بنت الاسلام
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه سبحانه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
وبعد :
فالسعادة في هذه الحياة مطلب عظيم، ومقصد جليل، يسعى إليها كل حي، غير أن السعادة والطمأنينة في هذه الحياة لا تحصل إلا بما شرع الله عز وجل لعباده، وما أرشدهم إليه من طاعته ومرضاته، والأخذ بما وضع الحق جل وعلا من سنن، وما شرع من أسباب .
وإن مما شرع الله عز وجل من أسباب السعادة وجبل النفوس عليه الارتباط برباط الزوجية، فإنه من أعظم أسباب السعادة في هذه الحياة، وحصول الطمأنينة والسكينة، وهدوء البال وراحة النفس، متى ما تحقق الوئام بين الزوجين، وكتب التوفيق لهما، ولذا امتن الله تعالى على عباده بهذه النعمة فقال سبحانه: { وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم: 21].
وفي الحديث عند الإمام أحمد وغيره بإسناد صحيح أن رسول الله قال: ((أربع من السعادة)) وعدّ منها ((الزوجة الصالحة))[ أخرجه بهذا اللفظ ابن حبان في صحيحه [4032] والبيهقي في الشعب (7/82) من حديث سعد بن أبي وقاص، وصحح الألباني سنده على شرط الشيخين: السلسلة الصحيحة [282]. وأما لفظ أحمد في المسند (1/168) فهو: ((من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقوة ابن آدم ثلاثة، من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة...)) إلى آخر الحديث، وصححه الحاكم (2/162).]، وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) [ أخرجه مسلم في كتاب الرضاع [1467].].
فالنكاح من سنن المرسلين، وهدي الصالحين، وقد أمر به ربنا جل وعلا في كتابه بقوله: { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } [النساء: 3]، كما رغب فيه سيد المرسلين بفعله، وحث عليه بقوله: ((وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) [أخرجه البخاري في كتاب النكاح [5063]، ومسلم في كتاب النكاح [1401] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه]، ووجه شباب الأمة إلى المبادرة بالزواج حيثما يجد أحدهم القدرة على تحمل المسؤولية، والقيام بشؤون الحياة الزوجية، حيث قال : ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)) رواه البخاري ومسلم[أخرجه البخاري في كتاب الصوم [1905]، ومسلم في كتاب النكاح [1400] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.].
أولاً ـ اختيار الزوجة :
لقد أرشد الإسلام الحنيف مريد النكاح إلى اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين القويم، والخلق الكريم، والمنشأ الطيب، الودود الولود، فقال : ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) أخرجاه في الصحيحين[أخرجه البخاري في النكاح [5090]، ومسلم في كتاب الرضاع [1466] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
وروى أبو داود والنسائي عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم)) [أخرجه أبو داود في كتاب النكاح [2050]، والنسائي في كتاب النكاح [3227]، وصححه ابن حبان [4056، 4057 ـ الإحسان ـ]، والحاكم (2/162)، ووافقه الذهبي، وصححه الحافظ في الفتح (9/111)، والألباني في صحيح سنن أبي داود [1805]].
والزوج عليه أن يسأل عن الأخت المسلمة التي ينوي الارتباط بها، عليه أن يسأل عن دينها وخلقها وأدبها، عليه أن يتروى في اختيار شريكة حياته وأم أولاده والمؤتمنة على سره ولا يتسرع، فالحياة تحتاج إلى تكامل وانسجام الزوج وزوجته، وسرعان ما تخبو العواطف المشبوبة والمشاعر المتأججة، والأحاسيس الملتهبة، ما لم تقم على أساس من الصدق والحب والتفاهم والإخلاص ووحدة الهدف... والبيت السعيد هو البيت الذي تعتقد ربته أنها بالنسبة لزوجها أم وأخت وصديقة وحبيبة، فيعيش لها الزوج بمثابة الأب والأخ والصديق والحبيب.. تصوروا معي أسرة تنشأ في ظل هذه المعاني، ماذا يكون أبناؤها؟ إنهم المتفوقون دائماً في كل حياتهم، النافعون للوطن، وللأمة الإسلامية، إنهم الأمل الذي نبحث عنه .
وما عناية رسول الهدى ، وحثه على اختيار المرأة الصالحة ذات الدين ، إلا لما يؤمل منها من قيام بالحقوق الزوجية، ورعاية شؤون الزوج، وتربية الأولاد، وبناء الأسرة على أسس من التقوى والإيمان.
وإذا لم يكن إلا المال، من غير دين... فلا. وإذا لم يكن إلا الحسب، من غير دين... فلا.
ذلك أن: جمال الوجه مع قبح النفوس *** كقنديلٍ على قبر المجوسي
أما إذا كان مع الدين، جمال، ومال وحسب فبالأولى، ولكن مع ذلك يستهدف الدين أولاً.
وقد كان أسلافنا الصالحون حِرَاصاً على ابتغاء ذات الدين، مهما تكن عاطلاً من حلية الحسب والنسب، والمال والجمال. وآية ذلك، صنيع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إيثاره ابنة بائعة اللبن زوجاً لابنه عاصم، وقد كان - رضي الله عنه - يتمنى أن تكون زوجة له لو كانت به حاجة إلى زواج، على ما روى الثقات من المؤرخين وفي طليعتهم الإمام ابن الجوزي في تأريخه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب حيث يقول:
(روى ابن زيد عن جد "أسلم" قال: بينما كنت مع عمر بن الخطاب - وهو يعّس بالمدينة - إذا هو قد أعيا فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل فإذا امرأة تقول لابنتها: يا بنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه (أي اخلطيه) بالماء، فقالت لها ابنتها: يا أُمتاه، أما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم، ألا يُشاب اللبن بالماء، فقالت الأم: قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك في موضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر، فقالت البنت لأمها: والله ما كنت لأطيعه علانية وأعصيه سراً، وكان أمير المؤمنين - في استناده إلى الجدار - يسمع هذا الحوار فالتفت إليّ يقول: يا أسلم، ضع على هذا الباب علامة، ثم مضى أمير المؤمنين في عسه، فلما أصبح، ناداني: يا أسلم امض إلى البيت الذي وضعت عليه العلامة، فانظر من القائلة، ومن المقول لها؟ انظر هل لهما من رجل؟ يقول أسلم: فمضيت، فأتيت، الموضع فإذا ابنة لا زوج لها، وهي تقيم مع أمها وليس معهما رجل، فرجعت إلى أمير المؤمنين عمر فأخبرته الخبر، فدعا إليه أولاده، فجمعهم حوله ثم قال لهم: هل منكم من يحتاج إلى امرأة فأزوجه؟ لو كان بأبيكم حركة إلى النساء، ما سبقه أحد منكم إلى الزواج بهذه المرأة التي أُعرف نبأها، والتي أحب لأحدكم أن يتزوجها. فقال عاصم يا أبتاه تعلم أن ليس لي زوجة فأنا أحق بزواجها، فبعث أمير المؤمنين من يخطب بنت بائعة اللبن لابن أمير المؤمنين عاصم، فزوجه بها، فولدت له بنتاً تزوجها عبد العزيز بن مروان، فولدت له خامس الخلفاء الراشدين الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليهم أجمعين.
كان من يمن هذا التصرف الكريم أن جاءت ثمرة هذا الزواج، خليفة لا تعرف الإنسانية له نظيراً في عدالته، وزهادته، وسعادة رعاياه به، - رضي الله عنه - وتسألني الآن عن صفات ذات الدين من النساء؟
وأجيبك بما قاله صفوة البشر صلى الله عليه وسلم فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ألا أخبركم بخير ما يكنــز المرء؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر اليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته]. ( رواه أبو داود والبيهقي ) .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل، خيراً له، من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله] . (رواه ابن ماجه ).
وإذا كان هذا هو وصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للمرأة الصالحة المتدينة فإنه ولا شك أنها موجودة في البيئة الصالحة الطيبة، فإن كان رب البيت من الصالحين الأتقياء فلا بد من أن تكون بنياته من العفيفات المتدينات، ولهذا نصح الشاعر المسلم بقوله:
وإن تزوجت فكن حاذقاً *** واسأل عن الغصن وعن منبته
واسأل عن الصهر وأحواله *** من جيرة وذي قربتـــــه
إن أول أساس وضعه لك الإسلام، لاختيار شريكة العمر، أن تكون صاحبة دين، ذلك أن الدين يعصم المرأة من الوقوع في المخالفات، ويبعدها عن المحرمات، فالمرأة المتدينة بعيدة عن كل ما يغضب الرب، ويدنس ساحة الزوج.
أما المرأة الفاسدة المنحرفة البعيدة عن هدى دينها، وتعاليم إسلامها، فلا شك أنها تقع في حبائل الشيطان بأيسر الطرق، ولا يؤمن عليها أن تحفظ الفرج، أو تصون العرض، بل إن الخطر يشتد إذا كان مع الفساد جمال، ومع الجمال مال.
من أجل ذلك بالغ الإسلام في حَثَّك على اختيار ذات الدين، وحضك على البحث عنها في كل بيت مسلم أمين .
أما الأساس الثاني لاختيار شريكة الحياة فهو أن تكون صاحبة خلق ، والحقيقة أن هذا العنصر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأساس الأول الذي هو الدين، ذلك أن المتدينة لا بد من أن تكون صاحبة خلق رفيع ، لأن دينها سيمنعها من فحش القول ، وبذاءة اللسان، وسوء المنطق وثرثرة الكلام، وعلى كل فحسن الخلق أساس قويم، ومنهج حكيم في البحث عن المرأة الصالحة ، ( وصدق لقمان الحكيم عندما قال لولده يا بني اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل المشيب، يا بني استعذ بالله من شرار النساء، واسأله خيارهن، فاجهد نفسك في الحصول على الصالحة الطيبة تلق السعادة أبد الحياة) (انظر إحياء علوم الدين ج 2 ص 45 ) .
ومن الأسس التي فصل الإسلام فيها القول عند اختيار شريكة الحياة هو أن يكون هناك تقارب في السن والثقافة، والنسب، وهذا هو ما يطلق عليه في فقهنا الإسلامي باسم (التكافؤ بين الزوجين)، وذلك لحفظ مستوى الحياة الزوجية، والإنسجام بين الزوج وزوجه .
ثم إن الإسلام طالبك ورغبك بأن تكون امرأتك التي تريد الزواج بها بكراً، وما رغب في ذلك إلا لأن طبعك الإنساني يألف الجديد، وينفر من امرأة مسها واحد قبلك، ولهذا قال نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم لصاحبه الجليل جابر بن عبدالله عندما علم أنه تزوج ثيباً: [هلا بكراً تلاعبك وتلاعبها] ، فعلل الصاحب الجليل زواجه بالثيب بأن أباه قد مات وترك له أخوات صغيرات يحتجن إلى الرعاية والعناية، وأن الثيب في هذه الحالة أقدر على رعاية البيت، ولولا هذا الذي قدره الله وقضاه لكانت بكراً، وفي المرأة البكر فوائد جليلة، ومحاسن وفيرة، حيث إنها تجعل كل حبها لهذا الذي اختارها من بين آلاف النساء، وما الحب إلا للحبيب الأول، ثم إنها لم تجرب الرجال من قبل فلا شك في أنها ستمنح من يتزوج بها جميع ما تملك من مودة وحنان، ولذلك قال حبيب الطائي:
نقل فؤادك حيث شئت الهوى *** ما الحبُّ إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبداً لأول منــزل
ومن الأسس التي وضعها لك الإسلام، أن تختار المرأة الولود.
والولود تعرف بشيئين:
الأول: خلو جسدها من الأمراض التي تمنع الحمل، ويرجع في هذا إلى المتخصصين من الأطباء الذين هم أهل الذكر في هذا الشأن، وهو ما رأته بعض الدول من ضرورة العرض على الأطباء قبل الزواج.
الثاني: أن ننظر في حال أمها وعشيرتها، وأخواتها المتزوجات، فإن كنَّ من الصنف الولود فهي ولود في الغالب - إذا أراد الله - ذلك أن للوراثة من الأدوار ما لا يخفى، ومن أجل ذلك أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالبحث عن المرأة الولود.
فعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول: [تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة]. رواه أبو داود والنسائي .
وعن معقل بن يسار، قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسن وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: "لا"، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: [ تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ] (رواه النسائي وأبو داود ).
أما حينما تكون الزوجة ضعيفة الديانة، سيئة الخلق، فإنه لا يؤمَّل منها بناء أسرة صالحة، ولا يتحقق بسببها هناءٌ ولا سعادة، بل قد تكون سبب عناء وبلاء على الزوج، ولذا جاء التحذير من الانخداع بجمال المرأة الظاهر، دون نظر إلى الجمال الحقيقي، والمتمثل في الدين ومكارم الأخلاق، وطيب المعشر، فقد روي عنه قوله: ((لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين)) رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما[أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح [1859]، والبيهقي في السنن الكبرى (7/80)، والبزار في مسنده (6/413) وغيرهم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وفي سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب [1209]].
فما هذه التوجيهات النبوية إلا مظهر من مظاهر عناية الإسلام بأمر النكاح، وتوجيه الزوج نحو ما يحقق له حياة هنيئة، وسعادة زوجية.
أما فيما يتعلق بالزوجة فإن من عناية الإسلام بأمرها ما وجه إليه أولياء أمور النساء من ترغيبهن في النكاح، والحرص على تزويجهن بالأكفاء، وقبول الخاطب إذا خطبهن، والحذر من ردّه متى كان صالحًا في دينه، مستقيمًا في أخلاقه، فقد جعل رسول الله ذلك هو المعيار للقبول أو الردّ، دون اعتبار لغير ذلك من معايير تواطأت عليها بعض المجتمعات، وتعارف عليها بعض الناس، مما لا أصل له في دين الإسلام، بل ربما ترتب عليها من المفاسد والأضرار ما لا يعلمه إلا الله، ولذا قال : ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) رواه الترمذي وابن ماجه[أخرجه الترمذي في كتاب النكاح [1084]، وابن ماجه في كتاب النكاح [1967] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الحاكم (2/164ـ 165)، وتعقبه الذهبي بأن فيه عبد الحميد بن سليمان قال فيه أبو داود: كان غير ثقة، وفيه أيضًا ابن وثيمة لا يعرف. ثم اختلف في إسناده، فنقل الترمذي عن البخاري أنه يرجح انقطاعه. ولكن للحديث شواهد يتقوى بها. ولذا حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة [1022]].
وإن مما يُؤسَى له أن يَعمَد بعض الأولياء إلى عَضْل[العضل هو التضييق ومنع المرأة من الزواج ظلمًا] من تحت ولايته من النساء، من بنات وأخوات، لأطماع مادية، أو لعادات اجتماعية، لا أصل لها في شريعة الإسلام، فيلحق بمولياته من عظيم الضرر، وشديد الحسرة والألم ما الله به عليم.
ألا يتقي الله أولئك الأولياء بهذا الصنيع الذي يستوجب غضب الله تعالى عليهم، ومساءلتهم عنه يوم القيامة، فقد قال : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)) [أخرجه البخاري في كتاب الجمعة [893]، ومسلم في كتاب الإمارة [1829]، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما].
فيا أولياء أمور بنات المسلمين اتقوا الله تعالى في كل ما تأتون وتذرون، وتلمسوا أسباب الخير والبركة في كل ما تريدون وتقصدون. ولتعلموا أن أقوى الأسباب في حلول البركة في الزواج، وحصول التوفيق فيه صلاح الزوجين واستقامتهما على طاعة الله ومرضاته، وتحليهما بآداب الإسلام وشمائله، وتيسير مؤونة النكاح وتكاليفه، والبعد عن مظاهر الإسراف فيه، فذلك كله من أقوى العوامل، وأجدى الوسائل في حصول السعادة والتوفيق في الحياة الزوجية، فقد قال في معرض التوجيه للأمة للأخذ بأسباب البركة والتوفيق في النكاح: ((أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة)) رواه الإمام أحمد وغيره[أخرجه أحمد (6/145)، والنسائي في الكبرى (5/402) والبيهقي في السنن (7/235)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه الحاكم (2/178)، ووافقه الذهبي، وفي سنده ابن سخبرة لا يدرى من هو. ولذا ضعف الألباني هذا الحديث في السلسلة الضعيفة [1117]]، وروى أهل السنن عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم به رسول الله )[ أخرجه أحمد (1/40 ـ 41، 48)، وأبو داود في كتاب النكاح [2106] والترمذي في كتاب النكاح [1114]، والنسائي في كتاب النكاح [3349]، وابن ماجه في كتاب النكاح [1887]، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح" وصححه ابن حبان [4620 ـ الإحسان ـ]، والحاكم (2/175 ـ 176)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود [1852]].
ثانياً ــ اختيار الزوج :
على الأخت المسلمة الواعية ألا تقبل الزواج من رجل إلا بعد أن تكون قد درست أخلاقه وصفاته ودرست كذلك أسرته الكبيرة، وعرفت عنه ما يلزم لها، كي تشعر بأمان واطمئنان، وتقبل إلى الحياة الهانئة معه في ظل قناعة ورضا وقبول وحب يجب أن تتروى الأخت المسلمة حتى تستمع إلى نصائح والدتها ووالدها وأقاربها ، وصديقاتها المؤتمنات على الأسرار، حتى تنجح في اختيار الزوج الذي يناسبها، وتعيش معه في ظل سعادة وهناء وراحة بال.
إن أول أساس وضعه الإسلام، لاختيار شريك العمر، أن يكون صاحب دين، ذلك أن الدين يعصم الرجل من الوقوع في المخالفات ، ويبعده عن المحرمات، فالرجل المتدين بعيد عن كل ما يغضب الرب، ويدنس ساحة الزواج.
أما الرجل الفاسد المنحرف البعيد عن هدى دينه، وتعاليم إسلامه، فلا شك أنه يقع في حبائل الشيطان بأيسر الطرق، ولا يؤمن عليه أن يحفظ الفرج، أو يصون العرض، بل إن الخطر يشتد إذا كان مع الفساد هوى، ومع الهوى مال .
وأما الأساس الثاني فهو أن يكون الزوج ذا خلق ، والحقيقة أن هذا العنصر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأساس الأول الذي هو الدين، ذلك أن المتدين لا بد من أن يكون صاحب خلق، لأن دينه سيمنعه من فحش القول، وبذاءة اللسان، وسوء المنطق وثرثرة الكلام، وعلى كل فحسن الخلق أساس قويم، ومنهج حكيم في البحث عن الرجل .
ثالثاً ــ عرض الرجل ابنته على الصالحين:
ينبغي للرجل الصالح أن يعرض ابنته على الرجل الصالح الذي يرى فيه صلاحا لابنته .
1 ـ فالله عز وجل في كتابه الكريم ، يقص علينا قصة موسى بن عمران وشعيب عليهما السلام حين عرض شعيب عليه السلام ابنته على موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام ليتزوجها؛ لأن شعيبا عليه الصلاة والسلام رأى أن موسى عليه السلام صالح وهو لم يعرفه .
2 ـ وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد مات زوج ابنته حفصة:
(لقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فقال: سأنظر في أمري فلبث ليالي ثم لقيته فعرضت ذلك عليه فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج فلقيت أبا بكر فقلت له: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فصمت ولم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبث ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحها إليه فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت على حفصة فلم أرجع إليك فقال: نعم فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله ولو تركها لقبلتها.
3 ـ وهذا الرسول عليه السلام يختار لابنته فاطمة رضي الله عنها صاحب الدين والشجاعة والإيمان علي بن أبي طالب ليكون زوجا لها فكان هذا الزواج أسعد زواج عرفه المسلمون.
4 ـ وهذا سعيد بن المسيب كبير علماء التابعين يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويزوج ابنته لرجل فقير وهو عبد الله بن وداعة ولكنه صالح تقى فاختار ابن المسيب عبد الله بن وداعة هذا الفقير الصالح التقي أن يكون زوجاً لابنته على الوليد ابن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فضرب ابن المسيب الجاه والمنصب والسلطان عرض الحائط فاستمع هذه القصة يرويها عبد الله بن وداعة فقال: كنت أجلس مع سعيد بن المسيب فتفقدني أياما فلما أتيته قال أين كنت: قلت توفيت زوجتي فاشتغلت بها، قال هلا أخبرتنا فشهدناها ثم أردت أن أقوم قال: هل استحدثت امرأة؟ فقلت يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أوثلاثة؟ فقال أنا فقلت وتفعل؟ فقال: نعم فحمد الله تعالى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على درهمين أو قال ثلاثة ثم قمت وما أدري ما أصنع من الفرح، وجعلت أفكر ممن أستدين فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي فأسرجت وكنت صائماً فقدمت عشائي وكان خبزاً وزيتاً وإذا ببابي يقرع فقلت: من هذا؟ قال سعيد. ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب لأنه لم ير أربعين سنة إلا بين داره والمسجد، ثم خرجت إليه فإذا هو سعيد بن المسيب فظننت أنه قد بدا له "فقلت يا أبا محمد لو أرسلت إلي لأتيتك. فقال لا أنت أحق أن تؤتى قلت: فما تأمر؟ قال: إنك كنت رجلا عزبا، فكرهت أن أبيتك الليلة وحدك وهذه امرأتك، وإذا هي قائمة خلفه في طوله، ثم أخذها بيدها فدفعها في الباب ورده فاستوثقت من الباب ثم تقدمت إلى القصعة التي فيها الخبز والزيت فوضعتها في ظل السراج لكيلا تراه ثم صعدت السطح فرميت الجيران فجاؤني وقالوا: ما شأنك؟ قلت: ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم وقد جاء بها الليلة على غفلة فقالوا: أو سعيد زوجك؟ قلت: نعم. فنزلوا إليها وبلغ ذلك أمي فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام. فأقمت ثلاثا ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل النساء، وأحفظ الناس لكتاب الله تعالى وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزواج ثم مكثت شهرا لا يأتيني سعيد ولا آتيه. فلما كان بعد الشهر أتيته وهو في حلقته فسلمت عليه فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تفرق الناس فقال : ما حال ذلك الإنسان؟ فقلت: بخير يا أبا محمد. ثم انصرفت إلى منزلي فوجه إلي بعشرين ألف درهم..
5 ـ وكان بمدينة مرو رجل يقال له: نوح بن مريم وكان رئيس البلد وقاضيها وذا نعمة وجاه موفقا. وكانت له بنت ذات جمال وبهاء وكمال، فخطبها منه جماعة من الأكابر والرؤساء وأصحاب المال والثراء، فلم ينعم بها لأحد منهم. وحار في أمرها وكان له عبد هندي أسود اسمه مبارك، وكان له أشجار وبساتين فقال لذلك العبد: اذهب إلى البساتين واحفظ ثمرها. فمضى إليها وأقام بها شهرين ثم جاء سيده يلقي نظرة على بساتينه وجلس تحت شجرة باسقة يأخذ الراحة لنفسه ويمعن طرفه في هذه الثمار اليانعة، التفت السيد إلى مملوكه وقال له: يا مبارك ائتني بقطف من العنب فأسرع مبارك وجاءه بقطف من العنب، وتناول السيد حبة منه فإذا هو حامض فقال: يا مبارك إنك أتيتني بقطف حامض فائتني بغير هذا، وأسرع مبارك ثانية فجاء بقطف وناوله إياه، فأكل السيد منه فوجده حامضا. وهنا كاد الغضب يستولي على السيد لولا ما يتحلى به من الحلم والأناة فكتم غضبه واتجه إلى مبارك قائلا: لماذا لم تأتني بقطف حلو والبستان مملوء من جميع الأنواع؟ ويجيب مبارك ببراءة وصدق قائلا: يا سيدي، أنا لا أعرف الحلو فيه من الحامض، واستغرب السيد هذا القول، عامل البستان لا يفرق الحلو من الحامض، ثم صارح مباركاً قائلا: لك شهران في البستان ولا تعرف فيه الحلو من الحامض، وانبرى مبارك يؤكد لسيده ويقسم له إنه لا يعرف الحلو من الحامض لأنه خلال هذه المدة لم يذق من البستان ثمرة واحدة، وزاد استغراب السيد من كلامه هذا قائلا: ولم لا تأكل منه؟ وما الذي منعك من تناول هذه الثمار التي بين يديك؟ وعاد مبارك يقول ببساطة: إنك أمرتني بحفظه ولم تسمح لي بالأكل منه فأنا أنفذ ما أمرتني به وما كنت لأخون في مالك وأخالف أمرك، والله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
فعجب سيده من ورعه وأمانته وصدقه ودينه، وأطرق السيد قليلاً ودارت في ذاكرته أشياء كثيرة واهتدى إلى أمر قرره في نفسه وشرع يعمل على إنفاذه: إن ابنته الحلوة الجميلة التي ضن بها على الرؤساء وأصحاب الثراء لهي خير هدية يقدمها إلى هذا الإنسان الأمين الطيب، وإنه لجدير بأن يحظى بهذه الفتاة الرائعة لقاء ما يتمتع به من خلق كريم وأمانة وصدق، ولكن هل يجد عقبات في إتمام هذا المشروع الأخير؟ قد يكون ذلك، ولكنه يستعين بالله تعالى على تذليل العقبات- إن وجدت- ويلتفت السيد إلى مبارك يقول: يا مبارك إني أستشيرك في أمر فأشر علي بما ترى فإني رأيتك ذا عقل وروية فقال مبارك: رحماك يا سيدي أنا عبد مملوك لك، فمرني بما تريد أنفذ إرادتك حسب استطاعتي قال السيد: نعم، إن لي بنتا هي آية في الجمال والكمال وقد خطبها كثير من الرؤساء والزعماء وأصحاب الجاه والثروة وقد حرت في أمر تزويجها ولمن أعطيها فأشر علي في هذا الأمر. قال مبارك: يا سيدي، كان الناس في الجاهلية يرغبون في الأصل والنسب والحسب، واليهود والنصارى يرغبون في الحسن والجمال، وفي زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبون في الدين والتقوى وفي زماننا يرغبون في المال والجاه، فاختر لنفسك ولبنتك من هذه الأشياء ما شئت. كان السيد يصغى إلى مبارك فوجد في كلامه حكمة يعجز عنها الفصحاء والحكماء.
فازداد له حبا وبه تعلقا فقال: يا مبارك، إني راغب في الدين والتقوى، ثم أردف يقول: وإني وجدتك ذا دين وأمانة وتقوى وإني عزمت على أن أزوجك بها قال مبارك: يا سيدي، أنا عبد رقيق أسود وقد اشتريتني بمالك فكيف تزوجني بابنتك وكيف ترضى ابنتك بي؟!! وكانت هذه هي العقبة التي جالت في فكره ولكنه كان يعهد في ابنته الصلاح والتقوى أيضا إلى جانب جمالها، لذا كان أمله قويا في استجابة ابنته لرغبته، ورضاها في الزواج ممن ارتضاه لها واتجه السيد إلى مبارك قائلا: اتبعني.. ودخلا بيت السيد بدون مقدمة ولا توسل قال السيد لابنته: يا ابنتي اسمعي: إني رأيت هذا الغلام تقيا أمينا صالحا وإني رغبت في أن أزوجك منه فما رأيك؟! وأجابت البنت على الفور: أنا ابنتك وأمري إليك لا أعصيك أبدا ولا أخالفك وأنا أرضى بما رضيته لي.. وكذلك وافقت الأم على ذلك بكل سرور واطمئنان، وتم الزواج وأعطاها السيد مالا كثيرا معينا به في حياتهما وعاشا سعيدين موفقين، ولم تمض فترة على هذا الزواج حتى رزقا بمولود سمياه عبد الله، واشتهر عبد الله بن مبارك المعروف عند العلماء الصالحين رضي الله عنه ونفعنا به. وتلك ثمرة الأمانة العاجلة في الدنيا قبل الآخرة.
خاتمة :
فإلى الآباء الذين أعرضوا عن تزويج بناتهم بأصحاب الدين والخلق وباعوا بناتهم للفساق والفجار رغبة في مالهم وجاههم غير مبالين بأي نقص في الدين نقول اتقوا الله واعلموا أن بناتكم بأيديكم أمانة ، فلقد روى ابن حبان بسند صحيح (من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها)[ ذكر الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ، المجلد الثاني ؛ الباب الثاني ، الحديث 7: أن ابن حبان رواه في الثقات من قول الشعبي بإسناد صحيح] ؛ فبمن تطمعون لبناتكم؟ أبصاحب مال و عقار و حذاء و كساء وبناء ، ولو كان دينه ما كان .. أم ماذا؟
فعلى الآباء أن يزوجوا بناتهم من أصحاب الدين والخلق والمروءة وأن يختاروا لبناتهم الزوج الصالح ذا الصفات الكريمة فكفاءة الدين والخلق هي المهم في القبول لا كفاءة المال.
لقد شرع الله عز وجل النكاح لمصالح الخلق، وعمارة هذا الكون، ففي النكاح مصالح عظمى، ومنافع كبرى، وإنه بقدر عناية المجتمع وحرص الأمة على أمر النكاح، والسعي في تزويج الناشئة، وتسهيل سبل النكاح، وتيسير أسبابه، يتحقق للأمة ما تؤمل من سعادة أبنائها، وحصول الأمن والطمأنينة في مجتمعاتها.
غير أن الواقع المؤلم أن كثيرًا من المجتمعات المسلمة اليوم قد ابتعدت عن هدي الإسلام، وتشريعاته الداعية إلى تسهيل سبل النكاح، وتيسير أسبابه، حيث يغالي البعض في طلب المهور العالية، والتكاليف الباهظة، ويسرفون في إقامة الولائم والحفلات، ويبذلون في سبيل ذلك الأموال الطائلة، التي تبدد مال الأغنياء وتثقل كاهل الفقراء، مما كان عائقًا لكثير من الشباب عن الإقدام على الزواج، لعجزهم عن أعبائه وتكاليفه، ومما ترتب عليه أيضًا حرمان كثير من الفتيات عن حقهن المشروع في الزواج، وعضلهن عن النكاح بالأكفاء، فكم في المجتمعات المسلمة من فتيان وفتيات قد حيل بينهم وبين ما جبلوا عليه من الرغبة في النكاح، وبناء الأسرة، والعيش تحت ظلها الوارف، بسبب تكاليف الزواج الباهظة، أو بسبب ما للعوائق من العادات والتقاليد الاجتماعية المخالفة لهدي الإسلام وتعاليمه، مما أدى إلى مفاسد وأضرار عظمى في بعض المجتمعات المسلمة، وانحراف بعض الناشئة عن طريق العفاف والفضيلة.
وهذا مما يدفع الجميع ( جميع المسلمين ) لتتضافر منهم الجهود، ولا سيما من ذوي التأثير في المجتمع من العلماء والوجهاء، والمصلحين والمفكرين، وحملة الأقلام ورجال الإعلام، في الحث على تسهيل أمور النكاح، وتيسير أسبابه ووسائله، ونشر الوعي العام بذلك في المجتمعات المسلمة، تحقيقًا لمصالح الأمة، ودرءًا للأضرار والأخطار عنها، فقد قال الله عز وجل: } وَأَنْكِحُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ { [النور: 32].
وعلى المسلمين أن يعملوا على العناية بتزويج الناشئة، وتيسير أسباب النكاح عليهم، كي يقدموا عليه بارتياح وطمأنينة، ويقيموا أسرًا صالحة، تكون لبنة عاملة في الأمة، إذ بهذا تصلح المجتمعات وتسعد الأمة، ويتحقق لها ما تؤمل من عزّ أبنائها، ورقي مجتمعاتها، واستقامة شؤونها وصلاح أحوالها ، وبذلك تحصل السعادة الدنيوية التي هي مقدمة للسعادة الأخروية الأبدية .
ألا وصلوا على نبي الرحمة والهدى، كما أمركم بذلك المولى جل وعلا فقال: } إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً { [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد إمام المتقين،وسيد الأولين والآخرين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين،الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعملون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي،وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك يا أكرم الأكرمين.
سلسلة إصلاح الأسرة (1) علاقة الحماة بكنتها !!!
سلسلة إصلاح الأسرة (2) الوفاق خير من الشقاق !!!
سلسلة إصلاح الأسرة (3) السعادة في الاختيار الصحيح !!!
سلسلة إصلاح الأسرة (4) مفاهيم وقيم خير الأمم !!!
سلسلة إصلاح الأسرة (5) الإسلام والعفة في الأسرة والمجتمع ؟؟؟
سلسلة إصلاح الأسرة (3)
السعادة في الاختيار الصحيح !!!
حسام الدين سليم الكيلاني
وبعد :
فالسعادة في هذه الحياة مطلب عظيم، ومقصد جليل، يسعى إليها كل حي، غير أن السعادة والطمأنينة في هذه الحياة لا تحصل إلا بما شرع الله عز وجل لعباده، وما أرشدهم إليه من طاعته ومرضاته، والأخذ بما وضع الحق جل وعلا من سنن، وما شرع من أسباب .
وإن مما شرع الله عز وجل من أسباب السعادة وجبل النفوس عليه الارتباط برباط الزوجية، فإنه من أعظم أسباب السعادة في هذه الحياة، وحصول الطمأنينة والسكينة، وهدوء البال وراحة النفس، متى ما تحقق الوئام بين الزوجين، وكتب التوفيق لهما، ولذا امتن الله تعالى على عباده بهذه النعمة فقال سبحانه: { وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم: 21].
وفي الحديث عند الإمام أحمد وغيره بإسناد صحيح أن رسول الله قال: ((أربع من السعادة)) وعدّ منها ((الزوجة الصالحة))[ أخرجه بهذا اللفظ ابن حبان في صحيحه [4032] والبيهقي في الشعب (7/82) من حديث سعد بن أبي وقاص، وصحح الألباني سنده على شرط الشيخين: السلسلة الصحيحة [282]. وأما لفظ أحمد في المسند (1/168) فهو: ((من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقوة ابن آدم ثلاثة، من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة...)) إلى آخر الحديث، وصححه الحاكم (2/162).]، وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) [ أخرجه مسلم في كتاب الرضاع [1467].].
فالنكاح من سنن المرسلين، وهدي الصالحين، وقد أمر به ربنا جل وعلا في كتابه بقوله: { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } [النساء: 3]، كما رغب فيه سيد المرسلين بفعله، وحث عليه بقوله: ((وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) [أخرجه البخاري في كتاب النكاح [5063]، ومسلم في كتاب النكاح [1401] من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه]، ووجه شباب الأمة إلى المبادرة بالزواج حيثما يجد أحدهم القدرة على تحمل المسؤولية، والقيام بشؤون الحياة الزوجية، حيث قال : ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)) رواه البخاري ومسلم[أخرجه البخاري في كتاب الصوم [1905]، ومسلم في كتاب النكاح [1400] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.].
أولاً ـ اختيار الزوجة :
لقد أرشد الإسلام الحنيف مريد النكاح إلى اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين القويم، والخلق الكريم، والمنشأ الطيب، الودود الولود، فقال : ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) أخرجاه في الصحيحين[أخرجه البخاري في النكاح [5090]، ومسلم في كتاب الرضاع [1466] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
وروى أبو داود والنسائي عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم)) [أخرجه أبو داود في كتاب النكاح [2050]، والنسائي في كتاب النكاح [3227]، وصححه ابن حبان [4056، 4057 ـ الإحسان ـ]، والحاكم (2/162)، ووافقه الذهبي، وصححه الحافظ في الفتح (9/111)، والألباني في صحيح سنن أبي داود [1805]].
والزوج عليه أن يسأل عن الأخت المسلمة التي ينوي الارتباط بها، عليه أن يسأل عن دينها وخلقها وأدبها، عليه أن يتروى في اختيار شريكة حياته وأم أولاده والمؤتمنة على سره ولا يتسرع، فالحياة تحتاج إلى تكامل وانسجام الزوج وزوجته، وسرعان ما تخبو العواطف المشبوبة والمشاعر المتأججة، والأحاسيس الملتهبة، ما لم تقم على أساس من الصدق والحب والتفاهم والإخلاص ووحدة الهدف... والبيت السعيد هو البيت الذي تعتقد ربته أنها بالنسبة لزوجها أم وأخت وصديقة وحبيبة، فيعيش لها الزوج بمثابة الأب والأخ والصديق والحبيب.. تصوروا معي أسرة تنشأ في ظل هذه المعاني، ماذا يكون أبناؤها؟ إنهم المتفوقون دائماً في كل حياتهم، النافعون للوطن، وللأمة الإسلامية، إنهم الأمل الذي نبحث عنه .
وما عناية رسول الهدى ، وحثه على اختيار المرأة الصالحة ذات الدين ، إلا لما يؤمل منها من قيام بالحقوق الزوجية، ورعاية شؤون الزوج، وتربية الأولاد، وبناء الأسرة على أسس من التقوى والإيمان.
وإذا لم يكن إلا المال، من غير دين... فلا. وإذا لم يكن إلا الحسب، من غير دين... فلا.
ذلك أن: جمال الوجه مع قبح النفوس *** كقنديلٍ على قبر المجوسي
أما إذا كان مع الدين، جمال، ومال وحسب فبالأولى، ولكن مع ذلك يستهدف الدين أولاً.
وقد كان أسلافنا الصالحون حِرَاصاً على ابتغاء ذات الدين، مهما تكن عاطلاً من حلية الحسب والنسب، والمال والجمال. وآية ذلك، صنيع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إيثاره ابنة بائعة اللبن زوجاً لابنه عاصم، وقد كان - رضي الله عنه - يتمنى أن تكون زوجة له لو كانت به حاجة إلى زواج، على ما روى الثقات من المؤرخين وفي طليعتهم الإمام ابن الجوزي في تأريخه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب حيث يقول:
(روى ابن زيد عن جد "أسلم" قال: بينما كنت مع عمر بن الخطاب - وهو يعّس بالمدينة - إذا هو قد أعيا فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل فإذا امرأة تقول لابنتها: يا بنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه (أي اخلطيه) بالماء، فقالت لها ابنتها: يا أُمتاه، أما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم، ألا يُشاب اللبن بالماء، فقالت الأم: قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك في موضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر، فقالت البنت لأمها: والله ما كنت لأطيعه علانية وأعصيه سراً، وكان أمير المؤمنين - في استناده إلى الجدار - يسمع هذا الحوار فالتفت إليّ يقول: يا أسلم، ضع على هذا الباب علامة، ثم مضى أمير المؤمنين في عسه، فلما أصبح، ناداني: يا أسلم امض إلى البيت الذي وضعت عليه العلامة، فانظر من القائلة، ومن المقول لها؟ انظر هل لهما من رجل؟ يقول أسلم: فمضيت، فأتيت، الموضع فإذا ابنة لا زوج لها، وهي تقيم مع أمها وليس معهما رجل، فرجعت إلى أمير المؤمنين عمر فأخبرته الخبر، فدعا إليه أولاده، فجمعهم حوله ثم قال لهم: هل منكم من يحتاج إلى امرأة فأزوجه؟ لو كان بأبيكم حركة إلى النساء، ما سبقه أحد منكم إلى الزواج بهذه المرأة التي أُعرف نبأها، والتي أحب لأحدكم أن يتزوجها. فقال عاصم يا أبتاه تعلم أن ليس لي زوجة فأنا أحق بزواجها، فبعث أمير المؤمنين من يخطب بنت بائعة اللبن لابن أمير المؤمنين عاصم، فزوجه بها، فولدت له بنتاً تزوجها عبد العزيز بن مروان، فولدت له خامس الخلفاء الراشدين الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليهم أجمعين.
كان من يمن هذا التصرف الكريم أن جاءت ثمرة هذا الزواج، خليفة لا تعرف الإنسانية له نظيراً في عدالته، وزهادته، وسعادة رعاياه به، - رضي الله عنه - وتسألني الآن عن صفات ذات الدين من النساء؟
وأجيبك بما قاله صفوة البشر صلى الله عليه وسلم فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ألا أخبركم بخير ما يكنــز المرء؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر اليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته]. ( رواه أبو داود والبيهقي ) .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل، خيراً له، من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله] . (رواه ابن ماجه ).
وإذا كان هذا هو وصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للمرأة الصالحة المتدينة فإنه ولا شك أنها موجودة في البيئة الصالحة الطيبة، فإن كان رب البيت من الصالحين الأتقياء فلا بد من أن تكون بنياته من العفيفات المتدينات، ولهذا نصح الشاعر المسلم بقوله:
وإن تزوجت فكن حاذقاً *** واسأل عن الغصن وعن منبته
واسأل عن الصهر وأحواله *** من جيرة وذي قربتـــــه
إن أول أساس وضعه لك الإسلام، لاختيار شريكة العمر، أن تكون صاحبة دين، ذلك أن الدين يعصم المرأة من الوقوع في المخالفات، ويبعدها عن المحرمات، فالمرأة المتدينة بعيدة عن كل ما يغضب الرب، ويدنس ساحة الزوج.
أما المرأة الفاسدة المنحرفة البعيدة عن هدى دينها، وتعاليم إسلامها، فلا شك أنها تقع في حبائل الشيطان بأيسر الطرق، ولا يؤمن عليها أن تحفظ الفرج، أو تصون العرض، بل إن الخطر يشتد إذا كان مع الفساد جمال، ومع الجمال مال.
من أجل ذلك بالغ الإسلام في حَثَّك على اختيار ذات الدين، وحضك على البحث عنها في كل بيت مسلم أمين .
أما الأساس الثاني لاختيار شريكة الحياة فهو أن تكون صاحبة خلق ، والحقيقة أن هذا العنصر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأساس الأول الذي هو الدين، ذلك أن المتدينة لا بد من أن تكون صاحبة خلق رفيع ، لأن دينها سيمنعها من فحش القول ، وبذاءة اللسان، وسوء المنطق وثرثرة الكلام، وعلى كل فحسن الخلق أساس قويم، ومنهج حكيم في البحث عن المرأة الصالحة ، ( وصدق لقمان الحكيم عندما قال لولده يا بني اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل المشيب، يا بني استعذ بالله من شرار النساء، واسأله خيارهن، فاجهد نفسك في الحصول على الصالحة الطيبة تلق السعادة أبد الحياة) (انظر إحياء علوم الدين ج 2 ص 45 ) .
ومن الأسس التي فصل الإسلام فيها القول عند اختيار شريكة الحياة هو أن يكون هناك تقارب في السن والثقافة، والنسب، وهذا هو ما يطلق عليه في فقهنا الإسلامي باسم (التكافؤ بين الزوجين)، وذلك لحفظ مستوى الحياة الزوجية، والإنسجام بين الزوج وزوجه .
ثم إن الإسلام طالبك ورغبك بأن تكون امرأتك التي تريد الزواج بها بكراً، وما رغب في ذلك إلا لأن طبعك الإنساني يألف الجديد، وينفر من امرأة مسها واحد قبلك، ولهذا قال نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم لصاحبه الجليل جابر بن عبدالله عندما علم أنه تزوج ثيباً: [هلا بكراً تلاعبك وتلاعبها] ، فعلل الصاحب الجليل زواجه بالثيب بأن أباه قد مات وترك له أخوات صغيرات يحتجن إلى الرعاية والعناية، وأن الثيب في هذه الحالة أقدر على رعاية البيت، ولولا هذا الذي قدره الله وقضاه لكانت بكراً، وفي المرأة البكر فوائد جليلة، ومحاسن وفيرة، حيث إنها تجعل كل حبها لهذا الذي اختارها من بين آلاف النساء، وما الحب إلا للحبيب الأول، ثم إنها لم تجرب الرجال من قبل فلا شك في أنها ستمنح من يتزوج بها جميع ما تملك من مودة وحنان، ولذلك قال حبيب الطائي:
نقل فؤادك حيث شئت الهوى *** ما الحبُّ إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبداً لأول منــزل
ومن الأسس التي وضعها لك الإسلام، أن تختار المرأة الولود.
والولود تعرف بشيئين:
الأول: خلو جسدها من الأمراض التي تمنع الحمل، ويرجع في هذا إلى المتخصصين من الأطباء الذين هم أهل الذكر في هذا الشأن، وهو ما رأته بعض الدول من ضرورة العرض على الأطباء قبل الزواج.
الثاني: أن ننظر في حال أمها وعشيرتها، وأخواتها المتزوجات، فإن كنَّ من الصنف الولود فهي ولود في الغالب - إذا أراد الله - ذلك أن للوراثة من الأدوار ما لا يخفى، ومن أجل ذلك أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالبحث عن المرأة الولود.
فعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول: [تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة]. رواه أبو داود والنسائي .
وعن معقل بن يسار، قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسن وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: "لا"، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: [ تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ] (رواه النسائي وأبو داود ).
أما حينما تكون الزوجة ضعيفة الديانة، سيئة الخلق، فإنه لا يؤمَّل منها بناء أسرة صالحة، ولا يتحقق بسببها هناءٌ ولا سعادة، بل قد تكون سبب عناء وبلاء على الزوج، ولذا جاء التحذير من الانخداع بجمال المرأة الظاهر، دون نظر إلى الجمال الحقيقي، والمتمثل في الدين ومكارم الأخلاق، وطيب المعشر، فقد روي عنه قوله: ((لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين)) رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما[أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح [1859]، والبيهقي في السنن الكبرى (7/80)، والبزار في مسنده (6/413) وغيرهم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وفي سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب [1209]].
فما هذه التوجيهات النبوية إلا مظهر من مظاهر عناية الإسلام بأمر النكاح، وتوجيه الزوج نحو ما يحقق له حياة هنيئة، وسعادة زوجية.
أما فيما يتعلق بالزوجة فإن من عناية الإسلام بأمرها ما وجه إليه أولياء أمور النساء من ترغيبهن في النكاح، والحرص على تزويجهن بالأكفاء، وقبول الخاطب إذا خطبهن، والحذر من ردّه متى كان صالحًا في دينه، مستقيمًا في أخلاقه، فقد جعل رسول الله ذلك هو المعيار للقبول أو الردّ، دون اعتبار لغير ذلك من معايير تواطأت عليها بعض المجتمعات، وتعارف عليها بعض الناس، مما لا أصل له في دين الإسلام، بل ربما ترتب عليها من المفاسد والأضرار ما لا يعلمه إلا الله، ولذا قال : ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) رواه الترمذي وابن ماجه[أخرجه الترمذي في كتاب النكاح [1084]، وابن ماجه في كتاب النكاح [1967] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الحاكم (2/164ـ 165)، وتعقبه الذهبي بأن فيه عبد الحميد بن سليمان قال فيه أبو داود: كان غير ثقة، وفيه أيضًا ابن وثيمة لا يعرف. ثم اختلف في إسناده، فنقل الترمذي عن البخاري أنه يرجح انقطاعه. ولكن للحديث شواهد يتقوى بها. ولذا حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة [1022]].
وإن مما يُؤسَى له أن يَعمَد بعض الأولياء إلى عَضْل[العضل هو التضييق ومنع المرأة من الزواج ظلمًا] من تحت ولايته من النساء، من بنات وأخوات، لأطماع مادية، أو لعادات اجتماعية، لا أصل لها في شريعة الإسلام، فيلحق بمولياته من عظيم الضرر، وشديد الحسرة والألم ما الله به عليم.
ألا يتقي الله أولئك الأولياء بهذا الصنيع الذي يستوجب غضب الله تعالى عليهم، ومساءلتهم عنه يوم القيامة، فقد قال : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)) [أخرجه البخاري في كتاب الجمعة [893]، ومسلم في كتاب الإمارة [1829]، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما].
فيا أولياء أمور بنات المسلمين اتقوا الله تعالى في كل ما تأتون وتذرون، وتلمسوا أسباب الخير والبركة في كل ما تريدون وتقصدون. ولتعلموا أن أقوى الأسباب في حلول البركة في الزواج، وحصول التوفيق فيه صلاح الزوجين واستقامتهما على طاعة الله ومرضاته، وتحليهما بآداب الإسلام وشمائله، وتيسير مؤونة النكاح وتكاليفه، والبعد عن مظاهر الإسراف فيه، فذلك كله من أقوى العوامل، وأجدى الوسائل في حصول السعادة والتوفيق في الحياة الزوجية، فقد قال في معرض التوجيه للأمة للأخذ بأسباب البركة والتوفيق في النكاح: ((أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة)) رواه الإمام أحمد وغيره[أخرجه أحمد (6/145)، والنسائي في الكبرى (5/402) والبيهقي في السنن (7/235)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه الحاكم (2/178)، ووافقه الذهبي، وفي سنده ابن سخبرة لا يدرى من هو. ولذا ضعف الألباني هذا الحديث في السلسلة الضعيفة [1117]]، وروى أهل السنن عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولاكم به رسول الله )[ أخرجه أحمد (1/40 ـ 41، 48)، وأبو داود في كتاب النكاح [2106] والترمذي في كتاب النكاح [1114]، والنسائي في كتاب النكاح [3349]، وابن ماجه في كتاب النكاح [1887]، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح" وصححه ابن حبان [4620 ـ الإحسان ـ]، والحاكم (2/175 ـ 176)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود [1852]].
ثانياً ــ اختيار الزوج :
على الأخت المسلمة الواعية ألا تقبل الزواج من رجل إلا بعد أن تكون قد درست أخلاقه وصفاته ودرست كذلك أسرته الكبيرة، وعرفت عنه ما يلزم لها، كي تشعر بأمان واطمئنان، وتقبل إلى الحياة الهانئة معه في ظل قناعة ورضا وقبول وحب يجب أن تتروى الأخت المسلمة حتى تستمع إلى نصائح والدتها ووالدها وأقاربها ، وصديقاتها المؤتمنات على الأسرار، حتى تنجح في اختيار الزوج الذي يناسبها، وتعيش معه في ظل سعادة وهناء وراحة بال.
إن أول أساس وضعه الإسلام، لاختيار شريك العمر، أن يكون صاحب دين، ذلك أن الدين يعصم الرجل من الوقوع في المخالفات ، ويبعده عن المحرمات، فالرجل المتدين بعيد عن كل ما يغضب الرب، ويدنس ساحة الزواج.
أما الرجل الفاسد المنحرف البعيد عن هدى دينه، وتعاليم إسلامه، فلا شك أنه يقع في حبائل الشيطان بأيسر الطرق، ولا يؤمن عليه أن يحفظ الفرج، أو يصون العرض، بل إن الخطر يشتد إذا كان مع الفساد هوى، ومع الهوى مال .
وأما الأساس الثاني فهو أن يكون الزوج ذا خلق ، والحقيقة أن هذا العنصر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأساس الأول الذي هو الدين، ذلك أن المتدين لا بد من أن يكون صاحب خلق، لأن دينه سيمنعه من فحش القول، وبذاءة اللسان، وسوء المنطق وثرثرة الكلام، وعلى كل فحسن الخلق أساس قويم، ومنهج حكيم في البحث عن الرجل .
ثالثاً ــ عرض الرجل ابنته على الصالحين:
ينبغي للرجل الصالح أن يعرض ابنته على الرجل الصالح الذي يرى فيه صلاحا لابنته .
1 ـ فالله عز وجل في كتابه الكريم ، يقص علينا قصة موسى بن عمران وشعيب عليهما السلام حين عرض شعيب عليه السلام ابنته على موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام ليتزوجها؛ لأن شعيبا عليه الصلاة والسلام رأى أن موسى عليه السلام صالح وهو لم يعرفه .
2 ـ وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد مات زوج ابنته حفصة:
(لقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فقال: سأنظر في أمري فلبث ليالي ثم لقيته فعرضت ذلك عليه فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج فلقيت أبا بكر فقلت له: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فصمت ولم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبث ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحها إليه فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت على حفصة فلم أرجع إليك فقال: نعم فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله ولو تركها لقبلتها.
3 ـ وهذا الرسول عليه السلام يختار لابنته فاطمة رضي الله عنها صاحب الدين والشجاعة والإيمان علي بن أبي طالب ليكون زوجا لها فكان هذا الزواج أسعد زواج عرفه المسلمون.
4 ـ وهذا سعيد بن المسيب كبير علماء التابعين يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويزوج ابنته لرجل فقير وهو عبد الله بن وداعة ولكنه صالح تقى فاختار ابن المسيب عبد الله بن وداعة هذا الفقير الصالح التقي أن يكون زوجاً لابنته على الوليد ابن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فضرب ابن المسيب الجاه والمنصب والسلطان عرض الحائط فاستمع هذه القصة يرويها عبد الله بن وداعة فقال: كنت أجلس مع سعيد بن المسيب فتفقدني أياما فلما أتيته قال أين كنت: قلت توفيت زوجتي فاشتغلت بها، قال هلا أخبرتنا فشهدناها ثم أردت أن أقوم قال: هل استحدثت امرأة؟ فقلت يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أوثلاثة؟ فقال أنا فقلت وتفعل؟ فقال: نعم فحمد الله تعالى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على درهمين أو قال ثلاثة ثم قمت وما أدري ما أصنع من الفرح، وجعلت أفكر ممن أستدين فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي فأسرجت وكنت صائماً فقدمت عشائي وكان خبزاً وزيتاً وإذا ببابي يقرع فقلت: من هذا؟ قال سعيد. ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب لأنه لم ير أربعين سنة إلا بين داره والمسجد، ثم خرجت إليه فإذا هو سعيد بن المسيب فظننت أنه قد بدا له "فقلت يا أبا محمد لو أرسلت إلي لأتيتك. فقال لا أنت أحق أن تؤتى قلت: فما تأمر؟ قال: إنك كنت رجلا عزبا، فكرهت أن أبيتك الليلة وحدك وهذه امرأتك، وإذا هي قائمة خلفه في طوله، ثم أخذها بيدها فدفعها في الباب ورده فاستوثقت من الباب ثم تقدمت إلى القصعة التي فيها الخبز والزيت فوضعتها في ظل السراج لكيلا تراه ثم صعدت السطح فرميت الجيران فجاؤني وقالوا: ما شأنك؟ قلت: ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم وقد جاء بها الليلة على غفلة فقالوا: أو سعيد زوجك؟ قلت: نعم. فنزلوا إليها وبلغ ذلك أمي فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام. فأقمت ثلاثا ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل النساء، وأحفظ الناس لكتاب الله تعالى وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزواج ثم مكثت شهرا لا يأتيني سعيد ولا آتيه. فلما كان بعد الشهر أتيته وهو في حلقته فسلمت عليه فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تفرق الناس فقال : ما حال ذلك الإنسان؟ فقلت: بخير يا أبا محمد. ثم انصرفت إلى منزلي فوجه إلي بعشرين ألف درهم..
5 ـ وكان بمدينة مرو رجل يقال له: نوح بن مريم وكان رئيس البلد وقاضيها وذا نعمة وجاه موفقا. وكانت له بنت ذات جمال وبهاء وكمال، فخطبها منه جماعة من الأكابر والرؤساء وأصحاب المال والثراء، فلم ينعم بها لأحد منهم. وحار في أمرها وكان له عبد هندي أسود اسمه مبارك، وكان له أشجار وبساتين فقال لذلك العبد: اذهب إلى البساتين واحفظ ثمرها. فمضى إليها وأقام بها شهرين ثم جاء سيده يلقي نظرة على بساتينه وجلس تحت شجرة باسقة يأخذ الراحة لنفسه ويمعن طرفه في هذه الثمار اليانعة، التفت السيد إلى مملوكه وقال له: يا مبارك ائتني بقطف من العنب فأسرع مبارك وجاءه بقطف من العنب، وتناول السيد حبة منه فإذا هو حامض فقال: يا مبارك إنك أتيتني بقطف حامض فائتني بغير هذا، وأسرع مبارك ثانية فجاء بقطف وناوله إياه، فأكل السيد منه فوجده حامضا. وهنا كاد الغضب يستولي على السيد لولا ما يتحلى به من الحلم والأناة فكتم غضبه واتجه إلى مبارك قائلا: لماذا لم تأتني بقطف حلو والبستان مملوء من جميع الأنواع؟ ويجيب مبارك ببراءة وصدق قائلا: يا سيدي، أنا لا أعرف الحلو فيه من الحامض، واستغرب السيد هذا القول، عامل البستان لا يفرق الحلو من الحامض، ثم صارح مباركاً قائلا: لك شهران في البستان ولا تعرف فيه الحلو من الحامض، وانبرى مبارك يؤكد لسيده ويقسم له إنه لا يعرف الحلو من الحامض لأنه خلال هذه المدة لم يذق من البستان ثمرة واحدة، وزاد استغراب السيد من كلامه هذا قائلا: ولم لا تأكل منه؟ وما الذي منعك من تناول هذه الثمار التي بين يديك؟ وعاد مبارك يقول ببساطة: إنك أمرتني بحفظه ولم تسمح لي بالأكل منه فأنا أنفذ ما أمرتني به وما كنت لأخون في مالك وأخالف أمرك، والله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
فعجب سيده من ورعه وأمانته وصدقه ودينه، وأطرق السيد قليلاً ودارت في ذاكرته أشياء كثيرة واهتدى إلى أمر قرره في نفسه وشرع يعمل على إنفاذه: إن ابنته الحلوة الجميلة التي ضن بها على الرؤساء وأصحاب الثراء لهي خير هدية يقدمها إلى هذا الإنسان الأمين الطيب، وإنه لجدير بأن يحظى بهذه الفتاة الرائعة لقاء ما يتمتع به من خلق كريم وأمانة وصدق، ولكن هل يجد عقبات في إتمام هذا المشروع الأخير؟ قد يكون ذلك، ولكنه يستعين بالله تعالى على تذليل العقبات- إن وجدت- ويلتفت السيد إلى مبارك يقول: يا مبارك إني أستشيرك في أمر فأشر علي بما ترى فإني رأيتك ذا عقل وروية فقال مبارك: رحماك يا سيدي أنا عبد مملوك لك، فمرني بما تريد أنفذ إرادتك حسب استطاعتي قال السيد: نعم، إن لي بنتا هي آية في الجمال والكمال وقد خطبها كثير من الرؤساء والزعماء وأصحاب الجاه والثروة وقد حرت في أمر تزويجها ولمن أعطيها فأشر علي في هذا الأمر. قال مبارك: يا سيدي، كان الناس في الجاهلية يرغبون في الأصل والنسب والحسب، واليهود والنصارى يرغبون في الحسن والجمال، وفي زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبون في الدين والتقوى وفي زماننا يرغبون في المال والجاه، فاختر لنفسك ولبنتك من هذه الأشياء ما شئت. كان السيد يصغى إلى مبارك فوجد في كلامه حكمة يعجز عنها الفصحاء والحكماء.
فازداد له حبا وبه تعلقا فقال: يا مبارك، إني راغب في الدين والتقوى، ثم أردف يقول: وإني وجدتك ذا دين وأمانة وتقوى وإني عزمت على أن أزوجك بها قال مبارك: يا سيدي، أنا عبد رقيق أسود وقد اشتريتني بمالك فكيف تزوجني بابنتك وكيف ترضى ابنتك بي؟!! وكانت هذه هي العقبة التي جالت في فكره ولكنه كان يعهد في ابنته الصلاح والتقوى أيضا إلى جانب جمالها، لذا كان أمله قويا في استجابة ابنته لرغبته، ورضاها في الزواج ممن ارتضاه لها واتجه السيد إلى مبارك قائلا: اتبعني.. ودخلا بيت السيد بدون مقدمة ولا توسل قال السيد لابنته: يا ابنتي اسمعي: إني رأيت هذا الغلام تقيا أمينا صالحا وإني رغبت في أن أزوجك منه فما رأيك؟! وأجابت البنت على الفور: أنا ابنتك وأمري إليك لا أعصيك أبدا ولا أخالفك وأنا أرضى بما رضيته لي.. وكذلك وافقت الأم على ذلك بكل سرور واطمئنان، وتم الزواج وأعطاها السيد مالا كثيرا معينا به في حياتهما وعاشا سعيدين موفقين، ولم تمض فترة على هذا الزواج حتى رزقا بمولود سمياه عبد الله، واشتهر عبد الله بن مبارك المعروف عند العلماء الصالحين رضي الله عنه ونفعنا به. وتلك ثمرة الأمانة العاجلة في الدنيا قبل الآخرة.
خاتمة :
فإلى الآباء الذين أعرضوا عن تزويج بناتهم بأصحاب الدين والخلق وباعوا بناتهم للفساق والفجار رغبة في مالهم وجاههم غير مبالين بأي نقص في الدين نقول اتقوا الله واعلموا أن بناتكم بأيديكم أمانة ، فلقد روى ابن حبان بسند صحيح (من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها)[ ذكر الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ، المجلد الثاني ؛ الباب الثاني ، الحديث 7: أن ابن حبان رواه في الثقات من قول الشعبي بإسناد صحيح] ؛ فبمن تطمعون لبناتكم؟ أبصاحب مال و عقار و حذاء و كساء وبناء ، ولو كان دينه ما كان .. أم ماذا؟
فعلى الآباء أن يزوجوا بناتهم من أصحاب الدين والخلق والمروءة وأن يختاروا لبناتهم الزوج الصالح ذا الصفات الكريمة فكفاءة الدين والخلق هي المهم في القبول لا كفاءة المال.
لقد شرع الله عز وجل النكاح لمصالح الخلق، وعمارة هذا الكون، ففي النكاح مصالح عظمى، ومنافع كبرى، وإنه بقدر عناية المجتمع وحرص الأمة على أمر النكاح، والسعي في تزويج الناشئة، وتسهيل سبل النكاح، وتيسير أسبابه، يتحقق للأمة ما تؤمل من سعادة أبنائها، وحصول الأمن والطمأنينة في مجتمعاتها.
غير أن الواقع المؤلم أن كثيرًا من المجتمعات المسلمة اليوم قد ابتعدت عن هدي الإسلام، وتشريعاته الداعية إلى تسهيل سبل النكاح، وتيسير أسبابه، حيث يغالي البعض في طلب المهور العالية، والتكاليف الباهظة، ويسرفون في إقامة الولائم والحفلات، ويبذلون في سبيل ذلك الأموال الطائلة، التي تبدد مال الأغنياء وتثقل كاهل الفقراء، مما كان عائقًا لكثير من الشباب عن الإقدام على الزواج، لعجزهم عن أعبائه وتكاليفه، ومما ترتب عليه أيضًا حرمان كثير من الفتيات عن حقهن المشروع في الزواج، وعضلهن عن النكاح بالأكفاء، فكم في المجتمعات المسلمة من فتيان وفتيات قد حيل بينهم وبين ما جبلوا عليه من الرغبة في النكاح، وبناء الأسرة، والعيش تحت ظلها الوارف، بسبب تكاليف الزواج الباهظة، أو بسبب ما للعوائق من العادات والتقاليد الاجتماعية المخالفة لهدي الإسلام وتعاليمه، مما أدى إلى مفاسد وأضرار عظمى في بعض المجتمعات المسلمة، وانحراف بعض الناشئة عن طريق العفاف والفضيلة.
وهذا مما يدفع الجميع ( جميع المسلمين ) لتتضافر منهم الجهود، ولا سيما من ذوي التأثير في المجتمع من العلماء والوجهاء، والمصلحين والمفكرين، وحملة الأقلام ورجال الإعلام، في الحث على تسهيل أمور النكاح، وتيسير أسبابه ووسائله، ونشر الوعي العام بذلك في المجتمعات المسلمة، تحقيقًا لمصالح الأمة، ودرءًا للأضرار والأخطار عنها، فقد قال الله عز وجل: } وَأَنْكِحُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ { [النور: 32].
وعلى المسلمين أن يعملوا على العناية بتزويج الناشئة، وتيسير أسباب النكاح عليهم، كي يقدموا عليه بارتياح وطمأنينة، ويقيموا أسرًا صالحة، تكون لبنة عاملة في الأمة، إذ بهذا تصلح المجتمعات وتسعد الأمة، ويتحقق لها ما تؤمل من عزّ أبنائها، ورقي مجتمعاتها، واستقامة شؤونها وصلاح أحوالها ، وبذلك تحصل السعادة الدنيوية التي هي مقدمة للسعادة الأخروية الأبدية .
ألا وصلوا على نبي الرحمة والهدى، كما أمركم بذلك المولى جل وعلا فقال: } إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً { [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد إمام المتقين،وسيد الأولين والآخرين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين،الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعملون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي،وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك يا أكرم الأكرمين.
سلسلة إصلاح الأسرة (1) علاقة الحماة بكنتها !!!
سلسلة إصلاح الأسرة (2) الوفاق خير من الشقاق !!!
سلسلة إصلاح الأسرة (3) السعادة في الاختيار الصحيح !!!
سلسلة إصلاح الأسرة (4) مفاهيم وقيم خير الأمم !!!
سلسلة إصلاح الأسرة (5) الإسلام والعفة في الأسرة والمجتمع ؟؟؟
سلسلة إصلاح الأسرة (3)
السعادة في الاختيار الصحيح !!!
حسام الدين سليم الكيلاني
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى