لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

منطق المستهزئين Empty منطق المستهزئين {الأحد 21 أغسطس - 19:39}

بسم الله الرحمن الرحيم
منطق المستهزئين
الحمد لله ذي العزة والجلال، الكبير المتعال، له الأسماء الحسنى وصفات الكمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ كلِّ مؤمنٍ ومؤمنة، ومَنْ يرده الله بسوءٍ فلا مَرَدَّ له، وما له من دونه من وال، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أصدق مَنْ عمل وقال، يعجبه الفأل ويكره القيل والقال، وإضاعة المال وكثرة السؤال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى الصحب والآل، ومَنْ سار على طريقهم واتَّبع نهجهم إلى يوم المآل، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن النصيحة المسداة, والوصية المؤداة, هي الوصية بتقوى المولى سبحانه وتعالى, في الغيب والشهادة, والسر والعلانية, والغضب والرضا, بفعل المأمورات, وترك المنهيات, {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:52]
اتفق عقلاء بني البشر على فكرة مفادها أن من الحكمة الصمت، فباطل الكلام يورد العبد موارد العطب، ومقتل الرجل بين فكيه, وزلة الرِجْلِ عظمٌ يُجْبر, وزَلَّةُ اللسان لا تبقي ولا تذر, ولسان الجاهل مفتاح حتفه, ولا خير في الحياة إلا لأحد رجلين: منصتٌ واعٍ، أو متكلمٌ عالم, فالسكوت زين للعاقل, وسِترٌ للجاهل, وعَيّ صامِت خَيْرٌ من عَيٍّ ناطق, والصمتُ يُكْسِب أهلَه المحبّة, والندم على السُّكوت خَيْر من النَّدم على الكلام, وقد قالوا: السّكوت سلامة، والكلام بالخير غنيمة، ومن غنم أفضل ممن سلم, هذه المعاني وكثير غيرها أجملها لنا وجمعها رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) متفق عليه.
إِن كان يعجبُكَ السكوتُ فإِنه ... قد كان يعجبُ قبلكَ الأخيارا
ولئن ندمْتُ على سكوتٍ مرةً ... فلقد ندمتُ على الكلامِ مِرارا
إِن السكوتً سلامةٌ ولربما ... زرعَ الكلامُ عداوةً وضرارا
وفي زمن كثر فيه تهاون ثلة من الناس بقيمة الكلمة ومسؤوليتها, فصارت التهم معلبة, وظنون السوء الجزاف لكل امرئ بحسبه جاهزة, ليس لهم همٌ إلا القيل والقال, والخوض في الأحاديث دون تثبت أو وعي, يظنون ظن السوء, مطيتهم: قالوا وزعموا, وبئس مطية الرجل زعموا, فصارت الشبهات مطايا للأحكام, والظنون قواطع في الاستدلال, ولكأنهم جهلوا قول الحق تبارك وعز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12 ]وقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) متفق عليه, وما أرى الرويبضة إلا وقد نطقوا, وذلك معدود في أشراط الساعة الصغرى, كما أخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ((سيأتي على الناس سنوات خداعات, يصدق فيها الكاذب, ويكذب فيها الصادق, ويؤتمن فيها الخائن, ويخون فيها الأمين, وينطق فيها الرويبضة)) قيل وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه في أمر العامة)) رواه ابن ماجه وأحمد وصححه الألباني, فترى الواحد من هؤلاء يكذب الكذبة, فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق, وما علموا أنه:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18] وأن كل المسلم على المسلم حرام, دمه وماله وعرضه, وأن سباب المسلم فسوق, وأن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله فيهوي بها في النار سبعين خريفاً, وأنه ما أورد الناس النارَ مثلُ حصائد ألسنتهم.
فلنا اليوم وقفة مع هؤلاء الذين قولهم في الفحش متناهي, أنفهم في السماء كِبراً, وإستهم في الماء جَهْلاً, هم في تجهيل الناس وتعليم الغير كحال الإبرة, تكسو الناس وهي عريانة, وقد يقول قائل ألا إن السكوت عنهم خير من فضح خبيئتهم, فالله أعلم بما يوعون, وقد أحصاه الله ونسوه, فكان الرد أن شرَّهم استشرى, حتى عم وطغى.
فإن قيل حلم قلت للحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل
وإن الجرأة بلغت بناسٍ من الناس إلى الحد الذي نالوا فيه من ثوابت الدين, ومظاهر الصلاح, وسمات الخير في المسلمين, كالحدود الشرعيَّة والحجاب واللحى ونحوها من شعائر الدين, المعلومة بالضرورة.
وما ضر السحاب نباح الكلاب, ولكن القول الفصل في هذا قول الباري جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً} [الحجرات:11] وقول محمد صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره, التقوى ههنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم, كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) رواه مسلم, وكفاهم زجراً قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58].
إن الفطر المكنوسة, والأفهام المغلوطة, هي التي تعمم الأخطاء, فتحكم على الفئام من الناس بتصرفٍ فردي, وتُلبس الجمع قميص تهمة ينفع لواحد, فإذا رأوا ذا لحية أخطأ طلبوا من الجميع حلق اللحى, أو إن بدأ من امرأة ذي حجاب سوءٌ فغشَّت وخدعت, طالبوا بخلع الحجاب عن كل متحجبة, حسمًا لمادة الغش والخداع بزعمهم, وإذا رأوا متديناً ساء خلقه طالبوا بنبذ الإلتزام, ولو دخل سارق المسجد نادوا بإغلاق المساجد أو هدمها, قطعًا لدابر السرقة, وما دخل هذا في هذا؟ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر:18] ففي الحقيقة لم يقطعوا يد السارق، ولا طالبوا بتعزير التي غشَّت وخدعت، وإنما دعوا إلى هدم المسجد ونزع الحجاب.
إن أهل النفاق يشرئبون بأعناقهم, ويحدقون بأبصارهم, ليصطادوا في الماء العكر, ويَلِغوا في أعراض قوم ونيَّات آخرين, في طلاقة ألسن, وصفاقة وجوه, يعجب لها الناظر, ويزول عجبك إذا علمت أن هذه هي بضاعتهم قديماً ولاتزال: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة:47] ومع هذا يتلبسون بلباس الصلاح, ويتصدرون مجالس الناس بدعوى الإصلاح: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المنافقون:2] وقد فضح القرآن خبيئتهم, وكشف سريرتهم:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ % أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12,11].
أيها الناس: منطق المستهزئين واحد, فهذه الأفعال الشائنة لهذه الشرذمة ليست وليدة اليوم, وإنما هو استمرار واتصال لما عانى منه سيد البشر, والشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وسلم؛ حيث نال منه المنافقون بصنوف الأذى, فقالوا: هو أذن:{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:61] وقالوا عن أصحابه رضوان الله عليهم: {غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ} [التوبة:50] وقالوا يوم الأحزاب: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً,{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:12] وقالوا يوم حنين: بطل سحر محمد, وتجلت صور السخرية والاستهزاء بالدين وأهل الدين في أجلى صوره, في غزوة العسرة يوم تبوك, فكانوا يهزؤون بالمتصدقين: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79] فإن أقبل رجل بمال كثير, قالوا: ما جاء به إلا رياءً, وإن أحضر آخر شيئاً يسيراً, قالوا: والله إن الله لغنيٌ عن مُدِّ هذا, وأثناء الغزوة اجتمع ناس من المنافقين على الاستهزاء بالقرَّاء, فأنزل الله في شأنهم قرآناً يتلى في المحاريب, {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ % لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة:64-66], وقد روى ابن جرير وغيره من حديث عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلسٍ: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء, فقال رجل في المسجد كذبت, ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن, قال عبد الله بن عمرو: أنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} الآية.
والنهى عن السخرية ثابت في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات:11] ومعنى السخرية : الاستهانة والتحقير, وذكر العيوب والنقائص, وقد يكون ذلك بالفعل أو بالقول, أوقد يكون بالإشارة والإيماء, وأشد أنواع الاستهزاء ما كان استهزاءً بالدين وأهله, ولِعِظَمِ إثمه فقد أجمع العلماء أن الاستهزاء بالدين ردّة عن الإسلام، وخروج من ملّة خير الأنام، وإن كان المستهزئ مازحاً أو هازلاً, وأطبقوا على أنه كفرٌ بواح, يخرج الإنسان من الملة بالكلية, وذلك ما أشار إليه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الإسلام العشرة بقوله:" والسادس : من استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى:{لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66]"أ.هـ , وقال ابن كثير في تفسيره:"أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم, ورضيتم الجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ بها, وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم فيه" انتهى, فالمُستهزيء بالله أو آياته أو رسوله أو شيء من دينه وشريعته، كافر بالله حتى وإن زعم عدم قصده لحقيقة ما قال، حتى وإن صلى وصام، فهو بذلك القول مرتد, سواء اعتقده بقلبه, أو اعتقد الإيمان بقلبه، ولذا هؤلاء المنافقون في الآية لم يكونوا يعلمون بكفرهم، وظنّوا أنهم معذورون، ومع هذا لم يقبل منهم ذلك، ولم يمنعهم من الردّة، وهذا حُكم الله يحكم ما يشاء لا مُعقّب لحكمه .
وفي عصور الفتن, وموجات التغريب والأمركة, زنت الشياطين بعقول فئام من الناس, فتولدت عنهم مقولات شتى, في النيل من الدين وشعائره, وتفنن البعض منهم في أنواع السخرية والاستهزاء, بالقول الصريح تارة, وبالمكتوب تارات, بالطرفة والمزاح, أو بالرسم الكاريكاتوري, أو المقالة الساخرة, ويحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم, فوُجد من يهزأ بالحجاب, ويزعمه خيمةً سوداء, وآخرُ بتنفيذ أحكام الشريعة, وحدود الإسلام, وآخرون سلقوا بألسنة حداد رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, وكان للسنة النبويَّة أيضاً نصيب كبير في استهزائهم, فاللحية على وجوه الصالحين ملمزٌ, وتقصير الثياب مثلبٌ, وما علموا أنهم نالوا من سنة محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو الذي سنَّ لنا ذلك وشرع, فكانت لحيته صلى الله عليه وسلم أشرف لحية وأكرم شعر على وجه رجل, تهتز لحيته وتضطرب بسبب قراءته القرآن لوفرتها وطولها.
إن دوافع القوم لمثل هذا, وكثير مما لم يذكر, مرض في نفوسهم, والله أعلم بما يوعون, فإن روجعوا, لبَّسُوا أقوالهم بلباس الإصلاح وإرادة الخير, وأنهم ما قالوا ذلك استهزاءً, قالوا: لا نقصد الدين, ولا نقصد رجلاً بذاته, إنما نمزح ونمرح, وما علم هؤلاء المساكين أن المزاح بمثل هذا تهلكة, فهو خزي في الدنيا, وعذاب في الآخرة, وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم؛ من فلتات الألسن وضحكات المجالس فقال صلى الله عليه وسلم: ((ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له)) رواه أبوداود والترمذي وحسنه الألباني.
وأهل الدين لا عذر لهم بالحزن لمثل هذا, أو التأثر به, فإن هذا علامة الإرث الصحيح لميراث محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلو لم يُقَلْ مثل هذا عنَّا لظننا بأنفسنا سوءًا, ألا وقد قيل فإن لنا في صبر محمد صلى الله عليه وسلم على أذاهم أسوة وقدوة, وداعٍ للصبر على مثلما صبر عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى، فالجريمة بالاعتداء على الدين وأهله عظيمة, وهي من المسائل الكبرى, والثوابت الدينية التي لا مراء فيها, لهذا كان الحكم على فاعلها شديداً, والإثم في حقه إثماً عظيماً.
وفي المقابل فالكلمة الطيبة صدقة, وبابٌ إلى الجنة, وبضدها الكلمة الخبيثة, تؤذي وتُردِي, قال ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من أسلم بلسانه, ولم يفض الإيمان إلى قلبه, لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم, ولا تتبعوا عوراتهم, فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته, ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله)) ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك. رواه الترمذي وصححه الألباني.
واسمع إلى تجربة واضحة البرهان والبيان من إمام دار الهجرة مالك بن أنس وهو يقول:"أدركت بهذه المدينة أقواماً لم تكن لهم عورات فذكروا عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوباً, وأدركت أقواماً كانت لهم عيوب فكفوا عن عيوب الناس فنسيت عيوبهم, والواجب على الناصح من أصحاب الأقلام السيَّالة, والألسن الفصيحة, أن يقدموا النصيحة دون تشويشٍ وتهويشٍ، أو قيل وقال، وظنٍّ وخرص, من باب كونها نصيحة, لا على أنَّها فضيحة, لتكون عرِيَّةً عن التشفي والاستهزاء والبلبلة, المفضية إلى سوء الظن وإيغار الصدور وعدم الانتفاع بالنصيحة, فالله جل وعلا يقول: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات:10،11] قال قتادة رحمه الله: "الخرَّاصون هم أهل الغرة والظنون".
وخاتمة الكلام, والمسك الفائح عبيره عبر الأزمان, كلام الملك الديَّان, يقص الله علينا طرفاً من أخبار المستهزئين, والمستهزأ بهم من المؤمنين, وعاقبة الفريقين:{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ % وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ % هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:29-36] إي وربي ثُوِّبَ الكفار ما كانوا يفعلون !!.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

كتبه: بلال بن عبد الصابر قديري

الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى