عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ابتداء:
الذين يستحقون الإطراء فعلاً .. هم الذين يتحملون الانتقاد بقلوبٍ مبتسمة!
* * * *
وتفاعلاً مع مثاقفة أديبتنا "لبابة أبو صالح" مع الأستاذ "عبد الله الجريفاني"، وردّ المتذوقة الأدبية "سميرة الخاني" ، أكتبُ هذه المقالةَ لإرساء القواعد المثلى في تحجيم النقد الجارح، وتبيان الحق الصحيح، لا عصبية، ولا شططاً، ولا استعداءَ .. بل هو الإنصاف المبين بإذن الله - ليس لسواه داع عندي – وما بيني وبين " لبابة " سوى رحم الأدبِ وشيجةً لا أقطع علائقها، وأنعم بهِ فخراً محموداً!
هذا وإنّي حين قرأتُ تعقيبَ المتذوقة على صاحبتنا، ظننتُها تقصد مقالةً أخرى غير مقالة "الألم الأدبي"، فما إن أتممتها حتى استبان لي الأمر وعلمتُ أنّها ما قصدت غير نصّ لبابة، فرأيتُ كتابة حواشي على ردّ الأخت سميرة أريد بها الإصلاح ما استطعتُ وما توفيقي إلاّ بالله، وإني لأرجو عندها صدراً رحباً يقبل الرأي، لا يصادره ولا يحصره، وذلك الظن بها إن شاء الله، فإليكم:
أولاً: النقد البناء، وبناء النقد !
يُعاب على مقالة "سميرة الخاني" وهي الـ" متذوقة " السخريةَ الكبيرةَ والتهكّم الواضحَ في الأسلوبِ، وليتَ أنّ الأختَ -حين دعت إلى أدب الحوار– التزمتْ بهِ، واتبّعت أسلوباً هو أخفّ وطأة من هذه الكلمات: " أيّتها المثاقفة، الدرر التي أتحفتينا، غابة الألفاظ المصطنعة، توقعنا في فخّها، التقعّر اللفظي، وجّهت أوامرها السامية، العصف الفكري، غطرسة فكرية ... " وغيرها! مع أنّ لبابة لم تجاوز في مقالتها ولم تسئ الأدب، بل كانت تتحدث عن رأي شخصي لزمنا احترامه ولو اختلفنا معه، خاصة وقد عبّرت عنه برقيّ وتهذيب وأدبٍ مختلف، وعلى كلّ حالٍ، فلن أمدحَ لبابة وهي لم تعلم من نفسها خلاف ما أقول!
يضاف إلى تلك المثالب قالة المتذوقة عن تألم القراء إذ جعلت الجميع تحت مظلّة واحدة، متكلمة بآلامهم من تلكَ المقالة! ولقد أخطأت ابنة رشيد – ألهمها الله رشدها – في هذا، وليتها - حين تحدّثت - حصرت حديثها على نفسها، ولم تتصدر لساناً عن غيرها ولمّا يطلب منها ذلك!
ولقد شهدت الأخت على نفسها بقسوة اللهجة حين قالت: "والحقيقة أنّ هذه اللهجة القاسية لم تصدر مني ... الخ"، وتذرّعت بحجة واهية لا تبرر هذا الأسلوب بأيّ حالٍ، هذا إن كانت حجّتها صحيحة مقبولة، وإنصافاً فإنّي أتفق معها على غموضِ لغة "لبابة" أحياناً، لكنّها ليست بالمستعصية على الفهمِ لمن تأمّلها، ولقد قرأتُ المقالة مراراً أبحثُ عن فكرةٍ غمضتْ فوجدتني أفهم مقالتها، وأوافق بعض رأيها، وأحترم كلّ فكرها، وليتها فعلت ذلك قبل أن تسلّ قلمها لتكتب، لكنها انتقدت التعالم ووقعتْ به، وعابتْ المثاقفة وسعتْ إليها، ولا أظنّ الأخت قد خفيها قول ابن مسعود رضي الله عنه: من كان كلامه لا يوافق فعله فإنّما وبّخ نفسه.!
أيضاً، ما ساء سميرة الخاني من استخدام " لبابة " لكلمة مثاقفة؟ إنّ الكلمة ليست مغرقة الغرابة، وهي عنوان للزاوية فصار استخدامها من لبابة تجاوباً جميلاً لا يسعُ ذمّه .. فلمَ صادرتْ الرأي، وحجّرتْ واسعاً وأمعنتْ سخرية؟!
ولئن اعتذرتْ الأختُ بحبّ اللغة والغيرة عليها، فكلّنا يحبّ اللغة ويَغار عليها، ولنا المثل في الرسل ومن تبعهم - وهم على دين الله أغير والدين أعظم وأجل من اللغة- ومع ذلك كان منهجهم: " فقولا له قولاً ليناً. لعلّه يتذكر أو يخشى"، فكانت غيرة محمودة تسعى لإصلاح رشيد، تجعل المنصوح يتقّبل النصح ولا يردّه، هذا إن سلّمنا بصحّة أصلِ النصح!
وأجدني أهتبل الفرصة ما دام الحديثُ عن النقد لأعتبَ على كثير من النقاد في هذه الجامعة خاصة وخارجها عامّة، فالملاحظ لذعُ النقد وشدّة الأخذ وقسوة العبارة، مع تجريح وإيلام يخنق كلّ برعم ثقة في النفس، ولو رأى بعضهم كيف كان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مع مخالفيه، وكيف كان يبيّن الحق متخذاً لهم العذر لراجعوا أنفسهم، ولغيّروا منهجهم!
ألسنا نتفق أنّ النقد رسالة وأنّ صاحبَ الرسالةِ يحتال بكلّ حيلة لإيصالها ويتحرى قبول الناس لها؟ فما قيمة النقد إذن إذا لم تصل بهِ الرسالة ويتحقق به الإصلاح والكمال؟ وقد عُـلمَ أنّ شدّة اللوم تورث البغضاء، وقد تمنع العزّةُ المرءَ أن يأخذ بالصواب، وعلم أيضاً أنّ لين القول أدعى لقبوله والأخذ به، هذا إن كان على وجه حقّ بله أن يكونَ غير ذلك!
ولا ريب أنّ خوفَ النقد جبلّة في النفوس، تصحبها جبلّة التطلع للثناء والمدح، ومن ثمّ فإنّ الناشئ المبتدئ إذا رأى مثل هذا النقد الجارح، سيجفلُ عن نشر ما يؤلفه خشية أن يجدَ من يُغلظ عليه المقال ويفتّش عن نقيصة الأعمال، فيكون بين حالين، إمّا أن يدفن موهبته في الأدراج وخفي الأوراق حتى تتعطل وتموت، أو تذوي وتضعف فلات حين نشرها، وإما أن ينشرَ ليقرأ له النقاد البارعين والمتذوقين الأدبيين، موطداً نفسه على الصبر على المكاره منهم، ثم هو بعد النشر على ثلاثة أحوال، إمّا الأخذ بأقوالهم على مضض والمضي قدماً في جادة النشر، وإمّا تجاهل صخبهم مع المضي في النشر والسعي نحو تطوير ذاتي، وإما أن يقْـتُلَ جذوة الحماس والتطلع، وينكفئ على ذاته، يداري الخلق ويتدرع بالحذر!
ثانياً: الألم والترف.
كان حديث الأستاذ الجريفاني عن الأدباء والتفاعل واللغة المستعصية منطقياً واقعياً يتحدث بعمومية، ثمّ جاءت لبابة وخصصت العموم، فلماذا تُـلزم بالكل وقد أرادت الجزء؟ ولماذا تصادر سميرة رأي لبابة وتلزمها برأيها؟ مع أنّ لكلّ منهما رأيها المتفرّد الذي أنشأته خلفية ثقافية مختلفة، مع اتفاقهما في الهدف الرئيس، وهو دعوة الأديب إلى الأدب الخالد، الذي يسري بين الناس ممازجاً أهواءهم، مترجماً همومهم، قريباً لقلوبهم، لكنّ الوسيلتان عند الأختين اختلفتا فاختلفتا، ولقد قلتُ أنّ أرفع الأدب ( قصيدة لا تنسى )، وذلك لصدقها وقربها من الناس مع جمال في سبكها وبدعة في تراكيبها، ولقد حفل الأدب العربي على امتداد سنيّه بنصوص كانت كذلك، فحفظها الناس ورووها وعلموها من وراءهم، وما ذاك إلا لأنها اقتربت فاقتربوا فتخلّدت، وتواضعت لهم فحملوها فارتفعت، وكانت مثل: ربّ وا معتصماه انطلقت، التي استشهدت بها أختنا سميرة في وصف حال الأمة، وقصيدة: عش ما بدا لك سالماً في ظلّ شاهقة القصور في الوعظ، وفي تقلّب الدنيا ودوران الأيام: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا للمعتمد بن عباد، وغيرهنّ كثير من بحور زاخرة .. لمن رام خوض اللجج!
ثالثاً: العامة والأدب!
وهنا تطولُ القضية كثيراً، والفجوة حاصلةٌ لا تنكر، والردمُ طويلٌ أمده وعدّته، وقد صدقت لبابة في وصف حال العامة والجرائد – مع تحفّظي على كلمة جرائد تضامناً مع حافظ إبراهيم – فهم يلفّون الخضروات بالجرائد، بل ويمسحون بها المرايا لتكونَ صقيلة لامعة، ويفرشونها في الأدراج تحت الفناجين، وتستخدم مفارش للطعام في الرحلات الخلوية! فأينَ التكبّر والسخط يوم وُصفت الحال؟ وأين خيانة اللفظ ولبابة تحكي واقعاً لا ننكره؟ ثمّ ما شأن الأمّهات في الأمر؟ هل التحدث عن ( العامة ) في عمومهم يوجب أن يكونَ ذلك الحديث مقصوداً عن أمهاتنا؟ وهل لمجرّد أنّ أمهاتنا فعلنَ ذلك بتلقائيتهنّ الفطرية وبساطتهنّ الجميلة أننا لا ننتقد خطأ الفعل؟! لا أوافق على هذا، وأجد القياس غير صحيح، وأرانا لو تجاوزنا عن كلّ خطأ لا لشيء سوى أنّ أمهاتنا وآبائنا يفعلونه فلن تصحح الأمور ولن تحرّك السواكن! ولو نظرتِ في كتبِ أهل العلم – كالتاريخ والآداب - وكلماتِ أهل الحكمة والألباب – كعليّ رضي الله عنه - ، لوجدتِ ذكراً لحال العوام، والحثّ على تعليمهم ومخالطتهم والصبر على أذاهم، وسهولة التأثير عليهم، لا بقصد التنقيص والازدراء، إنّما بقصد وصف الحال، ومن ذلك الحديث: "حدّثوا الناس بما تطيق عقولهم"، ومن ذلك – أيّتها المتذوقة – ما جاء في قصة قتل نيرون طاغية روما، حين ثارت الجماهير لقتله وقد كان جلادها لتأثرهم بالخطبة البليغة في تأبينه ما دلّ على سهولة اقتيادهم والتلبيس عليهم والتأثير، والقصص كثير في الأدب العربي والشرقي والغربي بالإضافة إلى ما ذكرته أعلاه عن كتب أهل العلم وغيرها كثير لمن أراد الاستقراء والتتبع..!
* * * *
ختم انتهاء:
كم من كتابٍ أفصح ما فيه .. بياضه! ( ميخائيل نعيمه )
1426هـ
وقد جعلتموها مثاقفة فلتكن درّية !
إكرام الزيد
الذين يستحقون الإطراء فعلاً .. هم الذين يتحملون الانتقاد بقلوبٍ مبتسمة!
* * * *
وتفاعلاً مع مثاقفة أديبتنا "لبابة أبو صالح" مع الأستاذ "عبد الله الجريفاني"، وردّ المتذوقة الأدبية "سميرة الخاني" ، أكتبُ هذه المقالةَ لإرساء القواعد المثلى في تحجيم النقد الجارح، وتبيان الحق الصحيح، لا عصبية، ولا شططاً، ولا استعداءَ .. بل هو الإنصاف المبين بإذن الله - ليس لسواه داع عندي – وما بيني وبين " لبابة " سوى رحم الأدبِ وشيجةً لا أقطع علائقها، وأنعم بهِ فخراً محموداً!
هذا وإنّي حين قرأتُ تعقيبَ المتذوقة على صاحبتنا، ظننتُها تقصد مقالةً أخرى غير مقالة "الألم الأدبي"، فما إن أتممتها حتى استبان لي الأمر وعلمتُ أنّها ما قصدت غير نصّ لبابة، فرأيتُ كتابة حواشي على ردّ الأخت سميرة أريد بها الإصلاح ما استطعتُ وما توفيقي إلاّ بالله، وإني لأرجو عندها صدراً رحباً يقبل الرأي، لا يصادره ولا يحصره، وذلك الظن بها إن شاء الله، فإليكم:
أولاً: النقد البناء، وبناء النقد !
يُعاب على مقالة "سميرة الخاني" وهي الـ" متذوقة " السخريةَ الكبيرةَ والتهكّم الواضحَ في الأسلوبِ، وليتَ أنّ الأختَ -حين دعت إلى أدب الحوار– التزمتْ بهِ، واتبّعت أسلوباً هو أخفّ وطأة من هذه الكلمات: " أيّتها المثاقفة، الدرر التي أتحفتينا، غابة الألفاظ المصطنعة، توقعنا في فخّها، التقعّر اللفظي، وجّهت أوامرها السامية، العصف الفكري، غطرسة فكرية ... " وغيرها! مع أنّ لبابة لم تجاوز في مقالتها ولم تسئ الأدب، بل كانت تتحدث عن رأي شخصي لزمنا احترامه ولو اختلفنا معه، خاصة وقد عبّرت عنه برقيّ وتهذيب وأدبٍ مختلف، وعلى كلّ حالٍ، فلن أمدحَ لبابة وهي لم تعلم من نفسها خلاف ما أقول!
يضاف إلى تلك المثالب قالة المتذوقة عن تألم القراء إذ جعلت الجميع تحت مظلّة واحدة، متكلمة بآلامهم من تلكَ المقالة! ولقد أخطأت ابنة رشيد – ألهمها الله رشدها – في هذا، وليتها - حين تحدّثت - حصرت حديثها على نفسها، ولم تتصدر لساناً عن غيرها ولمّا يطلب منها ذلك!
ولقد شهدت الأخت على نفسها بقسوة اللهجة حين قالت: "والحقيقة أنّ هذه اللهجة القاسية لم تصدر مني ... الخ"، وتذرّعت بحجة واهية لا تبرر هذا الأسلوب بأيّ حالٍ، هذا إن كانت حجّتها صحيحة مقبولة، وإنصافاً فإنّي أتفق معها على غموضِ لغة "لبابة" أحياناً، لكنّها ليست بالمستعصية على الفهمِ لمن تأمّلها، ولقد قرأتُ المقالة مراراً أبحثُ عن فكرةٍ غمضتْ فوجدتني أفهم مقالتها، وأوافق بعض رأيها، وأحترم كلّ فكرها، وليتها فعلت ذلك قبل أن تسلّ قلمها لتكتب، لكنها انتقدت التعالم ووقعتْ به، وعابتْ المثاقفة وسعتْ إليها، ولا أظنّ الأخت قد خفيها قول ابن مسعود رضي الله عنه: من كان كلامه لا يوافق فعله فإنّما وبّخ نفسه.!
أيضاً، ما ساء سميرة الخاني من استخدام " لبابة " لكلمة مثاقفة؟ إنّ الكلمة ليست مغرقة الغرابة، وهي عنوان للزاوية فصار استخدامها من لبابة تجاوباً جميلاً لا يسعُ ذمّه .. فلمَ صادرتْ الرأي، وحجّرتْ واسعاً وأمعنتْ سخرية؟!
ولئن اعتذرتْ الأختُ بحبّ اللغة والغيرة عليها، فكلّنا يحبّ اللغة ويَغار عليها، ولنا المثل في الرسل ومن تبعهم - وهم على دين الله أغير والدين أعظم وأجل من اللغة- ومع ذلك كان منهجهم: " فقولا له قولاً ليناً. لعلّه يتذكر أو يخشى"، فكانت غيرة محمودة تسعى لإصلاح رشيد، تجعل المنصوح يتقّبل النصح ولا يردّه، هذا إن سلّمنا بصحّة أصلِ النصح!
وأجدني أهتبل الفرصة ما دام الحديثُ عن النقد لأعتبَ على كثير من النقاد في هذه الجامعة خاصة وخارجها عامّة، فالملاحظ لذعُ النقد وشدّة الأخذ وقسوة العبارة، مع تجريح وإيلام يخنق كلّ برعم ثقة في النفس، ولو رأى بعضهم كيف كان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مع مخالفيه، وكيف كان يبيّن الحق متخذاً لهم العذر لراجعوا أنفسهم، ولغيّروا منهجهم!
ألسنا نتفق أنّ النقد رسالة وأنّ صاحبَ الرسالةِ يحتال بكلّ حيلة لإيصالها ويتحرى قبول الناس لها؟ فما قيمة النقد إذن إذا لم تصل بهِ الرسالة ويتحقق به الإصلاح والكمال؟ وقد عُـلمَ أنّ شدّة اللوم تورث البغضاء، وقد تمنع العزّةُ المرءَ أن يأخذ بالصواب، وعلم أيضاً أنّ لين القول أدعى لقبوله والأخذ به، هذا إن كان على وجه حقّ بله أن يكونَ غير ذلك!
ولا ريب أنّ خوفَ النقد جبلّة في النفوس، تصحبها جبلّة التطلع للثناء والمدح، ومن ثمّ فإنّ الناشئ المبتدئ إذا رأى مثل هذا النقد الجارح، سيجفلُ عن نشر ما يؤلفه خشية أن يجدَ من يُغلظ عليه المقال ويفتّش عن نقيصة الأعمال، فيكون بين حالين، إمّا أن يدفن موهبته في الأدراج وخفي الأوراق حتى تتعطل وتموت، أو تذوي وتضعف فلات حين نشرها، وإما أن ينشرَ ليقرأ له النقاد البارعين والمتذوقين الأدبيين، موطداً نفسه على الصبر على المكاره منهم، ثم هو بعد النشر على ثلاثة أحوال، إمّا الأخذ بأقوالهم على مضض والمضي قدماً في جادة النشر، وإمّا تجاهل صخبهم مع المضي في النشر والسعي نحو تطوير ذاتي، وإما أن يقْـتُلَ جذوة الحماس والتطلع، وينكفئ على ذاته، يداري الخلق ويتدرع بالحذر!
ثانياً: الألم والترف.
كان حديث الأستاذ الجريفاني عن الأدباء والتفاعل واللغة المستعصية منطقياً واقعياً يتحدث بعمومية، ثمّ جاءت لبابة وخصصت العموم، فلماذا تُـلزم بالكل وقد أرادت الجزء؟ ولماذا تصادر سميرة رأي لبابة وتلزمها برأيها؟ مع أنّ لكلّ منهما رأيها المتفرّد الذي أنشأته خلفية ثقافية مختلفة، مع اتفاقهما في الهدف الرئيس، وهو دعوة الأديب إلى الأدب الخالد، الذي يسري بين الناس ممازجاً أهواءهم، مترجماً همومهم، قريباً لقلوبهم، لكنّ الوسيلتان عند الأختين اختلفتا فاختلفتا، ولقد قلتُ أنّ أرفع الأدب ( قصيدة لا تنسى )، وذلك لصدقها وقربها من الناس مع جمال في سبكها وبدعة في تراكيبها، ولقد حفل الأدب العربي على امتداد سنيّه بنصوص كانت كذلك، فحفظها الناس ورووها وعلموها من وراءهم، وما ذاك إلا لأنها اقتربت فاقتربوا فتخلّدت، وتواضعت لهم فحملوها فارتفعت، وكانت مثل: ربّ وا معتصماه انطلقت، التي استشهدت بها أختنا سميرة في وصف حال الأمة، وقصيدة: عش ما بدا لك سالماً في ظلّ شاهقة القصور في الوعظ، وفي تقلّب الدنيا ودوران الأيام: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا للمعتمد بن عباد، وغيرهنّ كثير من بحور زاخرة .. لمن رام خوض اللجج!
ثالثاً: العامة والأدب!
وهنا تطولُ القضية كثيراً، والفجوة حاصلةٌ لا تنكر، والردمُ طويلٌ أمده وعدّته، وقد صدقت لبابة في وصف حال العامة والجرائد – مع تحفّظي على كلمة جرائد تضامناً مع حافظ إبراهيم – فهم يلفّون الخضروات بالجرائد، بل ويمسحون بها المرايا لتكونَ صقيلة لامعة، ويفرشونها في الأدراج تحت الفناجين، وتستخدم مفارش للطعام في الرحلات الخلوية! فأينَ التكبّر والسخط يوم وُصفت الحال؟ وأين خيانة اللفظ ولبابة تحكي واقعاً لا ننكره؟ ثمّ ما شأن الأمّهات في الأمر؟ هل التحدث عن ( العامة ) في عمومهم يوجب أن يكونَ ذلك الحديث مقصوداً عن أمهاتنا؟ وهل لمجرّد أنّ أمهاتنا فعلنَ ذلك بتلقائيتهنّ الفطرية وبساطتهنّ الجميلة أننا لا ننتقد خطأ الفعل؟! لا أوافق على هذا، وأجد القياس غير صحيح، وأرانا لو تجاوزنا عن كلّ خطأ لا لشيء سوى أنّ أمهاتنا وآبائنا يفعلونه فلن تصحح الأمور ولن تحرّك السواكن! ولو نظرتِ في كتبِ أهل العلم – كالتاريخ والآداب - وكلماتِ أهل الحكمة والألباب – كعليّ رضي الله عنه - ، لوجدتِ ذكراً لحال العوام، والحثّ على تعليمهم ومخالطتهم والصبر على أذاهم، وسهولة التأثير عليهم، لا بقصد التنقيص والازدراء، إنّما بقصد وصف الحال، ومن ذلك الحديث: "حدّثوا الناس بما تطيق عقولهم"، ومن ذلك – أيّتها المتذوقة – ما جاء في قصة قتل نيرون طاغية روما، حين ثارت الجماهير لقتله وقد كان جلادها لتأثرهم بالخطبة البليغة في تأبينه ما دلّ على سهولة اقتيادهم والتلبيس عليهم والتأثير، والقصص كثير في الأدب العربي والشرقي والغربي بالإضافة إلى ما ذكرته أعلاه عن كتب أهل العلم وغيرها كثير لمن أراد الاستقراء والتتبع..!
* * * *
ختم انتهاء:
كم من كتابٍ أفصح ما فيه .. بياضه! ( ميخائيل نعيمه )
1426هـ
وقد جعلتموها مثاقفة فلتكن درّية !
إكرام الزيد
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى