لبيك يا الله



حديث قدسىعن رب العزة جلا وعلاعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا له جبريل، عليه السلام، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً، دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً، فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض”.
المواضيع الأخيرة
كل عام وانتم بخيرالجمعة 23 أبريل - 16:08رضا السويسى
كل عام وانتم بخيرالخميس 7 مايو - 22:46رضا السويسى
المسح على رأس اليتيم و العلاج باللمسالأربعاء 22 أغسطس - 14:45البرنس
(16) ما أجمل الغنائمالجمعة 11 أغسطس - 18:51رضا السويسى
مطوية ( وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)الأحد 9 أغسطس - 19:02عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)السبت 8 أغسطس - 12:46عزمي ابراهيم عزيز
مطوية ( إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )الأربعاء 5 أغسطس - 18:34عزمي ابراهيم عزيز



اذهب الى الأسفل
رضا السويسى
الادارة
الادارة
رضا السويسى
لبيك يا الله
الرسائل
النقاط
البلد

مساندة المسلمين لإخوانهم بالدعاء Empty مساندة المسلمين لإخوانهم بالدعاء {الثلاثاء 20 سبتمبر - 18:32}

مساندة المسلمين لإخوانهم بالدعاء

الشيخ محمد صالح المنجد

عناصر الخطبة :

1. مواساة المسلم لإخوانه المسلمين.

2. الدعاء من أعظم ما يقدمه المسلم لإخوانه.

3. حال الأنبياء في مقام الدعاء لأقوامهم.

4. حال السلف في الدعاء لإخوانهم.

5. آداب الدعاء وأوقاته.



الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

مواساة المسلم لإخوانه المسلمين

عباد الله:

قد جعل الله المؤمنين إخوة، وعقد بينهم هذا العقد العظيم في كتابه، ووصفهم بذلك {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (سورة الحجرات10)، {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} (سورة الأنبياء92)، وقال نبيه عليه الصلاة والسلام: ((وكونوا عباد الله إخوانا))[رواه البخاري6064] ولا يحب الإنسان لنفسه إلا الخير، ولذلك فهو يحبه لإخوانه، في مشارق الأرض ومغاربها، وإن من عقد الإخوة أن تفرح لفرح إخوانك المسلمين في العالم، وأن تحزن لما أصابهم من الكرب والشدة، كما قال نبيك صلى الله عليه وسلم: ((يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس))[رواه أحمد 22370 وحسنه الألباني في الجامع الصغير6659] فهم جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، إنها الولاية بين المؤمنين، التي عقدها الله بقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} (سورة التوبة71)، ولذلك فإن المؤمن لا يكتفي بسلامة نفسه، وأهله، وماله هو، وإنما يريد أن يسلم أيضاً لإخوانه المسلمين أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم.

الدعاء من أعظم ما يقدمه المسلم لإخوانه

ولذلك يتساءل المسلم إذا رأى إخوانه المسلمين في مكان في العالم في لأواء، أو شدة، أو ضنك، ماذا أقدم لهم؟ ماذا عساي أن أفعل لهم؟ {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} (سورة هود80)، ولكن هناك أمر سهل عظيم، ((الدعاء هو العبادة)) [رواه الترمذي2969 وصححه الألباني في الجامع الصغير3407 ]، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (سورة غافر60)، وهكذا يجد المؤمن في المتناول ما يفعله لإخوانه.

وإني لأدع الله والأمر ضيق *** عليّ فما ينفك أن يتفرجا

وكم من فتىً ضاقت عليه وجوهه *** أصاب لها من دعوة الله مخرجا

ومن أسرع الأدعية استجابة؛ دعاء الغائب للغائب، فإذا غاب عنك أخوك، أو إخوانك في مكان ما من العالم، فإنك تدعو لهم، ودعوة الأخ في الله تستجاب، وإخوان العشرة لوقت العسرة، والعاطفة والمحبة بين المؤمنين تقتضي أن لا ننساهم من دعائنا، وتشتد حاجة المسلمين بعضهم لبعض عندما تكثر الفتن، والمحن، والابتلاءات، والمصائب، فيتضرع بعضهم من أجل بعض {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (سورة النحل53)، وهكذا ليس شيء أكرم على الله من الدعاء، وإذا أصاب إخواننا في الأرض شيء من الشدة؛ فزعنا إلى الله من أجلهم، وامتثلنا قول الله: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} (سورة الأنعام43)، فإذا جاءهم؛ كأنه جاءنا، فنحن وهم شيء واحد، إنه بنيان الإيمان، ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا))[رواه البخاري481] هو أخوه لا يخذله، ولا يسلمه، كيف يتركه؟! كيف يتخلى عنه؟! ولو لم يملك إلا هذا اللسان لكي يجأر إلى الله به؛ جأر وتضرع، رأى حبيب أبو محمد -من السلف الصالح- ظالماً يضرب امرأة عجوزاً بالسوط فقال: اللهم اقطع يده، فما لبث إلا ثلاثة أيام حتى قطعت يد ذلك الظالم في سرقة.

ارفع أكفك بالدعاء تضرعاً *** ما خاب من يرجو الكريم ويطلب

اسأله ذلاً للذين تجبروا *** فالله يقسم من يشاء ويعطب

حال الأنبياء في مقام الدعاء لأقوامهم

ولما علم الأنبياء هذا المقام، قاموا بالدعاء لغيرهم، فهذا إبراهيم أبونا يقول: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (سورة إبراهيم 40- 41)، فلم يكتف بالدعاء لنفسه، بل شمل ذريته، وإخوانه المؤمنين إلى قيام الساعة، وكذلك قال عيسى:{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سورة المائدة114)، ومن قبل نوح أبونا عليه السلام، أبو البشرية الثاني الذي قال في دعائه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (سورة نوح28)، بل حتى ملائكة الرحمن تدعو للمؤمنين أليسوا إخواناً لهم في الإيمان؟! {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة غافر7-8)، وهكذا يستغفرون لمن في الأرض.

وإذا نظرنا في أدعية نبينا صلى الله عليه وسلم لإخوانه، فإننا نجد في دعائه في بدر لما التقى الصفان: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام))، يعني: هذه المجموعة ((لا تعبد في الأرض))[رواه مسلم1763]، ولما رأى عدد أصحابه ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً، والكفار ثلاثة أضعافهم، فلما رأى قلة العدد والعدة عند المؤمنين، وكثرة ذلك عند الكافرين، قال داعياً لإخوانه وأصحابه:((اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عارة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم))، ففتح الله له يوم بدر فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا. [رواه أبو داود2747، وحسنه الحافظ ابن حجر رحمه الله].

وكان عليه الصلاة والسلام يدعو لأصحابه إذا خرجوا في غزوة، أو سرية فيقول:((اللهم سلمهم وغنمهم))[رواه ابن حبان3416 وصححه الألباني] فكانوا يسلمون ويغنمون.

ولما كان من أصحابه في مكة تحت الظلم، والقهر، والتعذيب، كان يقول في قنوته: ((اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين))، [رواه البخاري1006 ومسلم675].

ولما قدم المدينة ورأى أصحابه المكيين قد أصابتهم الحُمى، واشتاقوا إلى مكة قال:((اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم صححها))، يعني: اجعل جوها صحياً، واجعل هواءها وماءها صحيحاً، ((وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها إلى الجحفة))، [رواه البخاري1889 ومسلم1376].

ولما انقطع المطر دعا للمسلمين: ((اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا))[رواه البخاري1013]، وهكذا لما كثُر المطر، وتهدمت البيوت، وتقطعت السُبل، وهلكت المواشي من كثرة المطر رفع يديه وقال:((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والآجام والضراب والأودية ومنابت الشجر، فانقطع المطر))[رواه البخاري1013]، وهذا يسمى دعاء الاستصحاء إذا خيف من كثرة المطر والضرر.

نظر النبي عليه الصلاة والسلام قِبل اليمن فقال:((اللهم أقبل بقلوبهم، وبارك لنا في صاعنا ومدنا))، [رواه الترمذي3934 وهو حديث حسن صحيح].

ولما أبت دوس وعصت قال:((اللهم اهد دوساً وأت بهم)) [رواه البخاري2937 ومسلم2524]، وهكذا ذهب يدعو لأهل البقيع.

يا من يرى ما في الضمير ويسمع *** أنت المعد لكل ما يتوقع

يا من يرجى للشدائد كلها *** يا من إليه المشتكى والمفزع

يا من خزائن رزقه في قوله كن *** امنن فإن الخير عندك أجمع

ما لي سوى فقري إليك وسيلة *** فبالافتقار إليك فقري أدفع

ما ليس سوى قرعي لبابك حيلة *** فلئن رددت فأي باب أقرع

وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو لأصحابه حتى في صلاته، ولما سمع صوت عباد بن بشر قال:((اللهم ارحم عباداً))[رواه البخاري2655]، ودعا لشاب أن يعافيه الله من الزنا، وقال:((اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه))[رواه أحمد 21708 وصححه محققو المسند36/545]، وكان يدعو حتى للأطفال، كما قال أبو موسى رضي الله عنه: "ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم، فحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة"[رواه مسلم2145]، فهكذا الدعاء للمسلمين كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً، سواء كانوا قريبين أو بعيدين.

اللهم إنا نسألك الفرج العاجل لإخواننا المسلمين، يا أرحم الراحمين، اللهم أنزل علينا وعليهم السكينة والطمأنينة، وارزقنا وارزقهم من حيث لا يحتسبون، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والنجاة يوم المعاد.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله أحمده وأشكره، وأثني عليه ولا أكفره، وأخلع كل من يكفره، أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، لا إله إلا هو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله، محمد بن عبد الله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وأزواجه، وذريته، وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيل ربه صدقاً، فصلوات الله وسلامه عليه.

حال السلف في الدعاء لإخوانهم

عباد الله:

لقد جرى السلف على هذا المنوال في الدعاء لإخوانهم، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (سورة الحشر10)، يعني: من بعد المهاجرين والأنصار.

"قال الأصمعي: لما صاف قتيبة بن مسلم لقتال الترك، وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع؟ -ونحسبه من أولياء الله-، فقيل: هو ذاك في الميمنة جامح بقوسه يبصبص بأصبعه نحو السماء يدعو بها، فقال: تلك الأصبع أحب إليّ من مائة ألف سيف شهير، وشاب طرير"، ومن عباد الله من لو أقسم على الله لأبره، أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لا يؤبه له، لكن دعاءه مستجاب، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((أبغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم))[رواه أبو داود2594 وصححه الألباني في الجامع الصغير 41] وهذا يدل على فساد قول القائل:

إسلامنا لا يستقيم عموده *** بدعاء شيخ في زوايا المسجد

بل يستقيم وزيادة، ودعاء الشيخ في زوايا المسجد قد يكون فيه خير عظيم للأمة أجمعين.

ولما استفحل أمر التتر واجتمعت الجيوش الشامية والمصرية لقتالهم، وتضرع الناس في سائر الأمصار إلى الله أن ينصرهم، وأن يكسر شوكة التتر، فكانت الأخبار تأتي بنصر المسلمين، وأن السيف يعمل في رقاب التتر ليل نهار، وأنهم هربوا، وفروا، واعتصموا بالجبال، والتلال، ولم يسلم منهم إلا القليل، فاستقرت خواطر الناس، وتباشروا لهذا الفتح العظيم، والنصر المبارك، كما قال ابن كثير رحمه الله يروي أخبار المعركة.

ولما غزى المسلمون بقيادة قتيبة بلدة بيكند أدنى مدائن بخارى إلى النهار، وأبطأ خبره على المسلمين، اشتد الناس بالدعاء لهم بالمساجد والأمصار، فمنح الله المسلمين أكتافهم، يعني: أكتاف الكفار.

قال بقية: كنا مع إبراهيم في البحر وهبت ريح، وهاجت الأمواج، واضطربت السفينة، وبكى الناس، فقلنا يا أبا إسحاق ما ترى الناس فيه؟ فرفع رأسه وقد أشرفنا على الهلاك، فقال: يا حي حين لا حي، ويا حي قبل كل حي، ويا حي بعد كل حي، يا حي يا قيوم، قد أريتنا قدرتك، فأرنا عفوك، فهدأت السفينة من تلك الساعة.

والقائد كان يدعو لجنده، فلما غزى عبد الله بن قيس رحمه الله خمسين غزاة ما بين شاتية وصائفة في البحر، لم يغرق فيه أحد، ولم ينكب من عسكره، وكان دائماً يسأل الله أن يرزقهم العافية، يقول: ارزقني العافية في جندي، وأن لا يبتليهم بمصاب.

وكان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله إذا اشتد الأمر يقول: إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية من نصرة دينك، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل، ويشتد في البكاء والدعاء فيستجيب الله، ويجعل أمر الصليبيين في اضطراب، ويعودون إلى بلادهم بشر مآب.

وحُبس رجل كان يجلس في مجلس عطاء السُليمي، فلما علم بحبسه، رفع يديه وبكى، وألح في الدعاء، قال الراوي: فوالله ما برحنا من البيت حتى دخل الرجل. أي: أنه أُخرج.

وحبس الحجاج الظالم مورقاً العجلي -من علماء السلف- فحاول الناس في إطلاقه فأعياهم، فقال بعضهم لبعض: تعالوا ندع الله، فدعوا مطرف بن عبد الله بن الشخير -من علماء السلف وصالحيهم-، فأمهم ودعوا الله، فلما كان من العشي، أذن الحجاج للناس بالدخول عليه، فدخل أبو مورق فيمن دخل، فلما رآه الحجاج قال لحرسه: اذهبوا مع هذا الشيخ إلى السجن فادفعوا إليه ابنه، دون مطالبة.

آداب الدعاء وأوقاته

عباد الله:

إن شأن الدعاء عظيم، والدعاء للآخرين قد يكون منفعة لك أنت يا عبد الله يوماً ما، وفي لحظة ما، وإذا تحرى المسلم أوقات الإجابة: كآخر ساعة من يوم الجمعة، وبدأ بحمد الله، والثناء عليه، ولم ينس نبيه صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليه في الدعاء، وكان على طهارة، واستقبل القبلة، ورفع اليدين، وأخلص، وانكسر قلبه، ونادى بالأسماء الحسنى، وألح وكرر، وتضرع وانكسر، {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} (سورة الأعراف205)، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد، فالتوسل إلى الكريم باسمه، وخفض الصوت في دعائه، رغبة ورهبة، مع الاعتراف بالذنب كما يدل عليه دعاء سيد الاستغفار، وإذا أطلق لسانك بالدعاء، فاعلم أنه يريد بك خيراً سبحانه، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (سورة البقرة186)، وإذا دعوت، ودعوت، ودعوت على هذا المنهاج، ولم تر استجابة فورية؛ فاعلم أنه قد حصلت أمور: إما أنه يؤخر لتزداد دعاءً فتزداد خيراً، وتزداد قرباً فتزداد منزلة عنده، ثم يجيبك، أو أنه قد دفع عنك شراً لا تعرفه كمثل ما دعوت أو أكثر، أو أنه ادخر لك مثوبة في الآخرة ستحمد عليها يوم القيامة.

قال عليه الصلاة والسلام:((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد))[رواه مسلم482]، ويكون الدعاء بجوامع الأدعية، ومنها:((اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا))[رواه الترمذي3502 وحسنه الألباني في الجامع الصغير 1268]، يعني: لا تنزل بنا ما ينقص الدين من اعتقاد سوء، أو بدعة، أو أكل حرام، والإنسان لا ينس إخوانه حضراً وسفراً، قال ابن عباس: قال عمر: أخرجوا بنا إلى أرض قومنا، فكنت في مؤخر الناس مع أبي بن كعب فهاجت سحابة، فقال: اللهم اصرف عنا آذاها؛ لأن هؤلاء الآن منقطعين في أرض سفر يلجؤون إلى أين إذا صار المطر الشديد؟ قال: فلحقناهم، وقد ابتلت رحالهم، وحصل بهم شيء من الأذى، ولم يحصل لهؤلاء، فقال عمر: ما أصابكم الذي أصابنا، قلت: إن أبا المنذر قال: اللهم اصرف عنا آذاها، قال: فهلا دعوتم لنا معكم. ورجاله ثقات.

وأعجز الناس من عجز عن الدعاء، وخصوصاً عندما يرى إخوانه في البلاء.

كم يستغيث بنا المستغيثون وهم *** قتلى وأسرى فما يهتز إنسان

ماذا التقاطع في الإسلام بينكم *** وأنتم يا عباد الله إخوان

ألا نفوس أبيات لها همم *** أما على الحق أنصار وأعوان

اللهم اغفر لنا أجمعين، وتب علينا يا أرحم الراحمين، لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي مشكور، اللهم ارحمنا وآباءنا وأمهاتنا يا أرحم الراحمين، أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أدخلنا الجنة مع الأبرار، ارزقنا الفردوس الأعلى، اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما، اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، أحسن وقوفنا بين يديك، ولا تعذبنا يوم العرض عليك، واجعلنا في ظل عرشك يا كريم، اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، واهد ضالنا، واستر عيوبنا، واقضِ ديوننا، وفرج كروبنا يا أرحم الراحمين، اللهم إنه قد نزل بإخواننا المسلمين في الأرض ما لا يعلمه إلا أنت من اللأواء، والشدة، والضنك، اللهم إنا فزعنا إليك، اللهم إنا توكلنا عليك، اللهم إنا التجأنا إليك، اللهم فاكشف ما نزل بإخواننا من ضر يا رب العالمين، اللهم اكشف ما نزل بهم من ضر يا أرحم الراحمين، اللهم عجل فرجنا وفرجهم إنك أنت الكريم، يا ذا العرش العظيم، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة، وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى