عبير الروح
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
ها قد بدأت أسراب الطيور المهاجرة بالرحيلِ باكراً هذا العام، علائم الخريف لم تَلح بعدُ في الأفق، والصيفُ مازال يغمرنا بدفء ليشعرنا بوهج بمحبته، ويطوقنا بامتنان كبير له إذ أنه قد حفل هذا العام بكثير من الأحداث المتميزة، والإنجازات السعيدة ..
أسرابُ الطيور المسافرة ترحل بعيداً، وبالتأكيد لديها وجهة محددة، وقائدٌ لكل سرب من أسرابها يوجهه نحو الوجهة الصحيحة، حيث المقرّ الدافئ، والحياة الهانئة، وهي تتبعه باستسلام تام، قد اتخذت قرارها بالرّحيل عنّا خوفاً من صقيع البرد يجمّد أجنحتها، ويعطلها عن التحليق،وأرادت السّفر لتؤمن قوتها في مكانٍ آخر، فالشتاء سيحرمها أن تجنيه، وهي ولاشك تفكر بأفراخها الصّغيرة الجائعة ليسد رمقها طعام وفير .. ويرحلُ عنّا أيضاً، كتلك الطيور، أحباءٌ كثر، قد لونوا صيفنا بألوان البهجة، ورسموا فيه ملامح السّعادة فازداد تألقاً، كان وجودهم داخل الوطن فرحة لا تعدلها فرحة، قد أتت بهم محبتهم إلى هنا، وحنينهم لصفاء السماء، ولون العشب، ورائحة التراب، وحب الأهل ..
الأسراب تتماوجُ في السّماء في لوحة ساحرة بديعة، تتواءم معها لوحة أخرى، لأسراب من بني البشر ..
تلاميذ يحملون حقائبهم، ويرتدون الزيّ الأنيق، متجهين إلى مدارسهم.. قد أصغوا باهتمام لتعليمات المدير وتوجيهات المعلمين، وباشروا بالتوجه إلى الصّفوف بانتظام، قد نظروا للمستقبل فرأوا سعادتهم، قد قصدوا رحاب العلم فأضاءت وجهتهم، وطمحوا للصعود إلى مدارج النور فأشرقت نفوسهم، حملوا الكتاب والقلم، أسمى متاع قد يحمله مسافر، وأتوا بأرواحهم النديّة ليعيشوا في أجواء المدرسة، فياليت القائمين على صرح التعليم يحتضنون براعمهم، ويرعون أفراخهم، حتى تشتد أجنحتها فتجيد مجابهة الريح العاتية، والظروف المتقلبة.. وتستعيد الحياة دورتها السّابقة، فتبدأ من جديد ..
ويهاجر الجميعُ إلى غير وجهة ..
بعضنا قد ضاق بحاله في أرض الوطن، فشدّ الرحال بحثاً عن رزق في أمكنة أخرى، أو سافر لينال شهادة أعلى، بحلم أغلى، وتوق للنجاح أكبر .. غادر كتلك الطيور الراحلة واغترب، وجد له وطناً في الغربة، بنى فيه عشّه، واستقرّ عيشه، فنسي أن يعود مع عودة الرّبيع من كل عام، وقد رأى الطيور تحنُّ لسماء الوطن وأرضه، ، فأرسل زاجل الشوق ووعود العودة ..
هاهي شمسُ الوطن تذكره كل سنة، تحيكُ حلة دافئة من أجله، وهاهي الأرضُ بكل توقٍ تنتظره، كأم اشتاقت لأن تحتضن أبناءها، واشتاقوا هم للعودة، وسداد بعض دينها ..
ونهاجرُ نحنُ أيضاً ونرتحل ..
تحركنا الومضة فنهاجر إليها في أعماق كتاب، وتهزّنا العِبرة، فنستميحها عذراً في أن تقبل الترحال معنا من مكان لآخر لتنفعنا عبر مواقف الحياة ..وتسحرنا حكمة، فننصبُ قربها خيام المقام، فلا نرتحل إلا وقد أخذنا منها ما أخذنا من غنيمة ..
ومنّا من يهاجرُ إلى وطن، ومنا من يرحل إلى فكرة ، متاعه ريشة ودواة، ووطنه عقلٌ حكيم، وهجرته أفقٌ رحيب، قد طابت هجرته بطيب ما سلكه من مسافة، وبقدر ما قطعه من مفاوز ..
ومنا من يهاجر إلى القلوب، ليسكنها بلطفٍ آسر، وينشئ فيها جنّته الخاصة، وبستانه الأخضر ..
قد امتلك مفتاح الدخول إليها بجمال داخله، وأسس في كل واحد منها وطناً بحسن تعامله، وروعة خلقه، فاستوطنها عن رغبة وإرادة منها..
فكرة الهجرة قد رافقت الإنسان على مرّ العصور، وستبقى تراوده كما تراوده الأحلام الجميلة ..
قد دفعته منذ القدم لأن يتطور، ويشتد ساعده، ويوسّع مداركه، ويبني حضارته، وهي مع ذلك قد أثرت عقله، وأمدته بالقوّة لمجابهة الصّعاب..
وسيبقى المرء في غربة لا تتلاشى إلا باستقرار الرّوح في وطن يمدّه بألوان من السّكينة والطمأنينة والرّاحة والفرح، وقد قرّت عيناه بما جناه إثر رحلته الطويلة، فأعلن أن لا اغتراب بعدها أبداً ..
مَع السِّربِ المُهاجر ..
نُـور مؤيد الجندلي
أسرابُ الطيور المسافرة ترحل بعيداً، وبالتأكيد لديها وجهة محددة، وقائدٌ لكل سرب من أسرابها يوجهه نحو الوجهة الصحيحة، حيث المقرّ الدافئ، والحياة الهانئة، وهي تتبعه باستسلام تام، قد اتخذت قرارها بالرّحيل عنّا خوفاً من صقيع البرد يجمّد أجنحتها، ويعطلها عن التحليق،وأرادت السّفر لتؤمن قوتها في مكانٍ آخر، فالشتاء سيحرمها أن تجنيه، وهي ولاشك تفكر بأفراخها الصّغيرة الجائعة ليسد رمقها طعام وفير .. ويرحلُ عنّا أيضاً، كتلك الطيور، أحباءٌ كثر، قد لونوا صيفنا بألوان البهجة، ورسموا فيه ملامح السّعادة فازداد تألقاً، كان وجودهم داخل الوطن فرحة لا تعدلها فرحة، قد أتت بهم محبتهم إلى هنا، وحنينهم لصفاء السماء، ولون العشب، ورائحة التراب، وحب الأهل ..
الأسراب تتماوجُ في السّماء في لوحة ساحرة بديعة، تتواءم معها لوحة أخرى، لأسراب من بني البشر ..
تلاميذ يحملون حقائبهم، ويرتدون الزيّ الأنيق، متجهين إلى مدارسهم.. قد أصغوا باهتمام لتعليمات المدير وتوجيهات المعلمين، وباشروا بالتوجه إلى الصّفوف بانتظام، قد نظروا للمستقبل فرأوا سعادتهم، قد قصدوا رحاب العلم فأضاءت وجهتهم، وطمحوا للصعود إلى مدارج النور فأشرقت نفوسهم، حملوا الكتاب والقلم، أسمى متاع قد يحمله مسافر، وأتوا بأرواحهم النديّة ليعيشوا في أجواء المدرسة، فياليت القائمين على صرح التعليم يحتضنون براعمهم، ويرعون أفراخهم، حتى تشتد أجنحتها فتجيد مجابهة الريح العاتية، والظروف المتقلبة.. وتستعيد الحياة دورتها السّابقة، فتبدأ من جديد ..
ويهاجر الجميعُ إلى غير وجهة ..
بعضنا قد ضاق بحاله في أرض الوطن، فشدّ الرحال بحثاً عن رزق في أمكنة أخرى، أو سافر لينال شهادة أعلى، بحلم أغلى، وتوق للنجاح أكبر .. غادر كتلك الطيور الراحلة واغترب، وجد له وطناً في الغربة، بنى فيه عشّه، واستقرّ عيشه، فنسي أن يعود مع عودة الرّبيع من كل عام، وقد رأى الطيور تحنُّ لسماء الوطن وأرضه، ، فأرسل زاجل الشوق ووعود العودة ..
هاهي شمسُ الوطن تذكره كل سنة، تحيكُ حلة دافئة من أجله، وهاهي الأرضُ بكل توقٍ تنتظره، كأم اشتاقت لأن تحتضن أبناءها، واشتاقوا هم للعودة، وسداد بعض دينها ..
ونهاجرُ نحنُ أيضاً ونرتحل ..
تحركنا الومضة فنهاجر إليها في أعماق كتاب، وتهزّنا العِبرة، فنستميحها عذراً في أن تقبل الترحال معنا من مكان لآخر لتنفعنا عبر مواقف الحياة ..وتسحرنا حكمة، فننصبُ قربها خيام المقام، فلا نرتحل إلا وقد أخذنا منها ما أخذنا من غنيمة ..
ومنّا من يهاجرُ إلى وطن، ومنا من يرحل إلى فكرة ، متاعه ريشة ودواة، ووطنه عقلٌ حكيم، وهجرته أفقٌ رحيب، قد طابت هجرته بطيب ما سلكه من مسافة، وبقدر ما قطعه من مفاوز ..
ومنا من يهاجر إلى القلوب، ليسكنها بلطفٍ آسر، وينشئ فيها جنّته الخاصة، وبستانه الأخضر ..
قد امتلك مفتاح الدخول إليها بجمال داخله، وأسس في كل واحد منها وطناً بحسن تعامله، وروعة خلقه، فاستوطنها عن رغبة وإرادة منها..
فكرة الهجرة قد رافقت الإنسان على مرّ العصور، وستبقى تراوده كما تراوده الأحلام الجميلة ..
قد دفعته منذ القدم لأن يتطور، ويشتد ساعده، ويوسّع مداركه، ويبني حضارته، وهي مع ذلك قد أثرت عقله، وأمدته بالقوّة لمجابهة الصّعاب..
وسيبقى المرء في غربة لا تتلاشى إلا باستقرار الرّوح في وطن يمدّه بألوان من السّكينة والطمأنينة والرّاحة والفرح، وقد قرّت عيناه بما جناه إثر رحلته الطويلة، فأعلن أن لا اغتراب بعدها أبداً ..
مَع السِّربِ المُهاجر ..
نُـور مؤيد الجندلي
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى