رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
التوبة
التأريخ:15/10/1426هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
سنتناول في هذه الخطبة ان شاء الله انتشار نور الله ورجوع الكثيرين إلى الالتزام بالدين، وهناك من سئموا حياة الشقاء وضنك العيش، وهاهم يتلمسون طريقهم للخروج من الظلمات إلى النور، لكن تعترض طريق ثلة من هذا الموكب عوائق يظنونها تحول بينهم وبين التوبة، منها ما هو في النفس، ومنها ما هو في الواقع المحيط، ولأجل ذلك كان هذا الدرس.
عباد الله:
إن الله أمر المؤمنين جميعاً بالتوبة، فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[31] سورة النور.
وقسَّم العباد إلى تائب وظالم، وليس ثم قسم ثالث البتة، فقال Q:(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[11] سورة الحجرات. وهذا أوان بعُد فيه كثير من الناس عن دين الله، فعمت المعاصي وانتشر الفساد، حتى ما بقي أحد لم يتلوث بشيء من الخبائث إلا من عصم الله، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فانبعث الكثيرون من غفلتهم ورقادهم، وأحسوا بالتقصير في حق الله، وندموا على التفريط والعصيان، فتوجهت ركائب التائبين المخبتين ميممة شطر منار التوبة، وآخرون سئموا حياة الشقاء وضنك العيش، وهاهم يتلمسون طريقهم للخروج من الظلمات إلى النور، لكن تعترض طريق ثلة من هذا الموكب عوائق يظنونها تحول بينهم وبين التوبة، منها ما هو في النفس، ومنها ما هو في الواقع المحيط فلعلنا أن تلمس بعض هذه العوائق خلال هذه الخطبة.
عباد الله
ان الاستهانة بالذنوب ومصيبة كثير من الناس اليوم أنهم لا يرجون لله وقاراً، فيعصونه بأنواع الذنوب ليلاً ونهاراً، ومنهم طائفة ابتلوا باستصغار الذنوب، فترى أحدهم يحتقر في نفسه بعض الصغائر، فيقول مثلاً: وماذا تضر نظرة، أو مصافحة أجنبية، ويتسلون بالنظر إلى المحرمات في المجلات والمسلسلات، حتى أن بعضهم يسأل باستخفاف إذا علم بحرمة مسألة: كم سيئة فيها؟ أهي كبيرة أم صغيرة؟
فإذا علمت هذا الواقع الحاصل فقارن بينه وبين الأثرين التاليين من صحيح البخاري:
عن أنس ا قال: [إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ^ مِنْ الْمُوبِقَاتِ] والموبقات هي المهلكات.
وعن ابن مسعود ا قال: [إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا - أي بيده فذبه عنه-.
عباد الله:
هل يقّدر هؤلاء المستخفين بالذنوب خطورة الأمر إذا قرأوا حديث رسول الله ع: [إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ]رواه أحمد، وصححه الالباني في الجامع
وقد ذكر أهل العلم أن الصغيرة التي يقترن بها عدم المبالاة، وترك الخوف من الله، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر بل يجعلها في رتبتها، ولأجل ذلك قال العلماء:(لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار).
وقال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمت من عصيت.
عباد الله:
ان كلمة التوبة كلمة عظيمة، لها مدلولات عميقة، لا كما يظنها الكثيرون ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب، وتأمل قوله تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ...)[3] سورة هود. فتجد أن التوبة هي أمر زائد على الاستغفار؛ ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط، فقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث، وذكر بعضها:
الأول: أن يكون ترك الذنب لله لا لشيء آخر، كعدم القدرة عليه أو على معاودته، أو خوف كلام الناس مثلاً، وكذلك لا يسمى تائباً من عجز عن فعل معصية لأمر خارج عن إرادته، كالكاذب إذا أصيب بشلل أفقده النطق، أو الزاني إذا فقد القدرة على الزنى، أو السارق إذا أصيب بحادث أفقده أطرافه، بل لابد لمثل هذا من الندم والإقلاع عن تمني المعصية أو التأسف على فواتها ولمثل هذا يقول الرسول ع: [النَّدَمُ تَوْبَةٌ]رواه أحمد وابن ماجه، صححه الالباني في الجامع.
الثاني: أن يستشعر قبح الذنب وضرره، وهذا يعني أن التوبة الصحيحة لا يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين يتذكر الذنوب الماضية، أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل.
الثالث: أن يبادر العبد إلى التوبة، ولذلك فإن تأخير التوبة هو في حد ذاته ذنب يحتاج إلى توبة.
الرابع: أن يخشى على توبته من النقص، ولا يجزم بأنها قد قبلت، فيركن إلى نفسه، ويأمن مكر الله. ولا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ
الخامس: استدراك ما فات من حق الله إن كان ممكناً، كإخراج الزكاة التي منعت في الماضي لما فيها من حق الفقير كذلك، ورد المظالم لأصحابها.
السادس: أن يفارق موضع المعصية إذا كان وجوده فيه قد يوقعه في المعصية مرة أخرى.
السابع: أن يفارق من أعانه على المعصية، وهذا والذي قبله من فوائد حديث قاتل المئة نفس، والله يقول: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[67] سورة الزخرف. وقرناء السوء سيلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة، ولذلك: عليك أيها التائب بمفارقتهم ونبذهم ومقاطعتهم والتحذير منهم إن عجزت عن دعوتهم، ولا يستجرينك الشيطان، فيزين لك العودة إليهم من باب دعوتهم، وأنت تعلم أنك ضعيف لا تقاوم، وهناك حالات كثيرة رجع فيها أشخاص إلى المعصية بإعادة العلاقات مع قرناء الماضي.
الثامن: إتلاف المحرمات الموجودة عنده مثل: المسكرات، وآلات اللهو كالعود والمزمار، أو الصور والأفلام المحرمة، والقصص الماجنة والتماثيل، وهكذا فينبغي تكسيرها، وإتلافها، أو إحراقها. ولابد للتائب خلع ملابس الجاهلية على عتبة الاستقامة، وكم من قصة كان فيها إبقاء هذه المحرمات عند التائبين سبباً في نكوصهم ورجوعهم عن التوبة وضلالهم بعد الهدى.
وقد روى البخاري عن أنس ا اراقة الخمر لما حرمت ولم يبعها الصحابة ي لليهود أو غيرهم ممن يشربها، وروى بعض الصحابة أنه قال يا رسول الله إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري؟ فقال رسول الله ص: (أهرق الخمر، واكسر الدنان)() ولا يجوز بيع الآلات التي يستعان بها على المعاصي للحديث إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.
التاسع: أن يختار من الرفقاء الصالحين من يعينه على نفسه، ويكون بديلاً عن رفقاء السوء، وأن يحرص على حلق الذكر ومجالس العلم، ويملأ وقته بما يفيد؛ حتى لا يجد الشيطان لديه فراغاً ليذكره بالماضي، قال ص (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) ()
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل (( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) [الزمر:53]والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) ()، أما بعد:
فيا عباد الله:
يقول بعض الناس أريد أن أتوب ولكن: ذنوبي كثيرة جداً ولم أترك نوعاً من الفواحش إلا واقترفته، ولا ذنباً تتخيله، أو لا تتخيله إلا ارتكبته لدرجة أني لا أدري هل يمكن أن يغفر الله لي ما فعلته في تلك السنوات الطويلة؟
والجواب: ((.. لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) [الزمر:53]
والجواب: ((.. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.. )) [الأعراف:156]
أما الإحساس بأن الذنوب أكثر من أن يغفرها الله فهو ناشيء عن: عدم يقين العبد بسعة رحمة ربه.ونقص في الإيمان بقدرة الله على مغفرة جميع الذنوب. وضعف عمل مهم من أعمال القلوب هو الرجاء. وعدم معرفة الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
ومن تأمل الحديث القدسي العظيم: [يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً] رواه الترمذي، وصححه الألباني في الجامع 4338.
وهنا شبه يقع فيها الكثير من الناس وهي أنه يقول: أنا كلما تبت من الذنب رجعت له مرة أخرى، والجواب من وجهين الأول: أن تتبع هذا الذنب بعمل صالح [مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ- ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ}وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ...[135]{إِلَى آخِرِ الْآيَةِ] رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد وهو في صحيح الترغيب والترهيب، وقال ع: (اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها..) ()
وأختم بأعظم آية في التوبة، وهي آية تبديل سئات التائب إلى حسنات وهذا من كرم الله أ: (( إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) [الفرقان:70]
فبادر يا عبدالله بالتوبة واياك والتراخي والتأجيل فالعمر قصير والموت قريب وإما خلود في الجنة أو خلود في النار
التوبة
التأريخ:15/10/1426هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
سنتناول في هذه الخطبة ان شاء الله انتشار نور الله ورجوع الكثيرين إلى الالتزام بالدين، وهناك من سئموا حياة الشقاء وضنك العيش، وهاهم يتلمسون طريقهم للخروج من الظلمات إلى النور، لكن تعترض طريق ثلة من هذا الموكب عوائق يظنونها تحول بينهم وبين التوبة، منها ما هو في النفس، ومنها ما هو في الواقع المحيط، ولأجل ذلك كان هذا الدرس.
عباد الله:
إن الله أمر المؤمنين جميعاً بالتوبة، فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[31] سورة النور.
وقسَّم العباد إلى تائب وظالم، وليس ثم قسم ثالث البتة، فقال Q:(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[11] سورة الحجرات. وهذا أوان بعُد فيه كثير من الناس عن دين الله، فعمت المعاصي وانتشر الفساد، حتى ما بقي أحد لم يتلوث بشيء من الخبائث إلا من عصم الله، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فانبعث الكثيرون من غفلتهم ورقادهم، وأحسوا بالتقصير في حق الله، وندموا على التفريط والعصيان، فتوجهت ركائب التائبين المخبتين ميممة شطر منار التوبة، وآخرون سئموا حياة الشقاء وضنك العيش، وهاهم يتلمسون طريقهم للخروج من الظلمات إلى النور، لكن تعترض طريق ثلة من هذا الموكب عوائق يظنونها تحول بينهم وبين التوبة، منها ما هو في النفس، ومنها ما هو في الواقع المحيط فلعلنا أن تلمس بعض هذه العوائق خلال هذه الخطبة.
عباد الله
ان الاستهانة بالذنوب ومصيبة كثير من الناس اليوم أنهم لا يرجون لله وقاراً، فيعصونه بأنواع الذنوب ليلاً ونهاراً، ومنهم طائفة ابتلوا باستصغار الذنوب، فترى أحدهم يحتقر في نفسه بعض الصغائر، فيقول مثلاً: وماذا تضر نظرة، أو مصافحة أجنبية، ويتسلون بالنظر إلى المحرمات في المجلات والمسلسلات، حتى أن بعضهم يسأل باستخفاف إذا علم بحرمة مسألة: كم سيئة فيها؟ أهي كبيرة أم صغيرة؟
فإذا علمت هذا الواقع الحاصل فقارن بينه وبين الأثرين التاليين من صحيح البخاري:
عن أنس ا قال: [إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ^ مِنْ الْمُوبِقَاتِ] والموبقات هي المهلكات.
وعن ابن مسعود ا قال: [إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا - أي بيده فذبه عنه-.
عباد الله:
هل يقّدر هؤلاء المستخفين بالذنوب خطورة الأمر إذا قرأوا حديث رسول الله ع: [إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ]رواه أحمد، وصححه الالباني في الجامع
وقد ذكر أهل العلم أن الصغيرة التي يقترن بها عدم المبالاة، وترك الخوف من الله، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر بل يجعلها في رتبتها، ولأجل ذلك قال العلماء:(لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار).
وقال بعض السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمت من عصيت.
عباد الله:
ان كلمة التوبة كلمة عظيمة، لها مدلولات عميقة، لا كما يظنها الكثيرون ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب، وتأمل قوله تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ...)[3] سورة هود. فتجد أن التوبة هي أمر زائد على الاستغفار؛ ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط، فقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث، وذكر بعضها:
الأول: أن يكون ترك الذنب لله لا لشيء آخر، كعدم القدرة عليه أو على معاودته، أو خوف كلام الناس مثلاً، وكذلك لا يسمى تائباً من عجز عن فعل معصية لأمر خارج عن إرادته، كالكاذب إذا أصيب بشلل أفقده النطق، أو الزاني إذا فقد القدرة على الزنى، أو السارق إذا أصيب بحادث أفقده أطرافه، بل لابد لمثل هذا من الندم والإقلاع عن تمني المعصية أو التأسف على فواتها ولمثل هذا يقول الرسول ع: [النَّدَمُ تَوْبَةٌ]رواه أحمد وابن ماجه، صححه الالباني في الجامع.
الثاني: أن يستشعر قبح الذنب وضرره، وهذا يعني أن التوبة الصحيحة لا يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين يتذكر الذنوب الماضية، أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل.
الثالث: أن يبادر العبد إلى التوبة، ولذلك فإن تأخير التوبة هو في حد ذاته ذنب يحتاج إلى توبة.
الرابع: أن يخشى على توبته من النقص، ولا يجزم بأنها قد قبلت، فيركن إلى نفسه، ويأمن مكر الله. ولا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ
الخامس: استدراك ما فات من حق الله إن كان ممكناً، كإخراج الزكاة التي منعت في الماضي لما فيها من حق الفقير كذلك، ورد المظالم لأصحابها.
السادس: أن يفارق موضع المعصية إذا كان وجوده فيه قد يوقعه في المعصية مرة أخرى.
السابع: أن يفارق من أعانه على المعصية، وهذا والذي قبله من فوائد حديث قاتل المئة نفس، والله يقول: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[67] سورة الزخرف. وقرناء السوء سيلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة، ولذلك: عليك أيها التائب بمفارقتهم ونبذهم ومقاطعتهم والتحذير منهم إن عجزت عن دعوتهم، ولا يستجرينك الشيطان، فيزين لك العودة إليهم من باب دعوتهم، وأنت تعلم أنك ضعيف لا تقاوم، وهناك حالات كثيرة رجع فيها أشخاص إلى المعصية بإعادة العلاقات مع قرناء الماضي.
الثامن: إتلاف المحرمات الموجودة عنده مثل: المسكرات، وآلات اللهو كالعود والمزمار، أو الصور والأفلام المحرمة، والقصص الماجنة والتماثيل، وهكذا فينبغي تكسيرها، وإتلافها، أو إحراقها. ولابد للتائب خلع ملابس الجاهلية على عتبة الاستقامة، وكم من قصة كان فيها إبقاء هذه المحرمات عند التائبين سبباً في نكوصهم ورجوعهم عن التوبة وضلالهم بعد الهدى.
وقد روى البخاري عن أنس ا اراقة الخمر لما حرمت ولم يبعها الصحابة ي لليهود أو غيرهم ممن يشربها، وروى بعض الصحابة أنه قال يا رسول الله إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري؟ فقال رسول الله ص: (أهرق الخمر، واكسر الدنان)() ولا يجوز بيع الآلات التي يستعان بها على المعاصي للحديث إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.
التاسع: أن يختار من الرفقاء الصالحين من يعينه على نفسه، ويكون بديلاً عن رفقاء السوء، وأن يحرص على حلق الذكر ومجالس العلم، ويملأ وقته بما يفيد؛ حتى لا يجد الشيطان لديه فراغاً ليذكره بالماضي، قال ص (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) ()
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل (( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) [الزمر:53]والصلاة والسلام على عبده ورسوله القائل (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) ()، أما بعد:
فيا عباد الله:
يقول بعض الناس أريد أن أتوب ولكن: ذنوبي كثيرة جداً ولم أترك نوعاً من الفواحش إلا واقترفته، ولا ذنباً تتخيله، أو لا تتخيله إلا ارتكبته لدرجة أني لا أدري هل يمكن أن يغفر الله لي ما فعلته في تلك السنوات الطويلة؟
والجواب: ((.. لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) [الزمر:53]
والجواب: ((.. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.. )) [الأعراف:156]
أما الإحساس بأن الذنوب أكثر من أن يغفرها الله فهو ناشيء عن: عدم يقين العبد بسعة رحمة ربه.ونقص في الإيمان بقدرة الله على مغفرة جميع الذنوب. وضعف عمل مهم من أعمال القلوب هو الرجاء. وعدم معرفة الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
ومن تأمل الحديث القدسي العظيم: [يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً] رواه الترمذي، وصححه الألباني في الجامع 4338.
وهنا شبه يقع فيها الكثير من الناس وهي أنه يقول: أنا كلما تبت من الذنب رجعت له مرة أخرى، والجواب من وجهين الأول: أن تتبع هذا الذنب بعمل صالح [مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ- ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ}وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ...[135]{إِلَى آخِرِ الْآيَةِ] رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد وهو في صحيح الترغيب والترهيب، وقال ع: (اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها..) ()
وأختم بأعظم آية في التوبة، وهي آية تبديل سئات التائب إلى حسنات وهذا من كرم الله أ: (( إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) [الفرقان:70]
فبادر يا عبدالله بالتوبة واياك والتراخي والتأجيل فالعمر قصير والموت قريب وإما خلود في الجنة أو خلود في النار
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى