عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
بداية...
أنا لا أؤمن أبداً أننا في زمن العبيد، زمن التخاذل والخنوع، زمن الانكسار...
موقنة أنا أن بيننا رجال من نوع متفرد، لهم بصمة حقيقية في الحياة، لهم أثر لا يتلاشى على الطريق، مهما تاهت السبل بالشباب، تبقى الطريق مفتوحة، ومتاحة للعودة...
في الوقت ذاته؛ ينغّص عليّ الاستعباد المفروض من بعض الأشخاص على أنفسهم، يزعجني أن يكون من ضمن قناعاتهم أنه أسرى...
لا يمكنني أن أخفي سأمي من سلوكهم، من طبعهم لواقعنا على أنه مرير، فقد فاض بي الكيل من العبيد...
سئمتُ سلوك من استعبدته نفسه فأوهمته بأنه خُلق للراحة والنّعيم، لا مجال للعمل، لا مجال للكدح ولا لعرق الجبين، مقطّب هو دائماً، يتأفف من زمانه، وكأنه ولد ليجد العالم كله مهيأ لخدمته، يعتبر البحث عن وظيفة مذلة، والدراسة كابوسٌ كبير، مساعدة الوالد في أعماله مهانة، وتلبية طلبات أمه معاناة...وفي ذات الوقت لا يتورّع عن طلب النقود، وفي ذات الوقت لا تكفيه أية نقود...
في الصيف ينام كقالب ثلج أمام جهاز التكييف، وفي الشتاء يستلقي كوعاء حساء قُرب المدفأة، ولا غرابة، فالنوم صديقه الحميم!
يُصدّر الأوامر لمن حوله، ويُجنّ جنونه إن لم يُطع، فقد علموه أن طلبات الذكور أوامر، علموه أنه يمتلك صفة تؤهله لأن يسود...
يتباهى بعضلاته التي تعب كثيراً ليصل بها إلى شكلها وحجمها المطلوب، ويخاف في نفس الوقت من الظلمة!
يستعرض ثقافاته اللغوية، بكلمة عربية وأخرى أعجمية، ولا يستطيع تركيب جملة كاملة من لغة غريبة صحيحة، أو حتى عربية فصيحة، فهو واثق أن لا أحد سيدقق، ولا أحد سيستفسر، فكل أقرانه الذين يعرفهم مثله، ولا مكان لمن ينتقد أو يصوّب فهو إذن يعيب.
تحومُ حوله صور لفتيات أحلامه، يهدر عمره من أجل أن يحظى بابتسامة أو نظرة من عابرات على الطريق، يطير فرحاً إن نالها، يبقى يباهي بها أمام الشّلة وكأنه النّصر العظيم...
إنه في زمن العبيد لا يهيم، بل يُعجب فقط ويفضّل التنويع، وعند أول طلب التزام يتقهقهر بجبن، يتخاذل، يتنصل من وعوده، يراوغ يخادع يسوّف، حتى تستسلم لليأس الضحية، وأحياناً يكون هو الضّحية، كلمة تجذبه، ونظرة تسجنه، ليغدو الأسير المعذب مدى الحياة.
إن سألته عن مستقبله ومخططاته، أجابك بغموض واقتضاب، أخبرك بأننا في زمن اللاممكن، في زمن المستحيل، الإنجاز معجزة، التخطيط للحلم تفاهة، الجد والاجتهاد محض تعقيد!
كقطة كسول تراه حيناً نائماً بكل هدوء واستسلام، قد أمن أهل البيت شرّه، وارتاحوا من تذمره... وأحياناً تجده يتقافز كالمجنون، تتساءل عمّا يحدث، يخبرك بأنه يرقص، يعبّر عن شخصيته، ينفّس عن أحزانه، يتسلى فالتسلية حقه الأكبر، والتسلية حقه الأوحد، قدوته مغنّ يتقافز على نغمات صاخبة، يتحرك كآلة، قدوته موطنها غربيّ، هيئتها غربية، رسالتها غريبة.. هيئته غربية، تسريحة شعره، بنطاله قصير الخصر غريب الأطوار غربيّ أيضاً، قميصه الأنثويّ الضيق المتنصل من الأصالة العربية، صفات وملامح، أساليب وشخصيات، عبودية نشأ عليها، ورفعها شعاراً وقد ظنّ بأنها منتهى الحرية، مطلق الحريّة!
وحين تسأله ما معنى الحرية، ما مفهومك للحرية؟
أجاب بأن تكون حراً في كلّ شيء، أن تفعل ما تشاء وقت تشاء كيفما تشاء دون أن يقف أحد في طريقك، دون أن يعترضه معترض!
وللتناقض تراه يبكي بألم أحياناً يشتكي ألا أحد مهتم به، لا أحد يوجهه، لا أحد يراعي أحزانه، ويخفف عناء غربته، وبكل الحزن... أشفقُ عليه...
فلم تكن عبوديته من صنع يديه، ولم تكن مأساته ذنبه، بل ذنب من تهاونوا في تعليمه الفرق بين الخطأ والصواب، واستخفّوا به فتجاهلوا دوره في الحياة...
قنعوا أنهم يحسنون صنعاً حين أتاحوا له كل شيء، لبوا كل رغباته، تفانوا في تأمين احتياجاته، تعاونوا لخدمته، عودوه على كلمة نعم وزجوا بكلمة لا في زنزانة النسيان...
أصبح العبد الأسير اليوم منتفخاً بالوهم كبالون كبير، فلا غرابة أن ينفجر، ولا غرابة أن ينهار!
لقد سئم هو حياته، وسئمنا نحن من زمن العبيد...
موقنة أن للعودة مكان، للترميم محلّ، للتغيير سبيل...
موقنة ألا شيء في هذه الدنيا محال، سأبقى أنادي للتحرر من الأوهام، لاحترام العقل والفطرة، للعودة لفهم وظيفة الإنسان وحقيقة تكريمه في ديننا العظيم...
واثقة بأن الضياع لن يدوم، وستتسع دائرة التأثير، لنشهد جيلاً جديداً يتحلى بالجدية، يتحلى بأروع الخصال، ليدفن المفاهيم الهشّة، ويبدأ ببناء الحياة بسواعد قوية لا تعرف للوهن ولا للأوهام أي سبيل.
سئمتُ زَمَن العَبيد
نُـور مؤيد الجندلي
أنا لا أؤمن أبداً أننا في زمن العبيد، زمن التخاذل والخنوع، زمن الانكسار...
موقنة أنا أن بيننا رجال من نوع متفرد، لهم بصمة حقيقية في الحياة، لهم أثر لا يتلاشى على الطريق، مهما تاهت السبل بالشباب، تبقى الطريق مفتوحة، ومتاحة للعودة...
في الوقت ذاته؛ ينغّص عليّ الاستعباد المفروض من بعض الأشخاص على أنفسهم، يزعجني أن يكون من ضمن قناعاتهم أنه أسرى...
لا يمكنني أن أخفي سأمي من سلوكهم، من طبعهم لواقعنا على أنه مرير، فقد فاض بي الكيل من العبيد...
سئمتُ سلوك من استعبدته نفسه فأوهمته بأنه خُلق للراحة والنّعيم، لا مجال للعمل، لا مجال للكدح ولا لعرق الجبين، مقطّب هو دائماً، يتأفف من زمانه، وكأنه ولد ليجد العالم كله مهيأ لخدمته، يعتبر البحث عن وظيفة مذلة، والدراسة كابوسٌ كبير، مساعدة الوالد في أعماله مهانة، وتلبية طلبات أمه معاناة...وفي ذات الوقت لا يتورّع عن طلب النقود، وفي ذات الوقت لا تكفيه أية نقود...
في الصيف ينام كقالب ثلج أمام جهاز التكييف، وفي الشتاء يستلقي كوعاء حساء قُرب المدفأة، ولا غرابة، فالنوم صديقه الحميم!
يُصدّر الأوامر لمن حوله، ويُجنّ جنونه إن لم يُطع، فقد علموه أن طلبات الذكور أوامر، علموه أنه يمتلك صفة تؤهله لأن يسود...
يتباهى بعضلاته التي تعب كثيراً ليصل بها إلى شكلها وحجمها المطلوب، ويخاف في نفس الوقت من الظلمة!
يستعرض ثقافاته اللغوية، بكلمة عربية وأخرى أعجمية، ولا يستطيع تركيب جملة كاملة من لغة غريبة صحيحة، أو حتى عربية فصيحة، فهو واثق أن لا أحد سيدقق، ولا أحد سيستفسر، فكل أقرانه الذين يعرفهم مثله، ولا مكان لمن ينتقد أو يصوّب فهو إذن يعيب.
تحومُ حوله صور لفتيات أحلامه، يهدر عمره من أجل أن يحظى بابتسامة أو نظرة من عابرات على الطريق، يطير فرحاً إن نالها، يبقى يباهي بها أمام الشّلة وكأنه النّصر العظيم...
إنه في زمن العبيد لا يهيم، بل يُعجب فقط ويفضّل التنويع، وعند أول طلب التزام يتقهقهر بجبن، يتخاذل، يتنصل من وعوده، يراوغ يخادع يسوّف، حتى تستسلم لليأس الضحية، وأحياناً يكون هو الضّحية، كلمة تجذبه، ونظرة تسجنه، ليغدو الأسير المعذب مدى الحياة.
إن سألته عن مستقبله ومخططاته، أجابك بغموض واقتضاب، أخبرك بأننا في زمن اللاممكن، في زمن المستحيل، الإنجاز معجزة، التخطيط للحلم تفاهة، الجد والاجتهاد محض تعقيد!
كقطة كسول تراه حيناً نائماً بكل هدوء واستسلام، قد أمن أهل البيت شرّه، وارتاحوا من تذمره... وأحياناً تجده يتقافز كالمجنون، تتساءل عمّا يحدث، يخبرك بأنه يرقص، يعبّر عن شخصيته، ينفّس عن أحزانه، يتسلى فالتسلية حقه الأكبر، والتسلية حقه الأوحد، قدوته مغنّ يتقافز على نغمات صاخبة، يتحرك كآلة، قدوته موطنها غربيّ، هيئتها غربية، رسالتها غريبة.. هيئته غربية، تسريحة شعره، بنطاله قصير الخصر غريب الأطوار غربيّ أيضاً، قميصه الأنثويّ الضيق المتنصل من الأصالة العربية، صفات وملامح، أساليب وشخصيات، عبودية نشأ عليها، ورفعها شعاراً وقد ظنّ بأنها منتهى الحرية، مطلق الحريّة!
وحين تسأله ما معنى الحرية، ما مفهومك للحرية؟
أجاب بأن تكون حراً في كلّ شيء، أن تفعل ما تشاء وقت تشاء كيفما تشاء دون أن يقف أحد في طريقك، دون أن يعترضه معترض!
وللتناقض تراه يبكي بألم أحياناً يشتكي ألا أحد مهتم به، لا أحد يوجهه، لا أحد يراعي أحزانه، ويخفف عناء غربته، وبكل الحزن... أشفقُ عليه...
فلم تكن عبوديته من صنع يديه، ولم تكن مأساته ذنبه، بل ذنب من تهاونوا في تعليمه الفرق بين الخطأ والصواب، واستخفّوا به فتجاهلوا دوره في الحياة...
قنعوا أنهم يحسنون صنعاً حين أتاحوا له كل شيء، لبوا كل رغباته، تفانوا في تأمين احتياجاته، تعاونوا لخدمته، عودوه على كلمة نعم وزجوا بكلمة لا في زنزانة النسيان...
أصبح العبد الأسير اليوم منتفخاً بالوهم كبالون كبير، فلا غرابة أن ينفجر، ولا غرابة أن ينهار!
لقد سئم هو حياته، وسئمنا نحن من زمن العبيد...
موقنة أن للعودة مكان، للترميم محلّ، للتغيير سبيل...
موقنة ألا شيء في هذه الدنيا محال، سأبقى أنادي للتحرر من الأوهام، لاحترام العقل والفطرة، للعودة لفهم وظيفة الإنسان وحقيقة تكريمه في ديننا العظيم...
واثقة بأن الضياع لن يدوم، وستتسع دائرة التأثير، لنشهد جيلاً جديداً يتحلى بالجدية، يتحلى بأروع الخصال، ليدفن المفاهيم الهشّة، ويبدأ ببناء الحياة بسواعد قوية لا تعرف للوهن ولا للأوهام أي سبيل.
سئمتُ زَمَن العَبيد
نُـور مؤيد الجندلي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى