رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
المال صنو الروح
التأريخ: 17/10/1429هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
فإنَّ الوصية المبذولةَ لي ولكم - عبادَ الله - هي تقوَى الله سبحانَه ومراقبتُه في السّرِّ والعلن، فاتقوا الله عباد الله، وأتبِعوا السيئةَ الحسنة تمحُها، وخالقوا الناس بخلق حسن، إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ [يوسف:90].
أيها الناس، المالُ في هذه الدّنيا شريانُ الحياةِ التنمويّة المادّيّ، كما أنَّ الشرعَ والدين شريانُ الحياة الروحيّ والمعنويّ. وللمال في نفسِ الإنسان حظوةٌ وشرَه وتطَلُّب حثيثٌ، إذا لم يُحكَم بميزان الشّرع والقناعةِ والرّضا فإنه سيصِل بصاحبه إلى درجةِ السّعار المسمومِ والجشَع المقيت. ولا جرَم عباد الله، فإنّ حبَّ ابنِ آدمَ للمال ليسرِي في جسدِه سَرَيان الدّم في العروق، كيف لا والله جلّ وعلا يقول عن ابن آدم: ((وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ)) [العاديات:8] أي: المال، ويقول سبحانه عن جماعةِ بني آدم: ((وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا)) [الفجر:20].
ومِن هذا المنطلَق تنافس الناسُ تنافسا عظيما وسعوا سَعيًا كبيرا في سبيل تحصيل هذا المال، فهي شقيق النفس، والمال سلاح ذو حدين، فهو لأهلِ الإسلام والإيمان وحُسنِ القصد به نِعمةٌ يحمدون الله تعالى عليها صباحَ مساء، (نعم المال الصالح للرجل الصالح) صححه الألباني، ووصف الله الأغنياء من أهل الإيمان بقوله: ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِرًا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) [البقرة:274]. وهو لأهلِ الكفر حَسرة وبلاء مهما تعدَّدت مصادره وكثر توافُره؛ لبعدِهم عن وضعهِ في موضعه، وما ذاك إلاّ ليكونَ ندامة ووبالاً عليهم كما قال جلّ وعلا: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لُهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران:178]، فإنَّ معظمَ أوجه الإيرادات والصادِرات لدى من كفَر بالله وبرسولِه منصبّة فيما حرَّم الله ورسوله مِنْ أخذِهِم الربا وأكلهم أموالَ الناس بالباطل والصدّ عن سبيل الله، وتلك - لعمرُو الله - هي الحسرةُ والندامة، ولات ساعةَ مَنْدَم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)[الأنفال:36].
عباد الله: إنّ الشريعة الإسلاميةَ الغراء جاءَت حاضّة على عمارة الأرض وتنميِتها اقتصاديًّا بما يكون عونًا على أداءِ حقّ الله فيها، فلقد قال رسول الله: ((إذا قامَت الساعة وفي يدِ أحدِكم فسيلةٌ فاستطاع أن لا تقوم حتى يغرِسها فليغرسها، فله بذلك أَجر)) رواه البخاري.
ومن هنا فقدْ حرِصَ الإسلام أشَدّ الحرص على توفيرِ ضمانات أو رَكائز لتحقيقِ هذه التنميَة الاقتصادية واستمرارها، ولعل من أبرزِها تحقيق الاستقلال الاقتصاديّ والتنمية المستقلَّة لدى المجتمع المسلم؛ ليكون قائدًا لا منقادًا، ومَتبوعًا مِنْ قِبَلِ غيرِه لا تابعًا. والاستقلالُ الاقتصاديّ يعني بداهةً نفيَ التبعيةِ الاقتصاديّة للأجنبي وسيطرةَ المجتمع المسلِم على مقدَّراتِ بِلاده الاقتصاديّة دون تدخُّلٍ أجنبيّ؛ لأن فقدانَ السيطرة الاقتصادية فقدانٌ لما عداه من السيطرة السياسيةِ والعسكرية والاجتماعية والثقافيةِ؛ ولذا فإنّ التنميةَ الاقتصادية لدى المجتمع المسلم لا يمكِن أن تتمّ دونَ الاستقلال الاقتصاديّ والتنمية المحلّيّة.
إنَّ الأمة الإسلاميةَ في هذا العصرِ لتكتوِي بلهيب من الفوضَى الاقتصادية والضَّعف التنمويّ، كما أنها تعيش فسادًا اقتصاديًّا يدبّ دبيبًا ويتسلَّل لواذًا بين الحين والآخَر عبر منافذِه الرئيسة في المجتمعاتِ المسلمة، وهي منافذُ التسلّل الفرديّ والمؤسَّسي والمنتظم. وإنَّ اتساع مثل هذه المنافذ لكفيلٌ بتفعيل البلبلة والخلخلَة المسبِّبين عدمَ الاستقرار السياسيّ والاجتماعي، والنتيجةُ التالية لمثل ذلكم تخلّفٌ ذريع في السوق الماليّة والنمو وضَعف اقتصادي فادح بالمسلمين.
وإنَّ كثيرًا من الدراسات الحديثة لتؤكِّد وجودَ علاقة عكسية بين الفساد الاقتصادي وبين النمو. ومن هنا فإنّ الأمة الإسلاميّة لو أخذَت بالمعنى الحقيقيّ للاقتصادِ الإسلاميّ لما حادَتْ عن الجادّة، ولما عاشَت فوضَى التخبّط واللهث وراءَ المغريَات المالية من خلالِ التهافُت على ما يسمَّى بسوق البورصَة والمرابحات الدوليّة التي لم تُحْكَمْ بالأُطُر الشرعية.
ولو تأمَّل الناس حقيقةَ المفهوم الاقتصاديّ الإسلامي لما وقعوا في مثلِ هذه الفوضَى ومثل ذلكم التخبّط؛ لأنَّ كلمة الاقتصاد في الأصل مأخوذةٌ من القَصد، وهو الاستقامة والعَدل والتوازُن في القول والعمل، وفي الإيراداتِ والصّادرات وفي الكَسب والإنفاق. فالاقتصاد الإسلاميّ هو في الحقيقةِ توازنٌ في التنمية واعتدالٌ في السوق الماليّة، يحمل المجتمعَ المسلم إلى الاعتدال والموازنَة دون إفراطٍ أو تفريط؛ ولذا - عبادَ الله - كان واجبًا على المجتمعات المسلمة أن تَسعى جاهدةً إلى أَسلَمَة الاقتصاد والتنمية من خلالِ توحيد المصدر، وهو كتاب الله وسنّةُ رسوله ع؛ لأنَّ العقيدة الصحيحةَ وصحّة المصدر كفيلان في إحسانِ تشغيلِ المُلكية على مستوَى الأفراد والشعوب.
والتقدم الحقيقيّ في دِراسة الاقتصادِ الإسلاميّ إنما يجيء في الدّرجَة الأولى من خلالِ رَبطِه بالقيَم والمبادئ الإسلامية، والاحتفاظِ له بالصِّبغة التي أرادها الله، وعدمِ مَسخه وتشويهه بوضعِه في قوالب الاقتصادِ الوضعيّ.
وإنّ المشكلاتِ الاقتصاديةَ التي يواجِهها العالم الإسلاميّ اليوم ما هي إلا بسبَب غيابِ المنهج الاقتصاديّ الإسلاميّ الصحيح، والذي يتناول تنظيمَ جوانب النشاط الاقتصاديّ في الحياة العامّة بعدلٍ وتعاون وتكافل وإحسان، والتي من خِلالها تتحقَّق المصالح للأمة وتُدْرَأُ المفاسد عنها. ()
عباد الله:
إن الأصل في التعامل المالي الإسلامي هو الحل والجواز قال تعالى: ((..وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا..)) [البقرة:275]، فإذا خلا البيع عن الربا وهو من أسوء الظلم، وخلا من الغرر وهو من الظلم، وإذا خلا من الغش وهو من الظلم فإنه مباح جائز.
ومع هذا كله إلا أن هناك قلوبا غلفا وآذانا صما وعيونا عميا ابت إلا أكل الحرام، فاتجرت في البورصات العالمية واشترت السندات الإمريكية، واسهمت في الرهن العقاري الربوي"السرابي"نقول هذا ونحن في بداية أزمةٍ اقتصادية عالمية طاحنة باتت تهدد عروشاً وتسحق شعوبا، وتعد بالمزيد من التضييق على الفقراء والمحاويج في العالم، فكان الله في عونهم.
بدأت المصيبة في أمريكا دولة أكل الربا، ودولة الظلم، ودولة القهر والاستبداد والإرهاب، وطالت كثيرا من الدول في العالم بل لعلها لم ولن تبقي دولة في العالم، وكل هذا مصداقا لقول ربنا جل شأنه: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ )) [البقرة278، 279] فهذه الأزمة شيء يسير من حرب الله.
عباد الله:
صرح قبل وقت يسير جدا الأحمق المطاع جورج بوش أن النظام الرأمالي هو النظام الوحيد الصالح لهذا العالم، ويجب معاقبة الأنظمة التي لا تتبع النظام الرأسمالي الحر!!
وكان الله في المرصاد، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
والآن ظهرت عشرات التصريحات لعقلاء الغرب تنادي بتطبيق النظام الإسلامي
وقد نشر مقالا مؤخراً لرئيس تحرير مجلة «تشالينجز"ووجهه إلى البابا بنديكت، يقول بوفيس فانسون: «أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من مفاهيم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري، لان النقود لا تلد النقود» ..
وكتب رولان لاسكين رئيس تحرير « لو جورنال دي فينانس» تحت عنوان «هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادىء الإسلام؟» لا بد من تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي هزت أسواق العالم جراء التلاعب بقواعد السوق والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة..» . ()
الخطبة الثانية:
الحمد لله
عباد الله:
لنا وقفات سريعة
أولها: أن كل ما حلّ وما قد يحل أيضا هو من جراء التعامل بالربا والغرر والغش سواء في الأسواق العالمية أو أسواق بلادنا.
ثانيا: أن الواجب على الجميع التوبة والإنابة لله تعالى. (( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [الأنعام:43]
ثالثا: على حكام المسلمين عموما وحكامنا خصوصا التدخل لحل هذه الأزمة الخانقة القاتلة، ونحن وإن كنا سمعنا التطمينات بعدم تأثر الاقتصاد السعودي بذلك، وأن نزول سوق الأسهم الأخير غير مبرر وأنه سيؤول إلى عافية إن شاء الله إلا أنه مما لا شك فيه أن سعر البترول سيتأثر، وأن قيمة الدولار كذلك ستتأثر، وهو أمرٌ يحتِّم على المسؤولين تقوى الله، والنظر في مصالح الناس، واتباع سياسات الإنفاق الرشيد، وادخار أرباح البترول لعدة سنوات سابقة لأعوامٍ قد تكون عجافاً قادمة، وإعادة النظر في ربط الريال السعودي بالدولار بما يعود بالخير والرفاء على أهل البلد.
أخيرا: يا عبد الله يامن أصابتك المصيبة توكَّل على الله Y، واحتسب عنده مصابك، وارجُ منه العوض، وإياك والهلع، وعليك بالتؤدة، ولا تجمع على نفسك بين فقد مالك وهلكت نفسك بالحسرة والملامة.
المال صنو الروح
التأريخ: 17/10/1429هـ
المكان: جامع الإمام مالك بن أنس / بالدمام
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء:1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 و71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
عباد الله:
فإنَّ الوصية المبذولةَ لي ولكم - عبادَ الله - هي تقوَى الله سبحانَه ومراقبتُه في السّرِّ والعلن، فاتقوا الله عباد الله، وأتبِعوا السيئةَ الحسنة تمحُها، وخالقوا الناس بخلق حسن، إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ [يوسف:90].
أيها الناس، المالُ في هذه الدّنيا شريانُ الحياةِ التنمويّة المادّيّ، كما أنَّ الشرعَ والدين شريانُ الحياة الروحيّ والمعنويّ. وللمال في نفسِ الإنسان حظوةٌ وشرَه وتطَلُّب حثيثٌ، إذا لم يُحكَم بميزان الشّرع والقناعةِ والرّضا فإنه سيصِل بصاحبه إلى درجةِ السّعار المسمومِ والجشَع المقيت. ولا جرَم عباد الله، فإنّ حبَّ ابنِ آدمَ للمال ليسرِي في جسدِه سَرَيان الدّم في العروق، كيف لا والله جلّ وعلا يقول عن ابن آدم: ((وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ)) [العاديات:8] أي: المال، ويقول سبحانه عن جماعةِ بني آدم: ((وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا)) [الفجر:20].
ومِن هذا المنطلَق تنافس الناسُ تنافسا عظيما وسعوا سَعيًا كبيرا في سبيل تحصيل هذا المال، فهي شقيق النفس، والمال سلاح ذو حدين، فهو لأهلِ الإسلام والإيمان وحُسنِ القصد به نِعمةٌ يحمدون الله تعالى عليها صباحَ مساء، (نعم المال الصالح للرجل الصالح) صححه الألباني، ووصف الله الأغنياء من أهل الإيمان بقوله: ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِرًا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) [البقرة:274]. وهو لأهلِ الكفر حَسرة وبلاء مهما تعدَّدت مصادره وكثر توافُره؛ لبعدِهم عن وضعهِ في موضعه، وما ذاك إلاّ ليكونَ ندامة ووبالاً عليهم كما قال جلّ وعلا: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لُهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران:178]، فإنَّ معظمَ أوجه الإيرادات والصادِرات لدى من كفَر بالله وبرسولِه منصبّة فيما حرَّم الله ورسوله مِنْ أخذِهِم الربا وأكلهم أموالَ الناس بالباطل والصدّ عن سبيل الله، وتلك - لعمرُو الله - هي الحسرةُ والندامة، ولات ساعةَ مَنْدَم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)[الأنفال:36].
عباد الله: إنّ الشريعة الإسلاميةَ الغراء جاءَت حاضّة على عمارة الأرض وتنميِتها اقتصاديًّا بما يكون عونًا على أداءِ حقّ الله فيها، فلقد قال رسول الله: ((إذا قامَت الساعة وفي يدِ أحدِكم فسيلةٌ فاستطاع أن لا تقوم حتى يغرِسها فليغرسها، فله بذلك أَجر)) رواه البخاري.
ومن هنا فقدْ حرِصَ الإسلام أشَدّ الحرص على توفيرِ ضمانات أو رَكائز لتحقيقِ هذه التنميَة الاقتصادية واستمرارها، ولعل من أبرزِها تحقيق الاستقلال الاقتصاديّ والتنمية المستقلَّة لدى المجتمع المسلم؛ ليكون قائدًا لا منقادًا، ومَتبوعًا مِنْ قِبَلِ غيرِه لا تابعًا. والاستقلالُ الاقتصاديّ يعني بداهةً نفيَ التبعيةِ الاقتصاديّة للأجنبي وسيطرةَ المجتمع المسلِم على مقدَّراتِ بِلاده الاقتصاديّة دون تدخُّلٍ أجنبيّ؛ لأن فقدانَ السيطرة الاقتصادية فقدانٌ لما عداه من السيطرة السياسيةِ والعسكرية والاجتماعية والثقافيةِ؛ ولذا فإنّ التنميةَ الاقتصادية لدى المجتمع المسلم لا يمكِن أن تتمّ دونَ الاستقلال الاقتصاديّ والتنمية المحلّيّة.
إنَّ الأمة الإسلاميةَ في هذا العصرِ لتكتوِي بلهيب من الفوضَى الاقتصادية والضَّعف التنمويّ، كما أنها تعيش فسادًا اقتصاديًّا يدبّ دبيبًا ويتسلَّل لواذًا بين الحين والآخَر عبر منافذِه الرئيسة في المجتمعاتِ المسلمة، وهي منافذُ التسلّل الفرديّ والمؤسَّسي والمنتظم. وإنَّ اتساع مثل هذه المنافذ لكفيلٌ بتفعيل البلبلة والخلخلَة المسبِّبين عدمَ الاستقرار السياسيّ والاجتماعي، والنتيجةُ التالية لمثل ذلكم تخلّفٌ ذريع في السوق الماليّة والنمو وضَعف اقتصادي فادح بالمسلمين.
وإنَّ كثيرًا من الدراسات الحديثة لتؤكِّد وجودَ علاقة عكسية بين الفساد الاقتصادي وبين النمو. ومن هنا فإنّ الأمة الإسلاميّة لو أخذَت بالمعنى الحقيقيّ للاقتصادِ الإسلاميّ لما حادَتْ عن الجادّة، ولما عاشَت فوضَى التخبّط واللهث وراءَ المغريَات المالية من خلالِ التهافُت على ما يسمَّى بسوق البورصَة والمرابحات الدوليّة التي لم تُحْكَمْ بالأُطُر الشرعية.
ولو تأمَّل الناس حقيقةَ المفهوم الاقتصاديّ الإسلامي لما وقعوا في مثلِ هذه الفوضَى ومثل ذلكم التخبّط؛ لأنَّ كلمة الاقتصاد في الأصل مأخوذةٌ من القَصد، وهو الاستقامة والعَدل والتوازُن في القول والعمل، وفي الإيراداتِ والصّادرات وفي الكَسب والإنفاق. فالاقتصاد الإسلاميّ هو في الحقيقةِ توازنٌ في التنمية واعتدالٌ في السوق الماليّة، يحمل المجتمعَ المسلم إلى الاعتدال والموازنَة دون إفراطٍ أو تفريط؛ ولذا - عبادَ الله - كان واجبًا على المجتمعات المسلمة أن تَسعى جاهدةً إلى أَسلَمَة الاقتصاد والتنمية من خلالِ توحيد المصدر، وهو كتاب الله وسنّةُ رسوله ع؛ لأنَّ العقيدة الصحيحةَ وصحّة المصدر كفيلان في إحسانِ تشغيلِ المُلكية على مستوَى الأفراد والشعوب.
والتقدم الحقيقيّ في دِراسة الاقتصادِ الإسلاميّ إنما يجيء في الدّرجَة الأولى من خلالِ رَبطِه بالقيَم والمبادئ الإسلامية، والاحتفاظِ له بالصِّبغة التي أرادها الله، وعدمِ مَسخه وتشويهه بوضعِه في قوالب الاقتصادِ الوضعيّ.
وإنّ المشكلاتِ الاقتصاديةَ التي يواجِهها العالم الإسلاميّ اليوم ما هي إلا بسبَب غيابِ المنهج الاقتصاديّ الإسلاميّ الصحيح، والذي يتناول تنظيمَ جوانب النشاط الاقتصاديّ في الحياة العامّة بعدلٍ وتعاون وتكافل وإحسان، والتي من خِلالها تتحقَّق المصالح للأمة وتُدْرَأُ المفاسد عنها. ()
عباد الله:
إن الأصل في التعامل المالي الإسلامي هو الحل والجواز قال تعالى: ((..وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا..)) [البقرة:275]، فإذا خلا البيع عن الربا وهو من أسوء الظلم، وخلا من الغرر وهو من الظلم، وإذا خلا من الغش وهو من الظلم فإنه مباح جائز.
ومع هذا كله إلا أن هناك قلوبا غلفا وآذانا صما وعيونا عميا ابت إلا أكل الحرام، فاتجرت في البورصات العالمية واشترت السندات الإمريكية، واسهمت في الرهن العقاري الربوي"السرابي"نقول هذا ونحن في بداية أزمةٍ اقتصادية عالمية طاحنة باتت تهدد عروشاً وتسحق شعوبا، وتعد بالمزيد من التضييق على الفقراء والمحاويج في العالم، فكان الله في عونهم.
بدأت المصيبة في أمريكا دولة أكل الربا، ودولة الظلم، ودولة القهر والاستبداد والإرهاب، وطالت كثيرا من الدول في العالم بل لعلها لم ولن تبقي دولة في العالم، وكل هذا مصداقا لقول ربنا جل شأنه: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ )) [البقرة278، 279] فهذه الأزمة شيء يسير من حرب الله.
عباد الله:
صرح قبل وقت يسير جدا الأحمق المطاع جورج بوش أن النظام الرأمالي هو النظام الوحيد الصالح لهذا العالم، ويجب معاقبة الأنظمة التي لا تتبع النظام الرأسمالي الحر!!
وكان الله في المرصاد، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
والآن ظهرت عشرات التصريحات لعقلاء الغرب تنادي بتطبيق النظام الإسلامي
وقد نشر مقالا مؤخراً لرئيس تحرير مجلة «تشالينجز"ووجهه إلى البابا بنديكت، يقول بوفيس فانسون: «أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من مفاهيم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري، لان النقود لا تلد النقود» ..
وكتب رولان لاسكين رئيس تحرير « لو جورنال دي فينانس» تحت عنوان «هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادىء الإسلام؟» لا بد من تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي هزت أسواق العالم جراء التلاعب بقواعد السوق والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة..» . ()
الخطبة الثانية:
الحمد لله
عباد الله:
لنا وقفات سريعة
أولها: أن كل ما حلّ وما قد يحل أيضا هو من جراء التعامل بالربا والغرر والغش سواء في الأسواق العالمية أو أسواق بلادنا.
ثانيا: أن الواجب على الجميع التوبة والإنابة لله تعالى. (( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [الأنعام:43]
ثالثا: على حكام المسلمين عموما وحكامنا خصوصا التدخل لحل هذه الأزمة الخانقة القاتلة، ونحن وإن كنا سمعنا التطمينات بعدم تأثر الاقتصاد السعودي بذلك، وأن نزول سوق الأسهم الأخير غير مبرر وأنه سيؤول إلى عافية إن شاء الله إلا أنه مما لا شك فيه أن سعر البترول سيتأثر، وأن قيمة الدولار كذلك ستتأثر، وهو أمرٌ يحتِّم على المسؤولين تقوى الله، والنظر في مصالح الناس، واتباع سياسات الإنفاق الرشيد، وادخار أرباح البترول لعدة سنوات سابقة لأعوامٍ قد تكون عجافاً قادمة، وإعادة النظر في ربط الريال السعودي بالدولار بما يعود بالخير والرفاء على أهل البلد.
أخيرا: يا عبد الله يامن أصابتك المصيبة توكَّل على الله Y، واحتسب عنده مصابك، وارجُ منه العوض، وإياك والهلع، وعليك بالتؤدة، ولا تجمع على نفسك بين فقد مالك وهلكت نفسك بالحسرة والملامة.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى