال بصرى). و قال النووي - ي/ - (وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة, وكانت نارا عظيمة جدا من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، تواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة. وقال الحافظ: (والذي ظهر لي أن النار المذكورة في حديث الباب هي التي ظهرت بنواحي المدينة كما فهمه القرطبي وغيره، وأما النار التي تحشر الناس فنار أخرى)
وقال ابن الساعي /واصفا هذا البركان: وإن مدينة الرسول غ زلزلت حتى ارتج القبر الشريف النبوي وسمع صرير الحديد وتحركت السلاسل وظهرت نار على مسيرة أربع فراسخ من المدينة وكانت ترمي بزبد كأنه رؤس الجبال ودامت خمسة عشر يوما، وإن هذه النار التي ظهرت بالحجاز آية عظيمة وإشارة صحيحة دالة على اقتراب الساعة فالسعيد من انتهز الفرصة قبل الموت وتدارك أمره باصلاح حاله مع الله Q قبل الموت وهذه النار في ارض ذات حجر لا شجر فيها ولا نبت وهي تأكل بعضها بعضا إن لم تجد ما تأكله وهي تحرق الحجارة وتذيبها حتى تعود كالطين المبلول ثم يضربه الهواء حتى يعود كخبث الحديد الذي يخرج من الكير فالله يجعلها عبرة للمسلمين ورحمة للعالمين بمحمد وآله الطاهرين)
ولا يمنع أن يتكرر ذلك الحدث والله اعلم.
سابعا: لابد من اتخاذ الأسباب الشرعية والمادية، وأعظم الأسباب الشرعية: التوبةُ والاستغفارُ ودعاؤه ـ بأن يرحم عباده ويصرف عنهم ما يكرهون، كما قال صلى الله ص في شأن الكسوف:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا"متفق عليه، وفي لفظ لهما:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ"، وثبت عن ابن عباس ب أنه صلى في زلزلة ست ركعات وأربع سجدات، وقال:"هكذا صلاة الآيات"رواه البيهقي وغيره، لذلك يشرع لسكان العيص - حفظهم الله - وما جاورها أن يقيموا صلاة لزلزلة كما فعل ابن عباس، وهي ركعتان بأربع ركوعات أو ست ركوعات وأربع سجدات، فإنها كصلاة الكسوف، ولهذا قال ابن عباس، هكذا صلاة الآيات.
الحمد لله.. أما بعد:
عباد الله:
حلّ الهلع بالناس في العيص وما جاورها، وتابعت وكالات الأنباء العالمية هذا الحدث، وصدرت تحذيرات أن الأثر قد يصل للخليج، أقول: كل هذا حدث بسبب بركان واحد فكيف بنا يوم الزلزال الأكبر؟
(إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا..)
إنه يوم القيامة حيث ترتجف الأرض الثابتة ارتجافاً، وتزلزل زلزالا، وتنفض ما في جوفها نفضاً، وتخرج ما يثقلها من أجساد ومعادن وغيرها مما حملته طويلاً. وهو مشهد يهز تحت أقدام المستمعين لهذه السورة كل شيء ثابت؛ ويخيل إليهم أنهم يترنحون ويتأرجحون، والأرض من تحتهم تهتز وتمور! مشهد يخلع القلوب من كل ما تتشبث به من هذه الأرض، وتحسبه ثابتاً باقياً؛ وهو الإيحاء الأول لمثل هذه المشاهد التي يصورها القرآن، ويودع فيها حركة تكاد تنتقل إلى أعصاب السامع بمجرد سماع العبارة القرآنية الفريدة!
ويزيد هذا الأثر وضوحاً بتصوير « الإنسان » حيال المشهد المعروض، ورسم انفعالاته وهو يشهده:{وقال الإنسان: ما لها؟}..
وهو سؤال المشدوه المبهوت المفجوء، الذي يرى ما لم يعهد، ويواجه ما لا يدرك، ويشهد ما لا يملك الصبر أمامه والسكوت. مالها؟ ما الذي يزلزلها هكذا ويرجها رجا؟ مالها؟ وكأنه يتمايل على ظهرها ويترنح معها؛ ويحاول أن يمسك بأي شيء يسنده ويثبته، وكل ما حوله يمور موراً شديداً!
« والإنسان » قد شهد الزلازل والبراكين من قبل. وكان يصاب منها بالهلع والذعر، والهلاك والدمار، ولكنه حين يرى زلزال يوم القيامة لا يجد أن هناك شبهاً بينه وبين ما كان يقع من الزلازل والبراكين في الحياة الدنيا. فهذا أمر جديد لا عهد للإنسان به. أمر لا يعرف له سراً، ولا يذكر له نظيراً. أمر هائل يقع للمرة الأولى!
إنه مشهد لا تعبر عن صفته لغة البشر. هائل مروّع. مفزع. مرعب. مذهل..
كل أولئك وسائر ما في المعجم من أمثالها لا تبلغ من وصف هذا المشهد شيئاً مما يبلغه إرسال الخيال قليلاً يتملاه بقدر ما يملك وفي حدود ما يطيق!
زلزال العيص
التأريخ: 27/5/1430هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
إن الله تعالى خَلَقَ الخلقَ وبث في الكون آياتٍ عظيمةٍ منها ماهو للاعتبار فقال تعالى:(( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ )) [آل عمران:190]
وقال الحق جل شأنه: (( إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ *وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ *تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ )) [الجاثية3، 6]
ولكن هناك قلوب قاسية لا تعتبر ولا تتعظ كالحجارة (( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )) [البقرة:74] فلهذه القلوب خلق الله آيات للتخويف فقال ربنا: ((.. وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً )) [الإسراء:59] وهي آيات عظمية كبيرة كالفيضانات والزلازل والبراكين وما شابهها ((.. ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ )) [الزمر:16] وويل ثم ويل لمن لم يتحرك قلبه وينتفض فؤاده وتذوب مهجته خوفا وإجلالا للعظيم العزيز القهار الجبار، فهذا لا يصلح معه إلا نار تلظى لا يصلها إلا الأشقى - أعاذنا الله وإياكم منها ـ.
عباد الله:
سمعتم بما حلّ بإخواننا في محافظة العيص، وتحرك ذلك البركان وما حل بهم من خوف وهلع فهرب الكثير من الدور ورضوا بسكنى الخيام طلبا للأمن، ولقد وصف بعضهم بعض ما شاهده وسمعه فقال عن البركان: له أصوات تشبه أصوات الرعد، وشعرنا بارتجاج الأبواب والنوافذ وتأثرت بعض البيوت، وشاهدنا دخان من فوهة البركان، فلنا مع هذا الحدث وقفات():
أولا: الإيمان بأن الله هو المدبر لهذا العالم علوية وسفلية، وأنه لا يكون في السماء ولا في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئته سبحانه وحكمته وتدبيره، فبمشيئته تدور الأفلاك وتجري النجوم والشمس والقمر.
ثانيا: أن الله تعالى يرسلها تخويفا كما سبق بيانه. وذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر فقال لها الرجل يا ام المؤمنين حدثينا عن الزلزلة فقالت: إذا استباحوا الزنا وشربوا الخمر وضربوا بالمعازف غار الله عز و جل في سمائه فقال للأرض تزلزلى بهم فان تابوا ونزعوا وإلا أهدمها عليهم قال: يا أم المؤمنين أعذابا لهم؟قالت:بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالا وعذابا وسخطا على الكافرين، فقال أنس ما سمعت حديثا بعد رسول أنا أشد فرحا مني بهذا الحديث.
و تزلزلت الأرض بالناس على عهد عمر بن الخطاب فقال: يا أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه والذى نفسي بيده لان عادت لا أساكنكم فيها ابدا.
وقال كعب: انما زلزلت الأرض اذا عمل فيها بالمعاصي فترعدا فرقا من الرب عز و جل أن يطلع عليها.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار أما بعد فان هذا الرجف شيء يعاتب الله عزوجل به العباد.
ثالثا: أن الله تعالى لا يريد عذاب الناس فهو القائل: (( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً )) [النساء:147]، ولكنه جل وعلا يريد تذكير العباد وقال تعالى: ((.. وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )) [الأعراف:168]وقال تعالى: (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ )) [الأنعام:42]
رابعا: أن هناك سنن كونية خلقها الله وبثها في الكون لحكم يعلمها تعالى ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
خامسا: أن الله تعالى ينوع العذاب فقد يتعظ بعض الناس بنوع من العذاب دون الآخر فسقوط الأسهم وغلاء الأسعار والزلازل والحروب والأوبئة وغيرها أنواع من العذاب كما قال تعالى: (( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ )) [التوبة:126].
سادسا: أن النبي ص أخبرنا عن نار ستظهر بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى: أخرج البخاري عن أَبُي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ غ قَالَ:"لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى"وقد ظهرت فيما سبق في المدينة النبوية، وكانت بركانا عظميا فمن أخبر النبي الأمي بذلك؟
أما قصتها فقد قال القرطبي /: (قد خرجت نار بالحجاز بالمدينة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرة ترى في صورة البلد العظيم عليها سور محيط عليه شراريف وأبراج ومآذن، وترى رجال يقودونها، لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر أحمر وأزرق له دوى كدوى الرعد يأخذ الصخور بين يديه وينتهي إلى محط الركب العراقي، واجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم، فانتهت النار إلى قرب المدينة، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر، وقال لي بعض أصحابنا: رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام، وسمعت أنها رؤيت من مكة ومن جبال بصرى). و قال النووي - ي/ - (وقد خرجت في زماننا نار بالمدينة, وكانت نارا عظيمة جدا من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، تواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة. وقال الحافظ: (والذي ظهر لي أن النار المذكورة في حديث الباب هي التي ظهرت بنواحي المدينة كما فهمه القرطبي وغيره، وأما النار التي تحشر الناس فنار أخرى)
وقال ابن الساعي /واصفا هذا البركان: وإن مدينة الرسول غ زلزلت حتى ارتج القبر الشريف النبوي وسمع صرير الحديد وتحركت السلاسل وظهرت نار على مسيرة أربع فراسخ من المدينة وكانت ترمي بزبد كأنه رؤس الجبال ودامت خمسة عشر يوما، وإن هذه النار التي ظهرت بالحجاز آية عظيمة وإشارة صحيحة دالة على اقتراب الساعة فالسعيد من انتهز الفرصة قبل الموت وتدارك أمره باصلاح حاله مع الله Q قبل الموت وهذه النار في ارض ذات حجر لا شجر فيها ولا نبت وهي تأكل بعضها بعضا إن لم تجد ما تأكله وهي تحرق الحجارة وتذيبها حتى تعود كالطين المبلول ثم يضربه الهواء حتى يعود كخبث الحديد الذي يخرج من الكير فالله يجعلها عبرة للمسلمين ورحمة للعالمين بمحمد وآله الطاهرين)
ولا يمنع أن يتكرر ذلك الحدث والله اعلم.
سابعا: لابد من اتخاذ الأسباب الشرعية والمادية، وأعظم الأسباب الشرعية: التوبةُ والاستغفارُ ودعاؤه ـ بأن يرحم عباده ويصرف عنهم ما يكرهون، كما قال صلى الله ص في شأن الكسوف:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا"متفق عليه، وفي لفظ لهما:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ"، وثبت عن ابن عباس ب أنه صلى في زلزلة ست ركعات وأربع سجدات، وقال:"هكذا صلاة الآيات"رواه البيهقي وغيره، لذلك يشرع لسكان العيص - حفظهم الله - وما جاورها أن يقيموا صلاة لزلزلة كما فعل ابن عباس، وهي ركعتان بأربع ركوعات أو ست ركوعات وأربع سجدات، فإنها كصلاة الكسوف، ولهذا قال ابن عباس، هكذا صلاة الآيات.
الحمد لله.. أما بعد:
عباد الله:
حلّ الهلع بالناس في العيص وما جاورها، وتابعت وكالات الأنباء العالمية هذا الحدث، وصدرت تحذيرات أن الأثر قد يصل للخليج، أقول: كل هذا حدث بسبب بركان واحد فكيف بنا يوم الزلزال الأكبر؟
(إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا..)
إنه يوم القيامة حيث ترتجف الأرض الثابتة ارتجافاً، وتزلزل زلزالا، وتنفض ما في جوفها نفضاً، وتخرج ما يثقلها من أجساد ومعادن وغيرها مما حملته طويلاً. وهو مشهد يهز تحت أقدام المستمعين لهذه السورة كل شيء ثابت؛ ويخيل إليهم أنهم يترنحون ويتأرجحون، والأرض من تحتهم تهتز وتمور! مشهد يخلع القلوب من كل ما تتشبث به من هذه الأرض، وتحسبه ثابتاً باقياً؛ وهو الإيحاء الأول لمثل هذه المشاهد التي يصورها القرآن، ويودع فيها حركة تكاد تنتقل إلى أعصاب السامع بمجرد سماع العبارة القرآنية الفريدة!
ويزيد هذا الأثر وضوحاً بتصوير « الإنسان » حيال المشهد المعروض، ورسم انفعالاته وهو يشهده:{وقال الإنسان: ما لها؟}..
وهو سؤال المشدوه المبهوت المفجوء، الذي يرى ما لم يعهد، ويواجه ما لا يدرك، ويشهد ما لا يملك الصبر أمامه والسكوت. مالها؟ ما الذي يزلزلها هكذا ويرجها رجا؟ مالها؟ وكأنه يتمايل على ظهرها ويترنح معها؛ ويحاول أن يمسك بأي شيء يسنده ويثبته، وكل ما حوله يمور موراً شديداً!
« والإنسان » قد شهد الزلازل والبراكين من قبل. وكان يصاب منها بالهلع والذعر، والهلاك والدمار، ولكنه حين يرى زلزال يوم القيامة لا يجد أن هناك شبهاً بينه وبين ما كان يقع من الزلازل والبراكين في الحياة الدنيا. فهذا أمر جديد لا عهد للإنسان به. أمر لا يعرف له سراً، ولا يذكر له نظيراً. أمر هائل يقع للمرة الأولى!
إنه مشهد لا تعبر عن صفته لغة البشر. هائل مروّع. مفزع. مرعب. مذهل..
كل أولئك وسائر ما في المعجم من أمثالها لا تبلغ من وصف هذا المشهد شيئاً مما يبلغه إرسال الخيال قليلاً يتملاه بقدر ما يملك وفي حدود ما يطيق!
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى