رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
الصبر
التأريخ:17/9/1426هـ
المكان: جامع أبي بكر الصديق ا بالقطيف
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
ارتبط شهر رمضان بمعانٍ سامية كثيرة ومن هذه المعاني الصبر، فرمضان شهر الصبر وشهر الصابرين، والصبر من أبرز الأخلاق التي عني بها الكتاب العزيز في سوره المكية والمدنية، وهو أكثر خلق تكرر في القرآن الكريم ()، فقد بلغ تكرار كلمة الصبر في القرآن الكريم بتصريفاتها المختلفة مئة وثلاث مرات ()، قال أبو طالب المكي /: ولا يعلم شيء ذكره الله تعالى بهذا العدد إلا الصبر ()، ومعنى الصبر: حبس النفس على ما يقتضيه الشرع، فلا يسمى الصبر صبرا إلا بميزان الشرع المطهر. فالصبر المشروع هنا ليس يأسا مقنطا، ولا عجزا مقعدا، إنه الثبات على الحق، والنصح بالتي هي أحسن للخلق، والشعور بالعزة الإيمانية مع الظلم والهضم، والثقة بنصر الله وإن علت رايات الباطل برهة من الزمن، فالصبر والنصر - كما قيل - أخوان شقيقان، والفرج مع الكرب، والعسر مع اليسر.، وفي الصبر محمود ومذموم، وحديثنا عن المحمود.
قال الشيخ محمد بن عثيمين /: واعلموا أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد فلا إيمان لمن لا صبر له ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر، وبه يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصبر من مقام الأنبياء والمرسلين وحلية الأصفياء المتقين قال الله تعالى عن عباد الرحمن(( أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً )) [الفرقان:75]
فإن قال قائل:هل نحن بحاجة إلى الصبر؟ فالجواب: نعم لأن الدنيا دار بلاء وهموم وغموم تذيب القلب وتطحن البدن (( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ )) [البلد:4] أي مشقة وكره.
ومن لم يصبر عليها ليس له إلا الحزن واليأس والقنوط ﴿.. وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر:56].
والصبر مهم حتى في أمور الدنيا قال المتنبي:
لولا المشقةُ ساد الناسُ كُلُهُمُ الجودُ يفقرُ والإقدامُ قتَّالُ
وقال غيره:
لا تحسبن المجدَ تمرًا أنت آكله لن تبلغَ المجدَ حتى تلعق الصَبِرا
والصبر محمود عند الناس دوما، وهو مفتاح الفرج كما يقال، فلقد عرف عشاق المجد وخطاب المعالي وطلاب السيادة أن الرفعة في الدنيا كالفوز في الآخره لا تنال إلا بركوب متن المشقات، وتجرع غصص الآلام، والصبر عن كثير مما يحب ةعلى كثير مما يكره وبدون هذا لا يتم عمل ولا يتحقق أمل.()
لا تيأسن وإن طالت مطالبة إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
عباد لله:
للصبر أنواع:
1.الصبر على الطاعة: (أن يحبس الإنسان نفسه على العبادة ويؤديها كما أمره تعالى وأن لا يتضجر منها أو يتهاون بها أو يدعها فإن ذلك عنوان هلاكه وشقائه ومتى علم العبد ما في القيام بطاعة الله من الثواب هان عليه أداؤها وفعلها) ()، وصلتنا بالله ليست صلة أيام ومواسم كالذين لا يعرفون الله إلا في رمضان فإذا خرج رمضان ارتكسوا () عن الطاعات وانغمسوا في الذنوب، قال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) أي الموت وقال: ﴿ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾ [مريم:65]وقال رسول الله ع يقول: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط)رواه مسلم. (فحتاج للصبر على الطاعة شكرا للمنعم، وأنسا بالخالق، واستجلابا لراحة القلب وطمانينة النفس، وتحتاج للصبر على الطاعة لطول الطريق، وقلة الرفيق، وكثرة الأشواك.)
2.الصبر عن المعصية: وأما الصبر عن معصية الله:فهو (أن يحبس الإنسان نفسه عن الوقوع فيما حرم الله عليه مما يتعلق بحق الله أو حقوق عباده) () إن للمعاصي لذة عاجلة، بل لقد صح الحديث أن النار حفت بالشهوات() فحتاج للصبر عن المعاصي لقوة الداعي، وضعف النفس، وكيد الشيطان وغروره، وأماني النفس بتقليد الهالكين (). فمن لم يصبر عن تلك الشهوات فسيكب على منخره في قعر جهنم والعياذ بالله.
3.الصبر على المصائب: المسلم موقن بقدم ما كتبه الله على عبيده للحديث: (قدّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) رواه مسلم، لذا فالموحد يصبر عند كل مصيبة وحادثة متدبرا بخشوع قول الله ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة:156، 157] ولله در الإمام الشافعي إذ يقول:
دع الأيـام تفعـل مـا تشاء وطب نفسا إذ حكم القضاء
ولا تجـزع لـحادثة اللـيالي فمـا لحـوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا وشيمتك السمـاحة والوفاء
وأرض الله واسـعـة ولـكن إذا نزل القضا ضاق الفضاء
واعلم أيها المسلم أنه لا صبر إلا بيقين بالله وحكمته وعدله، وباليوم الآخر وما فيه من جزاء وحساب عادل للحديث: ((ما من عبد مؤمن أصيب بمصيبة فقال كما أمر الله تعالى: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اؤجرني في مصيبتي واعقبني خيرا منها إلا فعل الله به ذلك)) رواه مسلم.
وقد أخرج البخاري عن أنس بن مالك ا قال: مر النبي ع بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي ع، فأتت باب النبي ع، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى)() (وتحتاج يا عبدالله للصبر على أقدار الله حين تطيش النفس بفقدان الحبيب، وتعلو خفقات القلب للنازلة المفاجئة، وتصاب بالحيرة والاضطراب للمصيبة الجاثمة)()
وقال الغزالي /: فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة فإن ثبت حتى قهره واستمر على مخالفة الشهوة فقد نصر حزب الله والتحق بالصابرين وإن تخاذل وضعف حتى غلبته الشهوة ولم يصبر في دفعها التحق بأتباع الشياطين فإن ترك الأفعال المشتهاه عمل يثمره حال يسمى الصبر وهو ثبات باعث الدين الذي هو في مقابلة باعث الشهوة.
أيها المؤمنون:
لا غنى عن الصبر في هذه الحياة، وإذا استوى الأبرار والفجار في حاجتهم للصبر على نكد العيش ومفاجأة الحياة، فاز الأبرار بالثواب العظيم على صبرهم لأنهم يصبرون في ذات الله، وخاب الفجار لأنهم لا يرجون من وراء صبرهم جزاء ولا شكورا.
وقد طلب منّا تعالى بما وهو فوق الصبر ألا وهو مقابلة صبر المشركين بالصبر فقال:
جعل الله الصبر جوادا لا يكبو، وصارما لا ينبو، وجندا لا يهزم، وحصنا حصينا لا يهدم ولا يثلم.
الخطبة الثانية:
عباد الله:
سأذكر بعض الأمور التي تعين على الصبر
1- معرفة المسلم بطبيعة الحياة الدنيا: فإن الحياة الدنيا جبلت على الكدر والحزن ولم تجبل على المسرات والفرح، وإنما هي دار ابتلاء، ومن عرف الحياة على هذا النحو لم يفجأ بكوراثها فالشيء من معدنه لا يستغرب.
قال ابن مسعود ا: لكل فرحة ترحه، وما ملئ بيت فرحا إلا ملئ ترحا) ()
وقالت هند بنت النعمان بن المنذر ملك العرب: (لقدر رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكا ثم لم تغب الشمس حت رأيتنا ونحن أقبل الناس وإنه حق على الله ألا يملأ دار حبرة إلا ملأها عبرة) ()
2- معرفة الإنسان أنه بين يدي الله: فهو تعالى يحكم فيه ما يريد وأن أي نعمة فهي من الله تعالى، فإن نزل بالمرأ نازل سلبه شيئا مما عنده فإنما استرد صاحب الملك بعض ما وهب ()
3- اليقين بحسن الجزاء عند الله تعالى لمن صبر واحتسب فالقرآن يشير إلى أن الصابرين ينتظرهم أحسن الجزاء: ﴿.. إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر:10]
4- اليقين بالفرج: وهذا من أعظم ما يعين على الصبر وهو اليقين بأن نصر الله آتٍ، وأن بعد الضيف سع، وبعد العسير يسرا (( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً )) [الشرح:6]
وهذا اليقين جدير أن يبدد ظلمة القلق من النفس ويطرد شبح اليأس من القلب وأن يضيء الصدر بالأمل. ()
اشتدي أزمة تنفرج * قد آذن ليلك بالبلج
5.الاستعانة بالله تعالى: مما يعين على الصبر تفويض الأمر لله تعالى والاستعانة به جل وعلا (( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ )) [الطور:48]
6.الاقتداء بأهل الصبر والعزائم من الأنبياء والصالحين (( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ )) [الأحقاف:35]
(( وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ )) [إبراهيم:12]
الصبر
التأريخ:17/9/1426هـ
المكان: جامع أبي بكر الصديق ا بالقطيف
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
ارتبط شهر رمضان بمعانٍ سامية كثيرة ومن هذه المعاني الصبر، فرمضان شهر الصبر وشهر الصابرين، والصبر من أبرز الأخلاق التي عني بها الكتاب العزيز في سوره المكية والمدنية، وهو أكثر خلق تكرر في القرآن الكريم ()، فقد بلغ تكرار كلمة الصبر في القرآن الكريم بتصريفاتها المختلفة مئة وثلاث مرات ()، قال أبو طالب المكي /: ولا يعلم شيء ذكره الله تعالى بهذا العدد إلا الصبر ()، ومعنى الصبر: حبس النفس على ما يقتضيه الشرع، فلا يسمى الصبر صبرا إلا بميزان الشرع المطهر. فالصبر المشروع هنا ليس يأسا مقنطا، ولا عجزا مقعدا، إنه الثبات على الحق، والنصح بالتي هي أحسن للخلق، والشعور بالعزة الإيمانية مع الظلم والهضم، والثقة بنصر الله وإن علت رايات الباطل برهة من الزمن، فالصبر والنصر - كما قيل - أخوان شقيقان، والفرج مع الكرب، والعسر مع اليسر.، وفي الصبر محمود ومذموم، وحديثنا عن المحمود.
قال الشيخ محمد بن عثيمين /: واعلموا أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد فلا إيمان لمن لا صبر له ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر، وبه يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصبر من مقام الأنبياء والمرسلين وحلية الأصفياء المتقين قال الله تعالى عن عباد الرحمن(( أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً )) [الفرقان:75]
فإن قال قائل:هل نحن بحاجة إلى الصبر؟ فالجواب: نعم لأن الدنيا دار بلاء وهموم وغموم تذيب القلب وتطحن البدن (( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ )) [البلد:4] أي مشقة وكره.
ومن لم يصبر عليها ليس له إلا الحزن واليأس والقنوط ﴿.. وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر:56].
والصبر مهم حتى في أمور الدنيا قال المتنبي:
لولا المشقةُ ساد الناسُ كُلُهُمُ الجودُ يفقرُ والإقدامُ قتَّالُ
وقال غيره:
لا تحسبن المجدَ تمرًا أنت آكله لن تبلغَ المجدَ حتى تلعق الصَبِرا
والصبر محمود عند الناس دوما، وهو مفتاح الفرج كما يقال، فلقد عرف عشاق المجد وخطاب المعالي وطلاب السيادة أن الرفعة في الدنيا كالفوز في الآخره لا تنال إلا بركوب متن المشقات، وتجرع غصص الآلام، والصبر عن كثير مما يحب ةعلى كثير مما يكره وبدون هذا لا يتم عمل ولا يتحقق أمل.()
لا تيأسن وإن طالت مطالبة إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
عباد لله:
للصبر أنواع:
1.الصبر على الطاعة: (أن يحبس الإنسان نفسه على العبادة ويؤديها كما أمره تعالى وأن لا يتضجر منها أو يتهاون بها أو يدعها فإن ذلك عنوان هلاكه وشقائه ومتى علم العبد ما في القيام بطاعة الله من الثواب هان عليه أداؤها وفعلها) ()، وصلتنا بالله ليست صلة أيام ومواسم كالذين لا يعرفون الله إلا في رمضان فإذا خرج رمضان ارتكسوا () عن الطاعات وانغمسوا في الذنوب، قال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) أي الموت وقال: ﴿ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾ [مريم:65]وقال رسول الله ع يقول: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط)رواه مسلم. (فحتاج للصبر على الطاعة شكرا للمنعم، وأنسا بالخالق، واستجلابا لراحة القلب وطمانينة النفس، وتحتاج للصبر على الطاعة لطول الطريق، وقلة الرفيق، وكثرة الأشواك.)
2.الصبر عن المعصية: وأما الصبر عن معصية الله:فهو (أن يحبس الإنسان نفسه عن الوقوع فيما حرم الله عليه مما يتعلق بحق الله أو حقوق عباده) () إن للمعاصي لذة عاجلة، بل لقد صح الحديث أن النار حفت بالشهوات() فحتاج للصبر عن المعاصي لقوة الداعي، وضعف النفس، وكيد الشيطان وغروره، وأماني النفس بتقليد الهالكين (). فمن لم يصبر عن تلك الشهوات فسيكب على منخره في قعر جهنم والعياذ بالله.
3.الصبر على المصائب: المسلم موقن بقدم ما كتبه الله على عبيده للحديث: (قدّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) رواه مسلم، لذا فالموحد يصبر عند كل مصيبة وحادثة متدبرا بخشوع قول الله ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة:156، 157] ولله در الإمام الشافعي إذ يقول:
دع الأيـام تفعـل مـا تشاء وطب نفسا إذ حكم القضاء
ولا تجـزع لـحادثة اللـيالي فمـا لحـوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا وشيمتك السمـاحة والوفاء
وأرض الله واسـعـة ولـكن إذا نزل القضا ضاق الفضاء
واعلم أيها المسلم أنه لا صبر إلا بيقين بالله وحكمته وعدله، وباليوم الآخر وما فيه من جزاء وحساب عادل للحديث: ((ما من عبد مؤمن أصيب بمصيبة فقال كما أمر الله تعالى: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اؤجرني في مصيبتي واعقبني خيرا منها إلا فعل الله به ذلك)) رواه مسلم.
وقد أخرج البخاري عن أنس بن مالك ا قال: مر النبي ع بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي ع، فأتت باب النبي ع، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى)() (وتحتاج يا عبدالله للصبر على أقدار الله حين تطيش النفس بفقدان الحبيب، وتعلو خفقات القلب للنازلة المفاجئة، وتصاب بالحيرة والاضطراب للمصيبة الجاثمة)()
وقال الغزالي /: فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة فإن ثبت حتى قهره واستمر على مخالفة الشهوة فقد نصر حزب الله والتحق بالصابرين وإن تخاذل وضعف حتى غلبته الشهوة ولم يصبر في دفعها التحق بأتباع الشياطين فإن ترك الأفعال المشتهاه عمل يثمره حال يسمى الصبر وهو ثبات باعث الدين الذي هو في مقابلة باعث الشهوة.
أيها المؤمنون:
لا غنى عن الصبر في هذه الحياة، وإذا استوى الأبرار والفجار في حاجتهم للصبر على نكد العيش ومفاجأة الحياة، فاز الأبرار بالثواب العظيم على صبرهم لأنهم يصبرون في ذات الله، وخاب الفجار لأنهم لا يرجون من وراء صبرهم جزاء ولا شكورا.
وقد طلب منّا تعالى بما وهو فوق الصبر ألا وهو مقابلة صبر المشركين بالصبر فقال:
جعل الله الصبر جوادا لا يكبو، وصارما لا ينبو، وجندا لا يهزم، وحصنا حصينا لا يهدم ولا يثلم.
الخطبة الثانية:
عباد الله:
سأذكر بعض الأمور التي تعين على الصبر
1- معرفة المسلم بطبيعة الحياة الدنيا: فإن الحياة الدنيا جبلت على الكدر والحزن ولم تجبل على المسرات والفرح، وإنما هي دار ابتلاء، ومن عرف الحياة على هذا النحو لم يفجأ بكوراثها فالشيء من معدنه لا يستغرب.
قال ابن مسعود ا: لكل فرحة ترحه، وما ملئ بيت فرحا إلا ملئ ترحا) ()
وقالت هند بنت النعمان بن المنذر ملك العرب: (لقدر رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكا ثم لم تغب الشمس حت رأيتنا ونحن أقبل الناس وإنه حق على الله ألا يملأ دار حبرة إلا ملأها عبرة) ()
2- معرفة الإنسان أنه بين يدي الله: فهو تعالى يحكم فيه ما يريد وأن أي نعمة فهي من الله تعالى، فإن نزل بالمرأ نازل سلبه شيئا مما عنده فإنما استرد صاحب الملك بعض ما وهب ()
3- اليقين بحسن الجزاء عند الله تعالى لمن صبر واحتسب فالقرآن يشير إلى أن الصابرين ينتظرهم أحسن الجزاء: ﴿.. إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر:10]
4- اليقين بالفرج: وهذا من أعظم ما يعين على الصبر وهو اليقين بأن نصر الله آتٍ، وأن بعد الضيف سع، وبعد العسير يسرا (( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً )) [الشرح:6]
وهذا اليقين جدير أن يبدد ظلمة القلق من النفس ويطرد شبح اليأس من القلب وأن يضيء الصدر بالأمل. ()
اشتدي أزمة تنفرج * قد آذن ليلك بالبلج
5.الاستعانة بالله تعالى: مما يعين على الصبر تفويض الأمر لله تعالى والاستعانة به جل وعلا (( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ )) [الطور:48]
6.الاقتداء بأهل الصبر والعزائم من الأنبياء والصالحين (( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ )) [الأحقاف:35]
(( وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ )) [إبراهيم:12]
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى