عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
دخلت شذا إلى البيت في ذلك اليوم الصيفي وهي تحمل بيدها كيسا تحاول أن تخفيه وراء ظهرها كي لا تراه أمها فتسألها عما فيه ... ولكن محاولتها باءت بالفشل فقد لاحظت الأم الكيس و بادرت ابنتها بالقول: خير إن شاء الله، ماذا تخفين هذه المرة، أيضا بعض الثياب وادوات الزينة ؟ إلى متى ستستمرين في تبذير الأموال؟ سأخبر والدك حتى يقطع عنك المصروف ... أنت لا تقدرين النعمة التي انعمها الله عليك، انظري إلى غيرك ... انظري إلى رفيقاتك المحرومات من هذه النعمة، ومع ذلك هن متفوقات في المدرسة ... ؟
- أمي ، ارجوك لا تعيدي الاسطوانة نفسها؟ فلقد حفظتها ؟ هن مجتهدات وانا كسولة ، هذا ما تقصدينه ... طيب ، وبعد؟
- طبعا , وبعد، الكلام لا يهمك، ستبقين دوما آخر الناس ، طالما أنت تضيعين أوقاتك على قراءة القصص الخيالية الوهمية ... لم تخبرييني ماذا في الكيس؟
- لا شيء ... لا شيء...
- لا شيء ... اعطني هذا الكيس... إنها قصص ... قصص من جديد يا شذا ... متى ستعيشين على ارض الواقع، ماذا تريدين أن تصبحي ... كاتبة ... روائية ... ماذا؟ وهل تستطيعين ان تؤمني معيشتك مستقبلا بهذا الأمر ... افيقي يا حبيبتي ، أفيقي من حلمك ... وانتبهي لدراستك حتى تأخذي الشهادة الجامعية التي تحميك من غدر الزمان ...
- انا احب الكتابة والقراءة، حتى لو دخلت إلى الجامعة فسأختار الفرع الأدبي، لا اريد أن أكون مهندسة ولا طبيبة ... أريد ان اكون كاتبة ...
- كاتبة ؟! طبعا كاتبة. وستصبحين مشهورة أيضا, ويشار إليك بالبنان!!ويقال عنك هذه فلانة الكاتبة المشهورة!! وستتنعمين بالمال والجاه .. كاتبة؟! ... الله يهديك يا ابنتي ..
**********
دخلت شذا غرفتها وهي تتألم من كلام أمها الجارح، وجلست على سريرها تبكي وتتذكر لحظات الماضي المؤلمة التي عانت فيها من كلام أمها ، وكيف كانت تمنعها من شراء القصص والروايات ، و كانت إذا رأتها تكتب في أوقات الفراغ تبادرها بأخذ الورقة من بين يديها وتحثها على القيام بأي شيء آخر ...
بقيت شذا سارحة في أفكارها تتذكر سنوات الألم مع أنها لم تتجاوز السابعة عشر من عمرها، وحاولت وهي تتذكر ماضيها البحث لأمها عن مبررات لتصرفاتها، وصارت تكلم نفسها بصوت عال وتقول:
" أمي امرأة طيبة وحنونة، وهي لم تميز في المعاملة بيني وبين اخوتي، وهي تعامل الجميع على هذا النحو، حتى أختي منى التي تحبها جدا كانت تمنعها من ممارسة هواية الخياطة ، فكثيرا ما كانت تجلب منى المجلات والأقمشة كي تتعلم هذه المهنة، ولكن أمي لم تسمح لها بذلك ، حتى أنها كانت تمنعها من استخدام المقص والأبرة خوفا على الأرض من أن تتسخ وتمتلئ بالخيوط، لذلك كثيراً ما كانت منى تغضب وترمي المجلات والأقمشة في سلة المهملات ...
صحيح... ولكن لا يجب أن أنسى بأن أمي لم تفعل ذلك عن سوء نية بل إنها ككل أم ترغب بأن أكون وأخوتي ناجحين متميزين بين اقراننا، وهي لا تريد أن يكون أبناء الجيران افضل منا ... لذلك فهي كانت ومنذ الصغر تتشدد في فرض القوانين علينا، وتمنعنا من الاختلاط بالآخرين وتكوين الصداقات ، وتحرمنا من اللعب وإضاعة الوقت، وكانت تنعتنا بصفات الفشل والكسل في حال قصرنا قليلاً في الدراسة، وكانت كثيرا ما تعيرنا أمام الآخرين بهذا الفشل ...
مسكينة امي، فأنا اعذرها، فإن كل جهودها ذهبت سدى، فمع كل ما فعلته لم تنجح في تحقيق ما تبتغيه، فها هي أختي الكبيرة تخرجت السنة الماضية من معهد التمريض بعد أن فشلت في ان تكون طبيبة ، أما اختي منى فقد اصرت على دخول معهداً لتصميم الأزياء وهي تنوي الآن فتح متجرها الخاص ... وانا ماذا أفعل ؟... أمي تريدنني أن أحقق حلمها وان اكون طبيبة او مهندسة، وانا احب الأدب ، ماذا افعل يا ربي؟؟؟" ...
*******
بقيت الأفكار تأتي وتذهب في ذهن شذا إلى ان دخل وقت صلاة المغرب، فقامت وتوضأت وصلت ودعت الله سبحانه وتعالى أن ينور طريقها، ولما انتهت من صلاتها فتحت مجلة " الأدب الإسلامي" التي جلبتها معها ، وبدأت بتصفحها، ففوجئت بالقصة التي ارسلتها إلى إدارة المجلة عبر النت منذ أشهر تفوز بجائزة أفضل قصة ...
قفزت شذا من الفرح، وأخذت الهاتف لتتصل بأخوتها وصديقاتها تخبرهم بالخبر، وتتلقى التهاني منهن ... وشعرت بعد ان انهت اتصالاتها بأن من واجبها اخبار امها حتى لا تسمع النبأ من أحد فتحزن لأن ابنتها لم تخبرها بنفسها . فاسرعت بدون تفكير إلى امها وقالت لها : امي ... امي انظري ... لقد فزت بالجائزة الأولى ... نظرت الأم إلى المجلة المفتوحة امامها بشكل لا مبال ، وقالت لابنتها : سعيدة جداً ؟!، يا فرحتي .. وهل ستكونين أفضل من أخواتك... عليه العوض ومنه العوض ... اذهبي يا ابنتي ... الله يهديك ... الله يهديك... حسبي الله ونعم الوكيل .
اخذت شذا المجلة من امها وعادت إلى غرفتها تجر ذيول الخيبة والأسى ، ولم تشعر بنفسها إلا والدموع قد غطت وجهها قاطعة بذلك بهجتها وفرحتها ... ولكنها انتفضت بسرعة ومسحت دموعها وأخذت المجلة الملقاة على السرير وضمتها إلى صدرها بقوة وإصرار وعزم وخاطبت نفسها قائلة: " ساثبت لك يا أمي من هي شذا ... لقد اخترت طريقي يا أمي ... وسأعمل جاهدة حتى أصبح "ممن يشار إليهم بالبنان " .
شذا... الكاتبة المشهورة
د. نهى عدنان قاطرجي
دخلت شذا إلى البيت في ذلك اليوم الصيفي وهي تحمل بيدها كيسا تحاول أن تخفيه وراء ظهرها كي لا تراه أمها فتسألها عما فيه ... ولكن محاولتها باءت بالفشل فقد لاحظت الأم الكيس و بادرت ابنتها بالقول: خير إن شاء الله، ماذا تخفين هذه المرة، أيضا بعض الثياب وادوات الزينة ؟ إلى متى ستستمرين في تبذير الأموال؟ سأخبر والدك حتى يقطع عنك المصروف ... أنت لا تقدرين النعمة التي انعمها الله عليك، انظري إلى غيرك ... انظري إلى رفيقاتك المحرومات من هذه النعمة، ومع ذلك هن متفوقات في المدرسة ... ؟
- أمي ، ارجوك لا تعيدي الاسطوانة نفسها؟ فلقد حفظتها ؟ هن مجتهدات وانا كسولة ، هذا ما تقصدينه ... طيب ، وبعد؟
- طبعا , وبعد، الكلام لا يهمك، ستبقين دوما آخر الناس ، طالما أنت تضيعين أوقاتك على قراءة القصص الخيالية الوهمية ... لم تخبرييني ماذا في الكيس؟
- لا شيء ... لا شيء...
- لا شيء ... اعطني هذا الكيس... إنها قصص ... قصص من جديد يا شذا ... متى ستعيشين على ارض الواقع، ماذا تريدين أن تصبحي ... كاتبة ... روائية ... ماذا؟ وهل تستطيعين ان تؤمني معيشتك مستقبلا بهذا الأمر ... افيقي يا حبيبتي ، أفيقي من حلمك ... وانتبهي لدراستك حتى تأخذي الشهادة الجامعية التي تحميك من غدر الزمان ...
- انا احب الكتابة والقراءة، حتى لو دخلت إلى الجامعة فسأختار الفرع الأدبي، لا اريد أن أكون مهندسة ولا طبيبة ... أريد ان اكون كاتبة ...
- كاتبة ؟! طبعا كاتبة. وستصبحين مشهورة أيضا, ويشار إليك بالبنان!!ويقال عنك هذه فلانة الكاتبة المشهورة!! وستتنعمين بالمال والجاه .. كاتبة؟! ... الله يهديك يا ابنتي ..
**********
دخلت شذا غرفتها وهي تتألم من كلام أمها الجارح، وجلست على سريرها تبكي وتتذكر لحظات الماضي المؤلمة التي عانت فيها من كلام أمها ، وكيف كانت تمنعها من شراء القصص والروايات ، و كانت إذا رأتها تكتب في أوقات الفراغ تبادرها بأخذ الورقة من بين يديها وتحثها على القيام بأي شيء آخر ...
بقيت شذا سارحة في أفكارها تتذكر سنوات الألم مع أنها لم تتجاوز السابعة عشر من عمرها، وحاولت وهي تتذكر ماضيها البحث لأمها عن مبررات لتصرفاتها، وصارت تكلم نفسها بصوت عال وتقول:
" أمي امرأة طيبة وحنونة، وهي لم تميز في المعاملة بيني وبين اخوتي، وهي تعامل الجميع على هذا النحو، حتى أختي منى التي تحبها جدا كانت تمنعها من ممارسة هواية الخياطة ، فكثيرا ما كانت تجلب منى المجلات والأقمشة كي تتعلم هذه المهنة، ولكن أمي لم تسمح لها بذلك ، حتى أنها كانت تمنعها من استخدام المقص والأبرة خوفا على الأرض من أن تتسخ وتمتلئ بالخيوط، لذلك كثيراً ما كانت منى تغضب وترمي المجلات والأقمشة في سلة المهملات ...
صحيح... ولكن لا يجب أن أنسى بأن أمي لم تفعل ذلك عن سوء نية بل إنها ككل أم ترغب بأن أكون وأخوتي ناجحين متميزين بين اقراننا، وهي لا تريد أن يكون أبناء الجيران افضل منا ... لذلك فهي كانت ومنذ الصغر تتشدد في فرض القوانين علينا، وتمنعنا من الاختلاط بالآخرين وتكوين الصداقات ، وتحرمنا من اللعب وإضاعة الوقت، وكانت تنعتنا بصفات الفشل والكسل في حال قصرنا قليلاً في الدراسة، وكانت كثيرا ما تعيرنا أمام الآخرين بهذا الفشل ...
مسكينة امي، فأنا اعذرها، فإن كل جهودها ذهبت سدى، فمع كل ما فعلته لم تنجح في تحقيق ما تبتغيه، فها هي أختي الكبيرة تخرجت السنة الماضية من معهد التمريض بعد أن فشلت في ان تكون طبيبة ، أما اختي منى فقد اصرت على دخول معهداً لتصميم الأزياء وهي تنوي الآن فتح متجرها الخاص ... وانا ماذا أفعل ؟... أمي تريدنني أن أحقق حلمها وان اكون طبيبة او مهندسة، وانا احب الأدب ، ماذا افعل يا ربي؟؟؟" ...
*******
بقيت الأفكار تأتي وتذهب في ذهن شذا إلى ان دخل وقت صلاة المغرب، فقامت وتوضأت وصلت ودعت الله سبحانه وتعالى أن ينور طريقها، ولما انتهت من صلاتها فتحت مجلة " الأدب الإسلامي" التي جلبتها معها ، وبدأت بتصفحها، ففوجئت بالقصة التي ارسلتها إلى إدارة المجلة عبر النت منذ أشهر تفوز بجائزة أفضل قصة ...
قفزت شذا من الفرح، وأخذت الهاتف لتتصل بأخوتها وصديقاتها تخبرهم بالخبر، وتتلقى التهاني منهن ... وشعرت بعد ان انهت اتصالاتها بأن من واجبها اخبار امها حتى لا تسمع النبأ من أحد فتحزن لأن ابنتها لم تخبرها بنفسها . فاسرعت بدون تفكير إلى امها وقالت لها : امي ... امي انظري ... لقد فزت بالجائزة الأولى ... نظرت الأم إلى المجلة المفتوحة امامها بشكل لا مبال ، وقالت لابنتها : سعيدة جداً ؟!، يا فرحتي .. وهل ستكونين أفضل من أخواتك... عليه العوض ومنه العوض ... اذهبي يا ابنتي ... الله يهديك ... الله يهديك... حسبي الله ونعم الوكيل .
اخذت شذا المجلة من امها وعادت إلى غرفتها تجر ذيول الخيبة والأسى ، ولم تشعر بنفسها إلا والدموع قد غطت وجهها قاطعة بذلك بهجتها وفرحتها ... ولكنها انتفضت بسرعة ومسحت دموعها وأخذت المجلة الملقاة على السرير وضمتها إلى صدرها بقوة وإصرار وعزم وخاطبت نفسها قائلة: " ساثبت لك يا أمي من هي شذا ... لقد اخترت طريقي يا أمي ... وسأعمل جاهدة حتى أصبح "ممن يشار إليهم بالبنان " .
شذا... الكاتبة المشهورة
د. نهى عدنان قاطرجي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى