عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
وجهها لم يكن كعادته.. فقد ظهر واجما، كانت معي بجسدها، أما وعيها فكان على بعد أميال، حاولت لفت نظرها باتجاهي فلم أفلح، أدركت أن أمرا جللا حدث أو هكذا ظننت، ولذا اخترت أن التزم الصمت، فهي تستحق أن تحترم، طالما احترمت مشاعر من حولها.
وبعد فترة بدت لي كالدهر، قالت: أتعرفين عدد سنين حياتي، ابتسمت: بالتأكيد فأنت أصغر من ابنك بثلاث سنين، (دعك من المزاح، أجابتني لائمة، لقد بلغت العقد الخامس منذ أشهر، وها أنا أعيش هذه الفترة التي يفترض أن تكون مليئة بالفرح بشكل روتيني ممل) اعتقدت حينها أن حمى شديدة أصابتها، ها هي قد بدأت بالهذيان، عن أي روتين تتحدث، فبالكاد نراها أو نسمع صوتها فهي في شغل دائم ومتجدد، تارة تقف هنا وتارة نراها هناك، أو لعلي لم أفهم المعنى المقصود من قولها (بشكل روتيني ممل) أجبتها..مهلا مهلا ما الذي أصابك وحول أمرك باتجاه معاكس، نحن نشتكي دوما من انشغالك المستمر، وإدمانك على العمل ليل نهار، وكأنك تقتاتين عليه أو كأن أنفاسك ستتوقف لو لم تتناولي جرعات مكثفة منه، أم أنك ترغبين في تغيير مسار عملك، فلعل ذلك يضفي على حياتك رونق الشباب! عندها لم أسمع سوى صوت ضحكتي.. يظهر أني فشلت مجددا في تحويل مزاجها، كان لا بد أن أترك ما كنت بصدده لأجلس أمامها، ولأقول ما الذي أصابك؟ أين ابتسامتك التي عرفت بك وعرفت بها؟ أين بشاشة وجهك؟ قالت: أنا قابعة داخل غرفة جدرانها مملة، فكل من حولي يمرح ويداعب أصحاب الوجوه الصغيرة والابتسامات الصافية والخطوات المرحة، وأنا كما أنا محاطة بأبناء آمنوا أن الحياة تتطلب الكثير من الجد والعمل، وأنه لا مجال للتفكير حالياً في تكوين أسر وتحمل مسؤوليتها، وأن الوقت ما زال مبكرا، فأمامهم سنوات من العمل، لقد تحصنوا بعبارة : نحن لا نريد أن نظلم أحدا ،أو قولهم: نحن ما زلنا بصدد تكوين أنفسنا، فالارتباط أكبر بكثير من ورقة تربطنا بكيان جديد، إنها مسؤولية أجل وأعظم من أكتافنا التي لم تتكون بعد، أما البنات فقد اعتدن الاعتذار عن القبول، فالمعروض لا يتوافق مع المأمول، لقد اعتدن التحجج بالطلاق الآخذ في الازدياد حاليا، والرجولة على حسب قولهن آخذة في الاضمحلال، هذه هي حياتهم، وإن كنت أشكرهم لأنهم اعتادوا إكرامي بابتسامات تحاول أن تنسيني سنوات الانتظار التي طالت وأنا أراقب تحركات الأطفال على الطرقات!
من هن في سني يا صديقتي على الأغلب جدات، وأنا كما أنا أم لشباب اتفقوا أن الحياة لم تبدأ بعد، ولن تبدأ إلا بعد حين.. أما المشكلة الكبرى فهي أنهم يتخوفون من الارتباط بمن لا ينجذبون معهن فكريا، فالفكر على حد قولهم أهم من ملامح سرعان ما يعتاد الشخص عليها مهما كانت فائقة الجمال، هم يريدون الزواج من عقل يفهمونه ويفهمهم، فبالله عليك من أين لهم بهذا، وكيف لي أن أحقق هذه المعادلة الصعبة؟ ألا يحق لي القلق، فأنا لا أضمن البقاء ليوم أراهم حاملين أطفالهم؟ وهل هذا الحلم من السهولة بمكان؟ أما بناتي فحدث ولا حرج فهن أيضا يتطلعن لعقول تحترم عقولهن ولا تقبل عليهن لمظهرهن، عقول تقدر ملكاتهن العقلية والخلقية، لا الخلقية، فأشكالهن لا يد لهن فيها فهي نعمة من نعم الله عليهن، أما ملكاتهن العقلية والخلقية فقد بذلن بحمد الله الكثير لتنميتها، وبالتالي كيف لي أن أوصلهن لقناعة أن الراغب في الارتباط بهن جاء من باب التقدير لا من باب الإعجاب، لقد أصابني يا صديقتي الاكتئاب وبسبب ما جنته يداي، وها أنا أحصد ما زرعته لسنوات، وها هي الأيام تنبئني أني كنت مخطئة في منهاج تربيتي وتفكيري، فأبنائي وبناتي يخططون لحياتهم بشكل يخالف ما حلمت به، وها أنا أجر أقدامي في العقد الخامس وأنا لا أعلم هل سأجد قريبا بين يدي أحفادا أضحك لابتسامتهم ومداعبتهم أم أني سأبقى أتابع تحركات الأطفال كلما لاح لي خيال طفل!.
مع الأسف عجزت بل لم أتكمن من إجابتها بما يطيب خاطرها، فنحن في زمن اختلف كثيرا عما اعتدنا عليه في أيامنا، فالشباب اليوم يعيد التفكير مرارا وتكرارا قبل أن يخطو باتجاه الارتباط، فالفشل يلوح بيديه أمامهم، وقلة ذات اليد تهدد أحلامهم في تكوين أسرة سعيدة، وبالتالي نجدهم عازفين عن الزواج، مؤجلين التفكير فيه! لقد حاولت أن أصل بصديقتي لقناعة أن ما تعانينه أعانيه وتعانيه الكثير من الأمهات، لدرجة أن إحداهن قالت مازحه، لقد أعددنا امتحان (قدرات) للراغب في الارتباط بإحدى بناتي.. وآخر للفتاة التي نرغب في انضمامها لأسرتنا!
في الواقع أنا لا أعلم أين تقبع العواطف في هذه المعادلة الصعبة، فلم يعد الواحد منهم يتحدث عن العاطفة التي يأمل أن تتكون بينه وبين شريكة حياته، أوعن عدد أفراد أسرته التي يحلم بها، أم أن العواطف المزيفة المؤقتة شوهت روعة الارتباط الوجداني بين اثنين، وجعلت العقل هو الأساس الأوحد في الارتباط الناجح، ثم هل المشكلة فينا نحن الآباء أم في مجتمع أصبحنا فيه غرباء، أم في شبابنا الذين أصبحوا يتحدثون لغة لا نفهمها أو لا نرغب في فهمها؟!
حيرة امرأة في العقد الخامس
د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أكاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام
وبعد فترة بدت لي كالدهر، قالت: أتعرفين عدد سنين حياتي، ابتسمت: بالتأكيد فأنت أصغر من ابنك بثلاث سنين، (دعك من المزاح، أجابتني لائمة، لقد بلغت العقد الخامس منذ أشهر، وها أنا أعيش هذه الفترة التي يفترض أن تكون مليئة بالفرح بشكل روتيني ممل) اعتقدت حينها أن حمى شديدة أصابتها، ها هي قد بدأت بالهذيان، عن أي روتين تتحدث، فبالكاد نراها أو نسمع صوتها فهي في شغل دائم ومتجدد، تارة تقف هنا وتارة نراها هناك، أو لعلي لم أفهم المعنى المقصود من قولها (بشكل روتيني ممل) أجبتها..مهلا مهلا ما الذي أصابك وحول أمرك باتجاه معاكس، نحن نشتكي دوما من انشغالك المستمر، وإدمانك على العمل ليل نهار، وكأنك تقتاتين عليه أو كأن أنفاسك ستتوقف لو لم تتناولي جرعات مكثفة منه، أم أنك ترغبين في تغيير مسار عملك، فلعل ذلك يضفي على حياتك رونق الشباب! عندها لم أسمع سوى صوت ضحكتي.. يظهر أني فشلت مجددا في تحويل مزاجها، كان لا بد أن أترك ما كنت بصدده لأجلس أمامها، ولأقول ما الذي أصابك؟ أين ابتسامتك التي عرفت بك وعرفت بها؟ أين بشاشة وجهك؟ قالت: أنا قابعة داخل غرفة جدرانها مملة، فكل من حولي يمرح ويداعب أصحاب الوجوه الصغيرة والابتسامات الصافية والخطوات المرحة، وأنا كما أنا محاطة بأبناء آمنوا أن الحياة تتطلب الكثير من الجد والعمل، وأنه لا مجال للتفكير حالياً في تكوين أسر وتحمل مسؤوليتها، وأن الوقت ما زال مبكرا، فأمامهم سنوات من العمل، لقد تحصنوا بعبارة : نحن لا نريد أن نظلم أحدا ،أو قولهم: نحن ما زلنا بصدد تكوين أنفسنا، فالارتباط أكبر بكثير من ورقة تربطنا بكيان جديد، إنها مسؤولية أجل وأعظم من أكتافنا التي لم تتكون بعد، أما البنات فقد اعتدن الاعتذار عن القبول، فالمعروض لا يتوافق مع المأمول، لقد اعتدن التحجج بالطلاق الآخذ في الازدياد حاليا، والرجولة على حسب قولهن آخذة في الاضمحلال، هذه هي حياتهم، وإن كنت أشكرهم لأنهم اعتادوا إكرامي بابتسامات تحاول أن تنسيني سنوات الانتظار التي طالت وأنا أراقب تحركات الأطفال على الطرقات!
من هن في سني يا صديقتي على الأغلب جدات، وأنا كما أنا أم لشباب اتفقوا أن الحياة لم تبدأ بعد، ولن تبدأ إلا بعد حين.. أما المشكلة الكبرى فهي أنهم يتخوفون من الارتباط بمن لا ينجذبون معهن فكريا، فالفكر على حد قولهم أهم من ملامح سرعان ما يعتاد الشخص عليها مهما كانت فائقة الجمال، هم يريدون الزواج من عقل يفهمونه ويفهمهم، فبالله عليك من أين لهم بهذا، وكيف لي أن أحقق هذه المعادلة الصعبة؟ ألا يحق لي القلق، فأنا لا أضمن البقاء ليوم أراهم حاملين أطفالهم؟ وهل هذا الحلم من السهولة بمكان؟ أما بناتي فحدث ولا حرج فهن أيضا يتطلعن لعقول تحترم عقولهن ولا تقبل عليهن لمظهرهن، عقول تقدر ملكاتهن العقلية والخلقية، لا الخلقية، فأشكالهن لا يد لهن فيها فهي نعمة من نعم الله عليهن، أما ملكاتهن العقلية والخلقية فقد بذلن بحمد الله الكثير لتنميتها، وبالتالي كيف لي أن أوصلهن لقناعة أن الراغب في الارتباط بهن جاء من باب التقدير لا من باب الإعجاب، لقد أصابني يا صديقتي الاكتئاب وبسبب ما جنته يداي، وها أنا أحصد ما زرعته لسنوات، وها هي الأيام تنبئني أني كنت مخطئة في منهاج تربيتي وتفكيري، فأبنائي وبناتي يخططون لحياتهم بشكل يخالف ما حلمت به، وها أنا أجر أقدامي في العقد الخامس وأنا لا أعلم هل سأجد قريبا بين يدي أحفادا أضحك لابتسامتهم ومداعبتهم أم أني سأبقى أتابع تحركات الأطفال كلما لاح لي خيال طفل!.
مع الأسف عجزت بل لم أتكمن من إجابتها بما يطيب خاطرها، فنحن في زمن اختلف كثيرا عما اعتدنا عليه في أيامنا، فالشباب اليوم يعيد التفكير مرارا وتكرارا قبل أن يخطو باتجاه الارتباط، فالفشل يلوح بيديه أمامهم، وقلة ذات اليد تهدد أحلامهم في تكوين أسرة سعيدة، وبالتالي نجدهم عازفين عن الزواج، مؤجلين التفكير فيه! لقد حاولت أن أصل بصديقتي لقناعة أن ما تعانينه أعانيه وتعانيه الكثير من الأمهات، لدرجة أن إحداهن قالت مازحه، لقد أعددنا امتحان (قدرات) للراغب في الارتباط بإحدى بناتي.. وآخر للفتاة التي نرغب في انضمامها لأسرتنا!
في الواقع أنا لا أعلم أين تقبع العواطف في هذه المعادلة الصعبة، فلم يعد الواحد منهم يتحدث عن العاطفة التي يأمل أن تتكون بينه وبين شريكة حياته، أوعن عدد أفراد أسرته التي يحلم بها، أم أن العواطف المزيفة المؤقتة شوهت روعة الارتباط الوجداني بين اثنين، وجعلت العقل هو الأساس الأوحد في الارتباط الناجح، ثم هل المشكلة فينا نحن الآباء أم في مجتمع أصبحنا فيه غرباء، أم في شبابنا الذين أصبحوا يتحدثون لغة لا نفهمها أو لا نرغب في فهمها؟!
حيرة امرأة في العقد الخامس
د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
أكاديمية سعودية .. جامعة الملك فيصل الدمام
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى