رضا السويسى
الادارة
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
من أحكام السفر وآدابه (2)
بعض أحكام السفر
إبراهيم بن محمد الحقيل
7/6/1428
الحمد لله رب العالمين؛ هدانا صراطا مستقيما، وشرع لنا دينا قويما [قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ] {الأنعام:161} نحمده على تتابع نعمه، وترادف آلائه ومننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أعلم الخلق بالله تعالى، وأتقاهم له، أعلى الله تعالى ذكره في العالمين، وجعله حجة على البشر إلى يوم الدين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أولي البر والهدى، وأصحاب الفضل والتقى، ومن تبعهم وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعملوا صالحا لغدكم؛ فإنكم مفارقون دنياكم إلى أخراكم، ومرتحلون عن قصوركم إلى قبوركم، ومسئولون عن أعمالكم؛ فأعدوا للسؤال جوابا، ولا يغرنكم الشيطان بالدنيا، فإنها لا تزن عند الله تعالى جناح بعوضة [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ] {فاطر:5-6}.
أيها الناس: إذا وسع الله تعالى على عباده في الرزق، وفتح عليهم أبواب الدنيا؛ فإنهم يُفْتَنون بها، ويتفننون في متعها وملذاتها؛ حتى تتحول الوسائل عندهم إلى غايات، والكماليات إلى ضرورات.
وفي هذا العصر بلغت الرفاهية بالواجدين أوجها، وانتهت بهم إلى كمالها، في مآكلهم ومشاربهم ومراكبهم، وفي مساكنهم وملابسهم ومراقدهم، وفي حلهم وترحالهم.
وأضحت المتعة والرفاهية فنا من الفنون، وتجارة من التجارات؛ تدرس في المعاهد والجامعات، وتُخص بالتدريبات والدورات، ويتداعى لمشاريعها التجار والأغنياء:
فجامعات تمنح شهادات عليا في صنع لون من ألوان الطعام، وأخرى في نوع من أنواع الرياضات، وغيرها في السفر والسياحة حتى غدت هذه الوسائل والكماليات فنونا يُنفق عليها طائل الأموال، وتُفنى في تعلمها وصناعتها الأعمار؛ وذلك للترفيه عن الأغنياء وإسعادهم، على حساب الفقراء وتعاستهم.
هذا غير وسائل الترفيه المحرم من الرقص والتمثيل والغناء وأنواع الصناعات السينمائية والمسرحية والفكاهية التي ينفق عليها ما يفوق موازنات دول كاملة.
والسفر من أقدم ما عرف الإنسان من وسائل الرفاهية والترويح عن النفس وإجمامها، وقد عرفه الإنسان منذ القدم، وفيه من المنافع ما لا يخفى، كما أنه ينطوي على مخاطر وأضرار لا تُنكر، وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنه قطعة من العذاب؛ كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نَهْمَته فليعجل إلى أهله)متفق عليه.
والشريعة الغراء قد جاءت بأحكام وآداب للمسافر قبل سفره وأثناءه وبعده، يؤجر من تمسك بها، ويحرم خيرا كثيرا من فرط فيها.
وواجب على المسلم وهو يريد سفرا قريبا أو بعيدا أن يستشعر ما منَّ الله تعالى به عليه من عظيم النعم، وجزيل العطاء؛ فهو يسافر لمجرد النزهة والرفاهية، وآخرون غيره يسافرون بلا اختيار منهم، بل ألجأتهم إلى سفرهم الضرورة أو الحاجة:
فمنهم من يسافرون فرارا من الخوف والجوع، قد استبيحت أوطانهم، واحتلت ديارهم، ورفع أمنهم، واستحرَّ القتل فيهم، فالقادر منهم يفرُّ من بلده مهاجرا أو لاجئا قد خلَّف داره وأرضه وضيعته وراءه، لا يلوي على شيء إلا نجاة نفسه وأهله وولده.
وآخرون يَهْجُرون أوطانهم، ويفارقون أهلهم وأولادهم؛ ضربا في الأرض، وطلبا للرزق، قد شحت مواردهم في بلادهم، فبحثوا عن فضل الله تعالى في غيرها.
وآخرون قد أخذت الأمراض من أجسادهم حظها، فأطالت نهارهم، وأسهرت ليلهم، وحالت بينهم وبين لذة الطعام والشراب والنكاح، كلما سمعوا بطبيب شدَّوا رحالهم إليه، وإذا وصف لهم دواء جَدُّوا في تحصيله، يسافرون حين يسافرون لا للرفاهية والمتعة، وإنما للصحة والعافية التي لا يعرف كثير منا قدرها.
كل أولئك يسافرون حين يسافرون مكرهين، تحت سياط الضرورات والحاجات، فواجب على من أنعم الله تعالى عليه بالأمن والرزق والعافية أن يعرف فضل الله تعالى عليه إذ أعطاه وحرم غيره، وعافاه وابتلى سواه، فهو حين يسافر إنما يسافر لمتعة نفسه وأهله وولده، فليشكر الله تعالى على نعمه؛ فإن الشكر يزيدها، وإن كفرها يرفعها [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ] {إبراهيم:7}
ومن دلائل شكر نعم الله تعالى عليه أن يتقي الله تعالى في سفره، فلا يقصد بلادا الكفر فيها عزيز، والإيمان فيها ضعيف، قد عجَّت بأنواع الشبه والانحرافات، وطفحت بعظائم المعاصي والموبقات، ومهما عظمت ميزاتها، واخضرت أرضها، وحسنت أجواؤها، فإن إعلان المعاصي فيها، مع عدم قدرته هو على إنكارها يلغي كل حسنة فيها، ويُحرِّم عليه البقاء فيها، وإذا كان المسلم مأمورا بمفارقة مجلس فيه منكر لا يستطيع تغييره ولو في وليمة يجب عليه حضورها فكيف إذن يسافر بأهله وولده إلى بلاد المنكرات والموبقات؟!
ويكره للمرء أن يسافر وحده، ولا يسافر الاثنان، بل لا بد من ثلاثة وهم الجماعة؛ اتباعا للسنة، وإبعادا للوحشة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:( الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب) رواه الترمذي وحسنه.
وروى البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده).
والسنة أن يؤمروا أحدهم في سفرهم، والأولى أن يختاروا أحكمهم وأعلمهم، وأكثرهم دراية بالسفر وحاجاته؛ جمعا للقلوب، وقطعا للاختلاف؛ فإن الاختلاف والتباغض في السفر لا يطاق، ويزيد من عذابه ومشقته، وقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)رواه أبو داود.
فإذا استوى على مركوبه أتى بما ورد من الذكر والدعاء مستحضرا نعمة الله تعالى عليه بما يسر له من المراكب، وسخر له من وسائل النقل التي حرمها غيره ممن لا يطيقون ثمنها، وهذا الدعاء الذي يقوله فيه نفعه وصلاحه لأنه يسأل الله تعالى أن يحفظه ويعينه في سفره، وأن لا يفجعه في نفسه أو أهله أو ماله، وحري به أن يستجاب له ما دام ممتثلا أوامر الله تعالى، مطبقا للسنة، روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)رواه مسلم.
وجاء في حديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكون، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال)رواه مسلم
والسنة إذا علا شرفا من الأرض أن يكبر الله تعالى، وهكذا إذا أقلعت به الطائرة، وإذا هبط واديا أن يسبح الله تعالى، وهكذا إذا هبطت به الطائرة؛ لما روى جابر رضي الله عنه فقال:(كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا) رواه البخاري.
وروى أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد أكمة أو نشزا قال: اللهم لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حمد)
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف، فلما أن ولى الرجل، قال عليه الصلاة والسلام: اللهم اطو له الأرض وهون عليه السفر)رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
ولما كان المسافر إذا علا نشزا من الأرض، أو حلَّق في الهواء رأى من خلق الله تعالى ما رأى من جبال وبحار وغابات وعمران وغيره، وقد يعظم ذلك في نفسه ناسب أن يكبر الله تعالى، فيقر بأنه سبحانه أكبر مما يرى من عجائب خلقه.
وأيضا فإن الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس؛ لما فيه من استشعار الكبرياء فشُرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله تعالى وأنه أكبر من كل شيء فيكبره ليشكر له ذلك، فيزيده من فضله.
وأما تسبيحه حال انخفاضه وهبوطه فهو تنزيه لله تعالى عن كل انخفاض وسفول.
وإذا انبلج عليه السَحَرُ وهو في سفره قال ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول:سَمِع سامعٌ بحمد الله وحُسْن بلائه علينا، ربَّنَا صاحبْنَا وأَفْضِلْ علينا، عائذا بالله من النار)رواه مسلم. ومعناه: ليسمع سامع، ويشهد شاهد بحمدنا لربنا على نعمته، ثم يطلب حفظه وإعانته، ويتعوذ من النار.
فإذا نزل منزلا فاستعاذ بالله تعالى فإنه سبحانه يعيذه من شرور ذلك المكان وآفاته؛ كما قالت خولة السلمية رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك)رواه مسلم.
ويشرع للمسافر أن يكثر من الدعاء لنفسه وأهله وولده والمسلمين؛ لأن دعوة المسافر مرجوة الإجابة؛ كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم) رواه أبو داود وصححه ابن حبان.
وعلى المسافر أن يتقي الله تعالى في سفره، فيلزم طاعته، ويجتنب معصيته، ويعتز بدينه، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويحفظ سمعه وبصره وجوارحه عما حرم الله تعالى عليه، فإنه إن كان غائبا عن أعين من يخافهم أو يستحي منهم فإن الله تعالى مطلع عليه، عالم بأقواله وأفعاله [إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ مِنَ القَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ] {الأنبياء:110} وفي أخرى [إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا] {الأحزاب:54} وفي ثالثة [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ] {غافر:19} والملائكة الكرام يحصون عليه أفعاله وأقواله [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] {ق:18} [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ] {الانفطار:12}.
وليحفظ أهله وولده؛ فإنهم رعيته، وأمانة الله تعالى عنده، والله تعالى قد أمرنا بأداء الأمانات، وبحفظ الأهل مما يوجب عذابه سبحانه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] {التَّحريم:6}. أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، إنه سميع مجيب.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا] {الأحزاب:71} .
أيها المسلمون: يشرع للمسافر إذا قفل من سفره أن يكبر الله تعالى ويهلله ويحمده كلما علا مرتفعا حتى يبلغ بلده؛ كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا أوفى على ثنية أو فَدْفَدٍ كبر ثلاثا، ثم قال: لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)رواه الشيخان. وفي رواية لمسلم:(فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة).
والمسافر منهي عن مفاجأة أهله ليلا بمجيئه؛ لئلا يقع بصره على ما يكره من شعث امرأته أو ولده، أو عدم نظافة منزله، أو عدم تهيئة فراشه؛ فإن من عادة المرأة تبسطها في بيتها إذا غاب زوجها، واستعدادها له إذا علمت بمقدمه، وهذا مما يؤلف بين الزوجين. ووقوع عين الزوج على ما يكره من بيته أو زوجه أو ولده قد يؤدي إلى النفرة بينهما؛ والشارع الحكيم قد سدَّ منافذ الشقاق بين الزوجين، ودعا إلى ما يؤلف بينهما.
عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا، وكان يأتيهم غدوة أو عشية)رواه الشيخان.
وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم)
وفي لفظ قال جابر رضي الله عنه:كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل فقال: أمهلوا حتى ندخل ليلا، أي: عشاء؛ كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة)رواه الشيخان.
ومن أعلم أهله بوقت وصوله فإن النهي لا يتناوله، ومن نعم الله تعالى على الناس ما يسر لهم من وسائل الاتصال التي تزيل كثيرا من الحرج في ذلك.
والسنة إذا عاد من سفره فبلغ بلده أن يبدأ بالمسجد قبل بيته فيصلي فيه ركعتين؛ لما روى كعب بن مالك رضي الله عنه فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين) وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فلما قدمنا المدينة قال لي: ادخل المسجد فصل ركعتين)رواه الشيخان.
ومن السنة أن يولم بعد عودته وليمة تسمى النقيعة، وهي وليمة يقيمها العائد من السفر، ويدعو الناس إليها، روى جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة) وفي رواية قال جابر رضي الله عنه: فلما قدم صِرارا-وهو موضع بظاهر المدينة- أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها)رواه الشيخان. وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يصوم أول قدومه من السفر لأجل الذين يغشونه للسلام عليه والتهنئة بالقدوم.
أيها الإخوة: كانت تلك بعض أحكام السفر وآدابه، من أخذ بها كان ممتثلا للسنة، مأجورا في أسفاره، مع ما يحصل له من الأنس والمتعة المباحة، ومن أعرض عنها استهانة بها فقد حرم نفسه خيرا كثيرا، ومن تركها جهلا فقد قصر في تعلم ما ينفعه، ولا سيما إذا كانت أسفاره كثيرة.
فاعرفوا -عباد الله- ما ينفعكم، وتعلموا الضروري من أمور دينكم، والتزموا سنة نبيكم عليه الصلاة والسلام في كل شئونكم.
وصلوا وسلموا على نبيكم.....
بعض أحكام السفر
إبراهيم بن محمد الحقيل
7/6/1428
الحمد لله رب العالمين؛ هدانا صراطا مستقيما، وشرع لنا دينا قويما [قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ] {الأنعام:161} نحمده على تتابع نعمه، وترادف آلائه ومننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أعلم الخلق بالله تعالى، وأتقاهم له، أعلى الله تعالى ذكره في العالمين، وجعله حجة على البشر إلى يوم الدين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أولي البر والهدى، وأصحاب الفضل والتقى، ومن تبعهم وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعملوا صالحا لغدكم؛ فإنكم مفارقون دنياكم إلى أخراكم، ومرتحلون عن قصوركم إلى قبوركم، ومسئولون عن أعمالكم؛ فأعدوا للسؤال جوابا، ولا يغرنكم الشيطان بالدنيا، فإنها لا تزن عند الله تعالى جناح بعوضة [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ] {فاطر:5-6}.
أيها الناس: إذا وسع الله تعالى على عباده في الرزق، وفتح عليهم أبواب الدنيا؛ فإنهم يُفْتَنون بها، ويتفننون في متعها وملذاتها؛ حتى تتحول الوسائل عندهم إلى غايات، والكماليات إلى ضرورات.
وفي هذا العصر بلغت الرفاهية بالواجدين أوجها، وانتهت بهم إلى كمالها، في مآكلهم ومشاربهم ومراكبهم، وفي مساكنهم وملابسهم ومراقدهم، وفي حلهم وترحالهم.
وأضحت المتعة والرفاهية فنا من الفنون، وتجارة من التجارات؛ تدرس في المعاهد والجامعات، وتُخص بالتدريبات والدورات، ويتداعى لمشاريعها التجار والأغنياء:
فجامعات تمنح شهادات عليا في صنع لون من ألوان الطعام، وأخرى في نوع من أنواع الرياضات، وغيرها في السفر والسياحة حتى غدت هذه الوسائل والكماليات فنونا يُنفق عليها طائل الأموال، وتُفنى في تعلمها وصناعتها الأعمار؛ وذلك للترفيه عن الأغنياء وإسعادهم، على حساب الفقراء وتعاستهم.
هذا غير وسائل الترفيه المحرم من الرقص والتمثيل والغناء وأنواع الصناعات السينمائية والمسرحية والفكاهية التي ينفق عليها ما يفوق موازنات دول كاملة.
والسفر من أقدم ما عرف الإنسان من وسائل الرفاهية والترويح عن النفس وإجمامها، وقد عرفه الإنسان منذ القدم، وفيه من المنافع ما لا يخفى، كما أنه ينطوي على مخاطر وأضرار لا تُنكر، وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أنه قطعة من العذاب؛ كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نَهْمَته فليعجل إلى أهله)متفق عليه.
والشريعة الغراء قد جاءت بأحكام وآداب للمسافر قبل سفره وأثناءه وبعده، يؤجر من تمسك بها، ويحرم خيرا كثيرا من فرط فيها.
وواجب على المسلم وهو يريد سفرا قريبا أو بعيدا أن يستشعر ما منَّ الله تعالى به عليه من عظيم النعم، وجزيل العطاء؛ فهو يسافر لمجرد النزهة والرفاهية، وآخرون غيره يسافرون بلا اختيار منهم، بل ألجأتهم إلى سفرهم الضرورة أو الحاجة:
فمنهم من يسافرون فرارا من الخوف والجوع، قد استبيحت أوطانهم، واحتلت ديارهم، ورفع أمنهم، واستحرَّ القتل فيهم، فالقادر منهم يفرُّ من بلده مهاجرا أو لاجئا قد خلَّف داره وأرضه وضيعته وراءه، لا يلوي على شيء إلا نجاة نفسه وأهله وولده.
وآخرون يَهْجُرون أوطانهم، ويفارقون أهلهم وأولادهم؛ ضربا في الأرض، وطلبا للرزق، قد شحت مواردهم في بلادهم، فبحثوا عن فضل الله تعالى في غيرها.
وآخرون قد أخذت الأمراض من أجسادهم حظها، فأطالت نهارهم، وأسهرت ليلهم، وحالت بينهم وبين لذة الطعام والشراب والنكاح، كلما سمعوا بطبيب شدَّوا رحالهم إليه، وإذا وصف لهم دواء جَدُّوا في تحصيله، يسافرون حين يسافرون لا للرفاهية والمتعة، وإنما للصحة والعافية التي لا يعرف كثير منا قدرها.
كل أولئك يسافرون حين يسافرون مكرهين، تحت سياط الضرورات والحاجات، فواجب على من أنعم الله تعالى عليه بالأمن والرزق والعافية أن يعرف فضل الله تعالى عليه إذ أعطاه وحرم غيره، وعافاه وابتلى سواه، فهو حين يسافر إنما يسافر لمتعة نفسه وأهله وولده، فليشكر الله تعالى على نعمه؛ فإن الشكر يزيدها، وإن كفرها يرفعها [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ] {إبراهيم:7}
ومن دلائل شكر نعم الله تعالى عليه أن يتقي الله تعالى في سفره، فلا يقصد بلادا الكفر فيها عزيز، والإيمان فيها ضعيف، قد عجَّت بأنواع الشبه والانحرافات، وطفحت بعظائم المعاصي والموبقات، ومهما عظمت ميزاتها، واخضرت أرضها، وحسنت أجواؤها، فإن إعلان المعاصي فيها، مع عدم قدرته هو على إنكارها يلغي كل حسنة فيها، ويُحرِّم عليه البقاء فيها، وإذا كان المسلم مأمورا بمفارقة مجلس فيه منكر لا يستطيع تغييره ولو في وليمة يجب عليه حضورها فكيف إذن يسافر بأهله وولده إلى بلاد المنكرات والموبقات؟!
ويكره للمرء أن يسافر وحده، ولا يسافر الاثنان، بل لا بد من ثلاثة وهم الجماعة؛ اتباعا للسنة، وإبعادا للوحشة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:( الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب) رواه الترمذي وحسنه.
وروى البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده).
والسنة أن يؤمروا أحدهم في سفرهم، والأولى أن يختاروا أحكمهم وأعلمهم، وأكثرهم دراية بالسفر وحاجاته؛ جمعا للقلوب، وقطعا للاختلاف؛ فإن الاختلاف والتباغض في السفر لا يطاق، ويزيد من عذابه ومشقته، وقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)رواه أبو داود.
فإذا استوى على مركوبه أتى بما ورد من الذكر والدعاء مستحضرا نعمة الله تعالى عليه بما يسر له من المراكب، وسخر له من وسائل النقل التي حرمها غيره ممن لا يطيقون ثمنها، وهذا الدعاء الذي يقوله فيه نفعه وصلاحه لأنه يسأل الله تعالى أن يحفظه ويعينه في سفره، وأن لا يفجعه في نفسه أو أهله أو ماله، وحري به أن يستجاب له ما دام ممتثلا أوامر الله تعالى، مطبقا للسنة، روى ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)رواه مسلم.
وجاء في حديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكون، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال)رواه مسلم
والسنة إذا علا شرفا من الأرض أن يكبر الله تعالى، وهكذا إذا أقلعت به الطائرة، وإذا هبط واديا أن يسبح الله تعالى، وهكذا إذا هبطت به الطائرة؛ لما روى جابر رضي الله عنه فقال:(كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا) رواه البخاري.
وروى أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد أكمة أو نشزا قال: اللهم لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حمد)
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف، فلما أن ولى الرجل، قال عليه الصلاة والسلام: اللهم اطو له الأرض وهون عليه السفر)رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
ولما كان المسافر إذا علا نشزا من الأرض، أو حلَّق في الهواء رأى من خلق الله تعالى ما رأى من جبال وبحار وغابات وعمران وغيره، وقد يعظم ذلك في نفسه ناسب أن يكبر الله تعالى، فيقر بأنه سبحانه أكبر مما يرى من عجائب خلقه.
وأيضا فإن الاستعلاء والارتفاع محبوب للنفوس؛ لما فيه من استشعار الكبرياء فشُرع لمن تلبس به أن يذكر كبرياء الله تعالى وأنه أكبر من كل شيء فيكبره ليشكر له ذلك، فيزيده من فضله.
وأما تسبيحه حال انخفاضه وهبوطه فهو تنزيه لله تعالى عن كل انخفاض وسفول.
وإذا انبلج عليه السَحَرُ وهو في سفره قال ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول:سَمِع سامعٌ بحمد الله وحُسْن بلائه علينا، ربَّنَا صاحبْنَا وأَفْضِلْ علينا، عائذا بالله من النار)رواه مسلم. ومعناه: ليسمع سامع، ويشهد شاهد بحمدنا لربنا على نعمته، ثم يطلب حفظه وإعانته، ويتعوذ من النار.
فإذا نزل منزلا فاستعاذ بالله تعالى فإنه سبحانه يعيذه من شرور ذلك المكان وآفاته؛ كما قالت خولة السلمية رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك)رواه مسلم.
ويشرع للمسافر أن يكثر من الدعاء لنفسه وأهله وولده والمسلمين؛ لأن دعوة المسافر مرجوة الإجابة؛ كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم) رواه أبو داود وصححه ابن حبان.
وعلى المسافر أن يتقي الله تعالى في سفره، فيلزم طاعته، ويجتنب معصيته، ويعتز بدينه، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويحفظ سمعه وبصره وجوارحه عما حرم الله تعالى عليه، فإنه إن كان غائبا عن أعين من يخافهم أو يستحي منهم فإن الله تعالى مطلع عليه، عالم بأقواله وأفعاله [إِنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ مِنَ القَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ] {الأنبياء:110} وفي أخرى [إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا] {الأحزاب:54} وفي ثالثة [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ] {غافر:19} والملائكة الكرام يحصون عليه أفعاله وأقواله [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] {ق:18} [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ] {الانفطار:12}.
وليحفظ أهله وولده؛ فإنهم رعيته، وأمانة الله تعالى عنده، والله تعالى قد أمرنا بأداء الأمانات، وبحفظ الأهل مما يوجب عذابه سبحانه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] {التَّحريم:6}. أسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، إنه سميع مجيب.
وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا] {الأحزاب:71} .
أيها المسلمون: يشرع للمسافر إذا قفل من سفره أن يكبر الله تعالى ويهلله ويحمده كلما علا مرتفعا حتى يبلغ بلده؛ كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة إذا أوفى على ثنية أو فَدْفَدٍ كبر ثلاثا، ثم قال: لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)رواه الشيخان. وفي رواية لمسلم:(فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة).
والمسافر منهي عن مفاجأة أهله ليلا بمجيئه؛ لئلا يقع بصره على ما يكره من شعث امرأته أو ولده، أو عدم نظافة منزله، أو عدم تهيئة فراشه؛ فإن من عادة المرأة تبسطها في بيتها إذا غاب زوجها، واستعدادها له إذا علمت بمقدمه، وهذا مما يؤلف بين الزوجين. ووقوع عين الزوج على ما يكره من بيته أو زوجه أو ولده قد يؤدي إلى النفرة بينهما؛ والشارع الحكيم قد سدَّ منافذ الشقاق بين الزوجين، ودعا إلى ما يؤلف بينهما.
عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا، وكان يأتيهم غدوة أو عشية)رواه الشيخان.
وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم)
وفي لفظ قال جابر رضي الله عنه:كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل فقال: أمهلوا حتى ندخل ليلا، أي: عشاء؛ كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة)رواه الشيخان.
ومن أعلم أهله بوقت وصوله فإن النهي لا يتناوله، ومن نعم الله تعالى على الناس ما يسر لهم من وسائل الاتصال التي تزيل كثيرا من الحرج في ذلك.
والسنة إذا عاد من سفره فبلغ بلده أن يبدأ بالمسجد قبل بيته فيصلي فيه ركعتين؛ لما روى كعب بن مالك رضي الله عنه فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين) وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فلما قدمنا المدينة قال لي: ادخل المسجد فصل ركعتين)رواه الشيخان.
ومن السنة أن يولم بعد عودته وليمة تسمى النقيعة، وهي وليمة يقيمها العائد من السفر، ويدعو الناس إليها، روى جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة) وفي رواية قال جابر رضي الله عنه: فلما قدم صِرارا-وهو موضع بظاهر المدينة- أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها)رواه الشيخان. وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يصوم أول قدومه من السفر لأجل الذين يغشونه للسلام عليه والتهنئة بالقدوم.
أيها الإخوة: كانت تلك بعض أحكام السفر وآدابه، من أخذ بها كان ممتثلا للسنة، مأجورا في أسفاره، مع ما يحصل له من الأنس والمتعة المباحة، ومن أعرض عنها استهانة بها فقد حرم نفسه خيرا كثيرا، ومن تركها جهلا فقد قصر في تعلم ما ينفعه، ولا سيما إذا كانت أسفاره كثيرة.
فاعرفوا -عباد الله- ما ينفعكم، وتعلموا الضروري من أمور دينكم، والتزموا سنة نبيكم عليه الصلاة والسلام في كل شئونكم.
وصلوا وسلموا على نبيكم.....
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى