عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
مرحبا قومي .. أما زلتم تذكرونني ؟!
لعلّكم انشغلتم بقهوة الصباح وصحف الصباح والأحداث الحاليّة عن ذكرياتنا السالفة سويّا ، حسناً ،، لكم ذلك .. لكنّي أترقّب دعوات السحر .. لن أعفيكم !
أمّا أنا ، في هذا القفص البغيض ، فقد مللتُ لون لباسي البرتقالي ، لم يعد يستهويني ؛ ليتهم يغيرونه إلى لون تفاحي فاتح ، كما أتمنى أن يقدموا مع إفطار الصباح شوكولا محشوة بالفستق !
هل أبدو مترفاً ؟! هه .. إنّ ما ذكرته صار ضرباً من الأحلام السعيدة ، بل حتّى الأحلام حُجبتْ عنّا بالكوابيس ، رغمّ أنّ الشوكولا " الحلم " بين أيديكم الآن وأنت تقرأون فضفضتي هذه ! أوه يا صحبي .. كنتُ أسخر فقط ، ليتهم يدعونني أصلّي !!
هنا .. تحتَ وطأة الألم ، ووحشة الغربة ، وقسوة جفاء القريب ، وجور بعيد ليس مشفقاً من خشية ربّه ، أقبعُ أمامهم صامتاً ، ذليلاً في أعينهم ، عزيزٌ في عينيّ ، أترقبّ انبلاج الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر حينما اشتد غلس أيّامي !
يبدأ صباحنا بصرخة علجٍ حليق ، فأترنّح مكبلاً بسلاسلهم ، كأنّما يخشون أنّ أفرّ من أقفاصهم ، فزادوا حيطتهم بأنّ ربطوني بسلسلة ذرعها سبعون ذراعاً ، لأنّي أؤمن بالله العظيم وأحضّ على خصام الكافرين ، لذلك .. فليس لي اليوم هاهنا حميم .. ولا طعام إلا من غسلين .. لا يأكله إلا المسلمون !!
ورغمَ الحراسة الأمنية المشددة، إلاّ أنّ الله قذف في قلوبهم الرعب ، إذ ينظرون إلينا تدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا غبنا عنهم وذهب الخوف سَلَقُونا بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ..
ويمضي نهاري، وهم يسومونني سوء العذاب ، لم تعد ركلاتهم موجعة ، بل الوجع _ كلّ الوجع _ إذا غضبَ مني قائدهم ، فحينها أترحم على نفسي وأتدثر بكفن الصبر ، إذ ستنهال الأسواط عليّ مغلفّة بغلاف الحقد والضغينة والبغضاء !
وحين أتضوّر جوعاً تحتَ لهيب السوط ، وحينَ يشتدّ أنيني ، يرمونني كخرقة بالية ، ويأتون بفتات وكسر خبزٍ توغّل فيه العفن ، ولا خيار أمامي ، فإمّا جوع موجع .. وإمّا أن أخادع نفسي وألتهمه كثريد .. إذ وطأة الاشمئزاز أخف من وطأة السغب ، وإنّي أضعف من وطأته !
ثم .. حتى لو أضربتُ عن الطعام وتظاهرتُ باعتصام واهٍ ؟! ما الذي يتغير ؟! لا شئ ! بل سيظلّ جسمي هزيلاً مكدوداً منهكاً .. بل إنهم لن يمنحوني هذه الفرصة للتعبير عن استيائي وكبريائي .. إذ يرغمونني على الطعام ، حتّى تعود إلى جسدي شئ من روحه ، وحينها يعيدونني إلى العذاب من جديد !
آه يا صحبي ، كلّ ذلك يهون .. يهووون عندما أتذكر " شذى " الصغيرة !
يا طفلتي الحبيبة .. كم عبثَ بي الشوق للقياكِ ، كم كنتُ لا أصبرُ عن مرآك ساعة ، وأنا الآن أكابد حنيني بعد أن مرت ساعات وساعات و .. شهور !
ألا فليعجّل الله كشفَ كربتي، ما زلتُ أباكِ المتفائل ، ولن أكون كما قال الشاعر:
عدّي السنين لغيبتي وتصبري *** ودعي الشهور فإنّهن قصار
لأنّ امرأة الشاعر ردّت عليه:
فاذكر صبابتنا إليكَ وشوقنا *** واذكر بناتكَ إنّهن صغار
وها أنا أسترجع الذكريات !
.
هل أصبحتِ تركضين الآن ؟!
كان آخر عهدي بكِ وأنتِ تتعثرين بخطواتكِ الأولى ، ويدي تمتد لتقيل عثرتكِ ، فتضحكين ، وتضحك لضحككِ الدنيا .. العصافير والأزهار والفراشاتُ ولعبتكِ .. يا شذى !
آه يا حلوتي وأميرتي ، كم كانت تشجيني كلمة " بابا " بلثغة طفولتكِ النقيّة ، لقد اشتقتُ إليها .. إليكِ .. اشتقتُ اشتقتُ ولا حيلة سوى الصبر ، وإلاّ فسلو كسلو البهائم والله المستعان على ما يصفون ؛ بل صبر جميل يا ابنتي ، صبرٌ جميل .. وإنّ الله مع أبيكِ , ولن يضيّعه !
لا شئ يبكي عينيّ الذابلتين سوى ذكراكِ يا ابنتي ، كم هي طاغية ، هاقد ذرفتْ عيناي ، فلأمسح دمعي قبل أن يرى هذا الحارس الأحمق ضعفي الذي اعتراني !
لأفكر في شئ آخر ، مممم .. دراستي الجامعية مثلاً ، وصحبي .. لقد مرّت تلكَ الأيام سريعاً ، وتترائى الآن في عينيّ محاضرات الشريعة ، وحينما درسنا باب الجهاد ، كان الشيخ يتلو : "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ "
– عفواً يا شيخ ، فماذا ننتظر إذن ؟
– لا تخرج بأسئلتك خارج الدرس !!
وسكتُّ حينها على مضض !
أظن الوقت مضى بي ، فهاقد علت صافرة المساء، هيا صحبي، يجب أن أمضي الآن لأتناول نصيبي من السياط ..
لا أريدكم أن تمجدوني ، ولا أريد أن أصبح بطلاً قومياً .. فأنا بطل بشموخي ، بصمودي ، بعزتي وإيماني ، إنّ كل سوط يزيد إيماني درجة ، وكل ركلة تذكرين مكاليب الصراط ،
وكل إهانة تملؤني عزاً .. فأنظر إليهم بقوة .. ووالله إنهم لهائبون !
المهم ، متى وصلتكم رسالتي هذه فلا تنسوني من الدعاء ..
أن يفكّ الله أسري وأسرى المسلمين ، وكل ما يجود به لسانكم وقلوبكم من دعاء صادق خافت ، هيّا .. لن أعفيكم ؛ ولا أطلبُ منكم غيرها ..
أستودعكم الله !
أسير كوبا !
1425 هـ
أنّات أسير !
إكرام الزيد
لعلّكم انشغلتم بقهوة الصباح وصحف الصباح والأحداث الحاليّة عن ذكرياتنا السالفة سويّا ، حسناً ،، لكم ذلك .. لكنّي أترقّب دعوات السحر .. لن أعفيكم !
أمّا أنا ، في هذا القفص البغيض ، فقد مللتُ لون لباسي البرتقالي ، لم يعد يستهويني ؛ ليتهم يغيرونه إلى لون تفاحي فاتح ، كما أتمنى أن يقدموا مع إفطار الصباح شوكولا محشوة بالفستق !
هل أبدو مترفاً ؟! هه .. إنّ ما ذكرته صار ضرباً من الأحلام السعيدة ، بل حتّى الأحلام حُجبتْ عنّا بالكوابيس ، رغمّ أنّ الشوكولا " الحلم " بين أيديكم الآن وأنت تقرأون فضفضتي هذه ! أوه يا صحبي .. كنتُ أسخر فقط ، ليتهم يدعونني أصلّي !!
هنا .. تحتَ وطأة الألم ، ووحشة الغربة ، وقسوة جفاء القريب ، وجور بعيد ليس مشفقاً من خشية ربّه ، أقبعُ أمامهم صامتاً ، ذليلاً في أعينهم ، عزيزٌ في عينيّ ، أترقبّ انبلاج الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر حينما اشتد غلس أيّامي !
يبدأ صباحنا بصرخة علجٍ حليق ، فأترنّح مكبلاً بسلاسلهم ، كأنّما يخشون أنّ أفرّ من أقفاصهم ، فزادوا حيطتهم بأنّ ربطوني بسلسلة ذرعها سبعون ذراعاً ، لأنّي أؤمن بالله العظيم وأحضّ على خصام الكافرين ، لذلك .. فليس لي اليوم هاهنا حميم .. ولا طعام إلا من غسلين .. لا يأكله إلا المسلمون !!
ورغمَ الحراسة الأمنية المشددة، إلاّ أنّ الله قذف في قلوبهم الرعب ، إذ ينظرون إلينا تدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا غبنا عنهم وذهب الخوف سَلَقُونا بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ..
ويمضي نهاري، وهم يسومونني سوء العذاب ، لم تعد ركلاتهم موجعة ، بل الوجع _ كلّ الوجع _ إذا غضبَ مني قائدهم ، فحينها أترحم على نفسي وأتدثر بكفن الصبر ، إذ ستنهال الأسواط عليّ مغلفّة بغلاف الحقد والضغينة والبغضاء !
وحين أتضوّر جوعاً تحتَ لهيب السوط ، وحينَ يشتدّ أنيني ، يرمونني كخرقة بالية ، ويأتون بفتات وكسر خبزٍ توغّل فيه العفن ، ولا خيار أمامي ، فإمّا جوع موجع .. وإمّا أن أخادع نفسي وألتهمه كثريد .. إذ وطأة الاشمئزاز أخف من وطأة السغب ، وإنّي أضعف من وطأته !
ثم .. حتى لو أضربتُ عن الطعام وتظاهرتُ باعتصام واهٍ ؟! ما الذي يتغير ؟! لا شئ ! بل سيظلّ جسمي هزيلاً مكدوداً منهكاً .. بل إنهم لن يمنحوني هذه الفرصة للتعبير عن استيائي وكبريائي .. إذ يرغمونني على الطعام ، حتّى تعود إلى جسدي شئ من روحه ، وحينها يعيدونني إلى العذاب من جديد !
آه يا صحبي ، كلّ ذلك يهون .. يهووون عندما أتذكر " شذى " الصغيرة !
يا طفلتي الحبيبة .. كم عبثَ بي الشوق للقياكِ ، كم كنتُ لا أصبرُ عن مرآك ساعة ، وأنا الآن أكابد حنيني بعد أن مرت ساعات وساعات و .. شهور !
ألا فليعجّل الله كشفَ كربتي، ما زلتُ أباكِ المتفائل ، ولن أكون كما قال الشاعر:
عدّي السنين لغيبتي وتصبري *** ودعي الشهور فإنّهن قصار
لأنّ امرأة الشاعر ردّت عليه:
فاذكر صبابتنا إليكَ وشوقنا *** واذكر بناتكَ إنّهن صغار
وها أنا أسترجع الذكريات !
.
هل أصبحتِ تركضين الآن ؟!
كان آخر عهدي بكِ وأنتِ تتعثرين بخطواتكِ الأولى ، ويدي تمتد لتقيل عثرتكِ ، فتضحكين ، وتضحك لضحككِ الدنيا .. العصافير والأزهار والفراشاتُ ولعبتكِ .. يا شذى !
آه يا حلوتي وأميرتي ، كم كانت تشجيني كلمة " بابا " بلثغة طفولتكِ النقيّة ، لقد اشتقتُ إليها .. إليكِ .. اشتقتُ اشتقتُ ولا حيلة سوى الصبر ، وإلاّ فسلو كسلو البهائم والله المستعان على ما يصفون ؛ بل صبر جميل يا ابنتي ، صبرٌ جميل .. وإنّ الله مع أبيكِ , ولن يضيّعه !
لا شئ يبكي عينيّ الذابلتين سوى ذكراكِ يا ابنتي ، كم هي طاغية ، هاقد ذرفتْ عيناي ، فلأمسح دمعي قبل أن يرى هذا الحارس الأحمق ضعفي الذي اعتراني !
لأفكر في شئ آخر ، مممم .. دراستي الجامعية مثلاً ، وصحبي .. لقد مرّت تلكَ الأيام سريعاً ، وتترائى الآن في عينيّ محاضرات الشريعة ، وحينما درسنا باب الجهاد ، كان الشيخ يتلو : "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ "
– عفواً يا شيخ ، فماذا ننتظر إذن ؟
– لا تخرج بأسئلتك خارج الدرس !!
وسكتُّ حينها على مضض !
أظن الوقت مضى بي ، فهاقد علت صافرة المساء، هيا صحبي، يجب أن أمضي الآن لأتناول نصيبي من السياط ..
لا أريدكم أن تمجدوني ، ولا أريد أن أصبح بطلاً قومياً .. فأنا بطل بشموخي ، بصمودي ، بعزتي وإيماني ، إنّ كل سوط يزيد إيماني درجة ، وكل ركلة تذكرين مكاليب الصراط ،
وكل إهانة تملؤني عزاً .. فأنظر إليهم بقوة .. ووالله إنهم لهائبون !
المهم ، متى وصلتكم رسالتي هذه فلا تنسوني من الدعاء ..
أن يفكّ الله أسري وأسرى المسلمين ، وكل ما يجود به لسانكم وقلوبكم من دعاء صادق خافت ، هيّا .. لن أعفيكم ؛ ولا أطلبُ منكم غيرها ..
أستودعكم الله !
أسير كوبا !
1425 هـ
أنّات أسير !
إكرام الزيد
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى