لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

جَنَّةُ الخُلْدِ (4) طَعَامُ أَهْلِ الجَنَّةِ وَشَرَابُهُمْ Empty جَنَّةُ الخُلْدِ (4) طَعَامُ أَهْلِ الجَنَّةِ وَشَرَابُهُمْ {الجمعة 19 أغسطس - 12:54}

جَنَّةُ الخُلْدِ (4)
طَعَامُ أَهْلِ الجَنَّةِ وَشَرَابُهُمْ
إبراهيم بن محمد الحقيل
7/8/1432
الحَمْدُ للهِ الغَنِيِّ الحَمِيدِ، الجَوَادِ الكَرِيمِ؛ جَعَلَ الجَنَّةَ نُزُلاً لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَرَفَعَ فِيهَا دَرَجَاتِ المُقَرَّبِينَ، يَنْسَوْنَ فِيهَا تَعَبَ الدُّنْيَا وَعَذَابَهَا، وَطُولَ سَفَرِهَا وَرَهَقِهَا؛ [لَا يَمَسُّهُمۡ فِيهَا نَصَبٞ وَمَا هُم مِّنۡهَا بِمُخۡرَجِينَ] {الحجر:48}، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى عَطَائِهِ وَإِحْسَانِهِ، خَلَقَنَا وَآوَانَا وَهَدَانَا وَعَلَّمَنَا، وَلَوْلاَهُ سُبْحَانَهُ مَا اهْتَدَيْنَا؛ [بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ] {الحجرات:17}، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ أَغْرَى عِبَادَهُ بِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَحَثَّهَمْ عَلَى المُسَابَقَةِ إِلَيْهَا، وَالتَّنَافُسِ عَلَى مَنَازِلِهَا وَدَرَجَاتِهَا؛ [سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ] {الحديد:21}، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَشَّرَنَا وَأَنْذَرَنَا، وَبَلَّغَنَا رِسَالَةَ رَبِّنَا، وَبَذَلَ النُّصْحَ لَنَا، وَوَعَدَ أُمَّتَهُ بِالجَنَّة إِلاَّ مَنْ أَبَى؛ فَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْهُمْ دَخَلَهَا، وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ أَبَى، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَقَدِّمُوا فِي يَوْمِكُمْ مَا تَجِدُونَهُ فِي غَدِكُمْ، وَاعْمَلُوا فِي دُنْيَاكُمْ لِآخِرَتِكُمْ؛ [يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ] {الحشر:18}.
أَيُّهَا النَّاسُ، فِي الصَّيْفِ يَنْزَحُ النَّاسُ مِنَ المُدُنِ إِلَى الأَرْيَافِ وَالمَصَايِفِ، وَيَفِرُّونَ مِنَ المَنَاطِقِ الحَارَّةِ إِلَى البَارِدَةِ، يَتَفَيَّؤُونَ ظِلالَهَا، وَيَجُولُونَ بِأَبْصَارِهِمْ فِي جَنَّاتِهَا وَأَشْجَارِهَا، وَيَتَنَسَّمُونَ طِيبَ هَوَائِهَا، فَتُسَرُّ بِهَا قُلُوبُهُمْ، وَتَنْتَعِشُ نُفُوسُهُمْ، وَيَتَجَدَّدُ نَشَاطُهُمْ.
وَفِي الصَّيْفِ تُعِيقُ الشَّمْسُ وَالحَرَارَةُ حَرَكَةَ النَّاسِ، وَتَطِيبُ لَهُمْ الثِمَارُ وَالظِّلالُ فَيَمِيلُونَ إِلَيْهَا، وَقَدْ تَخَلَّفَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَقَالَ: «وَغَزَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِمَارُ وَالظِّلَالُ، فَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ»؛ أَيْ: أَمْيَلُ.
وَمِنْ مَيْزَةِ الصَّيْفِ: كَثْرَةُ فَوَاكِهِهِ وَثِمَارِهِ، فَيَتَلَذَّذُ النَّاسُ بِأَنْوَاعِهَا، وَيُخَفِّفُونَ شِدَّةَ الحَرِّ بِهَا.
وَمَنْ رَأَى مَا تُنْتِجُهُ الأَشْجَارُ وَالمَزَارِعُ مِنْ أَنْوَاعِ الفَوَاكِهِ وَالثِمَارِ، وَمَا يُعْرَضُ مِنْهَا فِي الأَسْوَاقِ مِمَّا يَعْرِفُهُ وَمَا لاَ يَعْرِفُهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ مَا أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الجَنَّةِ مِنْ أَنْوَاعِ المَآكِلِ وَالمَشَارِبِ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يُدْرِكُ حَلاوَةَ الشَّرَابِ الطَّيِّبِ البَارِدِ عَلَى الظَّمَأِ، وَلَذَّةَ الطَّعَامِ السَّاخِنِ عَلَى الجُوعِ!
وَكُلُّ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ فَفِي الجَنَّةِ مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْهُ وَأَكْمَلُ وَأَكْثَرُ، وَأَضْعَافُهُ وَأَضْعَافُهُ، مِمَّا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-:«مَا فِي الدُّنْيَا ثَمَرَةٌ حُلْوَةٌ وَلا مُرَّةٌ إِلاَّ وَهِيَ فِي الجَنَّة، حَتَّى الحَنْظَلَةُ»!
وَالأَسَاسُ فِي المَآكِلِ هُوَ الثِمَارُ وَاللُّحُومُ، وَهِيَ أَكْثَرُ مَا يَطْلُبُهُ النَّاسُ، وَيَبْذُلُونَ فِيهِ الأَمْوَالَ، وَفِي الجَنَّةِ ثِمَارٌ وَلُحُومٌ لِأَهْلِهَا لَيْسَتْ كَالَّتِي فِي الدُّنْيَا؛ [وَأَمۡدَدۡنَٰهُم بِفَٰكِهَةٖ وَلَحۡمٖ مِّمَّا يَشۡتَهُونَ] {الطُّور:22}، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى:[وَفَٰكِهَةٖ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ٢٠ وَلَحۡمِ طَيۡرٖ مِّمَّا يَشۡتَهُونَ] {الواقعة:20-21}، وَفِي ثَالِثَةٍ: [إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي ظِلَٰلٖ وَعُيُونٖ ٤١ وَفَوَٰكِهَ مِمَّا يَشۡتَهُونَ] {المرسلات:41-42}.
وَهِيَ ثِمَارٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا تَعِزُّ عَلَى الحَصْرِ، وَلا يُحْصِيهَا العَدُّ، وَإِذَا كَانَتْ ثِمَارُ الدُّنْيَا لاَ يَكَادُ يُحْصِيهَا الوَاحِدُ مِنَ النَّاسِ، بَلِ الجَمَاعَةُ مِنْهُمْ، فَكَيْفَ بثِمَار الجَنَّةِ، وهِيَ ثَوَابُ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ؛ [جَنَّٰتِ عَدۡنٖ مُّفَتَّحَةٗ لَّهُمُ ٱلۡأَبۡوَٰبُ ٥٠ مُتَّكِ‍ِٔينَ فِيهَا يَدۡعُونَ فِيهَا بِفَٰكِهَةٖ كَثِيرَةٖ وَشَرَابٖ]{ص:50-51}، وفِي آيَةٍ أُخْرَى: [وَتِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِيٓ أُورِثۡتُمُوهَا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٧٢ لَكُمۡ فِيهَا فَٰكِهَةٞ كَثِيرَةٞ مِّنۡهَا تَأۡكُلُونَ] {الزُّخرف:72-73}، وَيَكْفِي فِي الدَّلاَلَةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:[وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ] {محمد:15}.
وَيُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الحُبُورِ وَالسُّرُورِ، وَالاشْتِغَالِ بِالنَّعِيمِ عَنْ مَصِيرِ أَهْلِ الجَحِيمِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: [إِنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ ٱلۡيَوۡمَ فِي شُغُلٖ فَٰكِهُونَ ٥٥ هُمۡ وَأَزۡوَٰجُهُمۡ فِي ظِلَٰلٍ عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ مُتَّكِ‍ُٔونَ ٥٦ لَهُمۡ فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ] {يس:55-57}، فَلَهُمْ مَا يَطْلُبُونَ، وَلَهُمْ مَا يَتَمَنَّونَ وَيَشْتَهُونَ؛ [وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ
فِيهَا مَا تَدَّعُونَ] {فصِّلت:31}.
وَمِنْ خَصَائِصِ ثِمَارِ الجَنَّةِ: أَنَّ لِكُلِّ فَاكِهَةٍ مِنْهَا نَوْعَيْنِ: [فِيهِمَا مِن كُلِّ فَٰكِهَةٖ زَوۡجَانِ] {الرَّحمن:52}، وَذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الفَوَاكِهِ، كُلُّ صِنْفٍ لَهُ لَذَّةٌ وَلَوْنٌ لَيْسَ لِلنَّوْعِ الآخَرِ، أَوْ يَكُونُ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَمَا يُؤْكَلُ يَابِسًا؛ كَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ، وَالرُّطَبِ وَالتَّمْرِ، وَنَحْو ذَلِكَ.
وَلا يَظُنَّنَّ ظَانٌّ أَنَّ ثِمَارَ الجَنَّةِ فِي الحُصُولِ عَلَيْهَا كَثِمَارِ الدُّنْيَا، تَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَجْلِبُهَا مِنْ سُوقِهَا، أَوْ يَصْعَدُ شَجَرَهَا لِيَقْطِفَهَا، بَلْ هِيَ ثِمَارٌ لِصَاحِبِهَا تَأْتِيهِ حَيْثُ كَانَ، وَتَدْنُو مِنْهُ مَتَى أَرَادَ، وَمَا عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَهِيَهَا لِيَنَالَهَا؛ [وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ] {الرَّحمن:54} [فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ ٢٢ قُطُوفُهَا دَانِيَةٞ] {الحاقَّة:22-23}، قَالَ البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَيْ: قَرِيبَةٌ، يَتَنَاوَلُهَا أَحَدُهُمْ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى سَرِيرِهِ».
إِنَّهَا ثِمَارٌ فِي رُؤُوسِ أَشْجَارِهَا؛ وَلِكِنَّهَا مُذَلَّلَةٌ لِأَصْحَابِهَا يَقْطِفُونَهَا يِانِعَةً نَاضِجَةً مَتَى اشْتَهَوْهَا؛ [وَدَانِيَةً عَلَيۡهِمۡ ظِلَٰلُهَا وَذُلِّلَتۡ قُطُوفُهَا تَذۡلِيلٗا] {الإنسان:14}، قَالَ مُجَاهِدٌ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:«إِنْ قَامَ ارْتَفَعَتْ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ قَعَدَ تَدَلَّتْ لَهُ حَتَّى يَنَالَهَا، وَإِنْ اضْطَجَعَ تَدَلَّتْ لَهُ حَتَّى يَنَالَهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: تَذْلِيلاً».
وَمِنْ كَثْرَةِ ثِمَارِ الجَنَّةِ يَظُنُّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ رَأَوْهَا مِنْ قَبْلُ، فَإِذَا هِيَ أَنْوَاعٌ جَدِيدَةٌ مُتَشَابِهَةٌ فِي شَكْلِهَا وَلَوْنِهَا، مُخْتَلِفَةٌ فِي طَعْمِهَا وَرِيحِهَا؛ [كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةٖ رِّزۡقٗا قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهٗاۖ] {البقرة:25}.
وَأَكْثَرُ شَيْءٍ يُنَغِّصُ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا عَيْشَهُمُ القِلَّةُ بَعْدَ الجِدَةِ، وَفَقْدُ الشَّيْءِ بَعْدَ نَيْلِهِ، وَاشْتِهَاءُ الشَّيْءِ مَعَ عَدَمِ القُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَهِي طَعَامًا فَيَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَضُرُّهُ؛ لِمَرَضٍ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الطَّعَامَ فَيَحْبِسُ نَفْسَهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ يَشْتَهِيهِ؛ خَوْفًا مِنْ عَاقِبَتِهِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُسْرِفُ فِي مَأْكَلِهِ فَيَضُرُّ نَفْسَهُ، وَيَحْبِسُ نَفَسَهُ، أَمَّا أَهْلُ الجَنَّةِ فَيَتَنَعَّمُونَ بِأَنْوَاعِ المَآكِلِ وَالمَشَارِبِ وَهُمْ آمِنُونَ مِنْ كُلِّ هَذَا التَّنْغِيصِ؛ [يَدۡعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَٰكِهَةٍ ءَامِنِينَ] {الدُخان:55}، آمِنِينَ مِنْ فَقْدِهَا وَقِلَّتِهَا، وَآمِنِينَ مِنْ ضَرَرِهَا وَعَاقِبَتِهَا، وَآمِنِينَ مِنْ حَبْسِ نُفُوسِهِمْ عَنْهَا لِعِلَّةٍ مِنَ العِلَلِ؛ فَالجَنَّةُ لَيْسَ فِيهَا مَرَضٌ وَلا قِلَّةٌ، وَلا فَقْرٌ وَلا ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِهَا مِمَّا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ؛ [أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ] {الرعد:35}.
وَتَصْرِيفُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الجَنَّةِ لَيْسَ كَمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا، بَلْ هُوَ جُشَاءٌ وَرَشْحٌ يَفِيضُ مِسْكًا؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَأْكُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، ولا يَتَغَوَّطُونَ، ولا يَمْتَخِطُونَ، ولا يَبُولُونَ، وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ»؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَأَعْظَمُ شَيْءٍ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَذَّتُهُ، وَكُلَّمَا كَانَ طَيِّبًا عَظُمَ الفَرَحُ وَاللَّذَّةُ بِهِ، وَأَقْبَلَ الآكِلُ وَالشَّارِبُ عَلَيْهِ؛ وَلِذَا يُعْطَى أَهْلُ الجَنَّةِ قُوَّةً عَظِيمَةً لِتَكْمُلَ لَذَّتُهُمْ بِمَا يَجِدُونَ مِنْ مَآكِلِهَا وَمَشَارِبِهَا؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ في الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالشَّهْوَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ: إِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ مِنْهُ الْحَاجَةُ، فَقَالَ: يَفِيضُ مِنْ جِلْدِهِ عَرَقٌ فَإِذَا بَطْنُهُ قَدْ ضَمَرَ»؛ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ...

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ [وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ] {آل عمران:133}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ؛ كَمَا أَنَّ فِي الجَنَّةِ أَنْوَاعَ المَآكِلِ وَالثِّمَارِ وَالفَوَاكِهِ فَكَذَلِكَ فِيهَا أَنْوَاعُ المَشَارِبِ، وَمِنْ مَشَارِبِهَا أَنْهَارٌ تَجْرِي أَمَامَهُمْ؛ فَمِنْهَا يَشْرَبُونَ، وَبِهَا يَتَلَذَّذُونَ، وَعَلَى ضِفَافِهَا يَتَنَعَّمُونَ؛ [مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ] {محمد:15}، فَبِاللهِ عَلَيْكُمْ مَنْ يَتَصَوَّرُ أَشْكَالَ هَذِهِ الأَنْهَارِ وَهِيَ تَجْرِي بِالمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالعَسَلِ وَالخَمْرِ، وَإِذَا كَانَتْ أَنْهَارُ الدُّنْيَا قَدْ شَخِصَتِ الأَبْصَارُ إِلَى جَمَالِهَا، وَأَصْغَتِ الآذَانُ لِخَرِيرِهَا وَجَرَيَانِهَا، وَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَى ضِفَافِهَا، فَكَيْفَ إِذَنْ بِأَنْهَارِ الجَنَّةِ وَأَنْوَاعِهَا وَمَذَاقِهَا؟!
وَمِنْ مَشَارِبِ أَهْلِ الجَنَّةِ عُيُونٌ تُفَجَّرُ لَهُمْ بِأَلَذِّ مَا يَطْلُبُهُ الشَّارِبُونَ؛ [وَيُسۡقَوۡنَ فِيهَا كَأۡسٗا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا ١٧ عَيۡنٗا فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلۡسَبِيلٗا] {الإنسان:17-18}، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَلاسَتِهَا وَلَذَّتِهَا وَحُسْنِهَا؛ [يُسۡقَوۡنَ مِن رَّحِيقٖ مَّخۡتُومٍ ٢٥ خِتَٰمُهُۥ مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ ٢٦ وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ ٢٧ عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ] {المطَّففين:25-28}، وَهَذِهِ العُيُونُ تَتَفَجَّرُ لَهُمْ فِي أَيِّ مَكَانٍ مِنَ الجَنَّةِ إِذَا اشْتَهَوْا شَرَابَهَا؛ [عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا] {الإنسان:6}.
وَيُدَارُ عَلَيْهِمْ بِالأَشْرِبَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَتَصِلُهُمْ فِي كُلِّ أَوَانٍ؛ [يَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰنٞ مُّخَلَّدُونَ ١٧ بِأَكۡوَابٖ وَأَبَارِيقَ وَكَأۡسٖ مِّن مَّعِينٖ ١٨ لَّا يُصَدَّعُونَ عَنۡهَا وَلَا يُنزِفُونَ] {الواقعة:17-19}.
وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:«إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ لَيَشْتِهِي الشَّرَابَ مِنْ شَرَابِ الجَنَّةِ، فَيَجِيءُ الإِبْرِيقُ فَيَقَعُ فِي يَدِهِ، فَيَشْرَبُ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مَكَانِهِ»؛ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدٍ جَيِّدٍ.
إِنَّ مُلُوكَ الدُّنْيَا وَأَغْنِيَاءَهَا قَدْ يَشْتَهُونَ ثَمَرًا يَجِدُونَ قِيمَتَهُ فَلا يَحْصُلُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، أَوْ بَعِيدٌ مَكَانُهُ، وَقَدْ يَشْتَهُونَ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا مَوْجُودًا وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى وَقْتٍ فِي صُنْعِهِ وَإِعْدَادِهِ، فَلا يَأْتِيهِمْ فِي وَقْتِ مُرَادِهِمْ، فَتَنْقَطِعُ شَهْوَتُهُمْ أَثْنَاءَ انْتِظَارِهِ، وَأَعْظَمُ لَذَّةٍ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي وَقْتِ اشْتِهَائِهِ وَطَلَبِهِ.
أَمَّا فِي الجَنَّةِ فَقُطُوفُ الثَّمَرِ دَانِيَةٌ مُذَلَّلَةٌ لِأَهْلِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ، وَشَرَابُهَا جَاهِزٌ عَلَى الدَّوَامِ، وَعُيُونُهَا تَتَفَجَّرُ فِي الحَالِ، فَيَا لَهُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ! وَيَا لَهُ مِنْ نَعِيمٍ تَامٍّ! جَعَلَنَا اللهُ تَعَالَى وَوَالِدِينَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَآلِنَا وَالمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِهَا.
وَالآيَاتُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا الإِخْبَارُ عَنْ فَوَاكِهِ الجَنَّةِ وَثِمَارِهَا، وَأَنْوَاعِ طَعَامِهَا وَشَرَابِها، وَعُيُونِهَا وَأَنْهَارِهَا؛ قَدْ بُيِّنَ فِيهَا مَا يُوصِلُ إِلَيْهَا؛ إِنَّهُ الإِيمَانُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ؛ [وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةٖ
رِّزۡقٗا قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهٗاۖ
وَلَهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَهُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ] {البقرة:25}.
إِنَّ المُوصِلَ إِلَيْهَا تَقْوَى اللهِ تَعَالَى: [مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْۚ] {الرعد:35}.[ إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَنَعِيمٖ ١٧ فَٰكِهِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ وَوَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ ١٨ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓ‍َٔۢا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ] {الطُّور:17-19}.
إِنَّهُ العَمَلُ فِي أَيَّامِ الدُّنْيَا؛ [قُطُوفُهَا دَانِيَةٞ ٢٣ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓ‍َٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ] {الحاقَّة:23-24}.
فَالبَدَارَ الْبَدَارَ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالمُسَابَقَةَ المُسَابَقَةَ فِيمَا يُقَرِّبُ إِلَى الجَنَّةِ، وَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِمَّا يُبَاعِدُ عَنْهَا؛ فَإِنَّ كُلَّ نَعِيمٍ فِي الدُّنْيَا مُذَكِّرٌ بِنَعِيمِ الجَنَّةِ؛ [فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ
جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ] {السجدة:17}.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ.
جنة الخلد (4)
طعام أهل الجنة وشرابهم
إبراهيم بن محمد الحقيل
7/8/1432
الحمد لله الغني الحميد الجواد الكريم؛ جعل الجنة نزلا لعباده المؤمنين، ورفع فيها درجات المقربين، ينسون فيها تعب الدنيا وعذابها، وطول سفرها ورهقها [لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ] {الحجر:48} نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على عطائه وإحسانه.. خلقنا وآوانا وهدانا وعلمنا، ولولاه سبحانه ما اهتدينا [بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ] {الحجرات:17} وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أغرى عباده بجنة عرضها السموات والأرض، وحثهم على المسابقة إليها، والتنافس على منازلها ودرجاتها [سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ] {الحديد:21} وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بشرنا وأنذرنا، وبلغنا رسالة ربنا، وبذل النصح لنا، ووعد أمته بالجنة إلا من أبى؛ فمن أطاعه منهم دخلها، ومن عصاه فقد أبى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وقدموا في يومكم ما تجدونه في غدكم، واعملوا في دنياكم لآخرتكم [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] {الحشر:18}.
أيها الناس: في الصيف ينزح الناس من المدن إلى الأرياف والمصايف، ويفرون من المناطق الحارة إلى الباردة، يتفيأون ظلالها، ويجولون بأبصارهم في جناتها وأشجارها، ويتنسمون طيب هوائها، فتسر بها قلوبهم، وتنتعش نفوسهم، ويتجدد نشاطهم..
وفي الصيف تعيق الشمس والحرارة حركة الناس، وتطيب لهم الثمار والظلال فيميلون إليها، وقد تخلف كعب بن مالك رضي الله عنه عن غزوة تبوك بسبب ذلك وقال:« وَغَزَا رسول الله صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْغَزْوَةَ حين طَابَتْ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ فَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ» أي أميل.
ومن ميزة الصيف كثرة فواكهه وثماره، فيتلذذ الناس بأنواعها، ويخففون شدة الحر بها.
ومن رأى ما تنتجه الأشجار والمزارع من أنواع الفواكه والثمار، وما يعرض منها في الأسواق مما يعرفه وما لا يعرفه فعليه أن يستحضر ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة من أنواع المآكل والمشارب، وكل إنسان يدرك حلاوة الشراب الطيب البارد على الظمأ، ولذة الطعام الساخن على الجوع..
وكل ما في الدنيا من طعام وشراب ففي الجنة ما هو أطيب منه وأكمل وأكثر، وأضعافه وأضعافه، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال ابن عباس رضي الله عنهما:« ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظلة».
والأساس في المآكل هي الثمار واللحوم، وهي أكثر ما يطلبه الناس ويبذلون فيه الأموال، وفي الجنة ثمار ولحوم لأهلها ليست كالتي في الدنيا [وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ] {الطُّور:22} وفي آية أخرى [وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ] {الواقعة:20-21}. وفي ثالثة [إِنَّ المُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ] {المرسلات:41-42}.
وهي ثمار كثيرة جداً تعز على الحصر، ولا يحصيها العد، وإذا كانت ثمار الدنيا لا يكاد يحصيها الواحد من الناس، بل الجماعة منهم، فكيف بثمار الجنة، وهي ثواب الله تعالى لعباده المؤمنين [جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ] {ص:50-51} وفي آية أخرى [وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ] {الزُّخرف:72-73}. ويكفي في الدلالة على ذلك قول الله تعالى [وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ] {محمد:15}.
ويخبر الله تعالى عما هم فيه من الحبور والسرور، والاشتغال بالنعيم عن مصير أهل الجحيم بقوله سبحانه [إِنَّ أَصْحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ] {يس:55-57} فلهم ما يطلبون، ولهم ما يتمنون ويشتهون [وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ] {فصِّلت:31}.
ومن خصائص ثمار الجنة أن لكل فاكهة منها نوعين [فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ] {الرَّحمن:52} وذلك من جميع أصناف الفواكه، كل صنف له لذة ولون ليس للنوع الآخر، أو يكون فيها من كل نوع ما يؤكل رطباً وما يؤكل يابساً كالعنب والزبيب، والرطب والتمر، ونحو ذلك.
ولا يظنن ظان أن ثمار الجنة في الحصول عليها كثمار الدنيا، تحتاج إلى من يجلبها من سوقها، أو يصعد شجرها ليقطفها، بل هي ثمار لصاحبها تأتيه حيث كان، وتدنو منه متى أراد، وما عليه إلا أن يشتهيها لينالها [وَجَنَى الجَنَّتَيْنِ دَانٍ] {الرَّحمن:54} [فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ] {الحاقَّة:22-23} قال البراء بن عازب رضي الله عنه:«أي: قريبة، يتناولها أحدهم وهو نائم على سريره».
إنها ثمار في رؤوس أشجارها ولكنها مذللة لأصحابها يقطفونها يانعة ناضجة متى اشتهوها [وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا] {الإنسان:14} قال مجاهد رحمه الله تعالى: «إن قام ارتفعت بقدره، وإن قعد تدلت له حتى ينالها، وإن اضطجع تدلت له حتى ينالها، فذلك قوله:تذليلًا».
ومن كثرة ثمار الجنة يظن أهلها أنهم رأوها من قبل فإذا هي أنواع جديدة متشابهة في شكلها ولونها، مختلفة في طعمها وريحها [كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا] {البقرة:25}.
وأكثر شيء ينغص على أهل الدنيا عيشهم القلة بعد الجدة، وفقد الشيء بعد نيله، واشتهاء الشيء مع عدم القدرة عليه.. ومن الناس من يشتهي طعاما فيأكل من الطعام ما يضره؛ لمرض فيه، ومنهم من يرى الطعام فيحبس نفسه عنه وإن كان يشتهيه؛ خوفا من عاقبته. ومن الناس من يسرف في مأكله فيضر نَفْسَه، ويحبس نَفَسَه.. وأما أهل الجنة فيتنعمون بأنواع المآكل والمشارب وهم آمنون من كل هذا التنغيص [يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ] {الدُخان:55} آمنين من فقدها وقلتها، وآمنين من ضررها وعاقبتها، وآمنين من حبس نفوسهم عنها لعلة من العلل؛ فالجنة ليس فيها مرض ولا قلة ولا فقر ولا ضرر على أهلها مما يأكلون ويشربون [أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا] {الرعد:35}.
وتصريف الطعام والشراب في الجنة ليس كما هو في الدنيا، بل هو جشاء ورشح يفيض مسكاً؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فيها وَيَشْرَبُونَ ولا يَتَغَوَّطُونَ ولا يَمْتَخِطُونَ ولا يَبُولُونَ وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ...»رواه مسلم.
وأعظم شيء في الطعام والشراب لذته، وكلما كان طيبا عظم الفرح واللذة به، وأقبل الآكل والشارب عليه؛ ولذا يعطى أهل الجنة قوة عظيمة لتكمل لذتهم بما يجدون من مآكلها ومشاربها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الرَّجُلَ من أَهْلِ الْجَنَّةِ ليعطي قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ في الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالشَّهْوَةِ، فقال رَجُلٌ من الْيَهُودِ: إن الذي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ منه الْحَاجَةُ، فقال: يَفِيضُ من جِلْدِهِ عَرَقٌ فإذا بَطْنُهُ قد ضَمَرَ»رواه الدارمي.
نسأل الله تعالى الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ به سبحانه من النار وما قرب إليها من قول وعمل..
أقول قولي هذا واستغفر الله..

الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] {آل عمران:133}.
أيها المسلمون: كما أن في الجنة أنواع المآكل والثمار والفواكه فكذلك فيها أنواع المشارب، ومن مشاربها أنهار تجري أمامهم فمنها يشربون، وبها يتلذذون، وعلى ضفافها يتنعمون [مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى] {محمد:15} فبالله عليكم من يتصور أشكال هذه الأنهار وهي تجري بالماء واللبن والعسل والخمر، وإذا كانت أنهار الدنيا قد شخصت الأبصار إلى جمالها، وأصغت الآذان لخريرها وجريانها، وازدحم الناس على ضفافها، فكيف إذن بأنهار الجنة وأنواعها ومذاقها؟!
ومن مشارب أهل الجنة عيون تفجر لهم بألذ ما يطلبه الشاربون [وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا] {الإنسان:17-18} سميت بذلك لسلاستها ولذتها وحسنها. [يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ] {المطَّففين:25-28} وهذه العيون تتفجر لهم في أي مكان من الجنة إذا اشتهوا شرابها [عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا] {الإنسان:6}.
ويدار عليهم بالأشربة في كل مكان، وتصلهم في كل أوان [يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ] {الواقعة:19}.
وقال أبو أمامة رضي الله عنه:«إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الشراب من شراب الجنة فيجيء الإبريق فيقع في يده فيشرب ثم يعود إلى مكانه»رواه ابن أبي الدنيا بسند جيد.
إن ملوك الدنيا وأغنياءها قد يشتهون ثمرا يجدون قيمته فلا يحصلون عليه؛ لأنه في غير وقته، أو بعيد مكانه، وقد يشتهون طعاما أو شرابا موجودا ولكنه يحتاج إلى وقت في صنعه وإعداده، فلا يأتيهم في وقت مرادهم، فتنقطع شهوتهم أثناء انتظاره.. وأعظم لذة بالطعام والشراب في وقت اشتهائه وطلبه..
أما في الجنة فقطوف الثمر دانية مذللة لأهلها في كل وقت ومكان، وشرابها جاهز على الدوام، وعيونها تتفجر في الحال، فيا له من طعام وشراب! ويا له من نعيم تام! جعلنا الله تعالى ووالدينا وذرياتنا وآلنا والمسلمين من أهلها.
والآيات التي جاء فيها الإخبار عن فواكه الجنة وثمارها، وأنواع طعامها وشرابها، وعيونها وأنهارها؛ قد بين فيها ما يوصل إليها.. إنه الإيمان والعمل الصالح [وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] {البقرة:25}
إن الموصل إليها تقوى الله تعالى [مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا] {الرعد:35}.[إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {الطُّور:17-19}.
إنه العمل في أيام الدنيا [قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ] {الحاقَّة:23-24}.
فالبدار البدار للأعمال الصالحة، والمسابقة المسابقة فيما يقرب إلى الجنة، والحذر الحذر مما يباعد عنها؛ فإن كل نعيم في الدنيا مذكر بنعيم الجنة [فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {السجدة:17}.
وصلوا وسلموا على نبيكم..

الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى