عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
أحيانا : تسمع عن فتاة صالحة مصلحة ، كانت شعلةً من نشاط ، يجري حب العمل لدين الله في عروقها ، ويمتلىء فؤادها الغض حباً ورغبةً للدعوة إلى ربها ، تتحرق لمصائب الأمة وتهتم بالإصلاح وتفكر فيه وتنشغل به .
ولكن ...
حينما تضرب الدفوف معلنةً زواج هذه الفتاة ، لابد وأن تُعلن معها نهاية الحلقة الأخيرة من سلسلة نشاط هذه الفتاة وحماسها وهمتها في غالب الأحيان .
فينتهي مع زواجها كل شيء يتعلق بماضيها الطيب ودعوتها الخيّرة ، وكأن تراب النسيان قد أُهيل على دعوتها ووعيها ، فأصبح ماضياً لا يخطر على بالها منه شيء ، اللهم إلا ذكريات حلوة ! ترددها بين حين وآخر ... كنت وكنت ! ! .
أما لماذا تبدل الحال وأصبح زواجها من (الصالح الخيّر) ! حلقة أخيرة في سلسلة نشاطها وهمتها ؟ !
فذاك سؤال تطول الإجابة عليه ، بيد أني على أي حال سوف أختصر الحديث في نقطتين أحسبهما داءً يحتاج منا إلى دواء ، ولا أزعم مع هذا ، أني سأوفيهما حقهما من الإيضاح ، لكن عسى أن تكون هذه الأسطر إشارة ضوء لمن يستطيع المعالجة .
قعيدة البيت ! !
ثمة رجال ، لا يرون المرأة إلا قعيدة بيت ينبغي ألا يرقى تفكيرها عن شؤون المنزل ، ولاتخرج همتها وهمومها عن دائرة تلميع الحذاء ، وكي الثوب ! ! .
وربما عاب » هؤلاء « ونقدوا كل من أعطى زوجته من وقته ، فحدثها عن قضايا تتعلق بحال الأمة ومآسيها ومصائبها ومكر أعدائها ، ويحسب هؤلاء أن إدخال المرأة في مثل هذه الأمور ضرباً من ضروب تضييع الوقت ، وتشتيت الجهود !
متى يُدرك هؤلاء أن المرأة وإن كانت » قعيدة البيت « جسمياً ! فليس ضروريّاً أن تكون قعيدته فكراً وحسّاً ؟ ! .
وهي المرأة التي كرمها ربها بالعقل ، وأعزها بالدين ، وأنقذها من براثن الجاهلية وذلها ! .
ووالله إنه ليحزنك ويحز في نفسك ، عندما تتحدث إحدى زوجات بعض الصالحين الأخيار عن قضايا مهمة علقت على حبالها رقاب أبناء الأمة ! وأُهدرت بذلك عزتها قبل ثرواتها ، تكتشف بمرارة ! أن هذه المرأة لا تعي شيئاً من ذلك فضلاً عن أن تعي أبعاد هذه الأمور ومسبباتها .
لا أدري لماذا يسعى هؤلاء إلى إبعاد المرأة عن عالمهم ؟ ! ولماذا لا يحاولون تعليمها ، وزرع حب الدين في قلبها ، وإنماء فكرها ووعيها ؟ !
قال (عليه الصلاة السلام) في حديث صحيح : » ياعائشة لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة ، فجعلت لها بابين : باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه « [1].
ترى ما صلة عائشة وهي امرأة جليلة قعيدة بيت بالتغيير الذي هم الرسول بإحداثه في الكعبة ؟ !
إذ لو كان الأمر بيتيّاً أو على الأقل نسائياً لما تعجبت !
لكن أن يتحدث نبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الأمة ومصباح الدجى فيها ومرشدها وإمامها وعالمها مع امرأة في أمر قد يظن بعضهم أنه لا صلة لها به ، فإن هذا والله هو التربية !
وهذا والله هو المربي الذي يريد أن يرتفع بهموم نسائه وهمتهن ؛ لتناطح السحاب بسموها علواً ورفعة ! !
ولن نعجب بعد هذا إذا علمنا أن هذه (المرأة » قد أصبحت بعد وفاة زوجها ومعلمها عالمةً يرجع إليها الصحابة فيما أشكل عليهم ؛ قال أبو موسى (رضي الله عنه » : » ما أُشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً « ! .
وكانت (رضي الله عنها) تمارس لوناً من النقد والرد على بعض اجتهادات الصحابة علانية ؛ مما جعل الإمام الزركشي يجمع انتقاداتها لبعض فتاوى الصحابة في كتاب أسماه : (الإجابة في إيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) [*] .
أما أن يترك الرجل الصالح زوجته في واد ، ويبقي هو وهمومه ونشاطه ودعوته في وادٍ آخر ! فلتترحم الأمة على إحدى فتياتها المتوفيات ! !
ضيق الخِناق :
ثمة رجال أخيار يعنيهم أمر الأمة وصلاح نسائها ، وقد تجد أحدهم جادّاً في تربية زوجته وإعانتها على أمور دينها ، وزرع الحماس في قلبها للعمل الخيّر والدعوة بين صفوف النساء !
لكنك مع ذلك تراه وقد ضيق الخِناق الدعوي على زوجته ، فيرى مثلاً أنه لا داعي لخروجها مع قدرتها وتوفر إمكاناتها لإقامة درس أو إلقاء موعظة ، أو حتى الاشتغال بإعداد موضوع مفيد أو كتابة مقالٍ هادف !
أما لماذا ؟ ! فذاك أحسبه راجع لسببين :
(أ) إما عدم وجود رغبه لديه للتضحية والإيثار بالذات ، مع علمنا أن اشتغال المرأة بالدعوة والتحصيل والطلب ربما تعارض مع بعض شؤونها البيتية !
وهنا لا بد لهذه المعضلة (عدم التوافق) من حلول يشترك في صناعتها الطرفان :
الرجل والمرأة مع يقيني أن في حديث الرسول (عليه الصلاة السلام) الذي رواه البخاري » سددوا وقاربوا « نور لمن أراد أن يستضيء به !
(ب) وإما مراعاة منه أو تماشياً مع بعض العادات الاجتماعية التي نشأ عليها ؛ إذ يخاف مثلاً أن يُعاب عليه نشاط زوجته الدعوي ، أو ذكر اسمها في المجالس ، أو ترديد بعض كلامها المنشور أو المسموع .
ولو تأمل لوجد أن الرسول (عليه الصلاة والسلام) صدع ببعض المبادىء على ما فيها من مخالفة لمألوف قومه ومعهودهم ! ؛ فلم يكتف الرسول (عليه الصلاة والسلام) مثلاً بوضع ابنته الصغيرة في حجره ، إنما تعدى ذلك إلى أن يحمل بنات الناس ، فما أن تولد البنت إلا ويهرع بها أهلها إليه ، ليضعها في حجره . ويدعو لها بالبركة ! [2].
يفعل ذلك أمام جمع غفير من الناس ، متحدياً ومخالفاً تقاليد البيئة التي يستحي الإنسان فيها أن يُرزق أنثى ! فضلاً عن النطق باسمها أو التلطف معها والتودد إليها!.
وكم يأخذك العجب إذا رأيت بعضاً من ناشطات زوجات أو بنات أولئك الذين يتحدون نقاء المجتمع ، فيرفعون بقولهم أو فعلهم رايات التخريب والعلمنة والفساد في الأرض ! فكم تحمّل هذا أو تلك تبعات مجاهرة ابنته أو زوجتهِ بفسادها وخُبث طويتها على صفحات الجرائد والمجلات .
أتظنون المرأة التي خرجت من بين صفوف نسائنا ، لتعلن على الملأ أن الحجاب من مخلفات عهد التخلف والظلام ! أتظنون هذه تسير وحدها ، ولايوجد خلف ظهرها وليّ : أب ، أو زوج يسندها ويقوي عزيمتها ! !
قبل النهاية :
أحسب والله أعلم أنه أصبح وجود المرأة الداعية من متطلبات هذه المرحلة التي تعيشها الأمة وتمر بها ! ، كما أحسب أيضاً أن المرأة الداعية هي أحوج الناس إلى التربية الجادة والمستمرة !
وإلا فستفتح عينيها يوما لتكتشف أنها أصبحت متداعية لا داعية ! .
------------------------
(1) أرجوا ألا يشم بعضهم من هذه الأسطر رائحة هجوم على مكوث المرأة في بيتها ! إذ إني للإشارة فقط ما زلت أحفظ وأعي قول الله (تعالى) : ] وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [ [الأحزاب : 33] ! .
(2) أخرجه : البخاري في كتاب الحج ، فضل مكة وبنيانها ، وكذلك مسلم في كتاب الحج ، باب جدر الكعبة وبابها .
(*) هذا الكتاب مطبوع بعناية وتحقيق الشيخ سعيد الأفغاني .
المصدر : مجلة البيان
الحلقة الأخيرة
فاطمة البطاح
ولكن ...
حينما تضرب الدفوف معلنةً زواج هذه الفتاة ، لابد وأن تُعلن معها نهاية الحلقة الأخيرة من سلسلة نشاط هذه الفتاة وحماسها وهمتها في غالب الأحيان .
فينتهي مع زواجها كل شيء يتعلق بماضيها الطيب ودعوتها الخيّرة ، وكأن تراب النسيان قد أُهيل على دعوتها ووعيها ، فأصبح ماضياً لا يخطر على بالها منه شيء ، اللهم إلا ذكريات حلوة ! ترددها بين حين وآخر ... كنت وكنت ! ! .
أما لماذا تبدل الحال وأصبح زواجها من (الصالح الخيّر) ! حلقة أخيرة في سلسلة نشاطها وهمتها ؟ !
فذاك سؤال تطول الإجابة عليه ، بيد أني على أي حال سوف أختصر الحديث في نقطتين أحسبهما داءً يحتاج منا إلى دواء ، ولا أزعم مع هذا ، أني سأوفيهما حقهما من الإيضاح ، لكن عسى أن تكون هذه الأسطر إشارة ضوء لمن يستطيع المعالجة .
قعيدة البيت ! !
ثمة رجال ، لا يرون المرأة إلا قعيدة بيت ينبغي ألا يرقى تفكيرها عن شؤون المنزل ، ولاتخرج همتها وهمومها عن دائرة تلميع الحذاء ، وكي الثوب ! ! .
وربما عاب » هؤلاء « ونقدوا كل من أعطى زوجته من وقته ، فحدثها عن قضايا تتعلق بحال الأمة ومآسيها ومصائبها ومكر أعدائها ، ويحسب هؤلاء أن إدخال المرأة في مثل هذه الأمور ضرباً من ضروب تضييع الوقت ، وتشتيت الجهود !
متى يُدرك هؤلاء أن المرأة وإن كانت » قعيدة البيت « جسمياً ! فليس ضروريّاً أن تكون قعيدته فكراً وحسّاً ؟ ! .
وهي المرأة التي كرمها ربها بالعقل ، وأعزها بالدين ، وأنقذها من براثن الجاهلية وذلها ! .
ووالله إنه ليحزنك ويحز في نفسك ، عندما تتحدث إحدى زوجات بعض الصالحين الأخيار عن قضايا مهمة علقت على حبالها رقاب أبناء الأمة ! وأُهدرت بذلك عزتها قبل ثرواتها ، تكتشف بمرارة ! أن هذه المرأة لا تعي شيئاً من ذلك فضلاً عن أن تعي أبعاد هذه الأمور ومسبباتها .
لا أدري لماذا يسعى هؤلاء إلى إبعاد المرأة عن عالمهم ؟ ! ولماذا لا يحاولون تعليمها ، وزرع حب الدين في قلبها ، وإنماء فكرها ووعيها ؟ !
قال (عليه الصلاة السلام) في حديث صحيح : » ياعائشة لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة ، فجعلت لها بابين : باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه « [1].
ترى ما صلة عائشة وهي امرأة جليلة قعيدة بيت بالتغيير الذي هم الرسول بإحداثه في الكعبة ؟ !
إذ لو كان الأمر بيتيّاً أو على الأقل نسائياً لما تعجبت !
لكن أن يتحدث نبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الأمة ومصباح الدجى فيها ومرشدها وإمامها وعالمها مع امرأة في أمر قد يظن بعضهم أنه لا صلة لها به ، فإن هذا والله هو التربية !
وهذا والله هو المربي الذي يريد أن يرتفع بهموم نسائه وهمتهن ؛ لتناطح السحاب بسموها علواً ورفعة ! !
ولن نعجب بعد هذا إذا علمنا أن هذه (المرأة » قد أصبحت بعد وفاة زوجها ومعلمها عالمةً يرجع إليها الصحابة فيما أشكل عليهم ؛ قال أبو موسى (رضي الله عنه » : » ما أُشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً « ! .
وكانت (رضي الله عنها) تمارس لوناً من النقد والرد على بعض اجتهادات الصحابة علانية ؛ مما جعل الإمام الزركشي يجمع انتقاداتها لبعض فتاوى الصحابة في كتاب أسماه : (الإجابة في إيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) [*] .
أما أن يترك الرجل الصالح زوجته في واد ، ويبقي هو وهمومه ونشاطه ودعوته في وادٍ آخر ! فلتترحم الأمة على إحدى فتياتها المتوفيات ! !
ضيق الخِناق :
ثمة رجال أخيار يعنيهم أمر الأمة وصلاح نسائها ، وقد تجد أحدهم جادّاً في تربية زوجته وإعانتها على أمور دينها ، وزرع الحماس في قلبها للعمل الخيّر والدعوة بين صفوف النساء !
لكنك مع ذلك تراه وقد ضيق الخِناق الدعوي على زوجته ، فيرى مثلاً أنه لا داعي لخروجها مع قدرتها وتوفر إمكاناتها لإقامة درس أو إلقاء موعظة ، أو حتى الاشتغال بإعداد موضوع مفيد أو كتابة مقالٍ هادف !
أما لماذا ؟ ! فذاك أحسبه راجع لسببين :
(أ) إما عدم وجود رغبه لديه للتضحية والإيثار بالذات ، مع علمنا أن اشتغال المرأة بالدعوة والتحصيل والطلب ربما تعارض مع بعض شؤونها البيتية !
وهنا لا بد لهذه المعضلة (عدم التوافق) من حلول يشترك في صناعتها الطرفان :
الرجل والمرأة مع يقيني أن في حديث الرسول (عليه الصلاة السلام) الذي رواه البخاري » سددوا وقاربوا « نور لمن أراد أن يستضيء به !
(ب) وإما مراعاة منه أو تماشياً مع بعض العادات الاجتماعية التي نشأ عليها ؛ إذ يخاف مثلاً أن يُعاب عليه نشاط زوجته الدعوي ، أو ذكر اسمها في المجالس ، أو ترديد بعض كلامها المنشور أو المسموع .
ولو تأمل لوجد أن الرسول (عليه الصلاة والسلام) صدع ببعض المبادىء على ما فيها من مخالفة لمألوف قومه ومعهودهم ! ؛ فلم يكتف الرسول (عليه الصلاة والسلام) مثلاً بوضع ابنته الصغيرة في حجره ، إنما تعدى ذلك إلى أن يحمل بنات الناس ، فما أن تولد البنت إلا ويهرع بها أهلها إليه ، ليضعها في حجره . ويدعو لها بالبركة ! [2].
يفعل ذلك أمام جمع غفير من الناس ، متحدياً ومخالفاً تقاليد البيئة التي يستحي الإنسان فيها أن يُرزق أنثى ! فضلاً عن النطق باسمها أو التلطف معها والتودد إليها!.
وكم يأخذك العجب إذا رأيت بعضاً من ناشطات زوجات أو بنات أولئك الذين يتحدون نقاء المجتمع ، فيرفعون بقولهم أو فعلهم رايات التخريب والعلمنة والفساد في الأرض ! فكم تحمّل هذا أو تلك تبعات مجاهرة ابنته أو زوجتهِ بفسادها وخُبث طويتها على صفحات الجرائد والمجلات .
أتظنون المرأة التي خرجت من بين صفوف نسائنا ، لتعلن على الملأ أن الحجاب من مخلفات عهد التخلف والظلام ! أتظنون هذه تسير وحدها ، ولايوجد خلف ظهرها وليّ : أب ، أو زوج يسندها ويقوي عزيمتها ! !
قبل النهاية :
أحسب والله أعلم أنه أصبح وجود المرأة الداعية من متطلبات هذه المرحلة التي تعيشها الأمة وتمر بها ! ، كما أحسب أيضاً أن المرأة الداعية هي أحوج الناس إلى التربية الجادة والمستمرة !
وإلا فستفتح عينيها يوما لتكتشف أنها أصبحت متداعية لا داعية ! .
------------------------
(1) أرجوا ألا يشم بعضهم من هذه الأسطر رائحة هجوم على مكوث المرأة في بيتها ! إذ إني للإشارة فقط ما زلت أحفظ وأعي قول الله (تعالى) : ] وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [ [الأحزاب : 33] ! .
(2) أخرجه : البخاري في كتاب الحج ، فضل مكة وبنيانها ، وكذلك مسلم في كتاب الحج ، باب جدر الكعبة وبابها .
(*) هذا الكتاب مطبوع بعناية وتحقيق الشيخ سعيد الأفغاني .
المصدر : مجلة البيان
الحلقة الأخيرة
فاطمة البطاح
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى