لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
عبير الروح
عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

فوا أحمداه! ووازينباه! Empty فوا أحمداه! ووازينباه! {الجمعة 16 سبتمبر - 7:51}

قد كان يجدرَ بي نشر هذه المقالة مصاحبةً للحدثِ دون تأخرٍ وتلكؤ، لولا ذهول اعترى قلمي فألجمه، وقد نزلتْ بنا فاجعة موتِ الملكِ فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - في غاشية غشتْ البلاد والعباد ما لبثتْ أن تقشّعتْ حتّى ثنّى الموتُ علينا فجائعه باختطافِ حجّة زمانه في مناظرة النصارى الداعية الكبير أحمد ديدات، وكذا الداعية الفاضلة زينب الغزالي ابنة أرض الكنانة، على الجميع من الله شآبيب الرحمة والمغفرة!

ولقد رأيتُ في نفسي انصرافاً عن الكتابة لم أعهده بها قبلاً، وكنتُ أرجو أن أجدَ ما أسدّ به حزني، وأكرم به الراحلَيْن غير مقالة أكتبها – فقد أفردتُ للمليك الراحل مقالته -، لكني قلّبتُ النظر فرأيتُ الإعلام قد أحجم عن تبيان عظم شأوهما، وتقاصر عن ذكر فضلهما، ورأيتُ أنّ المقالة هي أقلّ قليلٍ ينعاهما، ويذكر مآثرهما، ويترحم عليهما، ثمّ انتابتني حيرة عن أيّ العَلَمينِ أكتبُ إنْ كنتُ فاعلة؟..فوجدتهما كعيني رأسٍ لا فضلٍ لواحدةٍ على أخرى، لكني آثرتُ أن أبتدئ بالشيخ أحمد ديدات – جعل الله قبره روضة خضرة - ، وللرجال عليهنّ درجة!

ولأنيّ لا أعلم عن الراحل كثيراً من الأخبار – إلا ما اشتهر عنه – فإنّي سأكتفي بذكر بعض ما وقع في نفسي منه، لعلي أخرج بمن ينظر في ذلك الأثر فيدعو له، ويتّبع أثره مباركاً محموداً!

أما الشيخ أحمد ديدات – برّد الله مضجعه – فقد عرفتُه منذ خمسة عشر عاماً تقريباً (1411هـ)، إذ كان والدي – أمدَّ الله عمره في طاعته- يأتي في ذلك الحين بأشرطة فيديو مسجلة لمناظراته الشهيرة (هل الكتاب المقدس كلام الله؟) التي حضرها 3000 شخص، وكانت مع القس الأمريكي جيمي سواجارت –وقد هُتكَ ستره منذ بضع سنوات– فأتابع معه متابعة الذي يعرف بعض الكتاب ويجهل بعض، وكان لتعليقات والدي الكريم التي يلقيها معجباً ومكبّراً وقوعٌ في نفسي عظيم، جعلني أحرص على مزيدِ متابعة، ثمّ لما بلغتُ سنّ الرشد وبدأتُ أعي العلم، عدتُ لتيكَ المناظرة فشاهدتها ثانية، فرأيتُ بحراً من العلمِ زاخراً، وحجّةً في دحض مذهبهم لا تنقطع، وبياناً متدفقاً انتقى لفظه كما ينتقي بعضنا أطايب الثمر، عدا عن ابتسامةٍ هادئةٍ وأدبٍ جمّ وسعةِ بالٍ لا تليقُ إلا بحليمٍ، ومذ تلك الأيام وقعَ في نفسي الإجلال والمهابة لهذا الرجل الذي يشعّ وجهه بالبهاء، متزيناً بلحية بيضاء وقورة وابتسامة متواضعة تدخل القلب بلا استئذان، ومعتمراً طاقية بسيطة ما أنقصتْ من قدره وجلاله!

وأتذكر منذ سنواتٍ خلتْ حين سرت شائعةٌ بوفاته، فهملتْ عيناي حزناً حتى أتاني نبأ تكذيبها فاطمأنتْ نفسي، فالشيخ -وإن كان طريح الفراش منذ تسعة أعوام- لا ينقطع مدده، والرسائل تنهمر عليه من كلّ صوبٍ ممن يسلّم أو يتعلّم، وحسبهُ أنّه يصلُ العالمين بعينين ذابلتين طرح الله فيهما البركة، فلله عيناكَ يا أحمد ديدات، وستشهدان لكِ وأنا معهما من الشاهدين – فقد رأينا الصور- وكم كنتُ أرجو يوماً أنْ أرسلُ له رسالةً لا شيء فيها سوى السلام والدعاء وذكر المعروف، لكنّ قدر الله سابق!

ولربما سأل سائل، وكيف يتحدث بعينيه؟ فأقول بناء على ما قرأتهُ عنه منذ سنة أو تزيد، أنّ الشيخ مشلول الجسم كلّه لا يتحرك فيه سوى عينيه، وابنه عنده لا يفارقه، فإذا جاءت الرسالة قرأها على أبيه، فيقوم بالرد عليها، بحيث علّقت لوحة عند رأسه فيها حروف الهجاء، فيشير بعينيه والابن يشير بإصبعه إلى اللوحة، فالحرف الذي يريد الشيخ يشير له أن اكتبه فيكتبه، والحرف الذي لا يقصده يشير له أن تجاوزه فيتجاوزه إلى ما بعده، وهذا دأبه مع كلّ رسالة يجيب عنها حرفاً حرفاً لا يملّ ولا يكلّ من كثرة الرسائل (تصل إلى 500 رسالة في اليوم)، فسبحان الله كم بين جنبيه من همّة متوقدة!

ومن الآثار الحميدة التي أعرفُ للشيخ أحمد ديدات رحمه الله تعالى في بلدي، أنّ رجلاً يقال له مساعد الوعلان "وهو من آل وعلان المعروفين" كان على خير وتقى، واشتهر بالصلاح وحب للدعوة والدعاة، وكان يرجو أن يقوم بدعوة من يعرفهم من النصارى، لكن علمه كان قاصراً عن أساليب محاجتهم، حتى وقع على مناظرات الشيخ أحمد، وتأثر به تأثراً كبيراً، وتعلم ما يمكّنه من دعوة النصارى متحدثي الإنجليزية إلى الإسلام، فبدأ بالتطبيق والدعوة حتى تطور جهده إلى أن يؤسس مركزاً لدعوة الجاليات، فأسلم على يديه من النصارى كثير، خرج منهم داعية فليبيني ليفتح مركزاً إسلامياً في الفلبين، فأيّ أجرٍ يتتابع؟ ويا رحمة الله على التابع والمتبوع! (توفي مساعد الوعلان رحمه الله منذ عدة سنوات وكان في بداية الأربعينات من عمره، والقصة أخبرتني بها ابنة أخيه).

وحسبنا من الشيخ ديدات عليه رحمة الله تعالى، أنه قد خرج من نطاق دعوة محلية إلى دعوة عالمية، فملأ الدنيا وشغلَ الناس، وأسلمَ على يديهِ مئاتُ واحدهم خير له من حُمر النعم، وقد علمتُ من والدي أن أشرطة الفيديو – حينذاك – كانت تنتشر بين الناس كالنار في الهشيمِ - حتى ممن لم يكن عنده التوجّه الشرعي - افتخاراً واسترشاداً، والأمل في تلميذه النجيب "د. ذاكر نايك" كبير وموصول، الذي بدأ يلمع نجمه من بعد شيخه، سائراً على خطاه القويمة، وكذلك المركز الذي أسسه ليدرّب فيه المسلمين على فنون المناظرة والمحاجّة بالحكمة وبالتي هي أحسن، فالشيخ رحمه الله تعالى رغم انشغاله بالقوم، إلاّ أنّ لديه وعياً بمبدأ التوريث، لينقل العلم والخبرة كابراً عن كابر، فقدّس الله سرّه، ورزقنا كالأحامد –ابن حنبل، وابن تيمية، وابن ياسين، وابن ديدات- أحامداً وميامين، رجالٌ يموتون ويتركون وصايا مكتوبة بدم القلوب، وصية لكلّ أمٍ وأبٍ ومربٍ، بأن ينجبوا عشراتٍ كأولئك الأحامد، و ويربّوا مئات كالأحامد، ووصايا للمسلمين أجمع، تحثهم أن يمشوا حثيثاً لا وئيداً، قدوتهم الأولى في سيرهم هو الأحمد الأول .. محمد صلى الله عليه وسلم!

إذا طلّ منا سيدٌ قام سيد ... ... ... قؤول لأقوال الكرام فعول!

أمّا زينب الغزالي، فوا حرّ قلباه على فقدِ تلكَ الدرّة، وحسبنا منها علم وقرَ في نفوس أخواتنا من بناتِ مصر وما عداها، وحسبنا منها كتاب "أيّام من حياتي" الذي ضجّ به الأدب وتزينت به كتب التراجم والسير والتوثيق التاريخي، وحسبنا ما تبعه من جهودٍ دائبةٍ في الوعظِ والتعليمِ والتربيةِ تشع من جمعية السيدات المسلمات التي أسستها، ومن المساجد التي أنشأتها (خمسة عشر مسجداً)، وكذلك من كتبٍ متتابعةٍ كـ(نحو بعث جديد) و(مشكلات الشباب والفتيات) وكتاب (إلى ابنتي)، وكذلك (نظرات في كتاب الله) الذي احتفت به الأوساط العلمية في حينه!

وإن أعجب، فعجبٌ رأيها! فرغم خروجها للوعظ في المساجد إلاّ أنها كانت ترى أن المرأة لها مجالاتٌ عديدةٌ للدعوة لا تستلزم منها الخروج ومزاحمة الرجال بالمناكب، فلها أن تكتب، ولها أن تربي أبناءها، ولها أن تعلّم النساء من أمثالها، ولها زيارة المرضى في محيط جاراتها وأهلها، ولها صلة رحمها بالدعوة بالمقول والمفعول، فليستْ كل امرأة تصلح أن تكون متحدثة وخطيبة، وهذا الفكر الجميل عندها يمثل لبّ نهجها الذي تعتمد فيه على التأصيل الشرعي القائم على السنة النبوية، والفطرة القويمة.

وقد تهيأ للداعية الكبيرة هذا التفرغ التام للدعوة لعدم ارتباطها بأسرة وأطفال، فقد طُلّقت قسراً من زوجها حين أدخلت السجن ولم تكن قد أنجبتْ أطفالاً، ثمّ إن الله قد استردّ وديعته فمات زوجها وهي سجينة، فلما خرجت لم تتزوج من بعده، ونذرت نفسها لله، وفتحت بيتها ومكتبتها العامرة للناس أفواجاً، فكان لها ذلك الوهج، لكن لا يلزم لكلّ امرأة ذاك الوهج كلّه، فكلّ بحسب قدرته وتوفيقه، لا تفريط لمفضول على فاضل، فبيتها أولّ أساسياتها، تؤصل أركانه، وتحسن بنيانه، ثمّ تلتفتُ من بعدهِ للنساء من حولها، كلّ منهنّ تمدّ لبنتها الصالحة، لترسي القواعد، وتملك المعاقد، وتبني المجتمع!

كفى الزهر ما تندى به راحة الصبا ... ... ... وهل للندى بين السيول حسابُ؟
فحسبكِ نبلاً قالةُ الناس أنجبتْ ... ... ... وحـسبكِ فخراً أن يصونـكِ بابُ
ولـم تـخلقي إلا نـعيماً لبائسٍ ... ... ... فمـن ذا رأى أنّ النعيـم عذابُ
ومـا عجبي أنّ النسـاء ترجّلت ... ... ... ولكـنّ تأنيث الرجال، عُـجابُ!

إنّ إسلامنا لا يلزمنا أن نكونَ كزينبَ في الخروجِ والولوج، لكنّه سيفخر بنا إنّ كنّا مثلها في البذل والعطاء والثبات، فيكفي أنّها صمدتْ رغم ما صبّوه عليها من العذابِ في ستٍ سنواتٍ عجاف حتّى توسط لها الملك فيصل رحمه الله لإخراجها، ولتبتدئ دعوة في الأوساط العربية والإسلامية، وإنّا لنتعلم من زينب سموّ الهدف والغاية، فهي قد خرجت من قضية تحرير "الأنثى" التي شغلونا بها – وما اشتكينا لهم-، إلى قضية تحرير الإنسان من عبودية الإنسان إلى عبودية رب الإنسان، وإنّا لمنتصرون، وإن ماتَ العظماء الأحامد، وماتت زينب وعائشة، لأن سرهم يكمن في معتقدهم وفي قلوبهم .. لكن السؤال .. من يحمل الهم .. ومن يملك الهمة ؟!


8 / 7 / 1426هـ

إكرام بنت عبد العليم الزيد
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الجمعية السعودية للإعلام والاتصال




فوا أحمداه! ووازينباه!

إكرام الزيد
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى