عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ليس خافيا أن إيراد القصة للدلالة منهج شرعي , ومسلك واضح سلكه القرآن في أكثر من موضع..وثمة أحاديث نبوية أيضا تجيء في السياق ذاته..إذ تشير إلى ملامح بعض القصص القرآني..أو تستشف العبر منه.. أو تهدف إلى لفت النظر له.
وهذا كله..إنما يُلفت الأنظار إلى أهمية القصة كوسيلة حيّة وفاعلة.. تملك القدرة على استثارة مكامن النفس البشرية..وتحريك دوافعها نحو الخير, أو صرفها عن الشر.
إلا أن مايحدث في الوقت الحاضر من تضخيم لدور (القصة العارضة) والاتكاء عليها عند إرادة تقديم ((فكرة أو تصوّر ما)) ضمن الأطروحات المعاصرة بتوجهاتها المختلفة! يبدو أمرا مقلقا ومخيفا، وهو مؤشر لخلل منهجي تعاني منه هذه الاطروحات التي يُنتظر منها تشكيل ثقافة متلقيها وإنارة عقولهم!
قد نتفهم لماذا تبدأ ((مجالس التسالي)) بالقصص وتنتهي بها، ولماذا يهتم بسطاؤها ومرتادوها بالقصص ويلجأون إليها! وقد نتفهم أيضا دواعي التجاوز الذي يحدث من ((مطوية ورقية صغيرة)) تتكئ على مضمون قصصي مستردي هش! أو من ((مجلة تافهة)) ترى في اللجوء لغرائب القصص وسيلة سريعة وناجحة..لرواج بضاعتها الكاسدة...!
غير أن الذي لانستطيع تفهمه ولاتجاوزه هو أطروحات النخب بمختلف انتماءاتها الفكرية... إذ باتت مثالا صارخا لهذا التوجه القصصي الجديد.. حتى وصل الأمر إلى مستوى الأزمة الحقيقية التي تعاني منها الجماهير بتأثير من قوّادها!
أزمة تكاد تلمسها مكتويا بنارها الحارقة.. وأنت تقرأ لمن يبدأ محاولاته في إقناع متلقيه –بحكم شرعي ما- نُص عليه بدليل، أو يعزز محاولاته هذه بمجموعة قصص يختارها من واقع الحياة، وينقلها بتفاصيلها. مكتفيا بها.. وراضيا باستثارتها لمشاعر الناس وحسب!
ليس خافيا أن إيراد قصة ما بهدف الإثارة ومن ثم الاعتبار مقصد محمود ليس ثمة تحفظات عليه، لكن التحفظ على المسلك القصصي ذاته؛ لأن انتهاجه بهذه الصورة النمطية الدائمة سيحدث مع الوقت تغييبا لفريضة الامتثال للدليل المجرد في أذهان الناشئة، وتزهيدا ضمنيا بقيمة التعلق بالنص الوارد لمجرد العلم به، وتجاهلا لضرورة التجرد للدليل والأخذ به، وإن لم توجد قصة تتوافق تفاصيلها المعاصرة مع مضامينه! ولهذا المعنى جاءت بعض الأحكام التشريعية ..غير واضحة الحكمة؛ لأن التسليم المطلق بها سيغنيك عن الحاجة للبحث في الحكمة منها!
أزمة تضع يدك على ملامحها المبعثرة.. فتستقر في حسك.. كلما قرأت لكاتب اجتماعي بارز..أو مثقف ما يجاهد في إيصال وإيضاح فكرة يؤمن بها.. أو عرض تصور يعتقد صحته.. أو انتقاد جهة معينة يرى خطأها.. فلا يجد آسفا إلا قصصا متتابعة.. تُسعفه ثقافته بها فتستهوي بعض الجماهير..لكنها أبدا لاتُثري أحدا منهم.. ولاتضيف له شيئا.
ولم تكن القصة –مهما تصل درجة جاذبيتها- شفيعا ولامبررا مقنعا لإطلالة الكاتب على جماهيره المتعطشة لمن يروي ظمأها بغير ماقصة!
خاصة أن الجماهير قد تجد مبتغاها وقد تشبع نهمها تجاه القصة في متابعة ((القصص المستقل)) الذي هو فن أدبي خاص له رواده ومتابعوه.
ولهذا أحسب جماهير اليوم ليسوا في حاجة ((للقصص العارض)) الذي لايثمر إلا حرمانها من إمكانية العثور على فكرة مجردة تتزود بها وتستفيد منها!
لست هنا في سياق استعراض القصص ذاتها. ولم يكن القصد التطرق للاعتبارات الكثيرة التي يُفترض أن يهتم بها موردوها من: تثبت، ودقة ، وإعراض عن الشاذ منها، وأخذ الحذر عند إرادة تفسير النتائج المترتبة عليها، أو الاجتهاد في تحديد أو اختزال أسبابها.
إنما هي إشارة عابرة للسيادة النسبية التي تمتاز بها القصة في فكر اليوم.. والاعتناء الضخم الذي تمنحه إياها بعض ((النخب)) مُساهمين في تشكيل ملامح ذهنية جماهير تعتبر القصص مطلبها الأوحد المُلح. تبحث عنه بلا كلل، وتُعلي من شأن صاحبه فقط.
لهذا نحن في انتظار انتفاضة النخب مجددا لإعادة تكوين الوعي القادم بالقصة العارضة، ودورها الذي يفترض أنه يبقى محدودا وإلا فإن ثقافتنا السائدة قد يغتالها مرض يُحكى أن...!
المصدر : الأسرة 124
ثقافة يُحكى أن......
فاطمة البطاح
وهذا كله..إنما يُلفت الأنظار إلى أهمية القصة كوسيلة حيّة وفاعلة.. تملك القدرة على استثارة مكامن النفس البشرية..وتحريك دوافعها نحو الخير, أو صرفها عن الشر.
إلا أن مايحدث في الوقت الحاضر من تضخيم لدور (القصة العارضة) والاتكاء عليها عند إرادة تقديم ((فكرة أو تصوّر ما)) ضمن الأطروحات المعاصرة بتوجهاتها المختلفة! يبدو أمرا مقلقا ومخيفا، وهو مؤشر لخلل منهجي تعاني منه هذه الاطروحات التي يُنتظر منها تشكيل ثقافة متلقيها وإنارة عقولهم!
قد نتفهم لماذا تبدأ ((مجالس التسالي)) بالقصص وتنتهي بها، ولماذا يهتم بسطاؤها ومرتادوها بالقصص ويلجأون إليها! وقد نتفهم أيضا دواعي التجاوز الذي يحدث من ((مطوية ورقية صغيرة)) تتكئ على مضمون قصصي مستردي هش! أو من ((مجلة تافهة)) ترى في اللجوء لغرائب القصص وسيلة سريعة وناجحة..لرواج بضاعتها الكاسدة...!
غير أن الذي لانستطيع تفهمه ولاتجاوزه هو أطروحات النخب بمختلف انتماءاتها الفكرية... إذ باتت مثالا صارخا لهذا التوجه القصصي الجديد.. حتى وصل الأمر إلى مستوى الأزمة الحقيقية التي تعاني منها الجماهير بتأثير من قوّادها!
أزمة تكاد تلمسها مكتويا بنارها الحارقة.. وأنت تقرأ لمن يبدأ محاولاته في إقناع متلقيه –بحكم شرعي ما- نُص عليه بدليل، أو يعزز محاولاته هذه بمجموعة قصص يختارها من واقع الحياة، وينقلها بتفاصيلها. مكتفيا بها.. وراضيا باستثارتها لمشاعر الناس وحسب!
ليس خافيا أن إيراد قصة ما بهدف الإثارة ومن ثم الاعتبار مقصد محمود ليس ثمة تحفظات عليه، لكن التحفظ على المسلك القصصي ذاته؛ لأن انتهاجه بهذه الصورة النمطية الدائمة سيحدث مع الوقت تغييبا لفريضة الامتثال للدليل المجرد في أذهان الناشئة، وتزهيدا ضمنيا بقيمة التعلق بالنص الوارد لمجرد العلم به، وتجاهلا لضرورة التجرد للدليل والأخذ به، وإن لم توجد قصة تتوافق تفاصيلها المعاصرة مع مضامينه! ولهذا المعنى جاءت بعض الأحكام التشريعية ..غير واضحة الحكمة؛ لأن التسليم المطلق بها سيغنيك عن الحاجة للبحث في الحكمة منها!
أزمة تضع يدك على ملامحها المبعثرة.. فتستقر في حسك.. كلما قرأت لكاتب اجتماعي بارز..أو مثقف ما يجاهد في إيصال وإيضاح فكرة يؤمن بها.. أو عرض تصور يعتقد صحته.. أو انتقاد جهة معينة يرى خطأها.. فلا يجد آسفا إلا قصصا متتابعة.. تُسعفه ثقافته بها فتستهوي بعض الجماهير..لكنها أبدا لاتُثري أحدا منهم.. ولاتضيف له شيئا.
ولم تكن القصة –مهما تصل درجة جاذبيتها- شفيعا ولامبررا مقنعا لإطلالة الكاتب على جماهيره المتعطشة لمن يروي ظمأها بغير ماقصة!
خاصة أن الجماهير قد تجد مبتغاها وقد تشبع نهمها تجاه القصة في متابعة ((القصص المستقل)) الذي هو فن أدبي خاص له رواده ومتابعوه.
ولهذا أحسب جماهير اليوم ليسوا في حاجة ((للقصص العارض)) الذي لايثمر إلا حرمانها من إمكانية العثور على فكرة مجردة تتزود بها وتستفيد منها!
لست هنا في سياق استعراض القصص ذاتها. ولم يكن القصد التطرق للاعتبارات الكثيرة التي يُفترض أن يهتم بها موردوها من: تثبت، ودقة ، وإعراض عن الشاذ منها، وأخذ الحذر عند إرادة تفسير النتائج المترتبة عليها، أو الاجتهاد في تحديد أو اختزال أسبابها.
إنما هي إشارة عابرة للسيادة النسبية التي تمتاز بها القصة في فكر اليوم.. والاعتناء الضخم الذي تمنحه إياها بعض ((النخب)) مُساهمين في تشكيل ملامح ذهنية جماهير تعتبر القصص مطلبها الأوحد المُلح. تبحث عنه بلا كلل، وتُعلي من شأن صاحبه فقط.
لهذا نحن في انتظار انتفاضة النخب مجددا لإعادة تكوين الوعي القادم بالقصة العارضة، ودورها الذي يفترض أنه يبقى محدودا وإلا فإن ثقافتنا السائدة قد يغتالها مرض يُحكى أن...!
المصدر : الأسرة 124
ثقافة يُحكى أن......
فاطمة البطاح
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى